اخر الروايات

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الرابع 4 بقلم نرمين نحمد الله

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الرابع 4 بقلم نرمين نحمد الله


*******

+


الفصل الرابع:

+


فتحت راجية باب شقتها ثم شهقت بارتياع وهي تري عمار يحمل جويرية الفاقدة لوعيها..... فهتفت 
_ماذا حدث يا عمار؟!
هتف عمار بخشونته المعتادة:
_أخفضي صوتك يا أمي.
تنحت راجية عن طريقه فسار بها إلي غرفته ليضعها علي سريره برفق...
لحقته راجية بسرعة وهي تقول بقلق:
_أخبرني يا بني ما الموضوع؟!!!
جلس عمار علي طرف فراشه وهو يقول بتوتر:
_لقد وجدتها فاقدة للوعي في غرفة المدخل الصغيرة...لقد استدعيت لها طبيباً لكنني لا أريد أن تراها العمة فريدة...إنها تكاد تموت حزناً علي آسيا ولا تنقصها صدمة جديدة...دعيها هنا حتي يأتي الطبيب ونطمئن عليها...

+


أومأت راجية برأسها في تفهم وهي تقول:
_عين العقل يابني...فريدة لن تحتمل رؤيتها هكذا...
قالتها وهي تتقدم نحو جويرية التي كان وجهها شاحباً كالموتي...
سالت الدموع من عينيها غزيرة وهي تهتف:
_حبيبتي يا بنتي!!

+


ابتلع عمار غصته وهو يقاوم فيض مشاعره...
إلي الآن هو لم يتمالك رعبه منذ رآها تسقط فاقدة للوعي بين ذراعيه...
لم يصدق أنه يحبها إلي هذه الدرجة إلا عندما وجد نفسه لحظتها يتمني لو يفتدي حزنها بعمره كله...
ربما تعانده طبيعته الجافة...
وقلة خبرته مع النساء...
وخشونة ألفاظه التي لا يقصدها...
لكنه يتمني لو تشعر يوماً بما في قلبه نحوها!!!

+


قطعت راجية أفكاره وهي تهتف في لهفة:
_لن أنتظر الطبيب سأحضر لها كوب ماء بالسكر ...

+


تركته مسرعة ذاهبة للمطبخ فيما تأمل هو ملامحها الشاحبة بقلق يمتزج بالترقب...
ثم تلفت حوله في دهشة...
لا يصدق أن جوري...حبيبة قلبه التي طالما كانت ملكة أحلامه هنا معه في غرفته علي سريره...
حتي لو رحلت بعدما تفيق...
سيظل عطرها عالقاً علي وسادته يحمل له بعضاً منها...!!!!

+


أخذ نفساً عميقاً وهو يقول لنفسه...
الصبر يا عمار ...
الصبر...
سنضطر للانتظار لكثير من الوقت حتي تفيق العائلة كلها من صدمة آسيا...
بعدها ستكون جوري لي...
طوال العمر!!!!

+


زفر بقوة وهو،يتذكر آسيا...
رغم ما يعلنه دوماً عن حنقه علي تلك الطائشة...
لكنه في نفسه حزن كثيراً لموتها بهذه الطريقة...!!!
لازال لا يصدق أنه لن يراها بعد الآن...
لقد تربت معه وكبرت أمامه يوماً بعد يوم...
حتي لو كانت أخطأت بفعلتها المشينة ليلة زفاف ياسين..
ورغم أنه كان حانقاً عليها بشدة خاصة بعد هروبها...
لكنه يتمزق وهو عاجز عن تخيل العذاب الذي واجهته قبل أن تلقي هذه الميتة البشعة...
كان الله في عون العمة فريدة وبنتيها...!!!

+


عاد ينظر لجويرية المغشي عليها بشفقة حانية...
مد أنامله برفق ليتحسس وجنتها التي لازال يذكر ملمسها...
لكنه تذكر همسها الراجي يومها...
_لا تلمسني يا عمار!!

+


قبض أنامله بقوة وابتعد بها عنها وهو يهمس في نفسه...
ليس بعد يا عمار...
ليس بعد...!!

+


دخلت راجية بالكوب في يدها عندما رن جرس الباب فانتفضت بهلع ...
قام عمار يهتف بسرعة:
_لا تخافي ...لعله الطبيب...
توجه عمار يفتح الباب بسرعة...
ليطالعه وجه الطبيب الشاب المبتسم:
_مرحباً...أنا دكتور زياد...أين المريضة؟!
========================================================================
استيقظت من نومها وابتسامة سعيدة تشق طريقها إلي شفتيها...
لقد كانت تحلم به...
حمزة ...!!
الرجل الغريب الذي دخل حياتها فجأة ليقلبها لها رأساً علي عقب...
غريب؟!!!
لا لا...
إنها لا تشعر به غريباً علي الإطلاق...
علي العكس...
هي تشعر وكأنها تعرفه منذ سنوات طويلة...
ضحكته الصافية تشعر نحوها بالألفة وكأنها تحتضن جفاف روحها لتمنحها السكينة بسخاء!!!
رغم ما يبدو،بينهما من اختلافات في الفكر...
ورغم البون الشاسع بين عالميهما...
لكنها تشعر بشئ يجذبها نحو عالمه...
لعلها الرغبة في المغامرة...؟!!!
حب الاستكشاف؟!!!
لا تدري...
لكنها تحب وجوده وصحبته والاستماع لأوامره الحنون التي يلقيها عليها بمرح فتجد نفسها منصاعة له كالمسحورة!!!!

+



          

                
هبت من فراشها وهي تتوجه نحو مرآتها تتأمل ملامحها الجميلة بلهفة...
وهي تتساءل...
تري ...هل أعجبه؟!!!

+


هزت رأسها في مرح وهي تندفع نحو خزانة ملابسها تتأمل محتوياتها...
تري ...أي هذه الثياب يفضلها حمزة؟!!!!

+


وبعد ساعة كانت معه في المشفي لكنه كان منشغلاً عنها بالقراءة في إحدي الكتب...
نادته بتردد:
_حمزة؟!
التفت إليها بابتسامته المميزة وهو يقول:
_نعم يا مارية...هل تريدين شيئاً؟!
أطرقت برأسها وهي تقول بتردد:
_الليلة عيد ميلاد آندي صديقي...ما رأيك لو تصطحبني؟!

+


تمالك ضيقه الذي يعرف أسبابه...
واتسعت ابتسامته وهو يقول ببرود مصطنع:
_عفواً عزيزتي...لن أستطيع.
همست بتوسل:
_لماذا يا حمزة؟! أنا أريدك أن تتعرف علي جميع أصدقائي.
قبض كفه بقوة وهو يقول بنفس البرود:
_لا أحب هذه الحفلات يا عزيزتي...
دمعت عيناها رغماً عنها وهي تهمس في حزن مس قلبه:
_لا تحب التواجد معي؟!!

+


نقر بأصابعه علي سطح المكتب في شرود...
مارية العزيزة لا تفهمه...
هو يحاول جاهداً تقليص الفجوة بين عالميهما دون أن يضطر لتقديم أية تنازلات...
مارية آدم هي التحدي الذي أصر علي النجاح فيه منذ رآها أول مرة ليخفق لها قلبه بعنف...
هو لا يستطيع الجزم بأنه يحبها...
لكنه يعشق تفاصيلها...
براءتها الطفولية...
وروحها الرائقة الشفافة...
ونظرات عينيها المنبهرة به دوماً وكأنها طفل يتعلق بذراعه ليستكشف بوجل عالماً جديداً كان غافلاً عنه!!!

+


لكنه يخشي عاقبة ذلك...
هو لن يستطيع إدخالها إلي عالمه بصورتها الحالية...
هو حمزة حبيب النجدي...
حفيد قاسم النجدي...
لم يُنسه العيش في لندن طيلة هذه السنوات أصوله الصعيدية...

+


ابتسم رغماً عنه وهو يتذكر ردة فعل جده قاسم النجدي لو دخل عليه بمارية وعرفها له علي أنها زوجته!!!!
ربما أطلق عليهما النار معاً وقتها!!!!

+


زفر بخفوت وهو يتذكر أن جده يخطط لتزويجه بآسيا...
آسيا الفاتنة الصغيرة التي لا يذكر عنها سوي ملامحها الطفولية عندما رآها آخر مرة...
لقد كان مستعداً لإتمام هذه الزيجة ...
 حتي يرضي جده قبل أي شئ...
خاصة وآسيا العزيزة لا يرفض الزواج منها رجل عاقل...
هي ستكون طبيبة مثله...فاتنة ...مهذبة...وفوق كل هذا هي ابنة عمه وتربية العمة فريدة الرائعة!!!
لكن ظهور مارية في حياته قلب له كل الموازين...
مارية التي ترقبه الآن كطفلة غاضبة بائسة!!!!!

+


وأمامه كانت مارية تتأمل شروده بقلق غاضب...
لماذا يرفض حضور الحفل معها؟!!!
هل يكره التواجد معها إلي هذه الدرجة؟!!!
أم أنه يخفي عنها شيئاً؟!!!

+


انتبهت في هذه اللحظة أنها لا تعرف شيئاً عن حمزة حبيب!!!!
لم ترَ له عائلة هنا ولا أصدقاء...
هو يحب العزلة دوماً ولا أحد يعرف عنه أي شئ!!!
لكنها هي ستعرف...
لابد أن تزيح الستار عن غموضه هذا حتي تفهمه جيداً!!!!

+



        

          

                
وقفت لتقول له بكبرياء طفولي:
_يبدو أنني أعطلك عن عملك ....أراك لاحقاً!!!
لم تمنحه فرصة للرد وهي تندفع مغادرة الغرفة بسرعة...
فابتسم في حنان وهو يهمس :
_مارية الغالية...آه لو تفهمين!!!!
==========================================================================
جلست ساري في مكتبة الكلية واضعة رأسها بين كفيها تخفي دموعها...
لم تستطع البقاء في المنزل ليوم آخر...
حادثة آسيا قصمت ظهور الجميع...
فريدة تكاد تموت حزناً ...
وجويرية تقضي وقتها في غرفة المدخل المنزوية تجتر حزنها وحيدة بعيدة عن الجميع...
وياسين يتحرك بينهم كالموتي ذابلاً شاحباً...
وكأن عمره تضاعف فجأة في هذه الأيام...!!!
حتي قاسم النجدي نفسه بجبروته وقوته يبدو الحزن مختلطاً بتجاعيد وجهه التي تشعر أنها زادت كثيراً منذ سمع الخبر....

+


لكنها وبرغم حزنها الشديد علي آسيا لا تصدق أنها فعلتها...
خاصة أنهم لم يعثروا علي جثتها...
صوت بداخلها يخبرها أنها لازالت علي قيد الحياة...
من يدري؟!!!
ربما جعلت الأمر يبدو كانتحار كي تستطيع الهرب من جبروت النجدي للأبد...!!!!

+


لا تدري لماذا ارتاحت نفسها لهذا الخاطر وصدقته حد اليقين...
ربما لأن الاحتمال الآخر يقتلها ببطء...
لازالت تذكر حضنهن الجماعي الذي حظين به قبل أن تسافر آسيا في تلك الرحلة المشئومة...
لازالت تذكر قولها لآسيا أنها ستعود بينهن من جديد لكنها ستعود أخري قوية تحدد مصيرها بنفسها...
ولا تريد تصديق عكس ذلك...

+


لا تقولوا أن آسيا استسلمت لمصير الجواري وأنهت حياتها يائسة بهذا الشكل!!!!
لا تقولوا أن طغيان قاسم النجدي ذبح الحياة في قلب آسيا النابض !!!
لا تقولوا أن آسيا رحلت ككل شئ جميل في هذه الحياة ...
أم أنها -آسيا-كانت  أجمل من أن تبقي في عالم قبيح كهذا؟!!!

+


تنهدت في حرارة وهي تتذكر قسمة النجدي لهن ...
آسيا لحمزة...
وجويرية لعمار...
وهي لحذيفة!!!

+


هي الوحيدة وسط أخواتها التي لم تعترض علي هذه القسمة...!!!
هي الوحيدة التي أرضتها منحتها لحذيفة...
نعم...
هي تحبه!!!
جنون؟!!!!
نعم...لا توجد امرأة عاقلة يمكنها الاطمئنان لحذيفة...
حذيفة العابث الذي تتحدث المدينة كلها عن علاقاته العاطفية ومغامراته مع النساء!!!
حذيفة الذي فشل في دراسته ولولا عمله في تجارة جده مع عمار لكان الآن عاطلاً في الشوارع...
حذيفة الذي يرمقها دوماً بنظرات الاستهجان وكأنه يستكثر نفسه عليها....!!

+


ورغم كل هذا تحبه...
تشعر نحوه بشعور الأم نحو طفلها المشاكس الذي يضايق الجميع بشقاوته لكنها تراه أروع طفل في العالم...
نعم....
حذيفة يستفز أمومتها الكامنة ...
تشعر أن بداخله روحاً طيبة لكنه يفتقر فقط لمن يرشده للطريق الصحيح...
وهي تظن نفسها قادرة علي ذلك....
فقط ...لو يمنحها الفرصة!!!!!!

+


هي تعرف قدر نفسها جيداً...
فهي أقل أخواتها جمالاً...
وبدلاً من أن يدفعها هذا للاهتمام بمظهرها كي تبدو أفضل دفعتها طبيعتها العنيدة للظهور دوماً بمظهر "المسترجلة" ونأت بنفسها عن أي مظهر للأنوثة في مظهرها...
بل إنها لا تبالغ لو قالت أنه لولا حجاب رأسها لبدت في ثيابها كالصبيان...!!!!
ببنطالها المصنوع من الجينز...وقميصها الطويل فوقه!!!
هذا هو طرازها الذي حافظت عليه ولم تغيره...!!!

+



        
          

                
صحيح أنها فكرت في تغييره يوماً ربما تلفت نظر حذيفة إليها...
لكنها تراجعت...
من ناحية ...كرامتها تمنعها من لفت انتباهه بهذه الطريقة الرخيصة...!
ومن ناحية أخري هي لا تريد الدخول في هذه المعركة الخاسرة ...
ساري "المسترجلة" ستخسر المقارنة حتماً مع أي من فتيات حذيفة اللاتي يحُمن حوله...
فلماذا ترهق نفسها في هذه الحرب التي تعرف نتيجتها مسبقاً؟!!

+


رفعت وجهها أخيراً وهي تنتبه أنه حتي لم يواسِها بعد مصيبة آسيا ولو بكلمة...
وكأنه عازف حتي عن الحديث إليها...
لكنها تعرف أنه سيرضخ لرغبة قاسم النجدي في النهاية...
سيتزوجها راغماً...
لا تدري إن كان من المفترض أن يحزنها هذا أم يسعدها...
لكنها ستتقبل مصيرها راغمة!!!

+


ستترك الأيام تدير لها دفة حياتها دون تدخل منها...
من يدري؟!!!!
ربما كان هذا هو الأفضل...
هاهي ذي آسيا اعترضت...
وخرجت عن سيطرة النجدي في سابقة تعد الأولي في هذه العائلة...
فما الذي جنته؟!!!!

+


تذكرت آسيا فعادت دموعها تنهمر من جديدفي حزن واضح...
عندما سمعت صوته خلفه...
_كيف حالك يا ساري؟!

+


التفتت بحدة لتجده بلال ...
بلال الهاشمي شقيق رقية والذي هو زميلها في نفس الكلية...
وفي نفس العام أيضاً!

+


جلس جوارها وهو يقول في إشفاق:
_البقاء لله...رحم الله شقيقتك !

+


مسحت دموعها في إباء وهي تقول في هدوء:
_شكراً يا بلال...

+


تأملها طويلاً في مودة حقيقية...
ساري النجدي فتاة مختلفة عن بقية الفتيات هنا في الجامعة...
رغم أنها تبدو "مسترجلة" لكنه يعرف أن بداخلها أنثي حقيقة...
أنثي تمتلئ حناناً وعاطفة لكنها تخفي ذلك خلف مظهرها الرجولي الواثق هذا!!!

+


هو يعرف عن أنشطتها الخيرية الكثيرة لمساعدة الفقراء والمحتاجين...
والتي تبذل فيها وقتها وجهدها ومالها أيضاً  دون بخل...
فتاة كهذه جوهرة نادرة في هذا الزمان...
حيث لم تعد الفتيات منشغلات سوي بالموضة والثياب وقصص الحب الهابطة!!!!

+


سألها في اهتمام:
_كيف حال والدتك؟! لاريب أنها منهارة...كوني قوية من أجلها يا ساري ...هي تحتاج إلي قوتك الآن.

+


ابتسمت في شحوب وهي تفكر...
كم تمنت سماع هذه الكلمات من حذيفة...
كم تمنت لو يحدثها بهذا الاهتمام وهذه النظرة المقيمة لقوتها...
كم تمنت لو يواسيها ولو بجملة مجاملة...!!!!

+


بينما ابتسم بلال لابتسامتها التي أنارت وجهها رغم شحوبها...
وهو يقول في إعجاب واضح:
_السيدة فريدة أحسنت  تربية بناتها.

+


احمرت وجنتاها وهي تقول بحرج:
_رقية أختك رائعة أيضاً...أنا أحبها كثيراً...
اتسعت ابتسامته وهو،يقوم من مكانه ليقول بهدوء:
_لن أطيل الجلوس معك حتي لا أضايقك...أنا أردت فقط أن..... أطمئن عليك.

+



        
          

                
قال عبارته الأخيرة بعاطفة اخترقت قلبها كشعاع نور...
راقبت خطواته المنصرفة بحسرة واضحة...
لماذا لم تحدثني يوماً بهذه الطريقة يا حذيفة؟!
لماذا لم ترمقني بهذه النظرة الحنون؟!
لماذا تكون المرة الأولي التي يخفق فيها قلبي لثناء رجل لا تخصك أنت؟!!!
أنت الذي لم أتمنَ يوماً رجلاً سواه!!!!

+


ابتلعت تساؤلاتها المريرة وهي تقوم من مكانها لتغادر مكتبة الكلية...
عائدة لمنزلها...
وهي تتمني في كل خطوة تخطوها أن يتغير وضعها البائس هذا...
وأن تكتب الأيام لفريدة وبناتها ما يستحققنه من السعادة!!!
==========================================================================

+


سمعت طرقات خافتة علي باب غرفتها فتجاهلتها ...
لاشئ يستحق الاهتمام الآن...
لقد رحلت آسيا...
قطعة من روحها تركتها ولن تعود...
شعرت بألم حقيقي في قلبها فوضعت يدها علي صدرها...
عادت الطرقات علي الباب اكثر قوة...
فتحاملت علي نفسها لتقف وتتوجه نحو الباب ...
فتحت الباب....
ليطالعها وجه ياسين...!!!!

+


ظهرت القسوة في عينيها للحظات...
هي تحمله مسئولية ما حدث بشكل أو بآخر...
لو لم تحبه آسيا بكل هذا الجنون لما أنهت حياتها بهذه الصورة...
لو لم يجبن عن مواجهة جده بحبهما ربما كانت ستكون هناك فرصة لهما معاً...!!!

+


استغفرت الله سراً...
وقد عاد إليها إدراكها...
ياسين لم يكن يملك من الأمر شيئاً...
لماذا تلومه علي جبنه وهي مثله...
كلهم مثله..
لا أحد يجرؤ علي الوقوف في وجه قاسم النجدي!!!!

+


تحولت نظرات فريدة تدريجيا من القسوة إلي الحزن...
وهي تتمعن في ملامحه الآسفة الحنون...
ثم أطرقت برأسها وهي تهمس في حزن مزق قلبه:
_لقد رحلت آسيا يا ياسين.

+


أخذ ياسين نفساً عميقاً وهو يرفع رأسه لأعلي يكتم دموعه التي لو سمح لها بالنزول فلن تتوقف أبداً...
آسيا الحبيبة لا تكفيها كل دموع الكون رثاءً!!!
آسيا التي أحبته حتي الموت دون أي مبالغة!!!
آسيا التي أخذت برحيلها جزءاً من روحه معها وأبداً أبداً لن يعود!!!!

+


تنحت له فريدة لتفسح له الطريق هامسة بانكسار :
_ادخل يا بني...

+


دخل ياسين غرفتها بوجل...
لتدخل هي وراءه...
جلس علي أحد الكراسي وهو يقول بأسف:
_جدي يقول أنك تحملينني مسئولية رحيل آسيا.
تنهدت في حرارة وهي تجلس قبالته هامسة في حزن:
_قدر الله وما شاء فعل...
دمعت عيناه وهو يهمس بحرارة:
_أنتِ تعلمين جيداً يا عمتي مكانة آسيا عندي...يعلم الله كم يحترق قلبي لفراقها...

+


سالت دموعها علي خديها وهي تهمس:
_أعلم يا بني...أعلم...هي أيضاً أحبتك من كل قلبها...لهذا فعلت ما فعلته!!
هتف بألم واضح:
_لم يكن ذنبي يا عمتي...لم أستطع الوقوف في وجه جدي!
ربتت علي كفه في حنان وهي تقول:
_أعلم يا بني...ليس منا من يستطيع الوقوف أمام كلمة النجدي...سامحني لو كنت قسوت عليك في البداية...لكن صدمتي في رحيلها كانت....

+



        
          

                
قطعت عبارتها عندما غلبتها دموعها التي انهمرت في جنون...
وهي لا تصدق أنها تتحدث بهذه البساطة عن وفاة بنت من بناتها...!!
آسيا بالذات كانت قطعة من روحها...
ربما كان قلبها يشعر أنها ستُحرم منها قريباً لهذا كانت تخاف عليها دوماً...
طالما لقبتها بقطعة الكريستال...
هشة سهلة الكسر لكن بريقها يخطف الأبصار...
آسيا بالذات وسط شقيقتيها كانت شديدة الضعف...
حبها لياسين كان كل حياتها...
وعندما فقدته...
لم تعد تري لحياتها أي داعٍ!!!

+


انتفض جسدها بدموعها فقام ياسين من مكانه ليجثو علي ركبتيه أمامها هامساً بتوسل:
_أرجوكِ يا عمتي تماسكي...من أجل جوري وساري...أرجوك لا تحملي لي أي ضغينة...أقسم لكِ أن جرحنا واحد...
ربتت علي رأسه وهي تكرر عبارته بشرود حزين:
_نعم يا بني...جرحنا واحد!!
==========================================================================

+


أفاقت جويرية من إغماءتها أخيراً...
فتحت عينيها ببطء ليطالعها وجهه الوسيم الباسم...
ظلت تتأمله للحظات وكأنها تحلم...
من هذا الوسيم الذي يتأملني بحنان؟!!!
هكذا خاطبت نفسها وهي تتفرس في ملامح زياد....
فيما لاحظ عمار نظراتها فهتف مخاطباً زياد بخشونة:
_حسناً...لقد أفاقت ...يمكنك الآن الانصراف...
لكزته راجية في جنبه وهي تقول لزياد بحرج:
_لا تؤاخذه يابني...ابنة عمه متوفاة حديثاً...وكلنا نمر بضغوط شديدة...
هتف زياد بتسامح:
_أعرف يا سيدتي...المدينة كلها تتحدث عن فقيدة آل النجدي العزيزة...أنا أقدر حزنكم...وتقبلي خالص تعازيّ في فقيدتكم.
هزت راجية رأسها في تفهم...
عندما تأوهت جويرية بضعف وهي تهمس:
_ماذا حدث لي؟!
ابتسم زياد بحنان وهو يقول:
_أنا الذي ينبغي أن يسألك هذا السؤال.
فتحت فمها لتجيبه عندما اندفع عمار يقول بنزق:
_لقد كانت تبكي في انهيار ثم اشتكت من عدم قدرتها علي التنفس لتسقط بعدها فاقدة لوعيها....هذا كل ما حدث!

+


أشاحت جويرية بوجهها في ضيق وهي تنتبه الآن فقط أنها في غرفته...
هذا يعني أنه هو من حملها إلي هنا...
هذا البغيض حمل جسدها بين ذراعيه إلي غرفته بل ووضعها في فراشه!!!!
إنه يتصرف حقاً وكأنها زوجته!!!
كم أكرهك يا عمار!!!
كم أكرهك!!!

+


هكذا حدثت نفسها وهي تراقب زياد الذي فتح حقيبته ليخرج منها جهاز الضغط ...
تناول ذراعها ببساطة ليكشف كم ثوبها حتي يستطيع قياس الضغط...
فهتف عمار في حدة:
_أنت يا هذا!!!! ماهذا الذي تفعله؟!

+


نقل زياد بصره بحذر بين الجميع...
المريضة الحسناء تبدو حزينة وهذا طبيعي فالفقيدة شقيقتها كما استنتج...
وهذا الرجل الخشن عصبي المزاج يبدو وكأنه ضائق بوجوده هنا...
لكن المرأة تبدو غير راضية عن تصرفات ابنها...
صدق ظنه عندما هتفت راجية بضيق:
_اصمت يا عمار ودع الطبيب يكمل عمله...وإلا ارحل من هنا.

+


كز عمار علي أسنانه ...
وهو يرمق زياد بنظرات مشتعلة...
تجاهلها زياد تماماً وهو يضع السماعة علي أذنيه...
ليقيس لها الضغط...

+



        
          

                
شعرت جويرية بالخجل واحمرت وجنتاها وهي تختلس النظرات إليه...
لا تدري لماذا شعرت نحوه بالألفة والسكينة...
شعرت أنه رجل لطيف....
هل هذا غريب؟!
لا....!!
ففي وجود عمار ...أي رجل سيبدو لطيفاً ودوداً حنوناً!!!!!

+


انتهي من قياس ضغطها فنزع السماعة من علي أذنيه وهو يقول بلهجة عملية:
_الضغط منخفض للغاية...سأكتب لها  دواءً مناسباً...
كتب لها الدواء علي ورقة فتناولها منه عمار بغلظة وهو يقول  وكأنه يطرده:
_لقد أتعبناك معنا!
لكزته راجية في جنبه من جديد...
فيما همست جويرية بامتنان:
_شكرا...يا دكتور...
ابتسم لها زياد في حنان وهو،يقول:
_زياد...زياد حسان..
اشتعلت نظرات عمار في هذه اللحظة وهو يلعن صديقه الذي نصحه بهذا الطبيب!!!!
هل خلت المدينة من الأطباء حتي لا يجد صديقه سوي هذا الرجل المتأنق اللزج الذي يبدو وكأنه خرج لتوه من غلاف مجلة؟؟!!!
نهض زياد ليقول بهدوء:
_سأعاود زيارتها غداً للاطمئنان عليها.
هتف عمار بجفاف:
_لا داعي لذلك....ستكون بخير.

+


أطرق زياد برأسه في حرج...
وهو يخرج من الغرفة...
تبعه عمار ليوصله إلي باب الشقة...
عندما احتضنت راجية جويرية وهي تقول بحنان:
_حمداً لله علي سلامتك يا حبيبتي.

+


عاد عمار بعاصفته الغاضبة إليهما بعد رحيل زياد وهو يهتف مخاطباً جويرية :
_ما هذه الطريقة المائعة التي كنت تخاطبين بها الطبيب؟!
هتفت جويرية بحنق:
_عن أي ميوعة تتحدث؟!!!! هل كلمته أصلا؟!!!
عاد يهتف بغضب:
_لو كنتِ أزدتِ كلامك معه كلمة واحدة لكنت قطعت لك لسانك!
عقدت حاجبيها في غضب وهي تصرخ:
_كيف تسمح لنفسك أن تحدثني هكذا؟! بل كيف سمحت لنفسك أصلاً أن تحملني إلي غرفتك ؟! وعلي سريرك؟!!!! هل صدقت أنني أصبحت حقاً زوجتك؟!!!!
اقترب منها وهو يهتف بحدة:
_لقد كنتِ فاقدة الوعي يا حمقاء!!!! هل كنت أتركك حتي تموتي أو تأكلك الفئران في تلك الحجرة الحقيرة؟!!!
زاد غضبها وهي تهتف وقد فقدت السيطرة علي انفعالها:
_الموت أهون ألف مرة من رؤيتك يا عمار....أنا أكرهك...وأكره اليوم الذي ولدتني فيه أمي ليختارني القدر زوجة لك!

+


شهقت راجية في استنكار وهي تسمع عبارتها الأخيرة...
ليسود الصمت في الغرفة للحظات...
لحظات تمزق فيها قلبه وهو يسمعها تتفوه بهذه الكلمات...
طالما قالت أنها لا تريد الزواج منه...
طالما أحس أنها تخافه...
لكن أن تصرخ بكرهها هذا له ...
فهذا كان قاسياً جداً عليه...!!!!

+


وكعادته كلما استبد به الغضب تسلح ببروده الثلجي...
ليقول بلهجة جامدة:
_لا يعنيني حبك أو بغضك...ستكونين زوجتي...شئتِ أم أبيتِ!!!

+


قالها وهو يغادر الغرفة في خطوات بطيئة...
لا يدري لماذا تخذله طباعه أمامها...
هو الذي كاد يموت خوفاً عليها...!!!
هو الذي لم يعشق امرأة سواها....!!!!
هو الذي كاد يختنق بغيرته وذاك الطبيب اللزج يحدثها بهذه الرقة وهي تنظر إليه بهذه الطريقة التي لم تنظر بها إليه يوماً...!!!
ومع كل هذا...
يغلبه طبعه الناري في كل مرة...
فلا يستطيع ملاطفتها بكلمة حنون...
لقد حاول صدقاً...
لكنه لم يستطع...
لم يعتد التعبير عن مشاعره ...
لا يجيد عبارات التغزل التي يلقيها أصدقاؤه علي مسامع الفتيات...
إنه ليس كياسين الحنون بالفطرة والذي يفيض حنانه علي كل من حوله...
وليس كحذيفة...ساحر النساء الذي يتلاعب بقلوبهن كالدمي!!!!
هو الذي اختصته الأقدار بطبعه الغليظ هذا والذي لم يستطع تغييره...
لكنه يتمني لو يتغير فقط من أجلها...
لو يستطيع أن يريها مكانتها في نفسه...
ربما..لو،ضمها لصدره مرة واحدة...
وأحست بخفقاته الهادرة لأجلها...
ربما...ساعتها تشعر بمكانها في قلبه!!!

1



        
          

                
وعلي سريره كانت جويرية تبكي بعنف...
لا تدري كيف انفلت منها الزمام لتصرخ في وجهه بهذه الكلمات...
ربتت راجية علي ظهرها وهي تقول بعطف:
_لقد قسوتِ عليه كثيراً يابنتي...عمار لا يستحق منك هذا...هو طيب القلب لكن طباعه خشنة...كثير من الرجال كذلك...لكنني واثقة من أنه يحبك...

+


ابتسمت جويرية في سخرية وهي تقول في نفسها....
يحبني؟!!!
وهل يعرف عمار هذا الحب؟!!!!
إنه مجرد صنم بلا مشاعر...
بل إنها تشك في وجود قلب بين ضلوعه القاسية مثله!!!!!

+


قطعت راجية أفكارها وهي تقول بحنان:
_لا تغضبي منه لأنه جاء بكِ إلي هنا...لقد خشي علي والدتك من الصدمة لو رأتكِ فاقدة للوعي...أنتِ تعلمين حالتها الآن...

+


عقدت حاجبيها في شك وهي لا تصدق أن عمار أتي بها هنا لهذا السبب...
لا...
هو ليس رقيق القلب إلي هذه الدرجة...
لقد أتي بها إلي هنا ليثبت لها ملكيته لها...
ليثبت لها أنه سيدها وهي مجرد جارية...
جارية منحها له قاسم النجدي بصك زواج!!!!

+


وهكذا كان كل من عمار وجويرية يدور في حلقات مفرغة من أفكار متضادة...
لكنها حلقات لا تتلاقي...
لم يفهم أي منهما صاحبه...
بل ظل غارقاً في محيط هواجسه...
ليحترق كلاهما بالنار نفسها!!!!
==========================================================================
طرقت باب غرفته بتردد...
فسمعت صوته الحنون يهتف بحزنه الذي أصبح ملازماً له:
_ادخلي يا رقية!
فتحت الباب لتدخل بتردد...
جلست علي الكرسي المجاور لسريره وهي تسأله بقلق:
_كيف حالك الآن يا ياسين؟!

+


كان ممدداً ظهره علي السرير مستنداً علي وسادته ينظر للسقف في شرود...
صورة آسيا لا تفارق مخيلته...
لا يتصور أنه حرم منها بهذه السرعة...
لكن رقية المسكينة لا ذنب لها...
ما جريرتها في هذه المأساة التي حلت علي هذه العائلة؟!!!
هي التي كانت تعيش كالملكات في منزل والدها...
لتذوق معه هنا هذا العذاب في صمت...
دون حتي أن تشكو...
هي لم توجه إليه ولا كلمة لوم واحدة....
علي العكس...
منذ وفاة آسيا وهي تمنحه عنايتها وحنانها ...
بتحفظ نعم...لكنه يقدر أن هذا أقصي ما يمكنها منحه له الآن!!!!
فقد قالت له رقية الهاشمي كلمتها منذ البداية...
وحددت وضعهما بدقة...
غريبين في بيت واحد!!

+


التفت نحوها وهو يهمس في أسف:
_كيف يمكنني أن أعوضك عن كل ما رأيتِه منذ دخلتِ هذا البيت؟!!!!

+


شعرت بأسفه الحقيقي الذي لم يستطع مداراته فقالت في رقة لم تتكلفها:
_لا تقل هذا يا ياسين...دعك مني واهتم بحالك...أنت تهمل نفسك كثيراً منذ...
قطعت عبارتها إشفاقاً علي وقعها عليه...
لكنه فهمها فأغمض عينيه في قوة وهو يهمس بعكس ما يشعر به:
_الحياة يجب أن تستمر...
ثم تنهد قائلاً:
_جدي يريد منا أن نسافر لأي مكان ؟!
عقدت حاجبيها بشدة وهي تهتف باستنكار:
_نسافر؟! في هذه الظروف؟!
هز رأسه قائلاً:
_لقد قلت له هذا لكنه يصر علي ذلك إشفاقاً عليك
ِ
هتفت باعتراض :
_لا طبعا...أنا لن أقبل بهذا...هل تريدون قتل العمة فريدة حية؟!!! ابنتها تموت لأجلك وأنت تسافر لتتنزه مع عروسك؟!!!!

+



        
          

                
اتسعت عيناه في صدمة من كلماتها التي لم تحسب حسابها....
لكنها أصابت قلبه في مقتل!!!

+


شعرت بقسوة عبارتها عليه فهتفت بسرعة:
_أنا آسفة يا ياسين....أرجوك لا تؤاخذني علي اندفاعي.
أطرق برأسه في حزن واضح...
فانتقلت جواره علي طرف الفراش وهي تهمس في أسف:
_اعذرني يا ياسين...أنا مشفقة علي العمة فريدة كثيراً...هي أعظمكم مصيبة...ربما يحزن جدك علي حفيدته لكنه سيعود لاهتمامه بتجارته وبقية أحفاده...وربما تحزن أنت علي حبيبتك لكنك ستمضي في حياتك بعدها...وحدها فريدة ستبقي محملة بحسرتها علي ابنتها طوال العمر...

+


أمسك كفها وهو ينظر إليها للحظات ثم همس في إعجاب:
_أنت تملكين قلباً من ذهب...صدق من أسماكِ رقية يا صاحبة الإحساس الراقي.
احمرت وجنتاها في خجل وهي تحاول ادعاء الجدية لتقول بهدوء يناقض اشتعال روحها:
_إنه الواجب يا ياسين...لا يصح أن نسافر إلي أي مكان...يجب أن نبقي هنا معها...حتي لو كرهت وجودنا...لكن لا تدعها ترانا هكذا نعيش حياتنا بطبيعية وهي غارقة في مأساتها...
تنهد قائلاً وهو لا يزال ممسكاً كفها بكفه:
_العمة فريدة لن تكره وجودنا...هي لا تعرف الكره أصلاً...هي حالة خاصة وسط النساء...وكأنها بئر من حب لا يجف أبداً...
ابتسمت في حنان هامسة:
_يبدو أنك تحبها جداً...
نظر في عمق عينيها وهو يقول بصدق:
_هل تعلمين أنها تشبهك كثيراً؟!
ازدردت ريقها ببطء وارتعش كفها في يده وهي تهمس:
_تشبهني أنا؟!!
أومأ برأسه قائلاً:
_نعم...تهتم بمن حولها أكثر من اهتمامها بنفسها...توزع حنانها علي الجميع وتشعر بمسئوليتها عنهم...أم بالفطرة!!!

+


نزعت كفها من كفه برفق...
وهي تشعر بالاضطراب..

+


ثم قامت لتقول بحزم أثار دهشته:
_سأذهب لغرفتي....إذا أردت شيئاً أخبرني....

+


قالتها وهي تغادر الغرفة بسرعة وكأنها تهرب...
بل إنها فعلاً كذلك...
تكره ضعفها هذا أمامه...
تكره استسلامها للحنان في عينيه وفي كلماته...
تكره شعورها بالشفقة في عينيه عليها...
وهي رقية الهاشمي...!!!!
التي عاشت في بيت أبيها سلطانة...
لن تسمح أبداً أن تكون بديلاً ينسي به حبيبته الراحلة...
ربما وقفت جواره في الأيام السابقة بدافع الشفقة علي مأساته التي رأتها بعينيها...
لكن هذا لا يعني أن تتهاون فيما يخص كرامتها وكبرياءها...
لو أراد ياسين النجدي أن يحصل علي رضاها ...
فسيدفع مقابل ذلك الكثير...
الكثير جداً...!!!!!

+


هي السلطانة التي لا تقبل بفتات عشق يلقيه لها رجل مكلوم...
هي السلطانة التي تستحق أفخر تيجان الهوي علي رأسها...
هي السلطانة التي تركع لها القلوب وتنحني لها جباه الأرواح...
ولن ترضي أبداً بما ترضي به الجواري!!!!
========================

+


جلست ساري في هذا المطعم الفخم مع صديقاتها اللاتي أصررن علي أن يخرجنها من عزلتها وحزنها...
لكنها لم تستطع...
جلسن جميعاً يتندرن بالحكايا والدعابات...
لعلها تخرج من حزنها الذي كسا ملامحها ...
لكنها ظلت علي شرودها الحزين...
كل يوم يمر يكذب ظنها في أن تكون آسيا علي،قيد الحياة...
لكنها تتشبث بذرة أمل أن يصدق ظنها في النهاية...

+



        
          

                
كانت شاردة تنظر للجدار بحزن...
عندما وقعت عيناها عليه يجالس تلك الصهباء الفاتنة علي المائدة المقابلة لها...
نعم...إنه حذيفة!!!

+


التقت عيناها بعينيه فعقد حاجبيه في ضيق...
أشاحت بوجهها عنه بسرعة وقد ازدادت خفقات قلبها الملتاعة..
عادت ببصرها إليه بعد لحظات لتجده يغادر المكان مع رفيقته الفاتنة بخطوات سريعة...
دمعت عيناها وهي تشعر بقلبها يختنق...
حذيفة لا يراها ...
ولا يمكن أن يراها...
هذه الفاتنة التي رأتها معه هي واحدة من عشرات النساء اللاتي هن علي علاقة به...
هي تسمع الكثير عن علاقاته النسائية فطالما كان ياسين العزيز يتندر بحكاياته عنهن مع آسيا...
لكنها أول مرة تراه مع إحداهن...
ورغم جرح قلبها الكبير...
كان جرح كرامتها أكبر!!!
لقد رحل بصديقته من أمامها دون أن يلقي لها بالاً...
وكأنها لن تصبح زوجته بعد شهور قليلة علي أقصي تقدير...!!!!

+


لكن لماذا تتعجب من تجاهله لها وهو عادة ما يفعله معها...؟!!!
هو لا يكاد يوجه إليها أي حديث...
حتي بعد حادثة آسيا لم يكلف نفسه حتي تقديم العزاء إليها...
وكأنه يخبرها دون كلمات أنها ليست أكثر من حمل ثقيل علي كاهله...
ولولا أن كلمة قاسم النجدي لا ترد لما فكر في الزواج منها أبداً...!!!

+


تناست جرح قلبها الذي تزامن هذه المرة مع نزيف كبريائها الصامت...
وتصنعت المرح مع صديقاتها ...
حتي انقضي اليوم...
عادت إلي المنزل مرهقة...

+


وما ان ولجت قدماها بوابة المنزل الكبير حتي وجدته ينتظرها في المدخل المؤدي إلي الدرج....
أطرقت برأسها في ترقب وهي تراه يقترب منها حتي صار أمامها مباشرة...
انتظرته أن يبدأ حديثه...
لكن صوته لم يصلها....
اضطرت في النهاية لرفع عينيها إليه لتصطدم بعينيه القاسيتين...
أغمضت عينيها بقوة وهي تحاول ألا تحتفظ بذكري هذه النظرات المنفرة...

+


لكنه نطق أخيراً بنبرة أكثر قسوة من نظراته:
_هل تفكرين في الشكوي لجدي بعد ما رأيته اليوم؟!

+


زفرت في قوة وهي تستجمع قوتها لتقول ببرود:
_لا.
ظهر الغضب في ملامحه وهو يهتف بحدة:
_يجب أن تفهمي مكانك في حياتي جيداً...أنتِ لستِ أكثر من فرض سأؤديه قهراً ...ربما سأتزوجك...لكن لا تطمحي في أكثر من ذلك...
أخفت جرحها ببراعة وهي تهتف في قسوة لم تعرفها في نفسها من قبل:
_وكذلك أنت ...لست أكثر من فرض...وفرض كريه أيضاً!!!
ابتسم في سخرية وهو يقول بغرور:
_علي من تكذبين يا صغيرة؟! هل تظنيني غافلاً عن نظراتك الهائمة نحوي عندما نلتقي؟!!!

+


ابتسمت في سخرية مماثلة وهي تقول بثقة:
_يبدو أن خبرتك في النساء لا تتعدي الساقطات التي اعتدت مرافقتهن...كيف ستفهم من هي مثلي؟!!!

+


كز علي أسنانه وقد أفحمه ردها ....
لم يتخيل أنها قادرة علي الرد عليه بهذه القسوة وهذه الثقة...
طالما ظنها فتاة ضعيفة لا شأن لها...
مجرد جارية قضي له بها قاسم النجدي....
مثلها مثل شقيقتها التي ستتزوج أخاه...
أو مثل تلك الأخري التي هربت ثم انتحرت وجلبت العار للعائلة كلها!!!!

+



        
          

                
ليت عمه سعد لم ينجبهن أبداً...!!!!
خاصة تلك ال"مسترجلة" التي تبدو ببنيتها النحيفة كالصبيان....!!!!
من تظن نفسها لتحدثه بهذه الطريقة؟!!!!
وهو حذيفة النجدي الذي تلاحقه الفاتنات قبل حتي أن يفكر هو بملاحقتهن!!!!

+


ضاقت عيناه وهو يلوح بسبابته في وجهها هاتفاً:
_إياكِ أن تحدثيني بهذا الأسلوب مرة أخري!!
رفعت رأسها في كبرياء وهي تقول :
_امنعني لو استطعت!
اقترب منها خطوة وهو يقول بتهديد واضح:
_عندما تكونين زوجتي سأعرف كيف أربيكِ من جديد!!
رغم كل الخوف الذي شعرت به من تهديده...
ورغم نحيب قلبها الذي كادت دقاته تصرخ الآن قهراً...
وجدت نفسها تهتف في صلابة:
_لا تتعشم كثيراً يابن النجدي!!!...من يدري مالذي ستحمله لنا الأيام القادمة....؟!!!

+


قالتها وهي تزيحه من طريقها برفق...
لتكمل صعود الدرج بخطوات واثقة...
نجحت بجدارة في مداراة جرحها بها....
تاركة إياه خلفها يغلي من الغضب...
هذه الحمقاء الصغيرة تتحداني أنا....
أنا حذيفة النجدي !!!!!
ألا يكفي أنني قبلت تلك القسمة الجائرة ورضيت بتلك "المسترجلة" لتكون زوجة لي؟!!!!
كيف سأواجه بها أصدقائي ؟!!!
حتماً سيسخرون مني!!!!
من يصدق أنها -هي-من اختارها حذيفة النجدي نفسه لتكون زوجة له؟!!!
لكنه فعلاً لم يخترها!!!!
هي مجرد أمر آخر من أوامر قاسم النجدي سينفذه صاغراً كما اعتاد...

+


زفر في قوة وهو يصعد السلالم نحو شقة راجية...
ألقي نظرة حانقة علي شقة فريدة المقابلة...
وهو يفكر بسخط...
لم يكن ينقصني سوي تلك المسترجلة!!!!!
======================

+


مشطت مارية شعرها في شرود وهي تستعد للخروج مع آندي...
منذ محادثتها الأخيرة مع حمزة ورفضه مصاحبتها لحفل آندي وهي حانقة عليه...
تتحاشي الحديث معه أو حتي رؤيته...
ظنت أنها بهذا تعاقبه...
لكنها اكتشفت أنها تعاقب نفسها قبله!!!!!

+


لقد اشتاقت إليه بجنون...
افتقدت كل ما يخصه...
ابتسامته...نظرته الحنون...
دعاباته اللطيفة...
حتي طريقة نطقه باسمها والتي تراها مميزة مثله...!!!!

+


زفرت في قوة وهي تحمل حقيبتها لتغادر...
وما إن خرجت إلي حديقة المنزل حتي وجدته في حديقة منزله المجاورة....
اختلست نظرة مشتاقة إليه ودت لو طالت ....
ثم رفعت رأسها في كبرياء وهي تتجاهله عمداً وتمضي في طريقها...!!!

+


ناداها بصوته الذي افتقدته....كما افتقدت كل ما فيه...
فتوقفت مكانها دون أن تنظر إليه...
عبر السور بين الحديقتين بخفة وهو يقف أمامها ليقول بصوت حزين بعيد عن مرحه المعهود:
_مارية العزيزة غاضبة مني؟!
رفعت رأسها في كبرياء وهي تقول :
_ولماذا أغضب منك؟!

+


أطرق برأسه وهو يشعر بالاختناق...
منذ هاتفه جده منذ يومين وأخبره بما حدث لآسيا...
وهو يشعر كالسجين في غرفة ضيقة!!
أسوأ ما يمكن أن يواجهه المرء في غربته أن يفتقد التواجد جوار ذويه في مصائبهم قبل أفراحهم...
شعور هائل بالعجز ...
مكبل هو بقيود غربته وثأره وماضيه...!!!!

+



        
          

                
إن كان حزيناً  لأجل آسيا الغالية...
التي كانت ستصير زوجته يوماً...
وحزيناً لأجل العمة فريدة التي أحبها كوالدته وتربي علي يديها منذ صغره...
فهو يتمزق من أجل جده ...
قاسم النجدي...
وتد العائلة الذي يظنونه جميعاً قاسياً صلباً لا قلب له...
لكن حمزة يعلم أن أحفاده هم نقطة ضعفه الوحيدة...
منذ فقد أولاده جميعاً في ريعان شبابهم...
وهو يخشي أن يلاقي أحفاده نفس المصير...
لهذا أبعده عن مصر نهائياً حتي يتبين موقف جسار من الثأر القديم...
وأجبر ياسين علي زواجه بابنة الهاشمي كي يضمن للعائلة سنداً من النفوذ والسلطة...
واختار لكل ابنة من بنات فريدة زوجاً من أبناء عمومتها كي يحافظ عليها ويصونها...

+


ربما لم يكن فكره هذا لائقاً بهذا العصر...
وربما يراه أغلب الناس جائراً...
لكنه يعلم أن جده لا يريد لهم إلا الخير...
كم تمني لو كان معه الآن...
جده الحبيب الذي يعتبر حمزة ولده وصديقه وليس مجرد حفيد...
بالتأكيد...كان وجوده معه سيؤازره في هذه الظروف!!!!!

+


لكن ما يحيره حقاً هو لماذا انتحرت آسيا....
حتي جده لا يعلم!!!
لن يهدأ له بال حتي يعرف سبب فعلتها هذه!!!!
لكن كيف يعرف؟!!!!
وهو منبوذ هنا في غربته ...
لا حق له في أهله سوي بمكالمة هاتفية يختصه بها جده كل شهر ليخبره عن الجديد في اقتضاب ويطمئن عليه ثم يغلق الاتصال بسرعة خوفاً من أن يغلبه شوقه فيطلب منه العودة!!!!

+


تنهد في حرارة...
فتناست مارية غضبها منه وهي تسأله بقلق:
_ماذا بك يا حمزة؟!
رفع رأسه للسماء وهو يهمس في حزن هز أركان روحها:
_أنا متعب يا مارية....متعب للغاية...

+


اقتربت منه وهي تسأله بحنان:
_لماذا يا حمزة؟! ما الذي حدث؟!

+


نظر إليها طويلاً دون أن يجيب...
لكن الدمع الساكن في عينيه أنبأها الكثير عن آلام هذا الرجل...
هذا الرجل الذي لا تعرف عنه شيئاً لكنها تجد نفسها مجذوبة نحوه كالمسحورة...
والذي لا يشغلها الآن سوي أن تمحو عنه هذا الألم!!!!

+


دمعت عيناها تأثراً وهي تهمس:
_أخبرني عن الذي يحزنك إلي هذا الحد يا حمزة.
اغتصب ابتسامة شاحبة وهو يتصنع المرح ليقول بخفوت:
_سأعود لأقول لكِ...لو نطقتِها صحيحة...فسأخبرك.
ابتسمت في عطف وهي تهمس:
_سأتعلمها يا حمزة...سأتعلمها من أجلك...

+


اتسعت ابتسامته وهو يرقبها بعاطفة عجز عن إخفائها...
ليسود الصمت الصاخب بين عينيهما للحظات...

+


قبل أن يقطعه هتاف آندي:
_ماري....هل نسيتِ موعدنا؟!

+


شهقت ماري للمفاجأة...
فيما عقد حمزة حاجبيه بضيق...
عندما تقدم آندي ليحيط كتف مارية بذراعه هاتفاً في ضجر:
_لقد تأخرتِ علي موعدنا فجئت لأصطحبك.
نزعت مارية ذراعه من علي كتفها وهي تقول في ضيق:
_عفواً آندي...لن أتمكن من الخروج معك اليوم....
نقل آندي بصره بينها وبين حمزة...
ثم قال مخاطباً حمزة ببرود:
_أنت إذن دكتور حمزة...ماري معجبة كثيراً....طالما حدثتني عنك.
هز حمزة رأسه في تحية مقتضبة وهو يقول في اقتضاب:
_أعتذر لو كنت تسببت في تأخير مارية...

+


قالها وهو يعطيهما ظهره ليعود لمنزله....
كادت مارية تناديه طالبة منه الانتظار...
لكن آندي هتف بها في ضيق:
_هيا يا ماري ...لقد تأخرنا بما يكفي...
زفرت مارية بقوة وهي تهمس:
_عفواً آندي...أنا أشعر بالصداع ...لن أتمكن من السهر الليلة...

+


قالتها وهي تعطيه ظهرها لتعود لمنزلها باندفاع...
حتي لا تسمح له بالاعتراض...
عقد آندي حاجبيه بغضب...
وهو يشعر بصدق ما توقعه ...
هذا المصري اختطف قلب ماري...
وها هي ذي تنسحب تدريجياً من عالمه...
لكنه لن يقف ساكناً...
سيعرف كيف يجذب ماري نحو عالمه من جديد...
هذا هو وعده لنفسه الذي لن يخلفه!!!ً
===========================

+


انتهى الفصل الرابع

+


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close