اخر الروايات

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل السابع 7 بقلم نرمين نحمد الله

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل السابع 7 بقلم نرمين نحمد الله



                                    
**********

+


الفصل السابع

+


خرجت جويرية من غرفتها وقد عزمت علي تنفيذ ما جبنت عنه منذ فترة طويلة...
توجهت لغرفة فريدة بخطوات مترددة...
لتجدها جالسة علي سريرها تحتضن أحد أثواب آسيا وتبكي في صمت...
انقبض قلبها بقوة وهي تشعر بعناء فريدة الصامت...
ليتها تستطيع أن تسعدها...
لكن كيف تسعدها وهي نفسها ليست سعيدة...؟!!!!
ولن تكون...
فاقد الشئ لا يعطيه...!!!!!

+


عادت إلي صالة المنزل تاركة فريدة لحزنها الصامت...
ثم ارتدت إسدال صلاتها وغادرت الشقة ببطء...

+


نزلت الدرج متجهة لشقة جدها لتطرق باب غرفته في وجل...
سمح لها قاسم بالدخول فدخلت لتقبل يده...
ثم وقفت مكانها في تردد....
سألها قاسم في هدوء:
_كيف حالك يابنتي؟!
أجابته ببطء :
_بخير حال يا جدي...
تأمل قاسم وقفتها المضطربة في تفحص...
ثم سألها في اهتمام:
_هل تريدين شيئاً يابنتي؟!

+


نظرت إليه في وجل وقلبها يخفق في شدة...
هذا طريق لو سارت فيه فلن يمكنها العودة...
لكنها ستواجه الأمر بشجاعة...
آن الأوان لتتمرد علي مصير الجواري الذي اختاروه لها...
لن تهرب مثل آسيا...
لكنها ستواجههم باختيارها وليكن ما يكون!!!!

+


قالت بعد صمت طويل صبر عليه قاسم وكأنه استشعر وراءه أمراً جللاً:
_أنا لا أريد الزواج من عمار يا جدي....

+


وكأنما ألقت قنبلة في المكان!!!!
هب قاسم من مكانه بغضب هادر وهو يصرخ فيها:
_ماذا تقولين يا فتاة؟!!!
ارتجف جسدها رغماً عنها وهي تستشعر غضبته التي تربت علي الخوف منها...
عجزت عن النطق وهو،يعيد الصراخ فيها هاتفاً:
_لا تريدين ماذا؟!!!

+


ازدادت ارتعادة جسدها وهي تنتبه أخيراً لفداحة فعلتها...
عندما اندفع قاسم ليفتح باب الغرفة صارخاً في الخادمة:
_أريد فريدة وعمار حالاً....

+


لم تمض بضع دقائق حتي جاء عمار وفريدة إليه يتعجبان من ثورته...
فأشار لجويرية هاتفاً في ثورة:
_هذه الفتاة تقول أنها لا تريد الزواج منك....

+


أغمض عمار عينيه في قوة...
وهو يشعر بجرح عميق تزداد قسوته يوماً بعد يوم...
لكن هذه المرة تختلف...
جويرية تغلبت علي الخوف الذي تربي فيهم جميعاً من جدها...!!!!
جويرية تحدت أوامر النجدي علانية في وجهه لأول مرة في حياة العائلة..!!!!
فعلتها لأنها لا تريد الزواج منه....!!!
إلي هذه الدرجة تكرهه؟!!!!!

+


أخذ نفساً عميقاً يحاول استيعاب جرحه المزدوج لكرامته قبل قلبه...
أي رجل يمكنه تحمل هذا الموقف...؟!!!
وهو يري حبيبته التي لم يعشق سواها منذ صغرهما...
تبذل كل هذا الجهد لتتخلص منه علانية أمام الجميع....!!!

+


لكن قاسم لم ينتبه لألمه الذي أخفاه ببروده كالعادة...
وهو يخاطب فريدة صارخاً فيها:
_هل هذه تربية بناتك يا فريدة؟! واحدة تهرب ثم تنتحر لتجعل شرفنا مضغة في الأفواه والثانية تعصي أمري في الزواج من ابن عمها؟!

+



لم تتمكن فريدة من الرد وهي تشعر بالألم يخنق صدرها....
لماذا فعلتِ هذا يا جوري؟!
لماذا؟!
لازلت لم أستفق بعد من صدمتي في آسيا...
فلمَ تعجلين بصدمة أخري؟!!!!

+


عاد قاسم لجويرية وهو يجذبها من ذراعها ليهتف بحدة:
_لا تريدين الزواج من عمار؟! وماذا ستفعلين لو أصررت أنا علي ذلك؟! هل ستهربين مثل شقيقتك..؟!

+


تحرك عمار بجمود يخفي اشتعاله...
ليجذبها من ذراعها الآخر مخفياً إياها خلف ظهره ليحميها من بطشه قائلاً لجده في حزم:
_كلمة قاسم النجدي لن ترد...اطمئن يا جدي...جويرية لن تتزوج أحداً غيري...

+


نقل قاسم بصره بين الجميع بتفحص....
ساد فيه الصمت لحظات...
ثم جلس علي كرسيه وهو يسند رأسه علي عصاه مطرقاً إلي الأرض....
قبل أن يرفعها ليقول بحزم:
_سيتم زواجكما بعد شهر واحد...لن تخرج فيه هذه الفتاة من باب البيت أبداً...

+


اتسعت عينا جويرية في رعب وكأنها تلقت -لتوها-حكماً بإعدامها!!!!
شهر واحد وتكون زوجة لذاك البغيض!!!
شهر واحد وتدفن كل أحلامها الوردية برجل يحبها ويحتويها بحنانه!!!!
شهر واحد وتُسلّم الجارية إلي سيدها الجديد ليقضي فيها كيفما شاء!!!

+


سحبتها فريدة من ذراعها بقوة وهي تقول لقاسم في خضوع كعادتها:
_كما تأمر يا عمي...

+


التفتت إليها جويرية في صدمة...
لم يقف أحد معها...
بل علي العكس كلهم يرونها مذنبة!!!!
وكأنها أجرمت يوم صرخت بعدم رغبتها في عمار هذا...
فماذا لو أخبرتهم عن زياد؟!
هل سيدفنونها حية؟!!!!!

+


سارت خلف فريدة التي كانت تجرها من ذراعها جراً لتتجه معها نحو شقتهما...
فقال قاسم لعمار بحزم:
_أغلق الباب وتعال...

+


نفذ عمار أمره ليقف بين يديه قائلاً بجمود:
_ماذا تريد مني يا جدي؟!
تأمله قاسم للحظات بعينيه الخبيرتين ...
ثم قال بلهجة مخيفة:
_جويرية ستكون زوجتك...إياك أن تؤذيها أو تعاقبها يوماً علي ما سمعته اليوم...
أشاح عمار بوجهه ...
فلوح قاسم بسبابته في تهديد وهو يقول بصوته الصارم:
_أنا لم أحرص علي تزويجهن منكم إلا للحفاظ عليهن...لو آذيتَها سأكون أنا خصيمك!

+


أطرق عمار برأسه وهو لا يعرف بماذا يرد علي تهديد جده...
هو لم ولن يفكر يوماً في أذيتها...
هي جوريته الحبيبة...
هل يحتاج لمن يوصيه بها؟!!!!

+


ربما تغلبه خشونة طبعه أمامها...
ربما لا يتمكن من البوح لها بما في صدره...
لكنها ستبقي جوريته الغالية التي يفتديها بعمره....

+


وفي غرفتها كانت جويرية تنتفض ألما وقهراً...
وقفت فريدة أمامها تتأمل دموعها في صمت...
ثم توجهت نحوها لتحتضنها بقوة وتهمس في شرود:
_منذ أكثر من عشرين عاماً كنت أبكي مثلكِ هكذا زواجاً لا أريده...كنت أشعر أنني سأموت لو لم أتزوج الرجل الذي هام به قلبي حباً...
رفعت إليها جويرية عينين مذهولتين وهي تقول بصدمة:
_أنتِ يا أمي؟!
أومأت برأسها إيجاباً وهي تردف في خفوت:
_كان جاراً لنا في بلدتنا بالصعيد قبل أن نأتي للمدينة...لم يخبرني عن حبه لكنني كنت أشعر بترقبه الصامت لي في كل حركاتي...أحببته سراً....وتمنيت لو يكون زوجاً لي....
همست جويرية في ترقب:
_وماذا حدث بعدها؟!
تنهدت فريدة قائلة:
_قضي القدر لي بسعد النجدي والدكما ليكون زوجاً لي...كان نعم الزوج والأب والصديق حتي قتل غدراً...
ثم نظرت لجويرية هامسة في ألم:
_هل تعلمين من الذي قتله؟!
هزت جويرية رأسها وهي تهمس في شك:
_لا تقولي أنه هو!

+



        

          

                
همست فريدة بأسف:
_نعم يابنتي...كان هو...الرجل الذي ظننته حب العمر الذي لم أحصل عليه..استسلم لرغبة عائلته في الثأر وقتل زوجي أنا...
وضعت جويرية كفها علي شفتيها وهي تسمع هذه الحقيقة لأول مرة...
فهمست فريدة في تماسك:
_أنا أقول لكِ هذا لتعلمي أن الحب الحقيقي لا يأتي إلا بعد الزواج...لن تستطيعي معرفة معدن الرجل الذي معكِ إلا عندما تعاشرينه...ربما لم أحب سعد قبل زواجنا لكنني متّ حقاً يوم مات...بينما ذلك الآخر الذي ظننتني أحبه لم يكن في النهاية سوي رجل بلا قلب...
هزت جويرية رأسها وهي تهمس في يأس:
_ليس عمار يا أمي...ليس عمار.

+


ابتسمت فريدة وهي تقول في حكمة:
_ربما هو خشن الطباع غليظ القول لكنه طيب القلب ويحبك...صدقيني...هذا النوع من الرجال مخلص في حبه حتي الموت...

+


أشاحت جويرية بوجهها وهي لا تستطيع تصديق هذا...
ولا تريد!!!
عمار البغيض سيبقي كذلك ولو أقسموا لها بكل الأيمان...
لن تتقبل وجوده في حياتها بأي صورة...
حتي لو تزوجها قسراً...
ستبقي تكرهه طوال عمرها...
هذا هو،قسمها لنفسها الذي لن تحنث به أبداً!!!!!
==========================================================================
استيقظت ساري من نومها فجرا كعادتها...
أدت صلاتها وهي تدعو الله لجوري العزيزة أن يقدر لها الخير...
فقد علمت بما حدث ليلة الأمس...
ولا تدري ردة فعل عمار الغليظ علي فعلة جوري الطائشة هذه!!!

+


استغفرت الله بصوت مسموع...
وهي تتجه نحو خزانة ملابسها...
فتحتها لتستخرج منها دميته التي تحتفظ بها كصديقتها المقربة...
الذكري الحلوة الوحيدة التي تحملها منه...
ماتبقي لها من حذيفة رفيق الطفولة والصبا الذي أحبته بكل كيانها!!!!
والذي يختلف عن ذاك العابث المستهتر الذي صار إليه!!!

+


ضمتها لصدرها بقوة وهي تتذكر قسوة حواراتهما الأخيرة...
دمعت عيناها وهي تتصور كيف ستكون حياتهما بشعة لو تزوجها!!!

+


أخذت نفساً عميقاً وهي تود الاختلاء بنفسها...
فغادرت الشقة بهدوء وهي تصعد إلي سطح المنزل محتضنة دميتها التي صارت كاتمة أسرارها الوحيدة...
فتحت باب السطح ببطء تتأمل ضوء النهار الذي بدأ يغازل السماء في خجل ...
ابتسمت وهي تشعر بالسكينة...
لتتجه نحو الأرجوحة القديمة الملقاة في آخر المكان...
جلست عليها وهي تؤرجح جسدها في شرود...
تحتضن دميتها هامسة في ألم:
_ليتنا بقينا صغاراً...

+


وخلفها كان هو واقفاً يراقبها خلسة...
لم يصدق عينيه عندما عاد من سهرته فجراً ليجدها تتجه للسطح محتضنة دميته كما كانت والدته راجية تقول...
اذن فقد كانت والدته محقة عندما قالت أنها تحبه...
لكن تلك الحمقاء تكابر!!!

+


صعد خلفها بخفة...
ليراها تتأرجح علي الأرجوحة القديمة التي طالما لعبا حولها صغاراً...
تأمل المكان حوله في دهشة...
ثم لم يلبث أن جرفه طوفان الحنين....!!!

+



        
          

                
كم من السنوات مرت عليه قبل آخر مرة كان فيها هنا!!!!!
كيف مر عمره بهذه السرعة...؟!!!
إنه يذكر أيام طفولته هنا في نفس المكان وكأنها كانت بالأمس فقط...!!!!

+


اقترب منها ببطء حذر...
ثم وضع كفيه علي عينيها من خلفها دون أن ينطق بكلمة...
فهمست في شرود:
_هل استيقظتِ مثلي يا جوري؟!
قالتها وهي تضع كفيها علي كفيه لتصطدم بخشونتهما....
هذان ليسا كفّي  جوري!!!!

+


انتفضت من مكانها بقوة وهي تلتفت لتواجهه بصدمة تميل للخوف هاتفة:
_ما الذي تفعله هنا؟!
لف حول الأرجوحة ليقف قبالتها هامساً برقة غريبة علي أسلوبه معها:
_جئت من أجلك!
تلفتت حولها في ارتباك وهي تشعر بالقلق...
فتناول منها دميتها هامساً:
_كنتِ تختلين بها هنا لأنها تذكركِ بي...أليس كذلك؟!
ازدردت ريقها في توتر وهي تهمس:
_من أخبرك هذا؟!
اقترب منها خطوة وهو يهمس بنفس الصوت الآسر:
_لقد رأيتكِ مع والدتي تلك الليلة التي قضيتِها معها....وسمعت كلامكما كله...
اتسعت عيناها في ارتياع وهي تهتف في صدمة:
_سمعت؟!
ابتسم بخبث وهو يقول:
_ورأيت أيضاً....!!!

+


احمرت وجنتاها رغماً عنها فغمزها وهو يهمس بصوته الرخيم:
_يليق بكِ الورديّ يا عروسي....

+


ظلت واقفة مكانها مصدومة...
لا تصدق أنه سمح لنفسه أن يراها دون حجابها في ثوبها الوردي القصير وهي التي كانت تعتني بوالدته المريضة بينما كان هو يتسكع مع إحدي رفيقاته!!!!
بل ويتحدث عن هذا بكل صفاقة!!!!
أي أخلاق فاسدة يمتلكها هذا الرجل؟!

+


أساء فهم صمتها فاقترب منها خطوة أخري وهو يهمس بصوتٍ مغوٍ:
_ألا تريدين معرفة سر سحري الذي يغوي النساء؟!!!!

+


قالها وهو يقترب بشفتيه من شفتيها...
حين شعر،بصفعتها العنيفة تهوي علي وجهه قبل أن يمسها!!!!!

+


عاد برأسه للخلف وهو يضع كفه علي مكان صفعته فيما هتفت هي وسط دموعها التي انهمرت كالسيل:
_الساقطات والعابثات فقط يابن النجدي ...هن فقط من يغويهن سحرك المزعوم!

+


ظل واقفاً مكانه يتأمل مظهرها الغريب...
صفعتها وكلامها المهين القوي يناقض انهمار دموعها علي وجنتيها بلا توقف...
لوحت بسبابتها في وجهه وهي تهتف بقوة:
_ألم تلاحظ منذ فترة أنني لم أعد أناديك باسمك...لا أقول لك إلا ابن النجدي...لأنك لا تستحق أن تكون حذيفة الذي تربيت معه وعشت معه طفولتي...أنت مسخ منه...مسخ بشع...

+


قالتها وهي تتناول منه دميتها لتهتف بنفس الصوت الباكي:
_هذه التي تستدل بها علي أنني أحبك؟!

+


ارتد للخلف مصعوقاً وهو يراها تطوح الدمية في الهواء لتسقط من علي سور السطح في الطريق....
عاود الالتفات إليها مراقباً بذهول عدوها السريع لتغادر السطح....

+


ظل واقفاً مكانه للحظات...
لا يدري كيف تجرأ عليها هكذا...؟!!!!
وكيف سمح لنفسه بالتطاول معها إلي هذا الحد....؟!!!
عاد يتحسس صفعتها علي وجهه في شرود...
وكأنه لا يصدق أنها فعلتها!!!!
ساري صفعته هو؟!!!!

+



        
          

                
سار بضع خطوات ليستند علي سور السطح...
متأملاً دميتها التي استقرت علي قارعة الطريق...
لقد رمتها بكل سهولة...
وكأنها ترمي معها كل شعور جميل ظنها تحمله له يوماً!!!!

+


أطرق برأسه في أسف...
وهو يغادر السطح لينزل الدرج...
فتح باب المنزل بسرعة ليلتقط الدمية التي سقطت -لحسن الحظ-أمام المنزل تماماً...
لكنها اتسخت بالوحل...!!!!

+


ابتسم في سخرية مريرة...
وهو يتذكر وصفها لقلبه عندما قالت لراجية:
_وماذا يفيد القلب الطيب طالما كان مغروساً في الوحل...
كم هي مصادفة لائقة!!!
دميته اتسخت بالوحل كقلبه....!!!!

+


زفر في قوة وهو،يغلق باب المنزل خلفه...
ليصعد الدرج ويتجه نحو شقتهم...
ذهب إلي المغسلة الكهربائية مباشرة...
ليضع فيها الدمية ثم يشغلها بنفسه...
ويراقبها وهي تدور وتدور....
وتدور معها أفكاره...!!!!

+


ما الذي فعلته به تلك ال"مسترجلة"؟!!!!
كيف جعلت كيانه كله ينهار هكذا؟!!!
إنه يشعر الآن بضياع رهيب...
لم يشعر به قبلاً...
كلماتها التي قذفته بها كالرصاص اخترقت قلبه دون رحمة...
عاد يتحسس وجنته التي هوت عليها صفعته...
وهو يهمس في شرود...
تستحقها يابن النجدي...
تستحقها!!!!
==========================================================================
مدت كفها إليه وهي تهمس بصوتها العذب الذي اشتاقه...
_ياسين!
مد كفه نحوها وهو يقول بلهفة:
_كنت أعلم أنكِ لازلتِ علي قيد الحياة...تعالي يا آسيا..

+


ابتسمت في سعادة لتظهر غمازتها اليتيمة التي يعشقها...
قبل أن تتبدل ملامحها بسرعة لينهمر الدمع من عينيها غزيراً ...
تقدم نحوها خطوة ليسألها عن سبب بكائها...
لكن الموج حال بينهما بقوة وهو يبعدها عنه...
ليصرخ في جزع...
آسيا!!!

+


انتفض ياسين من نومه فجأة بعد هذا الكابوس...
فاستيقظت رقية جواره لتسمع صراخه باسمها...
راقبت بقلق تفاصيل وجهه المنزعج والعرق المتفصد علي جبينه...
فقامت لتهمس في توتر:
_هل رأيت كابوساً يا ياسين؟!

+


التفت إليها بحدة وكأنه لا يصدق أنه كان مجرد كابوس...!!!
لقد كانت آسيا معه...
لقد رأي ابتسامتها قبل أن يخطفها الموج منه!!!!

+


استغفر الله بصوت مسموع...
فنهضت رقية لتحضر له كوباً من الماء ثم جلست جواره علي طرف السرير...
شرب الماء بشرود...
فوضعت كفها علي رأسه وهي تتمتم بالرقية التي تحفظها...
ابتسم في سكينة عندما انتهت...
ثم سألها في عجب:
_ماذا كنتِ تفعلين؟!
ابتسمت في خجل وهي تقول:
_أمي كانت ترقيني بهذه الآيات والأدعية عندما كانت تنتابني الكوابيس في صغري...ومن يومها وأنا أحفظها وأرددها كثيراً عندما أخاف أو أمرض!
ابتسم في ضعف وهو يقول :
_إنها فعالة حقاً...أنا أشعر بالهدوء الآن...

1


تأملته بإشفاق وهي تسأله بحذر:
_هل كان الكابوس يخص آسيا؟!

+


أشاح بوجهه دون أن يجيب...
فهمست في حنان:
_رحيلها لم يكن ذنبك يا ياسين...انزع هذه الفكرة من رأسك...
هز رأسه وهو يتنهد هامساً:
_ليتني أستطيع تبسيط الأمور هكذا...لكنني أشعر بذنبها في عنقي...رغماً عني...صدقيني...
ربتت علي كتفه وهي تهمس بنفس الحنان:
_كل شئ في الدنيا يبدأ صغيراً ثم يكبر...إلا الهموم...تبدأ كبيرة ثم تصغر حتي تتلاشي...أنت فقط تحتاج لوقت...وتحتاج لصبر...وأنت لا تفتقر لكليهما!!

+



        
          

                
أطرق برأسه في أسي...
وهو يشعر أنه يتمزق...
آسيا الغالية!!!
هذا الكابوس المزعج جعله يشعر وكأنه يفقدها من جديد...!!!!

+


تأملت رقية مظهره بإشفاق...
لتتفجر ينابيع حنانها كلها نحوه...
مدت إليه ذراعها بتردد...
حسمته بسرعة وهي تضمه إليها هامسة:
_هون عليك يا ياسين...ادع لها بالرحمة...هذا أفضل لها من انهيارك هذا...

+


دفن رأسه في كتفها وهو يشعر بحنانها يضمد جروح روحه كلها......
فربتت علي رأسه بكفها وهي تهمس في شرود:
_عندما توفيت صديقتي المقربة منذ عدة سنوات شعرت بالانهيار...كانت بمثابة أختي ولم نكن نفترق إلا ساعة النوم...وقتها أصبت باكتئاب شديد...لكنني لم أنسَ جملة أبي التي قالها لي يومها...قال لي أن دعائي لها أفضل بكثير من حزني عليها...

+


رفع رأسه إليها ينظر إليها بتمعن...
هل هذه المرأة حقيقية؟!
أم أنها ملك هبط عليه من السماء؟!!!
لا يصدق أنها تحتويه بكل هذا الحنان في مصيبته وهي التي احتملت منه ما لا تحتمله أي امرأة في ظروفها...!!!

+


همس بصدق اخترق قلبها بنقائه:
_أنا آسف يا رقية...لا أدري إلي متي سأقولها...لكنني سأظل أعنيها...أنا ظلمتكِ معي ولازلت أظلمك...
دمعت عيناها وهي تربت علي رأسه هامسة:
_ربما لم يسعدني الحظ فأعرف حباً كحبك لآسيا...لكنني أقدره وأتفهمه...وأدرك ألمك بعدها...أنا راضية بدوري في حياتك...

+


أمسك كفها الذي تربت به علي رأسه وقبله ليهمس في رجاء:
_لا تتركيني أبداً...امنحيني وعد رقية الهاشمي الذي لا تخلفه أبداً أنك لن تتركيني...

+


أطرقت برأسها وهي لا تدري بماذا ترد عليه...
وعدها هذه المرة لن يكون مجرد وعد...
بل سيكون قراراً تبني عليها حياتها القادمة كلها...

+


هل هي حقاً راضية بدورها الحالي في حياته؟!!
ولو رضيت به اليوم...
فهل سترضي به غداً ؟!!!
دمعت عيناها وهي تشعر بالعجز...
لقد خاضت وسط بحر هائج الأمواج لتجد نفسها فجأة في وسطه...
لا تستطيع العودة...
ولا تستطيع الرجوع...!!!!

+


هي رقية الهاشمي التي طالما تباهت بقوتها ورجاحة عقلها...
تشعر الآن بكل هذا الضعف...
وبكل هذا العجز...!!

+


رفع وجهها إليه ليروعه منظر الدموع في عينيها ...
فأعاد همسه في رجاء:
_امنحيني وعدكِ يا رقية...

+


أغمضت عينيها بقوة وهي تأخذ نفساً عميقاً تمالكت به نفسها ثم قالت في تصميم:
_سأعدك بشئ واحد...لن أتركك مادمت تحتاجني...
نظر إليها بتفحص فأردفت في كبرياء:
_سأتركك بمجرد أن أشعر أنك صرت في غني عني....

+


ابتسم في ارتياح وهو يعيد دفن رأسه في كتفها هامساً:
_إذن...لن تتركيني أبداً....
==========================================================================

+


جلست آسيا في غرفة ياسين الصغير تحكي له حكاية من الحكايات التي يعشقها حتي استسلم للنوم بين ذراعيها...
ضمته لصدرها بقوة وهي تهدهده برفق...
كم افتقدتك يا ياسين...!!!
همست بها سراً وهي تقبل رأس الصغير في شرود...
وذكري ياسين الحبيب تلف عقلها بغلالة من حنين....
ثم تنهدت في أسي...
تفكر في وضعها الحالي...
شريدة وحيدة ...
غريبة عن كل شئ...
حتي عن نفسها...

+



        
          

                
هل من الممكن أن يقتلنا الحب أحياءً؟!!!
هل من الممكن أن نموت به كما كنا نعيش لأجله؟!!!

+


تنهدت في حرارة غافلة عن عيني سمية اللتين كانتا تراقبانها بتفحص منذ دقائق...
دخلت سمية عليها لتهمس بود:
_يبدو أنك تحبين ياسين كثيراً....
ابتسمت لها وهي تضم الصغير أكثر هامسة في شرود:
_ياسين هذا حبيبي...

+


جلست سمية جوارها وهي تقول بحنانها المعهود:
_لا يبدو لي أنكِ تتحدثين عن ياسين ابني فحسب...يهيأ لي أن قلبك يحوي "ياسين" آخر!!!
أغمضت آسيا عينيها بقوة وهي تهمس في حزن:
_هذا صحيح...
ربتت سمية علي كتفها وهي تهمس في إشفاق:
_هل تأتمينني علي سرك يا آسيا...يمكنك اعتباري صديقة لك...
أومأت آسيا برأسها إيجاباً وهي تهمس في ألم:
_أنا أحتاج لهذا حقاً...أحتاج أن أبوح بجرحي لأحد...لم أعد أحتمله وحدي....

+


ربتت سمية علي كتفها في مؤازرة...
فاندفعت آسيا تحكي لها عن تفاصيل قصتها كلها...
تارة تبتسم ...
وتارة تبكي...
لقد كانت تحتاج بشدة لأن تتكلم...
وكأنها باستعادة ذكرياتها معه تستعيد هويتها المفقودة...
تستعيد آسيا القديمة التي ضلت عنها...!!

+


كانت سمية تستمع إليها في اهتمام ...
تدرك أكثر،من أي أحد في الدنيا حبها المجنون هذا لابن عمها....
وكيف لا؟!
وقد عاشت مثله يوماً!!!!
لكنها لم تتخيل أن آسيا الهشة الرقيقة قد أقدمت علي محاولة الهرب تلك وحدها...
ورضت بأن تتخلي عن عالمها كله ...
بل عنه هو نفسه...
لتقنع الجميع بقصة انتحارها هذه كي تبدأ من جديد...

+


لكن القدر كان رحيماً بها لأقصي حد...
المزرعة هنا أنسب مكان لحمايتها طالما قررت المضي في خطتها هذه...
لكن...
ماذا عن خطة سمية نفسها؟!!!
هل يمكن أن تفكر آسيا في الزواج من بدر وهي لازالت عالقة في حب ابن عمها كما يبدو...؟!!!
يجب أن تمهد لهما الطريق...
يجب أن تتجاهل غيرتها التي تمزق صدرها الآن...
حتي تضمن أن بدر الحبيب لن يضيع في وحدته بعدها...
هي تعلم أنها هي وياسين الصغير وعمه كساب عالمه الوحيد...
لكنها ستحرص أن تبقي له آسيا هنا معه...
ستحاول التقريب بينهما قدر ما تستطيع...
ستمنح كلاً منهما مفاتح قلب الآخر حتي تمهد الطريق لحياة قادمة بينهما...!!!

+


ليس بدر وحده من يحتاج آسيا...
آسيا أيضاً تحتاج لمن ينسيها حبها اليائس لابن عمها...
خاصة أنه تزوج فعلاً...
وحالياً يظنها قد ماتت..
ولا ريب أنه بدأ حياة جديدة مع زوجته...
وهي تثق أن بدر سيعوضها بحنانه عن كل ما افتقدته في حياتها !!!!

+


قطعت أفكارها عندما طرق بدر باب الغرفة ليتنحنح قائلاً :
_هل يمكنني الدخول؟!

+


ابتسمت سمية وقد لاحظت آسيا بوضوح إشراق وجه سمية عندما رأته...
السيد بدر رجل طيب...
وسمية تستحق كل الحب الذي يمنحه لها...
هكذا فكرت آسيا وهي تراه يصطحب سمية للخارج ليذهبا معاً للمركز حيث تتابع علاجها...

+



        
          

                
وفي طريقهما تأملته سمية بتفحص وهي تقول :
_آسيا هذه جاءتني نجدة من السماء ...فتاة رائعة يا بدر...
ابتسم بدر وهو غافل عن مسعاها ليقول بحنانه الآسر:
_قلبك الطيب هو الذي يري الناس بعينه الطاهرة...
تنهدت في حرارة وهي تعيد المحاولة قائلة باستطراد:
_إنها حقاً تستحق كل خير...كل ما فيها جميل...ليس وجهها فقط بل روحها وفكرها...كما أنها تحب ياسين بجنون...أتمني لو تبقي معنا...

+


اتسعت ابتسامته وهو يقول برفق:
_كما تشائين يا حبيبتي...

+


ظلت تحكي له عنها طوال الطريق ...
مستغلة ما تعرفه عن طباعه وتفكيره وهي تحاول جاهدة لفت نظره إليها...
لكن بدر لم يكن يري في آسيا سوي صورتها هي منذ سنوات...
صورة سمية!!
نعم...آسيا لم تزد في نظره عن كونها فتاة في ورطة...
لن يتخلي عنها مروءةً....
لا أكثر!!!
======================================

+


طرقت فريدة باب غرفة ساري لتجدها دافنة رأسها في وسادتها وجسدها ينتفض بعنف...
شهقت بقوة وهي تسألها بجزع:
_هل تبكين يا ساري؟!

+


لم تستطع حتي رفع رأسها إليها...
منذ عادت لغرفتها فجراً وهي تشعر بخلاياها كلها منهارة...
تتمني لو تبقي حبيسة غرفتها للأبد...
فلا تعود تري أحداً ولا أحد يراها!!!
لا تصدق كيف تجرأ عليها إلي هذا الحد...
وليته فعل ذلك بدافع من عاطفة!!!
ربما كانت وقتها وجدت له عذراً!!!
لكنها شعرت وكأنه يتعمد إهانتها بهذا الفعل...
وكأنه يقصد إخبارها أنها ليست أفضل من العابثات اللاتي يقضي وقته معهن!!!

+


لم تعد تريد الزواج منه...
بل لم تعد تريد رؤيته ...
لكن ماذا عساها تفعل؟!!!
هل ستكرر فعلة آسيا أم فعلة جويرية؟!!!
لم تفلح إحداهن بكلتي طريقتيهما...
فما حيلتها هنا؟!!!!

+


جلست فريدة جوارها علي السرير وهي تربت علي ظهرها هامسة في أسي:
_ماذا بكِ يا ساري أنتِ الأخري؟! ما الذي أصابكنّ فجأة يا بنات فريدة؟!!!

+


شعرت ساري بجرح والدتها الذي يقطر من كلماتها ولم تشأ أن تزيده...

+


رفعت رأسها لتمسح دموعها وهي تقول كاذبة:
_أنا بخير يا أمي...أنا فقط حزينة من أجل جوري....

+


لم تصدق فريدة كذبتها...
ساري تتألم لكنها تخفي ألمها عن الجميع كالعادة...
ساري أكثر بناتها تحملاً للمسئولية رغم كونها الصغري...
لكن قلبها الكبير يتسع للجميع دون قيود...
ربما لم تحظَ بفتنة آسيا الطاغية...
ولا حضور جوري المميز...
لكن لها روحاً كالألماس تنير حياة من يقترب منها...

+


لن تنسي أبداً يوم اشتركت في هذه الجماعة لمساعدة الفقراء منذ سنوات...
يومها كانت سعيدة وكأنها وجدت بغيتها في هذه الحياة...
كل ابتسامة كانت ترسمها علي وجه فقير أو مريض محتاج..
كانت تزيد روحها تألقاً وبهاءً...

+


هذه هي ساري التي تفخر دوماً بكونها ابنتها ...
بل إنها لا تبالغ لو قالت أنها تشعر أحياناً وكأنها أمها..!!!!
بعقلها الكبير وحنانها الفياض....

+



        
          

                
ابتلعت كذبتها مرغمة....
فهي من ناحية لن تحتمل المزيد من الألم بعد فعلة جويرية البارحة...
ومن ناحية أخري هي تعرف أن ساري الكتومة لن تفصح عن جرحها لأحد!!!!

+


عادت تربت علي ظهرها وهي تهمس في حنان:
_حذيفة جاء وأحضر لكِ هذا!!

+


وكأنما لدغتها أفعي!!!!
هبت ساري من نومتها لتنظر لما تتحدث عنه والدتها...
اتسعت عيناها بصدمة وهي تري دميتها التي ألقتها بنفسها في الطريق تعود إليها...
تناولتها منها وهي تشعر أنها أكثر نظافة مما كانت عليه...
غريب!
تشممتها بأنفها لتشعر،برائحتها العطرة...
ثم ضغطتها بأناملها برفق...
إنها مندّاة!!
وكأنها كانت مغسولة!!!!

+


التفتت لوالدتها وهي تحاول التماسك قدر المستطاع لتسألها بصلابة:
_ماذا قال لكِ بالضبط؟!
ابتسمت فريدة في حنان وهي تقول :
_لقد قال لي أن أبلغكِ أن الوحل يمكن إزالته بسهولة ....وليس كما تظنين!!!
ثم هتفت في حيرة:
_ما الذي يقصده؟! عن أي وحل يتحدث؟!

+


شردت ساري،ببصرها وهي تتذكر أنه سمع حديثها مع والدته...
تري هل سمعها عندما كانت تقول لوالدته...
_وماذا يفيد القلب الطيب طالما كان مغروساً في الوحل؟ 
نعم...
لابد أنه سمعها ولهذا يبلغها هذه الرسالة عن طريق دميتها ...!!!
يبدو أن حذيفة النجدي العظيم ساحر النساء لا يراها الآن أكثر من تحدٍ جديد لرجولته...
دمية غريبة استعصت عليه ويريد أن يلهو بها كغيرها قبل أن يزهدها ويلقيها بعيداً!!!!
هذا كان تفسيرها الوحيد لفعلته هذه...!!!

+


قطعت فريدة أفكارها وهي تسألها بقلق:
_ما الذي يدور،بينك وبين حذيفة يابنتي؟!
تنهدت قائلة في شرود:
_لا تقلقي يا أمي...كل شئ سيكون علي ما يرام...

+


تأملتها فريدة بقلق للحظات..
ثم تنهدت في استسلام...
ساري الكتومة لن تبوح بما هو أكثر...
قامت من جوارها لتغادر الغرفة وتغلق الباب خلفها...
فيما ظلت ساري تنظر لدميتها في شرود...
ثم دمعت عيناها من جديد وهي تفكر...
حتي الذكري الحلوة الوحيدة التي تركتها لي يا حذيفة...
أبيتَ إلا أن تفسدها ؟!!!!!!
==========================================================================

+


جلس زياد في عيادته حزيناً...
منذ لقائه الأخير بجويرية وهو يشعر بانقباض في صدره...
رغم أنه لم يلتق بها سوي بضع مرات في المكتبة لم يطل فيها اللقاء لأكثر من دقائق...
لكنه يشعر وكأنه يعرفها منذ زمن بعيد...

+


تنهد في حرارة وهو يذكر دموعها الغزيرة وانهيارها المفاجئ في آخر مرة رآها...
بقدر ما هو حانق عليها لأنها لم تلمح له حتي بخطبتها رغم شعورها بالإعجاب المتبادل بينهما...
بقدر ما هو مشفق عليها من هذه الزيجة...
لا يتخيل أبداً أن جويرية الرقيقة الحالمة ...
التي تبدو كأميرة خرجت من كتب الأساطير كما قال لها يوماً...
قد تتزوج عمار،هذا الذي يبدو وكأنه يتشاجر مع ذرات الهواء حوله!!!!!

+



        
          

                
رن هاتفه برقم غريب...
فأغلق الاتصال دون أن يرد...
لا يريد محادثة أحد الآن...
عاد هاتفه يرن بإصرار...
فتح الخط ليقول بتحفظ:
_السلام عليكم!

+


لم يصله رد للحظات...
قبل أن يسمع صوت بكاء خفيض علي الطرف الآخر...
ظل صامتاً للحظات...
لا يدري لماذا شعر أنها هي...
ربما لأنه كان يتمني هذا من كل قلبه...!!!!

+


طال الصمت الذي لم يحاول تجاوزه لدقيقة كاملة لم يصله فيه سوي صوت البكاء الخفيض...
لم يشعر بنفسه إلا وهو يهمس في ترقب:
_جويرية؟!

+


انقطع الاتصال فجأة فزاد إحساسه أنه كان مصيباً...
يكاد يقسم أنها كانت هي!!!
عاود الاتصال بالرقم مرات ومرات...
لكن لا إجابة في كل مرة...

+


عاد برأسه إلي الوراء...
وهو يشعر أنه مكبل من رأسه إلي قدميه...
منذ فترة ووالداه يلحان عليه في الزواج...
لكنه لم يجد فتاة ترضي قلبه وعقله سواها هي...
هي التي ليست له...للأسف!!!!

+


وعلي سريرها كانت جويرية تنتفض ألماً وقهراً...
إنه يفكر فيها...
لقد شعر بها وهمس باسمها رغم أنها لم تتفوه بكلمة...
وهو لا يعرف رقمها....
لكن قلبه أحس بها تماماً كما تحس هي به!!!

+


تأوهت في قوة وهي تحتضن جسدها بذراعيها...
هذا هو الحب الذي أرادته دوماً وتمنته من كل قلبها...
هذا هو الحب الذي قرأت عنه في كتبها التي طالما عاشت بين سطورها...
هذا هو الحب الذي ستحرم منه طيلة عمرها لأن قدرها ببساطة أن تكون جارية!!!!

+


هي لم تكن تنتوي التحدث معه...
لكنها أرادت فقط أن تسمع صوته...
لعله يؤازرها في معركتها التي خسرتها...
والتي تقف فيها وحدها!!!!

+


لكن رد فعله هذا جعلها تتعلق به أكثر وأكثر...
ظل هاتفها يرن برقمه بعدها لدقائق...
وأناملها تتوسلها وتقسم عليها بكل عزيز أن ترد...
لكنها لن تفعل...
كفاها تعلقاً بحبال واهية!!!

+


توقف هاتفها عن الرنين في النهاية ...
لتشعر وكأن أحلامها توقفت معه...!!!!

+


وخارج غرفتها كانت فريدة غارقة في حزنها...
ما الذي جري لبناتها كلهن هذا؟!!!!
تذكرت آسيا همها الأكبر...
فرفعت رأسها للسماء وهي تشعر أن قلبها يتمزق ...
لتهمس في خشوع يمتزج بحرقة صدرها:
_الصبر يارب...لا تسؤني في بناتي...هن حصاد عمري يارب فلا تضيع أملي فيهن...

+


أطرقت برأسها وهي تشعر بالسكينة تنساب لروحها بعد هذا الدعاء رويداً رويداً...
عندما رن جرس الباب...
توجهت نحو الباب بتثاقل تفتحه ليطالعها وجه عمار البارد قائلاً:
_السلام عليكم يا عمتي...كنت أريد التحدث إلي جويرية...بعد إذنك....

+


نظرت إليه فريدة في إشفاق...
هي تعرف عمار جيداً...
تعرف أن غلظته وخشونة طبعه ليست سوي غلاف قاسٍ لقلبه الطيب...
تماماً كما تعرف أن بروده هذا هو سلاحه الوحيد عندما يستبد به الغضب أو الألم...
وكلاهما يجتاحه الآن بلا رحمة!!!!!

+



        
          

                
فردت ذراعها بطوله وهي تقول بحنانها المعهود:
_تفضل يابني...

+


جلس علي الأريكة لدقائق...
قبل أن تأتيه جويرية مطرقة في جمود...
لم يعد هناك ما يستحق الانفعال...
لا الفرح...ولا الحزن...
كل الأمور صارت سواسية!!!

+


جلست علي الكرسي المجاور له دون أن تنظر إليه...
الجارية ستحافظ علي أدبها في حضرة سيدها الجديد...
ماذا ستجني من عصيانها أو تمردها سوي الجلد بسياط الحقيقة...
فلتستسلم...
ربما هون هذا مرارة مصيرها المنتظر!!!

+


نقلت فريدة بصرها بينهما في قلق...
ثم قالت لتتركهما وحدهما قليلاً:
_سأعد لك شيئاً تشربه يابني.

+


غادرتهما وهي تدعو الله سراً أن يهدي لهما الحال...
فالتفت عمار لجويرية وهو يتأمل وجهها المتورم من كثرة البكاء...
ليقول بجمود :
_ماذا جنيتِ من فعلتكِ الطائشة سوي غضبة جدي عليكِ ؟!

+


لم ترد عليه...
لا تملك القدرة ولا الرغبة لتفعل!!!
فليقل ما يشاء ليرحل بعدها...

+


أغاظه جمودها الذي لم يعتده منها فهتف بغلظته المعهودة:
_كان يجب أن تدركي أنكِ لي أنا...أنا وحدي...
لم ترد عليه أيضاً فازداد سخطه وهو يهتف:
_لا يعنيني رضاكِ أو غضبك...أنتِ زوجتي شئتِ أم أبيتِ!

4


وصلت فريدة هذه اللحظة لتستمع لجملته الأخيرة...
فقالت في عتاب:
_هل يصح أن تحدثها هكذا يا عمار؟!

+


تقافزت شياطين الغضب علي وجهه....
وهو يقوم من مكانه ليغادر الشقة صافقاً بابها خلفه في عنف....
ثم جلس علي إحدي درجات السلم وهو يطرق برأسه إلي الأرض...
لقد كان ذاهباً ليسترضيها...
ليعلم ما الذي جد عليها لتواجه جدها بهذه الجرأة...
لكن طبعه الغليظ غلبه كعادته...
ليزيد الطين بلة!!!!!

+


مظهرها البائس المستسلم أدمي قلبه نعم...
لكنه أشعل براكين غضبه كلها!!!!!!
لماذا تكرهه إلي هذه الدرجة...
هو فقط يريد فرصته كاملة ليتقرب إليها دون قيود...
يريدها أن تعبر حاجز كراهيتها الغير مبررة هذا ....
لعلها تجد خلفه نهراً من حبه يجرفهما معاً!!!!
فهل هذا كثير عليه؟!
وهو الذي لم يرَ في حياته امرأة سواها....؟!!!

+


كم يود لو كان بإمكانه أن يتغير من أجلها...
أن يهذب طباعه الجافة هذه...
أن يجيد التعبير عن مشاعره كما يحسها...
لكنه للأسف...
لا يستطيع!!

+


رفع رأسه لينظر لباب شقتها في يأس...
هامساً لنفسه في قنوط...
أنت عدو نفسك في معركة حبها يا رجل...
أنت عدو نفسك!!!
==========================================================================
_الريف الانجليزي رائع حقاً كما يروون عنه!
هتف بها حمزة في انبهار مخاطباً مارية التي رمقته بنظرة معجبة كعادتها وهي تجلس معه علي الأرض العشبية أمام منزلهم الريفي....لتقول:
_أنت تجعله أروع...صدقني...
ابتسم لها في حنان وهو يدور بعينيه في المنظر الساحر حوله...
عندما سألته بتردد:

+



        
          

                
_ما هي صورتك للمرأة التي تريد الزواج منها يا حمزة؟!

+


أطرق برأسه وهو يدرك معني سؤالها...
يود لو يجيبها...
لكنه يخشي أن يجرحها...
طال صمته كثيراً فهتفت تستحثه للإجابة:
_أخبرني يا حمزة ...أرجوك...ربما أجد لك عروساً مناسبة...

+


قالت عبارتها الأخيرة بمرح لعلها تخفي تحفزها لما سيقول...
فقال بخبث:
_أخبريني أنتِ أولاً عن صورتك للزوج الذي تريدينه...
نظرت لعينيه طويلاً ثم قالت بعاطفة صادقة:
_أريده مثلك...

+


أغمض عينيه بقوة يحاول استيعاب فيض مشاعره الآن...
سعيد هو بتلميحها الصريح هذا...
لكنه لا يعرف بماذا يرد عليها...
لازالت مشاعره نحوها مترددة وجلة...
لازالت بعيدة جداً عن الزوجة التي يتمناها ويستطيع مواجهة عالمه بها...

+


تهرب من الأمر بذكاء وهو،يسألها :
_أخبريني أنتِ ...ما الصورة التي تظنينني أبتغيها في زوجتي...

+


صدمها سؤاله للحظات ...
وكأنها لم تفكر فيه من قبل...
لتسطع الحقيقة في وجهها كشمس متوهجة!!!
عروس حمزة التي يتمناها لا يمكن أن تشبهها أبدااا

+


اغتصبت ابتسامة باردة ثم قالت بشرود حزين:
_لست أدري...لكنها بالتأكيد ليست مثلي...أليس،كذلك؟!

+


مس قلبه هذا الحزن الصادق الذي غلف كلماتها...
لكنه لم يستطع أن يمنحها أملاً كاذباً...
فأطرق برأسه صامتاً...

+


ظل الصمت يكسوهما لفترة قبل أن تهمس مارية بحزن:
_أنا أحبك يا حمزة...لن أستطيع أن أخفيها أكثر من هذا...فهل تقبل حبي هذا أم ترفضه....؟!

+


رفع رأسه إليها حائراً...
لقد كان دوماًّ يتهرب من تلميحاتها المباشرة بذكاء...
لكنها حاصرته هذه المرة...
تصريحها هذا يضعه أمام قرار لابد أن يتخذه...
وهو لا يستطيع الآن...

+


قرأت حيرته في عينيه...
وفهمت ما لم يستطع البوح به...
حمزة النجدي الذي ظنته سيرجح كفة أحد العالمين اللذين يجذبانها بشدة...
لم يزدها إلا حيرة وشتاتاً...
يبدو أنه يحسب الأمور بعقله...
ومارية آدم بالنسبة إليه نغمة شاذة علي لحنه الذي اعتاده...
هو يراها غريبة...
تماماً كما الآخرين...
يبدو أن قدرها أن تعيش دوماً غريبة بين الناس...
إلا إذا قررت أن تختار انتماءها الذي ستتبعه بكل روحها...

+


لقد تمنت أن يسير حمزة معها هذا الطريق...
أن يعينها ويثبتها علي اختيار عالمه...
لكن يبدو أنها ستضطر للاختيار وحدها...!!!!!

+


قامت من جلستها وهي تنفض كفيها وثيابها لتقول ببساطة مصطنعة:
_عفواً علي إزعاجك بكلام لا يعنيك...دعنا نعد لدكتور آدم حتي لا نتركه وحده طويلاً...

+


قالتها وهي تعدو تقريباً إلي داخل المنزل...
تاركة إياه خلفها يشعر بالضيق...
لقد جرحها وهو الذي حرص طيلة هذه الفترة ألا يفعل...
جرحها صمته بأكثر من كلماته...
مارية تظنه رفض حبها...
لكنه في الواقع رفض غربتها وشتاتها...
رفض سلبيتها واستسلامها لحياة ليست كالحياة...
هو يريدها قوية تعرف طريقها الذي اختارته وتريد المضي فيه...
وليست مجرد طفل منبهر ينتظر من يمسك يده ليدله علي الطريق...

1


لقد أشار لها نحو الطريق فحسب...
وسينتظر ليري ماذا ستفعل...
هل ستخذله مارية آدم وتعود أدراجها لحياتها السابقة بعد أن خذلها ورفض حبها...؟!!
أم أنها ستتبع بصيرتها لتدخل راضية هذا العالم الذي طالما شعرت بالخجل منه وانتقاصه؟!!!

+


تنهد في ضيق وهو يقوم من مكانه لينفض كفيه هو الآخر ويعود إلي داخل المنزل...
ارتفع حاجباه في دهشة وهو،يراها تضاحك أباها وكأن شيئاً لم يكن...
دعاه الدكتور آدم للطعام فجلس علي المائدة صامتاً يشعر بالخجل...
تجاهلته مارية تماماً ثم استأذنت بمرح مصطنع لتستريح في غرفتها...
تأمل حمزة انصرافها بشئ من الدهشة...
لم يتصور أن يكون هذا رد فعلها...

+


فيما سأله دكتور آدم بتفحص:
_لماذا تنظر لمارية هكذا؟! هل حدث شئ؟!
هز رأسه نفياً وهو،يقول بتوتر:
_لا يا دكتور...أنا فقط أشعر بالرضا لأنها سعيدة هنا....

+


تأمل دكتور آدم توتره بتفحص...
قلبه كأب يخبره أن مارية تحب حمزة وسيكون له شأن معها...
لكن عقله يوقن من صعوبة هذا الأمر...
بل وربما استحالته!!!
لكن من يدري...
ربما...

+


************

+


انتهى الفصل السابع

+



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close