رواية جارية في ثياب ملكية الفصل السادس 6 بقلم نرمين نحمد الله
********
+
الفصل السادس
+
عاد حذيفة إلي شقة راجية قرب الفجر...
كان قد أخبرها أنه سيبيت ليلته بالخارج...
لكن الفتاة التي كان سيواعدها أصيبت بتعب مفاجئ فتخلفت عن الحضور...
فتح باب الشقة ببطء كي لا يوقظ راجية التي ستكون نائمة حتماً في ذلك الوقت...
لكنه دهش عندما وجد نور غرفتها مفتوحاً...!!!!
+
تسحب ببطء وهو يسمع صوت ساري معها بالداخل...
اختبأ خلف الجدار وهو يمد عنقه ليقع بصره عليها....
اتسعت عيناه في دهشة...
وهو يراها ترتدي ثوباً منزليا وردياً قصيراً وترفع شعرها الطويل علي هيئة ذيل الحصان فيتدلي علي أحد كتفيها...
كانت تحتضن والدته في حنان وتربت علي رأسها...
في صورة نابضة بالأنوثة والرقة!!!
مط شفتيه وهو يقول في نفسه...
لا بأس بها!
يبدو أن هذه المسترجلة يمكن أن تتحول لأنثي حقيقية متي شاءت!!
+
عاد يختبئ خلف الجدار وهو يسمعها تقول لوالدته:
_حمداً لله علي سلامتك يا عمتي...لقد كدت أجن عندما طرقتِ علي الباب ثم سقطتِ أمامي....
+
عقد حاجبيه في ضيق...
اذن فقد أصيبت والدته بنوبة السكر المعتادة وهي وحدها...
واستعانت بها...
وهذا سبب وجودها هنا الآن!!
+
سمع صوت والدته تقول بضعف:
_أبقاكِ الله لي يا ساري...اعذريني لو كنت أثقلت عليكِ لكن عمار وياسين مسافران حالياً وحذيفة سيبيت ليلته بالخارج كما أخبرتك...
+
ابتسم بخبث وهو يفكر...
لهذا تنام هكذا في أريحية مع والدته دون تحفظها المعهود...
ومظهرها المسترجل الذي تحافظ عليه دوماً...
فكر بمكر لو يفاجئها الآن بوجوده ليري ردة فعلها...!!!!
لكنه تراجع...
والدته مريضة...
ولا مجال لهذا العبث!!!
+
وصله صوت راجية تقول بحنان:
_أنا أحمد الله علي أنك ستكونين زوجة لحذيفة...جوري لا تحب عمار...أنا أشعر بهذا للأسف...لكنك تحبين حذيفة...لهذا سيكون سعيداً معك...
+
لم يستطع مقاومة فضوله ليري ردة فعلها...
مد رقبته بحذر...
ليراها مطرقة برأسها طويلاً دون أن ترد...
عقد حاجبيه في ضيق...
عندما قالت راجية بقلق:
_ألا تحبين حذيفة يا بنتي؟!
تنهدت في حرارة وهي تقول:
_لا يهم إن كنت أحبه أو أكرهه...كلمة جدي لن ترد!
+
ابتسمت راجية وهي تقول في حنان:
_أنا أراكِ كثيراً تختلين بنفسك علي سطح المنزل تحتضنين دميته التي أهداها لكِ منذ كنتِ صغيرة...أنا أذكرها جيداً لأنني اشتريتها معه...أنا أعرف أنك تحبينه يابنتي...
عادت ساري تتنهد في حرارة وهي تقول بحزن واضح:
_ليتنا بقينا صغاراً...فأرضي منه بمجرد دمية!!
+
نفذت عبارتها لقلبه كسهم مسموم...!!!!!
لقد تذكر تلك الدمية التي أهداها لها في صغرهما عندما صفعها صفعة قوية فجرح شفتيها...
لازال يذكر أنها تماسكت يومها فلم ترد له ضربته ولم تشتكِ لأحد...
لكنها تحاشت الكلام معه نهائياً...
حتي ذهب مع راجية واشتري لها هذه الدمية ليصالحها بها....!!!
+
ابتسم في حنين...
وهو يذكر سعادتها بدميته...
هل من المعقول أنها تحتفظ بها حتي الآن؟!!!
وتختلي بها علي السطح أيضاً؟!!!
هل يعني هذا أنها تحبه؟!!!!
لماذا تنكر هذه الحمقاء اذن؟!!
ولماذا تجعل الأمر يبدو وكأنها مجبرة علي هذه الزيجة؟!
+
قطعت أفكاره عندما أتاه صوت راجية تقول بحزن:
_أنا أعرف أن حذيفة يبدو عابثاً لكن له قلب طيب...
+
ردت ساري بيأس:
_أعرف يا عمتي...لكن ماذا يفيد القلب الطيب طالما كان مغروساً في الوحل...
+
عقد حاجبيه في ضيق ...
وهو يسمع رأيها هذا فيه...
خاصة عندما أردفت راجية بأمل:
_يمكنك تغييره يابنتي...
عاد يمد رقبته ليري ردة فعلها عندما ابتسمت في سخرية لتقول بمرارة:
_أخشي أن يغيرني هو للأسوأ...أخشي أن أضيع معه...
+
اكتفي بهذا القدر مما سمع...
وهو يعود أدراجه إلي باب الشقة...
خرج منها بحذر كما دخلها...
وأغلق الباب خلفه في خفوت...
نزل درجات السلم شارداً...
لم يكن يتوقع هذه المفاجأة الليلة...
لقد جعلته كلمات ساري التي قالتها ببساطة ومرارة يعرف قدر نفسه جيداً...
مجرد فقاعة تماماً كما قالت...!!!!
+
لكن عناده عاد يسيطر علي أفكاره وهو يقول في نفسه...
هذا أنا ولن أتغير...
فلتحبني كما أنا...
أو لتضرب رأسها في الحائط...!!!
لن أتغير...!!
لن أتغير...!!
================================
+
كيف حالك يا عزيزتي؟!
هتف بها حمزة في حنان وهو يلمحها مقبلة عليه في مكتبه في المشفي....
فاندفعت نحوه تقول بلهفة طاغية:
_حمزة أين كنت؟
+
تنهد قائلاً:
_كنت أحتاج لإجازة طويلة...أعصابي كانت مرهقة....
نظرت إليه بحنان وهي تقول:
_أتمني لو تعتبرني صديقتك...لو تصارحني بما يضايقك...
تجاهل عبارتها مرغماً....
ثم سألها بمرح:
_هل كنتِ تذاكرين دروسكِ في غيابي؟!
أدركت أنه يتهرب من عبارتها فأطرقت برأسها وهي تهمس في حزن:
_لم أتمكن من فعل أي شئ في غيابك يا حمزة...لقد اعتدت وجودك وعندما غبت فجأة هكذا شعرت بفراغ كبير...
+
تأملها للحظات وهو يزن كلماتها التي أحس صدقها...
ما الذي تعنيه مارية بكلماتها هذه؟!
هل تعتبره مجرد صديق؟!
أم أن الأمور لديها تطورت لأكثر من هذا؟!!!
بقدر ما يشتاق لمعرفة مكانه الحقيقي في قلبها...
بقدر ما يخشي عواقب هذا!!!
+
رغم أنه يشعر بميل قلبه نحوها...
لكن مارية بوضعها الحالي لا تناسب مقاييس الزوجة التي طالما حلم بها!!!
تنهد في حرارة وهو يقول بلهجة محايدة:
_يمكننا اذن العودة للدروس من اليوم...حتي تدركي ما فاتكِ...
+
نظرت إليه نظرة طويلة...
حملت له كل مشاعرها نحوه...
مشاعرها البكر النقية التي لم تحملها يوماً لرجل غيره...
وتتمني لو يبادلها مثلها وأكثر!!!
+
دخل الدكتور آدم في هذه اللحظة ليراقب النظرات المتبادلة بينهما...
ترقبهما لحظة بحذر ثم همس بخفوت:
_مارية ...ماذا تفعلين هنا؟!
انتفضت مارية من شرود أفكارها وتعلق نظراتها به لتلتفت نحو والدها هاتفة في ارتباك:
_كنت أسأل حمزة عن شئ...
هز والدها رأسه ثم قال بحزم:
_يريدونك في قسم الأطفال...حالة طارئة!
+
غادرت الغرفة بسرعة وهي تشعر بالارتباك من نظرات والدها المتفحصة...
فيما جلس الدكتور آدم قبالة حمزة علي مكتبه وهو يسأله مباشرة:
_ما هي حدود علاقتك بمارية يا حمزة؟!
ابتسم حمزة وهو يقول بمواربة:
_مارية تعتبرني صديقاً لها...وأنا أعطيها دروساً في اللغة العربية والقرآن...
+
هز دكتور آدم رأسه ثم قال بلهجة ذات مغزي:
_هي تعتبرك صديقها...وأنت ماذا تعتبرها؟!
أطرق حمزة برأسه للحظات ثم رفعه ليقول بهدوء:
_مارية عزيزة جداً لدي...لكنني لا أجد لشعوري بها مسمي...
ابتسم دكتور آدم في إعجاب وهو يقول بارتياح:
_لو قلت غير ذلك...لما صدقتك...لكن قولك هذا جعلني أثق بك أكثر...
+
رمقه حمزة بنظرة متسائلة ...
فأردف في شرود:
_لا تنس أن وضعك الآن يشبه وضعي كثيراً عندما جئت إلي هنا لأول مرة...لهذا أفهمك جيداً...تماماً كما أفهم ابنتي...مارية مبهورة بعالمك الجديد الذي يختلف عن عالمها والذي عجزت أنا للأسف عن إشعارها بالانتماء إليه بسبب انشغالي...
طرق علي المكتب بأصابعه وهو يكمل:
_مارية حرمت حنان والدتها التي توفيت وهي صغيرة...لتجد نفسها نصف عربية ...نصف انجليزية...أنا أحرص علي الذهاب بها لأعمامها في مصر كي تختلط بهم ولا تنسي هويتها...لكن رحلاتنا هناك تزيد شتاتها...هي مرتبطة بأصدقائها هنا بطبيعة الحال وقد كان هذا يمنحني تصوراً عن اختيارها للعالم الذي تريد الانتماء إليه حقا...لكن ظهورك في حياتها الآن يغير كل هذا...لا أدري حقاً إن كانت مارية ستختار أن تكون عربية أم تكمل طريقها الذي بدأته هنا...
عقد حمزة حاجبيه وهو يقول بضيق:
_لا أظنني بهذا التأثير القوي عليها...
ابتسم دكتور آدم وهو،يقول بحنان:
_بل أنت كذلك...مارية ابتعدت كثيراً عن أصدقائها هنا منذ ظهرت أنت...وأنا ألاحظ اهتمامها الشديد بك...لكنك أنت الذي لا تريد هذه العلاقة ...أليس كذلك؟!
أطرق حمزة في حرج فأردف دكتور آدم في حكمة:
_أنا أعرف عن أصولك الصعيدية يا حمزة...أعرف أن مارية ليست الصورة التي يمكنك الارتباط بها...لهذا احترمت صدقك معي عندما قلت أن مشاعرك نحوها بلا مسمي...
+
نظر إليه حمزة بحيرة وهو لا يعرف مغزي هذا الحوار....
ما الذي يريده دكتور آدم منه بالضبط...
+
قام دكتور آدم من مكانه وهو يقول بحزم:
_كل ما أرجوه منك ألا تؤذها يا حمزة...أنا أثق بك وأعرف أنك تستحق ثقتي هذه...
قام حمزة بدوره وهو يقول بصدق:
_اطمئن يا دكتور آدم...
+
نظر إليه دكتور آدم نظرة طويلة...
يود لو يطلب منه بنفسه أن يتزوج ابنته...
حمزة هو الرجل الوحيد الذي يراه لائقاً بها...
هو الوحيد القادر علي لمّ شتات روحها المبعثرة بين عالمين متناقضين...
لكن المشكلة في مارية نفسها...
يجب أن تأخذ هي هذا القرار وحدها دون أي تدخل...
وهو يشعر أنها في طريقها لهذا...
ابتسم في أبوة خالصة وهو يصافح حمزة هاتفاً في حميمية:
_أنا أثق بك!
================================
+
جلس بدر علي كرسيه في المزرعة يراقب غروب الشمس...
لقد كان هذا اليوم حافلاً...
عالمه الصغير الذي اختلي فيه بمحبوبته بعيداً عن الناس يوشك علي الانهيار...
سمية الحبيبة قد يختطفها الموت في أي لحظة...
وهاتان الغريبتان اللتان دخلا بينهما فجأة...
خاصة آسيا هذه...!!!!
+
زفر في ضيق وهو يتذكر إصرار سمية علي بقائها معهم...
بل إنها عرضت عليها أن تعمل هنا كمعلمة للصغير ...
هذا طبعاً بعدما اطمأنت لاعتنائها بها في مرضها...!!
هي تدعي أنها مجرد ممرضة...!
+
لكنه يعلم أنها تكذب...
هيئتها وثيابها توحي بثراء كبير...
بل إن ساعة يدها وحدها تساوي ثروة...
هو يعرف ذلك جيداً لأنه أهدي سمية واحدة مثلها العام الماضي...
فما سرها هذه الفتاة الغريبة؟!!
وهل ستوافق علي العمل معهم؟!
+
_سيد بدر!
+
التفت ليجدها خلفه مباشرة...
أشار لها بالجلوس جواره هاتفاً في تهذيب:
_تفضلي يا آنستي.
جلست آسيا جواره وهي تقول في تردد:
_السيدة سمية عرضت علي العمل هنا...
نظر إليها بتفحص وهو يقول بحذر:
_وما رأيك؟!
أطرقت برأسها وهي تقول في خجل:
_أنت ما رأيك؟!
+
أشاح بوجهه عنها وهو،يتنهد في حرارة...
فأردفت قائلة بتوتر لم يخف علي عينيه الخبيرتين:
_أنت لا ترحب بوجودي هنا...لهذا جئت أخبرك أني سأرحل...
صمت لحظات قبل أن يقول بحذر:
_هل عدم ترحيبي،بوجودك هو فقط ما يدفعك للرحيل؟!
تلفتت حولها في ارتباك وهي تقول بحيرة حقيقية:
_لا أعرف...أنا حقيقة لا أعرف!!
+
هز رأسه بلا معني....
هذه الفتاة ضائعة ...
خجلها وتوترها وحيرتها ....
كل هذا يوحي له بأنها فتاة من أصل طيب لكنها في ورطة...
+
ابتسم في هدوء ثم قال برفق:
_صدقيني أنا أريد مساعدتك...ولا أظن بكِ سوءاً...لكنني لا أحب المفاجآت خاصة مع مرض سمية الذي يستنزف مشاعري كلها...
أومأت برأسها في تفهم وهي تقول بصدق:
_سأخبرك بحقيقة وضعي يا سيد بدر...لكن أرجوك أن تحافظ علي سري...لا أريد أن يعرف عنه أحد سواك.
+
هز رأسه في موافقة ...
فأردفت بشرود:
_أنا حديثة التخرج في كلية الطب أعيش في مدينة(.......)....عائلتي شديدة الثراء والشهرة في مدينتنا...لكن جدي أصر علي تزويجي بابن عمي قسراً فهربت ...هذا تقريباً ملخص قصتي...
+
أطرق بدر برأسه وهو يفكر...
لم تخطئ سمية حين أدركت بحدسها أن قصة آسيا تشبه قصتها...
لكن سمية هربت معه إلي هنا...
هو كان سندها وأمانها...
فمن لآسيا هذه؟!!!
من سيحافظ علي فتاة مثلها وسط هذا العالم القاسي؟!!
+
لقد اختارت لها الأقدار هذه الحصن الذي بناه له ولحبيبته بعيداً...
وكأنها تقصد حمايتها هي بالذات...!!!
وهو من هذه اللحظة لن يتخلي عنها...
إنه يري فيها صورة سمية منذ سنوات طويلة...
حين وقفت في وجه الجميع لتعلن اختيارها له وحده...
صحيح أنها دفعت ثمن ذلك غالياً...
لكن يشهد الله أنه حاول تعويضها بكل ما يستطيع طيلة هذه السنوات...
ولو استطاع أن يمنحها عمره كله لما تردد...!!!!
+
طال صمته فأساءت آسيا فهمه لتقف قائلة:
_يبدو أن حديثي ضايقك!
رفع رأسه إليها وهو يقول بابتسامة حنون:
_اعتبريني شقيقك الأكبر منذ هذه اللحظة يا آسيا...لن يصيبك أذي مادمت بيننا...ولن ترحلي إلا إذا رغبتِ أنتِ في ذلك...
ابتسمت في ارتياح وهي تقول بامتنان:
_أشكرك يا سيد بدر...
+
قالتها وهي تشعر أخيراً بالطمأنينة...
هذا المكان مثالي للاختباء بعيداً عن قاسم النجدي وعيونه...
ستبقي هنا لبعض الوقت حتي تهدأ الأمور...
وبعدها يمكنها الرحيل لتبدأ حياتها من جديد في أي مكان تختاره....
+
ابتسم بدر بدوره وهو يري ابتسامتها وارتياح ملامحها...
غافلاً عن هاتين العينين اللتين كانتا تراقبانهما من خلف النافذة...
لقد كانت نغم!!
نغم التي ظنت سوءاً عندما رأت اختلاءهما ببعضهما هذا ...
والابتسامة التي ارتسمت بوضوح علي وجهيهما...
لتشعر بغضب شديد يتملكها...
هذه الغريبة قد تسرق بدر من سمية...
هذه الغريبة ستحطم تمثال الحب الذي ظل أمام ناظريها طوال هذه السنوات...
لكنها لن تسمح لها بذلك...
ستحرص علي أن تحبط مخططها...
سمية الحبيبة لا ينقصها جرح جديد...
كفاها ألم المرض الذي هدها هداً...
+
ستبقي معهم هنا حتي لا تسمح لتلك الغريبة بالتمادي...
هذا ما استقرت عليه وهي تغلق النافذة بسرعة...
لتتجه نحو غرفة سمية!!
=========================================================================
دخلت رقية بتردد إلي الشاليه الذي سيقضيان فيه إجازتهما هي وياسين...
لقد كان موقعه خرافياً...
يطل مباشرة علي الساحل لكنه منعزل عما حوله...
ابتسمت في سخرية مريرة وهي تفكر...
كم يبدو مثالياً لزوجين في (شهر العسل) ...
لكن...
ليس لهما بالتأكيد!!!
+
أمسك ياسين كفها ببساطة وهو يريها المكان كاملاً...
حتي وصل بها إلي غرفة النوم ليضع الحقائب هناك...
تلفتت حولها في ارتباك ثم قالت بهدوء مصطنع:
_هذه الغرفة لا تحوي سوي سرير واحد ....أين سأنام أنا؟!
تنحنح في حرج وهو يقول :
_للأسف هذا صحيح...
رفعت رأسها في كبرياء وهي تقول:
_حسناً...سأنام علي الأريكة بالخارج.
تقدم منها بضع خطوات ليقول بحزم:
_لا!
عقدت حاجبيها بشدة فتنهد قائلاً:
_لا تكوني عنيدة يا رقية...الجو بارد هذه الأيام...لن ينام أحدنا علي الأريكة ...
فتحت فمها لتعترض لكنه أردف بحزم أخرسها:
_لن أمسّكِ يا رقية دون رضاكِ...لقد أعطيتك كلمتي في هذا الشأن...لكن دعينا نعيش حياتنا بصورة شبه طبيعية...بدلاً من تشددك هذا...
أطرقت برأسها فسألها بحدة :
_ألا تثقين بي يا رقية بعد كل هذا؟!
همست في تردد يمتزج بخجل:
_الأمر لا علاقة له بالثقة...أنا فقط...
+
قطعت عبارتها التي لم تستطع إكمالها...
فساد الصمت بينهما لحظات....
قبل أن يبتسم بحنان وهو يقول برفق:
_أكثر ما يعجبني فيكِ أنكِ تفهمينني جيداً...
رمقته بنظرة متسائلة فأردف في إعجاب واضح:
_لا تسيئين استغلال حناني معك...تتوقفين عند الحدود التي أضعها...كثيرات من النساء يخطئن تأويل حِلم الرجل...يعتبرونه ضعفاً...لكنكِ لستِ كذلك...
+
ابتسمت في رقة وهي تقول بشرود:
_لأن أبي مثلك...شديد الحنان معنا لكن كلمته كالسيف لا ترد...طالما تمنيت أن أتزوج رجلاً مثله...
+
ضحك ضحكة قصيرة وهو يقول في حنان:
_ليتكِ تكونين محظوظة بي كما أنا محظوظ بكِ!!
+
أشاحت بوجهها في خجل...
ثم ابتعدت عنه بضع خطوات وهي تفتح الحقائب لترتب الملابس في الخزانة...
اتجه نحوها يساعدها ببساطة
وهما يتبادلان التعليقات المرحة...
حتي انتهيا....
تمدد ياسين علي السرير في إرهاق...
وهو يقول في تعب:
_لقد أرهقني السفر جداً...
+
ثم التفت إليها هامساً بحنانه المعهود:
_لا ريب أنكِ أيضاً متعبة...
هزت رأسها نفياً وهي تهمس في اعتراض خفيض:
_لا...أنا بخير.
اتسعت ابتسامته الحنون وهو يمد لها كفه هامساً:
_تعالي يا رقية...
جلست جواره علي طرف السرير مطرقة برأسها فهمس بصدق :
_لقد وعدتكِ ألا أفعل إلا ما يرضيكِ...فلا تخافي...
+
أومأت برأسها إيجاباً وهي تبتسم ...
فابتسم بدوره وهو يشعر نحوها بمزيج من مشاعر مختلفة...
هو شديد الإعجاب بها حقاً...
روحها الفريدة ترفعها لمصافّ الملكات....
تعرف جيداً كيف تمزج قوتها بخضوعها في مزيج متجانس...
لتمنحه سعادة حقيقية بقربها....
سعادة لا يعرف لها سبباً...
لكنه أدمنها...
تماماً كما أدمن وجودها حوله كالهواء!!!
+
وجواره كانت رقية تكاد تذوب خجلاً...
رغم ما تدعيه أمامه من صلابة...
لكن كل يوم يمر لها معه...
تشعر أنها لم تخطئ عندما اختارته هو من بين كل من تقدموا إليها....
ياسين النجدي رجل رائع...
لم يكن ذنبه كما لم يكن ذنبها أنها التقته في الوقت الخطأ...
لكن من يدري...
ربما يجئ اليوم الذي يحبها فيه كما تحبه...
بل أكثر!!!
+
رقية الهاشمي لن تقبل بأقل من عشق مجنون...
وغرام يحملها فوق غمام السماء...
لهذا ستصبر عليه مهما طال الوقت...
فقلبها يخبرها أن صبرها ستجني ثماره بأروع مما تتمني...
وليت قلبها يصدق هذه المرة!!!
==========================================================================
ظلت تترقب باب المكتبة في قلق يمتزج باللهفة...
زياد لم يتوقف عن زيارتها في المكتبة منذ ذلك اليوم الذي منحته فيه الكتاب...
يأتيها كل يوم في نفس الموعد تقريباً ليقضي معها بضع دقائق...
لكنها تساوي يومها كله...
يناقشها في أمور عديدة...
فيشعرها بقيمة عقلها واحترامه لها....
لم تكن تصدق أن هناك رجلاً يجمع كل ما حلمت به مثله...
حنانه...
رقته...
تفهمه...
عقله...
وأخيراً....وسامته!!!
+
تنهدت في حرارة وهي تفكر....
ماذا لو كان من حقها أن تختار شريكها بنفسها....
ساعتها كانت ستختاره هو دون تردد!!!
لا تدري كيف تعلقت به بسرعة هكذا...
ليصير فجأة وكأنه الرجل الذي كانت تحلم به عمرها كله!!!!
+
زفرت في ضيق وهي تتذكر أن عمار سيعود اليوم من سفره...!!!
لقد كانت سعيدة جداً في غيابه طيلة الأيام السابقة...
كيف لا؟!!!
ووجوده حولها كالحجر الثقيل علي صدرها...!!!!
+
نفضت رأسها بقوة وكأنها تطرده من أفكارها عندما فتح باب المكتبة...
ليدخل زياد بوجهه الوسيم الباسم في حنان...
ابتسمت في سعادة حقيقية وقلبها يخفق في جنون...
تقدم نحوها ليقول بود ظاهر:
_كيف حالك اليوم يا جويرية؟!
همست بخجل:
_بخير حال...كيف حالك أنت؟!
صمت لحظات قبل أن يقول مباشرة دون مقدمات:
_أنا أريد مقابلة جدك يا جويرية...
اتسعت عيناها في ارتياع وهي تقول في خوف:
_جدي؟! لماذا؟!
نظر لعينيها لحظات ثم همس بصوته الرخيم:
_ألا تعلمين لماذا؟!
شلتها الصدمة للحظات...
قبل أن يقول بحب لم يستطع إخفاءه:
_أريد التقدم لخطبتك...
+
انهارت جالسة علي كرسيها وهي تبكي في عنف...
لقد انهار حلمها سريعاً...
بأسرع مما توقعت...
لماذا تقدم بطلبه هذا الآن؟!!!
لماذا لم يتركها غارقة في خيالها ...
في عالمها الوردي ...؟!!!
حيث لا أحد سواهما معاً؟!!!
لماذا أيقظها علي صدمة الحقيقة التي تحاول تناسيها؟!!!
لماذا؟!!!
+
عقد حاجبيه بشدة وهو يري انهيارها هذا أمامه فهتف بجزع:
_ماذا بك يا جويرية؟! هل أزعجكِ طلبي إلي هذه الدرجة؟!!!
+
رفعت عينيها إليه تحدثه دون كلام...
أزعجني؟!!!
لا...
لقد هدم قصر أحلامي علي رأسي...!!!!
+
عجّل بالنهاية التي تمنيت لو لم تأتِ أبداً...!!!!
+
سحب كرسياً ليجلس جوارها هامساً في قلق:
_ما الأمر يا جويرية...أخبريني أرجوكِ.
همست في انهيار وسط انتفاضة جسدها المرتعش:
_أنا...أنا شبه مخطوبة لابن عمي؟!
+
اتسعت عيناه في صدمة...
وهو يتذكر ذاك الرجل الغليظ الذي كان ضائقاً بوجوده يوم ذهب إليها في منزلها...
عمار...
نعم...إنه يذكر اسمه جيداً....
سألها وهو يكز علي أسنانه :
_هل هو عمار؟!!!
أومأت برأسها إيجاباً ....
فهتف في استنكار:
_ولماذا لم تخبريني من البداية أنكِ مخطوبة؟!!! أنتِ حتي لا ترتدين خاتم الخطبة كما اتفق!!!!
+
ازداد نحيبها فشعر أن في الأمر شيئاً ما مريباً...
تنهد في حيرة وهو يهتف في حنان:
_اهدئي يا جويرية....قد يدخل أحد الزبائن المحل ويراكِ هكذا...
+
مسحت دموعها بسرعة...
وهي تنتبه لموقفهما...
ثم همست في أسف بصوت متقطع:
_أنا آسفة يا دكتور زياد...
تفحص ملامحها بأسف واضح...
ثم قال في إصرار:
_أخبريني عن حقيقة الوضع ...أنتِ لا تبدين راضية عن هذه الزيجة...
همست في سخرية مريرة:
_ومن يهمه رضايَ؟! جدي قال كلمته وانتهي الأمر...
+
ارتفع حاجباه في إدراك وهو يستوعب الحقيقة...
هكذا الأمر اذن...
القصة التقليدية...
أن تتزوج الفتاة من ابن عمها حتي دون رضاها ...
لكن ...
ألا زال أحد يفكر بهذه الطريقة في هذا العصر؟!
ألا زال أحد يتجاهل رأي المرأة في زوجها...؟!
+
قام واقفاً وهو يقول في حزم:
_لن أسكت علي هذا الأمر....سألتقي بجدك وأطلبك منه رسمياً....
هتفت في جزع:
_لا...إياك أن تفعلها...أنت لا تعرف جدي ...وعمار قد يقتلك ويقتلني معك...
عقد حاجبيه هاتفاً:
_أين نعيش هنا؟!!!
+
هزت رأسها في يأس وهي تقول:
_انس الأمر يا زياد...ليس بيدنا شئ...
سألها مباشرة دون مواربة:
_هل ترينني زوجاً مناسباً لكِ؟!
أطرقت برأسها دون أن تجيب...
فهمس في استجداء:
_أجيبيني يا جويرية أرجوكِ!
أومأت برأسها إيجاباً ثم همست في حزم غريب علي ضعفها الذي تشعر به:
_لا تعد هنا أرجوك يا زياد...أنا أجبتك عن سؤالك بصدق...لكن هذا لا يعني شيئاً...لستُ لك..ولن أكون...
+
رمقها بنظرة عاتبة....
ثم أعطاها ظهره...
ليغادر المكان بخطوات سريعة...
+
لقد رحل زياد...!!!
الحلم القصير الذي لم تستمتع به سوي بضعة أيام...
رحل وتركها لمصيرها مع عمار البغيض...
لكن...
بقيت لها فرصة أخيرة...
ستفعل الشئ الذي طالما جبنت عن فعله...
لكنها ستتحلي بالشجاعة هذه المرة...
مالذي يمكن أن يحدث لها أسوأ من الزواج بعمار هذا!!!!
ستنفذ ما عزمت عليه...
هذه الليلة!!!!
==========================================================================
+
توجهت نغم نحو غرفة سمية...
فتحت الباب برفق...
لتجد سمية جالسة علي الأرض تقرأ القرآن في مصحفها...
تأملتها بحنان...
ثم جلست جوارها تقول بعاطفة:
_تقبل الله!
ابتسمت سمية بسكينتها المعهودة وهي تقول:
_منا ومنكم يا حبيبتي...
تنحنحت نغم في حرج وهي تقول في ارتباك:
_تلك الفتاة آسيا...لقد علمت أنكِ تريدين منها العمل هنا كمعلمة لياسين....لا تثقي بها كثيراً....
عقدت سمية حاجبيها وهي تقول بقلق:
_لماذا ؟! هل رأيتِ منها شيئاً؟!
هتفت نغم باندفاع:
_نعم...رأيتها تختلي ببدر في المزرعة وكانا يتضاحكان...
+
اتسعت عينا سمية في ارتياع...
بدر وآسيا....
لا...
ولماذا لا؟!!!
آسيا تبدو فتاة طيبة ومنذ جاءت هنا وهي تهتم بياسين اهتماماً غير عادي...
ربما تكون نغم هي الأفضل لخطتها...
لكن يبدو أن بدر قد اختار...
+
بدر اختار؟!!!!!
دمعت عيناها بقوة وهذه الفكرة المسمومة تملأ رأسها...
فهتفت نغم في أسف:
_سامحيني يا سمية...لم أشأ أن أضايقكِ...لكنني لم أرتح لوجودهما سوياً....
+
تمالكت نفسها وهي تربت علي كف نغم هامسة:
_لا عليكِ يا حبيبتي...فقط دعيني وحدي الآن....
+
رمقتها نغم بنظرة مشفقة...
وهي تندم ألف مرة علي مصارحتها لها بما حدث...
لم تحسب حساباً لغيرتها وحزنها...
كل ما جال بخاطرها وقتها أن تحافظ علي زوجها من تلك الدخيلة....
قامت نغم ببطء...
لتغادر الغرفة بخطوات متثاقلة....
+
قامت سمية هي الأخري...
لتفتح النافذة وتأخذ نفساً عميقاً...
هل أتي هذا اليوم الذي تغار فيه علي بدر من أي امرأة...
وهو الذي كان ملكية خاصة لها طيلة هذه السنوات....
استغفرت الله سراً وهي تفكر...
ربما كان هذا من رحمة الله به...
أن يعوضه علي صبره عليها وعلي مرضها خيراً...
ربما كانت نغم هي البديل الذي اختارته هي....
لكن يبدو أن القدر قد يختار آسيا هذه....!!!!
دخل بدر الغرفة...
ليتجه نحوها في سرعة...
أدار كتفيها إليه وهو يهمس في اشتياق:
_افتقدتك يا حبيبتي....لم أركِ طوال النهار...
+
ابتسمت له ابتسامة شاحبة...
وهي تدفن وجهها في صدره فضمها إليه بقوة وهو يقول بصدق:
_لو تعلمين كم يساوي حضنك هذا؟! الدنيا كلها....
رفعت إليه وجهها وهي تسأله مباشرة:
_هل رأيت آسيا اليوم؟!
أومأ برأسه إيجاباً وهو يقول بهدوء:
_لقد جاءتني تسألني عن رأيي في عملها هنا....
سألته بترقب:
_وما رأيك؟!
تنهد قائلاً:
_لم يعد لدي مانع في بقائها...فلتبقَ معنا...
+
رغم بساطة عبارته التي قالها ولم يلقِ لها بالاً لكن سمية شعرت بها تحرقها حرقاً...
نعم...
هي التي تتمني له السعادة من كل قلبها...
هي التي تود الاطمئنان عليه قبل رحيلها...
هي التي سعت خلف مجئ نغم إلي هنا لتزداد منه قرباً...
لكن...
+
ما حيلتها في هذه الغيرة التي تنهش قلبها بمخالب قاسية؟!!!
+
أخذت نفساً عميقاً وهي تغتصب ابتسامة باردة لتقول بخفوت:
_أنا سعيدة لقرارك هذا...
قالتها وهي تتجه لفراشهما...
لتتظاهر بالنوم...
فيما بقي هو شارداً يتأمل منظر السماء الصافية من النافذة...
ويدعو الله بصدق...
أن يطيل عمر سمية الحبيبة...
وأن يخفف عنها آلامها التي اشتدت مؤخراً...
+
فيما راقبت سمية شروده بحزن...
أتراه منشغل الآن بالفاتنة التي دخلت حياته فجأة...؟!!!
أتراه شارداً فيها...؟!!!
فيمَ كانا يتضاحكان معاً...؟!!!
وما الذي جعله يغير رأيه في بقائها معهم؟!!!
هل تعلق بها بهذه السرعة؟!!!!!!!
+
وهكذا كانت تساؤلاتها تجوب رأسها في حيرة بائسة...
فيما كان بدر لازال معلقاً بصره بالسماء يدعو لها بخشوع!!!!!
==========================================================================
_سأصوم رمضان هذا العام ...لم يتبق عليه سوي شهور قليلة...
هتفت بها مارية لحمزة بعدما أنهي معها درس اللغة العربية والذي يعطيه لها في حديقة منزله....
فابتسم قائلاً:
_أنا فخور بكِ ...
ابتسمت في سعادة وهي تصفق بكفيها كالأطفال هاتفة:
_كم أتشوق للاحتفال بالعيد معك هذا العام...
+
اتسعت ابتسامته وهو يقول بصدق:
_وأنا أكثر يا مارية...
سألته في تردد:
_لماذا لم تتزوج حتي الآن يا حمزة؟!
+
تهرب من الإجابة وهو يسألها بخبث:
_ولماذا لم تفعلي أنتِ؟!
تنهدت قائلة:
_لم أتلقَ عرضاً جاداً سوي من آندي...
عقد حاجبيه هاتفاً:
_آندي يريد الزواج منكِ؟! وهل تقبلين أنتِ؟!!
هتفت بسرعة:
_لا لم أقبل بالطبع...أنا لا أفكر في الزواج من انجليزي...رغم أن القانون يمنحني هذا الحق...لكنني لا أستسيغ هذه الفكرة...
ظل الغضب مرتسماً علي وجهه وهو يقول بضيق:
_هل يعلم دكتور آدم بهذا؟!
هزت رأسها نفياً وهي تقول ببراءة:
_لو علم أبي فلن يسمح لي بالخروج معه...وأنا أريد الاحتفاظ به كصديق...
+
خبط حمزة بقبضته علي المنضدة ...
وهو يقول بحنق:
_أي صداقة هذه وهو يريد الزواج منكِ....لا أصدق أنكِ بهذه الحماقة!!!
+
اتسعت عيناها بارتياع لإهانته...
ثم هبت من مقعدها وهي تكاد تعدو نحو حديقة منزلها...
جري خلفها حتي وقف قبالتها يقول بأسف:
_اعذريني يا مارية...أنا أعتذر منكِ...
أشاحت بوجهها عنه ...
فقال بضيق:
_لأول مرة أفقد السيطرة علي كلماتي...سامحيني...
+
نظرت إليه وهي تهتف في انفعال:
_أنا لست حمقاء يا حمزة...أنت لا تفهم عنائي هنا...انا غريبة هنا وغريبة في بلدي...لا أكاد أعرف فاصلاً بين الصواب والخطأ وأنا لا أعرف لأي فريق أنتمي....
+
هز،حمزة رأسه وهو يقول مهدئاً:
_حسناً يا عزيزتي...أنا أعتذر منك مرة أخري...أرجوكِ اهدئي...
أطرقت برأسها فهمس يسترضيها:
_ما رأيك لو قبلت دعوة دكتور آدم لقضاء الغد معكم في منزلكم الريفي؟!
هتفت بلهفة:
_حقاً؟!
أومأ برأسه إيجاباً وهو يلمح لهفتها الطفولية فهمس بحنان:
_كنت سأعتذر عن دعوته آسفاً فلدي الكثير من العمل هنا...لكنني سآتي معكما حتي لا يفوتك درس الغد...
ابتسمت في سعادة وقد نسيت غضبها في لحظة لتقول بمرح:
_ستسعد جداً معنا...الريف رائع...وأنت ستجعله أروع...!!
+
قالت عبارتها الأخيرة بصدق مس قلبه...
هذه مارية الطفولية التي تغضب في لحظة وترضي في لحظة...!!
التي لا تعرف خبثاً ولا لؤماً...
ولم تسمع يوماً عن تدلل النساء!!!!
هكذا فكر وهو يرقبها بابتسامته الحانية...
وهو يشعر أنه يسقط دون وعي في بئر من عاطفته نحوها.....
==========================================================================
فتحت ساري باب الشقة لتتجه للخروج ...
لتصادف وقوف حذيفة أمام باب شقته هو الآخر يهم بالدخول....
أغلقت الباب خلفها في هدوء وتجاهلته تماماً وهي تمر جواره لتهبط الدرج...
+
عندما أمسك ذراعها فجأة ليقول بحزم:
_انتظري...
+
نزعت ذراعها منه وهي تقول في برود:
_ماذا تريد؟!
نظر لساعته هاتفاً:
_إلي أين تذهبين الآن...هل هناك محاضرات في هذه الساعة؟!
قالت بهدوء:
_ليست محاضرة...لكننا سنجتمع في الجامعة ثم ننطلق لوجهتنا...
عقد حاجبيه متسائلاً:
_وما هي وجهتكم بالضبط؟!
زفرت في ضجر وهي تقول:
_سنشتري بعض الأجهزة الكهربائية لعروس فقيرة ثم نذهب لنعطيها لها...
+
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يسألها ببطء:
_هل سيكون بلال الهاشمي معكم؟!
هتفت بضيق حقيقي:
_هل هو تحقيق رسمي؟!!!
نظر إليها طويلاً نظرات لم تفهمها....
ثم قال بلهجة غريبة:
_تعالي معي إلي السطح!
نظرت إليه نظرتها لمعتوه وهي تكرر كلمته باستنكار:
_السطح؟!
اقترب منها خطوة وهو يقول بلهجة أكثر ليناً يعرف تأثيرها علي الفتيات اللاتي اعتاد مرافقتهن:
_أريد أن أتحدث معكِ وحدنا...أنا وأنتِ فقط...
+
رغم خفقات قلبها الهادرة في هذه اللحظة...
ورغم توسل جوارحها كلها بأن تستمع إليه...
ورغم الضعف الشديد الذي شعرت به تجاهه...
+
إلا أنها رفعت رأسها لتقول بكبرياء:
_لا يحق لك الحديث معي وحدنا !!
رفع حاجبيه في دهشة ثم ابتسم في سخرية هاتفاً بغرور:
_أنتِ ترفضين الحديث معي أنا علي انفراد؟!
ابتلعت إهانته المستترة لتقول ببرود يخفي جرحها كعادتها:
_معك أو مع غيرك...ساري النجدي تعرف حدودها جيداً!
+
قالتها وهي تزيحه من طريقها برفق...
لتهبط درجات السلم بسرعة ....
فيما كان يراقبها بغضب هادر...
لكن ..يخالطه شئ من الإعجاب....!!!
+
وجد نفسه بعدها يتتبعها خفية بسيارته خلف سيارتها الصغيرة...
حتي وصلت إلي الكلية...
ترجل من سيارته ليراقبها من خلف جدار قريب...
وهناك كان بلال الهاشمي ينتظرها مع مجموعة من الفتيان والفتيات...
لاحظ بشئ من الضيق تعلق نظرات بلال بها في إعجاب لم يعرف سببه...
ما الذي يجذب شاباً كبلال الهاشمي في فتاة عادية كساري...؟!!!
ظل يراقب حديثها معهم بدقة لكنه لم يلحظ اهتمامها ببلال...
كانت تتحدث معهم بمنتهي الجدية والعملية وكأنها قائدة هذه المجموعة....!!!
+
هموا بالانصراف لبغيتهم فعاد يختبئ خلف الجدار...
ليراها تستقل سيارتها مع الفتيات...
فيما استقل بلال سيارته مع الفتيان...
لتنطلق السيارتان بعيداً بعد فترة...
+
غادر مكانه وهو يعود لسيارته...
لا يعرف ما الذي دفعه لتتبعها إلي هنا؟!
+
ربما كان يريد تصيد أي خطأ لها حتي يكسر أنفها المرتفع دوماً في شموخ....!!
أو ربما كان يريد معرفة مدي علاقتها ببلال الهاشمي بالضبط...!!
وربما...
كان يريد التقرب أكثر من عالم هذه الفتاة الغريبة التي يفترض أنها ابنة عمه التي تربت معه وتسكن في الشقة المقابلة له بل ستكون بعد قليل زوجته....
لكنه مع كل هذا اكتشف أنه لا يعرف عنها أي شئ!!!
+
عاد بسيارته نحو منزله...
ليصعد الدرج نحو شقتهم...
ويلتفت بابتسامة خفيفة لشقتها المقابلة...
هل يشعر أنه افتقدها...
أم هو واهم؟!!!
==========================================================================
جلسا متجاورين علي كرسيي الشاطئ...
يراقبان مظهر الغروب الساحر في هذه البقعة المنعزلة من الساحل...
لتهمس رقية في افتتان:
_أنا أعشق هذا المنظر...
ابتسم ياسين في حنان دون أن يلتفت إليها هامساً:
_ومن لا يعشقه؟! للغروب سحر غريب...يداعب كل شجون النفس وآلامها....
+
أحست أنه الآن يذكر حبيبته الراحلة...
آسيا غريمتها التي لا تحمل لها الآن سوي شعور جارف بالشفقة...
والذنب...
ربما لو لم تدخل هذه العائلة...
لكانت آسيا الآن تتنعم بالسعادة مع ياسين...
ياسين الذي قتله فراقها حياً!!!!
+
أحست بجرحه فسألته بحذر:
_لماذا تقدمت لخطبتي مادمت كنت تحبها؟!
تنهد قائلاً في شرود:
_قاسم النجدي قضي بآسيا لحمزة ابن عمي منذ زمن بعيد...ولما كان راغباً في مصاهرتكم كنت أنا الوحيد المناسب وسط أخويّ....
+
سألته بدهشة:
_وأين حمزة هذا؟! أنا لم أره أبداً....
ابتسم قائلاً:
_حمزة درس الطب بلندن ويقيم هناك منذ سنوات طويلة هرباً من ثأر قديم...
+
اتسعت عيناها في ارتياع وهي تهتف:
_ثأر؟!
أومأ برأسه إيجاباً وهو يقول بشرود:
_ثأر قديم...حصد ثماره القاسية أبي وعمي والد آسيا...ولما كان حمزة هو الحفيد الأكبر فقد كان الدور قادماً حتماً إليه لهذا أبعده جدي عن هنا...ولكن من الغريب أن الرجل الذي من المفترض أن يسعي خلفه اختفي تماماً ولا نعرف عنه أي شئ...لهذا نعيش قلقاً بلا أجل مسمي...ولا يمكننا السماح لحمزة بالعودة حتي نعرف مصير هذا الرجل...
+
هزت رأسها في عدم تصديق وهي تقول:
_أنا أشعر أنني في فيلم سينما....هل تحدث هذه الأشياء في الواقع....؟!!!!
+
ثم أردفت في حدة:
_ولماذا كان جدك حريصاً علي مصاهرة أبي إلي هذه الدرجة؟!
عاد يقول في شرود:
_جدي لا يهمه سوي مصلحة العائلة...أحفاده هم نقطة ضعفه الوحيدة...هو أراد مصاهرة عاصم الهاشمي ليستفيد من سلطته ونفوذه في حمايتنا لو ظهر جسار هذا الذي يطاردنا بالثأر...وفي نفس الوقت اختار لكل واحدة من بنات عمي زوجاً منا ليضمن لها ألا تخرج من العائلة لتبقي دوماً محمية بيننا...
أومأت برأسها في تفهم وهي تقول بحزن:
_لكنه لم يحسب حساباً لآرائهن...وكانت هذه هي النتيجة...لقد ظلمنا أنا وأنت وآسيا...ومن يدري ربما كان دور جويرية وساري قادماً...
+
أحس بجرحها في كلماتها لكنه لم يستطع أن يواسيها....
ماذا عساه يقول لها؟!!!
هي محقة في كل ما قالته الآن...
لكنه يتمني بصدق لو يسعدها...
لو يعوضها حرمانها هذا...
لكن كيف؟ !!!
+
قطعت أفكاره عندما قامت لتقول بابتسامة مصطنعة:
_دعنا نعد إلي الداخل...الجو صار بارداً نوعاً...
+
أمسك كفها وهو يدخل معها إلي الشاليه...
ليغلق الباب خلفهما...
ثم أمسك كتفيها هامساً وهو ينظر لعينيها بعمق:
_سأسألك سؤالاً وتعدينني أن تجيبي بصدق...
+
عضت علي شفتيها وهي تشعر بالارتباك...
لكنها أومأت برأسها في إيجاب...
فسألها وهو لا يحيد بعينيه عن عينيها:
_لماذا اختارتني رقية الهاشمي من وسط العشرات الذين تقدموا لخطبتها؟!
+
أطرقت برأسها وقد دمعت عيناها...
فرفع وجهها إليه بأنامله وهو يهمس :
_جدي قال لي يومها أن فرصتي في الارتباط بك ضعيفة جداً لأن الكثير من العائلات كانت تتمني الفوز بكِ لهذا كانت دهشتي بالغة عندما علمت أنكِ وافقتِ علي أنا...
+
خفق قلبها بعنف ....
عندما عاد يسألها في تصميم:
_لماذا أنا يا رقية؟!
+
هربت بعينيها بعيداً عن حصار عينيه...
فابتسم لخجلها الذي لون وجنتيها بحمرة لذيذة ليقول بخبث:
_تذكري أنكِ وعدتني أن تجيبي علي سؤالي...
+
عادت تنظر إليه نظرات لم يفهمها جيداً...
كعادته في حديث عينيها الغامض...
ليسود الصمت بينهما لحظات طويلة...
+
قبل أن تهمس رقية بابتسامة ماكرة:
_وعدتك أن أجيب سؤالك...لكنني لم أحدد متي...
+
ارتفع حاجباه في دهشة...
ثم ابتسم في حنان...
عندما أردفت بثقة لا تليق إلا بها:
_عندما يحين الوقت المناسب ستفي رقية الهاشمي بوعدها.
=====================================
+
انتهى الفصل
+