اخر الروايات

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الخامس 5 بقلم نرمين نحمد الله

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الخامس 5 بقلم نرمين نحمد الله



*********

+


الفصل الخامس

+


جلست نغم مع والدتها التي كانت تتبادل الحديث مع سمية بود شديد...
السيدة فوزية عمتها هي كل من تبقي لسمية من ماضي عائلتها...
هي الوحيدة التي ائتمنتها علي سرها هي وبدر والذي لم يعرف عنه أحد سوي عمتها فوزية وعمه كساب...
سرهما الذي استطاعا الحفاظ عليه حتي الآن...
والذي تتمني لو لم يكتشفه أحد حتي لا ينهار عالمهما الصغير...
عالمهما الذي بنياه معاً بعيداً عن كل الضغوط...

+


تأملت نغم سمية بإشفاق وهي تلاحظ تبدل ملامحها الجميلة ونحول جسدها الشديد...
سمية التي كانت مضرب الأمثال في الجمال والرقة صارت الآن حطام امرأة!!
انتقل بصرها تلقائياً للصغير البالغ من العمر سبع سنوات ...
والذي يتعلق بأمه وكأنه يعرف أنه قد يفقدها في أي لحظة!!!

+


ثم خانتها عيناها لتختلس نظرة إلي بدر...
كم كانت محظوظة سمية برجل مثله...
ترك الدنيا كلها من أجلها...
رجل يبدو وكأن روحه معلقة بها...
يتأمل سكناتها وحركاتها في اهتمام وكأنه يراها لأول مرة...
لا يكاد يرفع عينيه عنها وكأنه يدخر كل نظرة منه إليها لتكون زاده في حرمانه الطويل منها...

+


قديماً قبل مرض سمية...
كانت نغم تتمني لو تلتقي رجلاً مثل بدر...
يحبها وكأنها سمية!!!
كانا بالنسبة لها أروع مثال للحب الذي صار نادراً في هذا الزمان...

+


وعندما علمت بمرض سمية ظلت تبكي ليلة كاملة...
لقد ظنت أن تمثال الحب الذي طالما صنعته لهما قد تهشم...
هشمته طعنة المرض الغادرة...
لكنها كانت مخطئة...
ربما هي خدشته فقط لكنه ظل وسيظل منتصباً أمام عينيها كما تري الآن...
صورة حية لحب لا يموت...!!!

+


لاحظ بدر نظراتها المختلسة إليه فشعر بالضيق...
ما بالها نغم تختلس النظرات إليه هذه المرة بغرابة؟!!!
هل حدثتها سمية عن شئ؟!!!
انقبض قلبه وهو يشعر بالاختناق...
أما كفاه قلقه عليها وخشيته من أن يفقدها في أي لحظة كي تزيد عذابه برغبتها في تزويجه بأي طريقة؟!!!
هل تظن سمية الحبيبة أنه قد يسمح لغيرها بدخول قلبه بعدها؟!!!
لماذا تؤرق نفسها وتؤرقه بهذه الفكرة؟!!!
لماذا لا تدعه يستمتع معها بأيامها الباقية؟!!!

+


قطعت العمة فوزية أفكاره وهي تقول بحنانها المعهود:
_لماذا تبدو شارداً يا بدر؟!
ابتسم بشحوب وهو يقول بتهذيب واضح:
_لا شئ يا عمتي...إنه فقط إرهاق السفر...

+


رمقته نغم بنظرة مشفقة عطوف أخطأت سمية تفسيرها فخفق قلبها بجنون...
رغم أن هذا ما تخطط له منذ فترة...
أن تكثر من زياراتها لعمتها في المدينة حتي يزداد بدر قرباً من نغم...
لكنها الآن تشعر بخنجر مسموم يطعن قلبها...
الغيرة شعور قاتل...!!!

+


لكنها لن تستسلم له...
لم يعد العمر يسمح لها بهذه الرفاهية...
نغم تبدو معجبة ببدر...
وهذا مع كونه مؤلماً لها كعاشقة...
لكنه في صالح خطتها الجديدة...
لأجله ولأجل الصغير...

+




                
لهذا وجدت نفسها تقول بسرعة:
_اسمحي لي يا عمتي أن نصطحب نغم معنا إلي المزرعة لتقضي معنا هذا الأسبوع...
ارتفع حاجبا نغم في دهشة فيما عقد بدر حاجبيه بضيق...

+


فيما أردفت سمية مخاطبة نغم:
_ستسعدين معنا كثيراً في المزرعة بعيداً عن صخب المدينة...المزرعة هادئه جداً ومريحة للأعصاب...كما أنك ستستمتعين بمشاهدة الخيل التي تعشقينها...
تحمست نغم للفكرة بشدة بينما قالت العمة فوزية بتردد:
_لكن يا سمية...نغم لديها عمل هنا...
هتفت نغم بسرعة:
_يمكنني أخذ إجازة من عملي يا أمي...لا تقلقي...أنا أتشوق لزيارة المزرعة...

+


ابتسمت سمية بشحوب وهي تفطن -كما ظنت- لسبب موافقتها علي القدوم...
فيما ازداد ضيق بدر خاصة عندما قالت العمة فوزية في استسلام:
_حسناً يا نغم...كما تشائين...ستكون فرصة للاعتناء بسمية والصغير...لاريب أنه يتعبها كثيراً...

+


ابتسمت نغم في سعادة...
وهي تري نفسها قد اقتربت كثيراً من عالم بدر وسمية الجميل الذي طالما راود أحلامها...
مزرعة منعزلة بعيدة حيث الزروع والخيل...
والحبيبان معاً لا يفرقهما شئ...
لا...
الموت قد يفعل في أي لحظة...
عادت ترمق سمية بإشفاق حزين...
لكن سمية نفسها كانت راضية...
حتي الآن خطتها تسير علي ما يرام..

+


========================================================================
خرجت ساري من مدرج المحاضرات بالكلية مطرقة برأسها ...
لقد تلون الكون حولها بالسواد فجأة...
في البداية رحيل آسيا...
ثم انتحارها ...
ثم مواجهتها القاسية مع حذيفة...
تنهدت في حرارة...
وهي تفكر...
أي جحيم ستعيشه لو تزوجها...
وأي جحيم ستعيشه لو لم يفعل!!!
حبه يخيرها بين جحيمين...
فأيهما أهون؟!!!

+


لكن ...
لماذا تشغل نفسها بالتفكير...؟!!!
هي مجرد مفعول به في جملة.... وحده قاسم النجدي فاعلها ومبتدؤها !!!!

+


قطعت أفكارها عندما سمعت صوته يقول برفق:
_كيف حالك يا ساري؟!

+


رفعت رأسها بابتسامة شاحبة...
وهي تقول:
_كيف حالك يا بلال؟!
اتسعت ابتسامته وهو يقول بأدب ظاهر:
_بخير حال...أنا لا أريد التطفل عليك لكنني كنت أود الانضمام لجماعتكم التي تساعدون فيها الفقراء...فهل تقبلونني بينكم؟!

+


ضحكت ضحكة قصيرة وقد عاد إليها مرحها لتقول:
_هل تمزح؟! نرفض انضمام بلال الهاشمي نفسه إلينا؟!!!! أنت مكسب كبير لنا...فلن يتعرض لنا أحد بالطبع وأنت معنا...
ضحك قائلاً:
_أنتم تريدون استغلالي اذن؟!

+


ضحكت وهي تلوح بسبابتها هاتفة:
_أسوأ استغلال.
هز رأسه وهو يقول في شرود:
_هل تعلمين؟! أنا لا أحب استغلال نفوذ أبي كثيراً...أنا ورقية عانينا من ذلك لفترة طويلة...حتي صار الأمر أشبه بعقدة نفسية لنا...
هزت رأسها في تفهم وهي تقول بهدوء مرح:
_نعم...لن أعيش في جلباب أبي!

+


التفت إليها بضحكة رنانة وهو،يقول:
_بالضبط....أنتِ أحسنتِ توصيف الأمر!
ضمت كتبها لصدرها وهي تقول برفق:
_حسناً يا بلال...سنبدأ استغلالك من اليوم...نحن في طريقنا لقرية صغيرة فقيرة جوار المدينة ونحتاج لمن يقلنا بسيارته لأن سيارتي معطلة...ما رأيك؟!
هتف بسرعة:
_موافق طبعاً...كم عددكم؟!
تنحنحت في حرج وهي تقول :
_أربعة...وسيلحق بنا الدكتور "......." المشرف علي الجماعة مع من تبقي.
هز رأسه قائلاً:
_حسناً...لا بأس.

+



        

          

                
وبعد ساعة كانت تستقل معه سيارته...
ومعها زميلاتها...
حيث وصلوا للقرية ووزعوا مساعداتهم علي الفقراء...
لقد كانت هذه لمحة السعادة الوحيدة التي رأتها ساري في هذا اليوم...

+


عادت لمنزلها مرهقة لتستقبلها فريدة بقلق:
_لماذا تأخرتِ يابنتي؟!
همست في تعب:
_كنا في قرية(.......)لتوزيع المساعدات.
سألتها فريدة بحذر:
_وكيف ذهبتِ إلي هناك وسيارتك معطلة؟!
قالت ساري في بساطة:
_بلال شقيق رقية أوصلنا إلي هناك...لقد انضم لجماعتنا...
شهقت فريدة وهي تقول بعتاب:
_وكيف تركبين معه سيارته...هل هذه ثقتي فيكِ يا ساري؟!
صدمت ساري للحظات ثم قالت تبرر موقفها:
_لم أكن وحدي يا أمي...كان معي ثلاثة من صديقاتي...ولحقنا دكتور(......) المشرف علينا!
هزت فريدة رأسها وهي تقول بحدة:
_أنا لا شأن لي بكل هؤلاء ....أنا لا يهمني سوي ابنتي....لم يكن يليق بكِ  أن تركبي معه سيارته...ماذا لو رآك أحدهم....هل تنقصنا الفضائح....ألا تكفينا....

+


قطعت عبارتها وهي تنتحب بقوة...
وذكري آسيا الراحلة تغتصب تماسكها المزعوم...
منذ رحلت عنها وهي تخشي علي بنتيها أكثر من ذي قبل...
تخاف أن تفقدهما كما فقدتها...
تخاف أن تنهش عرضهما ألسنة الناس التي لا ترحم...
ورغم حنقها علي قاسم النجدي لأنه اختار لهما زوجي المستقبل دون أن يسألهما عن رأيهما...
لكنها تحمد له صنيعه هذا بعدما حدث لآسيا عساها تطمئن عليهما جوارها...!!!!

3


شعرت ساري بكل ما يحملها صدرها الحنون من هم...
فاندفعت تحتضنها بقوة وهي تهتف في حرارة:
_لا تغضبي يا أمي...لن أكررها...لن أخيب ظنك فيّ أبداً فقط لا تبكي أرجوكِ....

+


ربتت فريدة علي ظهرها وهي تبتسم بضعف....
عندما رن جرس الباب...
ذهبت فريدة لتفتحه فيما استلقت ساري علي الأريكة في إرهاق...
لقد كان يوماً متعباً بحق...

+


التفتت بحدة عندما سمعت صوت حذيفة الذي دخل ليتقدم نحوها هاتفاً بصوته الرخيم:
_كيف حالك يا عروسي؟!

1


عقدت حاجبيها بشدة وتبادلت نظرات قلقة مع فريدة التي تعجبت مثلها لما يحدث....
منذ متي يزورهن حذيفة؟!
إنها لا تكاد تراه في البيت...
ولا يحاول الاحتكاك بهن أبداً...
فريدة تعلم أنه لا يحب ساري...
لكنها تعلم أيضاً أنه سيتزوجها طالما قضي بهذا قاسم النجدي!!!!
صحيح أنها لا تطمئن لحذيفة...
لكن ما حيلتها هنا؟!!!!
هي مثلهن...
تترقب بصبر راضٍ  مصير الجواري!!!

1


قطع حذيفة أفكارها وهو يقول ببطء دون أن يرفع عينيه من علي ساري:
_اصنعي لي كوباً من العصير من فضلك يا عمتي...أريد محادثة ساري في أمر هام.

+


نقلت فريدة بصرها بينهما بحذر...
ثم تنهدت في ضيق...
لتذهب للمطبخ ...

+


جلس جوار ساري علي الأريكة فانتفضت من مكانها لتجلس علي الكرسي المجاور فابتسم في سخرية هامساً:
_لا تدعي البراءة والخجل يا صغيرة...لقد رأيتكِ تركبين سيارة بلال الهاشمي.

1



        
          

                
قالها وهو يتذكر انفعاله عندما رآها مصادفة علي الطريق...
كان متوجهاً بسيارته مع بعض أصدقائه للهو كالعادة في إحدي المدن الساحلية عندما لمحها تركب السيارة مع بلال...
بلال الهاشمي !!!!
لا يدري لماذا شعر ساعتها بالضيق...
ربما لأنه تصور وجود علاقة ما بينهما....
لكن...
كيف يفكر بلال الهاشمي في فتاة كساري...؟!!!

2


وجد نفسه فجأة يتفحص ملامحها وكأنه يراها لأول مرة...
تري كيف ستبدو هذه ال"مسترجلة" لو ارتدت ثوباً أنثوياً...
وتركت شعرها المخفي دوماً خلف حجابها هذا ينسدل علي ظهرها...
تري ...
كيف سيكون شكلها؟!!!!

+


قطعت ساري استرسال أفكاره وهي تقول بكبريائها المعهود:
_هل تساوي نفسك ببلال الهاشمي؟! نعم...كنت أركب معه سيارته لكن لم أكن وحدي كما رأيت...كنا في طريقنا لإحدي القري لتوزيع المساعدات علي الفقراء بينما أنا متأكدة أنك كنت بصحبة واحدة من فتياتك العابثات تمضي وقتك في اللهو ...هل عرفت الفارق بينك وبين بلال؟!!!

1


قالت عبارتها الأخيرة باحتقار تعمدته تخفي به مشاعرها نحوه..
والتي لو أطلقتها الآن...
فلن تسامح نفسها أبداً....!!!!

+


هب من مقعده غاضباً وهو يهتف في غضب:
_أنا حذيفة النجدي.... لا تقارنينني بأي مخلوق...
وقفت قبالته في تحدٍ تقول بسخرية:
_ومن حذيفة النجدي هذا؟! ...دعني أنا أخبرك...مجرد عاطل بالوراثة...فشل في دراسته ولولا نقود عائلته التي ورثها لما وجد له عملاً...نقود عائلته التي يهدرها علي فتياته العابثات ويهدر معها وقته وسمعته...أنت مجرد فقاعة فارغة...

+


_ساري!!!
هتفت بها فريدة في استنكار بعدما عادت من المطبخ لتسمع ما قالته...
فيما كز حذيفة علي أسنانه وهو يهتف في غضب عاصف:
_عندما نتزوج سأقطع لك لسانك ِ هذا...سترين معي أياماً أشد سواداً من الليل...!!!

+


شهقت فريدة في جزع وهي تسمع تهديده الصريح...
فيما لم تغير ساري من وقفتها الثابتة وهي تبتسم في سخرية هاتفة:
_أخبرتك ألا تتعجل الأمور يابن النجدي...لا أحد يعرف ما الذي يحمله لنا الغد...

+


رمقها بنظرة عاصفة...
وهو يدفعها من طريقه بقسوة...
ليغادر المنزل صافقاً الباب خلفه في قوة....
اتسعت عينا فريدة في صدمة...
هل سيكون هذا زوج ابنتها؟!!!!!!

+


توجهت بخطوات بطيئة نحو ساري تربت علي كتفها في إشفاق...
فتصنعت ساري الثبات وهي تقول بصلابة كاذبة:
_لا تقلقي علي ابنتك يا أمي...سأكون بخير...

+


قالتها وهي تتوجه لغرفتها...
أغلقت بابها خلفها لتستند عليه وتسمح لدموعها بالانهمار...
حذيفة النجدي...
وجع قلبها الأزلي...
والذي لن تبرأ منه أبداً كما يبدو!!!
==========================================================================

+


وقفت علي قارعة الطريق الخالي نسبياً في هذا الوقت المتأخر من الليل تبكي بغزارة...
لا تصدق أنها خاضت هذه المغامرة وحدها...
هي آسيا قطعة الكريستال سهلة الكسر كما كانت تدعوها فريدة...!!!!

2



        
          

                
تذكرت فريدة فازداد انهمار الدمع  من عينيها وهي تسأل نفسها...
تري كيف هي الآن...؟!!!
هي وجوري وساري...؟!!!
تدفق شلال الندم في نفسها جارفاً كل مشاعرها وهي تتذكر ...
كيف نفذت فكرتها ببراعة...
كيف اشترت لنفسها ملابس جديدة من ذاك المحل الذي دخلته عندما تركت السائق...
ثم بدلت ملابسها التي كانت ترتديها في المحل...
لتغادره بخفة...
استقلت سيارة أجرة حتي وصلت إلي شاطئ البحر...
لتلقي ملابسها القديمة في الماء ثم تلقي حقيبتها علي الشاطئ بعدما استخرجت منها النقود وبطاقتها الشخصية...

+


ذهبت بعدها لإحدي صديقاتها المقربات...والتي كانت تعلم أنها تقيم وحدها بعد سفر والديها...
قضت عندها بضعة أيام...
فقد تعاطفت صديقتها مع قصتها ووعدتها بأقصي مساعدة...
 أخبرتها صديقتها عن امتلاك عائلتها لشقة في إحدي المحافظات البعيدة...
أعطتها مفاتيح الشقة لتقيم فيها ...
ووعدتها بمساعدتها في البحث عن عمل...
تقبلت آسيا مساعدتها بامتنان...!!

+


لقد منحها القدر فرصة مثالية للتحرر من سجن النجدي إلي الأبد...
لكن الأمور لم تسر علي ما يرام...
فالسائق الذي كان من المفترض أن يقلها إلي تلك المدينة البعيدة التي تقصدها لم يكن مريحاً علي الإطلاق...
كان يرمقها بنظرات غريبة طوال الطريق...
ظلت متوجسة منه خيفة حتي صدقت توقعاتها...
فقد وجدته فجأة يوقف السيارة متعللاً بوجود عطب فيها...
ثم ترجل منها...
ترجلت بدورها من السيارة هي الأخري لتجد ذاك السافل يتهجم عليها...!!!!

+


لكنها كانت متأهبة لأمر كهذا...
كانت تحتفظ في حقيبتها بصاعق كهربائي منحته له صديقتها وطلبت منها الاحتفاظ به خلسة في حقيبتها تحسباً لظروف كهذه ما دامت ستقيم وحدها بعيداً...
وصدقت مخاوفها...
صدقت بأقرب مما توقعت!!!

1


وبعدما تخلصت منه مؤقتاً...
وجدت نفسها تعدو هرباً في الطريق بلا هدف...
حتي استقر مقامها هنا في هذا المكان...
لتشعر فجأة بحجم المصيبة التي زجت نفسها فيها....!!!!

+


منذ ليلة زفاف ياسين وهي فقدت عقلها تماماً...
حماقة تتلوها حماقة!!!
حتي انتهي بها الأمر هكذا؟!!!!
ما ذنبها فريدة لتعيش كل هذا الألم ...؟!!!!
لاريب أنها تظنها الآن قد ماتت...
كلهم سيظنونها كذلك...
لكن...
ربما كان هذا أفضل...
أفضل من أن تظل جارية في سجن النجدي مدي الحياة...!!!!
أفضل من أن تحترق بنيران غيرتها وحبها اليائس لياسين...!!

+


ياسين...!!
افتر ثغرها عن ابتسامة شاحبة وهي تتذكره...
وهل نسيته لتتذكره؟!!!
ياسين الحبيب يسري في دمها...
ماذا عساه يفعل الآن؟!!!
أتراه يبكيها كما تبكيه؟!!!
أم أنه تناساها متنعماً بزوجته الجديدة؟!!!

+


لن تعرف...
لن تعرف أبداً....
لقد انقطعت كل صلة لها بعائلة النجدي...
وأبداً أبداً لن تعود...!!!!

+


قطعت أفكارها عندما أغشي عينيها ضوء كشافي سيارة تقترب...
انتفضت في رعب...
هل هو فخ جديد؟!!!
لكنها ظلت واقفة بترقب..
من يدري...
ربما حملت لها النجاة هذه المرة!!!
==========================================================================
_توقف يا بدر...هذه الفتاة تبدو بحاجة للمساعدة!

+



        
          

                
هتفت بها سمية في لهفة وهي تلمح آسيا الواقفة مكانها في ترقب....
فزفر بدر في ضيق...
وجود نغم هذه معهما يوتر أعصابه...
كلما نظر لمرآة سيارته وجد عينيها تترقبانه...
والآن هذه الفتاة أيضاً؟!!!!
ما قصتها هي الأخري؟!!!!

+


ترجل من السيارة...
ليتجه نحو آسيا التي كانت الآن ترتجف رعباً بحق...
بدر كان طويل البنية ضخم الجسم...
وهي كانت لاتزال تحت تأثير صدمتها السابقة...
تحسست حقيبتها التي تحتوي علي  الصاعق الكهربائي بأنامل مرتجفة...

+


لكن شيئاً من الطمأنينة راودها وهو يغض بصره عنها هاتفاً بتهذيب واضح:
_هل أساعدك يا آنستي؟!

+


مدت رقبتها تنظر داخل السيارة لتجد امرأتين وطفلاً...
زاد هذا من سكينتها فهمست في خجل:
_هل يمكنك أن توصلني لأقرب مدينة من هنا.؟!

+


عقد حاجبيه بدهشة...
ما الذي يدفع فتاة بهذا الجمال للسير وحدها ليلاً هكذا...
لا...
إنها لا تبدو كالساقطات...
ثيابها محتشمة وحجابها متحفظ للغاية...
كما أن ملابسها رغم بساطتها توحي بالثراء...
فماذا وراؤها يا تري؟!!!!

+


قاطعت سمية أفكاره عندما ترجلت من السيارة لتتجه نحوهما...
تأملت آسيا في إشفاق واضح وهي تقول في حنان:
_تعالي يا صغيرة ...واركبي معنا...لا تخافي...سنوصلك بأمان أينما تريدين.

1


أحست آسيا نحوها بألفة غريبة...
أم أنها هي التي كانت تفتقد هذا الحنان الذي كان يقطر من كلماتها؟!!!
لا تدري...
لكنها اطمأنت للركوب معهم...
بعدما رمقت بدر بنظرات مترددة....
استقلت المقعد الخلفي للسيارة جوار الصغير ونغم التي كانت ترمقها بفضول...
هذه الفتاة رائعة الجمال...
ما الذي يدعوها للوقوف وحدها هكذا في الطريق؟!!!
إنها حتي لا تحمل حقيبة سفر...
ولا أي أمتعة!!!!
لا تدري لماذا انتابها شعور أنها هاربة...
ربما لأن نظراتها كانت تحمل خوفاً واضحاً...
بدا ظاهراً في ارتعاش أناملها المضمومة....

+


ربتت نغم علي كفها وهي تسألها في مودة:
_ما اسمك ؟! وأين تريدين الذهاب؟!

+


ترقب بدر ردها وهو يراقب عينيها بعينيه النافذتين من مرآة السيارة....
طال صمتها كثيراً وهي لازالت خائفة...
ثم قالت بتردد:
_أنا آسيا...وأريد فقط الذهاب لأقرب مدينة وهناك سأتدبر أمري..

+


لعنت غباءها الذي جعلها تتسرع بذكر اسمها الحقيقي...
لكنها لم تفكر...
حسناً...لا بأس...
هي لن تطيل البقاء معهم علي أي حال...!!!

+


استدارت نحوها سمية بجسدها وهي تقول بطيبتها الفطرية:
_نحن نمتلك مزرعة قريبة من هنا...ابقي معنا هذه الليلة حتي يشرق الصباح وبعدها سيوصلك بدر للمدينة كما تريدين...

+


شعر بدر بالحنق وهو يري سمية تدعوها بسهولة هكذا للبقاء معهما في المزرعة...
عالمهما الصغير الذي اعتزلا فيه الناس جميعاً...
الذي حافظا علي سريته طيلة هذه الأعوام....
والذي تسعي الآن لإدخال الغرباء فيه...
في البداية نغم...
والآن...آسيا هذه!!!!

+



        
          

                
أطرقت آسيا برأسها وهي تشعر بالحيرة...
أيهما أكثر أمناً؟!!!
أن تقضي ليلتها معهم؟!!!
أم تذهب للمدينة القريبة؟!!
وماذا ستفعل في المدينة الآن؟!!!
هي لا تعرف فيها أحداً!!!!
ولا تريد تكرار تجربة السفر وحدها مع سائق غريب....
ماذا تفعل الآن؟!!!

+


دمعت عيناها وهي تشعر بالوحدة والغربة...
ضائعة هي ...
ضائعة...
ما الذي فعلته في نفسي؟!!!
أين أنت يا ياسين؟!!!!!!!!

+


تأمل بدر دموعها صامتاً في مرآة السيارة...
هذه الفتاة تحمل سراً...
لكن شيئاً فيها يجذبه لمساعدتها...
هي تبدو فتاة طيبة لكنها واقعة في ورطة...
صحيح أنه يفضل الابتعاد عن المشاكل بوضعه الحالي...
لكنه لن يتخلي عن فتاة ضعيفة مثلها....
فلتقضي الليلة معهم...
ولتغادر بعدها...
ماذا يمكن أن يحدث؟!!
إنها مجرد ليلة!!!!!!!
==========================================================================
وقفت جويرية في المكتبة ترتب الكتب...
تفحصت إحدي الروايات ثم سحبتها برفق...
لتقرأ عنوانها بابتسامة عابثة...
-الحب من أول نظرة...

1


اتسعت ابتسامتها وهي تتذكره...
زياد...
الطبيب الوسيم الحنون الذي لم تره سوي مرة واحدة...
لكنه امتلك أحلامها كلها طيلة الأيام السابقة...
لا تدري لماذا تعلقت به بهذه السرعة...
ربما هو عقلها الباطن...
يهرب بهذا الحلم من واقعها الأليم...
تهرب في عالمها الموازي الذي اصطنعته لنفسها من جراح عالمها الحقيقي...
رحيل آسيا الغامض...
وزواجها الكارثي بعمار!!!!

+


عمار!!
زفرت بقوة وهي تزيح صورته عن ذهنها قهراً...
لتعود وتتأمل عنوان الكتاب...
سامحة لصورة زياد الباسمة من تملك أحلامها من جديد...

+


سمعت صوت الباب الخارجي للمكتبة يفتح...
فالتفتت لتشهق في عنف...
إنه هو...
زياد...
هنا؟!!!!!!

+


تقدم نحوها بابتسامة كبيرة وهو يقول بلطف:
_صباح الخير يا آنستي؟! كيف حالك الآن؟!
تلفتت حولها في دهشة...
لا تصدق أنه حقاً هنا!!!
هل هي مصادفة؟!
أم أنه جاء خصيصاً من أجلها هي؟!!!!

+


لاحظ دهشتها وخجلها فاتسعت ابتسامته وهو يقول :
_دهشتك هذه تعني أنك تذكرينني...كنت أخشي ألا تكوني تفعلين!!
تمالكت نفسها لتقول في ارتباك:
_بالطبع أذكرك...أهلا بك يا دكتور.

+


تأمل المكان حوله في تفحص...
ثم التفت لها هامساً في إعجاب:
_مكان يليق بكِ...
رفعت إليه عينين متسائلتين فأردف بنفس الإعجاب:
_أنتِ تبدين كأميرة خرجت من كتب الأساطير....!!!!

1


احمرت وجنتاها بقوة...
إنها المرة الأولي التي تستمع فيها لغزل كهذا من رجل...
وليس أي رجل...
إنه زياد...!!!!
طيف أحلامها الوردية...
الذي سيطر علي تفكيرها منذ أول لقاء....

+


ابتعدت عنه عدة خطوات وهي تحاول السيطرة علي انفعالها...
لتقول بصوت خرج رغماً عنها مهزوزاً:
_هل تريد شيئاً محدداً من هنا؟!

+



        
          

                
اقترب منها خطوة وهو يقول بثقة:
_نعم...أريد شيئاً محدداً...وأتمني لو أحصل عليه....!

+


أشاحت بوجهها في خجل وقد أنبأها قلبها بما يقصده...
لكنها تصنعت الجهل وهي تسأله:
_أي كتاب تريد؟!
تفحصها بعينين معجبتين وهو يقول بصوته العذب:
اختاري لي أنتِ.

1


ثم اقترب منها خطوة أخري..
ليلتقط الكتاب الذي تمسكه بيديها...
ثم يقرأ عنوانه بصوت عال:
_الحب من أول نظرة....

+


كاد يغشي عليها عند هذه اللحظة...
خاصة عندما رفع عينيه إليها وهو يقول بلهجة ذات مغزي:
_سآخذ هذا.

+


التقط حافظته من جيبه وهو يستخرج منها ثمن الكتاب...
لكنها قالت في اعتراض قوي:
_لا لا...لن آخذ ثمنه...

+


وضع لها النقود علي مكتبها متجاهلاً اعتراضها....
وعليها بطاقة كتب عليها اسمه ورقم هاتفه...
ثم التفت لها هامساً:
_سأقرأه وأقول لكِ رأيي فيه...هل تسمحين لي؟!

+


لم تدرِ متي ولا كيف أشارت له برأسها في موافقة...
لينسحب خارجاً من المحل وهو يودعها بنظرة حارة...
انهارت علي كرسيها وهي تشعر بجسدها كله يرتجف...
هل كان حقاً هنا؟!!!!
هل حادثها هكذا؟!!!
لا لا!!!!
لقد كان حلماً كما اعتادت....

+


تعلق بصرها ببطاقته التي تركها مع النقود...
التقطتها بأصابعها في حذر...
لترفعها أمام وجهها...
دار رأسها في هيام...
وعطره العالق ببطاقته يداعب أنفها...
ضمتها لصدرها في قوة...
وهي تجرب هذا الإحساس لأول مرة في حياتها...
هل هذا هو الحب؟!!!!

1


تلك الخفقات المجنونة التي تجعلها تتمني لو تدور وتدور حول نفسها كفراشة بين الأزهار؟!!!!
هذا الإحساس الثري الذي يغلف روحها برداء من السكينة والفرح...؟!!!
هذا  الفضاء الواسع الذي يعدها أن تحلق فيه بلا قيود وبلا نهاية؟!!!!

+


ضحكت في خجل وهي تضع كفها علي شفتيها....
تتعجب من كل هذه المشاعر التي عصفت بها في لحظة!!!!
أيكون هذا كما يقولون دوماً...
الحب...من أول نظرة؟!!!!!

1


==========================================================================
دخلت سيارة بدر إلي المزرعة لتتلفت آسيا حولها في انبهار...
هذه ليست مزرعة...
إنها قلعة حصينة وسط هذا الخلاء...
أسوارها مرتفعة للغاية...
يحيط بها حرس مسلحون ...
ما الذي يدفع زوجين وطفلهما للبقاء منعزلين في هذا الحصن؟!!!
قرأت نغم دهشتها فقالت في هدوء:
_لا تخافي يا آسيا...بدر،يقيم هنا مع سمية وياسين وحدهما...ولابد لهما من حماية مناسبة...

+


ارتفع حاجباها في حنان ...
وهي تضم الصغير لحضنها بقوة هامسة في عاطفة حارة:
_اسمه ياسين...حبيبي يا ياسين!!

+


عقد بدر حاجبيه وهو يراقب انفعالها العاطفي عندما علمت باسم طفله...
يبدو أنه صادف اسم شخص عزيز لديها...
فيما استدارت نحوها سمية بجسدها وهي تبتسم في حنان ...
تراقب احتضانها القوي للصغير برضا...
لا تدري لماذا شعرت وقتها أن آسيا هذه سيكون لها شأن معهم!!!
هي لا تعرف ظروفها جيداً...
لكنها تعرف هذا الضياع الذي يملأ عينيها...
هذه الحيرة...
وهذا الشتات!!!!

+



        
          

                
لقد عاشته يوماً بكل تفاصيله مع ياسين....
قبل أن تمنحهما الأيام جنتهما الصغيرة هذه!!!
آسيا الصغيرة تستفز مشاعر أمومتها...
تود لو تساعدها كما ساعدتها الظروف...
ربما كان هذا معروفها الأخير في هذه الحياة...!!!!

1


توقفت بهم السيارة أمام المنزل...
الذي بدا وسط المزرعة ككوخ صغير للعاشقين...
تلفتت آسيا حولها وهي تفكر...
لاريب أن جو هذه المزرعة في ضوء النهار سيكون ساحراً...
ترجلت من السيارة وهي تشعر بالخجل...
لم تتصور،يوماً أن تضعها الظروف في هذا الموقف...
هي آسيا النجدي...
حفيدة قاسم النجدي...
بكل ثرائه وسطوته...
تبيت ليلتها كالمتشردين لدي الغرباء!!!!

+


عاد إحساس الندم يراودها وهي تؤنب نفسها بقوة...
ليتها لم تفعل تلك الفعلة ...
لكنها للأسف...
لن تستطيع التراجع...
لقد مضت في طريق ولن تستطيع العودة منه...
لو عادت الآن الآن لقاسم النجدي...
فسيقتلها بيديه...
ليس لفعلتها عنده عقاب أهون من هذا!!!!

+


وضعت يدها علي صدرها في ألم...
وهي تتذكر حضن شقيقتيها تلك الليلة التي سبقت رحيلها...
دمعت عيناها وهي تشعر بالاشتياق يجتاحها لعائلتها وبيتها...

+


لمحت سمية دموعها ومنظرها المتألم...
فتوجهت نحوها تحتضنها بقوة وهي تهمس في أذنها بحنان:
_لا تخافي يا آسيا...أنا هنا شقيقتك...صدقيني ستكونين في أمان معنا...

+


لا تدري لماذا صدقتها بسهولة هكذا...
لكنها ببساطة سمية!!!!
سمية التي منحتها السماء تلك الهبة...
هالة من السكينة والدفء تحيط بها فتجعل من أمامها يطمئن لها بسهولة...
وكأنه يعرفها منذ ألف عام...!!!!

1


ابتسمت آسيا بضعف...
فاحتضنت سمية كفها واحتضنت كف نغم بيدها الأخري لتدخل معهما المنزل...
فيما كان بدر،يراقبهن بتفحص...
وعلي وجهه أقصي أمارات الضيق!!!!!

+


وبعد ساعة...
كان يتقلب علي فراشه كالمحموم...
وجود هاتين الفتاتين هنا يؤرقه...
خاصة تلك الغريبة...
تري...ما الذي خلفها؟!!!
وما سر احتضانها لولده بهذه اللهفة عندما تعرفت علي اسمه؟!!!
ولماذا افترض فيها حسن النية؟!!! 
ألأنها فاتنة صغيرة السن؟!!!
ألا يحتمل أن تكون هاربة من مصيبة وتجر قدميه إليها؟!!!
كيف استجاب لسمية وسمح لها بالمبيت هنا دون أن يعرف عنها شيئاً...
هذا قمة الإهمال منه!!!!

+


لقد بدأ يفقد حذره المعتاد منذ مرض سمية...
وهذا ليس جيداً...
فقد ينكشف سرهما في أي لحظة...
وحينها سيخسر كل شئ...
وسيجد ياسين الصغير نفسه في دوامة لن يستطيع الفكاك منها...
وهو الذي قضي هذه السنوات كلها هنا معزولاً ليحميه من هذا المصير!!!!

5


شعرت سمية بقلقه فالتفتت إليه وهي تقول برقتها المعهودة:
_لا تقلق يا بدر...قلبي يخبرني أنها فتاة جيدة...أليس هذا ما يقلقك؟!!
التفت نحوها وهو يتنهد قائلاً:
_أنا أخشي أن ينهار كل ما بنيناه طيلة هذه السنوات...
ربتت علي كفه في حنان وهي تهمس:
_لا تخش شيئاً...لن يضيعنا الله أبداً...نحن اخترنا الخير...لذا أعاننا الله عليه...

+



        
          

                
قطعت عبارتها وهي تتأوه في قوة...
لقد عاودتها تلك النوبة من الآلام...
انتفض بدر جوارها وهو يهتف في قلق:
_تماسكي يا سمية...سأحضر لك الطبيب حالاً....

+


عضت علي شفتيها في ألم...
وهي تفكر...
سيستغرق الطبيب وقتاً حتي يأتي...
والألم شديد حقاً هذه المرة...
اشتد ألمها كثيراً فظلت تصرخ بقوة للحظات 
ثم سقط رأسها علي الوسادة فاقدة لوعيها...
وربما كان هذا من رحمة السماء بها في هذه اللحظة...!!!

+


خرج بدر من الغرفة بسرعة ليحضر الطبيب ...
فاصطدم بنغم وآسيا اللتين كانتا واقفتين ينظران إليه في رعب...
فقال بقلق:
_لقد انتابت سمية نوبة الألم المعتادة....لكنها شديدة جداً هذه المرة...سأحضر الطبيب...

+


اندفعت آسيا نحو الغرفة دون استئذان...
فعاد بدر يدخل وراءها متعجباً...
تفحصتها بسرعة...
عندما انزلق الوشاح من علي رأسها....
فهتفت آسيا بجزع:
_هل هي مصابة بال...؟!

+


قطعت عبارتها بارتباك لكن بدر فهمها وأومأ برأسه في إيجاب.....
فتماسكت آسيا وهي تلتقط قلماً من علي الكومود المجاور للسرير ...
كتبت شيئاً علي ورقة ثم ناولتها له وهي تقول بسرعة:
_أرسل من يحضر لها هذه الحقنة...وسأراعيها أنا حتي تفيق...

+


نظر بدر لاسم الحقنة التي كتبتها في تفحص...
إنها نفس الحقنة التي يكتبها لها الطبيب في العادة...
يبدو أن آسيا هذه تعرف ما تفعله!!!!

+


نادي الخادم بسرعة ليحضر لها الحقنة...
عندما سمع نغم تسألها بدهشة:
_هل أنتِ طبيبة؟!
راقب ردها بعينيه النافذتين...فنقلت آسيا بصرها بينه وبين نغم...
ثم قالت بتردد :
_نعم...أقصد...لا...

+


حينها ازداد شك بدر فضاقت عيناه وهو يقول بحزم:
_لا وقت لهذا الحديث الآن... 

+


وبعد فترة قصيرة...
كانت سمية نائمة في سلام ...
بعدما أعطتها آسيا الحقنة...
شكرها بدر بفتور....

+


عندما قالت نغم بإرهاق:
_دعينا ننم الآن يا آسيا طالما اطمأننا عليها...

+


وقفت آسيا لتسير خلفها نحو غرفتهما عندما هتف بدر بحزم:
_انتظري يا آنسة آسيا....أريد التحدث إليك....
وقفت آسيا مكانها في قلق...
فيما قال بدر لنغم بصوت بدا غاضباً:
_اذهبي أنتِ للنوم ...لا تقلقي...ستلحق بكِ آسيا حالاً....

+


رمقتها آسيا بنظرة راجية ألا تتركها معه وحدها...
لكن نغم لم تستطع الاعتراض علي أمره...
فتركتهما مرغمة...

+


التفت نحوها بدر وهو يتفحص ارتباكها بتمعن ثم سألها مباشرة:
_من أنت؟! وما قصتك بالضبط؟!

+


شعرت آسيا بالخوف من نظراته النافذة...
هذا الرجل يبدو خطيراً...
إنه يذكرها بجدها الذي لم تستطع يوماً الكذب عليه....
فهو يستطيع بنظراته النافذة هذه قراءة ما تخفيه دوماً....

+


تمالكت خوفها لتقول بصوت خفيض:
_لا يحق لك سؤالي عن أمور خاصة ...إذا كنت تريدني أن أرحل من هنا فسأفعل حالاً...

+



        
          

                
قالتها وهي تتجه بالفعل نحو باب الغرفة ليستوقفها هتافه الصارم:
_انتظري.
ازدردت ريقها ببطء وهي تقف مكانها دون أن تجرؤ علي النظر إليه....
فاتجه نحوها ليقف قبالتها قائلاً بخشونة:
_أمورك الخاصة هذه قد تجلب لي مصيبة أنا في غني عنها...

1


رفعت رأسها إليه ليصدمه الخوف الواضح في عينيها....
لكنها قالت في هدوء:
_سأرحل حالاً...لا تقلق...

+


قاطعها قائلاً في حزم:
_لن ترحلي قبل الصباح...لكنني أريد فقط أن أعرف شيئاً واحداً....
ثم لوح بسبابته هاتفاً:
_هل فعلتِ شيئاً خارجاً عن القانون أو ما شابه؟!!!
اتسعت عيناها ذعراً وهي تقول بسرعة:
_لا لا أبداً....أنا لست كما تظن أنا......

+


قطعت عبارتها وهي تبكي بعنف....
لم تتصور أن تقف يوماً هذا الموقف!!!!
بهذا الذل...وهذا الهوان!!!!
ما الذي يظنه فيها هذا الرجل...
أنها خارجة عن القانون...
مجرمة...!!!!!!

+


لكن لماذا تلومه...؟!!!
ما الذي يمكن أن يظنه فيها وقد وجدها شريدة بلا مأوي ولا حتي متاع...
وجدها ملقاة علي قارعة الطريق...!!!
ومن يدري ماذا كان يمكن أن يحدث لها لو لم يتكرم عليها بالمجئ معه....؟!!!!

+


عقد حاجبيه بشدة وهو يري دموع انكسارها المنهمرة في صمت....
فغمغم في ضيق:
_يمكنك الذهاب لغرفتك...

+


تركته مهرولة نحو غرفتها...
فعاد لفراش سمية النائمة في سكينة....

+


أمسك كفها وقبّله وهو يهمس في ألم:
_لا تتركيني يا سمية...أنتِ مصدر قوتي...بكِ واجهت العالم من قبل...ولن أستطيع مواجهته من جديد دونك...
==========================================================================
عاد ياسين من عمله متأخراً كعادته منذ أيام...
إنه يقتل وقته في العمل قبل أن يقتله همه...
لم يعد يطيق هذا البيت...
ولولا رقية الحنون التي تشمله بعطفها ورعايتها لما احتمل البقاء فيه....!!

+


دخل صالة المنزل بهدوء حذر...
ليجدها نائمة علي الأريكة...
اتجه نحوها وهو يتأملها في حنان...
لابد أنها نامت وهي تنتظره...
هذه الرائعة التي احتملت الكثير منذ دخلت هذا المنزل...
لكنها صبرت وتحملت دون شكوي...

+


لا يدري إلي الآن لماذا تفعل ذلك...
أي واحدة مكانها كانت ستتركه عائدة لبيت أهلها دون مناقشة...
لكنها تحتمله بصبر...
وتسمع شكواه وهموم قلبه بعد رحيل آسيا بتفهم لا يصدقه...
بل إنها تمدحه دوماً أمام عائلتيهما بشكل يثير خجله...
هو الذي لم يستطع حتي الآن مكافأتها أو تعويضها عن كل ما تسبب لها به....!!!!

+


جثا علي ركبتيه أمامها...
يتأمل ملامحها النائمة...
إنها حقاً فاتنة...
قليلات من النساء قد حظين بجمال الوجه والروح معاً...
ورقية كانت منهن....!!!!

+


مد كفه ببطء يتحسس وجنتها...
ففتحت عينيها...
التقت عيناهما للحظات...
خفق فيها قلبه بقوة...
شعر عندها بتأثيرها عليه...
تأثير قوي مسيطر ....تماماً مثلها!!!

+


انتفضت من مكانها وهي تقول بارتباك:
_عفواً لقد غلبني النوم هنا....
قام واقفاً ليمد لها كفه هامساً:
_قومي لتنامي في غرفتك...

+


تجاهلت كفه الممدود وهي تقوم من مكانها...
لتقف قبالته...
لم يستطع رفع عينيه عنها...
وهو يشعر بها شعوراً مختلفاً هذه المرة...
شعور رجل بامرأة!!!

+


بينما أربكها حصار نظراته التي لم تعتدها...
فهمست في توتر:
_لماذا تنظر إلي هكذا؟!

+


رفع وجهها بأنامله وهو يقول بحنان:
_وهل يمكن ألا أنظر إليك وأنت بهذا الجمال؟!!
أشاحت بوجهها عنه...
وهي تقول بجدية تخفي بها اشتعال جوارحها الآن:
_لا أحب هذه الكلمات...
ابتسم قائلاً:
_لا تحبين الكلمات نفسها؟! أم لا تحبينها مني؟!

+


تهربت من إجابة السؤال وهي تقول بهدوئها المعتاد:
_كنت أريد أن أستأذنك في شئ...

+


أحاط وجهها بكفيه وهو يقول بحنانه الذي يدمر كل حصونها:
_أنتِ تأمرين يا سيدتي...
احمرت وجنتاها في خجل...

+


لكنها ناقضت ذلك بقولها في قوة:
_كنت أريد قضاء بضعة أيام في بيت أبي؟!
عقد حاجبيه في ضيق مس قلبها وهو يهمس:
_لماذا يا رقية؟! هل ضايقك أحد؟!
همست في هدوء وهي تتمني لو يفك حصار كفيه عن وجهها والذي يشعرها بكل هذا الضعف:
_لا...لكنني أشعر بالملل...أنت تختفي في عملك طوال اليوم...وأنا لا أغادر الشقة حتي لا تراني السيدة فريدة فأنكأ جرحها...

+


هز رأسه في تفهم ...
فهمست في صوت خفيض:
_بضعة أيام فقط ...

+


وجد نفسه دون وعي يقترب بوجهه من وجهها الذي يحيطه بكفيه وهو يهمس:
_ولا يوم واحد!

+


خفق قلبها بعنف وهي تشعر به يقترب بشفتيه من شفتيها.....
 فارتدت برأسها للخلف وهي تضع كفها علي شفتيه بسرعة هاتفة في حدة:
_رقية الهاشمي لا يمسها رجل لا يحبها....حتي لو كان زوجها!

+


تطلع إليها مصدوماً للحظات...
لا يصدق أنه كاد يقبلها...!!!
ولا يصدق أنها رفضت...!!!
كيف ضعف أمامها هكذا...؟!!
وكيف صدته هي بهذا التحفز...؟!!!

+


أفاق من صدمته بعد لحظات...
ليطرق برأسه هامساً:
_أنا آسف يا رقية.

+


أشاحت بوجهها عنه...
فقال في حزم:
_أعدكِ ألا يتكرر هذا.
رمقته بنظرة عاتبة...فابتسم قائلاً:
_أنتِ علي حق...رقية الهاشمي تستحق بجدارة ألا يمسها سوي رجل يحبها...وبجنون أيضاً...!!!
تنهدت في حرارة وهي تتجه نحو غرفتها...

+


فاستوقفها هاتفاً:
_أعدي حقيبتك...سنسافر معاً لبضعة أيام...أنا أعتذر لأنني لم أقدر وحدتك طيلة الأيام السابقة ....اعذريني..

+


التفتت نحوه بعينين مليئتين بكلام لم يفهمه....!!!!
لازالت رقية الهاشمي لغزاً بالنسبة إليه...
وجوهها العديدة تربكه...
من كان يري وجهها العطوف المتفهم بعد أزمة رحيل آسيا...
لا يصدق وجهها الذي صدمه بصلابة ردها منذ قليل...!!!

+


لكنه يريد بشدة اختراق حصونها المنيعة التي تقف بينهما....
يريد أن يفهم وجوهها كلها...
أن يفك طلاسم شخصها الذي يثير انبهاره وحيرته...
رقية الهاشمي...
امرأة...ليست كباقي النساء!!

+


******
انتهى الفصل الخامس

+



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close