اخر الروايات

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الثامن 8 بقلم نرمين نحمد الله

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الثامن 8 بقلم نرمين نحمد الله


*******

+


الفصل الثامن:

+


جلست جويرية في مكتبتها تجمع حاجياتها منها بعدما سمح لها قاسم النجدي بمرة أخيرة تغلق بعدها هذه المكتبة نهائياً...
انتهت من جمع حاجياتها فوقفت تتأمل المكان بشجن...
هنا كان عالمها الموازي الذي تهرب فيه من قسوة عالمها الحقيقي...

+


هنا كانت تجد حياة أخري وسط السطور ...
أبطال من ورق لكنهم ينبضون بالحياة ربما أكثر من كثيرين يعيشون الحياة بلا معني!!!

+


توجهت نحو ركن خاص للكتب...
تحسست محتوياته بأناملها وهي تشعر بالفقد!!!
لقد حرموها أحلامها كما حرموها حق الحياة...
حتي مجرد الحلم صار حراماً!!!

+


التفتت بحدة عندما سمعت صوت باب المكتبة يفتح...
لتجده هو...
تماما كما تمنت...!!!!
اقترب منها ببطء وهو يلاحظ وجهها المتورم من البكاء...
ثم همس بأسي:
_لماذا لم تأتِ بالأمس...لقد ظللت أنتظرك طوال اليوم في المطعم المقابل للمكتبة لكنها ظلت مغلقة  !!!
أخذت نفساً عميقاً وهي تقول باستسلام:
_جدي قرر أن أغلق المكتبة نهائياً...أنا جئت اليوم فقط لأجمع حاجياتي من هنا...
عقد زياد حاجبيه في شدة...
فأردفت بنفس الاستسلام:
_كما قرر تزويجي من عمار بعد أقل من شهر....
أطرق برأسه في حزن وهو يهمس:
_لهذا كنتِ تبكين علي الهاتف؟!
تصنعت الجهل وهي تقول بتماسك مصطنع:
_عمّ تتحدث ؟!

+


تناول هاتفه ليرن علي الرقم الغريب الذي ظنه لها...
فرن هاتفها علي المكتب المجاور...
أطرقت برأسها في خجل...
فهمس في حزم:
_كنت أعلم أنك أنت!!

+


ابتعدت عنه بضع خطوات وهي تعطي له ظهرها...
حسناً...لقد عرف أنها هي التي هاتفته يومها...
فهل يشكل هذا فارقاً؟!
عبث!!
كل هذا عبث!!
حياتها كلها عبث!!
لن تهتم لشئ بعد الآن...
هي مجرد راكبة في سفينة حياتها التي اختطفها القراصنة ليتحكموا في دفتها دونما أي اختيار منها...
فلتتقبل نصيبها في استسلام...
لعل الألم الذي يخنقها هذا يتلاشي مع الزمن...

+


بينما تنهد هو في حرارة وهو لا يدري ماذا يمكنه فعله ...
جزء بداخله يخبره أن مجرد وجوده هنا غير لائق...
هذه فتاة مخطوبة وعلي وشك الزواج ...
وجوده هنا خطأ كبير!!!

+


لكن جزءاً آخر يعارضه...
من قال أن وجوده خطأ؟!
علي العكس...
ربما كان وجوده هو تصحيح لخطأ...!!!!!

+


التمعت فكرة ما في رأسه فتوجه نحوها وهو،يقول بهدوء حذر عارضاً فكرته المجنونة:
_اسمعيني جيداً يا جويرية...وفكري فيما سأقوله لك...أنا منتدب لبعثة في أمريكا بعد شهر ...ما رأيك لو نتزوج ونسافر مباشرة...سنبقي هناك لثلاث سنوات...نعود بها فتكون الأمور قد هدأت...ونواجه عائلتك بالأمر الواقع...

+


التفتت إليه بحدة وهي تهتف في غضب:
_ما هذا الذي تقوله؟! تريدني أن أهرب من أهلي معك؟!!!
هتف محاولاً إقناعها:
_ليس هروباً يا جويرية...إنه زواج...زواج باختيارك وليس رغماً عنكِ...
هزت رأسها نفياً وهي تقول باضطراب:
_لا طبعا...لن أخذل أمي...لن أكرر فعلة آسيا ...
أطرق برأسه وهو يقول بأسف:
_ليس لدي ما أساعدكِ به سوي هذا العرض...للأسف ليس لدينا الكثير من الوقت...يمكننا الزواج في منزل عائلتي ثم أسافر لأتدبر أمر أوراقك وأرسل إليكِ لتلحقي بي....

+



                
نظرت إليه بشرود وقد بدأ عرضه يغريها...
حياة جديدة وبلد جديد مع رجل تحبه...
بعيداً عن طغيان قاسم النجدي...
وغلظة عمار البغيض...
وقسمة الجواري!!!!

+


حياة جديدة تفتح لها ذراعيها بالأمل والحب...
تمنحها فضاءً عريضاً من الأحلام...
تكون فيها سيدة قرارها الذي اختارته بنفسها...
وليست مجرد لعبة في أيديهم...

+


لا لا لا!!!!
فريدة الغالية لا تستحق منها هذا...
إنها لم تستفق بعد من صدمتها في آسيا...
فكيف تجرحها جرحاً كهذا من جديد...
قد تموت حقاً لو حدث هذا!!!!

+


لكن فريدة تريد لها الخير والسعادة...
وهي وإن كانت لا تثق في سعادتها مع زياد...
لكنها تثق أنها أبداً لن تكون سعيدة مع عمار...
فريدة في النهاية أم...
أم لا يهمها سوي فرحة ابنتها...
وهي تريد أن تفرح وتسعد فريدة...
وزواجها بعمار لن يحقق لها ذرة من السعادة....

+


لكن كيف تأمن هكذا بسرعة لزياد...؟!!!
وهو الذي لم تعرفه سوي من أيام قليلة...
فكيف تأتمنه علي عمرها القادم كله؟!!!

+


لكن...من قال أن الشعور بالأمان يرتبط بالوقت...؟!!!
وهي التي تعرف عمار منذ وعت علي هذه الدنيا لكنها لا تشعر بذرة أمان معه!!!

+


وهكذا ظلت صامتة لدقائق طويلة...
تتخبطها أفكارها الحيري...
عرض زياد هذا جاء في وقته المناسب...
لينقذها من مصيرها البشع مع عمار...
هكذا فكرت وهي تنظر إليه بتردد....

+


فهتف مشجعاً:
_لا تخافي يا جويرية...أنتِ أكثر قوة من أن تتقبلي مصيراً كالذي ينتظرك...أنا أعدك بل أقسم لكِ أن أسعدك بكل طاقتي...

+


شعرت بالتشتت...
كانت قد فقدت كل أمل لها في التخلص من زواجها الكارثي بعمار...
والآن يأتي زياد حاملاً لها وعوداً وردية وحياة طالما حلمت بها...
لكن...

+


شعر زياد بحيرتها فقال في حنان :
_سأمنحك فرصة للغد...لو وافقت علي عرضي يمكنك مهاتفتي ...
رمقته بنظرة ساحرة ...
أو هكذا شعر بها هو...
نظرة جمعت حيرتها وقلقها بعاطفتها نحوه...
فابتسم وهو يلوح لها بكفه مودعاً...
راقبت انصرافه بقلب عاد يخفق من جديد...
عادت دقاته تنتفض وتتراقص علي لحن من الحب يخصه وحده...
زياد الحبيب...
فارس أحلامها المنقذ!!!
=================================
وقفت رقية في المطبخ في منزلهما المنعزل علي الساحل...
تحاول التعرف علي مكان الأشياء...
هي لم تحاول الطبخ في حياتها ولو مرة واحدة...
لكنها كانت تراقب الخادمة كثيراً أثناء الطهي...
واليوم تشعر برغبتها في أن تطبخ له بيديها...
وتتمني لو تفلح!!!

+


ارتفعت علي أطراف أصابع قدميها تحاول النظر لما يحتويه هذا الرف العالي...
لكنها لم تستطع ...
فزفرت في حنق!!!

+


فيما كان هو واقفاً منذ دقائق يراقب انهماكها خلسة فيما تصنعه..
رقية الهاشمي نفسها تطبخ من أجله هو!!!!
ياله من فخر!!!

+



        

          

                
لاحظ أنها لا تطال الرف العالي محاولة عدة محاولات مضحكة...
فاقترب منها بخفة ليرفع ذراعه خلفها محضراً لها العلبة التي حاولت الحصول عليها دون جدوي...
انتفضت في فزع وهي تراه خلفها هكذا مباشرة فابتسم هامساً بمداعبة:
_تفضلي يا قصيرة!

+


ابتسمت في خجل فبدت له ساحرة وهي تهمس في حياء:
_هل تعايرني بقصر قامتي؟!
اتسعت ابتسامته وهو يقبل رأسها الذي يقابل صدره هامساً:
_بل أنتِ رائعة...

+


هزت رأسها بلا معني وهي تبتعد عنه لتعاود الانهماك في الطبخ...
فداعبها قائلاً:
_يقولون أن المرأة القصيرة أكثر أنوثة من الطويلات...هل يرضيكِ هذا؟!
هزت رأسها نفياً وهي تقول بجدية:
_عين القلب لا تري كل هذه المسميات...عين القلب تعشق الروح قبل الجسد...
هز رأسه موافقاً وهو يرمقها في إعجاب...
ثم خطر له خاطر مزعج...فسألها في تردد:
_هل شعرتِ بالحب يوماً يا رقية؟!!

+


كادت تجرح أصابعها بالسكين الذي كانت تقطع به بعض الخضروات...
فاقترب منها وهو يراقب ارتباكها هامساً:
_هل ضايقكِ سؤالي إلي هذا الحد؟!

+


أطرقت برأسها تخفي مشاعرها عنه للحظات...
قبل أن تستجمع قوتها لترفع رأسها قائلة في تماسك:
_هل تظن أنه من حقك أن تسألني هذا السؤال؟!
عقد حاجبيه بشدة وهو يشعر بالغضب فهتف بحدة غريبة علي طبعه الحنون:
_بالطبع من حقي!!!

+


أجفلت من ردة فعله العنيفة فارتدت للخلف في صدمة...
زفر في قوة وهو يلوح لها بسبابته محاولاً كظم غيظه هاتفاً:
_لا تحاولي العبث في هذه المنطقة مرة أخري يا رقية....هذه الفكرة بالذات لا تقبل عندي المزاح أو التلاعب بالألفاظ...
أطرقت برأسها...
فاقترب منها أكثر وهو يقول بحزم :
_والآن أجيبيني عن سؤالي...
رفعت رأسها إليه لتلتقي عيناهما مباشرة...

+


ثم همست في شرود:
_لقد حرمت الحب علي نفسي طيلة أيامي السابقة...رقية الهاشمي ادخرت مشاعرها كلها لرجل سيختاره الله لها زوجاً...كنت أسمع حكايا البنات عن الحب فيهفو قلبي لتجربة هذا الإحساس الرائع الذي يحكين عنه...لكنني كنت أترجم كل هذا في دعوات صادقة أن يرزقني الله زوجاً أتذوق معه حلاوة هذا الإحساس دون قيود...
دمعت عيناها فجأة فأخذت نفساً عميقاً تتمالك ثباتها ثم قالت في صلابة:
_هأنذا أجبت سؤالك...دعني وحدي حتي أستطيع إنهاء عملي...
قالتها وهي تعطيه ظهرها لتعاود ما كانت تفعله...
فأمسك بكتفيها يديرها إليه وهو يسألها بتفحص:
_وهل الحب اختيار؟! حتي تحرميه علي نفسكِ بإرادتك...
رفعت رأسها في كبرياء وهي تقول:
_في عُرف رقية الهاشمي ليس هناك ما لا يخضع لإرادتي...قد لا أملك أمر قلبي لكنني يمكنني ردعه متي شئت...لو تنافس قلبي مع كرامتي لدهست قلبي تحت قدمي ورفعت كبريائي علي رأسي...

+


نظر إليها مبهوراً وهو يري هذا التحول في كلامها...
من منتهي الرقة...
الي منتهي القوة...
إنه يشعر أنه ينجذب إليها في كل يوم أكثر...
يريد استكشاف شخصها الغريب الذي يثير إعجابه بشدة...
هذه ليست امرأة عادية...
هذه امرأة ملكت كل مشاعر الدنيا في قلب كالألماس...
وملكت كل كبريائها في روح قوية كالجبل...

+



        
          

                
ابتسم لها في إعجاب واضح وهو يهمس :
_أتمني ألا يتنافس قلبك وكبرياؤك يوماً...قلبك الرائع هذا يستحق أن يرفع دوماً علي رأسك تماماً ككرامتك...

+


أشاحت بوجهها عنه...
وهي تكاد ترجوه أن يخرج الآن...
تريد فقط هدنة قصيرة من حربها مع مشاعرها هذه...
هو لا يتصور كم المعاناة التي تعانيها معه...
كم الضغط النفسي الذي تعيشه في وضعهما الغريب هذا...
هي قوية...
وتعلم أنها قوية...
لكنها متعبة...
مستنزفة...
رقية الهاشمي التي كانت نجمة تهفو إليها القلوب ثم وجدت نفسها فجأة زوجة مغدورة لرجل يعشق سواها...
لكنها لا تستطيع تركه الآن...
لأنه يحتاجها...
وهي سعيدة بكونها قادرة علي مساعدته في محنته...
لكن كل يوم يمر لها معه يجعلها تتعلق بحباله الواهية أكثر...
وهي تخشي أن تضعف...
لو ضعفت أمامه ستكره نفسها قبل أن تكرهه!!!

+


لاحظت أنه لم يرفع عينيه من عليها فزاد ارتباكها وهي تهمس:
_انتظرني في الخارج من فضلك...

+


أمسك كفيها بكفيه وهو يواجه عينيها مباشرة ليهمس في حنان وبلهجة ذات مغزي:
_لو انتظرتك أنا فهل تعدينني أنتِ أن تنتظري ...؟!!
فهمت عبارته الموحية لكنها أشاحت بوجهها بعيداً وهي تهمس في ثبات مصطنع:
_أنت تطالبني بالكثير من الوعود هذه الأيام....
رفع كفيها يقبلهما في امتنان وهو يهمس:
_أنتِ كنز حقيقي يا رقية...أحمق من لا يطمع فيه!!!

+


أغمضت عينيها علي صورته هذا ...
تود لو تختزنها في ذاكرتها طول عمرها...
تري هل بدأ قلبه يشعر بها كامرأة...
أم أنها مجرد دواء مسكن لجرحه القديم...
لن تعرف أبداً إجابة هذا السؤال...
لا...
ستعرفها!!!
قلب رقية الهاشمي الذي لم ينبض لرجل قبل ياسين النجدي قادر بسهولة علي هذا...
قلبها الذي يتراقص الآن بين ضلوعها منتشياً يخبرها أنه قد بدأ يجد صدي لدقاته في قلب هذا الرجل أمامها...
قلب ياسين النجدي بدأ يفتح ذراعيه لها...
يدعوها لتنتظر...
و ستنتظر...!!!
===================================
توجه حمزة نحو مكتبها بخطوات مترددة...
منذ لقائهما الأخير في منزل والدها الريفي وهي تتحاشاه تماماً...
هو لا يلومها كثيراً في الواقع ...
أي امرأة مكانها كانت ستتصرف هكذا...
لكن ما حيلته في قلبه ...؟!!
وهو الذي اشتاقها بجنون...!!
دخل عليها مكتبها فنظرت إليه بتوتر...
ثم أخفت الكتاب الذي كانت تقرؤه في درج مكتبها بسرعة...
عقد حاجبيه وهو،ينتبه لحركتها...
ماهذا الكتاب الذي يستدعي أن تخفيه مارية منه هكذا؟!!!!

+


تقدم نحوها ببطء حذر فقالت ببساطة:
_مرحباً دكتور حمزة...هل هناك شئ؟!
نظر إليها طويلاً ثم قال بصدق:
_افتقدتك يا مارية...لماذا توقفتِ عن الدروس؟!
هزت كتفيها وهي تقول ببساطة دون أن تنظر إليه:
_لم أعد في حاجة إليها.

+


عقد حمزة حاجبيه بشدة...
هذا ما كان يخشاه...
مارية كانت تواظب علي الدروس فقط من أجله...
هو كان دافعها للتغيير فحسب...
لكنها لم تكن رغبة صادقة منها...
وها هي ذي تتراجع عن طريقها كل تلك الخطوات التي قطعتها عندما لم تجد لنفسها أملاً معه!!!

+



        
          

                
أطرق برأسه في حزن واضح...
لقد خذلته مارية كما خذلها...
خيبت ظنه كما خيب ظنها!!!!

+


قطع أفكاره عندما دخل آندي إلي الغرفة  يقول لمارية بمرح واضح:
_ماري عزيزتي ...افتقدتك يا صغيرتي...
هتفت مارية بلهجة محايدة:
_كيف حالك آندي...تفضل بالجلوس...
جلس آندي قبالة حازم ليقول في برود:
_كيف حالك دكتور حمزة؟!
أشار حمزة برأسه في تحية مقتضبة ثم قام من مكانه ليقول لمارية في أسف واضح:
_اعتني بنفسك يا مارية...واعذريني لو كنت قد ضايقتك...
ابتسمت في برود وهي تقول:
_لم تضايقني إطلاقاً دكتور حمزة...مرحباً بك في أي وقت...

+


غادر الغرفة وهو يشعر بثقل علي صدره...
لم تسر الأمور كما كان يخطط لها...
مارية العزيزة خرجت من عالمه بأسرع مما توقع...
سيندم علي تفريطه بها يوماً...
لكنه الآن لا يملك سوي أن ينتظر هذا اليوم في حسرة!!!

+


وعلي مكتبها تأملت مارية انصرافه بحزن...
فهتف آندي بضيق:
_رجل سخيف.!

+


تمالكت نفسها لتقول برقة:
_دعك منه يا آندي وأخبرني هل دبرت لي الأمر الذي طلبته منك....
هز رأسه في أسف وهو يقول:
_رغم أنني لا أفهم قرارك هذا لكنني سأساعدك...
ابتسمت في امتنان وهي تقول:
_هذا ظني فيك دوماً يا آندي...

+


دخل الدكتور آدم في هذه اللحظة ليجدها تبتسم لآندي الذي كان يبتسم بدوره فقال بضيق:
_كيف حالك يا آندي؟!
قام آندي يصافحه وهو،يقول باحترام:
_بخير دكتور آدم...
ثم نظر لمارية هاتفاً:
_سأرحل الآن ماري وألتقيكِ في المساء...

+


راقب دكتور آدم انصرافه بضيق ثم قال لمارية:
_لا أرتاح لخروجك المتكرر مع آندي هذا....
قالت مارية بغموض:
_لا تقلق من أجلي يا أبي...مارية أقوي كثيراً مما تظن!!
تقدم نحوها ليسألها بحذر:
_لماذا لم أعد أري حمزة معك؟! هل ضايقكِ في شئ؟!
هزت رأسها نفياً وهي تقول ببساطة:
_لا...إنه لم يعد يعجبني فحسب!
مط شفتيه في استياء وهو،يقول :
_وآندي هذا يعجبك؟!
أومأت برأسها إيجاباً وهي تقول :
_آندي يعتني بي...يمنحني الاهتمام الذي يجعلني أشعر كأنني ملكة...لكن حمزة هذا ينظر لي باستهانة...وكأنني لا أرتقي لمستوي فكره...لهذا من الطبيعي جداً أن أرتاح لآندي أكثر...

+


هز دكتور آدم رأسه في أسف واضح...
لقد خذله حمزة...
كان يتمني لو استطاع أن يكسب قلب مارية...
لكن يبدو أن خلفيته الشرقية وقفت حاجزاً دون قبوله لمارية كزوجة له!!!
هو يعذره في هذا...
لكنه خيب أمله في الحقيقة!!!

+


قامت مارية من علي مكتبها ثم توجهت إليه لتقبله علي جبينه هاتفة:
_لا تنتظرني علي العشاء...لدي الكثير من الأمور لأنجزها وسأتناول عشائي مع آندي...وداعاً...
راقب انصرافها بحسرة كبيرة وهو،يهمس في سره:
_ياللخسارة يا حمزة...ياللخسارة!!
==========================================================================
صعدت ساري الدرج متجهة لشقتها...
منذ لقائها الكارثي بحذيفة علي السطح وهي لا تخرج من شقتها إلا إلي الجامعة...
لم تعد تزور العمة راجية كالسابق ولا عادت تختلي بنفسها علي السطح كما اعتادت...
تباً له حذيفة!!
لقد صنع لها سجناً قبل أن يتزوجها فماذا هو فاعل بها عندما تكون تحت سقف بيته؟!!!

+



        
          

                
وصلت للدور الثاني حيث شقتها لتجد باب شقة العمة راجية مفتوحاً علي غير عادته ...
وسمعت صوت جدها بالداخل!!!
عجيب...
قاسم النجدي لا يدخل شقة راجية ولا فريدة...
هو يستدعي من يشاء لشقته لكنه لا يغادرها....
فما الذي أتي به إلي هنا؟!!!

+


قطعت أفكارها عندما سمعت صوت جدها يقول بغضب:
_هذا الفاسد ابنك لا يكف عن جلب المصائب!!!

+


عرفت أنه يقصد حذيفة بالتأكيد...
عمار غليظ خشن لكنه ليس فاسداً!!!!
لم تستطع مقاومة فضولها فدخلت لتلقي السلام...
لتجد عمتها راجية تصرخ وهي تهرول نحو غرفة حذيفة:
_تعالي يا ساري وانظري...ماذا حدث لحذيفة؟!
سقط قلبها بين قدميها وهي تسمع جدها يهتف:
_ولد فاسد!!

+


قالها وهو،يغادر الشقة بغضب عاصف دون أن يوجه كلمة لساري...
فاندفعت ساري إلي حجرة حذيفة ليهولها المنظر...
كان جالساً علي سريره ووجهه كان غارقاً كله بالدماء...
مسحت راجية الدم عن وجهه بمنشفة صغيرةوهي تولول هاتفة:
_عين وأصابتك يابني!

+


ثم تناولت قطنة لتضعها في طبق صغير به مطهر ما لتضعها علي جرحه بحرص...
فتأوه بضعف...
دلفت ساري إلي الداخل صامتة...
تحاول استيعاب هذا الموقف...
فقامت راجية من مكانها وهي تهتف:
_أكملي تطهير جرحه يا بنتي حتي أجهز له الطعام...

+


كادت تعترض لولا أن اندفعت راجية لتغادر الغرفة مهرولة...

+


جلست علي طرف الفراش وهي تتناول قطعة قطن أخري نظيفة لتطهر بها جرحه...
ظل ينظر إليها في صمت...
لا يكاد يرفع عينيه من عليها...
فيما تحاشت هي النظر لعينيه في إصرار ...
وهي مستمرة فيما تقوم به...
وكأنه واجب لا أكثر!!!!
ولما طال صمتها وتحاشيها النظر إليه...
وجد نفسه يسألها بهمسه الرخيم:
_لازلتِ غاضبة مني؟!

+


لم ترد عليه بل ظلت منهمكة فيما تقوم به وكأنها لم تسمعه...
فأردف بنفس اللهجة:
_كنتِ تتمنين لو كانت الطعنة في قلبي وليس في وجهي أليس كذلك؟!

+


هنا...
رمقته بنظرة عاتبة..!!
نظرة واحدة عادت بعدها لجمودها...
فهمس في خبث:
_ألا تودين معرفة ما الذي حدث لي؟!

+


لم تستطع مقاومة فضولها فقالت في جمود دون أن تنظر إليه:
_ماذا حدث لك؟!
ابتسم وهو يتشبع من ملامحها التي بدت له الآن فاتنة!!!!
ثم قال باقتضاب:
_مشاجرة مع أحد الرجال.
ابتسمت في سخرية وهي تقول:
_أنت تحولت من العبث مع النساء إلي التشاجر مع الرجال...تطور عظيم حقاً...!!!!
أشاح بوجهه في ضيق...
فهتفت بحزم:
_لا تشح بوجهك دعني أنهي عملي.
هتف بحنق:
_لا تحدثيني هكذا...أنا زوجك!
ابتسمت وهي تقول في سخرية:
_يبدو أن الضربة أثرت علي عقلك...لست زوجي بعد يابن النجدي!!!
كز علي أسنانه وهو يقول في سخط:
_لا تستفزيني يا ساري...
كظمت غيظها وهي تعاود تطهير جروحه...
فصمت لدقيقة كاملة يتأمل ملامحها الجامدة...
ثم همس بعاطفة:
_ساري!

+



        
          

                
لم ترد عليه...
بل لم تنظر إليه حتي!!!
فعاد يهمس :
_سوسو!

3


ابتسمت رغماً عنها وهي تتذكر عندما كان يناديها هكذا وهي صغيرة لتدليلها...
كم كانت أياماً رائعة...
ليتنا بقينا صغاراً يا حذيفة!!!
ليتنا بقينا صغاراً...

+


تحكمت في ابتسامتها ليعود لوجهها جموده فهمس بندم واضح:
_لا تغضبي مني...أنا نادم حقاً علي ما حدث...
قامت من جواره وهي تقول بجمود:
_لقد طهرت لك جروحك كلها وتوقف النزيف...هل تريد شيئاً آخر...؟!!
وقف قبالتها ليقول برجاء:
_انظري إلي يا ساري.
أشاحت بوجهها بعيداً فهتف بحدة:
_لماذا تعاملينني بهذه الطريقة؟! لقد اعتذرت لكِ فماذا تريدين أكثر؟!
لم تهتز،شعرة من حدته بل قالت ببرود دون أن تنظر إليه:
_لا أريد منك شيئاً ....دعني أمضي...

+


قال بضيق واضح:
_ساري...لن تستقيم أمورنا هكذا...عندما نتزوج سنكون...
قاطعته هاتفة بنفس البرود:
_قلت لك من قبل ألا تتعجل الأمور يابن النجدي...من يدري ماذا يحمله لنا الغد؟!!!!

+


قالتها وتركته يغلي مكانه...
هذه ثالث مرة تقول له فيها هذا...
فما الذي تعنيه؟!!!
إنها تبدو واثقة من حدوث شئ ما يمنع زواجهما...
وما الذي يمكن أن يغير كلمة قاسم النجدي...؟!!!

+


ظل واقفاً مكانه يعصف به الغضب لدقائق...
قبل أن يتوجه نحو شقتها ليطرق الباب ....

+


سمعت ساري طرق الباب فظنتها فريدة...
فهي لم تجدها عندما عادت إلي الشقة....
فتحت الباب لتجده هو فهتفت بحدة:
_ماذا تريد...والدتي ليست هنا ولا يصح أن....

+


قطع عبارتها وهو يدفعها للداخل ليغلق الباب خلفه...
شعرت ساري بالخوف فهتفت بغضب :
_ارحل الآن يابن النجدي...وإلا صنعت لك فضيحة...
حاصرها بينه وبين باب الشقة المغلق ليقول بغضب :
_ماذا كنتِ تعنين بقولكِ ألا أتعجل الأمور؟! ما الذي يمكن أن يحمله الغد في نظرك فلا تكونين زوجتي؟!

+


ازدردت ريقها ببطء...
هي لم تكن تعني شيئاً محدداً...
هي أرادت استفزازه فقط!!!!
أساء فهم صمتها فظن أنها تخفي شيئاً...
اقترب بوجهه من وجهها أكثر...
فرفعت كفها لتصفعه لكنه أمسكه بسرعة...
هو وكفها الآخر ليلصقهما جوارها بالجدار هاتفاً:
_ليس في كل مرة يا صغيرة!
شعرت ساعتها بخوف حقيقي...
ضربات قلبها جاوزت الحد المعقول...
فهمست وقلبها يكاد يتوقف:
_اتركني يا حذيفة...أرجوك...

+


لم تصدق عينيها عندما ارتخي ذراعاه الممسكان بكفيها...
ليبتعد عنها وشبه ابتسامة علي شفتيه...
ثم همس في خبث:
_سأتركك هذه المرة لأنكِ دعوتني حذيفة...!!

+


تجمدت مكانها مصدومة...
وهي تنتبه أنها لم تدعُه بابن النجدي هذه المرة...
فاتسعت ابتسامته وهو يهمس في حنان غريب عن هذا الموقف كله:
_وأنا اشتقت لسماعها منكِ!!!

+


تمالكت فيض مشاعرها في هذه اللحظة لتفتح باب الشقة بسرعة وهي تقول :
_ارحل الآن...
أومأ برأسه إيجاباً وهو يقول بحزم:
_انتِ زوجتي يا ساري....هذه حقيقة لن يغيرها شئ ولن يبدلها غد....فلا تعيديها ثانية!!!!

+



        
          

                
قالها ثم غادر الشقة لتغلق الباب خلفه بسرعة...
وكأنها لا تصدق أنه رحل!!!!!
وضعت كفها علي صدرها لعلها تهدئ خفقات قلبها الذي كان ينتفض انتفاضاً....
لا تصدق هذه الحالة الغريبة من الضعف التي تعتريها أمامه...
ولا تصدق تغير أسلوبه معها لكنها تفهم دوافعه...
هي بالنسبة إليه رهان جديد يريد كسبه...
هذا النوع من الرجال كحذيفة يؤلمه غروره عندما يشعر أن امرأة ما تستعصي عليه...
هو يريد ترويض شراستها فحسب...
حتي إذا أحس بانجذابها نحوه زهدها ومل منها....
ورغم أنها تكاد توقن من استنتاجها هذا...
لكنها لا تملك إلا أن تتأثر بأسلوبه الجديد معها...
كيف لا؟!
وهو يحمل لها كل ما ظلت تحلم به خلف ستائرها الوردية من عشقها القديم له....
كم كانت صادقة عندما قالت...
حذيفة النجدي سيكون وجع قلبها الأزلي!!!!
==========================================================================
طرقت سمية باب غرفة نغم فسمحت لها الأخيرة بالدخول...
دخلت سمية بابتسامتها الصافية لتقول بمودة:
_كيف حالك يا نغم؟!
ربتت نغم علي كتفها وهي تقول بحنان:
_كيف حالك أنت يا حبيبتي؟!
جلست سمية جوارها علي السرير وهي تقول بترقب:
_ما رأيك في آسيا؟!
أشاحت نغم بوجهها وهي تقول بضيق:
_إنها تبدو طيبة وتحب ياسين كثيراً للحق!!! لكنني لا أستوعب كيف تأتمنينها علي زوجك هنا؟!
تنهدت سمية في حرارة وهي تقول:
_ألم تفكري أن هذا بالضبط هو ما أسعي إليه؟!!

+


اتسعت عينا نغم في دهشة...
ثم بدأت تدرك الأمر...
آه يا سمية العزيزة!!!!
هل أنتِ حقاً بهذه الرقة والمثالية؟!!!!
تأملت سمية ملامحها المندهشة لتقول بشرود:
_بدر بدأ يرتاح للحديث معها...بل إنه بدأ يمزح كثيراً في وجودها...وأظن أنه لو منحت له الفرصة وتنحيت أنا عن طريقه فسيجد معها سعادته التي يستحقها....
دمعت عينا نغم وهي تهمس:
_أنتِ تتحملين ما لا يتحمله بشر يا سمية...لماذا تقسين علي نفسك هكذا؟!!!
ابتسمت سمية وسط دموعها وهي تهمس:
_أنا راحلة قريباً ولن تعنيني الدنيا بأسرها...فقط أريد الاطمئنان علي بدر الذي ترك عالمه كله لأجلي...أريد أن أترك معه من تنير عالمه بعدي فلا يشعر بالوحدة...وآسيا جاءتني كهدية من الأقدار لأري فيها ضالتي....
ثم التفتت لنغم هامسة في رجاء:
_وأنتِ يا نغم كوني دوماً بقربهما وبقرب ياسين الصغير...لأجلي أنا...

+


ربتت نغم علي كفها وهي تفهم الآن ما الذي يدور حولها بالضبط...
وهي التي كانت تتعجب طيلة الأيام السابقة...
كيف تحتمل سمية وجود فتاة بفتنة آسيا وبوضعها الغريب هذا في بيتها مع زوجها...
لم تتصور أبداً أنها تتعمد هذا....

+


قامت سمية من جوارها بعدها لتعود لغرفتها...
فتحت النافذة تتجول بنظرها في المزرعة لتري آسيا جالسة علي كرسيها وبدر يقترب منها ...
ثم يبدآن في الحديث...
راقبتهما للحظات ...
ثم لم تحتمل أكثر...
أغلقت النافذة وعادت لسريرها لتستلقي عليه...
وهي تستغفر الله في خشوع...
لعلها تهدئ قلبها المحترق!!!!

+



        
          

                
وفي مكانها كانت آسيا جالسة تبكي في حرقة...
كلما مر عليها يوم هنا شعرت أنها في سجن...
تضيق جدرانه عليها أكثر وأكثر...
لقد اشتاقت لأهلها حد الجنون...
كل يوم تراودها نفسها أن تعود إليهم ...
تتمرغ في حضن فريدة الغالية...
تشبع من المزاح مع جوري وساري...
تلقي نظرة واحدة علي ياسين...
ثم ليكن بعدها ما يكون!!!!
حتي لو قتلها قاسم النجدي بعد ذلك....
لن تكون نادمة!!!!
حمقاء كانت يوم ظنت أنها يمكن أن تبدأ حياتها من جديد بعدهم...
أي حياة بعدهم بقيت لها؟!!!
أي حياة؟!!!!

+


ازداد نحيبها في هذه اللحظة...
فسمعت صوت بدر جوارها يهمس في قلق:
_لماذا تبكين يا آسيا؟! هل ضايقكِ أحد؟!

+


قالها وهو،يسحب كرسياً ليجلس جوارها...
فهزت رأسها نافية وهي لا تستطيع حتي مجرد الكلام...
ظلت تبكي بعدها للحظات...
تحملها هو صابراً ثم قال بخشونة متعمدة:
_ألم يكن هذا قرارك ؟!
هزت رأسها إيجاباً فقال بشرود:
_احتملي عواقبه اذن للنهاية...وأكملي الطريق....

+


أطرقت برأسها وهي تتنهد في حرارة فقال بحنان هذه المرة:
_هل تعلمين أن قصتك تشبه قصتي أنا وسمية...لقد هربنا سوياً إلي هنا لننشئ عالمنا الخاص...بعيداً عن كل الشرور التي نغصت عيشنا....
همست في ترقب:
_ألم تندما علي ذلك؟!
أطرق برأسه وهو،يقول :
_لا أخفيكِ قولاً أنني أحياناً كنت أشعر بالندم...بالوحدة...كشجرة تقف عارية في طريق مقفر...لكن سعادتنا بحبنا وبطفلنا كانت تعوضنا عن هذا الإحساس البغيض...سمية كانت ولا تزال كنز عمري الذي أفتديه بكل غال...

+


تأملته آسيا بدهشة وهي تشعر أنها تراه لأول مرة...
كم يختلف هذا الرجل عن ياسين...
ياسين تخاذل عن الحفاظ عن حبهما...
جبن عن التصريح برغبته فيها...
لم يستطع الوقوف في وجه قاسم النجدي بطغيانه وجبروته...!!!!

+


لكن بدر فارس حقيقي...
هرب بحبيبته بعيداً في قلعة حصينة ليحافظ علي حبهما الفريد...
لم يكن ذنبه أن المرض اختطفها منه...
لكنه باقٍ علي حبها حتي بعدما تحولت لحطام امرأة...
لا تدري لماذا شعرت ساعتها بصورة ياسين تتضاءل رويداً رويداً جوار هذا العملاق...
بدر الذي استطاع اختطاف غنيمته من بين مخالب الأيام...
نعم...سمية كانت غنيمته التي استحقت هذا العناء ....
والتي حفظها تاجاً علي رأسه طوال هذه السنوات.....

+


ابتسم لها بدر وهو يقول بحنان:
_سمية تحبك كثيراً لأنها تري نفسها فيكِ..لكنني لا أري ذلك...

+


عقدت حاجبيها في تساؤل فقال مفسراً:
_أنتِ أقوي كثيراً مما تبدين عليه...لهذا ستتجاوزين أزمتكِ سريعاً...وحدكِ ودون مساعدة أحد....لكن سمية لم تكن لتقوي علي فعل شئ دوني...
ابتسمت لتشجيعه ثم قالت في شرود:
_طالما كانت والدتي تشبهني بالكريستالة...في هشاشتها وسهولة قابليتها للكسر...
اتسعت ابتسامته وهو يقول بمؤازرة:
_ربما تكونين مثلها في قيمتها لكن ليس في هشاشتها بالتأكيد...

+



        
          

                
ابتسمت بسعادة طفولية وهي تسمع كلمة مديح لأول مرة منذ زمن طويل...
فهمست في امتنان:
_شكرا يا سيد بدر...أنت ساعدتني كثيراً...
قام بدر ليقول برفق:
_لقد ازدادت برودة الجو هنا...عودي لغرفتك الآن...

+


استسلمت لأمره راضية...
وهي تشعر ببعض الاطمئنان...
لقد كانت تحتاج لكلماته المشجعة هذه كي تحتمل أيامها الصعبة القادمة...
كم هي محظوظة سمية برجل مثل بدر...
ترك الدنيا كلها من أجلها...
وجدت نفسها فجأة تدعو الله لسمية بالشفاء في صدق...
بدر لا يستحق عناء فقدها...
فحبهما خلق ليبقي لا ليموت!!!
==========================================================================
وقف عمار في شرفة غرفته يراقب الطريق في يأس...
رجل مثله علي وشك الزواج من المرأة التي عشقها طوال عمره...
ومع هذا يشعر أنه أبأس أهل الأرض...!!!!!

+


تنهد في حرارة عندما لمحها قادمة نحو باب المنزل الخارجي...
كيف خرجت ؟!!!
ألم يمنعها قاسم النجدي من الخروج ؟!!!
غادر الشقة مسرعاً ليلقاها صاعدة علي الدرج...
فهتف بخشونة:
_أين كنتِ؟!
أطرقت برأسها وهي تتحاشي النظر لعينيه هامسة:
_لقد استأذنت جدي في الذهاب للمكتبة لآخر مرة قبل إغلاقها....
تأمل حزنها الصامت للحظات ...
ثم قال بأقصي ما استطاعه من رفق:
_عندما نتزوج يمكنك فتحها من جديد...أنا لا أمانع....

+


ابتسمت في سخرية...
يالكرمك يابن النجدي!!!!
وكأنني سأجد للحياة طعما بعد زواجي منك فأعود لما كنت عليه؟!!!
أنت ستكون لعنتي الأخيرة...
التي ستقضي علي كل أثر للحياة في روحي...
كم أكرهك يا عمار...
كم أكرهك!!!!

1


طال صمتها لكنه لم يستطع الكلام هو الآخر...
كلماته تعانده...
يود لو،يسألها برقة عن حالها...
لو يخبرها كم يشتاق لتكون جواره...
لو يضمها لصدره ويربت علي ظهرها حتي تطمئن إليه...
لكنه ببساطة لا يستطيع...
طباعه الخشنة تغلبه!!!!

+


زفر بقوة غاضباً من نفسه أولاً قبل أي شئ...
ليجد نفسه يقول لها بغلظة:
_اصعدي لشقتك ولا تخرجي منها بعد الآن...

1


أغمضت عينيها في قوة...
وكأنها لا تريد أن تراه...
بل هي فعلاً كذلك!!!
رؤيته تجعلها تشمئز...
فكيف لو،لمسها؟!!

+


اقشعر جسدها من الفكرة فتجاوزته سريعاً لتصعد الدرج نحو شقتها...
تاركة إياه خلفها يهز رأسه في إحباط!

+


فيما دخلت هي غرفتها بسرعة لتبدل ملابسها وتستلقي علي،سريرها تفكر في شرود...
هل تقبل عرض زياد بكل مميزاته وعيوبه...
أم تتقبل مصيرها في استسلام...
ظلت حائرة لساعات تتقلب بين أفكارها في شتات...
حتي استعادت صورة عمار الغليظ في رأسها وتصورته زوجاً لها بعد أسابيع...
لا!!!
انتفضت من فراشها وهي تمسك بهاتفها لتطلب رقم زياد...
رد عليها بصوت ملهوف لتقول له بحسم:
_أنا أوافق علي السفر معك.
==========================================================================

2


جلس العم كساب أمام اسطبل الخيل يداعب شيئاً ما بيده في شرود...
توجهت آسيا نحوه بمرح وهي تهتف:
_كيف حالك اليوم يا عمي؟!
التفت كساب نحوها وهو يقول بفرحة حقيقية:
_يشرق يومي عندما أراكِ يا لؤلؤة.
ضحكت بمرح وهي تجلس جواره هاتفة:
_أنا لؤلؤة؟! هل تغازلني صراحة يا عمي.؟!
ضحك كساب ضحكة طويلة ثم هتف بخبث:
_رغم أنك تستحقين المغازلة يا لؤلؤة...لكنني أعنيها حقاً!!!
نظرت إليه بامتنان وهي تهمس في صدق:
_هل تعلم يا عمي ؟! رغم أنني لم أقض هنا فترة طويلة لكنك عوضتني بصدق عن حنان والدي...أنا ممتنة لك كثيراً..
اتسعت ابتسامة كساب وهو يقول بمودة حقيقية:
_أنتِ فتاة رائعة يا آسيا...نحن محظوظون بكِ هنا...ياسين الصغير كان دوماً حزيناً بعد مرض سمية الذي هدها هي وياسين معاً...لكن ظهورك في حياتنا أسعدنا جميعاً...حتي سمية تحسنت حالتها النفسية كثيراً بعدما اطمأنت علي ياسين في صحبتك...
تنهدت آسيا في حرارة وهي تقول:
_سمية هذه ملاك يا عمي...تستحق كل الحب الذي يمنحه لها بدر...
أومأ برأسه إيجاباً وهو يقول بحذر:
_وبدر أيضاً فارس حقيقي محظوظة من تكون بقلبه...

+



        
          

                
قالها كساب وهو يحاول استكشاف مكنون نفسها نحو ابن أخيه....
هو مثل سمية يتمني لو يمضي بدر في حياته بعد رحيل سمية...
وآسيا فتاة مثالية من وجهة نظره...
لكن...هل ترضي ببدر وظروفه المعقدة؟!!!

+


آسيا طبيبة من عائلة ثرية ...
شابة فاتنة لا تزال الحياة تفتح لها ذراعيها بأحلي الأماني...
فهل تقبل الارتباط ببدر بكل ملابسات حياته المعقدة؟!!!

+


لكن آسيا لم تنتبه لكل هذا....
قالت ببساطة غافلة عن مقصده:
_لن تكون في قلبه سوي سمية ...رجل كبدر غير قابل للقسمة...وهذا ما يجعله مميزاً...

+


_صباح الخير!

+


انتفضت آسيا من مكانها وهي تسمعه يلقي إليهم بتحية الصباح...
لقد استمع لعبارتها الأخيرة حتماً...
تضرجت وجنتاها بحمرة الخجل وهي ترد تحيته بصعوبة ...
ثم تنسحب شبه راكضة نحو المنزل...

+


ابتسم كساب وهو يراقب خجلها ثم قال لبدر في عتاب:
_لقد أحرجتها يا بدر.
ابتسم بدر وهو يجلس مكانها الذي كانت تحتله منذ قليل ليقول:
_أعجبني رأيها فيّ...أنا فعلاً غير قابل للقسمة!
هز كساب رأسه في يأس وهو يقول ليغير الموضوع:
_كيف حال سمية؟!
اختفت الابتسامة من وجه بدر وهو يقول بضيق:
_تتألم كثيراً يا عمي...قلبي يتمزق من أجلها....
ظهر الألم علي وجه كساب وهو يرفع وجهه للسماء هاتفاً:
_لطفك بنا يالله!

+


أطرق بدر ببصره للحظات...
ثم رفعه لينتبه للشئ الذي يمسكه كساب بيده...
ابتسم في شحوب وهو يقول لعمه في إشفاق:
_لازلت تحتفظ بقلادتها يا عمي؟! لازلت تذكرها؟!

1


تحسس كساب القلادة برفق وهو،يقول:
_هي عمري كله يا بدر...هل ينسي المرء عمره؟!
قال بدر بدهشة تمتزج بحيرته:
_رغم كل ما حدث... ؟!!!إنها تظنك قتلت زوجها....لاريب أنها الآن....
قطع عبارته لما أحس أنها ستجرحه...
لكن كساب فهمها فأردف في حزن:
_لا ريب أنها تكرهني يا بدر...أنا أعرف ذلك...لكنني أشعر أنني سألتقيها يوماً لأشرح لها...أتمني فقط أن يمهلني عمري فلا أموت قبل أن تعرف هي الحقيقة....

4


قام بدر من مكانه ليربت علي كتفه وهو يقول :
_لا تثقل علي نفسك يا عمي...
ربت كساب علي كفه وهو يقول بيقين:
_يوماً ما ستتضح الحقيقة كاملة...وأنا أشعر أنه ليس ببعيد....
==========================================================================

+


استيقظ ياسين من نومه علي صوت أناتها الخفيض فقام هاتفاً:
_ماذا بكِ يا رقية؟!
همست في ألم:
_بطني يؤلمني بشدة.
انتفض من مكانه ليتناول هاتفه قائلاً:
_سأهاتف طبيباً صديقاً لي صادف أنه هنا في الساحل هذه الأيام...

+


لم تمضِ ساعة حتي تفحصها الطبيب ليعلن بأسف أنها مريضة بالتيفود...
وبعدما أعطاه قائمة بالأدوية والطعام المسموح...
انصرف مطمئناً له أنها ستكون بخير...

+


جلس ياسين جوارها علي طرف السرير ...
تحسس جبهتها ليجدها ساخنة لكنه همس مطمئناً:
_حرارتكِ جيدة...

+


تركها بضع دقائق ليحضر لها الدواء...
ثم عاد بسرعة ليعطيه لها بنفسه...
تأمل ملامحها المنهكة بإشفاق ثم همس في قلق:
_كيف أنتِ الآن؟!
تحاملت علي نفسها لتخفي ألمها هامسة:
_دعنا نعد يا ياسين...أريد الذهاب لأمي لتعتني بي...
هز،رأسه نفياً وهو،يقول بحزم:
_لن يعتني بكِ أحد غيري...
همست في ألم:
_لا أريد أن أتعبك...كما أن أمي ستتفهم الوضع أكثر...فقد أصبت به مرتين من قبل...
أمسك كفها يقبله وهو يقول بحنان:
_لن يعتني أحد برقية الغالية سواي أنا...
ابتسمت رغماً عنها وهي تحاول تصنع المرح لتتغلب علي ألمها هامسة:
_لن تحتمل ...صدقني ستعيدني لوالدتي بعد يوم واحد علي الأكثر...
رفع أحد حاجبيه وهو،يهمس مداعباً:
_تراهنينني؟!!
اتسعت ابتسامتها وهي تهمس بدورها:
_أراهنك!
أمال رأسه متفحصاً لها وهو،يقول بخبث:
_ولو كسبت الرهان؟!
أزاحت خصلة من شعرها وراء أذنها لتهمس في خجل:
_ماذا تريد؟!

+


تأملها في افتتان بخجلها الذي يزيدها حسناً ليهمس في ترقب:
_ستجيبين عن سؤالي الذي أجلتِ إجابته...
عقدت حاجبيها في تساؤل فأردف في تفحص:
_لماذا أنا بالذات يا رقية؟!

+


أطرقت برأسها دون أن تجيب...
فرفع ذقنها بأنامله وهو يهمس:
_هل تتهربين من الرهان؟!
تنهدت في حرارة وهي تهمس في مرح لتتهرب منه :
_أنت تجيد استغلال الظروف...أنت تاجر ماهر!
همس بحنان وهو،يلاحظ تحسن حالتها نوعاً:
_سلمكِ الله يا رقية من كل شر...وأبقاكِ لي دوماً...
أسندت رأسها علي وسادتها وهي تهمس في صوت ناعس:
_أشعر أن رأسي ثقيل كالجبل!
ربت علي رأسها وهو،يهمس بحنان:
_نامي يا رقية...عندما تستيقظين ستكونين بخير...

+


ابتسمت له في امتنان ثم تثاقل جفناها فجأة لتسقط في نوم عميق بفعل الدواء...
تنهد في حرارة وهو يتحسس جبهتها ليجد حرارتها قد انخفضت بالفعل...
تأمل ملامحها النائمة في سكينة وهو يشعر نحوها بذنب كبير...
رغم ما تبديه من قوة وتحمل..
لكنه يعرف أنها تحتمل وحدها وزراً ثقيلاً...
وحدها تماماً...
لا تشكو لأحد من أهلها...
ولا لصديقاتها...
بل إنها حتي لا تشكو له هو!!!!
أي صبر تملكه هذه المرأة...
وأي قوة؟!!!

+


والذي يدهشه حقاً هو لماذا تحتمل...
ولماذا وافقت عليه هو دوناً عن سواه...
هل من المعقول أنها....
أحبته؟!!!!

+


راجع كل مواقفهما السابقة في ذهنه يحاول استكشاف مشاعرها...
لكنه لم يصل لشئ...
رقية كانت تعامله بحنان ...بتفهم...
لكن لا يستطيع الجزم أنه كان حباً...
ولو أنه يتمناه!!!!

+


عاد يتحسس جبهتها في حنان ...
وهو يشعر أنها صارت غالية جداً عنده...
ليتها تبقي جواره أبداً ...تنير حياته بروحها المتوهجة كضوء النهار...
==================================
انتهى الفصل الثامن

1



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close