رواية جارية في ثياب ملكية الفصل التاسع 9 بقلم نرمين نحمد الله
******
+
الفصل التاسع:
+
استيقظ ياسين من نومه ليجدها نائمة علي صدره تحتضنه بكلي ذراعيها...
قبل جبينها بخفة ليشعر بدرجة حرارتها طبيعية أخيراً بعدما كانت مرتفعة طوال الليل...
ابتسم في حنان وهو يتذكر هذيانها طوال الليل باسمه وباسم أبيها...
حتي فوجئ بها تحتضنه بقوة لتظل هكذا حتي الآن....!!!!
+
زفر بقوة وهو يتمني لو يضمها إليه ...
لو تصير له زوجة حقاً وليس مجرد حبر علي ورق...
رقية كامرأة شديدة الفتنة يصعب علي أي رجل مقاومتها...
خاصة رجل مثله لم تكن له تجارب قبلها....
لكنه سيحترم وعده لها...!!!!
لن يمسها إلا برضاها...
إلا وهو يحبها ...
رقية الهاشمي تستحق ألا يمسها سوي رجل يحبها وبجنون....كما أخبرها يوماً!!!!
+
شعر بالارتباك للحظات...
لو استيقظت لتجد نفسها هكذا ربما تظن به سوءاً...
لهذا سيتظاهر بالنوم حتي تفيق من نومها وحدها...
ليري ماذا ستكون ردة فعلها...!!!!
+
لم تمر دقائق حتي أفاقت رقية من نومتها لتجد نفسها تحتضنه هكذا...
شهقت بقوة وهي تنتفض بفزع لتجده لازال نائماً كما ظنت...
أسندت رأسها علي الوسادة مبتعدة عنه وهي تشعر بصداع رهيب...
جسدها كله يؤلمها...
لكن...كيف كانت تحتضنه هكذا؟!!!
كيف فعلتها؟!!!
هزت رأسها في ضيق وهي تحمد الله أنها استيقظت قبله...
ماذا كان سيكون رد فعلها لو استيقظ قبلها ليجدها كذلك!!!!
+
حاولت النهوض من السرير...
لكن خذلتها قدماها...
لتتهاوي عليه من جديد في إعياء....
فتح ياسين عينيه أخيراً وهو يهمس في حنان:
_صباح الخير يا رقية...كيف حالك الآن؟!
تحاشت النظر إليه وهي تشعر بالخجل هامسة:
_بخير...
قام من الفراش وهو يقول لها برفق:
_سأصلي ثم أحضر لكِ الإفطار...ابقي في الفراش...
هتفت باعتراض:
_لا ...سآتي معك...
اقترب منها قائلاً بحزم:
_ابقي مكانك يا رقية...أنتِ مريضة...
همست في إعياء:
_لا يصح أن تخدمني أنت...دعني أعد لأمي...
جلس قبالتها علي طرف الفراش وهو يقول بلين:
_هل سنتحدث عن هذا الأمر من جديد.؟!!..ستبقين معي هنا ولو قصرت أنا في رعايتك يمكنك ساعتها الذهاب لوالدتك كما تريدين...اتفقنا؟!
همست في خجل:
_حسناً لكن دعنا نستدعي خادمتنا كي لا أتعبك...
هز رأسه نفياً وهو يقول ممازحاً:
_لا...أنا أريد الاستفراد بك هنا دون دخلاء....
احمرت وجنتاها وهي تقول بحرج:
_ما ذنبك في أن تبقي حبيساً جواري هنا...الأمر مرهق صدقني...لقد جربته قبلاً...
قام من مكانه ليقول بحسم:
_لن أتحدث في هذا الموضوع ثانية...
+
قالها وهو يغادر الغرفة ...
ثم عاد بعد دقائق طويلة حاملاً صينية صغيرة...
وضعها جوارها علي الكومود...
ثم تناول طبق الحساء الذي أعده ليقول بمرح:
_هيا نري هل سيعجبك طبخي؟!
ابتسمت في امتنان وهي تقول :
_يكفي أنك أتعبت نفسك...
وضع الملعقة في الطبق ليحمل إليها بعض الحساء ثم قربها من فمها هامساً:
_بالهناء والشفاء.
ابتعدت بوجهها وهي تقول بخجل:
_سآكل وحدي...لا داعي لذلك...
ابتسم هامساً في حنان:
_أحب أن أطعمك بيديّ.
عاد يقرب الملعقة من فمها لتتناولها منه ثم همست بابتسامة رقيقة:
_أخشي أن أخبرك أنه أروع حساء تذوقته فتظنني أسعي لاستغلالك فيما بعد!
ضحك ضحكة طويلة ثم همس بحنانه المعهود:
_استغليني كما شئتِ.
3
شعرت بجسدها كله يرتجف تأثراً بهذا الحنان الذي يفيض منه...
مم خلق هذا الرجل حتي يكون بكل هذه الروعة...؟!!
إنها تشعر جواره بأمان يلفها في احتواء ...
ينسيها كل مخاوفها وجراحها...
ويعدها بغد وردي ملئ بالأحلام!!!!
+
عاد يطعمها وهو يسألها بحذر:
_بم كنت تحلمين بالأمس؟!
+
هزت رأسها قائلة بحيرة:
_لا أدري...لا أذكر شيئاً...هل كنت أهذي؟!
ثم أردفت بخجل:
_عندما كنت أصاب بهذا الدور سابقاً أمي كانت تقول أنني أهذي بجنون...!
+
همس بهدوء مخفياً واقعة احتضانها الكارثية له:
_كنت تهذين باسمي وباسم والدك...
شعرت بالارتباك وهي تسأله :
_هل كنت أقول شيئاً معيناً؟!
رفع أحد حاجبيه بمكر وهو يقول:
_هل تخافين من شئ تخفينه؟!
هتفت بسرعة:
_لا...إنه مجرد سؤال...
+
شعر بارتباكها فأشفق عليها منه....
+
ليعود لإطعامها وهو يقول برفق:
_هل افتقدتِ والدك؟!
+
تنهدت لتهمس في شرود:
_جداً...افتقدت حياتي السابقة كلها...
عقد حاجبيه وهو يسألها بضيق:
_إلي هذه الدرجة لستِ سعيدة معي؟!!
التفتت إليه لتقول برقة:
_لا يا ياسين لم أقصد هذا...أنت تبذل كل ما تستطيع لإسعادي وأنا ممتنة لك كثيراً...
ثم أردفت بعاطفة:
_لكن علاقتي بوالدي شئ فريد ...هو الوحيد الذي أئتمنه علي ضعف رقية الهاشمي الذي لم يظهر إلا أمامه...حتي والدتي رغم حبي الشديد لها لكن أبي حالة خاصة...هل تعلم ...لقد استطعت الكذب علي والدتي بخصوص علاقتنا...ربما لو كان أبي هو من سألني لما تمكنت من إخفاء الأمر عليه...
+
أومأ برأسه في تفهم وهو يقول:
_لهذا كنتِ تبكين علي صدره في انهيار عندما جاء لزيارتنا؟!
+
أسندت رأسها علي الوسادة وهي تهمس في شرود:
_أبي هو سندي الوحيد...هو أكثر من فهمني...كل من حولي كانوا يرون رقية القوية التي لا يكسرها شئ....وحده أبي كان يشعر بضعفي...يتفهمه...يحتويه...
همس بحنان:
_أنتِ تحبينه كثيراً...محظوظ هو بابنة مثلك...
ابتسمت بسعادة وهي تهمس:
_بل أنا المحظوظة به حقاً...
+
ناولها الملعقة الأخيرة ثم وضع الطبق جانباً...
ليقول برفق:
_كيف يراني والدك؟!
+
أطرقت برأسها وهي تقول بهدوء:
_لا أحد يختلف علي شخصك يا ياسين...أنت رجل مميز ...
رفع ذقنها إليه وهو،يسألها:
_أجيبيني بصراحة....هل أنتِ نادمة علي زواجك مني يا رقية؟!
هربت بعينيها من عينيه وهي تهمس:
_لا ...أنا مقتنعة أن الله وضعني في طريقك لحكمة ما لا أعرفها...لكنني سعيدة بكوني جوارك في محنتك...أخشي أن تتهمني بالغرور لكن دعني أخبرك أن امرأة غيري لم تكن لتقوي علي ذلك...لكن الله قدر أن أكون أنا ...في هذه الظروف وهذا التوقيت...
أومأ برأسه وهو يهمس في إعجاب واضح:
_ليس غروراً يا رقية...أنتِ تعرفين قدر نفسكِ جيداً...معك حق...وحدها رقية الهاشمي من كنت أحتاجها الآن...
همست في امتنان:
_شكراً يا ياسين...
أمسك كفها يقبله هامساً:
_بل أنا من يشكركِ يا رقية...شكراً علي كل شئ...
==========================================================================
_هل جننت يا زياد؟! تريد الزواج من فتاة دون علم أهلها؟!!!
+
هتفت بها صفية في حنق وهو مصدومة...
ابنها الأكبر الذي تتوسله ليتزوج منذ فترة طويلة يفاجئها أخيرا برغبته في الزواج...
ولم تكد تفرح حتي أخبرها بظروفها لتصرخ في وجهه ...
هل خلت المدينة من الفتيات فلم يجد سوي هذه بظروفها المعقدة؟!!!!
+
ترجمت أفكارها لكلمات مسموعة فهتف زياد بإصرار:
_أنا أحببتها يا أمي ومصر علي الارتباط بها....
هتفت بسخط:
_أحببتها؟!!! متي؟!!!أنت تقول أنك لم تلتق بها سوي من شهر واحد علي الأكثر....
هتف بصدق:
_لكنني تمنيتها زوجة لي من كل قلبي....
+
فتح باب الشقة ليدخل والده هاتفاً:
_السلام عليكم.
عاجلته صفية بقولها:
_تعال يا رياض واسمع ماذا يريد ابنك....
نقل رياض بصره بينهما بحذر وهو يسأله:
_ما الأمر يا زياد؟!
أطرق زياد برأسه فيما أردفت صفية:
_يريد الزواج من فتاة دون علم أهلها لتسافر معه إلي أمريكا؟!!! هل رأيت جنوناً أكثر من هذا؟!!
أطرق رياض برأسه للحظات ثم قال لصفية:
_دعينا وحدنا قليلاً...
تركتهما صفية وهي تكاد تحترق غضباً....
فجلس رياض جواره ليقول برفق:
_ما الأمر بالضبط يا بني؟ !
أخذ زياد نفساً عميقاً ثم قال بهدوء:
_الأمر ليس كما تظن يا أبي...هي فتاة من عائلة محترمة لكن جدها رجل متسلط يريد تزويجها رغماً عنها من ابن عمها البغيض...أنا نفسي رأيت ابن عمها هذا عندما كنت أجري الكشف عليها...لن تتخيل مدي غلظته وفظاظته...لم أكن أعلم أنها مخطوبة له ...وعندما عرضت عليها الأمر فوجئت بها تنهار في البكاء...هل تصدق أن فتاة في عصرنا هذا تجبر علي الزواج دون إرادتها؟!!!
+
تنهد رياض قائلاً:
_الأمر ليس سهلاً يابني...الزواج ليس مجرد رجل وامرأة لكنه عائلة ترتبط بعائلة...ما تقوله ليس هيناً أبداً...
هتف زياد بتصميم:
_ظروفي أكثر،من مناسبة لها يا أبي...أنا في طريقي للسفر كما تعلم ...سأتزوجها وتقيم هنا معكم قليلا حتي أستطيع تدبر أمر أوراقها ثم تلحق بي هناك....
نظر إليه والده طويلاً...
زياد يبدو مصراً علي هذه الفتاة...
لم يره يوماً بهذا التصميم علي شئ في حياته...
وهو لا يريد أن يخسر ابنه...
خاصة وهو يمكنه الزواج منها دون رغبتهم ثم تلحق به في سفره كما يرغب....
لهذا هادنه وهو يقول في رفق:
_أخبرني عن هذه الفتاة....ماهي معلوماتك عنها؟!
اندفع زياد يحكي له كل ما دار،بينه وبين جويرية ووالده يستمع إليه في صبر حتي انتهي....
فتنهد رياض قائلاً:
_هل أنت مقتنع بهذه الزيجة ؟! هل ترضاها لشقيقتك يابني؟!
هتف زياد بقوة:
_نعم...لو وقع عليها ظلم كجويرية ولقيت رجلاً يحبها كحبي لها فأنا أرضاها لها طبعاً....
قام رياض واقفاً ثم قال بهدوء:
_دعني أتدبر الأمر مع والدتك وليقض الله ما يشاء....
+
غادره والده فشرد ببصره وهو،يفكر...
تري ماذا ستحمل الأيام القادمة لهما معاً...؟!!!
لم يبق أمامه الكثير من الوقت...
وهو يخاف أن تخذله الظروف ...
لكنه سيتشبث بها مهما حدث...
==========================================================================
انتظرها بلال خارج مدرج المحاضرات حتي رآها...
فناداها بلهفة:
_ساري!
+
توجهت إليه بابتسامة عريضة فهتف بعتاب:
_هل أنتِ غاضبة مني؟!
+
هزت رأسها نفياً وهي تقول بتعجب:
_لماذا تظن هذا؟!
قال بتردد:
_أنتِ تتحاشين التحدث معي.
اتسعت ابتسامتها وهي تقول بمرح مشيرة لمنصب والده القوي:
_أنا أتحاشي التحدث مع بلال الهاشمي نفسه؟!! هل تريد أن تجلب لي مصيبة؟!!!
لم يستجب لمزاحها هذه المرة بل أطرق برأسه فسألته بقلق:
_ما الأمر يا بلال؟! أنت لا تبدو بخير...
أشاح بوجهه للحظات ثم قال لها بتردد:
_والدي يريدني أن أسافر لأدرس في الخارج...
عقدت حاجبيها وهي تسأله:
_ولماذا الآن؟!
تنهد قائلاً:
_هو يسعي لهذا منذ فترة طويلة وأنا كنت أرفض...لكن ضغوطه زادت هذه الأيام...
سألته بحيرة:
_ولماذا هذه الأيام بالذات؟!
لوح بكفه قائلاً:
_ظروف البلد غير مستقرة...وأنتِ تعلمين حساسية مركز أبي...
أومأت برأسها في تفهم وهي تقول:
_أنا أقدر قلقه...الأمور الآن مضطربة حقاً...
أردف زياد بقلق:
_الأمر ليس هكذا فحسب إنه يتلقي تهديدات كثيرة بالاغتيال له ولعائلته ....لهذا يريد إبعادي عن هنا.
+
انقبض قلبها بشدة وهي تهتف:
_يا إلهي! إلي هذا الحد؟!
أطرق برأسه فأردفت بعد لحظات صمت:
_ولماذا لا تريد السفر يا بلال؟!
+
نظر إليها طويلاً دون أن يجيب...
ماذا عساه يقول لها؟!!!
إنه يرفض السفر من أجلها هي...
لا يتصور أن يمر عليه يوم دون أن يراها...
لقد ملكت قلبه تماماً طيلة الأيام السابقة...
وكان ينتظر أن يتخرجا ليطلب يدها من أهلها...
لكن هاهو ذا والده يطالبه بتعجيل سفره...
وهو لا يريد ترك الأمور معلقة حتي يعود...
1
قطعت أفكاره وهي تقول بحنان:
_سافر يا بلال ...سلامتك أهم من أي شئ.
ابتسم في عاطفة واضحة وهو يقول بمواربة:
_سأفتقد الجميع هنا...لقد اعتدت صحبتكم ...
ضحكت وهي تقول:
_هناك ستجد صحبة أفضل...لا تقلق.
يأس من أن تفهم شيئاً عن شعوره كما يبدو ...
لكنه قال في صدق:
_لن أجد أفضل منكم أبداً!!
+
ابتسمت لمجاملته-كما ظنتها-فسألها بترقب:
_هل يمكنني مراسلتك علي الايميل الخاص بكِ لمعرفة أخبار جماعتنا...سأرسل لحسابك البنكي مبلغاً دورياً لتساهمي به في نشاطاتها كما ترين...
+
كانت سعيدة لحماسه لمساعدة المحتاجين...
بلال الهاشمي كما تراه رجل يعتمد عليه...
لقد كان يساعدهم في العمل المجتمعي طيلة الأيام السابقة بتفانٍ واضح...
يبدو أن السيد عاصم محظوظ في ذريته...
رقية وبلال من أفضل الناس الذين عرفتهم في حياتها....!!!
لهذا قالت له في بساطة:
_نعم بالطبع...يمكنك مراسلتي علي الايميل...
برقت عيناه بعاطفة قوية لكنها لم ترَ منها شيئاً وهو يقول:
_سأمر لأراكم وأودعكم قبل سفري...
قالت بأسف واضح:
_سنخسر عضواً نشيطاً معنا...لكنني أتمني لك الخير والسلامة يا بلال.
+
استأذنها في الانصراف فتابعته ببصرها في شرود...
لو كان الحب بالعقل لكانت أحبت بلال الهاشمي بكل ذرة في كيانها...
لكنه للأسف ليس كذلك...!!!
قلبها الأحمق لا يري سوي واحد فقط...
واحد فقط حكمت عليها الأقدار قسراً بالزواج منه...
ومع ذلك...تشعر أنها ستكون أتعس امرأة في الدنيا معه!!!
ياللعجب!!!
أي فتاة مكانها كانت ستشعر بالسعادة لأنها ستتزوج أخيراً حبيب طفولتها الذي لم تعشق يوماً غيره...
لكنها تعلم علم اليقين أي أيام عصيبة تنتظرها معه!!!
==========================================================================
جلست آسيا مع سمية تلعبان الشطرنج في ردهة المنزل...
عندما دخل بدر ليقول ببشاشة:
_السلام عليكم.
ابتسمت سمية وهي تهتف:
_حمداً لله أنك أتيت يا بدر...آسيا توشك علي هزيمتي...تعال وتصرف.... أنت مثلي تماماً...
تقدم نحوها بدر ليقبل رأسها هاتفاً:
_لا أحد يهزم حبيبتي وأنا حي أرزق...سأهزمها من أجلك فقط...
ضحكت آسيا في مرح وهي تقول:
_أرني آخر حدود مهارتك يا سيد بدر...أنا أنتظر...
قامت سمية ليجلس بدر مكانها ثم حرك إحدي القطع فهتفت سمية:
_لا يا بدر...دور جديد...
ابتسم بدر هاتفاً:
_أوامر الملكة سمية لا ترد.
+
قالها وهو يعيد ترتيب القطع فراقبتهما سمية بحنان ...
بدر لا يكف عن تدليلها وإشعارها بمكانتها عنده...
لكنها تريد أن تدفعه نحو آسيا التي تبدو غافلة عنه هي الأخري غارقة في حبها القديم...
هذان الاثنان يحتاجان لمن يقرب بينهما...
وهي ستفعل...!!!
+
قامت من مكانها عندما بدآ اللعب لتقول لبدر:
_أنا أشعر بالتعب سأذهب للنوم...أكمل معها الدور لآخره وأخبرني غداً بالنتيجة...
+
كاد بدر يقوم معها لكنها ربتت علي كتفه هاتفة في مرح:
_لقد وعدتني بالفوز...هل نسيت؟!
ابتسم لها في حنان فغادرتهما بعد أن ألقت التحية علي آسيا...
حرك بدر إحدي القطع وهو،يقول:
_أنتِ ماهرة حقاً يا آسيا...من علمك؟!
حركت إحدي القطع في شرود وهي تهمس:
_ياسين علمني.
نظر إليها بدهشة هاتفاً:
_ياسين ابني؟!
هزت رأسها نفياً وهي تنتبه من شرودها هامسة:
_ياسين ابن عمي.
ابتسم وهو يحرك قطعة ويلتقط أخري ليقول بمرح:
_انتبهي من شرودك يا صغيرة...لقد ضاع حصانك..
1
شهقت بقوة وهي تهتف في غضب طفولي:
_أنت تغش! لقد استغللت شرودي.
هز كتفيه قائلاً بخبث:
_ليس ذنبي!
زفرت بقوة وهي تحاول التركيز في اللعب...
ثم سألته ببساطة:
_من أي البلاد أنت سيد بدر؟!
عقد حاجبيه بشدة وهو يقول ببطء:
_لماذا تسألين؟!
ظلت علي تركيزها في اللعب وهي تردف في هدوء:
_مجرد سؤال.
+
حرك إحدي القطع فصرخت بفرح طفولي:
_ضاع وزيرك سيد بدر!!
التفت لرقعة الشطرنج وهو يقول بسخط:
_أنتِ تعمدتِ إرباكي.
ضحكت بمرح وهي تهز كتفيها هاتفة:
_واحدة بواحدة.
ضحك رغماً عنه وهو يقول بمرح:
_أنتِ خطيرة!
حركت إحدي القطع وهي تقول :
_لو كسبت هذا الدور فسأطلب مكافأة كبيرة.
حرك قطعة بدوره وهو،يقول بتركيز:
_لكِ مكافأة حتي لو خسرتِ!
ابتسمت وهي تلتقط إحدي القطع لتقول بسعادة طفولية:
_ضاع الفيل أيضاً سيد بدر...لا أحب المكافآت بلا مقابل...
+
ابتسم بخبث وهو يلتقط قطعة فشهقت في عنف وهو يقول بمكر:
_كش ملك يا صغيرة...تقبلي المكافأة بلا مقابل اذن.
+
ظلت مصدومة تتأمل رقعة الشطرنج بذهول...
لا تصدق أنه هزمها بسهولة هكذا...
فشعر بالإشفاق عليها ...
إنها تبدو كطفلة كبيرة...
رغم ما تبديه من صلابة وتماسك...
لكنها بداخلها طفلة مندفعة...
وهو يشفق عليها من اندفاعها هذا....
لقد سلم الله أمرها هذه المرة عندما هربت من أهلها ليجدها هو ...
ما الذي كان يمكن أن يحدث لها لو عثر عليها أناس بلا ضمير...؟!!!
+
قطعت أفكاره وهي تقول بأسف:
_لقد خسرت.
ابتسم في إشفاق وهو،يقول:
_لكِ المكافأة التي طلبتيها كما وعدتك...
رفعت إليه بصرها في تردد وهي تقول:
_لا...لا أريد...
اتسعت ابتسامته وهو يقول بحزم حنون:
_ستقولين وأعدكِ ألا أخبر سمية أنني أنا من ربح!
ضحكت في مرح ثم قالت بامتنان:
_شكراً سيد بدر...شكراً علي كل شئ...
أومأ برأسه وهو،يعيد سؤالها برفق:
_ماذا كنتِ تريدين ؟!
+
ترددت للحظات ثم قالت بخفوت:
_كنت أريد ركوب الخيل...طالما حلمت بهذا...
ارتفع حاجباه في حنان وهو يكرر عبارتها:
_طالما حلمتِ بهذا؟!!
أومأت برأسها في إيجاب وصورة من ماضيها تأتيها باهتة فهمست في شرود:
_المزرعة كلها تشبه حلمي...كوخ منعزل في فضاء شاسع وحصان يحملني لأقصي حدود بصري...تماماً كما كان يرسمها ياسين...
+
تأمل شرودها بتفحص...
ثم سألها بحذر:
_يبدو أن ياسين هذا له مكانة خاصة عندك...هذه ثاني مرة تذكرينه فيها...
+
التفتت إليه بحدة من شرودها وهي تقول بارتباك:
_نعم...لقد تربينا معاً...لهذا يشاركني الكثير من ذكرياتي...
سألها بدهشة:
_هل هو ابن عمك الذي أرادوا تزويجك له قسراً؟!
هزت رأسها نافية وهي تقول باقتضاب:
_لا...إنه رجل آخر.
قام من مكانه ليقول لها بحنان:
_حسناً ...غداً نحقق حلم آسيا الأول هنا بركوب الخيل.
وقفت بدورها لتقول بسعادة :
_لا أدري كيف أشكرك سيد بدر.
همس بحنان وهو يري فيها صورة سمية منذ سنوات:
_كوني سعيدة...فقط كوني سعيدة يا آسيا.
1
وخلف باب غرفتهما كانت سمية واقفة تراقبهما خفية...
تشعر بالرضا رغم سهام الغيرة التي ترشق قلبها بعنف...
==========================================================================
وقفت آسيا أمام الحصان في حيرة وهي تقول لبدر:
_كيف سأركب الحصان دون أن يؤذيني...؟!
ابتسم بدر وهو يقول :
_امنحيه الأمان أولاً...
نظرت إليه بتساؤل فأعطاها طبقاً به بعض مكعبات السكر قائلاً:
_في البداية أطعميه بعض السكر...
تناولت مكعباً من السكر ثم قربته بحذر من فم الحصان الذي اندفع بفمه بسرعة نحو يدها فارتدت للخلف في صدمة....
ضحك بدر طويلاً وهو يقول ممازحاً:
_يبدو أنكِ من يحتاج منحه الأمان وليس الحصان.
ازدردت ريقها بصعوبة وهي تهمس في خوف:
_لا أريد.
تنهد بدر قائلاً:
_لا تيأسي هكذا من أول مرة.
التفتت إليه تسأله :
_أنا أراهم في الأفلام يطلقون الأسماء علي الخيل...هل لهذا الحصان اسم؟!
ابتسم قائلاً:
_جسار.
+
انتفضت بقوة عندما سمعت الاسم الذي تربت من صغرها علي الخوف منه...
جسار الذي يطاردهم بثأر قديم...
والذي هو السبب في إقصاء حمزة بعيداً...
لهذا وجدت نفسها تقول باستياء:
_ولماذا هذا الاسم بالذات؟!
هز كتفيه قائلاً:
_سمية من أطلقت عليه هذا الاسم يوم ولد....
زاد هذا من خوفها من الحصان فقالت في تردد:
_اختر لي حصاناً آخر...لا أريد جسار هذا...
+
صهل الحصان وقتها بشدة وكأنه فهم ما تقول فارتدت للخلف ثانية وملامح الذعر علي وجهها...
فيما انطلق بدر ضاحكاً وهو يقول:
_لا تغضبي جسار يا صغيرة...
+
شعرت آسيا بالغيظ منه وهو يضحك منها هكذا فتناولت منه طبق السكر في عصبية...
+
ثم التقطت منه قطعة قربتها من فم الحصان بحذر وهي تربت علي رأسه بحنان هامسة جوار أذنه:
_خذ هذه من آسيا يا جسار.
مد الحصان رأسه ببطء من يدها هذه المرة ...
فعادت تربت علي رأسه وهي تهمس:
_جيد يا جسار.
تناولت السكر من الطبق قطعة وراء قطعة وهي تربت علي رأسه بهمسها الحاني...
فقال بدر في إعجاب:
_جسار بدأ يعتادك...هذه خطوة جيدة...دعينا نختبر هل سيقبل أن تمتطيه أم لا...
+
جاءت سمية في هذه اللحظة وهي تقول برضا:
_مرحباً...هل أعجبكِ جسار يا آسيا؟!
التفت نحوها بدر بحدة فيما قالت آسيا بقنوط:
_أعجبني لكن يبدو أنني لم أعجبه...
ضحكت سمية في مرح وهي تقول :
_لا تقولي هذا قبل أن تمتطيه...
+
قالتها وهي تمد لها يدها لتعاونها علي امتطائه...
ولحسن الحظ لم يتذمر الحصان بل ظل ساكناً...
+
فابتسمت سمية في رضا وهي تلتفت نحو بدر هامسة:
_لقد أعجبت جسار كما أعجبها...!!!
+
نظر بدر لسمية طويلاً...
ليسود الصمت بينهما للحظات....
وكأن كلاً منهما يستقرئ ما بداخل الآخر...
صمت صاخب...
لو كان للصمت أن يكون صاخباً....
قطعته آسيا وهي تهتف في فرح :
_هل يمكنني الانطلاق به الآن؟!
التفتت سمية إليها وهي تنتزع عينيها قسراً من نظرات بدر المتفحصة...
+
ثم قالت بحنان:
_ليس بعد يا حبيبتي...بدر سيسير معكِ به أولاً حتي يعتاد عليكِ وبعدها يمكننا تدريبك لتسيري به وحدك.
1
ابتسمت آسيا في سعادة...
فيما قالت سمية لبدر فيما يشبه الرجاء:
_سر بها يا بدر...
ظل بدر ينظر إلي سمية نظرات طويلة غامضة...
+
فابتسمت له وهي تقول برفق:
_سأنتظركما بالداخل مع ياسين....
راقب بدر انصرافها بشرود وهو يشعر بثقل علي صدره...
تري ما الذي يدور في بالكِ يا سمية؟!
==========================================================================
دخلت ساري باب المنزل الكبير لتغلقه خلفها فوجدته ينتظرها في المدخل هاتفاً:
_أخيراً جئتِ.
زفرت بقوة وهي تهتف:
_ماذا تريد ؟!
اقترب منها فضمت كتابها الذي تحمله لصدرها وهي تقول بحدة:
_لو كررت أفعالك الطائشة سأصرخ وسيسمع جدي لتكون فضيحة.
ابتسم قائلاً:
_لا تخافي يا سوسو...لن أضايقك.
هتفت بحنق:
_ولا تدعوني هكذا...لا أحب هذا الاسم السخيف.
رفع أحد حاجبيه وهو،يقول بمكر:
_كنتِ تعشقينه حتي عهد قريب...
أشاحت بوجهها وهي تهتف:
_كنت..ولم أعد...
لم يرفع عينيه من عليها دون أن يتكلم للحظات...
فسألته بضيق:
_ماذا تريد الآن؟!
1
قال باستكانة مصطنعة:
_أنا لم أتناول غدائي بعد ...واشتقت لطعام عمتي فريدة...فهل تدعينني علي الغداء؟!
ابتسمت رغماً عنها وهي تشيح بوجهها...
فأردف بخبث:
_أم أنكم بخلاء؟!
ضربته بالكتاب الذي تحمله بخفة علي كتفه وهي تهتف:
_عيب يابن النجدي.
نظر إليها طويلاً وهو يهمس:
_حذيفة يا ساري...حذيفة...
أطرقت برأسها وهي تشعر بنظراته تخترق قلبها كحمم من لهيب...
ثم رفعت رأسها بعدها بلحظات لتقول :
_تفضل معي...
صعد معها الدرج حتي وصلا لشقتها...
طرقت الباب الذي فتحته فريدة بسرعة ثم ابتسمت بسعادة وهي تراهما معاً لتقول:
_أهلا يا حذيفة...تفضل يابني.
دخل حذيفة ليجلس علي الأريكة في صالة المنزل فيما قالت ساري لفريدة:
_حذيفة اشتاق لطعامك يا أمي...سيتناول غداءه معنا...
ابتسمت فريدة في سعادة وهي تربت علي كتفه قائلة:
_حذيفة هذا حبيب قلبي طوال عمره...سيكون الطعام جاهزاً في دقائق...
همت ساري بالدخول لمساعدتها لكنها قالت لها بحنان:
_اجلسي أنتِ مع حذيفة حتي أعود...
جلست علي الكرسي المجاور له صامتة فسألها برفق:
_كيف حال دراستك...
أومأت برأسها دون أن تجيب...
فسألها بحذر:
_هل ترين بلال الهاشمي؟!
قالت ببساطة:
_نعم...كان يودعنا اليوم قبل سفره...
عقد حاجبيه متسائلاً:
_إلي أين؟!
هزت رأسها تقول بهدوء:
_لم يخبرني...قد أسأله عندما يراسلني علي الايميل...
اتسعت عيناه وهو يسألها باستنكار:
_يراسلك علي ماذا؟
+
مطت شفتيها في استياء وهي تحاول كظم غيظها قائلة:
_سيراسلني علي الايميل ليعرف أخبار جماعتنا ونشاطاتها فهو يساهم معنا في تقديم المعونات للمحتاجين...
هتف بسخط:
_ولماذا أنتِ بالذات؟!
قالت بهدوء:
_لأنني رئيسة الجماعة وأعتبر قريبته بحكم النسب بيننا...
زفر في ضيق...
عندما جاءت فريدة بالطعام لتقول بحنان أصيل:
_تفضلا...الطعام جاهز...
قاما ليجلسا علي مائدة السفرة ...
فيما غادرتهما فريدة وهي تدعو الله أن يوفق بينهما....
+
فتناولت ساري طبق السمك وهي تقول برفق:
_دعني أقشره لك...أنا أعرف أنك تحتاج دوماً لمن يفعل هذا....
ابتسم في حنان وهو يراقب أناملها التي تقشر له السمك هامساً:
_لازلتِ تذكرين!
ابتسمت بدورها وهي تقول :
_عيبي أنني لا أنسي شيئاً...
ضحك بمرح وهو يتأمل ملامحها بإعجاب واضح...
ليهمس بعدها بعتاب خفي:
_قلبك أسود كما يقولون....
ضحكت بمرح هي الأخري وهي تقابله بقوة عينيها الآسرة:
_بعض ما عندكم ....
+
وضعت طبقه أمامه بعدما قشرت له السمك فقال بعاطفة:
_هل ستفعلين هذا عندما نتزوج؟!
تنهدت في حرارة فرفع سبابته في وجهها هاتفاً:
_إياكِ أن تقولي أنني لا أعرف ما يحمله الغد....
نظرت إليه نظرات غامضة لم يفهمها وهي تقول بحزن:
_هذه حقيقة !
نظر إليها طويلاً وهو يشعر بقلبه يخفق بجنون...
هو يريدها...
يريدها ليست كأي امرأة يرغبها...
بل يريدها هي بالذات....
ليهمس بعدها بحرارة:
_ستكونين لي يا ساري.
1
أطرقت برأسها دون أن ترد...
عندما رن هاتفه...
مد يده في جيب قميصه ليتناوله فسقط منديل صغير من جيبه علي المائدة...
اتسعت عيناه في ارتياع وهو يتمني ألا تلاحظ...
لكنها لاحظت ...
لاحظت جيداً...
المنديل كان متسخاً بأحمر شفاة!!!!
1
تناولت المنديل باشمئزاز واضح وهي تعطيه له قائلة بثبات يداري انكسارها ببراعة كعادتها:
_أعده لجيبك...لا تدع قذاراتك تلوث بيتنا...
أشاح بوجهه عنها وهو،يزفر في ضيق...
فقامت من جواره لتقول بجمود:
_شهية طيبة...
قالتها وهي تتجه نحو الداخل فقال برجاء:
_تعالي وتناولي طعامك يا ساري.
نظرت إليه بقوة وهي تقول :
_شبعت.
قام من علي كرسيه ليتوجه نحوها فأوقفته بإشارة من كفها هاتفة:
_ابق مكانك يا ابن النجدي...لا فائدة...
ثم هزت رأسها مكررة في احتقار واضح:
_لا فائدة.
==========================================================================
وقف حمزة في حديقة منزله شارداً...
لم يرَ مارية منذ بضعة أيام...
لا في المشفي ولا هنا...
وكأنها تتهرب من مجرد رؤيته...
+
زفر في قوة وهو يشعر بافتقادها إلي أقصي حد...
مارية كانت اللون الوحيد في حياته الباهتة...
لكنه وضع عليها آمالاً أكثر مما احتملته طبيعتها الهشة...
فخذلته كما خذلها!!!
التفت فجأة لمنزلها المجاور ليجدها عائدة مع آندي الذي ودعها ورحل...
صادفت التفاتته التفاتتها هي الأخري فالتقت عيناهما طويلاً...
هل يري شوقاً في عيونها يماثل شوقه أم هو واهم؟!!!
+
اقترب من السور الفاصل بين حديقتيهما ليقول بهدوء:
_مرحباً يا مارية.
+
سارت نحوه لتقترب حتي لم يعد يفصلهما سوي السور القصير بين الحديقتين لتقول بصوت خانها بعاطفته:
_كيف حالك يا حمزة؟!
ابتسم واسمه الذي نطقته بلكنتها المميزة يداعب أذنه بحلاوة تشبه حلاوتها ....
ثم همس بصدق:
_افتقدتك يا مارية...افتقدتك جداً....
+
أغمضت عينيها بقوة وكأنها تقاوم مشاعرها بصعوبة...
ثم عاد إليها برودها لتقول ببساطة:
_شكرا لمجاملتك دكتور حمزة...ليلة سعيدة...
+
قالتها وهي تهم بالانصراف...
فاستوقفها قائلاً:
_مارية...لا تغضبي مني...أنا لم أقصد أن أجرحكِ يوماً....
+
ابتسمت في برود لتقول بلهجة ثلجية أدهشته:
_لا أحد يستطيع جرحي ما لم أمنحه أنا هذه الفرصة...وأنا لن أمنحها لأحد بعد...
+
قالتها وهي تعطيه ظهرها لتعود لمنزلها بخطوات واثقة...
فيما بقي هو واقفاً مكانه يشعر بالدهشة...
ماذا حدث لمارية المرحة الطفولية البسيطة....
كيف تحولت هكذا لهذه الصورة الباردة الثلجية....
أيعقل أن يكون هو السبب؟!!!
+
عقد حاجبيه وهو يزفر في ضيق...
لماذا يلومها...
بل ماذا ينتظر منها أصلاً...
وهو الذي أقصاها عن عالمه ؟!!!
_أليس هذا هو صوت العقل الذي سرت خلفه؟!....هنيئاً لك به يا ابن النجدي!!!
+
همس بها في سخط وهو يعود أدراجاً لمنزله...
شاعراً أنه خسر شيئاً لن يمكنه أبداً تعويضه.....
==========================================================================
وقفت رقية في شرفة المنزل الساحلي تتطلع للسماء في سكينة...
لقد مرت بضعة أيام منذ أصابها المرض وكادت تتماثل للشفاء...
أيام قضتها تتنعم بحنانه اللا محدود...
قضاها جوارها يغمرها برعايته وتدليله...
ولولا آلام مرضها لأقسمت أنها كانت أروع أيام حياتها....
+
تقدم نحوها ليهمس خلفها مباشرة:
_كيف حالك الآن؟!
+
التفتت إليه لتقول بامتنان:
_الحمد لله...بأحسن حال...
ابتسم بدوره وهو يهمس بحنانه الذي يعرف طريقه لقلبها دوماً:
_يارب دوماً...
أطرقت برأسها فتنحنح قائلاً بمرح:
_أنا كسبت رهاني ...وأريد مكافأتي...
احمرت وجنتاها وهي تتصنع الجهل لتقول ببراءة مصطنعة:
_أي رهان؟! وأي مكافأة...؟!
أمسك بكتفيها وهو ينظر لعينيها مباشرة هامساً:
_إلي متي ستهربين من الإجابة؟!
تنهدت في حرارة وهي تشيح بعينيها بعيداً للحظات....
ثم حسمت أمرها فعادت تنظر لعينيه مباشرة هامسة:
_سأجيبك يا ياسين...اخترتك لأجل هذا الذي أراه في عينيك الآن...هذا الحنان الآسر الذي ترجوه أي امرأة...ولا يخطئ طريقه لروحها...هذا الحنان الذي يطوقني ليدفع عني كل الهواجس والظنون...هذا الحنان الذي أثق أنه كنزي الذي لن يضيع ولن يسرق بل سيبقي ملكي للأبد...
+
اتسعت عيناه في دهشة ....
لا يصدق اعترافها هذا....
لا يصدق أنها تراه بهذه الصورة...
رقية الهاشمي تري فيه كل هذا؟!!!!
+
لكن سعادته لم تدم وهي تردف في ألم لم تستطع إخفاءه:
_هكذا كنت أظن قبل أن أعلم أن هناك من سبقني إليك...
+
شعر بكلماتها كصعاقة تضرب قلبه بعنف!!!!
هذه هي المرة الأولي التي تتحدث فيها عن الأمر،بهذه الصورة...
لقد كانت دوماً تتصنع القوة واللامبالاة...
لكنها اليوم نزعت عنها هذا القناع لتبدو حقيقية...
متألمة..
مجروحة...
وربما....عاشقة؟!!!!!
+
أخذت رقية نفساً عميقاً كعادتها لتتمالك انفعالها ثم عادت لها نبرتها القوية لتقول بهدوء:
_هل يمكننا الخروج للتسوق من "السوبر ماركت" الواقع علي الطريق...لقد مللت البقاء في البيت.
تنهد في حرارة وهو يلاحظ محاولتها الواضحة للتوقف عن الحديث في هذا الأمر....
+
ثم قال بهدوء:
_كما تشائين.
+
وبعد ساعة كانت معه يتسوقان ...
عندما تناول إحدي قطع الشيكولاتة البيضاء ليقول لها بمرح:
_حلواكِ المفضلة!
ضحكت في سعادة وهي تقول بمرح مماثل:
_اشتقت لها كثيراً..
قالتها وهي تمد يدها ليتتناولها فأبعدها عنها في مشاكسة وهو يقول :
_ليس بعد حتي تتعافي تماماً...
علت ضحكاتها وهي تهتف في رجاء طفولي:
_لأجل خاطري يا ياسين...لن آكل سوي قطعة صغيرة...
+
ضحك بقوة عندما سمع هتافاً بجانبهما:
+
_روكا....ماهذه المفاجأة؟!
التفتت رقية لمصدر الهتاف ثم توجهت نحو صاحبه لتقول بفرح:
_باسل...كيف حالك؟!
شعر ياسين بغضب شديد من هذا الذي يدللها هكذا وسط الناس....
وكز علي أسنانه وهو يتقدم نحوهما...
عندما التفتت إليه رقية هاتفة:
_باسل ابن خالتي يا ياسين...
+
صافحه ياسين في هدوء محاولاً مداراة ضيقه...
فيما التفت باسل نحو،رقية يمازحها بمشاكسة لتتعالي ضحكاتهما سوياً حتي شعر ياسين أنه يكاد يحترق....
جذبها من ذراعها برفق وهو يقول بتحفظ:
_فرصة سعيدة ...
+
لوح لهما باسل بكفه مودعاً....
ثم توجها للسيارة...
ليظل ياسين صامتاً طوال الطريق...
فسألته برفق:
_ماذا بك يا ياسين؟!
كظم غيظه هاتفاً:
_لم أر باسل هذا في زفافنا.
ابتسمت في مرارة وهي تشيح بوجهها هامسة:
_أنت لم تر أحداً في زفافنا يا ياسين...عيناك كانتا مشغولتين...
+
تجاهل المعني الذي تعنيه وهو يزفر في حنق خابطاً علي مقود السيارة هاتفاً بصوت عال:
_حتي لو كان ابن خالتك لا يصح أن تضحكي معه هكذا بميوعة في مكان عام..
ارتدت للخلف مصعوقة وهي تهتف باستنكار:
_ميوعة؟! أنا؟!
+
وصلا للمنزل في هذه اللحظة فترجلت من السيارة بعصبية وهي تتجه نحو المنزل...
بدلت ملابسها بسرعة ثم اندست تحت الغطاء في فراشهما تحاول كتم ضيقها....
لو واجهته الآن فلن تضمن نتيجة هذا الانفجار...!!!!
+
ركن هو السيارة ثم عاد للمنزل ليجدها مندسة تحت الغطاء لا يبدو منها ولا حتي رأسها!!!
زفر بضيق وهو يبدل ملابسه ثم استلقي جوارها صامتاً لا يجد ما يقال...
ظل هكذا للحظات...
ثم أغلق المصباح الصغير علي الكومود جواره ليعم الظلام المكان....
لم يستطع النوم لأكثر من ساعة...
يفكر فيما حدث ...
وفي سبب ضيقه المبالغ فيه...
لكنه عزا الأمر لدمائه الصعيدية...
ياسين النجدي حفيد قاسم النجدي لا يزال لا يستسيغ مزاح زوجته مع آخر غيره بهذه البساطة!!!!
+
قطعت أفكاره عندما شعر بها تنسحب من جواره في صمت حذر...
لتخرج من الغرفة في هدوء...
استغفر الله سراً...
ثم لحقها بعد دقائق...
ليجدها جالسة علي الأريكة في الردهة ترفع ركبتيها لصدرها محتضنة إياهما بذراعيها...
وهي تدفن وجهها بينهما وجسدها ينتفض بضعف...
+
اقترب منها ببطء وهو يجلس جوارها هامساً بلوعة فجرها قلقه عليها:
_رقية!
+
رفعت رأسها إليه بذعر وهي تمسح دموعها بسرعة ثم قامت من مكانها لتعطيه ظهرها....
لا تريده أن يري ضعفها ودموعها...
هي رقية الهاشمي التي لا يشهد علي انكسارها أحد!!!
وضعت كفها علي شفتيها وهي تأخذ نفساً عميقاً لتتمالك بكاءها...
فقام ليقف قبالتها وهو يهتف في قلق:
_يالله!! كل هذه الدموع يا رقية!!!
أطرقت برأسها وهي تقول بتماسك:
_دعني وحدي يا ياسين
+
مد أنامله ليمسح دموعها هامساً بعتاب حنون:
_أتركك وحدك تبكين؟!
+
عاد لها تنمرها وهي تبتعد بوجهها عن أنامله لتهتف :
_لا أحب أن يراني أحداً أبكي...
تفهم انفعالها ليقترب أكثر مربتاً علي كتفها هامساً:
_أنا لست أي أحد يا رقية...أنا زوجك...
+
وكأنما ضغطت كلمته علي جروحها كلها لتنزف ثانية....
انهارت في البكاء من جديد فلم يقاوم أن يضمها لصدره بقوة هامساً:
_اهدئي يا رقية...
دفنت وجهها في صدره وهي تشعر بالألم...
بالإهانة...!!!
+
ياسين النجدي استكثر عليها مجرد المزاح مع ابن خالتها!!!
لكنها هي مطالبة أن تتعايش مع قصة حب بأسرها له مع ابنة عمه...
أن تعيش هذا الوضع الغريب الذي لا تعرف لنفسها فيه مسمي...
أن تقاوم مشاعرها نحوه لأنها لا تعلم نهاية الطريق الذي تسير فيه...
أن تحارب إدمانها لحنانه الذي ينساب ببطء ليحتل كل ذرة في كيانها....
+
وكل هذا في صمت!!!!
لأنها رقية الهاشمي القوية التي لن تسمح لأحد بأن يكسرها أو يري انكسارها!!!!
هذا يفوق احتمالها...
يفوقه بكثير!!!!
+
هدأ بكاؤها نوعاً فابتعدت عنه وهي تشيح بوجهها ...
لكنه جذبها من ذراعها ليجلس علي الأريكة ويجلسها علي ساقيه كطفلة ....
ثم ربت علي شعرها هامساً بحنان يمتزج بعاطفة لم يعد يعرف لها توصيفاً:
_هل كان خطئي كبيراً إلي هذه الدرجة؟!
+
أطرقت برأسها وهي تهمس بحزنها الراقي:
_لا أريد الكلام يا ياسين...
ضم رأسها لصدره بذراعيه وهو يهمس في أذنها بحنان آسر:
_كيف أسترضيكِ يا غاليتي؟!
+
أغمضت عينيها في قوة وهي عاجزة عن الرد....
تشعر بتملكه لها هكذا بين ذراعيه يذيب روحها.....
تشعر بهمسه الحاني يضمد جروحها كلها...
لكنه يزيد عذابها به أكثر...
يدفعها دفعاً نحو دوامة عاصفة من حب بلا أمل....
يلوح لها بسراب خادع من أحلام شهية ...
لكنها تبقي مجرد سراب!!!
+
تخلل خصلات شعرها بأنامله برفق وهو يهمس بما يشبه الاعتذار:
_اعذري اندفاعي يا رقية...هذا أسوأ ما فيّ...لا أملك لساني عند غضبي...
طال صمتها ولم ترد...
فرفع وجهها إليه يتأمل ملامحها بعينين تمتلئان بالعاطفة....
ليتوه في وديان عينيها الساحرة للحظات....
ثم ازدرد ريقه ببطء ليتمالك نفسه وهو يهمس بحزم حنون:
_لكن هذا لا يعني أنني سأسمح بما فعلته مع قريبك....لا تفعليها ثانية يا رقية لأجلي...
+
أومأت برأسها إيجاباً فقبل وجنتها بخفة ليهمس مداعباً:
_فتاة مطيعة...
ابتسمت رغماً عنها فتنهد قائلاً وهو يتفحص ملامحها بحنان:
_لا تحرميني ابتسامتك أبداً يا رقية...أنا أعشقها...
احمرت وجنتاها بخجل وهي تكاد تقف لتقوم من علي ساقيه لكنه تشبث بها هامساً:
_ابقي معي قليلاً...دعينا نعوض اللحظات الكئيبة الماضية...
+
أزاحت خصلة من شعرها وراء أذنها وهي تهمس بارتباك:
_وكيف نفعل؟!
أراح رأسها علي صدره وهو يهمس:
_احكي لي أكثر عن رقية الهاشمي...تكلمي كما شئتِ...قولي كل ما ترغبين به دون قيود....
+
أغمضت عينيها في سكينة علي صدره...
كيف عرف أن هذا بالضبط ما تحتاجه الآن...؟!!!
إنها تريد الحديث عن نفسها...
عن حياتها السابقة...
عن روحها القديمة التي ضلت عنها منذ زمن...
لعلها تستقوي بها علي هذا الضعف الذي تشعر به يغزو حصونها...
لترفع راياتها البيضاء مشهرة بلا شروط....!!!
+
اندفعت تروي له تفاصيل كثيرة عنها...
عن طفولتها ومراهقتها...
هواياتها...وصديقاتها...
طرائفها ومواقفها التي لا تنساها...
علاقتها ببلال الحبيب الذي تعتبره ابنها وصديقها وليس مجرد أخ...
عاصم الهاشمي بروعة شخصيته الآسرة...
إكرام بطيبتها الفطرية التي لا تتعارض مع نزعتها الأروستقراطية...
ظلت تحكي وتحكي ...
فلا هو ملّ من الاستماع...
ولا هي ملت من الحديث حتي الفجر.....
===============================
انتهى الفصل التاسع
+