رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم دفنا عمر
الفصل الثاني والخمسون
---------------------
أنا صحراء ماتلطخت أرضي إلا بذنبك
ومرآة لم تعكس لي سوى قبحًا
وسماء شح بها سيل المطر
وأختفى منها بريق النجوم..
أنا لعنة لن تزول إلا بقربان..
_______
+
منهمكة بمطالعة بعض الملفات الهامة حين طرق باب مكتبها فدعت الطارق التي استدعته هي منذ دقائق..
_ اتفضلي يا إنجي
لم ترفع عينيها عن ما تفعل وهي تقول: أجلي كل مواعيدي لبكرة وخدي الملف دة حوليه على قسم ال
+
هنا رفعت عيناها عفويًا لتراه يقف مرتكزا بظهره على الجدار عاقدا ذراعيه ويتأملها بإعجاب..فابتسمت وضوى وجهها وهي تنهض متجه إليه بالتوازي مع اقترابه وعانقته قائلة: إيه المفاجأة الحلوة دي ياحبيبي.
قبل وجنتيها تباعا وقال: نسيتي اني وعدتك نخرج بعد الشغل؟
أيوة بس اتفقنا بعد ساعتين عشان في اوردارات مهمة جاتلك وانك هتتصل تعرفني انك في الطريق.
_ لقيتني هتأخر وممكن مقدرش اخرجك. فسبت عامر يقوم بالمهمة وجيتلك عشان نلحق وقتنا
قالت وهي تلوم نفسها: عارفة انك مشغول وقولتلك نأجلها لاني كنت بهزر معاك والله
+
تألقت عينيه بخبث: قصدك كنتي بتستدرجيني للعقاب
احمرت وجنتها لتلميحه وصاحت: وبعدين معاك بقي!
ابتسم ضاحكا: طب يلا عشان نستغل الوقت.. قوليلي عايزة تروحي فين؟
_ مكان مش مقفول، عايزة نكون في الهواء الطلق براحتنا..
_ ماشي، طيب جاهزة؟
_ اديني عشر دقايق بس
_ خدي راحتك
……………
بعد قليل علي الكورنيش..
هتفت منبهرة: والله انا فخورة بالشباب الطموحة دي كلها اللي نفذوا أفكار عملية لمشاريع صغيرة بتنبض بالتغير..
_ وكلهم ناس تعليم عالي وفاهمة يعني ايه تعقيم وتقديم أطباق تسر العين ..مش مجرد اكل شوارع عشوائي مع احترامي طبعا للجميع بس فعلا تجربة الشباب دي تستحق الدعم والتشجيع، عشان كده جبتك هنا..
+
_ اختيار رائع وعجبني جدا وياريت نبقي نجيب إيلي معانا هي ومحمود المرة الجاية..
_ إن شاء الله
_بس يا ظافر انا شايفة اختيارات كتير اوي وكلها مغرية.. شاورما.. بيتزا.. فطير شرقي حلو وحادق..رولات سجق وكبدة وحاجات مطشطة كده تفتح النفس.. ناكل ايه ياشيف دبرني..
+
_ هنجرب كل حاجة يا روحي.. أنا عندي فضول ادوق شغلهم كله واللي يفيض هناخده لماما وإيلي ومش هنقولهم اشترناه منين إلا اما ياكلوا ونعرف رأيهم
+
ضحكت قائلة: متهيئلي طنط لو عرفت قبلها مش هتاكل لأنها موسوسة شوية في أكل الشارع..
_ لكن إيلي حتي لو عرفت كانت هتدوس معانا، بس زي ما قلت مش هنعرفهم قبلها.. يلا بينا ندخل على الشاورما؟
صاحت بحماس: يلا بينا، بس عايزاها دجاج مش لحمة
………… .
+
قالت بعد مضغ قضمة من الخبز:
شوفت ياظاظا الشباب هنا عرفتك واحتفلوا بيك ازاي.. وكلهم واتصورا معاك وهما مش مصدقين انك التوب شيف المصري اللي فاز باللقب في لبنان.
+
قال بعد ان لاك قضمة خبز محشو بشاورما اللحم: والله ماتوقعت حد فيهم هيعرفني هنا وقلت هنكون مداريين وبراحتنا
_ بالعكس ده متوقع، دول عاملين مشاريع تخص نفس مجالك بالطرق الحديثة اكيد تابعوك واتأثروا بيك لما فوزت بالجايزة ومثلت بلدهم..
+
قال بتواضع: والله وهما مش قليلين ومعجب بتفكيرهم اللي خارج الصندوق..شغلهم رائع وأسعارهم معقولة وتناسب الكل وملتزمين بشروط السلامة والنظافة وده اكتر شيء عجبني وواصل: في اتنين شباب وبنت لفتوا نظري جدا بشغلهم وتكنيكهم المختلف وعرضت عليهم ينضموا لمطعمي.. هيبقوا إضافة مميزة واستفادة متبادلة.. انتي عارفة اني بإذن الله ناوي علي توسيعات في شغلي المرحلة الجاية ومحتاج كل الكفاءت دي تساعدني
+
_فكرة ممتازة، طب كان ردهم ايه؟
_ رحبوا جدا.
_ الحمد لله واعتقد انها بالنسبة ليهم فرصة كبيرة لمستقبلهم.. ربنا يوفقكم ياحبيبي ويسخرلك الطيبين وولاد الحلال..
_ اللهم امين يا بلي..
+
لاحظ بقايا طعام جانب فمها فالتقط محرمة من جيبه وأزالها هاتفا بمكر: هو انا لو بوستك دلوقت يبقي تحرش في مكان عام؟؟
_ أيوة واحتمال يتقبض علينا ونقضي ليلتنا في السجن
ابتسم لدعابتها وهو يتأمل استمتاعها بالطعام والهواء يعبث بوشاحها فأعاد تهذيبه على صدرها وقال بحنان: مبسوطة اما جبتك هنا؟
_ جدا جداااا..افضل مليون مرة من مكان فخم ومقفول..كفاية شوية الهوا الطبيعي حوالينا وحركة الناس اللي رايحة وجاية..فرحانة جدا وبطني هتفرقع من الأكل بس مش مهم كان لازم اجرب كل حاجة..
+
لاح بعقله ذكرى يوم أتته تتناول طعامها بعد فوزها بسحب احتفالهما بمطعمه، فهمس لها: فاكرة لما جيتي أول مرة عندي ومديتي ايدك بالكوبون اللي فوزتي به؟
+
ابتسمت لنفس الذكرى: طبعا فاكرة، انا ماكنتش مستوعبة حاجة قد الطريق اللي وصلني ليك..كنت باكل ومش حاسة بطعم حاجة وانا ببص عليك وخايفة تبعد عني، كنت بحلم بيك كل يوم ومصدقت لقيتك حقيقة ملموسة، بس فجأة حسيت ان بطني وجعتني من كتر ما أكلت وانا مش دارية..
_ فعلا انا حسيت وقتها انك مش مركزة غير فيا.. تعرفي حسيت بأيه ناحيتك يومها؟
_ ايه؟
_ حسيت انك بنتي.. كنتي زي الطفلة الضايعة واللي اطمنت لما شافت حد تعرفه..حسيت اني مسؤل عنك.. وقمة سعادتي لما وصلتك البيت ومامتك قالت انك مش بتاكلي اللحم ابدا.. ومع كده أكلتيه من ايدي.. وقتها انبسطت اوي انك. متأثرة بيا كده..
+
_ ولسه متأثرة بيك وهفضل متعلقة بيك زي الطفلة
قالتها بنبرة صادقة وشت بقوة عشقها له، فقال وهو يطوف عليها بنظرة راغبة: انا بقول كفاية كده ونروح بيتنا
+
ضحكت بخفوت وغمغمت: أنا تحت أمر حبيب قلبي
لثم كفها سريعا ثم ذهب يحاسب على ما تناولاه واستلم بعض الوجبات المغلفة لتتذوقها شقيقته ووالدته..
+
اثناء غيابه لمحت طفلة رائعة الجمال بصحبة والدتها، فراحت تداعبها بحركات من عينيها والطفلة تضحك لها مستجيبة لملاطفتها الصامتة قبل أن تبتعد محمولة على كتف والدتها، فتنهدت بلقيس وتمنت داخلها أن تكتمل سعادتها بذرية صالحة في القريب، وبينما هي شاردة بأمنيتها لمحت نظرات إعجاب من فتاة لزوجها ظافر المنهمك بحديث جانبي مع أحدهم، ربما يؤكد على الشابين لقاءه لإبرام اتفاق عملهما المشترك.. عبس وجهها وظلت تراقبها حتى أتاها ظافر وقال: يلا يابلي..
استجابت وهي تلتقط حقيبتها وتمشي جواره.. وقبل أن تختفي عن الفتاة التي مازالت تتابعه بعيناها، منحتها نظرة قاسية جعلتها ترتبك وتستدير عنه وهو غافلا عما يحدث..
……… ..
بعد وصولهما لمنزلهما ومكوثهما قليلا مع إيلاف ووالدته، صعدا لغرفتهما وبينما هو يبدل ملابسه لاحظ عبوسها الشارد فتسائل: مالك ياحبيبتي مكشرة ليه
_ لا ابدا مافيش
جذبها أليه وتمعن بها برهة ثم قال: لأ في.. قولي مالك؟
ترددت ثواني ثم تسائلت: هو البنت اللي كانت واقفة جنبك دي مع الشابين هي اللي هتنضم للمطعم معاهم؟
_ اللي تبع عربية الفطير الشرقي؟
_ بالظبط هي
_ أيوة لأن عجبني شغلها جدا، منا قولتلك اني عرضت عليهم ينضموا ليا.. دي طلعت قريبة واحد من الشابين
+
أومأت دون قول شيء، فضيق حدقتيه وهو ينظر لها، ثم مالت شفتيه بابتسامة وهو يدرك اخيرا سبب عبوسها..فداعب أنفها برفق: انتي غيرانة
ظلت صامتة برهة ثم هتفت: كانت بتبصلك بإعجاب
_ طبيعي، بنت صغيرة وشافت حد بتعتبره مثل أعلى في المهنة اللي اختارتها وانبهرت لما شافتني فجأة.
_ بقولك البنت معجبة بيك يا ظافر تقولي عادي؟ ينفع تلغي معاها عرض شغلها معاك؟؟؟
_ بلقيس انتي بتهزري؟
_ مش بهزر على فكرة..مش عايزاها تشتغل معاك.. خليها في مشروعها الخاص وربنا يسهلها..
_ يعني يرضيكي ارجع في كلامي زي الولاد؟
+
صمتت وحاجبيها الجميلة ازداد انعقادها، فتحسسهما ليزيل عبوسها وقال برقة: حبيبتي حتى لو مليون بنت اعجبت بيا ده يفرق معايا في حاجة؟ ئكأنا عيوني مابتشوفش غيرك وبعدين لازم تكوني واثقة فيا وفي نفسك.. أنا مش راجل عيني زايغة..أنا عيني مليانة بيكي ومليانة قبلك بخوفي من ربنا..زي ما قولت دي بنت واضح سنها صغير وانبهرت بس بحد بتعتبره مثل اعلى.. انبهار وقتي ومالوش تأثير عليا.. ولو في نصيب والبنت هتشتغل معايا اصلا تعاملها المباشر مش هيكون معايا انا.. وعند اللزوم انا كفيل احطها عند حدودها.. متخافيش واطمني..
ثم عانقها بحميمية أكثر: انا ملكك انتي وبس.
بادلته عناقه وتسربت إليها السكينة ثم استجابت لدعوته الناعمة وهو يسحبها لعالمه الخاص ليروي شوقه إليها..
_____________
+
كل الأمور تبدو لها طبيعية..يحدثها گ عادته، يمدح طعامها وهما يتناولانه، يهتم بالصغير ويلاطفه ويجعله يغفو جواره دون أن يتركه، يذكر لها بعض تفاصيل عمله حين يجلسان معا أخر اليوم.. يفعل كل شيء ما عدا مزاحه.. لم يمزح معها وعندما سألته إن كان يضايقه أمرا ما نكر.. أزدادت حيرتها مع غموضه، هل سمع حديثها عن زوجها الراحل أم لا؟ يحاول أن يكون جيدا.. لكن محاولته ينقصها شيء، كأنه يمثل..هي صارت تعرفه..طيف عتاب يلوح بحدقتيه فيخبئه سريعا.. إن كان غاضب لما يخبيء؟ لما لا يعاتبها.. أم هي ما تتوهم أنه يكذب؟ تنهدت بحيرة وكلما فكرت أن تحدثه بشكل مباشر تتراجع.. فربما لم يسمع شيء، لما إذا تنبش أمر گ هذا معه؟ لكن الحيرة تعود وتسلمها لافتراض انه سمعها وغاضب..همهمت بصوت ضميرها: يارب اعمل ايه؟ أكلمه اوضحله قصدي ولا اسكت لأن احتمال ماسمعش وانا بصراحتي هخلق مشكلة فعلا واقول ياريتني ما اتكلمت؟
+
قاطعها طرقات علي الباب، فذهبت لتتبين جوري:
يا أهلا يا جوجو عاملة ايه؟
_ الحمد لله يا زوما، فينك مختفية ليه مش نزلتي امبارح سهرتي معايا؟
ابتسمت لها: معلش يا حبيبتي نمت بدري غصب عني
_ خلاص تتعوض الليلة دي، انتي وعابد لو في فرصة ابقوا انزلوا معانا..
_ إن شاء الله
+
" ما مراحب بالزئردة الصغيرة"
التفتا سويا ليجدا عابد من خلفهم، فردت الأخيرة متخصرة:
وبعدين معاك بقى، بطل تقول زئردة واحترمني شوية
_ والله صعب ابطل بس هحاول..
رمقته بحنق وهي تغادر: آل يحاول آل.. أنا نازلة وبالليل ابقوا انزلوا نسهر سوا ..سلام..
+
غادرتهم فاتجهت إليه تعانقه بدفء: حمد الله على السلامة يا بودي..
ابتسم ولثم رأسها: الله يسلمك يا زمزم، معلش اتأخرت في المزرعة شوية..كنت في مشوار مع ياسين..
_ولا يهمك، انا جيت بدري وعملت الغدا وصنف حلو هيعجبك اوي، خد حمامك وانا هجهزه..
_ هو مش هننزل نتغدا مع الجماعة تحت زي المعتاد؟
_ أنا عارفة اننا بنتغدا لوحدنا أخر يومين بس، لكن حابة انهاردة كمان نتغدا هنا إلا لو هتضايق بلاش..
_ لا عادي مافيش مشكلة، نتغدى وهنام شوية وبعدين ننزل نسهر معاهم. ثم قال وهو ينظر حوله: امال فين مهند؟
_ عند ماما انهاردة..
بدى غير مرحب بذهابه وقال: ليه يا زمزم طنط بتاخد مهند عندها كتير؟ هي خايفة اكون… .
قاطعته: عابد.. ماتبقاش حساس.. كل الحكاية ان هي وبابا بيشتاقوا لمهند اللي كان معاهم ليل نهار.. وهما برضو ليهم حق فيه.. فاقترحت تاخده مننا يومين في الاسبوع، وقالت انها فرصة لو عايزين نخرج ولا حاجة.. أما انهاردة أنا اللي طلبت منها تاخده..انما مش اللي في دماغك ده خالص
+
_ وليه طلبتي منها تاخده انهاردة؟؟
+
صمتت تطالعه بتردد وقالت: عايزة اتكلم معاك
رمقها بهدوء ثم هز رأسه وابتعد ليأخذ حمامه وداخله صراع لم يهدأ منذ أيام.. تحديدا منذ سمعها صدفه تتحدث عن مزايا زوجها وتقارنه بشقيقه اللعين ذاك..تخبط أصابه بين غيرة مهلكة لذكر زياد وعقله يتدخل بصوته انه كان زوجها ووالد طفلها.. إن ظن أن ذكره سيتلاشى يكون واهم.. وليس هذا هدفه.. شاء أو أبى هو يمتلك من حياتها جزء لا سلطانه له عليه.. جزء يخص مهند.. هو والده الذي حين يكبر سيسائل عنه وهي ستجيبه.. هل ينكر عليه هذا الحق؟ لن يكون عابد حينها.. لم يسعي لهذا قط ولن يفعل.. لكن ماذا وغيرته؟.. كيف يتحمل؟.. نعم تظاهر انه لم يسمع حتى لا تفلت أعصابه..فضل تجاهل الأمر.. حاول.. لكن لم يفلح.. نظراتها تكشفه وتكذبه..
+
غمر جسده بالمياة ليخمد أفكاره ويترك كل شيء يمضي كما هو مقدر له.. انهى حمامه وجلس يتناول معها الطعام ثم تركها لينام كما أخبرها لكنها أوقفته سريعا وتأملت عينيه برهة وقالت: عابد.. في حاجة مزعلاك مني
قال ببساطة لم تقنعها: ابدا.. هزعل ليه
_ حاسة بكدة
_ بيتهيئلك
قالها واتجه لغرفته فتبعته وقد عزمت أن توضح معه الأمور.. سمع او لم يسمعها لن. تفرق، هي نقطة فاصلة بينهما ويجب ان توضحها تحسبا للأيام القادمة..
+
جلست جواره وقالت: بودي ممكن اكلمك في حاجة قبل ما تنام معلش؟
اعتدل بنصف جلسة، فهمست: انت سمعتني صح؟
لن يجد اي جدوى من الإنكار فأومأ لها بصدق ظنها فعانقته سريعا وضمته بقوة وراحت تقبل جانب رأسه وهي تهمس: كنت حاسة والله انك زعلان.. حقك عليا ياحبيبي.. والله ما قصدت اللي دماغك
ابعدها برفق: عارف يازمزم وفاهم.. انسي الموضوع..
+
تشبثت به أكثر وبكت على صدره دون صوت، فضمها رابتا على ظهرها: وبعدين معاكي..انا سكت لأني فاهم ومش بلومك يا زمزم.. زياد كان في يوم من الايام جوزك وطبيعي يفضل جواكي منه ذكرى..
+
هتفت من بين بكائها: والله سيرته جت بشكل تلقائي وانا بكلم بلقيس وبحكيلها عن موقف ياسر، وقتها لقيتني بقارن بينهم لانهم اخوات.. مقارنة مالهاش اي معني كأني بقارن مثلا بين محمود وياسين لو حصل موقف معين.. لكن مش زي ما انت فهمت.. زياد عشت معاه وقت قصير وفي نفس الوقت ماكانتش سيء.. زي حلم حلمته وبعدها صحيت مافضلش منه غير ذكري حلوة والذكرى دي هي ابني.
+
ثم حاوطت وحهه براحتيها:
لكن انت الحقيقة ياعابد اللي عشتها بكل جمالها وروعتها.. انت الواقع الملموسة في حياتي..عيشت معاك اللي ماعشتوش قبلك.. واللي هعيش معاه عمري الجاي إن شاء الله وهتسند عليه وقت ما يشيب شعري.. أنت النفس اللي بيخرج من صدري وبيجري في دمي.. أنا قارنت زياد بأخوه.. لكن انت مافيش حد ينفع اقارنك معاه.. أنت حاجة لوحدك ملهاش مثيل.. أرجوك تسامحني وتعذرني.. مش هقدر اوعدك ان سيرتئ ماتجيش على لساني ابدا.. هايجي يوم وابني يكبر ويسألني عنه ومن حقه عليا اتكلم عنه كويس حتى لو كان وحش برضو كنت هجيب سيرته بالخير لأنه طفل ومالوش ذنب ياخد فكرة وحشة عن أبوه.. انت فاهمني يا حبيبي؟
+
ضمها هو تلك المرة وقال برقة وسماحة نفس: خلاص يا زوما حصل خير ياحبيبتي..
_ يعني خلاص مش زعلان متي؟
_ لأ.. بس
قالها وهو يتلكأ عليها مواصلا: بس وحشتيني..
ابتسمتتنهدت لفوزها برضاه والتحمت روحها به قبل جسدها مجيبه نداء شوقه بما يليق بعاشق مثله.. عاشق أعطاها الكثير ومازال يعطيها ولن تدخر جهدا لتمنحه كل ما يستحق.
______________
+
بمساعدة عبد الرحمن وصديقه تم نقل كل ما تبقي من جهازي عرس بسمة وحنين من اجهزة كهربائية. وأطقم مطبخ..ثم مكث الأول بعد دعوتهما أن يشرب معهما الشاي على الأقل بعد رفضه تناول الغداء.. فهتفت حنين وهي تطالع ما نجى من الحريق: ده تقريبا الغرفة اللي كنا حاطين فيها معظم حاجتنا مش لحق يطولها الحريق..
بسمة: الحمد لله فلوسهم حلال وهينفعوا
عبد الرحمن: المهم اننا نقلناهم عشان الراجل صاحب البيت هيعمل ازالة أخر الأسبوع
_ أيوة ماهو قالي وهو بيكتبلي شيك بفلوس التعويض..
_ ربنا يباركلك فيهم، اسمعي يابسمة، انا عرفت من حنين انك مش موافقة تاخدي اي حاجة ليكي من الحاجات دي، طبعا دي جدعنة وحنية مش غريبة منك، بس في المقابل مش عايزك تحملي نفسك شيء تاني، خلي اللي معاكي ليكي انتي وياسين اخوكي، أختك خلاص هتكون مراتي، و محدش هيتكفل بلوازمها غيري.. مش هقولك مش هخليها محتاجة حاجة.. لأن ظروفي معروفة.. لكن اللي اقدر عليه هعمله، هوفرلها المهم بالنسبالها لحد مانتخرج من كليتنا ونبني حياتنا سوا.. حتي لو حنين اشتغلت في مجالها بعد التخرج مش هعتمد عليها.. قرشها هيكون ليها وهي حرة فيه!
+
كل مرة يزداد غلاوة واحتراما في نظرها ويتأصل حبه في قلبها..وتندم على كل المواقف التي تسببت في إغضابه فيما مضي.. أما بسمة فقالت بتقدير: هو أنا مش اختك ياعبد الرحمن؟ فيها ايه لو وقفت معاكم شوية.. ماما وبابا لو عايشين كانوا هيعملوا حاجات كتير علشان حنين.. وانا مش هقصر مع أختي.. انا الحمد لله معايا فلوس التعويض ومبلغ السلفة بتاع الباشمهندس، ده غير مرتبي والمعاش.. يعني ربنا ساترها وأيد على أيد بتساعد، بلاش تكون حساس، وكفاية عليك اساسا توضيب الشقة وغرفة النوم وحاجات كتير هتظهرلك في وقتها..أما اللي هساعد به أختي خليه بنا ماتشغلش نفسك انت.. المهم انت كنت قولت واحنا بننقل الحاجة إنك عايزني في موضوع.. خير؟؟
+
قال مترقبا رد فعلها: استاذ ياسين!
بدا التوتر عليها، فواصل: اتصل بيا وكلمني امبارح مكالمة طويلة!
+
تخضب وجهها بالحمرة وتلعثمت: عا.. عادي.. مايكلمك.. وانا مالي
_ مالك ازاي والكلام كان عليكي..
التزمت الصمت بينهما صاحت حنين: يارب يكون اللي فهمته يارب
ابتسم عبد الرحمن: هو كده بالظبط يا حنة، استاذ ياسين معجب ببسمة وكلمني عليها امبارح وكشفلي نيته بشكل رسمي.
عانقت شقيقتها بفرحة: مش قولتلك يا سوما، الأمير هيحب السندريلا..
رمقتها بتحذير تزامنا مع تسائل عبد الرحمن: سندريلا والأمير مين؟ أنا مش فاهم حاجة
_ لا ماتحطش في بالك ياعبده، المهم قالك ايه بالظبط وانت قولتله ايه؟
_قبل اي حاجة انا احترمته اوي لما كلمني.. معنى كده انه عارف قيمتكم عندي، بصراحة انسان مافيش عليه غبار..مش شاب غني ومتغطرس زي كتير من الطبقة دي، بالعكس بسيط ومتواضع ومرح ورجولة اوي وده بان في وقفته معانا، هو قالي انه منتظر رأينا ومستعد يجي هو وأهله الأسبوع الجاي..ايه رأيك يا بسمة؟ أنا عرفت انه كلمك وعرض طلبه يوم فرح قريبه ومنتظر رأيك من وقتها..
نظرت لها حنين متعجبة جهلها لمعلومة گ تلك، ولامتها بنظرة عابرة لإخفاء شيء گ هذا.. بينما استطرد الأول: لو تسمحيلي بنصيحة بما اني بعتبر نفسي اخوكي.. وبخبرتي گ شاب زيه فاهم الدنيا والناس..الراجل ده محترم وأخلاق، يعرف ربنا ودوغري ومالوش في الحال المايل.. كان ممكن يستغل الظروف بأي شكل أو يطول في انه ياخد خطوة رسمي.. لكن هو معملش كده واتصرف بالأصول لأنه شاري، أنا مرتاحله جدا وشايفه فرصة ليكي.. ومقصدش ابدا فرصة من الناحية المادية.. لأ، من ناحية انه هيكون سند حقيقي ليكي لأنه راجل معدنه أصيل.. ده رأيي وحبيت تعرفيه، وطبعا الرأي النهائي ليكي.. ربنا ييسرلك الخير..
ثم نهض مع قوله: ودلوقت بقى هستأذنكم وبإذن الله ماما وسلوى هيزوروكم بكرة يطمنوا عليكم.
+
وقفت حنين تودعه بينهما ظلت بسمة شاردة.. فقال أخيرا قبل أن يغادرهم: وعلى فكرة، أنا عرفت بابا امبارح بالليل بطلبه تعرفي قالي ايه؟
+
طالعته بسمة وحنين منتظرين حديثه، فاستطرد:
قالي هنسأل عليه الأول ونطمن انه كويس.. ولما انتي توافقي وتكوني مستعدة لمقابلتهم..استقباله هيكون في بيتنا زيك زي سلوى اختي اللي استقبلنا عريسها عندنا، عريسك برضو هيطلبك مننا وفي بيتنا.. ولا عندك اعتراض يا استاذة؟
+
لم تدمع بسمة وحدها مأثورة بطيب أخلاق والد عبد الرحمن وتعامله لها گ ابنته..بل شاركتها حنين ببكاء صامت ممتن..ليهتف عبد الرحمن بمزاح: ايه يابنات انتوا هتقلبوها غم ونكد ليه..انا بقول أمشي قبل ما اقعد اعيط معاكم وتبقي دراما هندي وانا ماليش فيها..سلام.
…………… ..
+
_ كده متعرفنيش ان ياسين كلمك يوم الفرح؟
+
استقبلت عتاب حنين بهدوء وقالت: أولا لأني رفضت قبل ما نمشي، ثانيا بعد اللي حصل ما اهتمتش اقولك لأن اعتقدت انه هيكتفي برفضي والموضوع انتهى، بس استغربت انه بيكلمني تاني وبيعرض طلبه وكمان بيبلغني موافقة اهله عليا..
+
شهقت حنين: موافقة اهله؟؟ كمان؟؟؟ طب وكده فاضل ايه بابسمة عشان توافقي؟ أوعي تكوني عايزة ترفضي.. صدقيني الشاب ده مايتعوضش وبيحبك بجد.. اوعي تضيعيه عشان اسباب مش مهمة، واضح ان دماغه كبيرة وحالتنا المادية مش فارقة معاه.. واهله كمان ناس مرنة ومتفهمين.. بجد مافيش اي سبب لرفضك أرجوكي وافقي ياحبيبتي وطمنيني عليكي..
+
تنهدت وبتقاسيمها تنضح الحيرة وهي تقول: يعني لسه السندريلا عندها فرصة مع الأمير في الزمن ده؟
+
_ طبعا.. لأن الأمير ماحبش السندريلا لأنها غنية او فرق معاه انها فقيرة.. الأمير حب روح سندريلا، طيبتها ورقتها وجمالها وبساطتها.. عشان كده مش مستغربة تمسكه بيكي..انتي اللي من وسط كل البنات اختارك وحبك وميزك في قلبه.. يبقي ليه تضيعيه؟؟ ها ياحبيبتي قلت ايه؟ هتوافقي؟
+
داعبت كلمات حنين طبيعتها گ أنثى وهي تتحدث عن حبه لها..هو الأمير الذي بصرها من علياءه ومد لها كفه ليرفعها إلى عالمه ليشاركها سحره وحبه..هل لها أن تقاوم؟ خاصتًا وقدميها مغروزة في أرضه لا تتحرك.. هي هناك تلقاه سرًا في أحلامها كل ليلة..تراقصة على دقات القلب، تتمناه..تهيم به.. ولا يمنعها عنه إلا حسابات العقل.. لكنها الآن ستستمد من قلبه هو قوتها..نعم قرارها بدا جليا ولكن ستدعمه بركعتي صلاة أخيرة تناجي ربها في أمره.. وفي الصباح ستحسم أمرها فيه..
____________________
+
عانقه بقوة رابتا على ظهره مهنئا:
مبروك يا سينو.. كنت عارف ان ربنا هيجبر خاطرك.. مش قولتلك خالتي واستاذ ناجي تفكيرهم مش قديم
_ الحمد لله يا عابد، ماهو لولا موافقتهم ماكنتش قدرت اقنع بسمة..
_ والله انا بحترم البنت دي جدا، واحدة غيرها كانت طارت من الفرحة واعتبرتك فرصة من غير ماتحسبها لحظة، بس هي بنت مختلفة وتستحق تجذبك بمميزتها.
ياسين بعبوس: طب مش كفاية رغي بقى؟
قهقة الأخر: ياعم انت هتغير من دلوقت، وبعدين دي هتبقي اختي يا اهبل.. واستطرد: المهم عبد الرحمن لما كلمك اتفقتوا على ايه؟
_ اتفقنا إننا هنزورهم الجمعة الجاية.
_ طب علي كده عرفت خالتي فدوى واستاذ ناجي؟
_ أيوة ومعندهمش مانع، هروح انا وهما وعطر وأنت طبعا
_ لا بلاش أنا يا ياسين المرة دي، خليها زيارة تعارف بسيطة وربط كلام زي ما بيقولوا معاك انت واسرتك نفسها، وخلينا احنا بعدين، تكون خطيبتك اتخطت حزنها شوية..
+
أومأ باقتناع وتنهد مع قوله: تعرف ليه استعجلت في ارتباطي بيها يا عابد؟ عشان الحزن ده..بسمة زي العصفورة اللي جناحها انكسر ومش قاردة تطير ولا قادرة تفضل مكانها..لكن بتعافر عشان تبان قوية بس انا عارف اللي جواها.. متدارية ورى سحابة إزاز من الدموع متحجرة في عيونها، نفسي افتت السحابة دي واخدها في حضني اطمنها واطبطب عليها واقولها ابكي عشان ترتاحي..لكن لازم اصبر وقريب اوي هحررها من الحزن واعلمها تطير تاني من غير ما تخاف تقع لأني هسندها واحسسها بالأمان..
+
ابتسم عابد وهو يراقب بوح رفيق طفولته والسعادة تختلج قلبه، ياسين شقيقه وابن خالته وتؤامه وجد أخيرا نصفه الأخر..ويحيا ما يستحق..اللهم يسر له أمره واجعلها زوجة صالحة له..هكذا غمغم داخله قبل أن يمازحه: طب ياعم المرهف هتجيب ايه لعصفورتك وانت رايح؟
+
عقد ياسين حاحبيه: مش فاهم.. المفروض اخد ايه؟
_ أي حاجة دهب كده.. سلسلة ولا خاتم مثلا علي ذوقك.. بخلاف الشبكة اللي هي هتختارها فيما بعد طبعا.
_ والله يا عابد انا كنت ناسي الموضوع ده
_ توقعت كده، بص استناني نصاية كده هخلص حاجة في الشغل واروح انا وانت نختارلها حاجة مناسبة، واستطرد وهم يتجه خلف مكتبه: روح بقى خد لفة في المزرعة علي ما اخلص وارن عليك
_ تمام.
_____________
+
جاء اليوم الذي ينتظره أخيرا وها هو يستعد لزيارة منزل عبد الرحمن ليطلب يدها.. حرص ياسين أن تكون طلته غير مبالغ بها.. ارتدى طقم بسيط للغاية وصفف شعره بشكل أنيق ثم أخرج من جيب جاكيته علبة صغيرة تحوي سلسالها الرقيق الذي انتقاه مع عابد منذ عدة أيام.. راح يتحسسه هامسا بخفوت: هانت يا بسمتي ونبتدي سوا أول خطوة..
+
_ سينو خلصت؟ بابا بيقولك… ..
+
بترت جملتها وتسمرت قدميها وهي تبصره بعد أن انتهى من ارتداء ملابسه.. راحت تتأمل وسامة شقيقها بحنان وفرحة واقتربت وعينيها دامعة:
الله أكبر يا سينو.. زي القمر يا أخويا
ثم عانقته، فربت علي ظهرها مداعبا: بلاش نكد ياقردة انا رايح اخطب مش رايح اسلم نفسي للشرطة
تغاضت عن نعته لها بالقردة وهتفت: فرحانة بيك اوي يا ياسين.. أخويا وحبيب قلبي هيبقي عريس.. وأحلى عريس في العالم كله.
+
ابتسم هذه المرة بحنان مماثل وضمها اليه: وانتي اختي حبيبتي وروح قلبي.. عقبال فرحك انتي وزيزو
_ يارب يا سينو.. احسن ده بيشتكيني للرايح والجاي
ضحك قائلا: بصراحة عنده حق، يزيد اكبرنا المفروض كان اتجوز اول واحد
_ هانت وانزل انا وجوري القاهرة نظبط شققنا سوا ونحدد فرحنا في اقرب وقت.
_ ربنا يسعدك ياقلب اخوكي، طب ايه كلكم جاهزين؟
_ أيوة بابا وماما منتظرين في الجنينة، وانا جيت اناديك
ثنى ذراعه لتتعلق هي به تلقائيا وهو يهتف: يلا بينا
_ انطلق ياسينو..
_____________
+
رغم محاولة سلوى على استحياء ان تجعل بسمة. ترتدي ثوب بلون افتح قليلا من الأسود، لم ترضخ الأخيرة ورفضت تخليها عنه وعلى مضض وافقت أن ترتدي وشاح كريمي اللون ليكسر حدة اللون وهي تستقبل عائلة ياسين للمرة الأولى..
+
_ يلا يابنات هاتو بسمة عشان تقدم القهوة، الضيوف وصلوا وبيسألوا عليها..
+
ازدادت خفقات قلبها ما بين خجل وتوتر وخوف.. لا تصدق الي الآن سرعة ما يحدث حولها، ولا تعرف كيف وافقت ان يأتي ياسين مازال القلب في حداد.. لكن عبد الرحمن وحنين تكتافوا عليها بشكل كبير لتوافق، وأنها مجرد خطوة مبدئية ليكون له صفة رسمية تمنحه بعض الحرية ليلتقيها ويتعرفا على بعضهما.. ولن يكون الزفاف قريبًا.. حتما سيمر وقت كافي قبل هذه الخطوة..
+
حنين وهي تمنحها نظرة حانية مشجعة: يلا يا بسمة.. تعالي نعمل القهوة عشان تقدميها
سلوى مازحة لتبدد طيف الحزن على قلب بسمة: تعرفوا يابنات أنا عملت ايه في خطيبي وقت ما جه يتقدم؟ حطيت له الشطة في فنجانه..
شهقت حنين: معقولة؟!!
_ أه والله، بصراحة أنا قرأتها في رواية وعجبتني الفكرة إن لو العريس اتحمل الشطة وما اشتكاش لأهله معناها هيتحمل بلاويا العمر كله..
ابتسمت بسمة ابتسامة مجاملة لها دون تعليق بينما هتفت حنين: طب وخطيبك عمل ايه؟
_ هو اتحملها وسكت، بس تاني يوم بهدلني
ابتسمت: توقعت كده، أعتقد لو كنت عملتها لاخوكي كان علقني في بلكونة بيتنا قدام بابا..
بسمة بتحذير : أوعي يا سلوي تعملي كده، دول ناس أغراب ممكن يعتبروا ده إهانة، وانا معرفش طباع ياسين احنا لسه بنقول ياهادي
سلوى: لا متخافيش انا حكيت الموضوع ده عشان بس اخليكم تفرفشوا شوية..عايزة بسمة تدخل ووشها منور كده..ثم اقتربت مواصلة بود: على فكرة يابسمة أخويا بيشكر جدا في الشاب اللي جه يطلبك ده..حاولي تفرحي وتنبسطي..علي الأقل انهاردة
أومأت لها بامتنان ثم تقدمتهما ليصنعا القهوة ويدلفون للجميع
………………
+
هيبة حزنها امتزجت مع رقتها وجمالها الذي لا يحتاج في نظره أي رتوش لتبرزه.. يكفي تلك الحمرة التي زحفت على خديها خجلا ليبصرها گ أجمل ما يكون، بتلك البساطة خلبت لُبه وهي أتية تحمل فناجين القهوة وكفيها تهتز بحركة طفيفة رصدتها حدقتيه وهي تتقدم بتردد، لم ترفع عينيها لأحد إلا حين صارت جوار أبيه الذي هتف بإعجاب وهو. يتناول فنجانه: ما شاء الله تبارك الله.. عروستنا زي القمر..ابتسمت بخجل ، وتوجهت لوالدته التي بدورها مدحت جمالها قائلة: الله أكبر ربنا يحفظك يا حبيبتي..فهمست بخفوت: تسلمي يا طنط..
بينما صاحت عطر: أنا بقي مش غريبة عنك. اظن اننا عارفين بعض من الأول..
هتفت بسمة: أكيد، حضرت فرحك، وشوفتك كذا مرة في المزرعة مع اخت الباشنهندس..
_ قصدك جوري.. فعلا مش بروح المزرعة غير معاها
ثم هتفت بخبث: الكلام اخدنا ونسيتي تقدمي القهوة لياسين.. على فكرة اخويا بيعشقها..
+
بذلت مجهود خرافي لتخفي خجلها وارتباكها وهي تتجه نحوه وتقدمها له ، فالتقطها مبتسما ولم يحاول إرباكها أكثر بعد أن أشفق عليها من اشتعال خديها الشهية.. ابتعدت عنه فدعتها فدوى أن تجلس جوارها، وفعلت لتنتفض بغتة على صوت سعال العم ناجي، فتذكرت حديث سلوى عن القهوة الحارقة، لكن متى فعلتها؟ تبادلت معها نظرة لائمة، لتهز الأخرى رأسها وتشير بعينيها كأنها تقول ( لم أفعلها)
+
عطر بفزع: مالك يا بابا في ايه
بينما حوقلت والدة عبد الرحمن ثم قالت: ناول عمك حبة مية يا ابني بسرعة..فسبقته فدوى بكوب مياة باردة كان أمامها وهي تسمي..وبعد برهة هدأ سعاله..رمق عبد الرحمن شقيقته المعتوهة ظنًا منه أنها وضعت مسحوق الشطة في القهوة كما فعلت مع خطيبها حين أتي لطلبها، لكن حتى إن فعلت المفترض ان تكون من نصيب العريس، وليس الرجل الكبير.. جز على أسنانه وتوعدها في سره ثم قال والده معتذرا:
_معلش باجماعة يمكن تفل القهوة السبب في كده
عبد الرحمن مؤكدا: أيوة يا بابا هو تفل القهوة أكيد..
ناجي بعد أن هدأ قليلا: حصل خير يا حج ولا يهمك..ثم مال علي ولده يهمس بخفوت: لو اعرف ان مقلب خطوبتك هايجي فيا انا ماكنتش جيت..
+
حدجه ياسين بدهشة ولم يفهم ما يقصده، ونظر تلقائيا لبسمة فوجدها تراقبه بتوتر وعينيها دامعة، فاهتز قلبه لقلقها الواضح فمنحها إيماءة مطمئنة مع ابتسامة بدت لها ساحرة. وهي تتأمله دون إدراك متناسية. توترها، حتى أفاقت على صوت والده يتحدث:
_ طبعا يا حج زي ما انت عارف إننا جايين نطلب ايد الانسة بسمة لابني ياسين..واحنا جاهزين لاي طلب تطلبوه.
هتف بوقار: والله يا ناجي بيه أهم طلباتنا هي ان ياسين يراعي ربنا في بسمة ويحافظ عليها..والحقيقة ابني شكر جدا في شخصه وأخلاقه، وأنا أشهد بده لما اتعاملت معاه.
_ تعيش ياحج ده من ذوقك، و عهد عليا انا شخصيا ان بسمة هتكون في عنينا قبل ياسين ابني..وطبعا عشان الظروف هننتظر شوية ونعمل احتفال ونجيبلها احسن شبكة تليق بيها
+
_ يبقى اتفقنا وعلى بركة الله نقرأ الفاتحة.
+
قراءها الجميع بصوت خافت وياسين يرمقها من حين لأخر بنظرات تنضح منها الفرحة، ثم انفرد بها ليجلسان في الشرفة الكبيرة، فقال ما أن وجد الفرصة: مبروك يا بسمة، أنا فرحان جدا بالخطوة دي..ابتسمت له وقالت: ربنا يجعل في ارتباطنا الخير اللي انت بتتمناه ويسعدك دايما
_ أنا مشيت وري قلبي وعقلي سوا، وواثق في خطوتي كويس، انتي بقى حاسة بإيه؟
تنهدت رغما عنها وهتفت: أنا متلخبطة وحاسة ان كل حاجة حصلت بسرعة..وخوفي تكون انت اللي محسبتهاش كويس وتندم
مال للأمام بكتفيه وقال برفق: في قرارات اصلا ماينفعش نتباطيء فيها يا بسمة، كان لازم اكون جنبك بصفة رسمية في أسرع وقت وفاهم قلقك من سرعة الأحدث بس الظروف هي اللي لغت فكرة الانتظار.. وهرجع اقولك اني مبسوط جدا جدا بأول خطوة في ارتباطنا، وواصل وهو يقدم لها هديته: أنا جبتلك هدية بسيطة يارب تعجبك..
+
وبصرته يلتقط من علبة أنيقة سلسال ذهبي بمنتصفه كلمة " Love"، و همس لها: ايه رأيك عجبتك؟
ردت برقة وإعجاب: جميلة أوي.. تسلم ايدك..
_ انتي تستحقي كل كنوز الدنيا، ألف مبروك يا بسمتي..
خجلت واهتزت من تلقيبه لها هكذا، فاستطرد: للأسف مش هقدر البسهالك بنفسي.. بس ياريت تلبسيها دلوقت.. عايز اشوفها عليكي.
فعلت ومررتها لتحوط عنقها المغطى بالوشاح مغمغمة: كلفت نفسك.. أنا مايفرقش معايا الحاجات دي.
_ بس أنا يفرق معايا يابسمة، انتي أميرتي اللي عايز اجيبلها حتة من السما..
+
حنان ودفء نبرته أثارت مشاعرها المدفونة تحت غبار الحزن، وتكثفت دموعها وسط مقلتيها..شعور غريب انتقل إليها وعانق روحها وهو يحدثها هكذا، نظراته لها تقص قصائد لم تقرأ مثلها يوما في عين أحد..قلبها يشدو بلحن جديد، خوفها منه كأنه تبخر، ياسين ليس مجرد أمير ثري وهي السندريلا الفقيرة.. بل هو ملك وأدركت أخيرا انها ما خُلقت إلا لتنتمي له، مر بعقلها طيف والديها هذه اللحظة وتمنتهم لو شاركوها فرحتها، حتما كانوا سيفرحون ويفتخرون به..دمعت شوقا لهما فقال راجيًا: بسمة عشان خاطري بلاش دموع..هما الله يرحمهم دلوقت حاسين بيكي ومطمنين عليكي معايا.. أوعدك يابسمة اني هسعدك واعوضك قد ما اقدر..ومش هحسسك انك لوحدك ابدا..
+
جففت دمعتها وقالت: عارفة يا ياسين..
وصمتت ناكسة رأسها برهة لترفع فضيتها إليه قائلة:
أنا لسه مش مصدقة انك فضلتني علي كل بنات الوسط بتاعك.. بس اللي متأكدة منه اني هحطك جوة عيوني وهحافظ عليك ومش هقصر في حقك ابدا..ئنت دعوة أمي وأبويا ورضاهم عليا..
+
ابتسم راضيًا ومستمتعا بأول قطرات من بوحها لما تكنه داخلها من مشاعر تجاهه وصمت ليرتوي من أثر كلماتها، ولن يطمع بأكثر فمازال بأول الطريق معها، فتسائل:
+
_ انطباعك ايه عن بابا وماما وعطر؟
_ بصراحة ارتاحتلهم وحسيتهم طيبين اوي، لو مش طيبين ما كانوش قبلوا بواحدة زيي.
+
قال مدافعًا بحمية تلقائية: ومايقبلوش بيكي ليه؟ ناقصك ايه يابسمة؟ ياريت كل عيوب البني آدمين كانت فقر فلوس.. الفقر عندي في أخلاق او ضمير أو نخوة.. هو ده الفقر اللي يعر صاحبه ويوصمه بالعار طول العمر وحتى بعد الموت.. لكن شُح المادة ده مالوش قيمة لو كنتي غنية بالحاجات التانية اللي قولتها..بالعكس بشوية اجتهاد وذكاء وتوكل على الله أي حد ممكن يبقي غني ومعاه فلوس.. متعلم او جاهل يقدر يعمل ده.. أتمنى يابسمة تغيري طريقة تفكيرك شوية، احنا في زمن مختلف وابسط من كل افتراضاتك اللي في دماغك..
+
ظلت تنظر إليه تتملكها حالة من الانبهار بمنطقه طغت على خحلها منه..كيف هو هكذا؟ وماذا فعلت لتستحق رجلًا مثله؟ وكيف كانت تحاول الابتعاد عنه؟ هو محق نعم هي فقيرة.. لكن لديها الكثير لتمنحه لهذا الرجل الذي تفتخر أنها توشك أن تنتمي إليه وتحمل أسمه..
+
راحت حدقتيه تطوف على وجهها الشارد به، كم يطوق للمس بشرتها.. كم يهفو قلبه لضمها..لغمسها في ضلوعه..معها يشتهي أشياء كثيرة كان يجهل وجودها.. وكأن معها فقط تولد طوفان احتياجاته ورغباته.
+
ربتة على كتفها اخرجتهما معا من تأملاتهما الحالمة، فكان الصغير الذي افتقدها وبحث عنها..
_ تعالى ياحبيبي
ياسين وهو يجذبه منها: لا هاتيه عندي، أزيك يا ياسين عامل ايه، كنت لسه هسأل عنك
هتفت: بصراحة حماة اختي من وقت ما جينا وهي واخدة بالها منه، وغصب عني انشغلت عنه انهاردة، أكيد افتقدني جدا.
_ معلش أهو معانا ومش هنسيبه. علي فكرة انا هاخده للدكتور اللي حكيتلك عنه ومش عايز منك اي اعتراض، أنا دلوقت مش غريب.. وياسين يهمني زيكم بالظبط..
ابتسمت ممتنة له.. وبعد أحاديث قصيرة بينهما انضموا للبقية. لتناول طعام الغداء، وبعد الانتهاء جلسوا يحتسون كاسات الشاي قبل أن يغادروا، وقال والد عبد الرحمن:
طيب بما أننا بقينا زي الأهل انا من دلوقت بعزمكم على عقد قران ابني وحنين أول جمعة في الشهر الجاي، طبعا انتوا عارفين الظروف هيكون ع الضيق كده في قاعة تبع المسجد الكبير اللي في منطقتنا.. ويشرفنا لو شاركتونا الفرحة..
+
ناجي: مافيش كلام اننا بقينا أهل وطبعا هنحضر، بس مش بصفتنا مدعوين..ثم صمت ثواني ليستطرد:
بما إن الظروف مش هتسمح بفرح وارتباط قريب وطبيعي ياسين عايز يتواصل مع خطيبته، اعتقد لازم يكون له صفة قصاد الناس.. عشان كده بقترح عقد قرانهم يكون مع حنين وعبد الرحمن في نفس اليوم.. ثم دار بين وجوه الجميع مواصلا: قلت ايه ياجماعة؟
صاح ياسين بحماس: والله دي أحسن حاجة سمعتها انهاردة.. وكلام بابا مظبوط وعين العقل..
عبد الرحمن داعما: وأنا شايف الفكرة مناسبة عشان يتواجد مع خطيبته بشكل شرعي بدون قلق من كلام حد خصوصا في منطقتنا الشعبية..
امتن له الأول: شكرا ياعبده متحرمش منك..
وبعد تبادل النظرات بين بسمة وأبو عبد الرحمن، قال: والله يا بنتي انا شايف ان الفكرة بتصب في مصلحتك مادام الناس شاريين والحمد لله في اتفاق وقبول ورضا يبقي ليه لأ.. ولا عندك رأيي تاني؟
+
نظرت لشقيقتها التي شجعتها وهي توميء لها بقوة ثم لياسين المتلهف لموافقتها وطغى عليها شعور الراحة تجاهه..فنكست رأسها دون كلمة ليصيح خطيب شقيقتها: بما ان السكوت علامة الرضا.. نقول علي البركة ياجماعة، بإذن الله اول جمعة من الشهر القادم عقد قراني انا وحنين ومعانا ياسين وبسمة..!
_____________
+
توجه حيث شقيقته وحنين ورمق الأولى بقسوة وهو يهتف بغضب: كان لازم الهبل بتاع القهوة ده؟ أهي جت في الراجل الكبير وكنا هنتفضح قدام الناس..
سلوي وهي تنفي: والله ما عملت حاجة انت ظالمني حتى اسأل خطيبتك اهي كانت معايا طول الوقت..
قالتها ثم ابتعدت بعيدا عن بطشه تاركة حنين لنظرات عبد الرحمن اللائمة.. فترقرقت عيناها خجلا وخوفا من رد فعله العنيفة التي تراها للمرة الأولى.. فلم يتحمل ذعرها منه فسب نفسه في ضميره واقترب مردفا: خلاص اهدي هوفتي ليه كده، انا اتعصبت عشان مايصحش تعمل كده مع ناس غريبة
_ سلوي معملتش حاجة، هي حاولت بس تضحكنا فحكت الموقف عشان تلطف الأجواء خصوصا لبسمة..
_ كان نفسك تقلديها؟
نظرت له بحذر ثم قالت: لو عملت كده كنت هتزعل؟
+
تألقت ابتسامته وقال: كنت هشربهالك ياحبيبتي..
نكسة رأسها تخفي ابتسامتها وغمغمت: افتكرتك طيب يا عبده وهتتحملني
_ أنا اتحملك طول العمر يا حنين، بس اختبار حقيقي لنا مش هزار..
ابتسمت بحب تألق بعينيها
فهمس بأذنيها: هانت ياقمري، كلها أيام وتبقي حلالي واخدك في حضني يا حنة.
____________________
+
جالسة بمفردها بعد أن نامت صغيرتها وعلى وجهها مسحة حزن لم تعد تفارقها..الكآبة تلقي تغزو سماء عالمها وتحاصرها.. ولم تشعر بمن اقتربت منها هاتفة:
ممكن اقعد معاكي يا أبلة؟ حاولت انام مش عرفت..
+
أومأت لها بالقبول دون كلمة
فواصلت شقيقتها الصغيرة " ضي" : حضرتك زعلانة ان اخويا قابلك وحش؟ معلش هو طيب والله بس هو كان زعلان عشان مش بتسألي علينا ابدا.. كنت بسمعه يقول كده لماما..
+
رمقتها تيماء بهدوء دون اكتراث عن شخص من تتحدث عنه، فإن كان المدعى شقيقها يُبغضها.. هي تبغضه اكثر.. يكفي أن وجهه يحمل نفس قسمات منصور أبيه اللعين..هو نسخة منه..جاهدت كثيرا كي لا تغرز مخالبها بوجهه.. كم تمنت فعلها لتثأر لطفولتها..لكنها تماسكت لأجل والدتها المريضة وتركتهما وأتت تجلس بمفردها..
+
_بس انا بحبك اوي يا أبلة رودي..
+
عادت تيماء ترمقها بشيء من غامضة..تلك الطفلة التي لا تشبه أحدا بينهم.. مختلفة عن الجميع، منصور.. والدتها، حتي هي لا تشبهها في شيء.. ملامحها البريئة تشي بطيبتها..ولها نصيب كبير من اسمها.. هي تراها كتلة ضي تتحرك علي الأرض.. ضيائها ينبع من داخلها..من برائتها وبياض سريرتها..
+
_ ليه بتحبيني يا ضي؟ أنا طول عمري بعيدة عنكم!
_ لأن ماما بتحبك اوي، كانت دايما تكلمني عنك وانا حبيتك عشانها، وحبيتك أكتر لما جبتي رحمة حبيبتي اللي بموت فيها وكنت بحلم يوم ما تنزلي مصر واشوفها الاعبها وانيمها معايا..
+
تكثفت دموع متحجرة بعينيها السوداء..هي تتأثر بتلك الصغيرة بشكل لم تعهده مع غيرها..تريد أن تضمها لكن شيئا ما يمنعها..لم تعتاد مشاعر الألفة مع أشقائها.. هم بذرة منصور الذي تكرهه، كيف تحب نبتته؟.
+
_ ليه عمو رائد مش جه ولا مرة هنا يا أبلة رودي؟
+
"آآه"
+
أطلقتها داخل روحها بآنين مُوجع
فالإجابة مخزية ولن تفهمها صغيرة مثلها
ليست لديها ردا
رائد لن يعود
هي خسرته للآبد
+
_ ضي.. روحي نامي دلوقت وانا هطلع اشوف رحمة.
_ حاضر
ثم. باغتتها بقبلة عفوية محبة على وجنتها قبل تقول:
تصبحي على خير يا أبلة رودي..
وذهبت وتركتها في ذهولها وجدار طبيعتها القاسية يتفتت مع تلك "الضي" دون سيطرة..قبلتها التلقائية ليست مجرد قبلة.. بل هي ببساطتها منحتها آدمية افتقدتها منذ زمن وسط أحقادها ومكائدها وسواد روحها.. مازال هناك أحدا في هذا العالم يعاملها كأنها إنسانة طيبة نظيفة.. لكن هل لو علمت تلك الصغيرة حقيقتها ستظل تحبها؟ لا تظن.. حتما ستبغضها كل البغض..
+
تنهدت وسارت ذاهبة لطفلتها تغفو جوارها.. وتتمنى أن تنجح وتسقط في النوم الذي يجافيها منذ أتت..
____________
+
_ أخيرا خلصت امتحانات وارتاحت
_ عقبال ما نفرح بنتيجتك ياحبيبتي
_ يسمع منك ربنا يا زيزو
_ المهم دلوقت مالكيش حجة، أنزلي القاهرة عشان تخلصي شقتنا ونتجوز..أنا صبرت بما فيه الكفاية يافواحة
+
_ من غير ماتقول ياحبيبي، اديني فرصة بس احضر عقد قران ياسين اخويا وتاني يوم هنزل فورا انا وجوري عشان هنشتغل في الشقتين مع بعض
+
_ خلاص بما اني هحضر كتب الكتاب عشان اكون مع سينو، تاني يوم هاخدك انتي وجوجو معايا القاهرة
_ أهو كده عداك العيب يا باشمهندس
_ قلب الباشمهندس..بس هو مش خطيبة اخوكي في حالة حداد؟ ماتوقعتش أكتر من قراءة فاتحة حاليا
_ هو كان اقتراح بابا، قال ان ياسين محتاج صفة شرعية عشان ياخد باله منها..بصراحة صعبانين عليا اوي يا يزيد، دول برضو بنتين فجأة لقوا نفسهم لوحدهم في الدنيا، وده سبب ان خطيب اختها قرر يكتب كتابه.. انما الجواز هيتأجل لوقت مناسب..
_ والله هو اقتراح في محله، عابد اخويا شكرلي في البنت، ومادام ياسين عايزها وداخلة دماغه يبقي على بركة الله
_ تعرف اني فرحانة اوي، أنا وانت وياسين وجوري هنكون سوا في القاهرة، هنبقي عزوة مع بعض..
+
_ ونسيتي محمود وبلقيس كمان هناك، مافيش غير عابد اللي هيفضل هو ومراته في المنصورة
_فعلا، بس المسافة بينا مش بعيدة..هنتواصل دايما كلنا
_ إن شاء الله، المهم نتجوز بس الاول
ضحكت قائلة: أنت ليه مستعجل كده
_ نعم ياختي؟ ده انا كده "عنست"
قهقهت ثانيا: والله صعبت عليا يا زيزو.. خلاص ياحبيبي هانت والله هخلص الشقة في اقرب وقت وهبهرك..أنا كنت ممكن اقولك تجيب حد تاني يشتغل فيها، بس ده حلمي من زمان اني اعمل بنفسي كل حاجة في المكان اللي هيجمعني بحبيبي اللي اتمنيته طول عمري.
+
وصلتها تنهيدة قبل قوله: خلاص يافواحة مقدرش اسيب في نفسك حاجة، وانا متحمس جدا اشوف هتعملي ايه في عش الزوجية.. أكيد هيطلع من تحت ايدك تحفة فنية
_ أوعدك مش هتندم على انتظارك يا زيزو
تثائب ثم قال: اكيد ياقلبي، هسيبك دلوقت لأن خلاص فصلت وعايز انام.. مش عايزة حاجة
_ عايزة سلامتك
_ تصبحي على خير
_ وانت من اهل الخير وأحلام سعيدة ياحبيبي
__________________
+
سمعت طرقا علي الباب يصاحبه صوت ياسين:
_عطر انتي صاحية؟
صاحت عليه: اتفضل ياحبيبي
دلف وجلس جوارها: لقيت النور والع قلت القردة لسه مصحصحة
عبست بطفولة: يعني خلاص بقيت مهندسة رسمي قد الدنيا وبرضو بتقولي قردة يا سينو
+
نكز رأسها مازحا: مهندسة على نفسك .
نظرت له ولمعة عينه تفضح فرحته فقالت وهي تربت على كفه: كنت لسه بتكلم عنك أنا ويزيد، أحنا فرحانين بيك اوي.. وبالذات انا.. أخيرا أخويا حبيبي هيبقي عريس حتي لو مش هتعمل فرح دلوقت بس هتتعوض بعدين..
+
عانقها بحنان: ربنا يخليكي ليا ياحبيبتي، ماما كمان فرحانة بس معترضة اني هكتب الكتاب دلوقت.. كانت عايزاني انتظر عشان اعمل فرح.
_ ماهي ظروف بسمة مش هتسمح بكده.. وفعلا انت مش هتقدر تراعيها وتزورها قصاد الناس براحتك غير برباط شرعي.. بإذن الله بعد فترة تعملوا فرح وتسعدوا ماما وكلنا نفرح بيكم.
_ أنا مايفرقش معايا قصة الفرح دي ياعطر.. كل اللي يهمني اني اقدر اراعيها واكون معاها..
ابتسمت: ربنا يسعدك وماتفترقوش ابدا
_ اللهم امين.
ثم تردد قليلا قبل قوله: هو ممكن اطلب من اختي حبيبتي خدمة؟
_ طبعا يا سينو
_ عايزك تقربي من بسمة شوية وتصاحبيها.. هي لسه معتقدة انها مش من مستوانا.. لولا انا حاصرتها بطلبي وخطيب اختها ساعدني في اقناعها يمكن كانت رفضت
_رفضت؟هي بسمة مش بحبك يا ياسين؟؟
+
ندت عنه تنهيدة: لسه مافيش كلام صريح اتقال منها، بس انا عارف مشاعرها كويس..بسمة بتصارع افكار قديمة وغلط بسبب الفرق بنا عشان كده مش متحررة معايا، بس اكيد بعد خطوة عقد قراننا الدنيا هتتغير
+
_ عندك حقك.. ربنا يألف بين قلوبكم، انا اهم حاحة. عندي انك مبسوط يا ياسين واي حاجة تاني مش هتفرق
+
_ شكرا. ياحبيبتي.. المهم اللي عاوزه إنك تحاولي تكلميها في التليفون دايما عشان تلغي المسافة اللي جواها من ناحيتنا، عايزها تندمج وسطينا وماتحسش انها غريبة
+
تأملته بحنان وهو يوصيها على من أحب وقالت: فاكر لما اتكلمنا في الموضوع ده زمان وانت قلت مايفرقش معاك البنت جميلة او لأ.. المهم تكون جديرة بأخلاقها تشيل اسمك وده كفيل يحببك فيها؟
_ فعلا طول عمري باني اختياري على العقل قبل القلب.. بس اللي حصل إن الاتنين اجتمعوا عليها.. اخدت قلبي وعقلي
+
عانقته وهي تصيح مدللة له: حبيبي حبيبي يا نااااس..ربنا يسعدك ياقلب اختك.. وما تقلقش انا وجوري كمان هنصاحبها ونكون معاها يوم عقد القران عشان لو احتاجت حاجة.. وواصلت بحماس: عارف كمان جاتلي فكرة، ممكن بعد بكرة اعزمها هي واختها واخوهم يجوا معانا النادي انا كنت متفقة علي كده أنا وجوجو.. هتبقي خروجة بنات بس هنقضي اليوم سوا ونوصلهم لحد بيتهم في الأخر..
+
ضمها صائحا: حبيبة اخوها والله ماليش إلا انتي..
_ حبيبي يا سينو.. ماتقلقش انا كمان يهمني بسمة تاخد علينا دي هتبقي مرات اخويا يعني اختي.. واللي تحبه يا ياسين أنا احبه..
+
ربت علي وجنتها: تسلمي ياعطر.. بس كان نفسي اكون معاكم.. انا لازم انزل القاهرة بكره عشان غبت كتير عن شغلي وهرجع علي كتب الكتاب أن شاء الله
+
_ بالعكس عدم وجودك افضل لأنها كانت هتتكسف منك هي واختها.. لكن واحنا بنات بس ممكن تفك وهنرغي براحتنا
+
_ عندك حق.. خلاص اتصرفي براحتك.. وواصل: ومبروك انك خلصتي امتحانات ياقردة..
صاحت وهي تلوح بذراعيها: أه أخيرا.. لقد هرمنااااا بعد خمس سنين هندسة انتظارا تلم اللحظة..
ضحك قائلا: الحمد لله يا مجنونة.. وفكري في هديتك اللي عايزاها من دلوقت لأن واثق ان اختي عبقرية وهتجيب تقدير يرفع الراس..
_ يارب ياسينو..
_ وامتي هتنزلي القاهرة تعملي شقتك؟
_ تاني يوم كتب كتابك.. لو اتأخرت عن كده يزيد هيخطفني منكم اقسم بالله..
+
قهقهة عاليا: لا على ايه.. انزلي فورا وانجزي..
ثم قرص وجنتها برفق: انا كمان عايز افرح باختي بسرعة
+
ثم نهض مستأنفا: اسيبك بقي تنامي.. تصبحي علي خير
_ وانت من اهله ياحبيبي
__________
+
_ كان يوم كويس جدا وأخت خطيبك لذيذة ومتحسيش أبدا انها متعالية، بالعكس كانت عمالة هي وجوري يلاعبوا ياسين اخونا، خصوصا لما عرفوا انه مش بيتكلم
_ فعلا، رغم اني كنت مش حابة اروح واستجبت لدعوتها عشان ما اكسفهاش.. ولما قالتلي ياسين نزل القاهرة اطمنت شوية..
حنين: عايزة تقوليل انك ماكنتش عايزة تشوفيه
_ لا مش كده، بس حاسة اني متاخدة، كل حاجة جريت بسرعة عايزة استوعب اني بجد اتخطبت له..
_ خطوبة بس؟ ده كتب كتابكم هيكون معايا انا وعبده.. يعني لازم تستوعبي الخطوة دي كمان..
_ ماهو دي حاجة تاني موتراني وخايفة..
_ خايفة. من ابه بس.. هسألك سؤال يابسمة، انتي مرتاحة لياسين؟ واثقة فيه وحاسة بحبه ليكي؟
شردت به وتلقائيا تعلقت أناملها بسلساله، فابتسمت حنين وقالت: اعتفد الإجابة واضحة.. اسمعيني ياحبيبتي ربك كريم وعارف اننا بقينا في الدنيا لوحدينا وبعتلنا اتنين يحبونا ويحافظوا علينا.. ماتستكتريش ياسين عليكي لأنه أكيد لقي فيكي اللي اتمناه.. حاولي تتأقلمي وتستجيبي لمحاولاته هو او اخته انهم يقربوكي منهم..
+
تنهدت مع قولها: بحاول ياحنين بحاول.. ثم نظرت تجاه غرفة الصغير الذي غفي من وقت وهتفت: نفسي اخونا يرجع لطبيعته تاني، ساعتها فرحتي هتكمل.. ماتتصوريش ازاي قلبي مكسور علشانه وبيتقطع..
قالت بذات الحزن والوجع: ربنا قادر يشفيه، أنا مش ببطل دعاء لربنا وعندي احساس انه هيستجيب قريب..
+
ساد بينهما الصمت دقائق وهما يحتسون كوبان من الشاي الساخن، حتى صاحت حنين بغتة:
+
_ بسمة، أنا جاتلي فكرة خطيرة ممكن بيها نقدر نساعد اخونا يتكلم.. من غير دكاترة ولا حاجة
هتفت باهتمام مماثل: ايه هي ياحنين اتكلمي..
+
_ الخاتم بتاع بابا الله يرحمه مش قولنا هيكون لياسين؟
_ بالظبط.
_احنا هنستغله مع فكرة معينة جت في بالي، أنتي عارفة اني برسم وهاوية تقليد الخطوط صح؟
_ أيوة، ده ايه علاقته؟
_ منا هفهمك، وراحت تسرد تفاصيل فكرتها التي راقت كثيرا لبسمة وقالت: والله مش بطالة.. وحاسة انها ممكن تنفع.. طيب نجربها الصبح بأذن الله..قومي بقي ننام عشان خلاص مش قادرة افتح عيوني..
……………
+
في الصباح!
+
عزمت حنين على تنفيذ فكرتها وأحضرت الصغير ومنحته بسمة خاتم أبيه، فراح يتأمله في كفه بفرحة، لم يكن يعلم أن والده يملك هذا الخاتم الذهبي.. لم يرتديه قط أمامه..
+
بسمة: ده ورثه بابا من والده يعني جدك.. ووصي انه يكون ليك ياحبيبي من بعده.
حنين: وبابا وماما كمان سابولك حاجة مهمة.. الوصية بتاعته، عارف ايه هي الوصية يا ياسين؟
نظر لها صامتا گ عادته فواصلت بسمة: دي بتكون طلب بيتمناه اللي مات من أهله ولازم ينفذوه وإلا هيفضل زعلان منهم وهو عند ربنا..
بدا علي وجهه الاهتمام، فقالت حنين:
تعالوا بقي نقرأ جواب بابا ونشوف بيقولنا ايه
+
انتبهت حواس الصغير جيدا وهو ينظر للورقة المطوية التي بدأت شقيقته تفردها وتقرأ بصوت واضح وهي تنظر إليه..(( ازيكم ياحبايبي عاملين ايه.. أنا عارف لما تقروا الجواب ده هكون أنا وماما فوق في الجنة مش معاكم.. بس عايزكم تعرفوا إن روحنا بتقدر توصلكم في اي مكان.. بنشوفكم من غير ماتشوفونا.. مرتاحين طول ما انتم بخير.. بسمة وحنين عارف انكم أقوية وهتحافظوا على اخوكم ياسين.. بس بوصيكم وصية.. أول ما تقروا كلامي اقروا كلكم على روحي انا ومامتكم سورة الفاتحة بصوت عالي..وخصوصا ياسين اللي وحشني صوته اوي..ليه مش بسمعه دلوقت وانا في الجنة؟ انا كنت بحبه ومش بزعل من شقاوته أبدا.. حتى ماما لما كانت بتزعقله كان من وري قلبها.. أنا وماما بنحبك أوي يا ياسين.. عايزين نسمع صوتك ياحبيبي، أوعى تزعل وخليك قوي.. يلا اقرأ الفاتحة انت واخواتك.. أقرأ والبنات هيرددو وراك.. لأنك راجلهم دلوقت يا ياسين..وأحنا هنسمع صوتكم في السما))
+
انتهت حنين من قراءة الجواب وصمتت تترقب هي وبسمة رد فعل أخيهم الذي راح ينقل بصره بين الخاتم والجواب ثم نظر لهما وكأنه يطلب منهما العون والتشجيع، فصاحت بسمة وهي تبكي: يلا ياحبيبي.. اسمع كلام بابا اللي عايز يسمعك هو وماما وهما فوق في الجنة، اقرأ الفاتحة واحنا هنقول وراك.
+
التقطت حنين سجادة الصلاة وافترشتها أمامه ووضعت المصحف وقالت لتحمسه: تعالى ياحبيبي اقعد هنا واقرأ براحتك من المصحف ده!
+
أطاعها بتردد وجلس أمامهما وظل صامتًا ينظر للحروف وصوت أبيه يحدث عقله كما كان يفعل دائما ( سينو حبيب بابا) ثم بدأت شفتيه تتحرك ببطء دون صوت يذكر حتى بدأ يعلو تدريجيا بتلعثم وتخبط والكلمات القرآنية تتراقص على لسان الصغير تعطيه قوة غريبة كأن يدا تربت عليه.. واستطاع أخير يقرأ دون تلعثم والسورة قاربت على نهايتها.. " أهدنا الصراط المستقيم.. صراط اللذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.. آمين".. صدقوا خلفه وهرولت الفتاتين يعانقوه باكين لا يصدقون انهما سمعا صوته أخيرا.. الصغير استجاب لأبيه.. استمد من روحه قوة.. ومن القرآن عزيمة.. لم يكن ياسين يحتاج طبيبا.. كان يحتاج والديه.. وها هما عادوا إليه بين حروف الرسالة المزعومة.. كما عاد والده في خاتمه الذي قبض عليه الصغير بكفه يخبئه بين راحته.. گ ذكرى غالية ستصاحبه عمرا..
______________
+
أيام مضت منذ حديثه مع هذا الرجل عند ضفة النيل، تغير حاله بشكل قطعي، تسربت إليه خيوط من الأمل وقبس أضاء ظلمة روحه، وهاتف خفي يحفزه على التوبة، كأن شخص أخر داخله يدعمه ويؤنسه وحدته.. يطمئنه أن الفرصة مازالت معه.. يجادله في منطقه القانط ويغير أفكاره الخاطئة..ينزح عنه أطنان من البؤس والسواد غلفته طيلة الفترة السابقة.. كلما اعتكف بين صلاته وتلاوة القرآن شعر گأن جبالًا من الهموم تتساقط عنه، روحه تحلق في تلك الطاقة الإيمانية الجديدة عليه.. الجروح ما عادت تنزف وإن ظلت بعض الخدوش تذكره بماضيه.. لكنه الآن أصبح قويًا..يعافر ليتطهر من دنسه..كل شيء سيسقط عنه ذنوبه سيفعله.. نظر أمامه شاردا.. كيف غفل عن هذا الكنز المختبئ بمصحف والدته وسجادة صلاتها؟..كيف هاب وابتعد عن أول شيء كان يجيب الاقتراب منه، الشيطان خدعه أن لا مكان له بين جدران محرابها الطاهر.. الشيطان ضلله وكان له صيدا شديد السذاجة.. لكن رحمة الله دائما حاضرة.. أرسل له رجلا لا يعرفه ليصفعه بفداحة ما كاد أن يفعل، دفعه ليصطدم بباب التوبة بدلا من محاولة انتحار لم تكن تورثه سوى وصمة الموت كفرًا.. الندم هو أول طريق التوبة، وهاهو يأكله ندمه على ما مضى، يريد التكفير عن ما اقترفه..لن يمل طلب السماح وسيصلح أمره مع من تبقي له.. تيماء او رودي لا يهم.. بكل الأحوال هي قدره ولن يتخلى عنها ويتركها ليأسها.. لن يترك ابنته لمصير مجهول.. ما خسره فيما مضى سيعوضه معها.. باب التوبة مشرع لهما ولن يبرحاه حتى ينالا صك الغفران من رب العالمين..
+
انهى صلاته وقرأ ورده بتدبر وعيناه تدمع بتأثر ثم اعتلى فراشه لينال قسطا من النوم استعداد لتنفيذ ما انتوى عليه في الصباح..لم يعلم أن الغد سيفاجئه بما لم يتوقعه..
وحتما لم يتمناه!
_____________
+
تستند على حافة نافذة الردهة شاردة بما آل إليه حالها البائس..الأيام تتوالى وأملها يخفت بريقه.. لم يتبقى لها شيء تتمسك به ورائد يجزرها جزرا من حياته گ نبتة فاسدة..في كل لحظة تتوقع ورقة طلاق يوثق بها نهاية حياتهما معًا..تخلى عنها وما عاد يُحبُها وهي التي لم تحب مثله..نعم أخطأت حين حقدت على رفيقتها وحاولت تدميرها بأبشع طريقة، نعم أخطاءت وأجرمت حين أجبرته بالخداع أن يظل مريضا ضائعا..وقبل كل هذا أخطأت حين سلمته نفسها گ غانية رخيصة معتقدة انها بهذا التنازل تكسب قلبه.. لكنها خسرت، خسرت كرامتها مع أول نقطة دم أريقت منها.. فقدت كل شيء.. لم تعد لها قيمة أو أهمية.. لم تعد تصلح لشيء..هي أبنة عاصية وشقيقة قاسية وزوجة سيئة وبالطبع لن تكون أما صالحة..
+
_ أبلة رودي..رحمة بتعيط وعايزاكي..
+
التفتت تنظر لشقيقتها الصغرى ثم ارتعش قلبها وهي ترى صغيرتها تبكي وتناديها بنظرتها الراجية لتأخذها..كم تتحصر على مصيرها الذي يشبهها.. ستعيش هي الأخرى مآساة انفصال أبوبها.. ستعاني مثلها.. ستتعذب مثلها..ستكون نسخة أخرى من منها وتصبح تيماء جديدة.. لا.. لن تكون.. ربما هناك حلا يعصمها من هذا المصير وتلك اللعنة.. حل تدركه ولا مفر من فعله..
+
_ أبلة رودي رحمة مش عايزة تسكت وعايزاكي..
+
_ سكتيها انتي يا ضي..
الصغيرة متعجبة: أنا؟ ليه ما حضرتك موجودة، لو شيلتها هتسكت وتنام علي طول..
+
لمعت عيناها ودموعها الثقيلة لا تسقط من بين جفنيها وكتفت ذراعيها مقاومة الاندفاع إليها وضمها وقالت بنبرة غريبة: حاولي تسكتيها انتي.. وخديها تنام في أوضتك يا "ضي".. انتي بتحبيها ولازم تعرفي تسكتيها..
+
رمقتها شقيقتها بنظرة أخرى أكثر حيرة، لما تقوم هي بتهدئتها دونها؟ وازدادت دهشة وهي ترى رودي تبتعد عنها متجاهلة بكاء طفلتها تماما..لما لم تأخذها؟ صدح بكاء رحمة أكثر وهي تري والدتها تبتعد عنها.. يدها الصغيرة تمتد كأنها تريد أن توقفا.. لكنها لم تقف.. لم تلتفت واستأنفت سيرها وصعدت لغرفتها وقلبها يتفتت ويتمزق ألما وبكاء الصغيرة يصب الجمر في روحها..هي لن تكون سوى لعنتها كما كانت مع الجميع..ويجب ان تخلصها من تلك اللعنة وتقدم قربان كي تنجو طفلتها
والقربان لن يكون سواها..!
______________
+
رنين الهاتف يتسرب لمداركه..حرك رأسه يمين يسار وحاول تجاهله لكنه استمر حتى اضطر ان يعتدل ويرد ومازل وعيه غائب:
_ ألو.. مين؟
_ رائد..
انتبه لصوتها فقال: تيماا؟
_ أيوة تيماء.. لعنة كل اللي حواليها.. تيماء اللي أذت صاحبتها وخانت ثقتها وسلمتها ليك انت واصحابك عشان تحطموها.. تيماء اللي حقدها خلاها تدمر اللي حواليها.. تيماء اللي عمرها ما كانت بارة بأهلها..بلقيس كان عندها حق.. انا اتوفرلي حاجات كتير وكنت ممكن اكون انسانة كويسة.. بس انا شري كان اكتر واخترت ادمر واحقد..
+
حديثها أثار في قلبه الريبة والخوف من القادم.. لما تذكر كل هذا.. وصوتها بدا غريب كأنها… ؟
+
جائه اشعار باستقبال مكالمتها فيديو
رآها شاحبة الوجه.. ضاقت عينيه وحاول تبين محيطها ليحدد اين هي، لكنه لم يدرك مكانها.. فواصلت حديثها الغريب كأنها تودعه.. بينما بدأ الخوف لما هو قادم يتملكه:
+
_رائد.. أنا صحيح شيطانة، بس حبيبتك..
حبيتك اكتر من نفسي..يمكن حبيتك غلط.. بس في النهاية كان حب.. أرجوك بعد ما اموت ماتاخدش بنتنا بذنبي.. انت كرهتني.. بس ماتكرهش بنتك.. ربيها كويس وعوضها.. خليها تطلع أحسن مني ومنك.. قولها اني كنت بحبها.. قولها اني كنت أم طيبة.. ارسملها صورة حلوة تفتكرني بيها.. اوعي تكرهها فيا.. ده اخر طلب هطلبه منك…
+
صرخ عليها: تيماااء.. انتي فين وبتتكلمي كده ليه
_ انا في الجحيم يا رائد..
في الجحيم اللي استحقه..
يمكن لما أحرق نفسي قدامك وابقي رماد..
ترجع تحبني من تاني
تحب رودي
وتغفر لتيماء
+
هدر بنبرة راجية: تيماء عشان خاطري قوليلي انتي فين بالظبط.. اوعي تتغابي وتأذي نفسك عشان خاطري وخاطر رحمة بنتنا.. حرام عليكي اللي هتعمليه..بلاش تموتي كافرة..
+
لكنها لم تنصت له وهي تنثر حولها سائل كريه الرائحة لم يكن يصعب عليه تخمين كنهه، فصاح منهارًا ويكاد يبكي: تيماء ابوس ايدك بلاش.. خلينا نحاول تاني.. اوعدك ارجعلك وابدأ معاكي من جديد بس بلاش تسيبيني وتموتي كافرة.. بنتك محتاجالك وأنا..
فات الآوان
أشعلت عود الثقاب أمامه
ورمقته بنظرة وداع أخيرة
نظرة فاقدة للحياة
ثم ارتخت أناملها وتركت عود الثقاب ليسقط أرضا
وبلمحة شبت النيران حولها وبها
اللهيب يتراقص بجسدها گ شاة تُسلخ..
تصرخ متلظية بجحيم
هي من صنعته لنفسها وبكامل رغبتها
احترقت ونفذ الأمر..!
+
امتزج صراخها بصراخه
دموعها ودموعه
تطالعه برعب..
بألم..
لا شك أن للموت هيبة
والاحتراق جحيم لا يُحتمل
حتى لو أقدمنا عليه طواعيةً
ظل يصرخ عليها بلوعة وعجز
ليته سامحها وعاد إليها..
ليته ما تركها ليأكلها اليأس..
ليته مد لها يد العون
ليته كان جوارها وأنقذها..
كيف سيعيش بهذا الذنب؟
والأهم كيف سيتحمل خسارتها؟
الآن..
الآن فقط ادرك مشاعره
وأدرك انه يحبها
رغم كل شيء فعلته
رغم تاريخهما الأسود
خسارتها هي ندبته الغائرة التي لن تطيب ابدا
لن تطيب!!
______________
+