رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الخمسون 50 بقلم دفنا عمر
الفصل الخمسون
________________
كل حرفٍ لأسمك يساوي بيت شعر
منقوش في قلبٍ أصبح بكِ مفتون
ألِف..أعشقك حد الجنون
ياء..يا من أسرتني بالعيون
لام..لا أفرط فيكِ ولا أخون
ألِف..أحبك بعدد النجوم
فاء..فرحتي أنتي
ونعمة أقسم لها أن أصون
__________
+
تراقب ابنتها وهي تنتقي مع زوجة ابنها رداء يناسب لزيارة محمود وعائلته والفرحة ترتع داخلها.. صغيرتها كَبُرت وتفتحت أوراقها وحان آوان قِطافُها..أغمضت عينيها بلحظة تضرع وشكر لخالقها أن أمدها بالعمر لتطمئن على وحيديها ظافر وإيلاف..
+
_ طنط.. اختاري معانا أنهي طقم أحلي؟
+
أشرعت عيناها وقالت بعد ألقاء نظرة متمعنة: طقم السالوبيت "الأوف وايت" ده رقيق وبسيط وهيكون حلو جدا على إيلي..
+
بلقيس بحماس: شوفتي؟ مش قولتلك السالوبيت ده هيكون مناسب أكتر
إيلاف: خلاص يبقي خلينا فيه، أنا كمان شايفاه افضل من التاني.. فاضل نظبط ححابه..
_ دي سهلة، ظافر اشترالي أول ما اتحجبت مجموعة كل ألوانها جميلة وجديدة.. تعالي نختار حاجة منهم.
_ لا ياحبيبتي دي حاجتك انتي وهدية اخويا ليكي، أنا هشوف عندي حاجة تليق..
+
أعترضت بعتاب: كده برضو؟ هو في فرق بنا يا إيلاف؟. مافيش مشكلة لما نلبس منهم سوا.. ولا أنا مش اختك؟
+
احتضنتها قائلة: ماتقوليش كده ربنا يعلم اني بحسك اختي الكبيرة مش مجرد مرات اخويا
+
لمعت عين هدى برضا لتلك العلاقة الدافئة الناشئة بينهما وهتفت: خلاص يا إيلي، مافيهاش حاجة لو أخدتي من مرات أخوكي حجاب للطقم بتاعك، ثم مازحتها: وانتي ابقي عوضيها بحاجة من متحف الأكسسوارات الضخمة اللي عندك.
ضحكت بلقيس: ايه ده.. هي كمان هاوية اكسسوارات؟ جوري زيك كده عندها ثروة من الحاجات دي.. وواصلت: طيب بالمرة نختار سوا الاكسسوار اللي هتلبسيه
_ لا منا محددة حاجة معينة هلبسها..
+
هدى: طيب هسيبكم أنا يابنات تجهزوا نفسكم براحتكم واروح اشوف الأوردر اللي ظافر طلبه من مطعمه وصل ولا لأ.. محمود وأهله على وصول..
.........
هتفت بانبهار: الله يا إيلي..الطقم رقيق جدا و بأسمك كمان.. ماشاء الله تحفة.. أكيد ظافر اللي اشتراه صح؟
هزت رأسها قائلة: لا مش ظافر اللي جابهولي!
لاحظت احمرار وجهها بشكل مبالغ به، فبرق بذهنها خاطر فتسائلت بخبث: أوعي يكون اللي في بالي يابنت؟!
+
ازداد تضرج حمرتها وابتسمت، فاستطردت بلقيس وهي تجذبها لتجلس: لا ده انتي تقعدي وتحكيلي.. الموضوع شكله كبير، ثم قالت: محمود اللي جاب الطقم ده؟
هزت رأسها بإيجاب، فعادت الأخرى تتسائل: امتي؟ انتو تقريبا مقابلتكم كانت قليلة في المناسبات وبس، ولا كنتم بتتقابلوا من... .
قاطعتها إيلاف: لا والله ولا كنت بقابلوا ولا حتى بكلموا في التليفون، حتي رسايل الفيس مش برد عليها
_ هي وصلت للفيس كمان؟ ده انت طلعت مش سهل يامحمود ومايبانش عليك يا لئيم.
ضحكت إيلاف، فقالت الأولى: طيب بردو معرفتش امتى هداكي الطقم ده؟
+
سردت عليها كيف أخذته من جيب مهند حين زارتهم هي من فترة بصحبة محمود والصغير معهما، وكيف ضللته أنها لم تأخذه، وما أن انتهت من سردها حتى قهقهت بلقيس: يعني ضحكتي عليه وأوهمتيه إنك رفضتي الهدية وأنتي أصلا أخدتيها منه
ضحكت معها: أيوة طبعا كان لازم اعمل كده.. كنت هتكسف اقعد قدامه لو عرف اني اخدت الطقم..
+
قهقهت ثانيا مع قولها: دلوقت بس فهمت سبب لهفته يجي يوصلني ورفض اخلي بابا يبعتلي العربية.. أتاريه مخطط يشوفك.. نكست إيلاف رأسها بخجل فرمقتها بلقيس بحنان وقالت: بتحبيه؟
قالت بشيء من الحيرة: مش عارفة احساسي ده حب ولا ايه.. بس انا معجبة بمحمود أوي ومرتاحة له، بكون مبسوطة لو شوفته، طايرة بنظراته ومحاولاته انه يتقرب مني وانا طبعا عاملة فيها الشاويش عطية، لكن من جوايا فرحانة.. ولما بعتلي رسالة يعرفني انه جاي مع أهله عشان يطلبني احترمته لأنه ماحاولش يتسلى بيا، قرر يجي لحد بابي في النور ..جرآته وسرعته في الخطوة دي عجبتني!
+
ربتت على خدها برفق: ربنا يسعدك يا حبيبتي، محمود يستاهل كل خير، وفعلا الشاب اللي يعجب ببنت ويكون واضح معاها ويدخل من البيت .. ده لازم يتقدر..
+
ثم نهضت متحمسة: طب كفاية رغي بقى وتعالي نجهز قبل ما حودة يجي..
+
وبدأ استعدادهما ولم يعد باقي سوى رتوش أخيرة وضعتها إيلاف على وجهها ولم تنسى ارتداء لينسزز مناسب لتهتف بلقيس: إيلاف، بلاش تستخدمي اللينسزز كتير عشان ممكن تأذيكي.
_ ماتقلقيش، انا بستعمل أنواع غالية ومضمونة وبعقمها كويس جدا
_ بس لون عيونك مميز مش فاهمة ليه بتداريه؟
_ كلكم بتقولوا انه حلو.. بس انا بحس ان اللي بيشوفني بيستغربني وانا بضايق من النظرات دي.. ومش شايفة انها ميزة..
_ بالعكس، أنا اول ما شوفت عيونك على حقيقتها قلت ماشاء الله.. كل عين لون ساحر ودي هبة من ربنا بتميزك.. صحيح هو محمود يعرف لون عيونك الحقيقي؟
+
_ أيوة، أول مرة اتقابلنا صدفة في مستشفى ابن خالة ماما، كنت بتدرب هناك.. وفي اليوم ده نسيت خرجت ونسيت احط اللينسزز.. وقتها رجعت البيت مش طايقة نفسي، بس بعد كده لما اكتشف ان محمود ابن عمك، حاول يوصلي انبهاره بعيوني لدرجة انه طلب مني أخبيها عشان ماتسخرش حد غيرو
+
ضحكت قائلة: ده محمود ابن عمي طلع كارثة ومش سهل خالص..
+
" مين جايب سيرة اخويا؟"
+
صرخت بلقيس وهي تجري تحتضن زمزم التي أطلت عليهم صائحة: زوما.. وحشتيني وحشتيني.. عاملة ايه يا عروسة والله افتقدك اوي اوي
الأخيرة بنفس الحفاوة: وانتي أكتر يابلي والله..احنا لسه واصلين حالا وانا مقدرتش أستناكم تحت، استأذنت من طنط هدى تجبني عندكم..
ثم استدارت حيث إيلاف هاتفة بإعجاب: الله أكبر.. ايه الجمال ده ايلي..زي القمر.
+
بلقيس مازحة: شوفتي بقي؟ ايه رأيك في بنتنا بما انك حماتها الصغننة
_ ماشاء الله بسكوتة، وبعدين حماتها ده ايه.. اختها بإذن الله.. ثم. هتفت: انتو مش ملاحظين حاجة؟
انا وانتي وإيلاف مالناش اخوات بنات.. اخواتنا صبيان..
_ وجوري بنت عمي وعطر نفس القصة..
أيلاف: يمكن عشان كده في ألفة وترابط مابينا وفرحانين لأننا بنكمل مع بعض نقص جوانا..أنا كنت اتمني يكون عندي أخت..
+
زمزم: عندك حق يا إيلي بس زي ما قولتي كلنا بقينا اخوات لبعض.. ثم حدثتها بمكر: بس تعالي هنا قوليلي.. عملتي ايه في اخويا؟ الولد ما صبرش ارجع بيتي وصمم اجي انا وعابد معاه عشان نخطبك..ماما بتقولي انه جنن بابا عشان يوافق على التوقيت ده.. بابا كان هينتظر اسبوع بعد رجوعي بس محمود بيه كان مقرر حاجة تانيم وفرض رأيه علي الكل..عشان خاطر عيونك..
_ منا لسه بقولها محمود طلع مش سهل وبصراحة عجبني
+
خجلت من حديثهما وبذات الوقت ازدادت اعجابا به وتقديرا له بعد أن علمت بإصراره أن يأخذ تجاهها تلك الخطوة الحاسمة.. ماذا تحتاج الفتاة أكثر من رجلا گ هذا لينال قلبها وحياتها؟
______________
+
بعد استقبال عائلة محمود بما يليق بهم وعرض طلبه الذي تولاه كبيرهم عاصم محدثًا ظافر، اتفقا على قراءة الفاتحة على أن يكون حفل الخطبة وعقد القران في وقت قريب ثم انتظار تخرج إيلاف من عامها الأخير في كلية الطب وثبات أقدامه في مشروعه الذي مازال في أولى خطواته..وبينما الجميع يبارك العروسين فاجأهم محمود بشراءه دبلتان ومحبس، ليمزح عاصم: الولد مش بيضيع وقت.. جيل عملي بصراحة.
عابد: كده محمود أثبت انه تربية عيلة ابو المجد.. احنا نحب نخلص في الأمور ياعمي.
محمود مدعومًا من حديثه: مش كده برضو يا جوز اختي..نجيب من الأخر احسن.. عشان يبقي معروف انها مخطوبة ومحدش يبصلها..
محمد معلقًا على ما فعله: والله ما اعرف المجنون ده جابهم امتى، فكرني بناس كده جت تخطب بنتنا ومعاها الدبل والخاتم..
ابتسم ظافر متذكرا يوم أتاهم لطلب بلقيس وما فعله حينها، ورغم هذا قرر مشاكسته: بس انا مش موافق على موضوع الدبل انهاردة ..كفاية قراءة الفاتحة المرة دي..وخليها مع الشبكة وكتب الكتاب..
+
اعترض محمود: ليه كده يا ابو نسب؟ تيجي منك انت برضو يا شيف؟ ولا عشان اتجوزت واستقريت تشحتف الغلابة اللي زينا وتتحكم فينا؟
ظافر متظاهرًا بالجدية: والله انا حر..
_ يبقي ماتزعلش من اللي هعمله.
قطب حبينه بريبة: يعني هتعمل ايه؟؟
+
_ هطلع على مطعمك إشاعة انك بتقدم وصفات صيني.. وانت عارف حساسية الناس من الأكل العجيب بتاعهم دلوقت، يعني سمعتك هتتدمر ويحدفوك بالضفادع والخفافيش.
+
ضحك جميعهم بينما هتف ظافر: ده انت طلعت خطير وبلاش نزعلك احسن،( ثم تحدث بجدية مختلطة ود واضح) عموما يامحمود زي ما قلت، أنا مش هلاقي افضل منك لإيلاف اختي وبنتي في نفس الوقت.. يعني اغلي حد عندي.. وعارف انك هتصونها وتحافظ عليها..
+
قال بصدق: وأنا اوعدك إن ثقتك هتكون في محلها واني هشيل إيلاف في عيوني وقلبي!
+
لمعت عين ظافر برضا وسعادة لأجل صغيرته التي نهض يستدعيها هي وبلقيس وزمزم حيث تركوا للرجال مساحة لعرض طلب محمود.. وبعد قليل أطلت عليهم إيلاف برقتها الطاغية وخجلها المحبب مطرقة الرأس.. فتواثبت دقات قلبه فور رؤيتها البهية ودعي الله أن يجمعه بها في أقرب وقت، وتعهد في نفسه أن يحفطها ويسعدها قدر استطاعته.. وبينما هو يتأملها بإعجاب، عانقتها والدته وزمزم وكذلك والدتها التي اغرورقت عينيها فرحًا ثم حدثته: أنت هتاخد حتة من قلبي يا محمود حافط عليها واوعي تزعلها ابدا
+
محمود جاهرًا بمشاعره: لو إيلاف حتة من قلبك يا طنط.. فهي قلبي كله!
+
شعرت أنها ستفقد الوعي من خجلها بعد قوله.. فواصل بمزاح ليخفف خجلها:
بس كلامكم كده محسسني اني واخدها وماشي.. طب ما تكملوا جدعنة وتخلوني اخدها معايا.. والله جميل ما هنساه ياجماعة..
+
للمرة التانية أثار ضحكهم بخفة ظله، بينما لكزه محمد في رأسه ليكف عن مزاحه ويتعقل قليلا، وهتفت هدى: لا ياحوده مش بالساهل كده، دي لسه هتخلص دراستها ونجهزها بكل اللي نفسها فيه.
بينما هتفت عبير: وكمان أنت لسه بتقول ياهادي في شغلك..ربنا يوفقكم ياحبيبي ويسعدكم.
+
أمن الجميع علي دعائها وبعد قليل من الحوارات المرحة بينهم، أحاط محمود بنصرها بدبلته والمحبس الرقيق وهمس لها بخفوت لم يصل لغيرها: مبروك يا إيلافي..
___________
+
كم تمنت أن ترفع رأسها المُطرق منذ جلسا وتكون أكثر جرآة لتحدثه الآن وهو يجاورها ذات الأريكة ببقعة خاصة في منزلهم..لكنها لا تعرف أنه أكثر متعه وهو يراقب خجلها الذي يحبه..ويتأمل سلساله وأسوارته المدموغة بأسمها.. هديته التي قبلتها بعد مراوغة شقية..ارتدائها اليوم لفتة"عنت" له الكثير.. كأنها تخبره كم سعيدة انه صار لها وصارت له..
+
_ مش ناسية لما ضحكتي عليا وأوحتيلي إنك رفضي هديتي.. ومشيت زعلان ومخنوق..
همست دون أن تنظر إليه: كان لازم اعمل كده، كنت هتكسف تشوفني بعد ما قبلتها..
_ طب ودلوقت حاسة بأيه؟
_ مكسوفة برضو، بس الوضع مختلف شوية.. وقتها لومت نفسي أصلا إني قبلتها لأنك غريب عني ومايصحش اقبل منك حاجة، عشان كده مافكرتش البسه ابدا، لكن انهارده انت أثبتلي إنك شاب محترم وصادق مش بتلعب بيا.. دخلت من بابي وفضلت مشاعرك تكون في النور.. عشان كده كان لازم البس الطقم ده عشان تعرف إن أنا كمان مبسوطة وفرحانة وراضية بالخطوة دي.. يمكن مش هقدر اقولك كلام صريح.. بس أصدق المشاعر هي اللي بيعبر عنها الفعل مش الكلام..وده اللي انا عملته.
+
طغى عليهما الصمت لكن قلوبهما أضحت صاخبة بمشاعرهما الفياضة..لا يصدق أنها تحدثت معه وصارحته بدواخلها وهي بهذا القرب..يحتله شعور الفخر لأنه ظفر باحترام فتاته قبل حبها..هكذا تُشيد العلاقات القوية بعمدان لا تُهدم مهما مر عليهما من عمر.. هي إيلافه وخاسر إن لم يصن نعمة حبها للآبد..
+
قال مبادرا بعد برهة الصمت: تعرفي يا إيلاف، من أول مرة شوفتك اتمنيت اللحظة دي..حاجة فيكي حسستني انك نصيبي الحلو في الدنيا، ولما قابلتك تاني اتأكدت إنك تخصيني، وفي يوم من الأيام هنكون سوا.. والحمد لله ربنا حقق اللي اتمنيته، ودلوقت خلاص هقدر اركز في شغلي اللي لسه في أوله.
ابتسمت قائلة: ربنا يوفقك يامحمود..
صاح بهيام: يا نهار ابيض على حلاوة أسمي منك.. قولي محمود تاني ينوبك ثواب في عاشق غلبان.
+
"محمود"
+
_ ياساتر يارب!
+
قالها محمود بعد أن قاطع سحر لحظتهما نداء عابد وهو يقترب منهما بصحبة زمزم والصغير، فسيطرت إيلاف في ضحكتها بأعجوبة، بينما التفت الأول بابتسامة صفراء: يا أهلا بابن عمي الغالي..
+
رمقه عابد بفراسه وأدرك شيئًا فمال على أذنيه يهمس: أنا جيت في وقت مش مناسب ولا ايه يا ولهان..ثم حدثها قائلا: ألف مبروك يا إيلاف.. انا جيت اباركلك أنا وزمزم قبل ما نمشي عشان راجعين المنصورة..
هتفت بانزعاج: ليه بس خليكم شوية.. انا مالحقتش ألاعب هوندا ده واحشني اوي.
زمزم: معلش ياحبيبتي هنعوضها بعدين، بابا وماما راجعين المنصورة واحنا معاهم لأن طنط كريمة منتظرانا على نار.. وألف مليون مبروك يا إيلي، ربنا يسعدك انتي وحودة.. ردت مباركتها بتهذيب وود، ثم تبادلت مع شقيقها تهنئة وعناق وودعته لتغادر بصحبة زوجها..
......... ..
+
قال بعد ذهاب شقيقته: تعرفي اني مبسوط أوي علشان شايف اختي مبسوطة أخيرا بعد ما ربنا عوضها بعابد؟ أنا لسه مش ناسي حالتها بعد وفاة زوجها الأول، وسبحان الله علاجها كان وقت ما عرفت انها حامل في مهند..
+
انجذبت لحديثه مع كثير من التعاطف، وقالت: وزوجها الأول كان عارف بحملها قبل موته؟
_ لأ.. ولا زمزم نفسها كانت تعرف..
ثم تنهد مع قوله: الحمد لله أيام وراحت لحالها..
ثم حدجها بنظرة دافئة وقال: إيلي ممكن نصور ايدينا بالدبل ونحطها أنا وانتي على البروفايل
+
ابتسمت ثم وافقت علي التقاط صورة لكفيهما لتكون لقطة موحدة لحسابهما على الفيس بوك.. ثم هتفت بمرح: بس عارف ايه اللي اصحابي هيعملوا فيا لما يعروفوا اني اتخطبت من غير مايعرفوا؟ أنا مش عايزة اتخيل حتى..
+
ضحك وقال: قوليلهم ماكنتش اعرف.
+
_ تفتكر هيصدقوا؟ عموما أنا عارفة حلهم، هما هيبتزوني عشان اعزمهم في مطعم اخويا..وأنا طبعا لازم ارضخ لابتزازهم عشان اتقي شرهم..
+
ابتسم متلذذا بمزاحها وحديثها العفوي معه وهي تحكي عن صديقاتها.. كم تحلق روحه في السماء فرحًا بتلك اللحظة بينهما..وأخيرا همس بما فاض به قلبه تجاهها:
+
_ إيلاف.. بحبك.
__________________
+
علم ياسين بحضور عابد فالتقاه في اليوم التالي وبعد الترحيب به وتهنئته قام بتوضيح ما حدث لعائلة بسمة ومنعه اللحاق بموكب عُرسه، استمع له وملامح وجهه غشاها الأسف وهو يحوقل بأسى قائلا: لا حول ولا قوة إلا بالله، مسكينة يا بسمة..ضربة جامدة ليها هي واخواتها ومأساة حقيقية.
+
_ فعلا ياعابد مصيبة..وده اللي مانعني اوصلك يوم فرحك، وخوفت اعرفك في التليفون واضايقك في شهر العسل، قلت هقولك لما تيجي بالسلامة..
+
قال مقدرا: ولا يهمك انت عملت الواجب بوقفتك مع المسكينة دي.. وجه دوري
_ دورك ازاي؟ قصدك تعزيها وكده؟
_ التعزية دي شيء مفروغ منه، اقصد ان بسمة دلوقت محتاجة مساندة مادية، حسب كلامك حتى هدومهم اتحرقت.. يعني هي واخواتها محتاجين يوفروا احتياجاتهم الضرورية عشان كده..
+
_ عشان كده انا جيتلك بعد ما قررت هعمل ايه، بسمة فعلا محتاجة فلوس بس مش هتكون منك ياعابد.. هتكون مني أنا..!
+
استنكر: ازاي الكلام ده يا ياسين؟ ماتنساش انها موظفة في المزرعة عندي ومساعدتي ليها مش هتكون جارحة لأن ليها مسمى مقبول، لكن انت هتساعدها بأي صفة؟
_ ماهو للسبب ده فكرت فيك.. انت هتعطيها مبلغ بالمسمى اللي هتحدده انت وتقنعها تاخده.. بس من فلوسي.. ثم تحدث بوضوح لا يحوي مواربة أو تميع لحقيقة دامغة: بسمة بقيت تخصني أنا ياعابد.. ومش هقبل حد غيري يساعدها.. بس طبعا انا ماليش صفة زي ما قلت.. عشان كده هساعدها عن طريقك انت..!
+
صمت يطالعه وعيناه تبرق بإعجاب ثم ابتسم بتفهم وقال: مادام الموضوع كده يبقى مقدرش الومك، لو مكانك كنت هتصرف كده.. خلاص مش هنختلف يا ياسين، شوف اللي يريحك وأنا هعمله عشان نساعدها.. بس الأهم دلوقت عرفت خالتي واستاذ ناجي بحاجة؟
+
تنهد بقلق: لسه، وبصراحة خايف مايوافقوش علي رغبتي..مش حابب لأول مرة يحصل صدام مع بابا وماما.. ارتباطي ببسمة شيء محسوم بالنسبالي..
+
ربت علي كتفه مشجعا: متخافش.. عمي ناجي شخص متفتح وواعي وكمان خالتي، معتقدش ان تفكيرهم بالسوء ده.. اعتقد انهم هيفضلوا سعادتك عن اي اعتبار تاني..بصراحة البنت لا يعيبها شيء.. محترمة وجميلة وعزيزة النفس جدا..اتكل على الله وكلمهم وانا معاك مش هسيبك وداعمك في اي قرار..ومستعد اكلمهم واقنعهم لو لا سمح الله رفضوا.
_ تسلم يا صاحبي..أتمنى ما نضطرش لكده.
________________
+
_ أنا مش هكمل دراستي يا بسمة وهشتغل!
+
التفتت إليها وهتفت باستنكار: نعم؟؟؟ ومين هيسمحلك بالجنان ده؟
_ ده مش جنان.. ده الصح.. ظروفنا اتغيرت ومش هينفع اكمل وارمي عليكي الحمل..كل جهازي أنا وانتي اتحرق، مبقاش عندنا حاجة، ده غير اخونا اللي لسه صغير ومحتاح مصاريف كتير عشان يقف على رجله.. انتي كنتي بتساعدي وبابا وماما عايشين، لكن دلوقت هتتكفلي بكل حاجة حتى دراستي..عايزاني اتفرج عليكي؟
+
_ وعشان تساعديني تضيعي أخر سنة عليكي؟ طبعا ده مستحيل
_ طب ايه الحل؟ يابسمة احنا مانملكش في الدنيا شيء ولا أهلنا كان عندهم حاجة نتسند عليها. ولولا عبد الرحمن جابنا هنا كان زماننا في الشارع..
_ ومع كده في حلول كتير، انا هرجع شغلي تاني ومرتبي كويس هيكفينا مع معاش بابا..ويمكن تظهر لنا أبواب تانية.. محدش عالم، ربنا مش هينسانا ياحنين متخافيش، كل شيء هيتعوض إلا دراستك.. أوعي تفكري ماتكمليش، دي سنة هتعدي بالطول ولا بالعرض وبعدها اشتغلي واعملي اللي انتي عايزاه، ولوازم جهازك هتتدبر ونجيب الأساسيات بالقسط مش مشكلة
_ لا يابسمة ماينفعش إن... .
قاطعتها بحزم: حنين.. قولتلك كل حاجة هتتدبر ماتنسيش اني اختك الكبيرة ولازم تسمعي كلامي
+
رضخت لأمرها وعانقتها باكية فاحتوتها بسمة بين ذراعيها وهي تدعوا نفس دعوتها ألا يحوجهم الله لمخلوق وييسر لهم كل عسير ويهون القادم الذي لا يعرفونه..
+
ابتعدت حنين تقول: على فكرة، عبد الرحمن جاي بعد العشا هو وسلوى يطمنوا علينا
_ يشرفوا ياحبيبتي، روحي يلا اغسلي وشك والبسي حاجة تقابليهم بيها وانا هشوف اخوكي صحي ولا لسه عشان مأكلش حاجة من الصبح.
__________
+
حضر بعد قليل بصحبة شقيقته التي جلست تحدث بسمة وتتفقد الصغير، بينما تنحى هو بها في الشرفة متسائل: ياسين عامل ايه دلوقت ياحنين؟
+
قالت بوجه متجهم وحزين: زي ما هو ياعبد الرحمن، مابيتكلمش..قلبي بيتقطع عشانه، ياسين اللي كان مالي الدنيا بصوته وشقاوته بقي زي القط الحزين، ياريته يرجع تاني زي ما كان..
+
غمغم بصوت حاني: هيرجع بس هياخد وقته، ده مهما كان طفل صغير وشاف والده ووالدته قصاده وهما...
+
لم يستطع إكمال جملته فانحدرت من عينيها دمعه، فعاتبها: وبعدين معاكي؟ مش قولنا بلاش دموع عشان روحهم هتتعذب؟ ده نصيبهم وانتي واخواتك لازم تعينوا بعض وربنا قادر يهون مصيبتكم وتتقبلوا الأمر بسرعة عشان حتى اخوكم هو كمان يتعافى..
+
أومأت صامتة وهي تجفف عبراتها، فواصل بشيء من التردد: حنين.. عارف ان الوقت مش مناسب نتكلم في حاجة زي كده، بس.. وصمت مطلقًا تنهيدة جعلتها تتأمله بقلق، فاستطرد: الظروف اتغيرت ياحنين وأنا مش هقدر اسيبك كده.. لازم اكون جمبك بشكل أقوى وده مش هيحصل طول منا مجرد خطيب..الحدود اللي بنا أكتر من المباح.. أنا بتعذب لما تبكي قصادي وانا مش قادر أمد ايدي امسح دمعتك، وشايف إن الأفضل نعجل بجوازنا ونرجع لاقتراحي الاول اننا نتجوز ونكمل دراستنا عادي واحنا متجوزين.. ايه رأيك؟
+
تنهدت هي الأخرى وصوت أفكارها يحدثها
ماذا تقول بحالتها؟ لم تعد لديها رفاهية الاختيار..والقبول بالمتاح صار واقعها الوحيد..
وربما حينها يقل حملها قليلا عن شقيقتها.. كما انهما يحتاجان رجلا يعتمد عليه بتلك الظروف، ليس اعتماد مادي، بل معنوي.. فكرة أنهما فتاتان بلا رجل يحميهما ليس أمر جيد، ربما يستطيعان توفير نقود تقيهم شر الحاجة.. لكن يظل الأمان مفقود في عالمهما..تقنين صفة عبد الرحمن وشرعنة وجوده سيفرق كثيرا معهما..
+
هتفت بتسليم: اللي تشوفه باعبد الرحمن.. ظبط غرفتك اللي في بيت اهلك زي ما كنت عايز.. بس نستني شوية اما نفسيتي تسمح اني اتجوز.
+
نظر لها بدهشة مما استنتجته من حديثه وبعد برهة قال لها بشكل قاطع: اللي رفضتيه ووالدك ووالدتك عايشين.. مستحيل اجبرك عليه بعد موتهم ياحنين..مش أنا اللي استغل الظروف لصالحي أو اجبرك على حاجة انتي كنتي رافضاها وهتقبليها مرغمة..احنا هنتجوز لأن لازم اكون جمبك عشان اقويكي واصبرك واحميكي..بس مش في شقة اهلي.. لأ.. هنا في شقتنا.. مملكتك اللي حلمتي بيها.. صحيح هنبدأ ناقصنا حاجات كتير جدا.. بس معلش اللي هقدر اجيبه هجيبه وبالتدريج هنكمل بيتنا سوا..أما بخصوص بسمة فمش هتطلع من بيتي غير علي بيت جوزها..واهو الغرفة التانية تعتبر اتفرشت بالحاجات اللي جابها استاذ ياسين كتر خيره، وهتنفعها هي واخوكي.. وانا هجيب غرفة نوم جديدة لينا..قلت ايه يا حبيبتي؟
+
تنظر له ومقلتيها مغرورقة لا تجد شيء تصف به شعورها وفخرها به..صدق من قال.. الشدائد هي ما تبرز لنا معادن..وتلك المحنة علمت كم تمتلك كنزًا لانتمائها لهذا الرجل االذي لا يجود الزمان بمثل كثيرا..أي مال واي رفاهية تزن كِفته؟ ربحت به كل شيء.. كل شيء .
+
فعاد يكمل غافلا عن دوامة المشاعر التي تتلقفها:
انا دلوقت بقيت مسؤل عن بسمة وياسين وبعتبرهم اخواتي زيك..هيعيشوا معانا معززين مكرمين.. وربنا الرزاق..!
+
اختلطت نظرة التقدير مع دموعها فهمس بحنان:
_ ماتبكيش عشان خاطري.. وقوليلي موافقة ولا لأ؟ بابا منتظر رأيك وساعتها هنحدد يوم كتب الكتاب فورا.. وبعدها هنجهز شقتنا باللي هقدر عليه ونتجوز في اقرب وقت.
+
جففت دموعها بظهر يدها وهي تهمس بصوت مبحوح: ربنا يخليك ليا ياعبد الرحمن.. انت ثروتي الحقيقية اللي ربنا مَنْ عليا بيها.. مش مهم شقتنا هتتفرش ازاي وبأيه.. المهم اني أكون معاك واشيل أسمك..ومهما قلت مش هوفيك حقك عليا..
+
تبتسم وعيناه تغمرها بعاطفة صارخة وقال: حقي هيوصلني لما اضمك لحضني يا حنين واطمنك وامسح دموعك واخفف عنك الحزن والالم!
+
منحته نظرة خرساء لكن باطنها يعجج
بالكثير والكثير مما تكنه لرجل عظيم الشأن مثله!
رجل تريد الميل على صدره لتصب أوجاعها دون خوف أو خجل..ثم تمنحه فيوض عشقها بسخاء يليق به..
_______________
+
قصت عليها ما قاله عبد الرحمن بشأن زواجهما، لتحتصنها بسمة بسعادة: ألف مبروك حبيبتي، والله خطيبك ده طلع راجل بجد ونادر أمثاله.. ربنا يسعدكم.
_ مش بس هو اللي راجل نادر يابسمة.. استاذ ياسين. كمان وقف معانا وقفة ماتتنسيش.. أنا ماشوفتش ولا هشوف في شهامته..عبد الرحمن موقفه متوقع لانه خطيبي وبيحبني.. لكن ياسين ايه يجبره يقف جمبنا؟ ثم واصلت بافتراض له مغزاه: إلا اذا كان هو كمان بيحب.. وبيحب اوي كمان!
+
صمتت شاردث بحديث حنين وتعلم ما مقصدها، هو نفسه أخبرها عن مشاعره يوم زفاف قريبه، لكنها لن تنجرف لتلك الأحلام التي أضحت محرمة عليها، لا يجوز التفكير في نفسها الآن..خاصتًا أن الفجوة بين عالميهما مازالت قائمة، أين هي منه؟ فضلا عن أن همها كله ان تتزوج شقيقتها، وتعوض شقيقها الصغير فقدان والديه..تلك مسؤليتها الكبرى والأهم ولن تتنصل منها..
+
_ اجمل حاجة يا بسمة ريحتني في كلام عبد الرحمن انكم هتفضلوا معايا هنا ومش هنفترق ابدا
+
قالتها حنين مقاطعة سير أفكارها، لتقول الأخرى: ومين قال اني هفضل عايشة معاكي بعد جوازك؟ ده مايصحش، لأن انتي وجوزك لازم تاخدوا راحتكم في بيتكم.. أنا بإذن الله وقتها هشوف أي شقة إيجار بسيطة ليا انا واخوكي..
_ مستحيل، مش هسيبكم تبعدوا عني وإلا...
+
قاطعتها: حنين.. سيبك من الموضوع ده لما يجي وقته، أنا معنديش طاقة اتجادل معاكي في أمر سابق لآوانه وقرار حتمي في نفس الوقت..
+
همت بمواصلة اعتراضها ليصدح رنين هاتف بسمة ، أجابت لتجده الباشمهندس عابد الذي قام بتعزيتها بآسى، ثم اخبرها بضرورة حضورها المزرعة صباحا.. أنهت المكالمة واعدة إياه بالحضور.. يجب أن تستأنف عملها على أية حال.. هو أملها الآن.. علها تخفف عن كاهلها هذا الحزن حين تنخرط به لتنسى محنتها..
_________________
+
_ البقاء لله يا بسمة.. ربنا يرحمهم ويغفرلهم ويجعل مآواهم الجنة..ويهون عليكي ويخفف عنك.
ردت عزاءه بملامح مازال يسكن تقاسيمها الحزن: ونعم بالله، ونحمد ربنا على قضاؤه.
_ دي شيمة المؤمن، ذكر الله والصبر على البلاء..
ثم قرر أن يدخل في صلب الموضوع دون تردد: طيب انا كنت طالب منك حاجة واتمني ماترفضيش.
_ اتفضل يا باشمهندس.
+
وضع أمامها مغلف ورقي كبير أدركت بسمة فحواه من النظرة الأولى وهمت أن تقول شيء فقاطعها:
قبل أي كلام لازم تفهمي إن ده حقك عليا.. أحنا هنا عيلة واحدة يابسمة اللي يحصل معاه حاجة. لازم كلنا نقف جمبه.. بلاش تكوني حساسة وترفضي.. ده غير اني بعتبرك اختي.. ولا انتي مش عايزة تمنحيني شرف المكانة دي؟
+
أطرقت برأسها لتسيطر على دمعاتها التي تكثفت گ سحابة، هاهو كرم الله وجوده الذي لا ينضب ودائما يأتي بتوقيته الأصح.. هي تحتاج هذا الدعم المادي، لكن لن تأخذه سوي بشروط تناسب كرامتها.. وإلا ..فلن تأخذه!
+
رفعت وجهها وهي تجفف العبرات ثم قالت: أولا أنا اللي يشرفني إن حضرتك تكون في مقام أخويا يا باشمهندس.. وثانيًا أنا هاخد الفلوس دي بس بشرط.. أكتب على نفسي وصل أمانة اني هسدد كل شهر مبلغ من مرتبي.. لكن غير كده مش هقبله ابدا..!
+
ابتسم بتفهم متوقعًا تصرفها: ولا يهمك، اللي يريحك اعمليه يابسمة، بس ممكن طلب أخير؟
_ تحت أمرك.
_ سدادك للمبلغ ده يبتدي من بعد سنة.. تكوني وقفتي على رجلك لكن دلوقت انتي محتاحة كل قرش عشانك وعشان اخواتك.. أرجوكي توافقي.
+
عجزت فيما تقوله لهذا الرجل، كرمه يبهرها.. راح لسان حالها يدعوا له ببركة العمر وهناءه.. ثم تذكزت بغتة انها لم تهنئه فقالت: أنا أسفة نسيت اباركلك على زواج حضرتك.. ربنا يسعدكم ويرزقكم الذرية الصالحة.
+
_ اللهم امين ، ربنا يبارك فيكي يابسمة عقبالك، وواصل: انتي ناوية امتى ترجع الشغل؟
_ من بكرة بإذن الله..
_ خلاص تمام.. والشهر اللي عدي ده مرتبه جاري، عشان كده.. وقارن قوله بإحصاء بضعة ورقات نقدية ووضعها أمامها قائلا: ده بقى مرتبك، أظن ماتقدريش ترفضيه.. وعلي فكرة ده أمر متبع مع كل، العاملين مش حاجة خاصة بيكي!
+
هتفت بامتنان كبير: شكرا با باشمهندس..أنا مش هنسي وفقتكم معايا أبدا..
تسائل بخبث: وقفتنا؟ تقصدي مين؟
_ اقصد استاذ ياسين، بصراحة هو كمان وقف معانا و
مع خطيب اختي وماسابناش وقت اللي حصل.. ربنا يجازيكم خير.
_ تسلمي يابسمة ده الواجب.. ومنتظرك بكرة إن شاء الله
_ بإذن الله..
............ .
غادرت وهي تحمد الله سرا أنه سترها وأرسل لها الفرج والعون بنقود "رب عملها" الآن ستطمئن حنين، ستكمل دراستها وتبتاع لها بعض الأشياء الضرورية لزواجها الوشيك..وتبتاع بعض الملابس الضرورية لهم بعد ما التهمت النيران كل شيء..وتبحث عن طبيب نفسي ليعالج شقيقها، أثناء سيرها الشارد بخطواتها القادمة هاتفها أحدهم. لتنتهي المكالمة وهي تبكي شكرا لله على فيض كرمه الواسع..ها هو باب أخر فُتح لها ولم يكن في الحسبان..رب العالمين يؤازرها ويرسل لها العون من كل صوب.. أول ماستفعله بعد عودتها للبيت أنها ستؤدي صلاة ركعتين شكر له.
_________
+
بحث عن والديه فوجدهما يجلسان في الحديقة يحتسيان قدحين من الشاي معًا..يعتقد أن الوقت مناسب ليحادثهما فيما يريد.. دعى ربه أن ييسر له أمره معهما وينال رضاهما..
+
_ السلام عليكم.
ردوا عليه التحية بمثلها فواصل ياسين:
_ بابا، ماما كنت عايز اكلمكم في حاجة مهمة.
ناجي: خير يا ياسين، عايزنا تكلمنا في ايه؟
+
دارت نظراته عليهما قبل أن يقول بثبات: بصراحة في بنت عجباني جدا وشاغلة تفكيري بقالها فترة وعايز ارتبط بيها بمباركتكم..
+
تهلل وجه فدوى: بجد يا ياسين؟أخيرا هتفرحني بيك.. مين دي ياحبيبي وانا اروح اخطبهالك من الصبح.
+
_ انتم عارفينها كويس ياماما..
واستطرد بعد صمت قصير: أنا عايز اخطب بسمة!
+
ضاقت حدقتي ناجي: بسمة مين؟
فدوى: قصدك البنت اللي شغالة في مزرعة عابد؟
أومأ مؤكدا صدق ظنها: أيوة يا ماما هي
_ بس...
+
قاطعها: قبل ما تقولوا رأيكم اسمعوني الأول.. أنا عارف إن في فرق اجتماعي كبير بنا..بس انا النقطة ماتهمنيش في حاجة.. اللي دفعني أفكر في بسمة هو اني أولا انجذبت ليها بشكل ماحصلش مع أي واحدة قابلتها.. راقبتها فترة وأخدت وقتي في التفكير وعجبني اخلاقها وكفاحها عشان تساعد أهلها.. بسمة فيها المواصفات اللي بفضلها..وعشان أبني قراري على أساس سليم، صليت استخارة فيها كذا مرة ودايما النتيجة في صالحها.. وبرتاح ليها أكتر.. عشان كده قررت افاتحها في رغبتي دي قبل ما اكلمكم بس للأسف هي نفسها رفضتني!
+
عبس وجه فدوى معترضًا: نعم؟؟؟ رفضتك؟
+
_ سيبيني اكمل يا ماما.. بسمة رفضت لأنها واقعية زيادة عن اللزوم مش متقبلة الفرق اللي بنا ومش مقتنعة ان ناس زينا هيتقبلوها.. خافت على كرامتها تترفض فرفضت هي..لكن اللي قالته بلسانها كان عكس اللي شوفته وحسيته في عيونها.. هي كمان منجذبة ليا بس خافت توافق بسبب اللي قولته.. لكن انا مراهن على تفكيركم ان الفرق المادي ده مالوش اي أهمية قصاد انجذابي ليها ورغبتي، يا ترى ايه رأيكم بعد اللي قولته؟
+
صمت يرقبهما باهتمام وعيناه تجول عليهما محاولا استنباض شيء. فاقتربت والدته قائلة: البنت اللي تخلي ابني يتكلم عنها بالحماس ده وعيونه تلمع بطريقة عمري ماشوفتها، واللي يفهمها من عيونها ويحس بيها كده.. مستحيل ارفضها..بالعكس.. هو انا عايزة ايه غير سعادتك وراحتك.. مادام عجباك مايهمنيش ثرائها من فقرها.. كل اللي يهمني انها تسعدك وتفرح قلبك..وقتها هتكون في غلاوتك وزي ما قلت، الماديات مش الاساس.. المهم انها اخلاق وبنت اصول هتصونك وتشرفك قدام الناس وتكون أم صالحة لأحفادنا..
+
انحنى يلثم كفها بسعادة جمة مهللا: يا حبيبتي يا ماما.. ماتتصوريش فرحتيني ازاي.. والله كنت عارف إنك هتجبري خاطري وتوافقي..ربنا مايحرمني منك
+
ربتت على رأسه بحنان: معاش يا يكسرلك خاطر ياحبيبي.. وربنا ما يحرمنا منك ويسعدك انت واختك واشوفكم في بيوتكم متهنيين..
+
التزم ناجي الصمت بشكل أوجس ياسين، خاصتًا بعد أن نهض عن مقعده ووقف موليًا ظهره لهما، فتبادل نظرات متوترة مع الدته التي تطوعت تسأل زوجها بعد رجاء من عين ابنها ان تدعمه:
ساكت ليه يا ناجي؟ قول رأيك وطمن ابنك وفرحه..مش شايف وشه نور ازاي؟ هو احنا عايزين ايه غير سعادته..مادام البنت عاجباه بلاش تقف في طريقه، ولا انت مش عايز تفرح بيه زي اخته؟
+
ظل على صمته موليهم ظهره، فدنى ياسين مع قوله:
بابا.. أتمنى ماتخذلنيش.. انا مراهن على تفكيرك اللي عمره ما كان طبقي ولا فيه "كبر وتعالي"..بسمة هي البنت اللي قلبي اتحرك ناحيتها.. ومايهمنيش تكون ثرية ومن مستوانا..!
+
أدار رأسه يطالعه مقطبًا الجبين نظرته لا تعكس الرضا وقال بحسم لا يقبل مجادلة: بس أنا يهمني!
+
وقع قلب ياسين بقدميه.. هذا تمامًا ما كان يخشاه أن يعارض والده رغبته بزواجه من بسمة..كان يظن أنه سيجد منه دعمًا وتقديرًا لرغبته.. لكن يبدو أنه مخطيء.. وأمامه تحدي جديد لكسب رضاه كما نال رضا والدته.
+
فدوى متدخلة بعد أن ألمها حزن ياسين: ليه كده تكسر خاطر ابنك يا ناجي.. عيبها ايه البنت؟ فلوسها كانت هتفرق معانا في ايه واحنا الحمد لله عندنا خير كتير..ممكن تبقي غنية بس مايحبهاش.. خليه ياخد اللي قلبه مال ليها..هو ده الأهم
+
اكتملت استدراته ونظرته إليهما عابسة وجبينه مقطوبًا، ثم فرد ذراعيه في الهواء داعيا ابنه في عناق مع ابتسامة حانية، وللوهلة الأولي تعجب ياسين وفرك عينيه ثم أشرعهما ثانيا ليستوعب سريعا ان والده كان يلعب بأعصابه لا أكثر.. والرضا اصبح جليا على تقاسيم وجهه الحبيب.. فعانقه بمشاغبة: وقعت قلبي ياناجي.. بس والله ما هسكت وهردهالك ياكبير..ومش هسيب حقي..
بينما صاحت فدوى بحنق: كده ياناجي؟ أنا دمي نشف واكتئبت وكنت هعيط وانت بتلعب بينا؟ والله ما هسيبك وهتتعاقب زي زمان.
+
ضحك بقوة حتى سعل ثم هتف لهما: أمال يعني اوافق كده بسهولة؟ مش لازم اعمل حبة دراما أبوية كده.. ده حتى تبقى موافقة مايعة..
فدوى: الدراما دي اللي هتشوفها معايا ياحبيبي بس نبقي لوحدينا..
ضحك ثانيا: أوعي تسيبني لوحدي مع أمك يا ياسين.. دي ممكن تدبحني فوق
_ ماليش فيه ياكبير.. انت ومراتك أحرار مع بعض..
+
قال بامتعاض: واطي..
+
ثم جذبه ثانيًا بعناق حاني: مبروك ياحبيبي، وزي ما والدتك قالت.. البنت اللي تخلي ابني ينطق وعيونه تلمع وهو بيتكلم عنها.. تستحق احترامنا ورضانا عليها.. اتكل على الله وظبط معاها وعرفني امتى نروح نطلب ايدها..
+
شدد ياسين في عناقه وقال بامتنان: ربنا يخليك ليا يا بابا.. هتفضل طول عمرك مثلي الاعلى في كل حاجة.. انت منبع الجدعنة والشهامة والحنية!
+
ثم ابتعد مودعا إياهم والفرحة تنهمر من عيناه گ أمطار روت قلبيهما وأحداقهما تشيعه بحب وفدوى تهمس: أول مرة اشوف ياسين فرحان كده يا ناجي.. شكله حب البنت اوي
_ واضح.. بس انتي تعرفيها؟
_ اعرفها بس معرفة سطحية.. اللي تعرفها اكتر مني كريمة.. وكذا مرة تشكر فيها قدامي
_ خلاص خدي وادي معاها برضو في الكلام وشوفي انطباعها، اعتقد انتم اللي هتقيموا البنت اكتر مني.. وانا من ناحيتي موافق.. وربنا يقدم اللي فيه الخير.
_ اللهم أمين
ثم رمقته بعتاب: بس وقعت قلبي
ضحك وهو يجذبها لتجلس جواره ويكملان احتساء الشاي: سلامة قلبك ياغالية
ثم ارتشف رشفة وقال: ياخسارة الشاي بقى بارد
+
هبت علي قدميها تصيح بحنانها المعهود: هعملك شاي جديد بنفسي.
+
راقبها بمحبة وغمغم هامسا لذاته:
العمر جري بينا أوام يافدوى.. ولادنا الصغيرين كبروا وهيتجوزا وهيبقي عندنا أحفاد يكللوا عشرة عمرنا الطيبة ويكبروا شجرة عيلتنا.. يارب احفظلي ولادي وزوجتي واحسن ختامنا بما يرضيك..
_____________
+
_ حنين.. حنين انتي فين تعالي بسرعة.
+
هرولت إليها: ايه يابسمة حصل حاجة؟
_ حصل كل خير .. ربنا فرجها علينا من كل ناحية.. خلاص هنقدر نشتري لوازم جوازك واساعد كمان في توضيب الشقة، وهجيبلك هدوم فرحك كلها.. وهقدر اعالج ياسين عند دكتور كويس عشان يرجع يتكلم و... .
+
قاطعتها بدهشة: طب اهدي بس وفهميني منين ده كله؟
_ هفهمك.. بس استني هروح اغير هدومي واتوضا واصلي ركعتين واجي احكيلك..
............
عادت تجلس معها فوق الفراش وسردت لها:
صاحب البيت اتصل بيا وانا جاية في الطريق وقالي انه هيدفع لكل ساكن مبلغ تعويض عن شقته بعد الحريق لأنه خلاص أخد قرار بالإزالة وهيبنيها من جديد.. وكمان بيقول نيجي نبص علي شقتنا بكره يمكن نلاقي حاجة تنفعنا لأن النار ماحرقتش كل حاجة...
+
تنهدت حنين براحة واغرورقت عينيها: سبحان الله، بعد ما خرجتي صليت ودعيت ربنا كتير يفرجها علينا ويفك الكرب.. والحمد لله استجاب..
_ الحمد لله.. لسه مكملتش اللي عندي، عارفة باشمهندس عابد كان عايزني ليه؟ وقصت عليها المبلغ الذي منحها إياها ويبدأ سداده بعد عام..
لتسجد حنين شكر لله: انا مش مصدقة.. ده احنا من سواد الليل بس كنا بنفكر هنعمل ايه وانا قلت مش هكمل كليتي..
_ خلاص أهي فرجت.. هتكملي أخر سنة، وهظبطلك أمورك ونعالج اخوكي.. وكمان هشوف ولو غرفة نسكن فيها انا وياسين بعد جوازك..
+
_ مستحيل.. مش هسمح تبعدوا عني.
حدثتها بهدوء حازم: حنين.. مش معني إن عبد الرحمن كويس وعرض يخلينا في بيته احنا نقبل.. ده راجل من حقه يكون له خصوصية في بيته.. ودي سنة الحياة ياحبيبتي.. ومافيش اي بُعد هيحصل بنا.. هنكون سوا دايما هزورك وتزورينا..
ثم استأنفت: المهم بقي هتيجي معايا بكره نشوف شقتنا؟
تنهدت بحزن: مش هقدر ادخل البيت وماما وبابا مش فيه يابسمة، مش هتحمل..
ربتت على كتفها:خلاص، خليكي انتي وخدي بالك من أخوكي وانا هروح، يمكن فضلت حاجة باقية من ريحتهم نحتفظ بيها ذكرى أو حاجات من الجهاز بتاعنا تنفع في الظروف دي.
أومأت لها ثم نهضت تقول: طيب هروح اعملك ساندوتش وحبة شاي، انتي نزلتي من غير فطار.
+
لم تعترض وتركتها وذهبت تتفقد شقيقها المنعزل گ عهده بعد وفاة والديهما..
______________
+
الحزن بلغ منه مبلغًا عظيمًا وهو يطالع حقائب السفر بشرود كئيب..شقيقه سيعود لموطنه ويتركه بعد أن ذاق معه دفء العائلة، ليته ما قرر العودة.. ليته يبقى معه.. من له هناك؟ من؟
+
_ أيهم..
+
رفع عينه عن الحقائب ناظرًا إليه بنظرة مزقت نياط قلب رائد وقال له: عشان خاطري بلاش تزعل كده، أنت كمان في يوم من الأيام هتنزل وتستقر في بلدنا.. مهما اتغربنا مسيرنا نرجع.
+
_ هنرجع لمين يا رائد؟ ماما خلاص الله يرحمها.. وانا عايش هنا وادينا كنا سوا بولادنا وساندين بعض في الغربة.. ليه عاير تسبني بعد ما فرحت انك جمبي ومكمل عيلتي ومحلي حياتي..؟
+
أشفق على أخيه.. فتمتم محاولًا التماسك:
_لو كنت اقدر اكمل هنا كنت فضلت من غير ما تطلب.. بس انا حقيقي عايز ابعد.. وصحيح والدتنا ماتت.. بس ريحتها هناك يا أيهم في بيتنا..اما الغربة فهي اختيارك من البداية.. لكن انا غربتي اتفرضت عليا واتجبرت عليها..
+
_ اتجبرت؟ مين جبرك؟
+
رمقها بنظرة بغيضة أرجفتها وهي تقف بعيدا عنهما تتحامي تلقائيا في ابنتها التي لا تفارقها، ليواصل:
مش مهم مين.. المهم اني خلاص أخدت قراري وحجزت تذاكر الطيران لبكرة.. ثم لمعت عينه بامتنان حقيقي لأخيه: وعايز اقولك يا أيهم شكرا على كل حاجة قدمتهالي هنا.. شكرا على حنيتك واهتمامك برحمة.. شكرا انك كنت في ضهري طول الوقت..
+
اغرورقت عين شقيقه وعانقه بقوة ولا يعلم ماذا حدث له.. لما انتكس لحالته الأولى الكئيبة ساعيا لعزلة جديدة.. نعم.. مايفعله رائد ماهو سوى عزلة عن كل شيء.. حتى زوجته يشعر ان علاقته معها مضطربة خالية من دفئها المعهود..نظراته تجاهها بها شيء لا يفهمه.. وهاهو سيغادر تاركًا فراغ يدعوا الله أن يعينه عليه!
+
_ أنا مش هقدر اجبرك تفضل مادام هتكون مرتاح أكتر لو رجعت مصر.. بس انا حزين على فراقك يا اخويا.. واتمنى نتقابل تاني على خير بعد ما تقدر تجمع نفسك وتهدي وتعيد حساباتك اللي معرفش مين بعترها.. بس عايزك تعرف اني رغم المسافات هكون جمبك.. وقت ماتحتاجني هزحف واجيلك.. اوعي تنسى أبدًا اني موجود.. انت فاهم؟
+
احتضنته رائد بقوة وعاطفته تكاد تخزله.. ليته يبقى لأجله لكنه يعلم انه لن ينصلح له حالا إن ظل..لم يعد يتحمل تلك البقعة من الأرض.. هنا تعرت روحه.. هنا سقط جلده وظهرت حقيقته المشوهة .. هنا علم من يكون.. وكم روح تآذت على يديه وكم فتاة ضاع مستقبلها.. هنا بدء جحيمه وماعادت له قدره على تحمل نيرانه..
_____________
+
حلقت طائرته لتبدأ رحلة عودته..
عودة عاد منها غريبا أكثر مما غادر..
وضائع أكثر من زي قبل
عاد شخص جديد
مزيج بين ماضي مخجل وحاضر كاذب
كل شيء عاشه كان كذبًا
رودي ليست رودي
وهو ليس الزوج المسالم الصالح والأب الحنون
هو شخص بغيض يحاول أن يتقبله او يطمسه للآبد
لكنه الأن لا يطول شيء..
الفجوة داخل روحه تتسع وتبتلعه للهلاك كل يوم
هو يموت بالبطيء ويحاول البحث عن طوق نجاة
عله بعودته يجد سبيلا للنجاة.. أي سبيل!
+
أما هي فلم تجرؤ على سؤاله لما سيعودان
لم تجرؤ على إثناءه
ماعادت لها تلك المكانة والسلطة داخل قلبه
فقدت عرشها داخله وصارت منبوذة
يعاقبها رغم أنه يشاطرها كل ذنب اقترفته
هي قرينة روحه والأقرب له..لكنه يصر على لفظها
لا تعرف ما تخبئه لهما تلك العودة
هل سيتركها ويتخلى عن ابنته؟
يا ويلها إن فعل
سيذبحها گ الشاه بنصل فراقه لو فعلها
............
+
حدث ما خافت منه..مجرد أن لمست أقدامهما أرض منزلهما أمرها أن تتركه فقالت بذهول: عايزني اسيبك وأروح عند والدتي؟ ليه؟
+
ابتسم بتهكم: ليه؟؟ هو ده سؤال؟ بس انا هستغرب ليه ما انتي انسانة جاحدة وفيكي كل العبر..المفروض اول حاجة تعمليها أنك تجري على والدتك وتطمني عليها لأنها مريضة وسيادتك حتى ماكنتيش بتردي على اتصالها.. والدتك اللي... .
+
_ اللي ايه؟؟؟
+
تسائلت بنبرة مهتزة.. خائفة.. نعم هي قاسية لا تحدثها منذ حادث اختطافها.. لكن ماذا كانت ستقول لها.. انها بخير؟ تقسم أن والدتها لو كانت سمعت صوتها لما نامت الليل من كثرة الوجع الذي سينضح في نبرتها.. لذا لم تجيب اتصالها ابدا.. ملت الكذب.. ماعادت گ السابق.. أستنزفت قواها وصارت أضعف مما مضى..لا تريد رصيد جديد من الكذب.. غير أن علاقتها المبتورة برائد استحوذت على كل اهتمامها.. كانت تريد الأمان أنه لن يتركها.. ظنت انها لو غفلت عنه لحظة واحدة ستفقده! وهاهي رغم كل ما فعلت تفقده..وتفقد روحها ولا تعرف كيف ستعيش دونه..!
+
_ عشان خاطري خليني جمبك..هصبر لحد ماتتقبلني تاني بس ماتسبنيش يا رائد.. لو سبتني هموت..أنا عملت كل حاجة عشان احتفظ بيك لأني حبيتك.. رغم كل مساوئي وذنوبي حبيتك.. ماتتخلاش عني انا محتاجالك.. هموت بالبطيء لو بعدت عنك.
+
_وهتموتي أسرع لو فضلتي.. أنا مابقيتش متقبلك ولا متقبل حتى نفسي.. أنا قنبلة موقوتة مش هتنفجر غير فيكي انتي، هأذيكي قبل ما أذي نفسي، روحي وسيبيني.. عايز اكون لوحدي.. عايز احاول اتقبل حقيقتي.. عايز اعرف هقدر اعيش كده ولا لأ.. وللسبب ده لازم تمشي وتبعدي ..انتي كمان محتاجة تعيدي حساباتك وتراجعي كل اللي فات، ولو كنتي عايزة فعلا تصلحي حياتك وتطهري من دنوبك .. يبقي لازم تبدأي من هناك.. من تحت رجلين والدتك اللي هتموت وتحضنك انتي وبنتك.. بلاش تكوني قاسية كده.. كل حاجة ليها استثناء والمفروض والدتك تكون الاستثناء ده.. تكون خارج دايرة سواد قلبك.. روحي واحمدي ربنا انها عايشة.. انا مستعد ادفع كل عمري بس امي ترجع ولو دقايق واترمي تحت رجليها واحضنها واسمع منها دعوة بصوتها الدافي.. امشي وسيبيني..انتي المراية اللي عايز اكسرها لأن بشوف فيها بشاعة صورتي.. احمي نفسك مني.. يمكن الاقي حاجة ترجعني تاني وتحببني في الحياة اللي كرهتها..وقتها يمكن اقدر اكون معاكي، لكن دلوقت صعب اكمل كده.. صعب !
+
أفرغ ما لديه وصعد الدرج ببطء كأنه يترنح.. والدته هناك.. سيتلمس بشوق فراشها.. سجادتها.. سبحتها.. مصحفها..حذائها.. جواربها الصوف.. فرشاة شعرها الفضي..وشاحها الطويل.. سيبحث عن نفسه في كل ما يخصها..ربما يجد بين طهارة ذكراياتها بعض الراحة والسلام لروحه.. هناك سيبكي..في تلك الغرفة المعبئة بغبار الفراق وقسوته سينهار.. ولا يريد أحدا أن يشهد لحظة انهياره.. أي أحد..
+
أما هي فمازالت تقف مذهولة..
لا تصدق انها سترحل عنه
قدميها تبتعد وروحها راسخة هنا جواره
تسير گ جثة لا تعي شيء حولها
لا تدري كيف استقلت السيارة التي احضرتهما وتحوي حقائبها وكانت تنتظرها بأمره.
ابتعدت وعيناها ظلت معلقة بواجهة منزلها
حيث هو دونها.. لا تجرؤ على العودة لتتشبث بأنامله.. رائد لفظها من حياته.. لم يتقبلها كما هي..لم يتقبل الدمية المشوهة التي شكلها هو بيده..هي صنيعته ومع ذلك تخلى عنها، تركها ضائعة مثله، مشردة الروح..عالقة بين أحبال الذنوب تتأرجح فوق النيران..في لحظة ما ستنقطع الأحبال وتهوى في الجحيم.. جحيم تستحقه..!
______________
+
_ رودي جت يا ماما.. أختي جت هي ورحمة
+
لم تسعفها قوتها لتنهض.. لكن قلبها ركض إليها ركضًا.. ابنتها عادت.. أخيرا ستضمها وتشم رائحتها هي وحفيدتها..ولجت تيماء إليها بعين تائهة واقتربت من والدتها التي تلقفتها بين ذراعيها واعتصرتها بقوة، دماء الحياة لم تُضخ فيها إلا برؤيتها..
+
_ وحشتيني يا نور عيني وحشتيني.. دلوقت لو هموت خلاص مش مهم.. كنت خايفة ده يحصل قبل ما تتكحل عيوني بشوفتك انتي ورحمة..
+
وعلى ذكر الصغيرة ابتعدت عن تيماء وتلقفتها هي الأخرى وراحت تبكي.. لا تصدق انها تحمل حفيدتها اخيرا.. حلمها تحقق.. ربها استجاب دعوتها ألا تخطفها يد الموت قبل أن تراهما..
+
_ انتي تعبانة؟
+
همست تيماء وهي ترصد شحوب وجه والدتها الملحوظ، لتجيبها الاخيرة مبتسمة برضا: الحمد لله
+
"روحي واحمدي ربنا انها عايشة.. انا ادفع كل عمري بس امي ترجع واترمي تحت رجليها واحضنها و اسمع منها دعوة"
+
تردد بعقلها كلام زوجها..هل كان يعلم أن والدتها مريضة؟ فجأتها الإجابة: كتر خير رائد انه بعتك ليا.. عارفة ان كلامي معاه أخر مرة يمكن زعله وماتوقعتش يخليكي ترجعيلي بالسرعة دي.. عشان كده كتر خيره انه حس بيه، هو فين مجاش معاكي ليه عشان اشكره؟
+
"أنا مابقيتش متقبلك ولا متقبل حتى نفسي.. أنا قنبلة موقوتة مش هتنفجر غير فيكي انتي، هأذيكي قبل ما أذي نفسي"
+
عادت كلماته تخترق عقلها وتؤلمها..مازالت مقيدة بأثر فراقه، ليتها تستطع إعادة عقارب الساعة للوراء.. ليتها تأخذ فرصة لتصلح ما أفسدته.. لكن لا شيء يعود.. فات الآوان.. وگ سابقة من نوعها بينهما، دنت تيماء لتنغمس بصدر والدتها محيطة خصرها بذراعيها كأنها تختبيء من كل شيء، تستريح من كل ما أتعبها.. لتجود عليها الأم بعناق عاصف وهي تخفيها بصدرها بقوة وتبكي.. تأكدت أن ابنتها ليست بخير.. لكنها لن تتركها قبل أن تعيد السلام لروحها.. وترمم علاقتهما المشروخة منذ زمن..
_________
+
كان يظن انه سيجد راحته هناك في محرابها
لكنه ما أن شرع بابها وبصر مصحفها وسبحتها المعلقة علي حامل المصحف حتى انصعقت روحه گ من أصابه الرعد وابتعدت قدماه للوراء برهبة
كيف يدخل ويدنس غرفتها
هو الزاني، العاصي
بأي حق يلوث طُهر فراشها
بأي حق يلوث مسك ذكراها بعبق ذنوبه الذي يخنق روحه.. ابتعد للوراء وهبط الدرج سريعا ثم جلس على أخر درجاته يلهث وكأن أحدًا يطارده
ماذا يفعل؟
مع من يأنس الآن بعد أن دفع زوجته أن تبتعد ومعها صغيرته.. تلك البريئة التي يخاف لمسها هي الأخرى وكأن لعنة ستحل عليها لو لمسها.. وكم يعاني شوقه لضمها لكنه يستحق هذا العقاب القاسي..
فما أسوأ من أن تحرم ذراعي أب من احتواء جسد طفلته الوحيدة..
+
نكس رأسه يفكر بحاله
ظل على جلسته الصامتة ساعات كأنه مغيب فقد الشعور بالزمن حوله.. ثم ومضت عيناه بقسوة وهو ينهض كأنه شخص أخر.. شخص تلبسته روح غير روحه.. أو بالأحرى..تلحف بروحه القديمة.. الماجنة.. هاوية المعاصي مستهينة الخطايا
لما لا يعود رائد الأول قبل فقد الذاكرة؟
لما لا يعود لملذاته وعبثه وضلاله القديم؟
مادام الدنس يطارده ويلتصق به گ الغراء. فليواصل طريقه المدنس ويسكر حد الثمالة، وتتراقص أنامله على اجساد النساء گعهده، عله ينسي آلامه وتتخدر روحه بنشوة كاذبة!
____________
+
منذ متى لم تسمع دقات قلبها وتقربها هذا القرب؟
أغمضت عيناها متلذذة بهذا العناق الذي اكتشفت كم تحتاجه.. تحتاح تلك الربتة الحانية على ظهرها.. تحتاج هذا التغلل من أنامل والدتها بين خصلات شعرها، تحتاج عطر تلك الأنفاس التي تلفح جانب وجهها.. أين كانت من هذا النعيم وتلك السكينة؟!
+
_ ليه يابنتي كنتي بعيدة عني.. ياما حاولت اقرب منك وصدتيني..
_ عشان اختارتي توقيت غلط.. كنت محتاجاكي أكتر وانا صغيرة.. كنت عايزاكي تحسي بيا وتحميني.
_ أحميكي؟؟؟ من ايه؟
+
ابتعدت تطالعها مع قولها: من جوزك يا ماما..
قالت بذهول: جوزي؟! قصدك ايه؟ مد أيده عليكي؟
+
هزت رأسها بإيجاب وهي تعود لتختبيء بصدرها.. كأنها تخاف فراقه.. الآن أدركت حاجتها لهذا الصدر.. أدركت نعمة أن يكون لها أمًا..رائد محق حين دفعها أن تقترب من والدتها..
_ جاوبيني يا رودي.. منصور مد ايده عليكي؟
أومأت لها وهمست: كنت صغيرة مش فاكرة حتى كان عندي كام سنة.. لمسني لمسة مافهمتهاش وقتها.. بس لما اتكررت وابتديت اكبر فهمت انه بيتحرش بيا، خوفت منه وده سبب اني رفضت اجيلك بعد كده.. كرهت بيتك وكرهت اخواتي لأنهم ولاده.. ولأنهم أخدوكي مني .....
+
_ ياريتك صارحتيني يا بنتي، ماكنتش اعرف إن أذاه طالك..
_ كان المفروض تحسي بيا لوحدك وتفهميني وتعرفي ليه بعدت عنك
_اعرف ازاي من غير ما تقوليلي؟ لو عرفت كنت هحميكي..بس انتي سكتي وحملتيني ذنب اني ما فهمتش سكاتك..انتي رغبتك انيك تشوهي صورتي جواكي كانت اقوى من اي حاجة يا رودي..انتي اختارتي تبعدي وتبرري لنفسك اني أم مهملة وأنانية، بس مش هلومك يابنتي.. أنا نفسي سكت لما عرفت طباعه دي بعد فترة طويلة.. سكت عشان اعيش واربي اخواتك.. سكت عشان مايقولوش دي اطلقت مرتين.. سكت ومثلت اني مبسوطة ومتهنية عشان ابوكي ما يشمتش فيا.. سكت عشان حاجات كتير اوي.. بس انتي كان لازم ماتسكتيش.. لو عرفت كنت هعرف احميكي واخليكي جمبي.
+
ثم تنهدت بحرقة قائلة: يلا اهو راح عند اللي خلقه هو اللي هيحاسبه.
+
سادت بينهما الصمت وكلا منهما تتنعم بعناق الأخرى وتخاف تركها.. حتي همست تيماء ومازالت تستكين على صدرها:
_ بس برضو انتي ماحبتنيش يا ماما؟
+
ردت عليها وهي تداعب شعرها بحنان: في أم ماتحبش بنتها؟ انتي اللي دايما كنتي بتوصلي كرهك ليا يا رودي.. أنا حاولت اقربلك كتير وانتي كنتي بتبعدي.. ولما قربتي مني كان بس عشان ترسمي صورة معينة ليكي في عيون رائد وأمه انك بنت لطيفة وبتحب مامتها.. وانا عملت نفسي مش فاهمة وفرحت بقربك ولو مؤقت واكتفيت اني جمبك.. رغم اعتراضي وقتها علي رائد بس لما لقيتك عايزاه سكت
+
انسحبت من بين ذراعيها وطالعتها: ظلمتيني لما سبتي بابا.. هو كمان ظلمني.. انتم الاتنين محدش فيكم فكر فيا وقت انفصالكم.
+
_ يابنتي في أمور بنا انتي ماتعرفيهاش، ومش من حقك تحاسبينا عليها.. وانفصالنا مانفاش عننا صفتنا گ أب وأم ليكي..انا حاولت قد ما قدرت اقربلك بس في نفس الوقت كان عندي اخواتك الصغيرين اللي لازم اراعيهم.. وبما أن والدك دلوقت بين أيادي الله لازم اقول كلمة الحق اللي هيحاسبني عليها ربنا.. أبوكي وفرلك حياة مرفهة وسهلة.. فيلة طويلة عريضة فيها خدم تحت رجليكي ورهن إشارتك.. طلباتك كلها كانت مجابة.. كون انه مقدرش يكون عايش معاكي وفكر في نفسه واتجوز وعاش حياته.. دي بقى حاجة تانية.. مش كل الناس زي بعضها يا رودي.. في أب ممكن يضحي بكل شيء بس يربي ولاده ويفضل معاهم.. وفي العكس.. مايعرفش يعمل كده.. حتى أنا.. في غيري ممكن كانت تكتفي ببنتها. تربيها وتنسى نفسها وتحرم على روحها أي حق في الدنيا.. بس انا كمان بعترف اني ماكنتش بالزهد ده.. انا حبيت اعيش بشكل طبيعي واتجوز واجيب ولاد تانين.. كونك تشوفي تصرفنا ده ذنب.. فده اللي انتي كنتي عايزة تشوفيه.. ده اللي اقنعتي نفسك بيه طول السنين اللي فاتت اننا الاب والأم الوحشين اللي اهملوا بنتهم.. الصورة دي انتي اللي رسمتيها لحد ما صدقتيها.. انتي كان عندك "نعم" كتير اوي يا رودي واتبطرتي عليها يا بنتي.. ومش هنكر اني كان لازم افضل احاول معاكي بس انا افتكرتك كده هتكوني مرتاحة، واطمنت اما اتجوزتي.. قلت اهي بقي ليها راجل يحبها وتتسند عليه.. لكن الفترة اللي فاتت قلبي كان دايما مقبوض عليكي.. كنت حاسة انك مش بخير.. واحساسي طلع مظبوط..
+
ثم لثمت جبينها وجففت دموعها هاتفة بحنان:
ومنتظرة تفتحي قلبك لأمك وتفضفضي.. احكيلي يا نور عيني مالك.. عرفيني مشكلتك ايه مع جوزك وليه هو مش معاكي وجيتي لوحدك..صديقني هساعدك قد ما هقدر بس اتكلمي!
+
ظلت تيماء تنظر لها بنظرة جديدة.. كأنها تعيد اكتشافها بعد أن زال غبار الجفاء بينهما.. والدتها محقة.. هي التي رسمت صورة مآساوية لحياتها لتبرر قبحها لذاتها في المرآة..هي من غلب شرها الخير بجوفها.. هي لعنة كل من عرفتهم..لعنة الجميع حتى نفسها..لعنة يجب أن تُمحى للآبد..!
______________
+
وقف ينظر لبوابة الملهى الليلي وأضواء لافتته العريضة تتراقص بعينه الغائمة..ألن يدخل؟
هل يفكر بالتراجع؟
وإن تراجع وعاد حيث كان.. ماذا يفعل؟
الذكرايات تطارده وتسرق راحته وروحه
لا.. لن يتراجع، سيعبر لعالمه القديم
ويثمل ثم يثمل حتى ينسي ضياعه..
ويغادر من هنا معلقًا بذراعيه فتاة ليل
تشاركه سهرة مدنسة مثلها ومثله
سيغوص بخرائطها وينسى من يكون.
............
_ رائد باشا؟
مش معقول عاش من شافك..
ليه الغيبة دي كلها؟
+
رمق مدير الملهى بنظرة جامدة، ليواصل الأول ترحيبه بحفاوة لعودة زبون ثقيل كما كان يسميه: طلباتك الليلة دي كلها على حسابي احتفالا برجوعك يا باشا.. ثم غمزه بخبث هاتفا: وهبعتلك حاجة حلوة متشالة للحبايب، مش خسارة فيك!
+
راقب ترحيب الرجل دون تفاعل واعتلي ذاك المقعد الدائري وهو مشوش الذهن وشارد.. حتي انتفض على لمسة أنامل جريئة تتحسس صدره وصوت أنثوي مغوي: الزعيم هنا؟ انا مش مصدقة نفسي اني شوفتك تاني يا زعيم.. والله من يوم ماغبت ما حد دخل دماغي وكيفني وملى عيني بعدك ياغالي
+
رفع عينه ليجد فتاة تكاد ملامحها الأصلية تختفي من كثرة أصباغ وجهها.. وذراعيها وكتفيها عاريان مرتدية فستان ضيق يكاد نسيجه يتفتق من عليها، ولا يستر منها غير القليل..رائحتها قوية فاضحة مثلها تماما جذبته إليها مع قولها وهي تلوك قطعة مطاطية في فمها: تعالى نكمل السهرة عندي عشان اعرف ارحب بيك بعيد عن الزحمة.. ثم ضحكت ضحكة رقيعة عالية وهي تجره خلفها كأنه طفل تائه عن أهله.. وكان كذلك.. ضائع.. لا يعي ما يحدث حتى عبرا خارج الملهى وقبل أن تُقحمه داخل السيارة.. فاق من حالته المغيبة ونظر لها باشمئزاز ودفعها عنه بقوة أذهلتها وهرول مبتعدا عنها وعن هذا العالم الرخيص العفن الذي لم يعد يصلح له.. لم يعد يصلح لشيء..أي شيء..سيظل شاردة لا مآوى له!
+
وصل وهو يلهث لبقعة قرب ضفاف النيل وراح يتأمل المياه بعين شاخصة..كم تبدو مخيفة بظلمتها وغامضة.. ترى كيف يبدو جوفها في تلك الظُلمة الحالكة؟ ماذا لو أخترقها ليعلم؟
صعد كالمغيب على حافة السياج ووقف بتوازن..
متسائل في نفسه.. أي ظلمة أقسى؟
ظلمة روحه؟ أم ظلمة المياة الساكنة أسفله.
+
سيغوص ليعلم.
علها تزيل عنه الدنس الذي يلتصق به..
أو ربما يموت وتبتلعه تلك الظلمة..
ولن يشعر به أحدا..
بدت له الفكرة جذابة..
أغمض عينه وفرد ذراعيه في الهواء
ومال بجسده للأمام مستسلما لمصيره..
ويعلم أن الجنة ليست لأمثاله
ومثواه لن يكون سوى الجحيم!
لكن لا يهم
هو يتلظى به في كل الأحوال..
فليذهب إليه طواعيةً.
استنشق أخر أنفاسه في هذا العالم.
+
وبدأت رحلة السقوط!