رواية جارية في ثياب ملكية كامله وحصريه بقلم نرمين نحمد الله
صعدت درج المنزل المؤدي للسطح بخطوات رتيبة كما اعتادت...
لكنه اليوم لن يتبعها كما اعتاد أن يفعل...!!!
فتحت باب السطح ليصدر صريره المعتاد ...
لكنه يبدو اليوم أكثر حدة...
وكأنه يتألم مثلها...!!
2
دخلت وهي تتوجه إلي جدار السور الذي اعتادا اللعب عنده صغاراً...
وشهد عشقهما كباراً...
جثت علي ركبتيها أمامه وهي تتأمل ذاك الرسم الذي خطته يداه عليه يوماً...
رسم يمثل أول حروف اسمه بالانجليزية وهو يلتف بصورة معينة ليحتضن أول حرف من اسمها...
تلمسته بأناملها في وجد واشتياق...
ثم مالت عليه تقبله بشفتيها...
تتلمس ذكري ذاك اليوم الذي حفره لها هنا...
1
أسندت جبهتها علي الجدار وسالت دموعها علي خديها تدفعها بعيداً عن حرارة الذكري...
وتدفعها في برودة واقعها الجديد...
الليلة زفاف ياسين...!!
+
الليلة ستكون له زوجة أخري سواها...!!
زوجة ستأخذ مكانها علي صدره ...
لن يعود من حقها أن تحلم به كل ليلة...
أو أن تنتظر مجيئه في شوق لتحكي له حكايا نهارها الطويل...
أو أن تري جمال ثيابها وأناقتها في عينيه وحده...
+
أو أن تزرع له أوراق النعناع أمام شباك غرفتها كي تقطف منها كل يوم ورقتين تقبلهما بشفتيها قبل أن تضعهما له في فنجان الشاي!!!!
+
لن يعود من حقها أن تري وسامته في وجوه كل الرجال...
أن تسمع صوته وحده في جميع أحاديثهم...
أن تشم عطره مشتبكاً بذرات الهواء حولها في كل مكان...
+
لن تعود قادرة علي كتابة اسمه في مجلد مذكراتها الذي اشترته فقط لأجله...
علي رسم ملامحه علي ظهر أغلفة الكتب التي تقرأها...
علي احتضان طيفه الحنون الذي يؤنس وحدتها في غيابه...
+
الليلة زفاف ياسين...!!!!
سيرتدي البدلة الفاخرة التي طالما اشترتها له في خيالها لتظهر شديد وسامته...
سيصفف شعره بتلك الطريقة التي تعشقها عندما يرجعه كله للخلف فيبدو جبينه عريضاً كفضاء واسع يحتضن أحلامها به...
سيضع عطره الذي اختارته له بنفسها...
ويذهب إلي أخري...
أخري لم تحلم به يوماً مثلها وربما لم تره في حياتها أكثر من بضع مرات...
+
أخري ستتأبط ذراعه القوي ليسير معها في فخر وسط الناس...
تتمايل بفستانها الأبيض الذي طالما حلمت به...
لتجلس جواره علي المنصة كالأميرات...
بينما تقبع هي في الظل كسندريللا دون مساعدة الجنية...
ومن يمكنه مساعدتها ها هنا...
لقد قضي الأمر...
وسيتزوج ياسين!!!
+
الليلة زفاف ياسين!!!!
تري كيف سيراقص تلك الأخري هذه الليلة ...؟!!!
+
هل سيضمها لصدره فتفرش عليه أحلام غدها كما كانت هي تحلم...
هل سيقبل جبينها فتزرع شفتاه الحنان أينما حلت كما كانت هي دوماً تظن؟!
هل سيصبغ الهواء بينهما بصبغة حضوره الفريدة التي تعرف أكثر من غيرها كيف هي رائعة؟!
هل سينظر في عينيها فتود لو أن العالم يتوقف هاهنا وتكف الأرض عن دورانها لتستلذ بطعم الأمان في حدقتيه؟!
+
الليلة زفاف ياسين!!!
سيأتي بامرأة غريبة لا تملك معه أي ذكري فقط أسعدها الحظ فجعلها زوجته...
سيأتي بها هنا لتراها معه كل يوم...
وتتخيله معها كل ليلة...
سينجب منها طفلاً طالما حلمت به واختارت له عشرات الأسماء...
وطفلة طالما جدلت لها شعرها في أحلامها التي لم تخلُ يوماً من أطفالهما معاً...!!!!!!!
+
شعرت بيد توضع علي كتفها فتجمد جسدها ...
هل هذا هو؟!
لا...لن يستطيع أن يفعل...
لكن...ربما...
ربما جاء يودع هواهما مثلها...
ربما جاء يتزود من هذا المكان العامر بذكرياتهما ما يعينه علي الصوم في صحراء الفراق...
ربما جاء يراها للمرة الأخيرة كحبيبته قبل أن تعود مجرد ابنة عمه التي تسكن معه في نفس البيت...
+
رفعت رأسها ببطء ليعود قلبها المنتفض خائباً مخذولاً إلي سجنه في ضلوعها...
لا...ليس ياسين!!!
إنها فريدة...أمها....
+
رفعتها فريدة من جلستها البائسة علي الأرض لتضمها لصدرها هامسة:
_هوني عليكِ يا آسيا...
+
دفنت وجهها في صدرها وهي تنشج في صمت...
كلمات!!
كلمات!!
كلمات!!
لا أحد يملك ما يواسيها به سوي الكلمات...
ما الذي ستفعله كلماتهم الباردة بهذه النار التي تحرق روحها ببطء قاتل...
مالذي تجديه نظرات الشفقة في عيونهم وهي التي لا تحييها ولا تميتها سوي نظرات العشق في عينيه..
ما الذي يعوضها في هذا الكون الفسيح....لو ضاع منها ياسين؟!!!
+
همست فريدة بتعقل يخفي قلقها علي ابنتها :
_هيا لنستعد للذهاب إلي الزفاف...انفضي عنك لعب الأطفال هذا ...غداً ستضحكين من نفسك كثيراً عندما تتذكرين هذه الأيام لتقولي كم كنت حمقاء....
+
حمقاء؟!!!!!
لعب أطفال؟!!!
غداً؟!!!!!!
+
أي غدٍ هذا الذي أنتظره بعد غروب شمس ياسين عني...؟!!!
أي لعب أطفال هذا الذي تكتوي به ضلوعي؟!!!
أي حمقاء أنا وأنا التي أحببته بعقلي وروحي قبل أن يهيم به قلبي؟!!!!
+
تجمدت نظراتها بعدما لم تعد دموعها قادرة علي الهطول أكثر...
يريدونها جامدة لا تبالي...؟!!!!
حسناً...ستكون...
+
أمسكت كف فريدة تسير معها لتلقي نظرة أخيرة خلفها علي الجدار العزيز...
أغلقت باب السطح خلفها وليتها...
ليتها تستطيع إغلاق الماضي كله بهذه البساطة...!!!
نزلت معها الدرج ببطء لتلقي نظرة خاطفة علي باب شقته المقابل لشقتها...
لاريب أنه يستعد الآن للذهاب لزفافه...
تماماً كما ستستعد هي الآن...!!!
+
دخلت إلي غرفتها وفتحت خزينة ملابسها لتلتقط الثوب الذي قررت ارتداءه اليوم...
ثوب الخاتمة!!!!
+
وخارج غرفتها كانت فريدة تراقب بابها المغلق في قلق...
آسيا هي ابنتها الوسطي...
لكنها أقربهن لقلبها...
ربما لأنها شديدة الحساسية...
كقطعة كريستال هشة تخشي عليها الكسر دوماً...
هي تعرف عن الحب الكبير الذي،جمعها بياسين منذ صغرهما...
وكم تمنت لو تتزوجه...
+
لكن...
+
في عائلة قاسم النجدي...
وحده الحاج قاسم هو الآمر الناهي...
هو الذي يقرر مصائر الجميع دون مناقشة....
وطالما قرر الحاج قاسم أن آسيا لحمزة النجدي ...فستكون له!!!!
+
الحفيد الغائب العزيز لابد أن تكون له أجمل فتيات العائلة...
ومن أجمل من آسيا في عائلة النجدي كلها لتكون هي عروس الغائب المنتظر؟!!!!
لقد قال الحاج قاسم كلمته منذ سنوات...
منذ شبت الصغيرة آسيا عن الطوق لتصبح زينة للعين والنظر...
آسيا ستكون لحمزة عندما يعود!!!
+
لكن قلب آسيا كان له رأي آخر...
قلب آسيا الذي تعلق بياسين في كل يوم كانا يكبران فيه معاً...
ليغزل الحب بين قلبيهما رداء ثميناً فريداً لا يليق سوي بزوج العاشقين هذا...
آسيا وياسين...
+
خرجت جويرية -الأخت الكبري لآسيا-من غرفتها وهي ترمق القلق المسافر في عيني أمها فريدة...
ثم التفتت لغرفة آسيا هامسة في شفقة:
_هل اقتنعت بحضور الزفاف؟!
أومأت فريدة برأسها إيجاباً وهي تهمس في قلق:
_نعم...وهذا ما يقلقني...آسيا مذبوحة ...قلبي يخبرني أن الليلة لن تمر علي خير...
ربتت جويرية علي كتفها ثم قبلت رأسها وهي تهمس:
_لا تقلقي يا أمي...فليحفظنا الله.
+
همست فريدة بتوتر:
_كنت أود ألا تحضر الزفاف هذا...لكن خشيت أن يتحدث الناس عنها وخشيت قبلها غضبة جدك....أنت تعرفين غضبته كيف تكون.
زفرت جويرية في ضيق وهي تهمس بدورها:
_أعرف يا أمي...أعرف.
لم تكد تتم عبارتها حتي انفتح باب الغرفة لتخرج آسيا ...
اتسعت عيون فريدة وجويرية وهما تنظران إليها في صدمة...
مضت لحظات من الصمت كانت جويرية أول من قطعته وهي تحاول انتقاء الكلمات بتعقل:
_من أين أتيت بهذا الثوب يا آسيا...لا أذكر أنك تملكين ثوباً......كهذا!!!!
هدرت فريدة بغضب وقد أفاقت من صدمتها:
_هل هذا هو كل ما يشغلك يا جويرية؟!!!.من أين أتت بالثوب!!!!! آسيا لن تحضر الزفاف بهذا الثوب أبداً....
+
خرجت ساري الشقيقة الصغري من غرفتها علي صياح فريدة ليصعقها مظهر آسيا...
آسيا المتحفظة الخلوق كانت ترتدي ثوباً أحمر لامع لا يكاد يصل لركبتيها...
يكشف عن صدرها وذراعيها لكنها تغطي ذلك بوشاح من قماش خفيف زادها تألقاً وفتنة...
وقد أسدلت شعرها الطويل علي كتفيها...
وبالغت في تزيين وجهها بمستحضرات الجميل...
باختصار...
كانت دعوة صريحة للفتنة مع جمالها المميز وجسدها المثير...
+
هتفت آسيا ببرود وهي تنظر إليهن بجمود:
_أنتم تريدونني أن أحضر الزفاف...ولن أحضر إلا هكذا...
ثم قالت بسخرية مريرة مخاطبة فريدة:
_لو تستطيعين تحمل غضبة جدي لو تخلفت أنا عن الحضور فامنعيني من الخروج هكذا!
صاحت فريدة بغضب:
_هل جننتِ؟! هل هذه تربيتي لك؟! هذا ثوب عاهرة وليس ثوب فتاة محترمة ذاقت أمها الويل كي تعلمها الفضيلة في زمن كهذا!
هتفت آسيا في سخرية:
_فضيلة؟! وبماذا أفادتني الفضيلة؟! قاسم النجدي قرر مصيري كأي جارية يملكها وليس لأحد حق الرفض...أنا الآن أرتدي ما يناسب وضعي الذي لا تريدين الاعتراف به...أنا جارية يا فريدة...أنت ربيتِ ثلاث جوارٍ ليتحكم في مصيرهن النجدي...كما تحكم في مصيرك بالضبط.
+
رفعت فريدة كفها لتهوي علي خدها بصفعة قاسية...
+
فهتفت جويرية :
_لا يا أمي....دعيها....
ثم التفتت لآسيا التي احمر وجهها هاتفة:
_عودي لغرفتك يا آسيا...وبدلي هذا الثوب.
صرخت آسيا بعناد:
_لن أبدله...وإلا لن أحضر الزفاف...ولنرَ من سيمنعني.
ثم التفتت لفريدة وقد تهدج صوتها لتغلبها دموعها من جديد وهي تهمس:
_لو كان أبي علي قيد الحياة...لدافع عني...ولما سمح لأحد بتقرير مصيري.
+
انخرطت بعدها آسيا في بكاء كالعويل....
فضمتها فريدة لصدرها بقوة وهي تهمس في ألم:
_والدك نفسه كان خاضعاً لسلطة أبيه...رحمه الله...صدقيني حتي لو كان معنا لما اختلف الأمر كثيراً...قاسم النجدي لا ترد له كلمة...من أي من كان!!!
+
دفنت آسيا وجهها في صدر أمها وهي تبكي بقهر...
قهر من حدد له الآخرون مصيره وهو عاجز حتي عن الاعتراض...
+
لَيتهم قبل أن يختاروا لها زوجها علموها...!!!
علموها كيف تقهر قلبها الذي يترنح ذبيحاً بين ضلوعها لتكتوي بألمه روحها قبل جسدها...
ليتهم علموها...
كيف تقف في وجه حب غزا أيام طفولتها ومراهقتها ببطء حتي تمكن من كل ذرة في كيانها...
ليتهم علموها...
كيف تقاوم شوقاً يعتصرها لحبيب عمرها الأول والوحيد...
وغيرة تخنقها من امرأة ستملكه دونها...
ليتهم علموها قبل أن يحاسبوها هكذا...
ليتهم!!!
+
تقدمت ساري منهما وهي تقول بحزم:
_دعيها تفعل ما تشاء يا أمي...آسيا لم تعد صغيرة...دعيها تتحمل نتيجة أفعالها.
رفعت آسيا رأسها في كبرياء وهي تهتف:
_نعم...من اليوم...سأتحمل نتيجة أفعالي!!!
==========================================================================
+
وقف الحاج قاسم في غرفته ينظر لصور أولاده المعلقة علي الحائط...
حبيب ...ابنه الأكبر الذي توفي في ريعان شبابه بعد إصابته بمرض خبيث ليترك ولده حمزة أمانة في رقبة قاسم...
كمال...ابنه الأوسط الذي قتل غدراً تاركاً خلفه أبناءه ياسين وعمار وحذيفة...
سعد ...ابنه الأصغر الذي تلقفته يد الثأر العتيقة كأخيه لتأخذه من زوجته وبناته الثلاث...جويرية وآسيا وساري...
+
ولما كانت عجلة الثأر لازالت دائرة تحصد الرؤوس بلا كلل...
فقد كان الدور القادم لحمزة ...
الحفيد الأكبر لعائلة النجدي...
لهذا أبعده جده ليسافر للندن زاعماً أنه بغرض الدراسة...
لكن هدفه الحقيقي كان إخفاءه عن عيون مطارديه...
+
صحيح أن قلبه اطمأن أخيراً بعد وفاة كامل القاصم...
كبير عائلة القاصم الذي كان يترصدهم بالعداوة والثأر...
لكن ولده لازال علي قيد الحياة...
جسار القاصم...
لكن...وللغرابة...لا أحد يعرف عنه شيئاً...
لقد ترك بلدتهم بعد وفاة أبيه...
وكأنما انشقت الأرض وابتلعته...
سيظل جسار هذا هو الشوكة الوحيدة في حلقه...
والتي تمنعه من إعادة حمزة الحبيب إلي حضنه...
+
طالما كان حمزة أحب أحفاده إليه...
ربما لأنه أول حفيد...
وربما لأنه أكثرهم شبهاً به...
وربما لأنه الوحيد الذي ابتعد عن حضن رعايته ليعيش منفياً في غربته....
+
لكنه سيعوضه...
عندما يعود سيعوضه عن كل ما افتقده...
لقد اختار له آسيا...
وجه القمر ...
أجمل فتيات عائلة النجدي...
اختارها زوجة له منذ زمن بعيد...
وعندما يعود سالماً ستكون له...
+
قطع أفكاره صوت طرقات علي باب غرفته ...
سمح للطارق بالدخول...
فدخل ياسين...
+
ابتسم قاسم في سعادة وهو،يفتح ذراعيه هاتفاً بصوته المهيب:
__مرحباً بعريس آل النجدي...
قبل ياسين يده باحترام وهو،يقول:
_أبقاك الله لنا يا جدي.
ربت قاسم علي رأسه وهو،يقول بفخر:
_لقد اخترت لك رقية الهاشمي...هل تعرف قدر العائلة التي اخترت لك نسبها؟!
+
أطرق ياسين برأسه وهو،يبتلع غصته مرغماً...
كاد يخبره أنه لا يكترث برقية تلك ...
ولا بنسبها...
ولا بعائلتها كلها...
هو يريد آسيا...
آسيا التي ملكت قلبه وروحه منذ سنوات...
ولا يظن أن غيرها قد تفعل!!!
لكنه لم يستطع...
ومن في العائلة كلها يمكنه رد كلمة قاسم النجدي؟!!!!
+
هتف قاسم بصوته المهيب:
_هيا يا ولدي...كي لا نتأخر علي عروسك...
+
تأبط ياسين ذراعه وهو يغادر معه غرفته...
ثم فتح باب الشقة ليغادر ليتعلق بصره بباب الشقة المقابلة فينقبض قلبه في لوعة...
تري كيف حالك الآن يا آسيا...
سامحيني ...
ليس بيدي ولا بيدك!!!
+
هبط درجات السلم مع جده بحرص...
وهو يشعر بروحه تنسحب منه مع كل درجة يهبطها...
كل درجة تقربه من رقية...
وتبعده عن آسيا أكثر وأكثر...
==========================================================================
تأملت رقية زينتها في المرآة بخجل...
فيما تعالت أصوات الزغاريد حولها فضحكت في سعادة...
لم تخلُ من القلق...
ياسين زوجها المستقبلي والذي لا تعلم عنه شيئاً سوي أنه حفيد عائلة النجدي العريقة...
وسيم؟!
نعم...لكن منذ متي كانت وسامة الرجال تعني شيئاً لديها...
هي رقية الهاشمي...
ربيبة عائلة الهاشمي التي خطبتها أرقي العائلات لبنيها...
لكنها كانت ترفضهم دون أسباب واضحة...
وحده ياسين هو الذي دق له قلبها دقة غريبة مميزة...
ربما هو شئ يخص غموضه الآسر...
وهي التي طالما استهوتها الألغاز والأحجية...
وربما هو شئ بخصوص فيوض الحنان في عينيه...
حنان لا تخطئه عين امرأة...
وربما هو حزنه المسافر علي صفحة جبينه...
والذي تراه جلياً في صمته الطويل...
فيستفز أمومتها لتراه بعين خيالها طفلها الذي تود احتضانه حتي تعود الضحكة لعينيه...
وربما هو هذا كله!!!!!
+
لا تدري...
كل ما تعرفه أنها تعلقت به...
وهي رقية التي لم يطرق بابها قبله مخلوق...
ولن تهنأ حتي تمتلك قلبه كله...
لتكون وحدها ملكة أيامه المقبلة...
_لقد وصل العريس!!!!!
قطع الهتاف الصارخ أفكارها لتتعالي أصوات الزغاريد حولها من جديد....
فتعود ضحكتها الخجول تزين وجهها....
الليلة زفاف رقية وياسين!!
==========================================================================
جلس ياسين جوار رقية علي المنصة في قاعة الأفراح تلك في أرقي فنادق مدينتهم الصغيرة...
زفاف أسطوري يليق بحفيد آل النجدي وربيبة آل الهاشمي!!!
امتلأت القاعة بالحضور الذين تراوحت نظراتهم بين الإعجاب والحسد...
هذا زواج مصالح بلا شك...
آل النجدي رغم أصلهم الذي ينتمي للصعيد لكنهم يعتبرون صيداً ثميناً لآل الهاشمي بثرائهم الفاحش ...
وآل الهاشمي برغم ذلك يعتبرون مصدر سلطة ونفوذ فأفراد عائلة الهاشمي يتملكون مناصب عليا في الدولة...
باختصار...
إنه مثال تقليدي لتزاوج السلطة مع رأس المال!!!
لذا لا عجب في كون الزفاف كان أسطورياً!!!!
+
الحضور جميعاً كانوا من علية القوم...
تبدو علي ملامحهم الأروستقراطية ملامح الفخامة والعظمة...
تميز الرجال بأناقتهم المفرطة وتألقت النسوة بزينتهن المبهرة...
ومع ذلك...عندما دخلت آسيا إلي القاعة بجمالها المميز وثوبها المثير التفت نحوها الأعناق في إعجاب...
+
جلست فريدة علي إحدي الموائد مع جويرية وساري...
فيما بقيت آسيا واقفة مكانها تنظر للعروسين بتمعن...
ما جلد الذات الذي تمارسه هذا؟!
لماذا تنظر إليهما بهذه الطريقة وكأنها تحفر صورتهما في ذاكرتها للأبد...؟!
تعلقت عينا ياسين بعينيها لكنها لم ترمش حتي...
كانت نظراتها متجمدة وكأنها تري ولا تنظر...
نادتها فريدة بخفوت لكنها لم تكن تسمع شيئاً...
كانت غارقة في صدمتها بصورته جوار عروسه...
+
عادت فريدة تناديها بحزم أكبر فالتفتت نحوها بشرود وهي تهمس:
_انتهي كل شئ!!!
تأملتها فريدة بقلق خاصة عندما ضحكت آسيا بصورة هستيرية وهي تهمس:
_اطمئني آسيا الحمقاء ستكف عن لعب الأطفال ...
عقدت فريدة حاجبيها في توتر...
بينما همست جويرية في توسل:
_اجلسي يا آسيا...الأنظار بدأت تتوجه نحونا...
استمرت آسيا في ضحكها الهستيري وهي تقول:
_الجواري خلقن ليلفتن الأنظار ...هكذا!
قالتها وهي تندفع نحو المسرح الذي صدحت عليه أنغام الموسيقا العالية...
تحت نظر فريدة التي كانت ترتجف رعباً...
بينما كانت هي تقترب بثبات وعيناها معلقتان بياسين...
ياسين الذي اتسعت عيناه ارتياعاً وهو يتبين لتوه ما ترتديه...
هو يعرف أنها تتهاون أحياناً في ارتداء حجابها في مناسبات كهذه وطالما عنفها علي ذلك...
لكن هذه الملابس!!!!!
إنها المرة الأولي التي يراها فيها بهذه الصورة!!!!
تحولت دهشته لغضب هادر وهو يلاحظ تعلق أنظار الرجال بها في إعجاب...
خاصة عندما تناولت الميكروفون لتقول :
_أنا آسيا...ابنة عم العريس...وهذه الرقصة هديتي له هذه الليلة...
قالتها ثم وضعت الميكروفون جانباً...
لتخلع وشاحها عن كتفيها لتحيط به خصرها...
وسط نظرات فريدة التي كادت تفقد وعيها في هذه اللحظة...
بدأت آسيا في التمايل مع أنغام الموسيقا وصياح المدعوين الذين تحمسوا كثيراً كما يبدو...
+
راقبت رقية الوضع بدهشة...
لقد رأت آسيا بضع مرات قبل اليوم...
ولم تكن بهذا القدر من التحرر...
بل علي العكس...
كانت شديدة التحفظ والتحشم...
إنها الليلة تبدو غريبة وكأنها...
+
انقطعت أفكارها عندما هب ياسين من جوارها فجأة...
ليندفع نحو تلك الراقصة هناك...
فراقبته بقلق وهي تشعر أن شيئاً ما سيحدث ليس علي ما يرام...
+
لم يشعر ياسين بنفسه إلا وهو يندفع نحوها دون تحفظ...
خاصة وقد اندفع بعض الشباب يحيطونها ليشاركونها الرقص...
فارت الدماء في عروقه...
ولم يشعر بيده التي سحبتها من ذراعها ليهوي كفه علي وجهها بصفعة مدوية!!!!!!!
+
توقفت الموسيقا في القاعة فجأة...
وساد الصمت المذهول للحظات ...
+
رفعت فيها آسيا نحوه عينين دامعتين تحملان كل عتب الدنيا وعشقها...
ذبحته نظرتها ذبحاً...
قرأ فيها سطوراً من رجاء وتوسل...
ممزوجة بغرامها الذي يتنفسه منذ صغرهما كما الهواء....
لم يرَ ساعتها زفافاً ولا مدعوين....
لم يرَ سوي حبيبته التي تتوسله أن يطمئنها...
أن يمحو الخوف الذي احتل عينيها....
ليفاجأ هو -قبلها -بذراعيه تضمانها لصدره بقوة...
بقوة عشقه هو الآخر...
وقوة عجزه وحرمانه...
أجهشت هي بعدها بالبكاء...
وهي تدفن وجهها في صدره لأول مرة في حياتها...
وربما ...الأخيرة!!!!
1
ساد الهرج والمرج بعدها في القاعة ...
الأمر أوضح من أن يكون له تفسير آخر...
هذا هو العريس ...وهذه كما تبدو حبيبته...!!!!
+
لقد فسد الزفاف...
فسد بفضيحة لن ينساها الناس طويلاً...
طويلاً جداً كما يبدو...
==========================================================================
+
أطلت مارية برأسها من خلف شباكه تراقب ما يفعله...
جارها الغريب هذا لا يكف عن طقوسه الأغرب منه...
+
اتسعت عيناها في ارتياع وهي تراقب ما يفعله الآن...
كان يمسك بيده تمثالاً غريباً يقضم منه قضمة ثم يتناولها في تلذذ...
تقلصت ملامح وجهها في اشمئزاز وهي تتوجس خيفة من أن يراها وهي تراقبه هكذا....
لكنها قررت ذلك بعدما لاحظت عليه العديد من الأمور المريبة...
لقد انتقل حديثاً للسكني في المنزل الذي يجاورهم...
في البداية لم يلفت نظرها فمظهره ليس مميزاً سوي أنه لا يبدو انجليزياً فملامحه سمراء كأبيها المصري...
لكن بمرور الوقت بدأت تلاحظ عليه بعض الأشياء الغير مألوفة....!!
+
أولاً لفت نظرها تصاعد أبخرة برائحة مميزة من نافذة بيته المجاور لبيتها...
لكنها لاحظت بمراقبته أن رائحة هذه الأبخرة تأتيها في يوم واحد من الأسبوع...
وبعدها لمحت جمجمة بشرية ملقاة تحت مائدة الجلوس خاصته والتي تبدو ظاهرة من نافذة منزله...
لن تنسي الرعب الذي عاشته ليلتها وهي تتخيله مجرماً مخبولاً من هؤلاء الذين يظهرون علي شاشة السينما...
ومنذ ذلك الحين وهي تترقبه ...
وقد صدق حدسها...
المخبول يأكل التماثيل...
هل هي عقيدة سحر أسود جديدة...؟!!!!
+
قطعت أفكارها وفغرت فاها في ذهول وهي تراه يؤدي هذه الحركات التي تعرفها....
إنه يصلي...
صلاة كصلاة والدها ...
هو إذن مسلم مثله...
ومثلها...
+
لكنها لم تجرب أن تصلي يوماً...
ووالدها لم يحضها لتفعل...
بل علي العكس ...
هي تخجل من ذكر ديانتها هنا لأن الانطباع العام عن المسلمين ليس بجيد...
ويبدو أن رجلاً كهذا سيصدق علي هذا الانطباع!!!
ظلت تراقبه وهو يصلي مبهورة ...
حتي انتهي من صلاته ...
ليلتفت نحوها فجأة...
+
شهقت بعنف ثم اندفعت تعدو في الحديقةالخارجية لمنزله نحو حديقة بيتها المجاور.....
لكنه فتح باب منزله ليعدو وراءها هاتفاً بالانجليزية:
_مارية انتظري.
+
تسمرت مكانها مصدومة...
المجرم المخبول يعرفها...
هل يعرف أنها جارته..
هل كان يراقبها..
هل ستكون هي ضحيته القادمة....
+
ظلت مرعوبة في مكانها حتي تقدم نحوها لينظر في عينيها هاتفاً:
_لماذا تجرين هكذا؟! ولماذا كنت تراقبينني من النافذة؟!
كان صدرها يعلو ويهبط في انفعال ...
تكاد تموت رعباً...
لقد اكتشف أنها كانت تراقبه...
فماذا عساه سيفعل؟!
+
تأمل ذهولها المرعوب للحظات قبل أن يظهر والدها دكتور آدم هاتفاً بالانجليزية:
_مارية...لقد عاد والدك يا صغيرة.
ثم التفت إلي الرجل هاتفاً بالعربية:
_مرحباً دكتور حمزة ....هل تعرفت علي مارية؟!
نقلت مارية بصرها بينهما في ذهول...
إذن والدها يعرف هذا المخبول...
لقد دعاه دكتور حمزة..
اذن فهو طبيب مثل والدها ...
ومثلها...!!!!
+
قطع والدها تساؤلاتها وعاد يحدثها بالانجليزية قائلا:
_مارية حبيبتي...دكتور حمزة النجدي...طبيب مصري مثلنا انضم حديثاً للعمل في مستشفانا وانا الذي توسطت له للسكن هنا جوارنا فقد توسمت فيه خيراً...هل تعرفت عليه؟!
مدت مارية إليه كفاً مرتجفة وهي تقول بالانجليزية:
_تشرفت بمقابلتك دكتور حمزة.
ابتسم حمزة عندما نطقت اسمه بتلك الطريقة التي اعتادها هنا حيث تنطق الحاء هاءً...
لكنه تعجبها عندما خرجت منها فوالدها مصري والمفترض أن تكون علي دراية ولو بقدر بسيط من اللغة العربية....
مد كفه إليها وهو يضغط علي حروفه هاتفاً:
_حمزة ...يا مارية....حمزة!
+
فتحت فمها بصعوبة تحاول نطقها كما قالها لكنها عجزت فهمست في خفوت :
_معذرة...لا أجيد مخارج الحروف العربية...
ابتسم دكتور آدم وهو يقول بما يشبه الاعتذار:
_مارية ولدت وتربت هنا ...هي لا تجيد العربية تماماً لكنها تعرف بعضاً منها...
أومأ حمزة برأسه في تفهم وهو يتفحص ملامحها الجميلة المرتبكة...
تري ...لماذا كانت تراقبه؟!!!
تركهما دكتور آدم وحدهما فواجهها حمزة بسؤاله المباشر:
_لماذا كنت تراقبينني من خلف النافذة؟!
ازدردت ريقها في ارتباك وتراجعت عنه خطوة فابتسم في حنان وهو يقول:
_قولي ولا تخشي شيئاً.
ظلت علي صمتها المرتبك فهتف ليستفزها:
_أم أن التلصص علي الجيران من هواياتك....يا دكتورة!
نجح استفزازه لها تماما فهتفت في غضب:
_غريبو الأطوار فقط ...ألا تدرك أنت مدي غرابة أفعالك...؟!!!
عقد حاجبيه بشدة وهو يقول:
_أي أفعال غريبة تلك التي تعنين؟!
لوحت بكفها هاتفة:
_الأبخرة التي تتصاعد من منزلك برائحتها الخانقة والجماجم التي تخفيها تحت المنضدة وأخيراً هذا التمثال الذي رأيتك تأكله...
تأملها لحظات في صدمة...
ثم انفجر ضاحكا في صخب...
فصاحت بعصبية:
_ما الذي يضحكك هكذا؟!
ظل يضحك للحظات ثم قال بهدوء لا يخلو من المرح:
_الأمر كله مجرد عادات لدينا...لو كنت مصرية حقا لفهمت ما أعنيه.
1
هتفت بشك:
_عادات مصرية؟!
أومأ برأسه إيجاباً وهو يقول في شرود:
_عندما يحرمك أحدهم من وطنك قسراً فإنك تتلمسين ذكرياتك معه في أبسط الأشياء...هذه الأبخرة التي أدهشتك ليست سوي أعواد من أخشاب عطرة نسميها عندنا أعواد البخور...كانت والدتي رحمها الله تداوم عليها يوم الجمعة...والتمثال الذي رأيتني أقضمه هو "حصان المولد"!
رفعت حاجبيها في عدم فهم فقد قالها بالعربية ...
2
فأردف بهدوء:
_عفواً...لا أعرف ترجمتها بالانجليزية...هو تمثال من الحلوي نعده في مناسبات معينة ...يحبه الأطفال عندنا كثيراً ...وكنا ننتظره بفارغ الصبر في تلك المناسبات...تمثال حصان للصبي وعروس للفتاة...أحد أصدقائي كان عائداً لتوه من مصر...كنت قد أوصيته بأن يحضر لي هذه الأشياء معه...
+
هزت رأسها وهي تقول في تفهم:
_والجماجم لها علاقة بدراسة التشريح .
أومأ برأسه إيجاباً وهو يقول:
_بعض الطلبة الجدد من أصدقائي يأتونني لمعاونتهم وقد كانت الجمجمة التي رأيتها أنت خاصة بأحدهم...
+
ابتسمت في خجل وهي تقول:
_معذرة دكتور حمزة...الأمر كله التبس علي...الأبخرة والجماجم والتمثال الذي كنت تأكله...
قاطعها وهو يضحك في صخب فاحمر وجهها...
وهي تتأمل ضحكته الرائعة...
لقد بدا لها في هذه اللحظة...
ودون هواجس خوفها الماضية...
شديد الوسامة...
والجاذبية...
+
قطع أفكارها وقد عاد لشروده ليقول:
_لقد افتقدت وطني بكل ما فيه...وكلما واتتني الفرصة لتلمس رائحته في أي شئ لا أضيعها...
+
همست في خجل:
_هل يمكنني تذوق تمثال الحلوي هذا الذي كنت تأكل منه؟!
ابتسم في حنان وهو يسير معها حتي دخل إلي منزله...
خرج إليها حاملاً "حصان المولد" وهو يقول بمرح:
_لو تذوقت منه قطعة فلن تستطيعي مقاومة أكله كاملاً..
قلبته بين يديها في تفحص...
ثم قربته من فمها ببطء...
لتتناول منه قضمة...
ثم همست باستمتاع:
_لذيذ حقاً.
اختطفه من يدها وهو يهتف في مرح:
_إنه لي.
ضحكت في صخب وهي تهتف :
_لو صادفت عودة أحدهم من مصر ثانية فاجعله يحضر لي واحداً مثله.
هز رأسه نفياً وهو يقول بصورة قاطعة:
_لا!
بدت الصدمة علي وجهها للحظات لم تلبث أن تحولت لابتسامة خجول عندما همس بحنان:
_بل سأحضر "عروس المولد " لعروس لندن الحسناء!
=======================================================================
هوت كف قاسم علي خدها في صالة منزلها فاندفع ياسين يقف بينها وبينه مخفياً إياها خلف ظهره هاتفاً:
+
_عاقبني أنا يا جدي...أنا المسئول.
اختبأت خلف ياسين وهي تشعر برعب حقيقي...
لم ترَ جدها يوما بغضبته هذه...
إنها المرة الأولي التي يرفع فيها كفه عليها...
+
هتف قاسم بغضب:
_هذه السافلة فضحتنا...لن يكون لصحف الغد سيرة غير تلك الحادثة...
ثم صرخ في وجه ياسين:
_وأنت...أنت كيف تحتضنها هكذا ...هل أصيبت العائلة كلها بالجنون.....؟!!!!
+
أطرق ياسين برأسه وهو لا يدري بم يجيب...
لو أقسم له بأغلظ الأيمان أنه لم يكن واعياً عندما فعلها فلن يصدقه....
هو نفسه لا يصدق أنه فعلها....
هو لم يمسها يوماً رغم كل الحب الذي جمع بينهما...
لقد حافظ عليها حتي من نفسه طوال هذه السنوات...
لا يدري كيف انفلت منه الزمام هذه الليلة ...
ليصير الأمر بهذا السوء...
وأمام هذا الجمع!!!
+
قطع أفكاره صياح جده الهادر:
_فريدة!
خرجت فريدة من الغرفة التي كانت حبيسة فيها مع فتاتيها بعدما أمرها قاسم بذلك ...
لتتوجه نحوه هامسة بخوف:
_نعم...يا عمي!
+
أشار قاسم لآسيا وهو يهتف :
_لا أريد رؤية هذه الفتاة في بيتي بعد ذلك...أرسليها لإخوتك في المدينة المجاورة...دعيها تبقي هناك لفترة حتي ينسي الناس هذه الفضيحة....
هتف ياسين بجزع وقد أزعجته فكرة إبعادها:
_لو سمحت لي يا جدي...إذا كنت تخشي الفضيحة دعني أتزوجها.
صرخ فيه قاسم بغضب:
_اخرس...آسيا زوجة حمزة...لن تكون لغيره...سأحافظ علي أمانته حتي يعود...ثم إنك متزوج بالفعل...متزوج من ربيبة آل الهاشمي ...هل تعني معني هذا؟!!!!
ثم التفت لفريدة صائحاً:
_ابقي مع جويرية وساري هنا...وابعثي بها لأخيك هناك...شهر...شهران...عشرة...حتي ينسي الناس هذه القصة...
ثم أشار لياسين هاتفاً:
_وأنت!! عد لزوجتك واسترضيها...لا نريد كسب عداء آل الهاشمي يا أحمق...
+
نظر ياسين لآسيا نظرة أخيرة...
نظرة وداع بنكهة الاعتذار...
ثم تركها مطأطأ الرأس ليعود لعروسه التي لا يدري كيف سينظر في عينيها بعدما حدث....
+
بينما وقفت آسيا في تبلد تنتظر مصيرها الذي سيقرره قاسم....
الذي هتف في حدة:
_جهزي حقيبتك للسفر غداً...لا تعودي قبل أن أرسل في طلبك...
ظلت صامتة مطرقة برأسها فهتف بغضب:
_اغربي عن وجهي...هيا.
عادت لغرفتها بخطوات ثقيلة تتبعها فريدة بقلب مثقل...
لقد صدر الحكم النهائي بالنفي لتلك المذنبة...
ولم يبق إلا التنفيذ.
========================
+
==========================================================================
جلست رقية علي طرف سريرها في غرفتهما ودموعها تسيل علي خديها بحرقة...
لقد فسدت ليلة زفافها التي تتمناها أي عروس...
وبأسوأ نهاية ممكنة...
من هي تلك المرأة التي تحتمل أن يحتضن زوجها امرأة أخري ليلة زفافهما في ذاك المشهد العاطفي وعلي مرأي ومسمع من كل هذا الحشد...
ستكون هذه الحادثة مثاراً للأقاويل لفترة لا بأس بها...
رقية الهاشمي ستكون مضغة في أفواه الجميع بعد تلك الليلة...
ومع ذلك أمرها والداها بتجاهل الأمر وإتمام الزفاف لآخره حتي لا يتسع الأمر...
وكأنه ينقصه الاتساع!!!!
+
لكنها لن تنهزم...
ياسين لم يعد مجرد رجل...
ياسين الآن زوجها...
قضية أيامها القادمة...
ورقية الهاشمي لم تخسر يوماً شيئاً تمنت تملكه...
سيكون لها قلب ياسين ...
وليس مجرد اسمه علي قسيمة زواج...
هذا هو قسمها لنفسها...
+
بحق حرقة قلبي هذه الليلة...ستكون لي كاملاً يا ياسين...
همست بها في إصرار...
+
ثم هبت من فراشها بعنف وهي تخلع طرحتها وثوبها لترتدي ثياباً عادية ...
غسلت وجهها لتمحو عنه أثر الدموع وانتظرته في صالة شقتهما التي خصصت لهما في منزل جده...
+
لم يطل انتظارها كثيراً...
فقد عاد بعد دقائق ليفاجأ بها تنتظره هكذا...
تطلع إليها في حيرة وهو لا يعرف ما الذي يدور برأسها الآن...
ولا يريد أن يعرف...
هو بالكاد يقف علي قدميه بعد مواجهته مع جده...
وبعد إرهاق يومه الطويل...
والأدهي والأمر...بعد صدمته بإقصاء آسيا بعيداً...
+
آسيا التي لم تفارق عينيه منذ ولدت...
لازال يذكرها طفلة حملها علي يديه وهو بعد في الخامسة من عمره...
لتكبر أمام ناظريه لحظة بلحظة...
لا يصدق أنه سيأتي يوم لا يصطبح فيه بنور وجهها ...
لا...هذا يفوق احتماله...
لقد رضي بهذه الزيجة لأنه كان عاجزاً عن مواجهة جده...
كان يصبر نفسه بقربها جواره...
لكن أن تبتعد هكذا...ودون أن يعلم إلي متي...
فهذا يثير جنونه!!!!!
+
راقبت رقية صمته بتحفظ ثم قالت بهدوء يخفي اشتعال باطنها:
_أعرف أنك متعب والوقت ليس مناسباً لحديث...لكن لي سؤالاً واحداً...أجبه ودعني لشأني.
أطرق برأسه وهو يهمس:
_أنا آسف...آسف حقاً يا رقية.
تجاهلت عبارته بكبرياء وهي تسأله بنفس الهدوء:
_هل تريد المضيّ معي في حياتنا بصدق...أم تريد أن ننهي هذا الأمر؟!
+
عقد حاجبيه وهو يسألها باستنكار:
_ننهيه؟!
أومأت برأسها إيجاباً وهي تقول :
_يمكننا التمادي في هذه المسرحية أمام الناس لفترة من الوقت حتي تهدأ هذه الفضيحة وتستقر الأمور وبعدها يمكننا الانفصال بتحضر يليق بعائلتينا....
هز رأسه قائلاً:
_رقية...أنا...
قرأت حيرته في عينيه فقالت بحزم:
_يبدو أنك لا تملك جواباً الآن...اذهب للنوم ...وامنحني قرارك غداً...
+
نظر إليها بعينين حائرتين...
يكاد يقسم أنه يري في عينيها دموع حسرة وألم...
لكن صوتها يأتيه قوياً واثقاً مكذباً ظنونه...
بدت له في هذه اللحظة كامرأة غريبة...
بل هي فعلاً امرأة غريبة...
ما الذي يعرفه هو عن رقية الهاشمي؟!
هو لا يعرف عنها شيئاً...
لم يحاول التقرب إليها ولا استكشافها...
وكيف يفعل؟!
وهي بالنسبة إليه مجرد دواء مر أجبره جده علي تناوله...
لكنه الآن يشعر بالشفقة نحوها...
ما حدث الليلة يصعب جداً علي أي امرأة مهما بلغت قوتها أن تحتمله...
ورغم ما تبديه هي من تماسك...
لكنه يستشعر جرح عينيها صارخاً متوسلاً...
+
تنهد في حرارة وهو يعطيها ظهره هارباً من هذا الموقف كله....
ليتجه نحو غرفتهما...
بينما بقيت هي واقفة مكانها في ثبات...
+
التفت نحوها هامساً:
_لماذا تقفين هكذا؟! ألن تأتي معي؟!
توجهت نحو غرفة النوم الأخري الصغيرة لتقول بهدوئها الذي يدهشه ويغيظه في نفس الوقت:
_لا...سأنام هنا.
دخلت الغرفة وأغلقت بابها خلفها...
فزفر في قوة...
ليدخل غرفته ويغلق بابه هو الآخر...
هذا اليوم كان طويلاً حقاً...
طويلاً ومؤلماً للجميع...
==========================================================================
جلس بدر علي كرسيه بالمشفي خارج الغرفة التي تتلقي فيها سمية جلسة علاجها الكيميائي...
أسند رأسه علي ظهر كرسيه وهو يشعر بالألم...
ربما ألمه المعنوي الآن أشد وأقسي بكثير من آلامها الجسدية...
كيف لا؟!
وحبيبته التي ترك الدنيا كلها لأجلها يوشك الموت علي اختطافها ببراثنه بعيداً عنه وعن طفلهما...
+
سمية...
ملاكه الرقيق...
الذي حمله بعيداً عن قسوة عالمه...
لتنشئ له عالما خاصاً بهما وحدهما...
سنوات مرت عليهما غارقين في بحور من عشق لا شطآن لها....
ليس له سواها...
وليس لها سواه...
+
حتي اكتشف إصابتها بهذا المرض منذ عام واحد...
عام واحد تحولت فيه سمية الجميلة لحطام امرأة...
ذاقا فيه معاً آلام المرض والمعاناة...
+
تنهد في حرارة وهو يشعر بصدره يضيق...
استغفر الله سراً وهو يدعوه أن يرحمهما معاً...
+
خرجت سمية من الغرفة بعد فترة منهارة كعادتها...
كل ذرة في جسدها تئن بالألم...
ومع هذا...
عندما رأت ملامحه المنهكة وهو يجلس منهاراً علي كرسيه تظاهرت بالتماسك وهي تقترب منه...
انتفض عندما لمحها ليندفع نحوها هاتفاً:
كيف حالك يا سمية.؟!
تبسمت بشحوب وهي تهمس بصعوبة:
_الحمد لله...هيا كي لا نتأخر علي الصغير.
تأبطت ذراعه فسار بها حتي غادرا المشفي...
ظلت صامتة طوال الطريق إلي مزرعتهما الصغيرة التي اختارها بدر لتكون وطناً صغيراً لهما ...
+
التفتت نحوه تهمس في حنانها المعهود:
_كيف حالك يا حبيبي؟!
التفت نحوها يمنحها ابتسامته التي تعشقها هامساً:
_بخير...مادمتِ معي.
ابتلعت غصتها وامتلأت عيناها بالدموع...
هي تعرف أنها لن تبقي معه طويلاً...
ولا مع صغيرهما...
+
هي لا تخاف الموت فقد تقبلت قدرها شاكرة منذ زمن...
لقد منحتها الحياة جنة حقيقية في عمرها القصير هذا ...
جنة ربما لم تحصل عليها كثيرات عشن أضعاف عمرها ...
جنة صاغها بدر بحبه الكبير الذي احتوي قلبها لسنوات ...
+
هي لا تخاف الموت لكنها تخاف غربة بدر وطفلهما بعدها...
بدر ليس له سواها...
هي كل عائلته وأصدقائه...
باستثناء عمه كساب الذي يقيم معهما في المزرعة...
هو الوحيد الذي سيبقي مع بدر بعدما ترحل...
ليتها تطمئن عليه وعلي صغيرها قبل رحيلها...
فقط لو يستمع لرجائها ويقبل بالزواج من أخري..
أخري تختارها هي لتكون رفيقة له بعدها وأما لطفلها...
+
غيرة؟!!!!
لا لا لا...
لا مجال لمشاعر الغيرة هاهنا...
لم يعد العمر يسمح بهذا الترف...
هي لا تفكر الآن وقد اقتربت النهاية كثيراً إلا بسعادة بدر وطفلهما...
+
نعم...ستبحث له عن عروس بنفسها حتي تطمئن عليهما قبل رحيلها...
والذي تشعر أنه اقترب...
اقترب كثيراً...
+
انتهى الفصل الاول 💙
+