اخر الروايات

رواية خيوط القدر كاملة وحصرية بقلم سارة المصري

رواية خيوط القدر كاملة وحصرية بقلم سارة المصري


الفصل الاول

ارتمت على فراشها فى ارهاق واضح وأخذت نفسا عميقا ملأت به صدرها وكأنها تزيح به ارهاق اليوم كله ، رفعت قدميها واخرجتهما من الحذاء وهى تلقى به فى عشوائية ، وفى تكاسل مدت يدها لتشد الرباط الذى يجمع شعرها لتحس وكانه عاد ليتنفس من جديد بعدما اختنق طيلة اليوم بهذا الرباط الانيق ، مررت يدها على ازرار بذلتها الرسمية التى لم تعتد عليها بعد وفكت أول ازرارها وكاد النعاس ان يغلبها من شدة الارهاق ولكنها فتحتهما من جديد وهى تحاول تشجيع روحها ، لاداعى للتعجب ، ستعتاد كل شىء مع مرور الوقت كما اعتادت ماهو أصعب ، لا يجب عليها ان تتهم نفسها بالكسل والتراخى فالبدايات دائما صعبة ومرهقة ، الآن اصبحت فى الثالثة والعشرين من العمر وأصبحت اكثر نضجا وتكيفا مع الظروف ، عليها ان تثبت للجميع مهارتها وقدرتها على تحمل المسؤلية وخاصة انها تعمل فى مجالها الذى تعشقه هندسة الديكور وفى مكتب من اكثر المكاتب شهرة ونجاحا ،ذلك المكتب الذى لعب الحظ دوره فى التحاقها للعمل به وقبولها من بين العشرات الذين تقدمو للحصول على الوظيفة ذات الراتب والمكانة المميزة .
رن جرس هاتفها فنظرت الى حقيبتها فى تعب وشدتها من حزامها الطويل حتى قربتها اليها ومدت يدها بداخلها تبحث عنه حتى لامسته اصابعها وتعرفته فى اعماق الحقيبة ، نظرت الى اسم المتصل ”عمر ” اقرب الناس الى قلبها ، فتحت المكالمة فى صوت متعب فجاءها صوت ضحكته من الجهة الاخرى ” من أولها كدة ” ، ضحكت بدورها وهى تقول ” اول يوم ..بس بعد كدة هتعود ”
ـ وايه اخبار اول يوم ؟؟
قالت وهى تعبث بخصلات شعرها الكستنائى الناعم ” ماشى الحال ...محتاجة وقت على ما افهم الدنيا ماشية ازاى ..بس عامة ده المجال اللى بحبه ” صمتت للحظات وتذكرت أنه اليوم الاول له ايضا فى مشفاه الجديد الذى انتدب ليعمل به فقالت فى اهتمام ” وانت اخبار اول يوم عندك ايه ”
ـ انا يادوب غيرت هدومى وخارج ..بس مش هتفرق كتير الطب كله شقا والجديدة مش هتفرق عن القديمة
قالت وهى تضم ركبتيها الى صدرها فى حزن ” كلنا كنا محتاجين بداية جديدة يا عمر عشان ننسى اللى فات ”
سمعت تنهيدة حزينه منه وهو يقول ” احنا اتفقنا مفيش كلام فى اللى فات تانى يا ندى ” ولما لم يجد منها ردا هتف فى قلق ” ندى ؟؟“
فتنبهت من شرودها القصير وقالت ” معاك حق يا عمر ”
ـ طيب قومى غيرى هدومك عشان متنسيش وتنامى بيها
نطرت ندى الى ملا بسها قائلة ” عرفتى منين انى لسة مغيرتش ”
ضحك عمر قائلا ” اللى ربى خير من اللى اشترى ..انتى دلوقتى نايمة على السرير بهدومك ومتنحة فى السق..“ وقطع جملته فجأة وهو يقول ” اووووه ” ، ولحظات وعاد اليها من جديد قائلا ” ندى هكلمك تانى سلام دلوقتى ” ولم يعطها فرصة للرد وأغلق المكالمة ، اعتدلت ندى جالسة وهى تنظر الى الهاتف مقطبة حاجبيها فى قلق ، وهمت ان تعاود الاتصال به من جديد لولا ان شعرت بالبا ب يطرق فى رفق وتفتحه امها ، ابتسمت ندى لوالدتها التى لم تبادلها الابتسام بل أخذت تتطلع اليها من قدميها الحافيتين مرورا بملابسها الغير مرتبة وشعرها المبعثر ، أشارت امها بسبابتها من اعلى الى اسفل قائلة ” ايه المنظر ده ..لحد دلوقتى مجهزتيش ” ، قالت ندى وهى تتثاءب ” اجهز لا يه ” ، ردت امها فى غيظ ” هوا انا مش قايلالك انى فى عريس جاى يقابلك النهاردة ” ، أدارت ندى حدقتى عينها كانها تحاول التذكر وقالت ” نسيت ..معلش خليه ييجى يوم تانى ..تعبانة جدا ”
قالت امها فى غضب ومن بين أسنانها ” ندى ”
نظرت ندى الى امها بعينين نصف مفتوحتين وهى تقول ” ايه يا ماما ..فعلا تعبانة ”
مالت امها الى الامام وقالت فى غضب ” امبارح تعبانة ..واول امبارح وكل يوم ” واضافت وهى تشير بسبابتها ” خالك بدأ يتضايق على فكرة ”
وكأن امها قد ضغطت على جروحها اذ قامت ندى وقالت ” والله خالى لو زهقان منى ممكن اروح اعيش مع عمر اخويا ..انا خلاص بقيت بشتغل واقدر اصرف على نفسى ” وجلست امام مرآتها تقاوم التوتر وهى تلتقط مشطا تمشط به شعرها
نظرت امها اليها فى المرآة وهى تقول ” خالك عايز مصلحتك يا ندى ..عاوزك تتجوزى وتبقى فى عصمة راجل يحميكى ..مش معنى كدة انه زهق منك ..أبوكى نفسه لو عايش كان زمان..“
قاطعتها ندى وهى تشير اليها بالمشط فى غضب ” مفيش حد زى بابا ”
قالت امها وهى تمسك بكتفيها فى رفق ” يا بنتى افهمى انا عاوزة مصلحتك ..عاوزة اطمن عليكى ..كفاية اللى حصل لحد دلوقتى ..انتى مش وش بهدلة ”
عاودت ندى النظر الى المرآة وواصلت تمشيط شعرها فى عصبية متحاشية النظر الى امها ، فتح الباب من جديد وتمنت ألا يكون خالها ،ولم يكن هو بل رنا ابنته التى تطيق اى كائن حى فى هذا العالم وتتقبله الا ندى ، حدقت بها رنا بنظرة لم تفهم ندى لها معنا ودون القاء سلام حتى قالت ” بابا بيقولكو الضيف وصل ومستنى بقالو كتير ”
ابتسمت ام ندى وقالت ” قوليلو نازلين حالا يا حبيبتى ”
نظرت رنا الى ندى من جديد فى غيظ وأغلقت الباب ، تطلعت ندى الى الباب للحظات قبل ان تلقى بالمشط وهى تغمغم ” ناقصاكى هيا انتى كمان ”
اما امها فمسحت على شعرها قائلة ” يلا يا ندى ..قابليه على الاقل وبعدين قررى ” ”
لم تجب ندى فواصلت امها فى رجاء ” عشان خاطرى يا بنتى مش هتخسرى حاجة ”
ضغطت ندى بأسنانها الامامية على شفتها وقالت ” حاضر يا ماما هروح أقابله ” ووضعت جبينها بين سبابتبها وابهامها وهى تضيف ” ممكن بقا تسيبينى اجهز ، تهللت أسارير أمها اخيرا وربتت على كتفها قائلة ” ربنا يهديكى يا حبيبتى ” ، راقبتها ندى حتى اغلقت الباب ، متى ستنتهى من هذا ، لماذا لا يريد احد ان يفهم انها لا تريد الزواج بتلك الطريقة ؟، لماذا الضغط المستمر؟ ، تنهدت فى الم لو لم يحدث كل ماحدث لما تجرا خالها على التدخل فى حياتها على هذا النحو ، نظرت الى صورتها فى المرآة فى تحدى حسنا ستنهض لتقابله وتمارس هوايتها المفضلة فى ”تطفيش العرسان ”، وخالها العزيز يستحق هذا الاحراج مع ضيوفه ، طالما يصر باستمرا رعلى التدخل فى شئونها .
*********************************************************************************
أنهى عمر المكالمة سريعا مع شقيقته حين اصطدم بفتاة تحمل بيدها كوبا ساخنا من الشاى ، سكبت محتوياته علي ملابسه التى أخذ ينظر اليها وقد اغرقها الشاى تماما ، رفع عمر نظره الى الفتاة الواقفة امامه وهى تحمل الكوب الفارغ بيدها وتتطلع الى ملابسه بدورها فقال وهو يبسط كفه امامه محاولا الا يسبب لها الحرج ” ولا يهمك حصل خير ” ، عقدت الفتاة حاجبيها فى ضيق وهى تقول ” انا معتذرتش على فكرة ..سيادتك اللى ماشى نايم ” ، تاملها عمر فى دهشة من رد فعلها الغريب وهتف ” افندم ” ، واصلت الفتاة بلهجة قاسية ولا تحتمل التردد ” بعد كدة لو مبتعرفش تتركز وانت بتتكلم فى التليفون ابقى اقف فى جنب لحد ما تخلص ” ، تراجع عمر فى دهشة اكبر من كلماتها ، فهو من سكبت عليه شايها الساخن واغرقت ملابسه ، وهو الاولى بتعنيفها ، وحين وجدت الكلمات مخرجها الى شفتيه، كانت الفتاة قد اختفت من امامه ، رآها فى آخر الممر تلقى بالكوب فى سلة المهملات لتختفى بعد ذلك فى طرقة من طرقات المشفى ، تنهد بعمق محاولا ان يرخى اعصابه من تصرف تلك الفتاة الغريب والبعيد عن اللياقة تماما ، نظر الى ملابسه التى تحتاج الى تغيير وهو يتمتم ” شكلها بداية مش حلوة خالص ” ، عاد الى غرفة الأ طباء من جديد ليبدل ملابسه ، من الجيد أنه احضر ملابسا اضافية تحسبا للظروف ، نظر الى ساعته وزفر فى ضيق لا يريد ان يتاخر فى اول يوم له .
دخل عمر غرفة الاستقبال الخاصة بالأطفال فوجد هناك شاب انيق يكتب روشتة لحالة ويشرح لها طرق العلاج وتتابعه الام فى اهتمام ، انتظر حتى انتهى من عمله وحياه وهو يعرفه بنفسه ، عرفه الآخر ببنفسه ” مصطفى ..زميلك هنا ..“ وأضاف وهو يميل عليه بابتسامة ” ايه اللى رماك ع المستشفى دى ” ، وضع عمر يده فى جيبه وابتسم بدوره قائلا ” وزارة الصحة ..بيقولو عندكو عجز ” ابتسم مصطفى وهو يخلع معطفه الابيض قائلا ” ده حقيقى وفى كل التخصصات كمان ..احنا هنا اطفال ..بس ساعات بننزل نسد العجز فى الاستقبال العام ” رفع عمر حاجبيه وخفضهما وهو يصطدم بالواقع فابتسم مصطفى وهو يلوح بكفيه ” مع الوقت هتتعود ” وأضاف وهو يتجه الى الباب ” انا كدة خلصت نبطشيتى ..استلم انت بقا وفيه دكتورة كمان معاك ” ، دخلت فتاة فى العشرينيات من العمر ترتدى زى التمريض وحيت مصطفى فبادلها تحيتها وأشار بعينيه الى عمر وهو يقول ” دكتور عمر جديد معانا هنا ”
حيته الفتاة ورحبت به وهى تقول ” ان شاء الله ترتاح فى المستشفى معانا هنا يا دكتور ” ، ربت مصطفى على كتفه وهو يقول ”دى أسماء الممرضه اللى معاك فى الشيفت ” ، هز عمر رأسه وحياها بدوره فطوى مصطفى البالطو الخاص به وهو يقول ” استأذن انا بقا ..سلام ”
تابعه عمر حتى خرج وجلس على المكتب وهو يقول لاسماء التى اخذت تعبث بالورق أمامها ” مش فيه دكتورة معايا المفروض ..مجتش ليه ؟؟“
ردت أسماء ” لا هيا موجودة من بدرى ..بس راحت تتابع حالة فى العناية ” ثم واصلت ترتيب الاوراق امامها وألقت نظرة الى الباب ثم اليه وهى تقول بصوت منخفض ” دكتورة ياسمين على اد ماهى شاطرة ..على اد ماهى غريبة ” ، حك عمر جبينه بيده قائلا ” غريبة ازاى يعنى ؟؟“ لم ترد أسماء فرفع عمر نظره اليها مستفهما فوجدها تنظر الى الباب وتقول بابتسامة ” دكتورة ياسمين جت ” ، ثم توجهت برأسها الى عمر قائلة ” دكتور عمر جديد معانا هنا ” ، استدار عمر فى هدوء ليواجهها فأصابه الذهول حتى انه نهض من مكانه ، لم يعد بحاجة الى اجابة اسماء عن سؤاله لقد عرف الاجابة بوضوح فلم تكن ياسمين سوى الفتاة الفظة التى سكبت عليه الشاى وعوضا عن الاعتذار عنفته كطفل ، وجدها تقول فى روتينيه ودون ان تكلف نفسها حتى ان ترسم ابتسامة على شفتيها ” اهلا وسهلا ” ، لم يرد عليها ولم يظهر عليها اى ضيق من هذا ، جلس على مقعده من جديد وزفر فى ضيق وأيقن انها بداية غير مبشرة تماما ، اذ انه سيتعين عليه ان يقضى مع غريبة الاطوار هذه جل أوقاته .
**********************************************************************************
قابلت ندى خالها فى طريقها الى غرفة الصالون الانيق بفيلته الخاصة التى تعيش فيها مع والدتها ، ابتسم لها خالها واقترب ممسكا بكتفيها وهو يقول ” المرة دى عايزين اخبار حلوة ” ، أشاحت ندى بوجهها الى الجهة الاخرى وعادت تواجهه وهى تتصنع الابتسامة وتقول ” على حسب يا خالو ” ، أنزل خالها ذراعيه من على كتفها وتلاشت ابتسامته قائلا ” كل مرة على حسب ..مش عاوزين نبطل دلع ولا ايه ” عقدت ندى ساعديها وهى تقول ” والله لو حضرتك شايف ان مستقبلى بالنسبالك دلع فانا مش شايفاه كدة خالص ” ، أشار خالها بسبابته الى الباب وهو يقول ” اللى جوا ده اى بنت فى مصر تتمنى بس انه يبصلها ” ، هزت ندى كتفيها وقالت ببساطة ” خلاص لو انا رفضته يتجوز اى واحدة منهم ” ، ضرب خالها قبضته بكفه الآخروهو يقول ” مش وقته الكلام ده ..الراجل جوة من الصبح ” ، هم بالمغادرة فسألته ندى ” هتسينى معاه لوحدى ” ، تابع خالها طريقه وهو يلوح بكفه قائلا ” انتى عارفاه ” ، مررت ندى يدها فى شعرها وهى تردد ” عارفاه ؟؟“ ، راقبت خالها حتى اختفى وتنهدت فى حزن قائلة ” الله يرحمك يا بابا ” ، لم تعرف ندى حنانا من بعد أبيها ، موته المفاجىء وكل ما تلا موته لم يكن أبدا بالصدمة الهينة ، لو كان الى جوارها ما تجرأ خالها ولا غيره على التدخل فى حياتها على هذا النحو ، نظرت الى باب الصالون واتجهت اليه وفتحته فى رفق فوجدت شخصا يقف فى الشرفة موليا اليها ظهره ، طرقت الباب ليستدر لها وهى تقول ” مساء الخير ” ، تراجعت من المفاجاة وهى تراه امامها ” أدهم ” ،وادهم هو ابن اقرب الاصدقاء الى أبيها رحمه الله وتعرفه منذ سنوات ولقد اخبرته مرارا انه مثل عمر تماما حتى ظنته مل منها ، ولكن ماهذا الذى يفعله اليوم ولماذا لم يخبرونها انه هو ؟، ابتسم ادهم وهو يتأمل تعبيرات وجهها قائلا ” المفاجأة حلوة ولا ؟؟“ ، لم ترد ندى وعقدت ساعديها امامها فى غضب ، حك ادهم جبينه بيده وهو يقول ” يبقى ولا ”
اقتربت منه ندى خطوة وهى تقول ” انت بتهزر يا أدهم ؟؟“
التقط زهرة من باقة الزهور التى احضرها قائلا ” انتى شايفة كدة ؟؟“
واصلت ندى فى لهجة صارمة ” انت ليه مقولتليش انك جاى ..وهما كمان محدش فيهم عرفنى انه انت اللى ..“
أخذ ادهم يعبث بالزهرة فى يده وجلس قائلا فى هدوء مستفز ” كنت عايز اعملهالك مفاجأة ”
امالت ندى رأسها الى الجهة اليمنى قائلة ” بقا كدة ؟؟...بتحطنى قدام الامر الواقع ..ماشى يا ادهم انا مش موافقة ..وبكررهالك تانى وتالت انت زى عمر ”
استرخى ادهم فى مقعده فى ثقة وكانه كان يتوقع كلماتها فاستفزها اكثر ، تذكرت ندى نظرة رنا التى رمقتها بها قبل قليل الآن عرفت السبب ، رنا مولعة بادهم وحاولت بكل السبل لفت نظره دون جدوى ، وندى كانت شبه واثقة ان ادهم يعلم بمشاعر رنا تجاهه ويتجاهلها فالتقطت نفسا عميقا وهى تقول فى هدوء ” ادهم ..ايه رأيك فى رنا ؟؟“
ادار ادهم حدقتى عينيه يمينا ويسار وقال ” مالها ؟؟“
تمشت ندى خطوتين حتى وصلت الى كرسى قريب استندت عليه بكفها وقالت ” يعنى بنوتة جميلة ورقيقة وبنت ناس ” ، وأضافت بابتسامة ” وبتعزك جدا ”
ضحك ادهم وهز رأسه قائلا ” رنا دى عيلة مش فاهمة حاجة ”
انحنت ندى الى الامام وهى تقول ” رنا مش عيلة رنا عندها تسعتاشر سنة ”
قطب ادهم حاجبيه فى مزاح وهو يقول ” والله ...كنت فاكرها عندها تمنتتاشر ونص ”
ضربت ندى الكرسى بيدها وهى تقول ” انت مبتعرفش تتكلم جد أبدا ”
وضع ساقا على الاخرى وهو يقول ” ده انا اللى بهزر المفروض مش انتى ” ، أشاحت وجهها عنه فى ضيق فنهض ادهم وجلس على المنضدة المقابلة لكرسيها قائلا ” ندى ” وأطرق ارضا ليرفع رأسه من جديد وهو يقول فى جدية امتزجت بقلق غريب ” انتى ..فيه حد فى حياتك ” ، تفاجأت ندى بالسؤال وازدردت ريقها وشعرت بحرارة شديدة تسرى فى جسدها ولكنها قاومت كل ذلك وتنفست فى عمق قائلة ” لا طبعا ” ، انفرجت أسارير ادهم وقال وهو يبسط كفيه ” هايل ” ثم نهض وتمشى فى المكان حتى وصل الى الشرفة قائلا ” لو اتحديتك فى حاجة تقبلى التحدى ؟؟“
رفعت ندى حاجبيها فى دهشة وهى تقول ” اتحداك فى ايه ان شاء الله ”
التفت لها قائلا بابتسامة ” تقبلى خطوبتى ليكى دلوقتى ” حاولت ندى مقاطعته فأشار لها بكفه لتصمت وهو يواصل ” وانا متاكد ان هخليكى تحبينى وهتيجى بنفسكك وتعترفيلى بده ”
تاملته ندى للحظات قبل ان تنفجر فى الضحك وقالت وهى تحاول السيطرة على نفسها ” ادهم انت مجنون ؟؟..ايه الكلام اللى انت بتقوله ده ؟“
هز ادهم كتفيه وهو يقول ” يا ستى انا مجنون خدينى على قد عقلى ”
مسحت ندى بيدها الدموع التى نتجت عن الضحك وهى تقول ” انا عن نفسى مش بجنانك ده ”
اقترب ادهم منها وانحنى قليلا ليقول ” لو واثقة ان مشاعرك مش هتتغير ليه خايفة تتحدينى ”
ابتسمت فى سخرية وهى تقول ” خايفة !!“
قال فى تحد ” اومال ايه ؟؟“
لوحت بكفيها وهى تمط شفتيها قائلة ” هيا مش حكاية خوف ..بس الكلام مش منطقى خالص ”
زفر ادهم وجلس على مقعده من جديد وهو يقول ” لو انا خسرت التحدى وانتى محبتنيش خلاص اوعدك ان كل حاجة بينا هتنتهى وهخرج من حياتك للابد ..بس ادينى وادى نفسك فرصة ”
قامت ندى وتمشت فى المكان قليلا وهى تقول ” فرصة اد ايه ”
راقبها قائلا ” زى ما تحبى ...زى ما استنيتك فى اللى فات مش صعب استناكى فى اللى جاى
التفتت اليه قائلة ” ولو خدت وقت طويل واكتشفت وقتها انى مش قادرة ”
ابتسم وقال فى بساطة ” ننهى كل حاجة ومش هبقا زعلان ” ، تمشت ندى فى اتجاه الشرفة ووقفت وهو يقف خلفها واضعا يده فى جيب سترته الانيقة قائلا ” هوا ده الديل يا ستى ...ها ايه رأيك ”
شردت ندى للحظات ربما كانت فرصة جيدة للتخلص من خالها وتحكماته وللهروب من نظرات امها العاتبة دوما والاستجمام من الاشخاص الذين يفرضون عليها للجلوس معهم والحديث اليهم لتختار منهم زوجا كما يخبرها خالها ، هى موقنة انها لن تحمل اى مشاعر تجاه ادهم رغم اصراره وثقته التى لا تعلم من اين جاء بها ، التقتت اليه فوجدته يمد يده لها بالزهرة التى كان يعبث بها فابتسمت وهى تلتقطتها منه قائلة ” موافقة يا ادهم ..قبلت أشارككك جنانك ده واتحداك ” .
*********************************************************
” لسة فيه حالات برة ” ، قالها عمر وهو يشرأب بعنقه محاولا ان يسلل نظراته عبر الباب ، فقالت أسماء وهى تراجع الاوراق فى يدها ” متهيألى خلاص كدة ..الدنيا هتبدأ تهدى شوية ”
مط عمر ذراعيه فى تكاسل وهو يختلس النظر الى ياسمين التى أخذت تعبث فى هاتفها ، وفكر ان يذيب الجليد بينهما ويبدأ هو معها الحوار متناسيا ما فعلته منذ ساعات ، دق باصابعه على المكتب باحثا عن أى كلمات ثم قال بابتسامة وهو يلتفت اليها ” دكتورة ..حضرتك فى المستشفى هنا من زمان ؟؟“ ، صمتت لحظات كأنها لم تسمعه وبعدها ردت دون أن ترفع نظرها من على الهاتف ” من سنة تقريبا ” ، ورغم برود ردها أراد ان يمنحها فرصة أخرى فقال محاولا الحفاظ على ابتسامته ” انا برضه مستلم من سنة ..يعنى أكيد احنا دفعة واحدة ” ، رفعت نظرها اليه هذه المرة ورمقته بنظرة أغاظته قبل ان تهز رأسها معاودة النظر فى الهاتف من جديد وهى تقول ” ممكن ”
تلاشت ابتسامة عمر وهو يحك جبينه بيده ، ليس هناك امل على الاطلاق ، أخرج هاتفه بدوره ليضيع الوقت ، وما ان اخرجه حتى رأى ثلاث مكالمات فائتة من ندى شقيقته وتذكر انه اغلق الهاتف فى وجهها دون ان يخبرها بالسبب ولابد انها قلقة للغاية ، استأذن منهن ليجرى مكالمته ، حين خرج الى ردهات المشفى لم يكن هناك اى تغطية لذا فقد خرج الى الحديقة ليجرى اتصاله ، لم تعط ندى الهاتف فرصة ليرن اذ فتحت المكالمة سريعا وهى تقول فى قلق ”عمر ..انت فين وتليفونك مغلق ليه ”
رد عمر وهو يجلس على احد المقاعد فى المشفى ”المكان هوا اللى مفيهوش شبكة انا مقفلتش التليفون ولا حاجة ”
ـ ايه اللى حصل عندك
تنهد عمر وهو يسترخى فى مقعده قائلا ” ابدا شكلها مش بدايه مشجعة خالص ”
ـ ليه ؟؟؟
امتعض وجهه وهو يقول ” شخصية سخيفة كدة اتفاجأت انها زميلتى فى الشغل ”
ـ وايه يعنى انت هتصاحبها دى مجرد زميلة
هز عمر رأسه قائلا ” تمام ..قوليلى انتى ايه الللى لسة مصحيكى لدلوقتى ..انا قولت زمانك شبعتى نوم ”
صمتت ندى للحظات وسمع صوت تنهيدتها وهى تقول ” ادهم ”
اعتدل عمر قائلا ” ماله ؟؟“
ـ انا وافقت على خطوبته
رفع عمر حاجبيه فى دهشة وصمت لحظات قبل ان يقول ” وافقتى على ايه ؟؟؟“
ـ زى ما سمعت يا عمر
زفر فى ضيق وقال ” وايه الللى اتغير بفا ان شاء الله عشان توافقى ”
قصت ندى له كل مادار بينها وبين ادهم وما ان انتهت حتى قال وهو يضغط بيده على الهاتف فى غضب ” على فكرة انا من حقى انبهك ”
ـ تنبهنى ..وكأن ادهم مش أقرب صاحب ليك
واصل فى جدية وكأنه لم يسمعها ” ممكن جدا تكون الخطوبة دى لاسباب تانية
ـ أسباب تانية ؟؟؟
ـايوة ..هروب مثلا ....هروب من ضغط خالك وماما“ وصمت لحظة قبل ان يضيف ” ومن كل اللى فات ”
لم ترد ندى فقد قرأ عمر ما يدور بداخلها كأنه تسلل الى أفكارها وجوارحها ، ولكن هكذا هو دائما ماذا عساها ان تفعل
واصل عمر فى صرامة ” سكوتك معناه ان كلامى صح ..ندى بلاش تظلمى ادهم ”
رفعت ندى صوتها وهى تقول ” انا مظلمتوش يا عمر ولا كدبت عليه ..مش عاوزها تحدى ..هدخل التحدى وهوا هييخسره ومش هيفكر فيا تانى ويبعد عنى ويشوف حياته كدة احسنله ”
عاد عمر بظهره الى المقعد قائلا ” مشاعر الناس مش لعبة يا ندى ”
حاولت ندى بشتى الطرق ان تشرح لعمر ما يدور فى خلدها ولكنه كان مصرا على رأيه الذى لم يفرضه عليها كعادته فهو صديقها الوفى منذ الطفولة وهى أقرب الناس اليه وهو يحاول ان يعوضها باستمرار فقدانها لابيها وابتعاده عنها بعد وفاته ، فقد أخذ قراره بعدم الاقامة فى بيت خاله واستأجر لنفسه شقة صغيرة وظاهر الاسباب هو الا يقيد حرية بنات خاله فى بيتهن ، اما باطنها فهو كراهية عمر لدور السيطرة الذى مارسه خاله عليهم منذ وفاة ابيهم بحجة حرصه على صالحهم ، ولقد فكر فى أخذ ندى لتقيم معه ولكنه تراجع فهى لم تألف الحياة البسيطة مطلقا ، فقد تعودت منذ نعومة أظافرها على الحياة الرغدة المنعمة والخدم ولكن كل هذا قد انتهى ومرو جميعا بتجربة أليمة .
لم يدر كم مر عليه من الوقت ، كان يحتاج بشدة لهذه الجرعة من الهواء النقى ، وبعضا من الاسترخاء ليستعيد نشاطه ويكمل نوبته الليليه ، نظر الى هاتفه ليعرف الوقت ، لقد قضى ما يقرب من ساعة ونصف فى هذا المكان ، نهض من مكانه ومط يديه فى كسل عائدا الى غرفة الاستقبال ، وبمجرد ان اقترب سمع صوت جلبة وشجار ، سارع الخطوات أكثر فوجد ياسمين واسماء يتشاجران مع بعض اقارب المرضى ، ومن الحديث أدرك ان هناك احدا حاول تجاوز دوره ، تدخل عمر وفض الاشتباك بحكمة ، بينما رمقته ياسمين بنظرة غاضبة لم يلحظها وهو يجلس على مكتبه ويطلب من أسماء بان ترتب الحالات بينهما من جديد لينتهى الأمر ، وبعد ساعتين عاد الهدوء من جديد للمكان ، تفاجىء عمر بياسمين تقف امامه وتقول بصوت أشبه بالصراخ ” هوا حضرتك جاى هنا ليه ؟؟“
تفاجىء عمر بالسؤال وتفاجىء اكثر بالطريقة فقال فى دهشة ” أفندم !!!!“
فواصلت وهى تضغط على أسنانها فى غيظ ” المفروض انك جاى هنا تشتغل ...عشان المرضى مش عشان تسيب المكان وتخرج ومنعرفش روحت فين ”
شعر عمر بغضب حقيقى من لهجتها فنهض لمواجهتها قائلا ” انا لما خرجت مكنش فيه حد هنا وهيا مجرد ساعة ..وياريت يا دكتورة تكلمينى بطريقة احسن من كدة ”
ابتسمت فى سخرية قائلة ” عاوزنى اكلمك ازاى واهل الاطفال كانو هيكسرو المستشفى علينا ”
هنا ضرب عمر المكتب بيده وهو يقول ” عاوزة تفهمينى انك مش بتخرجى من الاوضة تماما ..مش بتاكلى مش بتشربى مش بتردى على تليفونك ”
هنا تدخلت أسماء لتحسم الخلاف وقالت بصوت لطيف مرتعد ” دكنور عمر ..معلش دكتورة ياسمين قصدها يعنى لو كنت سيبت رقم تليفونك هنا ..بحيث لو خرجت وحصلت مشكلة نقدر نكلمك ”
وجه عمر نظرة اخيرة لياسمين حوت كل مايحمله لها من غضب ونظر الى أسماء وسألها اين يمكنه ان يسجل رقمه ، وقف على الباب لحظات وبعدها استدار لاسماء من جديد قائلا ” مفيش حالات برة والمكان هنا يخنق ...انتى معاكى رقمى لو جت اى حالة رنيلى ”
وقبل ان يغادر ألقى نظرة على ياسمين التى كانت تتابعه فى غيظ وكانها ستقول شيئا او ستعترض ولكنه لم يمهلها وذهب


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close