اخر الروايات

رواية خيوط القدر الفصل الخامس 5 بقلم سارة المصري

رواية خيوط القدر الفصل الخامس 5 بقلم سارة المصري


فصل الخامس
كان الجو ممطرا وعاصفا وامتلئت الارض ببرك المياه الصغيرة فى الوقت الذى كانت فيه ياسمين فى طريقها الى المشفى تسرع الخطا بقدر استطاعتها لتتجاوز هذا الطقس ، السيارات كانت تمر الى جوارها بين الحين والآخر فتتناثر المياه على ملابسها ، لذا قررت ان تصعد الى جانب الطريق حيث التربة الطينية ولتبتعد حتى عن برك المياه ، ولكن اختيارها لم يكن جيدا ، فالتربة الطينية كانت رطبة جدا وغير منتظمة وكادت ان تسقط ارضا فى بركة مياه صغيرة الى جوارها لولا ان تشبثت باحدى الاشجار ، حاولت العودة من جديد الى الطريق الاسفلتى ولكن قدمها انزلقت فتشبثت بالشجرة مرة اخرى وهى تضرب عليها بقبضتها فى غيظ ، سمعت صوتا يحييها من الخلف فى هدوء ” صباح الخير“ ، نظرت فى توتر الى مصدر الصوت الذى ألفته قائلة باقتضاب ” صباح النور ” ، نظر عمر الى وضعها وقال وهو يمد يده تجاهها ” خلينى اساعدك ”
ابتعدت بحركة حادة وهى تتشبث بالشجرة أكثر وتقول“ لا مش عاوزة ”
أعاد عمر ذراعه الى جواره وهو يقول ” هتتزحلقى تانى لو سيبتى الشجرة ورجعتى للطريق..خلينى اساعدك احسن ”
رمقته بنظرة صارمة دون ان ترد ، هز عمر كتفيه فى يأس ونظر الى يدها المشبثة فى الشجرة وهو يقول ” انتى حرة..خليكى طول اليوم واقفة كدة ”
حاولت ان تعود الى الطريق من جديد فكادت ان تسقط للمرة الثالثة فلم تجد حلا سوى ان تناديه قبل ان يبتعد فهتفت فى خجل ” استنى ”
ابتسم وكتم ضحكته بصعوبة قبل ان يستدير لها ولوضعها المضحك وقد تشبثت بالشجرة بكلتا يديها ، عاد اليها وامسك بيدها وهو يشعر ببرودتها الشديدة وارتجافها ، تساءل فى نفسه تدعى القوة وتخشى من موقف كهذا يا لها من فتاة ، ساعدها فى العودة الى الطريق من جديد وسحبت يدها من يده بسرعة ، ونظرا معا الى السماء حيث توقفت السماء عن المطر ، قال عمر بابتسامة ” بطلت ..طول عمرى بحب المطر بس بعد ماجيت المنطقه دى وشوفت المطر بيعمل فيها ايه غيرت رأيى ”
أخفض عمر نظره من السماء اليها ، كانت تبتسم ، تبتسم له ، هذه حقيقة ، أكثر من ثلاثة أشهر يعملان سويا ولم تكلف خاطرها بابتسامة واحدة فى وجهه ، ابتسامتها كضحكتها التى رآها من قبل جميلة مشرقة تشعر وكان الشمس تشرق من جديد فى هذا اليوم الممطر وتملىء الكون دفئا ، نظر لها من جديد وهى تمسح حبيبات المطر من على وجهها وقال فى جرأة لم يعرف من أين اتى بها ” لسة باقى على معاد الشفت بتاعنا نص ساعة تقريبا ..ايه رأيك لو خدنا حاجة سخنة فى الكافيتريا اللى هناك دى ” قال ذلك وهو يشير بيده الى مقهى قريب وكانه أدرك ماقاله وتأثيره على شخص مثل ياسمين فصمت قليلا وهو يشعر بالندم ولم يشأ ان ينظر الى وجهها فأقل ردة فعل هى نظرة ازدراء ولكنه تفاجىءبها تتنفس فى عمق وهى تنفخ فى يدها لتحصل على الدفء قائلة ” فعلا الجو برد محتاجين نشرب حاجة سخنة ” لم يصدق أذنيه ماذا فعلت بها الامطار ، ابتسامة ووموافقة على عرض كهذا فى يوم واحد ؟؟ماذا الم بها اليوم ؟؟، بل انه شك فى نواياها وظن انها ربما ستدخل معه لتسكب عليها الشاى من جديد ليس أكثر ، غامضة هى ولا يستطيع ان يحدد فيما تفكر بالضبط ولكن فضوله دفعه ليكمل ما بدأه ويحاول ان يفك شفرات هذه الشخصية الغريبة ، ابتسم وهو يتخيلها تدخل معه وتسكب عليه الشاى من جديد بالفعل وتصرخ به“ ده عشان تفكر تتجاوز حدودك معايا تانى ” ، نفض عن رأسه الفكرة وتنفس فى عمق قائلا ” يلا بينا ” .
*************************************************************************
رفعت رأسها فى تثاقل عن صدره ، نظرت الى وجهه والى الساعة لتعرف كم من الوقت مر وهو الى جوارها هكذا ، فتح عينيه بدوره حين شعر براسها ترفع عن صدره فنهض وهو يمط ذراعيه فى تعب قائلا ” صباح الخير يا حبيبتى ..ايه الاخبار دلوقتى ”
هزت رأسها قائلة ” كويسة أحسن كتير ”
ترك الفراش فى تثاقل وهو يقول ” هخليهم يجيبولك فطار لازم تاكلى وغصب عنك كمان ” وأضاف بحب ” انا مش مستغنى عنك ” وقبل ان يبتعد أمسكت مرام بكفه فنظر اليها ولم يعلق فقالت بصوت مختنق وهى توشك على البكاء ” انا آسفة ”
احتضن سليم كفها بين يديه وهو يقول ” خلاص يا مرام .اهدى بس دلوقتى ”
افلتت دمعة من عينها وقالت وهى تبادر لمسحها ” انا بحبك يا سليم فوق ما تتخيل ..الموضوع مش زى مانت فاكر ابدا ”
ساعدها سليم لتنهض وجلس على طرف الفراش فى مواجهتها قائلا فى حنان ” مرام انا عايزك تعرفى حاجة مهمة اوى مهما حصل بينا مهما حصل مش ممكن اتخلى عنك او اسيبك ابدا ..سامعانى يا حبيبتى ”
قالت وهى تحتض وجهه بكفيها ” حقيقى يا سليم ؟؟“
امسك بكفها وقبله قائلا ” حقيقى يا مرام اوعى يكون عندك شك فى ده ابدا ..امبارح يمكن اتعصبت واتفاجئت ومشيت عشان متصرفش بجنون او اعمل تصرف يضايقك بس فى الآخر رجعتلك ...انا ممكن اه ازعل واتعصب بس مستحيل اسيبك ابدا فاهمانى ...مرام انتى مش بس مراتى ..انتى كل اهلى وانا مليش غيرك ”
قالت وهى تضع رأسها على صدره ” وانا كمان يا سليم هعملك اللى انت عاوزه هبطل اللى باخده و...“ ضمها سليم اليه قائلا ”وقت ما تحسى انك مستعدة للخطوة دى وتحبى تعملى ده ...انا مش مستعجل ..احنا لسة صغيرين ..انا بس اتضايقت انك خبيتى عليا ”
واضاف وهو يمرر يده فى خصلات شعرها ” كل اللى انا عايزه منك دلوقتى انك ترجعى مرام اللى حبتها ..بلاش تحبسى نفسك فى الحالة دى اللى انتى عايشة فيها من بعد موت باباكى ..اخرجى روحى نادى ..اعرفى اصحاب جداد متحبسيش نفسك كدة ”
نهض من جديد وطلب من الخدم احضار الافطار الى الغرفة وأخذ يطعمها بيده ويتبادل معها الاحاديث والمواقف المضحكة التى حدثت لهما منذ بداية تعارفهما ، شعر بهذه الضحكات تعيد الى مرام وجهها النضر من جديد وتذهب ذبوله الذى رافقه منذ شهور من بعد وفاة أبيها وما تبعها من صدمة ، كانت شديدة التعلق به ووفاته كانت مفاجئة للجميع وعاشت من بعده فى حالة سيئة جعلت سليم يتخذ قراره بترك الاسكندرية بأسرها وبدء حياة جديدة لهما معا فى القاهرة بعيدا عن اى ذكرى مؤلمة .
***************************************************************
نظر اليها وهى تضع كوب الشاى بين كفيها ، تنظر اليه وتدلك يدها فيه لتحصل على الدفء، وترفعه بين الحين والاخر لترتشف منه ، قال محاولا قطع هذا الصمت بأى كلمات ” انتى بردانة اوى للدرجادى ؟؟“ ، نظرت اليه نظرة خاطفة وعادت تنظر الى كوب الشاى من جديد قائلة ” يعنى مش اوى ”
نظر الى كوب الشاى بين كفيها قائلا بابتسامة ” انتى مش بتشربى حاجة غير الشاى خالص ؟؟“
ابتسمت بدورها وهى تتذكر يوم أن سكبت عليه الشاى فى أول مرة تقابلا فيها وقالت ” تقريبا أه ”
قال وهو يرشف اخر ما تبقى من كوب النيسكافيه الخاص به ويلقى نظرة من خلال النافذة ” مبقتش بحب فصل الشتا ”
قالت وهى تنظر الى النافذة بدورها ” ولا انا ”
أمال عمر راسه الى اليمين فى دهشة قائلا ” غريبة ...اغلب البنات بشكل عام بيكتبو قصايد غزل فى حب الشتا ”
ارتشفت من كوبها وابتسمت من جديد قائلة ” ده حقيقى !!!...بس انا عمرى فعلا ما حبيته ..غيام ومطر جو يجيب اكتئاب ”
هزعمر كتفيه قائلا ” بصراحة معاكى حق ..انا طول عمرى بحب الصيف اكتر وخصوصا اجازتنا كانت بتبقى فيه اكيد عارفة طب ومذاكرته وامتحاناته اللى تخنق ..كان الواحد مابيصدق يهرب ”
ابتسمت من جديد دون ان تعلق فواصل عمر متسائلا ” انا حاسس ان احنا كنا دفعة واحدة ..انتى جامعة القاهرة مش كدة ؟؟؟“
ـ ايوة اتخرجت من تلات سنين
ضرب عمر المائدة فى رفق وهو يقول ” ايوة صح انا قلت شكلك مش غريب ..احنا فعلا دفعة واحدة ..بس انتى حرف ى وانا ع فأكيد مكناش فى نفس المكان ”
ضيقت ياسمين عينيها وقالت ” بس انا كنت اعرفك ”
رفع عمر حاجبه قائلا ” حقيقى ؟؟؟“
واصلت وهى تبسط كفيها ” طبعا انت كنت من الناس المشهورين فى الدفعة ..والناس كانوبيشوفوك انت وخطيبتك من اشهر الكابلز اللى موجودين ”
تلاشت الابتسامة من على وجه عمر وطأطأ ارضا للحظات وعاد ليرفع رأسه محتفظا بشبح ابتسامة خفيف وأمسك بكوب النيسكافيه وقبل ان يصل الى شفتيه تذكر انه فارغ فاعاده فى خيبة امل ، نظر الى ياسمين التى بدا عليها الحرج من وقع كلماتها عليه فحاول تجاوز الامر قائلا ” دكتورة ياسمين انا فى حاجة محيرانى ...انتى ليه ملبستيش ماسك فى وجود حالة معدية لللدرجادى ؟؟“
تنحنحت ياسمين ونظرت الى ساعتها لتجد االمخرج قائلة ” يااااااه ...خلاص معاد الشفت بتاعنا يدوبك نوصل ”
ابتسم من محاولتها للهرب ولكن لم يحاول ان يثنيها عن ذلك ، نهض وهو يحمل حقيبته على ظهره وسار خطوتين قبل ان يسمعها تناديه ” دكتور عمر ”
كانت المرة الاولى التى تناديه باسمه ، ولم يعرف سر هذه الابتسامة التى ارتسمت على شفتيه وحاول اخفائها سريعا وهو يلتفت اليها
فقالت بعد ان نظرت ارضا للحظات وعضت شفتها ” انا متشكرة على كل حاجة واسفة على كل حاجة برضه ”
ابتسم عمر وهو يشد على حزام حقيبته قائلا ” اسفة على ايه ؟؟؟“
نظرت ياسمين الى الاعلى وتنفست فى عمق قائلة ” صدقنى انا مش جافة ولا قليلة الذوق زى ما انت ممكن تكون متخيل ”
قاطعها عمر محاولا تصحيح الفكرة الا انها واصلت وهى تضع كفها بينها وبينه لتوقفه عن الكلام ” او زى ما يكونو موصلينلك ..انا عارفة كويس اللى بيتقال عنى ”
رفع عمر حاجبه فى دهشة ، فابتسمت ياسمين ابتسامة بدت له مختلفة وهى تواصل ” انا عارفة كويس فكرة كل واحد عنى عاملة ازاى ”
فتح ثغره محاولا قول اى شىء فلم تسعفه كلماته بغير قول ” ياسمين ” ، تنحنح فى احراج قائلا ” دكتورة ياسمين ” وهز رأسه دون ان ينطق ، سارت امامه خطوتين قبل ان تستدير له قائلة ” تقدر تقولى ياسمين عادى ...احنا زملا ” ، نظرت الى ساعتها مجدد وهى تقول ” بعد اذنك انا هسبقك ”
شىء ما كان يجذبه بقوة تجاهها ، ربما اختلافها ، ربما انها لغز يريد ان يفضه ، ربما فضوله فى ان يزيح الستار عن الشخصية الحقيقة التى يشعر انها تخفيها خلف هذا الوجه المتجهم العابس والذى بدأ يرى بعضا من ملامحه عن قرب ، لقد ابتسمت له وقبلت دعوته ونادته باسمه كل ذلك فى يوم واحد ، شىء يعتبره عمر انجاز ، شعر بسعادة أخذ يستنكرها على نفسه ، الا انه مصر وبشدة ان يعرف من تكون يا سمين الحقيقية ، هل هى ياسمين التى رآها تبكى وتخفى المها عن الجميع ، ام ياسمين التى ابتسمت وتحدثت معه بكل ادب الآن .
******************************************************************
زادت مرام من سرعة جهاز المشى اكثر واكثر لتستطيع ان تسبق افكارها وتتركها خلف ظهرها فلا تراها مطلقا ولا تلتفت اليها ، حاولت تهدئة نفسها وهى تفكر لقد قضى ليلته الى جوارها يمسح على شعرها كالاطفال ، لقد انساه قلقه عليها كل غضبه ، لقد وعدها الايتركها ابدا ولكن ماذا عن الاخرى ؟؟،، تلك التى يهلوس باسمها ويناديها فى احلامه ، هل سيعود يوما للبحث عنها ، هلى سيتركها من أجلها ، سبقتها أفكارها هذه المرة فشعرت بالدوار وعدم قدرتها على مواصلة الركض ، أمسكت برأسها وانخفضت للاسفل محاولة المواصلة دون جدوى ، شعرت بشبح يقف امامها ويوقف الجهاز ثم يعود بسرعة ليمسك بيدها ، رفعت رأسها لتجد فتاة بالغة الحسن تسألها فى قلق واضح ” انتى كويسة ؟؟“
تنهدت مرام وجلست على حافة الجهاز وهى تهز رأسها وتمسك بجبهتها لترفع نظرها الى الفتاة من جديد التى وجدتها قد جلست بدورها على حافة جهاز المشى المجاور لمرام وهى تمد يدها بعلبة عصير قائلة ” اشربى ده لو حاسة انك مهبطة ”
رفضت مرام فى البداية ولكن حينما ألحت عليها أخذته منها وقبضت عليه بين كفيها ورشفت منه رشفتين ووضعته الى جوارها ، مدت يدها الى الفتاة الجالسة الى جوارها لتصافحها بابتسامة متعبة ” متشكرة اوى ..انا مرام ”
مدت الفتاة يدها مصاقحة وهى تقول ” وانا ندى ”
ـ اهلا وسهلا فرصة سعيدة يا ندى
استندت ندى بكفيها الى حافة الجهاز وهى تقول ” انا اسعد ...دى اول مرة ليكى فى الجيم ”
التقطت مرام المنشفة لتجففف عرقها قائلة ” انا من اسكندرية اصلا وفى القاهرة بقالى تلات شهور ..اول مرة انزل الجيم ده ..انتى بتيجى هنا كتير ؟؟؟“
هزت ندى رأسها قائلة ” مرتين او تلاتة فى الاسبوع ولولا ظروف شغلى كنت جيت كل يوم ”
ابتسمت مرام قائلة ” ياريتنى اكون نشيطة زيك كدة ”
شبكت ندى كفيها وهى تقول ” وليه لا ..الرياضة حلوة وبتطلع الطاقة السلبية اللى جوانا ”
استمر الحوار بينهما وتبادلت كل منهما الحديث عن حياتها ، ولان النساء ماهرات فى صنع العلاقات فقد نشأت بوادر صداقة بين مرام وندى ، وتبادلتا ارقام الهاتف وتواعدتا على اللقاء مجداا
*************************************************************8
” ايه رأيك فى المكان ؟؟“
قالها احمد وهو يشير بذراعيه حوله ، التفتت له ندى وهى تضم النوت الخاص بها اليها ” حلوة اوى الفيلا ..بس بعيدة يتقتل فيها القتيل ما يحسوش بيه زى ما بيقولو ” وضحكت قليلا فضحك أحمد قائلا ” يعنى شوية خصوصية بعيد عن الدوشة والزحمة مش هيضرو ”
ابتسمت ندى وهى تدون شيئا فى اوراقها حتى سمعت احمد يناديها ” ندى ”
رفعت رأسها اليه فقال وهو يعقد ذراعيه ويتأملها ” بطلتى تكلمينى برسمية سخيفة بس لسة عاملة حاجز بينا ”
انتفضت ندى انتفاضة خفيفة وهى تتفاجىء بكلماته ولكنها اخفتها بسرعة ولم ترفع رأسها من النوت التى تدون قيها ملاحظاتها وقالت ” ممكن نبدأ تفرج على الاوض دلوقتى ؟؟“
هز احمد رأسه واقترب خطوتين وقبل ان يحاول الحديث نظرت ندى الى رضا مساعدها الذى كان يأخذ بعض المقاسات بعيدا وقالت ” يلا يا رضا عشان نشوف الاوض ”
نظر أحمد اليه واليها فى نظرة عاتبة لم تبالى بها وبدات فى عملها ، تفقدت غرف الفيلا الكثيرة والواسعة والفضول يتملكها من اين لاحمد بكل هذه الاموال ، فمستواه المادى لم يكن جيدا الى هذا الحد ، الحديث بينها وبينه كان عمليا بحتا ، كانت تسأله عن الاثاث الذى يفضله وتريه بعض الصور على التاب الخاص بها وتبدى رأيها دون تدخل فتتفاجىء باصراره على ما تراه هى وتفضله ، كانت تدون فى النوت كل شىء وهى تشعر بنظراته تخترقها ، تحيطها وتقيدها وتمنعها حتى من التنفس ، تمنت لو فرت من امامه لتتخلص من هذا العبء ، بعد ان انتهت من الغرف ، اتجهو الى الحديقة الخارجية للفيلا ، اغلقنت ندى جهازها ونوتها وتنهدت ايذانا بانتهاء العمل قائلة ” بالنسبة للجنينة دى مش اختصاصى فى مهندس زراعى بكرة هييجى يهتم بيها ويشوف ايه اللى هنقدر نعمله ”
نظرت ندى الى رضا بالداخل ولم يكن قد انتهى من عمله فققرت تركه لينتهى من اخذ المقاسات وتذهب هى وقبل ان تفتح فمها لتناديه ، وجدت احمد يقول ” ندى ” ، التفتت اليه وهى تحاول السيطرة على اعصابها المتوترة ، الم تختر المواجهة فلتواجه اذن ، تتنهدت بقوة لتوازن انفاسها المتسارعة وقالت بصوت متقطع ” نعم ”
كان مرتبكا بدوره فوضع يده فى جيب بنطاله قائلا ” انا آسف ” ، مطت ندى شفتيها فى تعجب لم يصدر منه شىء اليوم يستحق الاعتذار ، تمنت الا يكن يقصد ما مضى قهى لا تريد ان تنبش فيه من جديد ، قطع افكارها صوته ” مش بعتذر عن اليوم اللى مشيت فيه من قدامك من غير مقدمات وبس ..انا بعتذر عن كل اللى حصل معاكى فى السنين اللى فاتت وانا مكنتش جنبك فيه ”
اذن فقد علم بكل شىء ، وفاة ابيها وفقدانهم للثروة ولكن هل علم بالخطبة او شبه الخطبة بينها وبين ادهم ، لم يخبرها فى السابق وحتى تركها دون ان تعرف تحت اى اسم كانت تندرج علاقتهما ، فلو اختار هذا التوقت ليخبرها بشىء فهو مخطىء تماما ، قالت محاولة اثناءه عن اى عزم بداخله او اى نية لاخبارها باى مشاعر يحملها تجاهها ” انت نسيت عمر ؟؟؟...كان جنبى دايما فى كل حاجة ..وبعدين انت وقفت جنبى كتير وكنت صديق واخ ومازلت ”
رد باستنكار ” صديق واخ ”
ازردردت ريقها وشردت للامام بعيدا عن عينيه قائلة ” ايوة .ومقدرش انكر وقفتك معايا ايام الكلية ”
يبدو ان جهدها فى اقناعه لم يكن مجديا وان لغة الجسد التى يجيدها احمد كانت تفضحها لذا نظر الى الامام مثلها وقال ” معنى كلامك انك لسة زعلانة ”
امسكت ندى بحقيبتها وضغطت عليها بقوة لتخفى بعضا من توترها وتبحث عن اى كلمات او اى رد فعل عاقل وغير مندفع تهرب به من ذلك الموقف ولكنها لم تجد ، فواصل احمد حديثه بنبرة واثقة ” مش عاوزة تعرفى كنت عاوز اقولك ايه يوم مامشيت ”
التفتت اليه فجاة والدم يندفع الى رأسها وقلبها يكاد يتوقف من النبض ، ليس هذا بالوقت المناسب ابدا ، منذ عامين او اكثر كادت ان تحترق شوقا لسماع تلك الكلمة منه اما الان فهى لا تريد شيئا ، تريد ان تعرف ماذا تريد ندى من الحياة اولا ، وفجاة خطر على بالها سؤال يخرجها من الموقف فتنفست فى عمق قائلة ” عاوزة اعرف حاجة تانية ...فلوس الفيلا دى جبتها منين ؟؟“
عقد احمد حاجبيه فى ذهول وانتقل ليقف امامها مباشرة وهو ما اربكها اذا اعطاه الفرصة لرؤية خديها الذين احمرا بشدة ، دقق النظر الى عينيها للحظات ثم الى اصابعها التى تتشيث بالحقيبة قبل ان يقول ” مش فلوسى ..انا بدير كل االاموال دى وباخد مرتب ونسبة محترمة والفيلا دى كانت مجرد مكافأة ”
هزت ندى رأسها وهى تقول ” اكيد واثقين فيك جدا ”
لم يعقب أحمد بل قال من جدبد ” مش عاوزة تعرفى كنت عاوز اقولك ايه ؟؟“
هنا كان المخرج رن جرس هاتفها فاخرجته بسرعة ، كان المتصل هو عمر ” اهلا عمر ..ابوة هجيلك فورا ” ، ونظرت الى احمد قائلة ” معلش لازم امشى عشان الحق عمر ..احنا كدة خدنا المقاسات المرة الجاية العمال هيبقو معايا عشان نبدأ الشغل ” ولم تمهله ندى اى فرصة وانطلقت تاخذ اول سيارة اجرة قابلتها ، وهى تضع يدها على صدرها تواجه اضطراب انفاسها ، المواجهة ليست سهلة ابدا كما ظنت ، والفوضى التى سيطرت على حياتها فى العامين السابقين جعلتها تفكر جيدا قبل اتخاذ اى قرار ، ثم ان هناك شىء ما بداخلها يرفض مسامحة احمد على اختفائه المفاجىء ودن ابداء اى مبررات ، شىء ما يريد ان يعاقبه ، شىء ما يمنعها من المجازفة من جديد بمشاعرها معه او مع اى شخص ، ارادت ان تخرج من هذه الدوامة واتخذت قرارها بان تطلب من مديرها ان ينقل العمل منها فى فيلا احمد الى اى زميل اخر.
**************************************************“
” تجيلى فين يا مجنونة ” ، ” مجنونة وغبية دى ولا ايه ؟؟“ قالها عمر وهو يلقى هاتفه فى غضب ، والتفتت اليه ياسمين وهى تمسك البالطو الخاص بها وقد دخلت الغرفة قبل لحظات دون ان يلاحظها، لاحظ نظراتها الجامدة فرفع كفيه قائلا ” أكيد مكنتش اقصدك

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close