اخر الروايات

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم دفنا عمر

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم دفنا عمر


الفصل الواحد والخمسون

________________


+



أصغي إليْ يا بني آدم

منحتُك الجنة جزاءً ومآوى لو أصبت.. 

وجزيتُك جهنم مصيرًا ومثوى لو أخطأت.. 

وخلقتُك عاقلًا فقرر بينهما ما شئت.. 

لا تخطيء قراءة رسائلي فتفنى وتهلك

أنا الجبار منحتك شتى الطرق فاختر ما تسلُك

---------------

وصل وهو يلهث لبقعة قرب ضفاف النيل وراح يتأمل المياه بعين شاخصة..كم تبدو مخيفة بظلمتها وغامضة.. ترى كيف يبدو جوفها في تلك الظُلمة الحالكة؟ ماذا لو أخترقها ليعلم؟

صعد كالمغيب على حافة السياج ووقف بتوازن..

متسائل في نفسه.. أي ظلمة أقسى؟

ظلمة روحه؟ أم ظلمة المياة الساكنة أسفله. 


+



سيغوص ليعلم. 

علها تزيل عنه الدنس الذي يلتصق به..

أو ربما يموت وتبتلعه تلك الظلمة..

ولن يشعر به أحدا.. 

بدت له الفكرة جذابة..

أغمض عينه وفرد ذراعيه في الهواء

ومال بجسده  للأمام مستسلما لمصيره..

ويعلم أن الجنة ليست لأمثاله

ومثواه لن يكون سوى الجحيم! 

لكن لا يهم

هو يتلظى به في كل الأحوال.. 

فليذهب إليه طواعيةً.

استنشق أخر أنفاسه في هذا العالم. 

وبدأت رحلة السقوط!


+



_ بابا..!


+



رحمة؟

هل تناديه صغيرته؟

هي هنا ونطقت كلمة بابا؟

لكن كيف أتت؟

أم هو من استدعى همسها الحبيب كذبًا بخياله

فتجسد لأذنيه؟ ليت كان بوسعه أن ينال سماع همهمتها الملائكية وضمها واستنشق رائحتها قبل أن يغادر هذا العالم للأبد.. 


+



_ ببا… با با..! 

_ برافو حبيبة بابا.. تيتة هتفرح بيكي أوي يا "دنيا"


+



_ دنيا؟ 

من دنيا هذه؟

أليس هذا صوت صغيرتي رحمة؟


+



هنا فتح عيناه والتفت ليجد رجلا ما يعطيه ظهره منحنيا يلاطف صغيرته ويطلب منها إعادة ما قالت:  يلا قولي بابا تاني عشان  لما نروح البيت تسمعيها لتيتة.. 

لم تكن ابنته.. 

ليست رحمة.. 

ليست صغيرته.. 

خاب أمله ولعبت به أوهامه وأمانيه الأخيرة أن يسمع صوته غاليته..


+



" ايه ده يا استاذ بتعمل ايه عندك، أنت اتجننت؟! انزل حالًا قبل ما تقع" 


+



قالها الرجل وهو يعيد ابنته لعربتها الصغيرة ويندفع نحو رائد ليجذبه إليه فيقع على الرصيف والرجل مواصلا صياحه اللائم:  في ايه يا استاذ انت ازاي تقف كده، كنت ممكن تقع ويجرالك حاجة..لا حول ولا قوة إلا بالله! 


+



كل ما قاله الرجل لم يعيه وبصره لا يحيد عن الصغيرة التي رآى بها ابنته.. تبدو له في سن متقارب، اغرورقت عيناه وسالت دموعه بصمت وحنينه إليها يشتعل بصدره، أشفق عليه الرجل وربت على ظهره بعد أن أدرك انه يعاني مشكلة ما ويصيبه اليأس:  


+



وحد الله يا استاذ الدنيا مليانة ابتلاءت بس صدقني ربك كريم فوق ما تتصور وبيحبك..لو مش بيحبك كان سابك لضلالك من غير مايفوقك بابتلاء عشان تلجأ له.. عايز يخفف عنك ذنوبك.. عايزك تطهر نفسك من خطاياك..أوعى تفهم رسايله غلط.. معنى اللي كنت هتعمله دلوقت انك مافهمتش هو عايز منك ايه.. ببساطة عايزك تندم.. تتوب.. تستغفر.. تتضرع له في جوف الليل بركعتين ولا حتى آيتين من المصحف.. وكل ده سهل أوي ومتاح قدامك طول الوقت، ليه سهل عليك تموت كافر وفي فرصة تعيش وتزود رصيد حسانتك وتكفر عن آثامك؟ .. 


+




نظر له رائد كأنه يطالع مخلوق غريب لم يصادف مثله من قبل.. كلماته كأنها تخترقه دون ألم..تصفعه دون قسوة.. ترجف قلبه.. تزلزل معتقاداته.. تفتت يأسه.. تلقي بقلب ظلامه سهام تحمل قبسًا من نور.. أول مرة يستشعره داخله.. كان يظنه لا يحوي بين جنبات روحه سوى ظلام وسواد! 


+



عاد يضخ به الأمل عبر كلماته: 

_وحد الله وروح صلي ركعتين وكلمه واشكي حالك وابكي.. أبكي قد ماتقدر من غير كسوف، قرب منه وناجيه واطلب العون، لكن اوعي.. اوعي تضعف وتحاول تاني تنتحر.. اوعي تموت كافر وتقنط من رحمة الله! 


+



ثم نظر الرجل لطفلته بنظرة حانية وقال:  تعرف الطفلة الجميلة اللي قدامك دي؟ والدتها ماتت وهي بتولدها، والبنت نفسها اتولدت مريضة وضعيفة ..والدكاترة قالولي انها مش هتعيش كتير..يمكن ايام او شهور بسيطة.. بس انا قولتلهم انتو مش عارفين حاجة.. بنتي هتعيش وتتعالح. وتكون بخير.. ربنا مش رزقني بيها عشان ياخدها مني تاني..ربنا عارف اني مش هتحمل خسارتها هي كمان زي والدتها.. كان ظني فيه كبير اوي.. صليت ودعيت وماخذلنيش..واهي تمت سنة والحمد لله بتتعالج وكويسة.. وانهاردة عيد ميلادها.. جبتها هنا عشان ده كان مكاني المفضل مع والدتها.. ياما هنا اتكلمنا وضحكنا وحلمنا..وأنهاردة اول مرة تقولي بابا..شوفت عوض ربنا وجماله؟ 


+



ودعه الرجل وغادر مع ابنته التي راح يداعبها والسعادة تملأ صوته.. ظل رائد يراقبه شاردا ووجه رحمة يتجسد في مخيلته..ضحكتها البريئة وزحفها وهي تطارده وتتشبث بقدمه ليحملها..تعلقها بهاتفه والعبث به وهو يضحك لما تفعل بحنان، اغرووقت عينيه بحنين وشوق جارف لها ثم رفع وجهه للسماء وبسط ذراعيه يدعوا بصوت أفكاره ودموعه تزداد غزارة لتصبح نحيب مكتوب.. لم يهتم بهمسات المارة حوله وهو بتلك الحالة.. ثم توجهه لبيته وقرر أن يصعد لغرفة والدته، تلك المرة لن يهابها.. هناك شيء يحسه أن يفعل..وقف على عتبتها ينظر لمصحفها المغلق المغبر والسبحة وسجادة الصلاة..وتقدم بخطى بطيئة وعبق والدته يملأ صدره.. كأنها معه تدعمه..  ذهب ليتوضأ ويصلي وشعور الراحة يتعاظم داخله..حقًا راحته تبدأ من هنا.. 


+



حنى رأسه ساجدا لله وبدأ يهمس بدعواته وحديث قلبه لخالقه وهو يبكي، كلما تحدث كلما ازداد بكاءه.. سجادته تشربت بترحاب قطرات دموعه المنهمرة.. ختم صلاته ولأول مرة يشعر بسكينة تغمر قلبه..نظر لفراشها ودنى منه ثم تحسسه برفق ثم أعتلاه وأرخى جسده عليه واحتضن وسادتها وأغمض عينيه ولم تمضي دقائق حتى راح في سبات عميق لم يناله منذ فترة طويلة!

______________


+



وقفت تقلب حبات الأرز  ثم التقطت بطرف الملعقة بعضه لتتذوقه وتتبين نضوجه وصوته يأتي خلفها: مع إني كنت زعلان من ياسين وناوي ابهدله عشان طنشني يوم الفرح، بس اما عرفت اللي حصل عذرته وزعلت أوي عشان بسمة، المسكينة فقدت اهلها ومآواها في وقت واحد


+



استدارت تهتف بتعاطف:  فعلا ابتلاء صعب..ياريت حتى ليها أخ كبير تتسند عليه، لكن أخوهم لسه صغير.. 

_ واخوهم كمان مشكلة لوحده، الولد من وقت ما شاف أمه وأبوه يوم الحادث وهما ميتين، فقد النطق ..تقريبا عنده حالة نفسية.. ياسين قالي ان الولد معتقد انهم ماتو بسبب شقاوته تخيلي؟!


+




        


          


                

دمعت عيناها بصدق:  ياحبيبي.. هو عمره قد ايه ياعابد؟

_ تقريبا ست سنين 

_ أهو ده بقي اكتر حد قطع قلبي.. 

وأكلمت وهي تبدأ بغرف الطعام داخل الصحون وتضعهم فوق طاولة صغيرة في منتصف المطبخ:  وبعدين حصل ايه معاهم..؟ 

قال وأصابعه تلاطف شعر الصغير الذي يحمله على كتفه: خطيب اختها أخدهم على شقته اللي هيتجوزا فيها بعد كده وياسين مقصرش معاهم، ساعد قد ما قدر.. 


+



أخذ كلًا منهما موضعه حاول المائدة الصغيرة وقالت: طب هات مهند عشان تعرف تاكل. 

_ لأ سيبيه أنا هعرف اتعامل

_ طيب يارب يعجبك الأكل، عملت صنف جديد

لاك بعض الطعام ثم قال بتلذذ:  الله.. تحفة يا حبيبتي. 

ضوى وجهها كأنها أحرزت هدفًا: بجد عجبك؟

_ أه والله، انتي نفسك حلو في الأكل

ثم غمزها مشاكسًا مع قوله:  فاكرة البسبوسة بالقشطة

قهقهت قائلة:  أيوة أما أخدت الصينية كلها لوحدك يامفتري، وعمو أدهم وقتها بصلك بحسرة بس انا طمنته اني عاملة غيرها


+



برقت عينه بحب وهو يطالعها:  وقتها ماكنتش بس بدوق البسبوسة.. لأ.. كنت بدوق معاها حلاوة مشاعري بيكي وبتمنى تكوني ليا.. 

اقتربت منه وطبعت قبلة على خده ثم احتضنت ذراعه هامسة:  حبيب قلبي.. انت اللي أحلى حاجة حصلتلي


+



ثم وضعت بفمه طعامًا ثم أطعمت الصغير وهي تسأله:  حلو ياهوندتي..؟

عابد وهو يلقنه:  قولها تسلم ايدك يا ماما

الصغير : تسم ماما. 

ضحكت:  ابني تقيل بيختصر الكلام ومالوش في الرغي، تعرف ان طنط كريمة اتعلقت به أوي.. كانت عايزاه يبات معاها، بس أنا عارفة انه هيتعبها، مهند بيصحي كتير بالليل.. ماما بس اللي بتعرف تتعامل معاه

_ بكرة يكبر شوية وينام في حضنها كل يوم

ثم لثم وجنتها هامست:  عقبال ما تجيلنا بيبي جميل زيه

_ إن شاء الله ياحبيبي، ربنا يرزقنا الذرية الصالحة.. 

ثم عادت لحديثها الأول:  طيب بقولك ايه، مش المفروض نروح نعزي بسمة وأختها، ده واجب برضو

_ فكرت في كده وبعدين اتراجعت عن الفكرة

_ ليه؟

_ البيت اللي هما فيه حسب ما فهمت لسه مش مجهز وممكن يتحرجوا.. فأنا اكتفيت بتعزيتها لما جت المزرعة، وانتي  ممكن تكلميها في التليفون، او تستني اما تنزلي المزرعة وتشوفيها.. ولا مش حابة ترجعي الشغل دلوقت؟

_ بالعكس حابة جدا.. ومهند اقدر اسيبه مع طنط كريمة أو ماما.. ثم تمتمت بدلال:  قولي يا بودي، مش هتزهق مني عشان هبقى معاك في الشغل والبيت؟


+



عاتبها:  أزهق منك؟ أنتي عبيطة؟ أكيد لأ.. هكون مبسوط انك معايا.. بس طبعا الدلع والهزار كله هيكون بعيد عن الشغل.. هناك في جدية وبس. 


+



ابتسمت بتفهم:  ماتقلقش عارفة الفرق ومحترمة اوي جديتك وانت بتشتغل وبتعجبني أكتر يا بودي.. 


+



باغتها بلمسة عابثة في خصرها، فانتفضت تضحك وهي تبتعد عنه:  بلاش جنان خلينا نكمل أكل احسن حاجة تقع عليك.. 

_ منا قلت بمناسبة جديتي اللي بتعجبك قلت اوريكي الوش الفرفوش بالمرة 

ضحكت له:  انت هتقولي، دي جوري فضلت تحكيلي امبارح شوية مواقف بينك وبين ياسين، خلت بطني وجعتني من الضحك.. انتوا الاتنين مسخرة والله 

_ ياسين ده حبيبي..وياما بهدلنا بعض مقالب في الجامعة، في حاجات محدش يعرفها كنوع من الستر يعني.. 

_ متخيلة، أكيد كوارس.. 


+




        

          


                

فجأة سكب مهند صحن الشوربة الساخن على عابد، فانتفضت زمزم لإنقاذ الموقف سريعا، فأوقفها ملوحا بيده:  خلاص خليكي مكانك مافيش حاجة حصلت، المهم ماجتش على مهند، كانت هتلسعه ومش هيتحملها

لامت نفسها وهي تأخذ الصغير:  منا قولتلك هاته ياعابد، أنا بعرف اخد بالي وهو معايا.. طب اتحرقت من الشوربة؟

_ لا حصل خير، اللي وقعت عليا حاجة لا تذكر، ماتقلقيش ويلا كملي أكلك

_ أكلت الحمد لله.. هات مهند اغسله بقه واجي.. 


+



غابت دقائق ثم عادت لتجده يضع الأطباق داخل حوض الغسيل، فصاحت عليه:  عابد خد مهند وسيب كل حاجة أنا هظبطها واعمل الشاي. 


+



ترك ما بيده وأخذ الصغير وذهب لغرفة المعيشة وأضاء الشاشة وبحث عن شيء يتابعانه، فحضرت بعد قليل وقالت:  تعرف إن عيد ميلاد مهند التالت عدى في زحمة فرحنا ونسيناه

_ مين قالك كده، أنا اتعمدت نأخر احتفالنا ونحتفل سوا في بيتنا گ عيلة صغيرة.. عشان يكون مختلف عن عيد ميلاده اللي فات.. 


+



رمقته بامتنان:  ربنا يخليك لينا ياحبيبي.. عندك حق بس سيبني أنا احدد وقت الحفلة دي تمام؟

_ ماشي يا قلبي.. 

صاحت وهي تنظر للشاشة: الله.. أنا بحب الفيلم ده أوي كوميدي ويضحك..

_ لا كوميدي ايه، ده فيه حتة فيلم أجنبي جاي على قناة أكشن تحفة.. 

_ أوعي يكون رعب عشان الولد هيحلم بكوابيس

_ لا ده أكشن.. وهيعجب مهند..هو مش هيفهم حاجة بس هيفضل مذهول وفاتح بقه ومذبهل وانا هاضحك.. 

_ بتتريق اكمنه صغير.. ماشي خليك فاكرها.. 


+



وبدأ الفيلم واندمجوا في متابعته وكما توقع عابد، انفرج فم الصغير واتسعت عيناه الجميلة وهو يتابع اللقطات على الشاشة بانبهار، فأشار لها عابد بصوت هامس: شوفتي مهند تقريبا بيستوعب من بقه 

ضحكت وهي تنكز كتفه وعادت تتابع وهي تميل برأسها على كتفه، لتغيب عنها تفاصيل الفيلم وهي تشرد بجانب وجهه وهي تحمد الله عليه.. كل لحظة لهما سويًا تحبه أكثر وتهيم به.. وتحلم حين يرزقها الله بطفل يأخذ ملامحه وروحه.. تريد منه نسخة أخرى تدللها وتكبر بين ذراعيها.. وبغفلة أفكارها وهي تحتضن ذراعه أسبلت عيناها وراحت في النوم، فشعر بها وبحذر أبعد الصغير وحملها ودثرها في الفراش وعاد بالصغير يكمل الفيلم وهو يهتف له:  ماما طلعت بتنام على نفسها ومالهاش في السهر.. بس انا وانت هنسهر ونكمل الفيلم.. مش كده يا صاحبي؟


+



الصغير بتقليد ممتع لكلماته:  أحبي آبد

_ حبيب آبد

_________________


+



" أنتي اتخطبتي يا إيلي؟!!"

" خاينة ومش هنسيبك"

بقي كده ماتعزميناش على خطوبتك؟"


+



باستمتاع شديد راح محمود يتابع تعليقات صديقاتها المذهولة على صورة كفيهما بعد ارتداء الدبل، ورغم مرور أسبوع على خطبتهما لم ينتهي عتابهن لها..ردودها كانت مضحكة وهي تقسم أنها لم تكن تعلم وهن بالطبع يكذبونها ويهددون بالعقاب..تنهد بحرقة، كم أشتاقها..قرر أن يحادثها ويأخذها من ثرثرتهم التي لا تنتهي.. 


+




        

          


                

_ السلام عليكم


+



أرسلها عبر تطبيق الواتس وأنتظر أن تجيب، فوجد مؤشر الكتابة يعمل وأرسلت:  وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

_ أزيك يا إيلاف.. عاملة ايه؟

_ الله يسلمك يامحمود بخير

_ هما لسه أصحابك مش عايزين يقتنعوا بموضوع الخطوبة ده.. شوفت كومنتاتهم على صورة البروفايل

_ هيجننوني.. كل شوية يدخل فوج يلومني.. أنا بفكر اعملهم كلهم بلوك وارتاح والله. 


+



قهقه ثم أرسل لها إيموشن ضاحك وكتب: ياه للدرجة دي؟


+



_ أيوة لأنهم مش مصدقين اني ماكنتش اعرف بموضوع الدبل.. وبعدين انت ماتعرفش الملاعين دول بيبتزوني بايه كمان.. 


+



_ بيبتزوكي بايه؟


+



_ عايزيني اخليك تيجي تاخدني من الكلية عشان يشوفوك علي الطبيعة 


+



أرسل لها مازحا:  بس كده؟ خلاص بكره هاجيلك الكلية، علي الأقل أنا كمان هشوف المزز أصحابك على الطبيعة حلوين ولا لأ.!


+



لم تروقها دعابته ولأول مرة يلتهب قلبها بالغيرة..قررت أن تنهي محادثته وكتبت باقتضاب: 

_ طيب يامحمود أنا هستأذنك عشان هنام لأن رايحة الكلية بدري. 


+



لم يدرك ضيقها فأكمل دعابته التي في باطنها انه سيراها:  خلاص يبقي هعدي عليكي الصبح أوصلك عشان تنفذي شرط اصحابك ويبعدوا عنك. 


+



صمتت وأشتعلت غيرتها أكثر وشعرت بالضيق، فكتبت دون تجاوب مع الذي يظنه مزاح:  تصبح على خير يامحمود.. 


+



راح ينظر لجملتها المقتضبة وانتبه أخيرا لعدم تجاوبها مع معه، عاد يقرأ سريعا حوارهما وأدرك حماقته، فهم بكتابة رسالة يُصلح بها مزحته الثقيلة لكنها أختفت من أمامه ولم تعد متصلة، فتأكد أنها غضبت منه.. نكس رأسه بحزن وصوت أفكاره يلومه..لكنه لم يقصد شيء مجرد مزاح.. قرر أن يتصل على هاتفها مباشرا فوجده مغلق..زفر زفرًا قوية وأزداد ضيقا لإغضابها دون أن ينتبه.. وراح يفكر كيف يبدد أثر ما فعل..وفي نفس اللحظة حدث تضاد غريب حين ارتسمت على شفتيه ابتسامة وهو يردك أن أساس ضيقها لم يكن سوى غيرة..يالا سعادته الآن إيلافه تغار عليه.. وبشكل تلقائي رفع كفه المزين بدبلتها ولثمها هامسًا..( القمر ماتغيرش من النجوم..)

وبهذا الخاطر الأخير حاول أن يغفوا ومحياها يحتل مخيلته ويعده بأحلام سعيدة.. 

_____________


+



كذبت.. لن تذهب للكلية في الصباح..وجدت نفسها تتحجج بما قالت لتغلق بعد أن اشتعل ضيقها منه وفي نفس الوقت لم تعرف ماذا تفعل.. هل تعاتبه؟ كيف؟ مازالت تخجل منه وتحاول التأقلم عليه..تنهدت وقررت إسقاط الأمر برمته من عقلها وهبطت تجلس بالحديقة حتى يأتيها النوم، قضت بضع دقائق بمفردها شاردة لتتفاجأ ببلقيس تهتف خلفها: 


+



لمحتك من أوضتي وانتي قاعدة في الجنينة قلت انزل اقعد معاكي شوية وعملت لينا اتنين كابيتشينو. 


+




        

          


                

ابتسمت لها:  والله بنت حلال، أنا فكرت اتصل بيكي لو صاحية تنزلي بس خوفت تكوني نايمة. 

_ أنا فعلا نمت مع ظافر، بس قلقت من نومي ودخلت الحمام وافتكرت اني نسيت اصلي العشا..بسرعة اتوضيت وصليت وبعدها النوم راح.. قلت خلاص هستنى الفجر .


+



_ أحسن، أنا كمان هستني معاكي، ونبقي نصحي ماما وآبيه ظافر ونصلي جماعة

_ بإذن الله، بس انتي عندك محاضرات بدري صح؟ 

_ لأ معنديش بكرة

_ ممتاز، يبقي نرغي انا وانتي وبعد الفجر ننام، وأنا هروح الشركة متأخر شوية علي الساعة عشرة كده


+



هتفت وهي ترتشف رشفة كابيتشينو:  تسلم ايدك يا بلي

_ بالهنا حبيبتي، قوليلي بقي كنتي سرحانة في ايه؟

_ ابدا مجرد شرود عادي

_ طيب أخبارك ايه انتي ومحمود.. أخدتي عليه شوية؟

هزت رأسها بملامح جامدة:  الحمد لله مع الوقت هتعود عليه وافهمه أكتر


+



رمقتها بلقيس بتمعن وشعرت بلمحة حزن فقالت:  مالك يا إيلاف؟ حاساكي مضايقة. 

نفت سريعا:  لا خالص مافيش حاجة اطمني.. 


+



أومأت لها وساد الصمت وكلا منهما ترتشف مشروبها باستمتاع ثم بادرت الأولى:  تعرفي يا إيلاف.. أول خطوبتي انا وظافر كنت دايما اتوقع منه أمور معينة.. أو افهم حاجات غلط.. في وقت افتكرته مش بيحبني. 


+



اندهشت الأخيرة:  معقولة؟ بالعكس ده آبيه بيحبك اوي. 

_ أيوة بس انا ماكنتش لسه شايفة ده بشكل واضح..وكنت دايما خايفة انه ينجذب لجمالي ويهمل خبايا روحي..أو ان تكون مشاعره مش حب وتكون شيء تاني.. المهم مع الوقت والمواقف بنا ابتديت افهمه أكتر واتأكدت انه بيحبني زي ما انا بتمنى..واتعلمت اني دايما ما اتسرعش في أحكامي. 


+



واستطردت بعد رشفة أخرى:  خلاصة كلامي ده يا إيلاف اني عايزاكي تحاولي تفهمي محمود وتحكميش عليه من مواقف عابرة او جمل اتقالت ممكن جدا يكون مقصود منها شيء عكس اللي فهمتيه..!


+



اتسعت عيناها وهي تطالعها متعجبة، وكأنها تعلم حقيقة ماتخفيه، فواصلت بلقيس: دي نصيحة عامة ليكي اوعي تتسرعي، دايما شغلي عقلك وفكري وحللي المواقف من كل الزوايا.. ونفس الكلام بالنسبة لمحمود اللي لسه بردو هيكتشفك ويفهمك.. 

ثم ربتت على خدها بحنان حقيقي:  أنا بعتبرك اختي الصغيرة مش مجرد اخت جوزي. واتمنى تعتبريني كده وتقربي مني وماتتكسفيش تحكيلي حاجة.. أنا أكبر منك وممكن افيدك وهخاف عليكي.. 


+



منحتها نظرة تقدير وارتمت بصدرها وعانقتها بقوة معبرة عن امتنانها، فاحتضنتها بلقيس ومازحتها:  تعرفي يابنت يا إيلي ان حضنك حلو اوي.. يابختك ياحودة


+



ضحكت بخجل وهي تقول:  بس يابلقيس انا مش متخيلة أصلا ان ممكن حد يحضني غير اخويا وماما.. ده انا هطلع عينه قبل ما ده يحصل..  


+



قهقهت مع قولها:  لازم طبعا تطلعي عينه الأول، امال هياخدك بالساهل كده؟!

وواصلت: المهم عايزة منك خدمة

_ تحت أمرك يا بلي

_ بصي أنا لسه معرفش طباع طنط هدى بالظبط، ممكن تعرفيني ايه أكتر حاجة بتضايق مامتك.. وايه اللي لو عملته هيقربها مني أكتر؟. يعني عرفي اختك شوية أسرار كده

ثم غمزتها مشاغبة:  وهردلك الخدمة دي لما تتجوزي انتي وحودة.. يعني قدمي السبت وهتشوفي معايا بقيت أيام الأسبوع. 


+




        

          


                

ضحكت إيلاف: لا كده صفقة عادلة للطرفين.. ماشي ياستي أنا هقولك كل أسرار شخصية ماما وازاي تكسبيها 


+



منحتها بلقيس كل حواسها وعزمت أن تنال حب أسرة زوجها كما نصحتها والدتها.. وأنها أول أساس لعلاقتها الصحيحة معه ورضاه عنها ورصيدها الذي لن ينضب في قلبه طيلة العمر.. 

____________


+



بيدٍ مرتعشة دست مفتاحها بالمزلاج وعبرت للداخل لتُبصر بحسرة وآلم الجدران المحترقة، والستائر المتفحم باقي أطرافها.. الأريكة الكبيرة التي كان يجلس عليها والديها يحتسون الشاي بعد الغداء.. تقدمت وفتحت باب غرفتهما فوجدت أن الحريق التهم كل مافيها عدى بعض الأشياء البسيطة..وقفت تقرأ لهما الفاتحة وهي تبكي وتدعوا لهما بالرحمة والمغفرة ثم بصرت ذك الكومود الخشبي المحترق، تذكرت كل أوراقهم الهامة التي كانت تحتفظ بها والدتها في أول أدراجه داخل صندوق حديدي عتيق

(( "ماما.. ماترمي الصندوق الأثري ده، هشتريلك واحد خشب شيك".." لا ياست بسمة ده كان صندوق الدهب بتاع جدتك وذكرى منها.. واديني شايلة فيه أوراقنا وحتتين الدهب اللي حيلتي" ))


+



عادت من صوت الذكرى العابرة داخلها، واقتربت من الكومود المتفحم وفتحته لتجد الصندوق مازال به، لم يحترق، الآن أدركت قيمته.. لو كان مجرد صندوق خشبي لتفحم بما يحوي، فصلت طرفيه لتبصر ظرف ورقي كبير يحوي شهادات الميلاد وقسيمة زواج والديها وشهادة تخرجها والكثير من الأوراق الهامة.. ثم وجدت كيس قطيفي كانت تعلم أن بداخله قطع ذهبية بسيطة تخص والدتها..ثلاث أساور ثقيلة وخاتمين ودبلة وخاتم رجالي ذهبي يعود إرثه للجد.. وسلسلة ثقيلة يتدلى منها قطع صغيرة ما بين حرف أسمها وخاتم للصغير ياسين ودلاية كبيرة على شكل أسم "الله" كما وجدت قرطها الذهبي..لم تكن والدتها تحب ارتداء ذهبها وتدخره ليوم الحاجة گ عهد الكثير أمثالها.. بكت وهي تتحس أشيائها.. لم تعد تحتاجها الآن.. لم تعد.. 


+



جففت عبراتها وراحت تتفحص باقي الغرف فلم تجد شيء يُفيد، فأخذت الأوراق وصندوق الذهب وغادرت الغرفة متوجهة لغرفتها هي وشقيقتها والتي كان الضرر بها بصورة أقل..صناديق أطقم المطبخ التي ابتاعتها من مكافأتها السنوية للمساهمة في لوازم جهاز حنين مازالت كمان هي ..الصيني وطقم الشاي وأخر طناجر تيفال وطقم الاستالس والأكروبال..وحقيبة المعالق، فرحت لنجاة بعض الاشياء التي ستنفع شقيقتها في زواجها..نعم كل الملابس والمفروشات والألحفة والأغطية الصوف جميعها احترق في غرفة والدتها.. لكن لوازم المطبخ بكاملها لم يؤثر بها الحريق..كما نجت الغسالة والبوتاجاز من مرمى النيران أيضًا..تنهدت ورفعت وجهها تهمس: 


+



_  الحمد لله يارب.. شوية الحاجات اللي فضلت دي هتستر اختي قصاد جوزها.. والباقي سهل ان شاء الله..فلوس باشمهندس عابد واللي هاخدها من صاحب البيت هجيبلها منهم هدوم الفرح والألحفة الفايبر وقمصان نوم واللي هقدر عليه.. ثم دعت برجاء ( يارب تعني على مسؤليتي ناحية اخواتي ونفسي وتهون علينا فراق الغاليين)


+




        

          


                

التقطت هاتفها لتتصل بحنين لتخبرها ما وجدته، فرن في ذات اللحظة ياسين، تعجبت اتصاله لكنها أجابت: 

السلام عليكم

_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. ازيك يابسمة

_ الحمد لله

_ انتي في شقة والدك مش كده؟

اندهشت معرفته لمكانها: أيوة، بس حضرتك عرفت منين؟ 

_ من حنين لما اتصلت بيكي من شوية ماردتيش فكلمتها اطمن عليكم وهي اللي قالتلي.. 

_ معلش ما سمعتش اتصالك والله. 

_ولا يهمك..المهم قدامك كتير؟ أصلي منتظرك تحت. 

_ تحت فين؟  

_ تحت بيتك، لو بصيتي من الشباك هتشوفيني. 


+



توجهت عفويا للنافذة، فبصرته يقف مستندا بظهره على سيارته، رفع بصره إليها متوقعا أنها ستتفقد وجوده.. فتوترت لنظرته ومكوثه هكذا بين اهل شارعها وقالت: استاذ ياسين وقفتك كده مش ظريفة..أحنا في منطقة شعبية زي ما انت شايف ومايصحش تقف كده. 

_ بس انا عايز اكلمك يابسمة. 

_ اتفضل كلمني في التليفون أهو انا سامعة. 

_ لأ.. مش هينفع، لازم اتكلم وانتي قدامي..كلامي هيكون طويل ومهم.. 

تنهدت رغمًا عنها وصاحت عليه: اسمعني يا استاذ ياسين انا ..


+



_ اسمعيني انتي يابسمة، انا لازم اكلمك انهاردة.. دلوقت حالا.. أرجوكي بلاش تضيعي الوقت وانزلي من فضلك، وانا عشان ما تتحرجيش قدام الناس هبعد بالعربية لأول الشارع الرئيسي وهنتظرك هناك، تمام كده؟  


+



لم تجد مفرا فوافقت لتنهي معه هذا الأمر، لا تريده أن يقحم نفسه في حياتها أكثر من ذلك.. لا تريد التعلق به ويزداد عذابها.. هي واقعية وتعلم حدها جيدا ولن تتعدى خطوط الواقع وتحلم بشيء ليس لها.. ولن يكون.!

_____________


+



اعتدل حين بصرها تقترب منه وملامحها تشي بتوتر تحاول إخفاءه.. فابتسم وهو يتأملها بإحساس مغاير.. حصوله على موافقة والديه منحته قوة أكبر.. لن يكبله أحد عن البوح بمشاعره منذ اللحظة..لاحظت نظراته القوية لها وأصابتها بالخجل وضايقتها في الوقت ذاته.. لتهتف ببعض الحدة لتشوش على هذا الارتباك:  خير يا استاذ ياسين؟ لعلمك حتى وقفتنا هنا مش تمام.. فيها ايه لو قلت اللي عندك في التليفون؟


+



منحها ابتسامة هادئة مقدرا حدتها وهو يفتح لها باب السيارة: مين قتل اننا هنقف هنا؟! اتفضلي اركبي خلينا نروح مكان مناسب نتكلم فيه.. 


+



نقلت بصرها بينه وبين السياره باستنكار لتحتد أكثر:  اركب فين؟! استاذ ياسين انا ماينفعش اركب معاك.. المرة اللي فاتت كانوا اخواتي معايا.. لكن دلوقت ال… .


+



قاطعها:  دلوقت هتركبي معايا لأن اللي عايز اكلمك فيه ماينفعش يتقال كده واحنا واقفين وسط الشارع والرايح والجاي يبص علينا.. ودي حاجة مش ظريفة بالنسبالك.. إلا لو انتي شايفة اني شخص لا يؤتمن وغير أهل للثقة.. وكده هقولك أنا أسف على طلبي وهمشي حالا.. 


+



زفرت وهي تنظر للجهة الأخرى بتردد.. فحاشاها ان تتهمه بما ليس فيه..وقفته الرجولية معهم منذ وفاة والديها لا تصدر سوي من شاب علي خلق حميد، لو نكرتها تُجحفه حقه.. نظرت إليه ثانيًا واعترفت بتأثيره عليها.. تخاف الإنجداب إليه اكثر.. لما لا يفهم انها تتلاشاه..لما يُصر أن يقترب ويتسرب داخلها رغما عنها..؟


+




        

          


                

هزمتها أخيرا نظرته الراجية رغم جموده الظاهري، وانحنت تحتل المقعد جواره بصمت، فاغلق الباب خلفها. استدار وابتسامته تعلو شفتيه قبل أن تختفي تماما وهو يجاورها خلف المقود، مكتفيا داخله بتأكيده انه أصبح له مكانة هامة لديها..صار أكيدًا..

_________________


+



وزعت أنظارها بعيدًا عنه متجاهلة عيناه المصوبة عليها بشكل يرجفها.. ما باله يعذبها هكذا بنظراته القوية وصمته؟ متى سيُلقي عليها حديثه الهام كما يزعم ويعتقها من هذا التوتر الذي يجتاحها؟!

أتى النادل أخيرا ومعه كاسات الليمون، فتسائل بعد رحيله: ياسين عامل ايه دلوقت؟ لسه مش بيتكلم؟


+



أغتالت فضية عيناها سحابة حزن وهي تجيبه: زي ما هو متأثر من الصدمة.. طول الوقت قاعد ساكت معانا، أخر حاجة سمعتها منه يوم الحادث وهو بيبكي ويقول بابا وماما سابوني عشان شقي وصوتي عالي..كل اما افتكر كلامه قلبي يتقطع علشانه! 


+



_ سلامة قلبك.. 

قالها بحنان جارف عزف علي وترًا ما داخلها، فالتزمت الصمت لتُخفي تأثيره ليستطرد قوله: ده طفل ومش فاهم حاجة.. ماتقلقيش في دكتور نفسي ممتاز شرحت له حالة ياسين، طمني انه رد فعل طبيعي ومنتظر زيارة في أقرب وقت وهيبدأ معاه علاج فورا..بس هو في القاهرة عشان كده ياريت تسمحيلي اخده معايا عشان يشوفه في أخر الأسبوع وهرجع انا وهو تاني بعدها بيومين..واوعدك اخد بالي منه.. 


+



لم تستطع تلك المرة تجاهل النظر إليه برمقة متعجبة لشهامته المفرطة في زمن أصبحت فيه الرجال الحقيقية تُعد على الأصابع، لما يُحمل نفسه عبء شقيقها ويهتم لأمره؟ وما هو المقابل؟ هي تعلمت أن كل شيء له ثمنه في هذا العالم.. وهي لا تملك شيء لمثله.. فيما يطمع إذا؟ ليست أجمل من صادف..ولا أرقاهن وحتى إن كانت أجملهم، فقرها يُهبط أسهمها وتخسر أمام أي فتاة جميلة ذات صيت وغنى.. 


+



لاحظت أنه صامت يتأملها بدوره وكأنه يقرأ أفكارها، وابتسامة جذابة واثقة تعلو شفتيه، لا تعرف فيما يثق؟ في تأثيره عليها وأنها بالفعل تميل إليه؟ وهل بوسعها ألا تميل له؟! ليس أختيار هو بل قدرًا أن تحب سندريلا هذا الزمان أمير مثله! 


+



_ بسمة..أنا عارف كويس الأفكار اللي بتدور في دماغك، فاهم مخاوفك ومقدرها..فاهم حتى رفضك لمجرد إن معاير مجتمعنا المعروفة بتقول أننا ماننفعش لبعض.. بس أي مجتمع يا ترى؟ مجتمع الأثرياء؟ طب وهما أصلهم كان ايه؟ كل ثري كان أساسه إنسان فقير وبسيط كافح لحد ما بنى نفسه وجمع ثروته، جدي مثلا كان مجرد فلاح عنده كام إيراط أرض.. شقي وتعب فيهم كتير اوي لحد ما ابتدى يحصد خيرهم وبعدها والدي هو كمان شقي وتعب وقدر يضاعف الأرض ويزود محصولها ويحصد خير أكبر ودخل في مشاريع تانية وقدر يزود ماله الحمد لله..وبعد ما كان متجوز هو وماما في شقة متواضعة جدا، قدر يحسن عيشته ويخليها زي أختها في نفس المستوى، مستوانا المادي جه بالتدريح. كنا فقرة وبيقينا أغنية..ده بالنسبالنا.. نيجي ليكي انتي.. ليه شايفة نفسك مش ند ليا؟ ناقصك ايه؟ انتي فيكي كل حاجة محتاجها.. محترمة، بنت ناس طيبين..قدرتي تجذبيني وتشغلي بالي وقلبي من وقت ما شوفتك، وفوق كل ده جميلة.. والجمال عندي جه أخر مرتبة عارفة ليه؟ عشان عمره ما كان أساس اختياري .. احنا في عصر ممكن بإمكانياته كتير متاحة أي واحدة تخدع أي حد انها جميلة الكون، وكل ده يكون قشرة..الجمال بالنسبالي بيكون في الروح والطباع والتربية.. وانتي متوفر فيكي ده، عشان كده أرجوكي تبصي لموضوعنا بشكل تاني بعيد عن الحساسيات.. 


+




        

          


                

ساد صمتهما بضعة ثواني وهي تطالعه مآخوذة ومبهورة بمنطقه.. تخاف أن تصدق ما تسمع.. تخاف أن تحلم أن مثله يمكن أن يكون لها.. تخاف ولا تعرف كيف تقتل شعلة خوفها المتقدة هذه، ليستأنف هو حديثه ويحرز هدفًا جديدًا قويًا في أرضها المذبذبة تجاهه: 


+



أنا كلمت بابا وماما عنك با بسمة..قولتلهم في بنت قدرت تستحوذ على عقلي.. بنت كل اما استخير ربنا فيها احس براحة ناحيتها وانه بيقربني منها اكتر واكتر...بنت مكافحة وجدعة وحنينة على أهلها..بنت نفسي يكون ليا نصيب في حنيتها دي، بنت اختزلت في عيوني كل بنات العالم.. بنت عزيزة النفس رفضتني عشان خافت على كرامتها تنجرح..


+



واستطرد يكمل حديثه وهي منتكسة الرأس تبكي ولا تقدر على تحمل تلك المشاعر وكلماته تقذف في قلبها بذور الأمل وتحرضها أن تصدق ما تحياه : 


+



واحب اقولك انك غلطانة يابسمة.. اللي خوفتي منه مجرد وهم في دماغك مالوش أساس.. أنا اهلي ناس محترمة وبيقدروا الاخلاق والأصل الطيب..وأهم حاحة عندهم راحتي وسعادتي.. واول ما شافوا في عيون قد ايه عايزك وافقوا.. وطلبوا مني احدد معاكي وقت مناسب عشان يجوا يخطبوكي.. 


+



هنا رفعت وجهها الباكي وعينيها تتلألأ بالدموع..أحقا ما سمعت؟ ام تحلم وستفيق وتكتشف أنه ليس هنا.. لا يحدثها.. لا يبثها حبه وتقديره وتفهمه؟ ليتها تستطع مد يدها وتلمس وجهه لتتأكد أنها ليست في حلم..! 


+



_ مش بتحلمي! 


+



قالها بعد أن قرأ أفكارها بشكل أذهلها من جديد وحدقتيها تتسع ليواصل: أنا بحبك يا بسمة وكل يوم أحساسي بيكبر.. أرجوكي ماتخليس أفكارك الغلط تتحكم في قرارك.. لأن مش هستسلم في كل الأحوال.. ودلوقت عديكي كان يوم بس تستوعبي.. لكن موافقتك محتومة ومش هرضى بالرفض.. عارفة ليه؟


+



رمقته منتطرة إجابه.. فجاد عليها بهمسته الدافئة: 

لأني عارف ومتأكد إنك بتحبيني! 

أطرقت برأسها وخبئت عينيها وهي تنظر لكفيها المضمومة  كى لا تفضحها..لكن هيهات.. حُمرة خديها وشت بها له، فابتسم وأكمل: 

_ ودلوقت هوصلك عشان ماتتأخريش عن اخواتك..وبعد يومين هاخد ياسين اخوكي معايا القاهرة و… .


+



تحدث أخيرا بصوت مبحوح من أثر ما سمعت: لأ.. معلش مش هينفع، على الأقل دلوقت! 


+



تنهد وفهم أنها تريد تحديد موقفها أولا، فقال: اللي يريحك يا بسمة، عموما أنا هكلم عبد الرحمن بما إنه في مقام أخ ليكي دلوقت..لازم احطه في الصورة واعرفه اني منتظر رأيك. .وقتها هاجي أنا وماما وبابا فورا..ثم تمتم برجاء: 


+



بسمة.. أرجوكي ماتتأخريش عليا.. أنا هنزل القاهرة عشان شغلي وهرجع بعد أسبوع تكوني فكرتي كويس.. 

وأكمل بعد نهوصه: يلا عشان اوصلك..مش هينفع تتأخري أكتر من كده.. 


+



صارت جواره شاردة..لا تدري كيف استقلت سيارته تلك المرة دون جدال، وكأن هذا أصبح بالشيء البديهي بينهما.. أن تشاركه سيارته.. ومن يدري.. ربما تشاركه حياته كُلُها.!   

________________


+




        

          


                

تأملت القطع الذهبية الخاصة بوالدتها وهي تبكي:  هو زه اللي فاضل من ماما يا بسمة؟

_ ربتت على كتفها بحنان: لا ياحنين، ماما وبابا هيفضلوا عايشين جوانا.. ساكنين في ملامحنا..دي مجرد ذكرى لينا مش أكتر.. 


+



جففت دموعها وقالت:  عندك حق، الخاتم بتاع بابا هيكون لياسين اخونا بإذن الله. 

_ إن شاء الله.. 

_ بس انتي غبتي اوي يابسمة، مل ده كنتي في شقتنا؟ 

شخصت عيناها تتذكر جلستهما وكلماته وعرضه الذي كرره عليها وبترجى منها الموافقة..مازالت تريد التصديق والتفكير.. ستصلي..يتلجأ لخالقها وهو وحده الذي سيهديها للقرار الأصوب..

_ بسمة، بقولك كل ده كنتي في شقتنا؟


+



نفضت عنها شرودها وقالت: أيوة، أصلك لو عرفتي لقيت ايه هتفرحي اوي..ربنا كريم وعايز يسترنا ياحنين..معظم أطقم المطبخ وشنطة المعالق وحبة كوبايات وكاسات لقيتها زي ما هي الحريق مش طالها، والبوتاجاز والغسالة زي الفل..لكن اللي اتدمر طبعا الهدوم والمفروشات والبطاطين اللي كانت في غرفة ماما وبابا.. بس ولا يهمك، بالفلوس اللي معايا هجيبلك شوية أطقم خروج وهدوم بيت وقمصان نوم وبطانية واخاف فايبر، مش هينقصك حاجة بإذن الله قصاد أهل خطيبك..مخدش يصمن اللي جاي ياحنين، وانا مش هسمح حد يعايرك بعد كده..


+



واستطردت بحماس:  وكمان الحاجات اللي كانت على بابا وماما زي الستاير والمطبخ الخشب بأذن الله هدبرهم، يعني… .


+



بترت حديثها وهي تتلقى عناق جارف من حنين وهي تضمها وتبكي هاتفة:  كفاية يابسمة.. كفاية تفكير فيا وفكري في نفسك شوية.. أنا مش عايزة حاجة..أنا عايزاكي تكوني بخير ومعايا وتعوضيني غياب الحبايب..صدقيني أنا أخر همي دلوقت بيتي هيكون فيه ايه.. خلاص مبقاش فارق معايا حاجة..عبد الرحمن بعد وقفته معايا طلع هو مكسبي الحقيقي، أما انتي وياسين أصبحتم كل أهلي.. عايزاكم بس حواليا وما نفترقش ابدا.. 


+



ابعدتها وهي تبتسم وتزيل دموعها: 

هو أنا ايه وانتي ياعبيطة.. مش واحد؟ انتي دلوقت اللي هتتجوزي.. يبقي كل حاجة نجت من الحريق هتكون ليكي، أنا أهم حاجة دلوقت عندي ياسين..هوديه لدكتور عشان يرجع لطبيعته تاني.. وكل حاجة بعد كده تتعوض.. لما ابقي اتجوز ياستي أوعدك وقتها افكر في نفسي.. 


+



وقبلت جبينها مستطردة: يلا بقي روحي هاتي ياسين..يقعد معانا واعمليلنا شوية شاي من ايديكي الحلوة، وبعدها اتصل بعبد الرحمن عرفيه اني هحتاجه ينقل معايا الحاجات اللي لقيتها في شقتنا بكرة لو كان فاضي. 

_ حاضر، هتصل بيه. 

_________


+



صوت والدتها يتخلل مداركها وهي تتجاهله مكبلة بسطوة النوم عليها، ليزداد إلحاحًا وهي تصيح: 

_ إيلاف.. بقولك قومي، مال نومك تقيل كده ليه

همهمت بنعاس:  سيبيني يا ماما أنا نايمة بعد الفجر

_ وخلاص الضهر آذن، قومي عشان تصلي وتستعدي لخطيبك اللي جاي. 

همست دون وعي:  خطيبي مين؟

_ محمود ياهبلة

_ محمود مين؟

صاحت عليها بحدة لتفيق: انتي هتقومي ولا ارش عليكي مية، بقولك خطيبك اتصل وقال انه جاي يشوفك، قومي بقى وضبي نفسك قبل ما يوصل

جلست تتثائب وهي تتمطى، فمازحتها هدى:  والله العظيم أنا كده هنام جمبك.. وبعدين ماتبقيش تسهري كده تاني. 

قالت ومازل أثر النوم يحاصرها:  ماشي يا ماما.. سيبيني وأنا خلاص هدخل الحمام وهفوق

نهضت هاتفة:  ماشي، لو رجعتي تنامي تاني انتي حرة. 


+




        

          


                

وتركتها لتعود إيلاف وتتثائب ممدة جسدها أسفل الغطاء مرة أخرى وهي تهمس بأجفان ثقيلة:  عايزة أنام يا ناس..لكنها انتفضت بغتة كأن أصابها صاعق:  محمود جاي؟ يا نهار ابيض.. ثم قفزت من الفراش تنظر لنفسها في المرآة ثم مدت يدها تهرش فروة رأسها هاتفة ببلاهة:  ده انا قلت اني رايحة الجامعة.. أكيد ماما قالتله اني ماروحتش..ايه العمل دلوقت؟


+



ثم تمعنت لمظهرها في المرآه وهتفت:  وبعدين ايه المنظر الغبي اللي أنا فيه ده على الصبح.. محمود لو شافني كده هيطلقني. 

ثم لطمت جبينها شاعرة بمزيد من الغباء: يطلقني ازاي واحنا مش متجوزين اساسا.. لا أنا لازم اروح أخد شاور محترم عشان أفوق.. وربنا يستر بقي. 

_______________


+



بعد أن علم من والدتها أنها لم تذهب للجامعة تأكد له غضبها، خاصتا أن هاتفها مازال مغلق..لذا قرر أن يزورها دون ترتيب..لن يهدأ قبل أن يراضيها ويوضح لها أنه كان يمزح.. تذكر اليوم الذي أحضر لها العم عاصم مغلف شيكولاه وكم انعكس عليها هذا الأمر بسعادة متذكرة فعلة والدها المماثلة معها وهي صغيرة.. وهو سيفعلها.. وقف يبتاع لها أفخر أنواع الشيكولاتة وأمور أخرى يعتقد أنها تحبها.. كما ابتاع باقة من الزهور..كل الفتايات تروق لطبيعتهن هدايا گ تلك..


+



وصل واستقبلته والدتها بحفاوة:  أهلا يامحمود اتفضل، إيلي نازلة حالا..(ثم رمقت باقة الزهور وابتسمت قائلة)  شكلك بتحاول تصلح حاجة، صح ولا أنا غلطانة؟

ابتسم لها:  بصراحة ياطنط.. أنا عكيت شوية امبارح وزعلت إيلاف وجاي أصالحها.. 

تبسمت بتفهم:  توقعت كده، عموما وارد تختلفو في الأول لحد ما تعرفوا طباع بعض، ربنا يصلح مابينكم يا محمود.. هسيبك واروح استعجلها..وانت انتظرها في الجنينة أفضل وهبعتلكم الفطار. 


+



أومأ لها بامتنان وانتظر لتأتي.. وبعد دقائق وجدها تقدم عليه بطلة هادئة ووجه ناعم خالي من الأصباغ ولم تضع سوى عدساتها اللاصقة گ عادتها.. 

_ السلام عليكم يامحمود. 

منحها نظرة إعجاب وهو يرد عليها التحية:  وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. عاملة ايه؟

جلست وهي تقول:  الحمد لله

‏وقبل أن يتحدث أتت الخادمة تقدم لهما صينية فطار متنوعة فصمت لحين ذهابها، ثم قدم لها الباقة وقال:  اتفضلي

‏التقطها منه وابتسمت: الله جميلة جداااا.. شكرا

ثم قدم لها الشنطة البلاستيكية مواصلا: وجبتلك الحاجات دي كمان.. تبينت ما أحضرها لتشهق بسعادة:  الله.. شيكولاتة وشيبس كمان.. ثم مازحته:  لا ده انت تيجي عندنا كل يوم.. 

ضحك لمزحتها ثم نظر لها بعد برهة وقال: ليه قفلتي تليفونك امبارح؟

حاولت أن تخفي ضيقها حين تذكرت حديثه عن رفاقها بالأمس:  لا عادي انا متعودة اقفله قبل ما أنام.. لأن مش صحي يكون جمبك تليفون شغال.. ونسيت اشغله لما صحيت.. 

حدجها بنظرة ثاقبة ثم قال مباشرًا: زعلتي مني؟ 

حافظت على تجاهلها للأمر:  هزعل منك ليه بس، منا بقولك بقفل تليفوني من غير حاجة.. 


+




        

          


                

انحنت أكتافه للأمام مقتربًا منها قليلا وهمس بحنان:  أنا كنت بهزر معاكي يا إيلي، مقصدتش ازعلك.. ولما راجعت كلامنا في الشات وحطيت نفسي مكانك لقيت إن حقك تضايقي..وأنا أكيد ما قولتش اجيلك الحامعة عشان اشوف أصحابك ولا يفرقوا معايا خلوين ولا وحشين.. انا فرحت لأنها كانت فرصة اشوفك انتي.. 


+



ثم أكمل بعد منحها نظرة قوية تنضح بمشاعره:  إيلاف.. أنا بعد ما شوفتك مليتي عيني وقلبي.. مابقيتش بشوف غيرك ولا في أحلى منك في عيوني.. مش لأنك إجمل بنت شوفتها.. لأ.. لأنك حبيبتي اللي خطفتني من أول مرة.. لأنك تخصيني واتولدتي عشاني..دايما كنت اسمع ان كل حد فينا له شبيه في الدنيا موجود عشانه.. أنتي تؤامي.. خليكي واثقة فيا ان مستحيل انجذب لغيرك ابدا..أنا عشت فترة طويلة في مجتمع كان متاح فيه حاجات كتير محرمة في مصر، وعمري ما عملتها لأن الحمد لله احنا اتربينا كويس.. وبكرة الأيام هتثبتلك كلامي أكتر.. 


+



ثأثرت لدرجة أن عيناها لمعت بالدموع..لم تعتاد هده المشاعر ولا تدري أنها تحتله هكذا..ظنت ان حبه لها مازال إعجاب بالقشور، عيناها الغريبة.. مظهرها الطفولي.. سمعة عائلتها الطيبة.. تلك الأمور المبدئية التي تكلل كل علاقة بين أثنين في بداية عهدهما.. لكن أن تكون له بتلك الأهمية شيء لم تتوقعه.. قلبها يرقص ويريد عناقه.. لا تعرف كيف تتعانق القلوب.. لكنها تشعر الآن أن قلبها يحبو إليه..روحها تطير حوله.. عيناها تريد التريث على وجهه لتحفره بعقلها لكن تخجل.. ظلت ناكسة الرأس ولم تدري أن خيط رفيع من الدموع تسلل عبر خديها، فهتف بجزع:  إيلاف.. للدرجة دي أنا زعلتك؟ طب أنا أسف والله ماكنت اقصد 


+



أسفقت عليه وهو يظنها غاضبة، فجففت دموعها هاتفة:  مالك مكبر الموضوع كده ليه، وبعدين مادام جيت معاك ورد وشيكولاتة وشيبس يبقي خلاص انت براءة..مش زعلانة والله.. بالعكس.. مبسوطة انك هنا وهنفطر سوا.. 


+



ابتسم براحة وقال: طب ممكن سؤال صغنون قد كده قبل الفطار

_ لو صغنون ماشي..بس بسرعة عشان جعانة

تأملها برهة ثم تسائل بمكر لينتزع منها اعترافا يرضي قلبه: ايه بالظبط اللي زعلك في كلامي؟


+



أدركت خبث سؤاله، الماكر يريدها أن تعترف أن نيران الغيرة لفحتها.. وهي كذلك.. أكلتها الغيرة للمرة الأولى، لكن حضوره الآن وهداياه المحببة وحديثه العميق عنها جعلها تريد أن ترد له سخاء أعترافه باعتراف يستحقه.. فاستجمعت شجاعتها ونفضت عنها غلالة الخجل وهمست دون أن تنظر إليه:  أنا فعلا غيرت عليك يامحمود عشان كده زعلت منك..أول مرة أصلا أحس اني غيرانة على حد.. كنت دايما اسمع عن المشاعر دي بس مش فاهماها.. معاك بجربها وبخطي فيها خطوتي الأولى.. معرفش انا اتسرعت وفهمتك غلط ولا زعلي كان طبيعي.. بس أيًا كان.. حضورك واهتمامك انك تراضيني ده كبرك أوي في نظري وزود غلاوتك عندي وكشفلي جانب مهم جدا في شخصيتك، لو حسيت إنك أخطأت مش بتتكبر تعتذر..بجد هقولهالك تاني.. انت كسبت احترامي قبل قلبي يامحمود.. 


+




        

          


                

هل يتهور ويعانقها الآن ويتحمل صفعتها الأولى إن فعل؟.. روحه تحلق في السماء بعد ما قالت حبيبته ولا يجد كلمة تليق بها.. فابتلع ريقه ليهديء مشاعره ويختذلها في كلمة واحدة لها سحرها وتأثيرها النافذ:  بحبك. 


+



لم تجيبه.. مازالت تخجل أن تقولها.. لكن كل دقة قلب داخلها تصرخ بها الآن.. وتعلم انها تصله ويدركها.. 

وبعد برهة هتف ليزيل عنها عبء الخجل:  يلا بقى نقول بسم الله أحسن انا جعان اوي والأكل معاكي يفتح النفس، وماتستغربيش لو أكلت كتير


+



ضحكت برقة:  طمنتني.. أنا كمان جعانة جدا.. وهطلق العنان وربنا يسترها على معدتي.. 

قهقه معها ثم تناول قطعة جبن على طرف سكينة الخبز وقال لها برجاء:  طب ممكن تاخدي دي مني وتجبري خاطر خطيبك الغلبان؟

ابتسمت وخجلت أن تتناولها منه، لكن نظرته الراجية أضعفتها، فاقتربت قليلا والتقطتها سريعا بفمها، فابتسم مع قوله الحاني:  بألف هنا ياحبيبتي..أوعدك أول لقمة هنتشاركها سوا واحنا في بيتنا.. هتكون برضو من ايدي يا أيلاف..  

_______________


+



بعد نقاش مع المهندس المسؤل عن تنفيذ فكرته ومجادلته ببعض تفاصيل التصميم بشكل رحب به الأول، عاد ظافر مستأنفا تجاربه على وصفة جديدة وأخيرًا سجل مقادير ونسب تضمن له نجاح الوصفة فيما بعد.. 

……… .

في المكتب أتاه عامر يقول بحماس: المهندس ده ممتاز ومواعيده حلوة،  مخلي العمال شغالين بنشاط كبير واعتقد القاعة هتخلص في الوقت اللي انت عايزه. 


+



_ يارب ياعامر..أنا وصيته اني محتاح القاعة تخلص قبل تاريخ معين وهو وعدني انه هيسلمها بدري.. 

_ عارف.. وبصراحة فكرة هايلة ان يوم افتتاحها تكون هديتك لأختك إيلاف لأنها هتبقى أول عروسة في قاعة "ملكة أبيها"

أومأ مبتسما فواصل الأخر بفضول:  هو انت مش هتفهمني ليه اختارت الاسم ده؟ 


+



_ ده ياسيدي لقب بلقيس عند والدها من زمان.. هو مرتبط بيها جدا..وحسيت انها هتكون افضل هدية لبلقيس وباباها .. هي هتفرح بالأسم اوي..وكده بقدم شكري لوالدها اللي كان سبب لوجودها في الدنيا..


+



صدح صفير مشاكس من عامر: يا سيدي على الحب.. كنت مخبي ده كله فين ياتقيل..يابني ده انت عمرك ماصاحبت بنت ولا حكتلي عن واحدة اعجبت بيها أيام الجامعة..وفي الأخر تطلع شلال مشاعر كده.. 


+



_ كنت مخبي كل حاجة ليها.. عمري ما اتصورت هحب حد كده يا عامر.. كل يوم بحبها أكتر وبخاف عليها أكتر خصوصا بعد ما… ..


+



قطع استرساله وكاد أن يشير للحادث الذي لا ولن يعرفه رفيقه الذي تسائل بفضول:  خصوصا بعد ايه؟ هو في حاجة حصلت؟ 

نفى سريعا:  لا أقصد بعد جوازنا يعني بقيت اخاف عليها اكتر لأنها مسؤلة مني دلوقت.. ولا ايه؟


+



قال باقتناع تام:  أه طبعا ده طبيعي.. 

ثم عاد مستأنفًا استرساله: 

أما بالنسبة لأيلاف اللي بعتبرها بنتي مش اختي حبيت اخليها تكون أول أميرة يتعمل فرحها في الديكور الملكي للقاعة، وده اكيد هيبسط ماما كمان.. يعني تقدر تقول أقتراحي هيعجب الكل.. 


+




        

          


                

_ ربنا يسعدك يا ظافر ويخليك ليهم.. انا مبسوط اوي بكلامك وبرك لأمك واختك.. مراتك بنت ناس وماتتعوضش وأهلها ناس تشرف.. 


+



_ ما انت كمان واخد من نفس العيلة الحمد لله، خطيبتك كمان جوهرة

مازحه:  جوهرة بس مجنونة ولاسعة حبتين. 

_يعني انت اللي عاقل ياعامر؟؟؟


+



قهقه مع قوله: أدي عيب صاحبك اللي يكون كاشفك وعاجنك وخابزك.. 

غمزه مشاكسا:  طبعا مش شيف؟ يعني منطقتي 


+



عاد يقهقه ثانيا ثم قال: طب هسيبك واروح اشوف شغلي.. سلام..( رد تحيته ثم هاتف والدته وبلقيس وإيلي ليطمئن عليهم ومن ثَمَ استأنف عمله)..

__________


+



رقد على فراشه يتثائب بعد عودته متأخرًا وتناول طعامه معها.. بدا لها مرهقًا ويتأهب للنوم، أرادت مشاكسته لا أكثر، فدنت لترقد جواره قائلة: 

_ شكلك مرهق جدا ياحبيبي. 

قال وأجفانه تثقل:  جدا

_ كان في أودارات كتير ؟

_ أيوة الحمد لله

_ جربت وصفات جديدة؟

بدأ صوته يزداد وهنًا:  أيوة. 

_ هتعلمهالي

_أيوة

_ طب هتوصلني لشركة بابا الصبح؟

_ أيوة

_ وهتخرجني بكرة؟

أجاب بنفس التلقائية الغائبة عن الوعي:  أيوة

_ يعني ده وعد؟

_ أيوة

_طب هنخرج الساعة كام؟

_ الساعة.


+



ثم اعتدل بغتة وفتح عينيه سريعا نافضا نعاسه وهو يرمقها بدهشة لتقابل دهشته بابتسامة ماكرة فضاقت حدقتيه وهو يقول: 

_ أنتي بتضحكي عليا وتستغلي اني تقريبا نايم وتاخدي مني وعد اخرجك وانتي عارفة اني مشغول؟

ضحكت ثم حاوطت عنقه بدلال مهلك:  طبعا كان لازم استغل الظروف.. وأكيد حبيبي مادام وعد عمره ما هيخلف وعده.. حتى لو كان نايم..

واستأنفت بصوت أكثر غنج: صح يا ظاظتي؟


+



قرب خصرها وألصقها بصدره هامسا وهو يقبل أنفها:  أنتي واحدة محتالة على فكرة.. 

ردت بشقاوة:  طب منا عارفة

عاد يهمس وشفتيه تنتقل لجانب فمها:  وهتتعاقبي لسببين

هتفت وبدأت تتأثر بملاطفته:  ايه هما؟

علت وتيرة مشاعره ويده تعبث بحمالة غلالتها الرقيقة وقال: أولا طيرتي النوم من عيني..  

لم تجيب سوى بهمهمة ناعمة متأثرة بلمساته فواصل: ثانيا بالحيلة أخدتي مني وعد نخرج وانا مش فاضي..

ثم دني وقبل كتفها برفق هامسا: ولازم تتعاقبي


+



ابتعدت عنه تغمره ببريق شمسيها ونظرتها تنضح بعاطفتها:  طب ما تعاقبني يا ظاظا.. 


+



وكان طوع أمر الملكة..

غيبها معه بموجة جارفة من عشقه وضاع لبرهة من الزمن بعاصفة أطاحت بنومه وسلمته تسليمًا لوهج وصالها.. كل شيء بها يذيبه گ شمعة تشتعل دون احتراق، أما هي فكل ما يفعله يصهرها بتفاصيله، يوصم روحها به.. أنفاسه تترك أثرها على جدار القلب.. حنانه يجرفها لشاطئه أكثر لتتحد معه وبه.. وتنتهي بهما العاصفة بعناق هاديء ورأسها يستكين جوار قلبه أما هو فنال أخيرًا وصالها وعلى وجهه ارتسمت خطوط الراحة..


+



همست ويدها تعبس بشعر ذقنه القصير: حبيبي، بخصوص خروجة بكرة أنا خلاص عفيتك منها. 


+



رفع وجهها إليه وطالعها بريبة:  انتي بتحضري مقلب تاني ولا ايه؟

قهقت قائلة:  ظلمتني يا ظاظا.. كل الحكاية إني مقدرة انشغالك الايام دي.. 

شاكسها: طب وليه مايكونش كل ده حيلة عشان كنتي عايزة تتعاقبي..؟


+




        

          


                

شهقت بعد أن وصلها مغزي حديثه وقالت كأنها تُنفي عن كاهلها تهمة:  والله أبدا أنا كنت بهزر معاك وبنكشك مش أكتر.. 

ضحك من قلبه وهي تنفي بشدة تلميحه وقال:  مالك اتخضيتي كأني اتهمتك بالسرقة.. ثم هدأت نبرته وطغي عليها حبه:  هو أنا مش حقك زي ما انتي حقي؟


+



دست وجهها بصدره خجلا وهي تهمس:  عارفة بس برضو مقصدتش كده. 

ابتسم وقبل قمة رأسها بحنان: انتي حبيبتي وانا ملكك وكلي ليكي.. وعشان تعرفي غلاوتك عندي.. رغم اني فعلا مشغول بس بكرة هنتعشى سوا برة في مكان حلو.. ايه رأيك؟


+



هللت وهي تعانقه: رأيي إنك أحن ظاظا في الدنيا

أعتدل ومازال يضمها متثائبًا مع قوله: طب يلا ننام أحسن أنا مجهد جدا وخلاص مش قادر اسهر أكتر من كده..

اعتدلت قليلا وهتفت:  طب انا لسه مش عايزة انام، هتفرج على فيلم اجنبي بدون صوت لحد ما اروح في النوم. 

همهم ووعيه بدأ يغيب:  بس خليكي جمبي. 

_ متخافش مش هطلع برة أوضتنا، هتفرج هنا


+



راح في ثبات عميق وبدأت ذراعيه ترتخي حولها، فقبلت جبينه وأضاءت شاشة الحائط وراحت تتابع الفيلم بهدوء حتى لحقت به وأسبلت جفنيها بثبات مماثل

____________


+



صاحت عليه برجاء: 

يزيد عشان خاطري كفاية كده واطلع ريح شوية في غرفة ياسين، أنا تعبتك، بقالك أكتر من ثلاث ساعات بتراجع معايا.. خلاص انا كده استوعبت ولميت كل حاجة خايفة منها وبراجع براحتي. 


+



قال وهو يحرك عنقه يمين يسار: 

_ لا ياعطر أنا لو نمت مش هصحي بسهولة وامتحانك قرب، بعد ما اوصلك هنام شوية قبل ما انزل القاهرة..يلا كملي مراجعة وماتركزيش معايا


+



صمتت مرغمة وولت اهتمامها لما تفعل، فوجدت رأسه يميل خلفه على جزع الشجرة الضخمة وأجفانه تثقل لكنه يقاوم، فنهضت وعندما تسأل عن سبب ذهابها أشارت له بعودتها سريعا، فعاد يسبل جفنيه باسترخاء وهو يتثائب ومازال مدركًا حوله، وبغتة شعر بشيء منتفخ بوبرة ناعمة ينحشر بين رأسه وجزع الشجرة.. فتح عينه ليجدها تعدل له وضع الوسادة التي أحضرتها قائلة بتلقائية: مادام مش عايز تطلع تنام حاول تريح راسك وتغفل هنا شوية وأنا هصحيك بعد ساعة. 


+



تلجم لسانه وهو ينظر إليها مآخوذًا بفعلتها الحانية التي أرجفته وزلزلت قلبه..كلما أفصحت عن عشقها بتلك اللفتات الرقيقة وأغدقت عليه بحنانها المختلف، أسرته وتملكته أكثر.. لو سأله أحدا كيف تضمن الأنثى رجلها سيقول فقط تمنحه حنان گ هذا.. لا جمال ولا ثراء يساوي جرعة حانية من حبيبته.. وبدون ترتيب لم يقاوم رغبته باجتياحها بقبلة هادئة ليرد لها نظير ما فعلت.. فابتعدت ووجها يعج احمرار فهمس بنبرة راجية:  عطر.. ابعدي عني دلوقت لأن خلاص مش قادر..


+



ابتعدت بالفعل لتلملم شتاتها وتستعيد تركيزها بعد ما فعل، فابتسم وهو يطالع خجلها وقال:  انتي اللي نكشتيني انا كنت قاعد مؤدب من وقت ماجيت. 


+




        

          


                

ابتسمت وهي تتجنب النظر إليه، فالتزم الصمت مثلها وأغمض عينه وصورتها تحتل خياله حتى سقط بغفوة رغما عنه فراحت هي تتأمله بحرية ومازال تأثير ما فعل يبعثرها، رفعت عينيها لتلك الشجرة وتذكرت كيف كانت تعتليها وتجلس تبث للنجوم لوعتها وحسرتها على حبيب لا يشعر بها..وها هي الآن حظت به.. أصبح لها.. يعشقها كما تعشقه..يريدها كما تريده..تنهدت وضمت جفنيها تعتصر تلك الدمعة الصامتة..دمعة شكر وامتنان أنها نالت من تمنت..وقريبًا سيكون صدره مرساها المفضل..! 

___________________


+



تملمت رأسه وبدأ وعيه يعود، فتح عيناه ووجد الشمس ألقت خيوطها البرتقالية على كل شيء، حاد تجاهها فابتسم بعد أن بصرها نائمة على ذراعيها المعقودة فوق الطاولة..خصلات من شعرها متهدلة على جبينها، فدنى منها ورفعها للوراء ثم مرر بعض أنامله برفق شديد على وجنتها مستمتعا بنعومتها الطفولية.. ثم تفقد الوقت ووجده حان كي يستعدان للذهاب، فربت علي كتفها لتفيق مفزوعة:  الامتحان.. أتأخرت!!  


+



فهدأ روعها:  أهدي ياعطر متخافيش لسه فاضل أكتر من ساعة.. روحي اجهزي والجامعة أصلا جمبنا تلت ساعة ونكون هناك.. في نفس التوقيت أتت فدوى حاملة صينية تحوي كوبان من اللبن وبعض الخبز المحشو جبن.. 


+



_ يلا يا ولاد افطروا بلقمة خفيفة قبل ما تمشوا

عطر معترضة:  لا أنا مش عايزة اكل يا ماما، أما ارجع من الأمتحان.. وهمت بالابتعاد ليوقفها يزيد:  تعالي هنا.. اشربي اللبن وكلي اي حاجة وبعدين روحي اجهزي

_ ماليش نفس والله، مابعرفش اكل حاجة قبل الامتحان لأن.. ( قاطعها وهو يدس بفمها شريحة خبز، فضحكت فدوى وقالت) أيوة كده يا يزيد محدش بيقدر عليها إلا انت.. كان زمانها نشفت ريقي عشان تاكل. 

_ لا ماتقلقيش يا خالتي، وتسلم ايدك

ربتت على كتفه:  تسلم يا حبيب خالتك.. ثم مدت يدها بكوب من اللبن:  يلا انت كمان اشربه من ايدي


+



التقطه ورشف بعضه وهو ينظر لعطر بتحذير أن تكمل إفطارها متجاهلا همهمتها المعترضة وهي تحشر الخبز حشرا بفمها سريعا ليتركها، ثم هرولت لغرفتها تستعد وينتابها بعض التوتر المعتاد..

______________


+



أمام الجامعة! 

_ ركزي بقى وماتتوتريش ولا تخافي.. احنا راجعنا كويس جدا وأنا واثق فيكي

_ يارب يا يزيد ادعيلي

_ ربنا ييسرلك الصعب ياحبيبتي

_ اللهم امين.. طب انت هتنزل القاهرة خلاص؟

_ أيوة بس هعدي على ماما اقعد معاها شوية وامشي، وانتي أول ما تخلصي اتصلي طمنيني عملتي ايه، وبإذن الله الأسبوع الجاي هاجي اراجعلك على المادتين الجايين


+



شكرته بحب:  ربنا يخليك ليا يا حبيبي، مراجعتك فرقت معايا اوي ووجودك طمني.. وبإذن الله هرفع راسك

_ أنا متأكد يا فواحة.. يلا في رعاية الله 


+



وابتعدت وهو يشيعها بنظرة أخيرة داعيا الله أن يوفقها

_____________


+



حممت الصعير وراحت تمشط شعره وهي تحدثه: 

_ دلوقتي هوندا حبيب ماما خلص حمامه وبقي جميل  عشان لما بابا عابد يجي يقول ريحة مهند جميلة


+




        

          


                

" ببا "

ابتسمت وقبلت قمة رأسه: أيوة بابا زمانه جاي هنتغدا سوا وبعدها هيلعب معاك لحد ماتنام..شوفت بابا بيحب هوندا ازاي؟

همهم الصغير ببعض الكلمات وهي تستمتع بنطقه المضحك وتقهقة ليشاركها الضحك حتى قاطع تواصلهما المرح رنين هاتفها.. 


+



_ بلي ازيك وحشتيني اوي

_ وانتي أكتر يا زوما، أخبارك ايه، ماتكلمناش من يوم فاتحة محمود وايلي. 

_ معلش انشغلت لما رجعنا.. ناس جت تباركلنا، وعابد كان بياخدني كل يوم النادي عشان نعوض مهند الاسبوعين اللي سبناه فيهم.. ولسه راجع يواظب على شغله في المزرعة عشان يريح عمو أدهم وبابا.. 

_ طب وانتي رجعتي شغلك معاه؟

_ أيوة، لكن بمشي بدري عنه بساعتين

_ ومهند بيكون فين؟

_ مع طنط كريمة بس ماما طلبت مني تاخد هوندا يبات معاها كل خميس وجمعة. 

_ اشمعنى؟

_ عايزة تخلي عابد ياخد راحته معايا.. تعرفي يابلقيس اكتشفت انها بتحبه اوي.. بتعامله كأنه ابنها اللي عايزاه دايما مبسوط.. قالتلي أخلي اليومين دول مختلفين واكون معاه هو وبس ك، في نفس الوقت هي وبابا يشبعوا من مهند معاهم. 


+



_ طنط عبير دي مافيش منها، عاقلة ولماحة وذكية وكمان فرفوشة.. بصراحة عمو محمد محظوط بيها..وعابد ربنه رزقه بأم تانيةمش حماته وبس. 


+



_ مش بس عابد اللي محظوظ يابلقيس، أنا كمان بحمد ربنا على طنط كريمة.. ما اخبيش عليكي كنت خايفة بعد الجوز تكون معاملتها متغيرة، انتي عارفة انها كانت رافضاني في الأول..بس حصل حاجة امبارح نسفت كل قلقي وحبيتها أكتر 

_ حصل ايه؟

_ كنت نازلة اطمن عليهم تحت عشان محدش يفتكر اني عازلة نفسي، وقلت قبل ما يجي عابد هطلع جناحي تاني استناه فوق..سمعت جوري بتقول لطنط أنها هتطلع تناديني عشان نتغدى كلنا لما يجي عابد وعمو أدهم.. بس اتفاجأت برد طنط وهي بتقول! 


+



" لا ياجوري متناديش حد، أخوكي ظروفه اتغيرت وبقى له زوجة وعنده خصوصية، افرضي حابب ياكل مع مراته لوحدهم؟ أو هي نفسها حابة تطبخله بإيدها؟ دول لسه عرايس.. كفاية ينزلوا يسهروا معانا او نفطر كلنا يوم الجمعة.. لكن غير كده خليهم هما يحددوا اسلوب حياتهم يمشي ازاي.."


+



صاحت بلقيس بإعجاب بعد سرد زمزم ما سمعت: ربنا يباركلك يا طنط كريمة.. بصراحة كبرت في نظري أكتر.. 

_ عشان كده بقولك أنا كمان محظوظة بيها

_ طيب على كده هتعملي ايه؟ هتفضلي تاكلوا لوحدكم؟

_ لأ طبعا، أنا معنديش مشكلة نتشارك معاهم..بس هاخد كام يوم كده استمتع بخصوصيتنا شوية گعيلة صغيرة وبعدين ابقي انزل معاهم عادي، لكن زي ما ماما نصحتني اليومين اللي مهند هيكون معاها هيبقوا مختلفين.. يعني اكيد انا هحب اعمل لعابد حاجة بإيدي ونكون لوحدنا زي ما انتي فاهمة، هعمل ده في اليومين دول، لكن بقية الاسبوع هنبقي تحت مع طنط! 


+



_ ربنا يكملك بعقلك يا زوما.. انتي وعابد طيبين وتستاهلوا كل خير.. 

زمزم:  تسلمي حبيبتي وانتي كمان..

واستطردت:  صحيح أخبار ظافر ايه وقصة خوفه المرضي؟ لسه محاصرك؟


+




        

          


                

_ من ناحية خوفه زي ما هو.. بس حصاره خففه شوية عشان خاطري بعد ما كلمته كذا مرة ان الدنيا أمان وانا بروح أماكن محدودة وهو بيكون عارفها.. والحمد لله حسيته بقى أهدى، وفي نفس الوقت انا بعرفه خط سيري من غير مايطلب، أساسا مش بروح غير الشركة وبرجع علي البيت فورا قبل معاده طبعا..

_ طب الحمد لله ان الأمور استقرت بينكم

تنهدت قبل أن تهتف:  تعرفي يازمزم رغم كل الابتلاءت اللي مريت بيها بحمد ربنا لأن في الأخر اتعلمت وكسبت حاجات كتير وبقيت أنضج..مش مجرد بنت حلوة وتافهة، منظوري للدنيا اتغير وبقى أعمق، والحجاب اللي كنت في يوم شايفاه مجرد أمر عاندته جوايا دلوقت ربنا هداني ولبسته عن اقتناع ومرتاحة اوي بالخطوة دي، غير انه رزقني بزوج زي ظافر بيحبني وبيخاف عليا..وفوق كل ده حققت حلمي اني اكون حرة وليا كياني.. بابا دلوقت بيأهلني اني ادير الشركة وأكون مسؤلة عن كل حاجة.. ثقته فيا فارقة أوي معايا.. عشان كده عايزة اطلع كل الطاقة اللي عندي واثبتله اني أهل للثقة. 


+



_ ربنا يزيدك ويوفقك ياحبيبتي.. طب طنط هدى عاملة معاكي ايه.. وأقصد گ أم زوجك. 

_ فاهمة قصدك.. أهي دي نعمة تانية، بتعاملني زي إيلاف، من يومين كنت تعبت شوية تعب روتيني يعني زي ما انتي عارفة، اهتمت بيا جدا وحسيتها حنينة اوي وبتحبني والحمد لله متفاهمين لئن انا كمان بحاول اقرب منها.. وهي لمست ده وراضية عني. 

_ الحمد لله يا بلي، طيب ونظام الأكل وكده؟

_ عادي معنديش مشكلة من الناحية دي، بناكل كلنا سوا فطار أو غداء، والعشا ظافر أصلا بياكل زبادي وبس..الحمد لله في تفاهم والدنيا تمام.. 


+



_ طيب الحمد لله ربنا يهدي سرنا يارب.. 

واستطردت وهي تنظر للساعة أمامها على الجدار متجهة للمطبخ تاركة الصغير يتابع فيلم كارتون :  معلش هضطر اقفل معاكي لأن عابد على وصول..

_ ماشي يا زوما، بكره هكلمك لما ارجع من شغلي

_ اتفقنا.. 


+



وكعادة النساء مهما طالت بينهما الثرثرة، يتذكرون مواضيع جديدة وهامة في أخر دقيقة للمكالمة ولا يقدرون على تأجيلها: استني يابلقيس نسيت احكيلك حاجة مهمة حصلت واحنا في الغردقة.. تخيلي شوفت مين هناك؟

تسائلت بفضول:  مين؟

_ ياسر.. وغصب عني اول ما شوفته وهو بيبصلي بغل وكره خوفت منه وكشيت واستخبيت في جوزي من غير ما احس.. وعابد يومها زعل مني اوي وخاصمني.. 

هتفت بحمية:  عنده حق.. ياسر مين ده اللي تخافي منه.. ده صرصار.. إياكي تخافي منه ولو قابلك وبصلك تاني اقلعي عيونه. 


+



ضحكت مع قولها:  سبحان الله رد فعلك كان نفس رد فعل عابد، قالي كده بالظبط. 

_ طبعا.. وده يجي ايه في عابد اللي ممكن يفعصه، وبعدين يازمزم وانتي معاه حسسيه انه هو أمانك وقوتك.. خوفك ده تفسيره الوحيد انك ما وثقتيش أن عابد هيحميكي.. وده يزعل أي راجل.. 

_ والله ما اقصد يابلقيس عموما انا صالحته واعتذرت واكيد مش هكرر الغلطة دي تاني! 

_ أيوة كده.. ثم راحت تبرطم باستياء:  آل ياسر آل.. ياريتني كنت معاكي كنت حطيته في بق سمك الغردقة.. 

قهقهت زمزم:  ياواد يامتوحش.. بصراحة يا بلي انتي مزيج عجيب ومدهش، قوية وشرسة بس جميلة وحنينة وذكية كمان.. 


+



هتفت بكبرياء مازح: طبعا يابنتي دي صفات الملكات وأنا ملكة بابايا وحبيبي ظاظا..

ابتسمت الأخري وشرد عقلها بمقارنة أطالت صمتها، لتصيح بلقيس:  انتي نمتي؟


+



تنهدت:  لأ.. افتكرت زياد الله يرحمه.. 

_ أشمعنى؟

_ قارنت بينه وبين اخوه..ومعرفش ازاي دول كانوا اخوات.. قد فظاظة ياسر وتفكيره العقيم.. زياد كان مختلف.. عمري ما سمعته قال كلمة وحشة ولا جرح حد.. أفقه كان واسع وكان متدين جدا و… 


+



_ آبد.. 

وصل لسمعها نداء صغيرها، فاقتربت لباب المطبخ واشرأبت بعنقها خارجه فرآت عابد يحمل الصغير ويقبله ويحدثه برفق، فانقبض قلبها.. هل سمعها تتحدث عن زوجها الراحل؟ وإن فعل هل سيكون غاصبًا الآن؟!

_ زمزم روحتي فين؟

_ معاكي بابلقيس.. معلش الكلام اخدني وعابد جه، هسيبك وبكرة نتكلم. 

_ ماشي حبيبتي وانا كمان ظافر على وصول.. ابقي سلمي علي عابد وبوسي هونده. 

اغلقت معها وتوجهت إليه وقلبها منقبض.. 

يا ويلها لو مان سمع حديثها.. 

حينها سيعبث في عقله الشيطان.!

____________


+




الثاني والخمسون من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close