رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الرابع 4 بقلم سارة علي
مساءا ...
في أمريكا ...
تحديدا بعد منتصف الليل ...
تقف على حلبة الرقص ...
تتمايل بجسدها بحرية وانطلاق لا مثيل له ...
تتحرك مع إيقاع الاغنية السريع بإنفعال ولا وعي تمكن منها وحواسها كلها غارقة في هذه اللحظة ...
إثارة ومتعة لا مثيل لها ..
هذا كل ما تشعره وهي ترقص بجنون ...
وربما بضياع لا تعيه ....
ومن بعيد جالسا هو يتأملها ...
بدت جديدة على المكان وهي كذلك بالفعل ..
إنها المرة الأولى الذي ترتاد فيه هذا النادي الليلي بعدما ضجرت من الآخر وممن فيه ....
تأملها بتروي واستمتاع ...
تنورتها القصيرة للغاية والتي بالكاد تغطي منتصف فخذيها النحيلين ....
ترتدي فوقها قميص عاري الاكتاف يلتصق بالجزء العلوي من جسدها بطريقة أبرزت تفاصيله وخاصة ثدييها الصغيرين والذي ساعد ضيق القميص في ابراز بداية نحرها بطريقة جعلت لعابه يسيل لا اراديا خاصة و جسدها العلوي يهتز بسرعة اكبر مع ايقاع الموسيقى الصاخبة ...
شعرها الناعم كان مسندلا بعفوية على جانبي وجهها بينما كان يتناثر بجنون هو الآخر مع حركة جسدها السريعة ...
تضع الكثير من مستحضرات التجميل فوق وجهها حيث ظلال العين بلون أسوء لامع والكحل الثقيل والرموش الاصطناعية مع حمرة شفاه ذات لون أحمر صارخ ....
بدت صارخة في كل شيء ...
بدت فاقدة للوعي في تلك اللحظة ...
ترقص فقط ...
تجاري الموسيقى ...
تتفاعل معها بطريقة لفتت انتباهه اكثر و جعلته يتحمس ليشاركها رقصتها ..
ارتشف ما تبقي من مشروبه الكحولي دفعة واحدة ونهض من مكانها مقررا مراقبتها وربما قضاء ليلة ممتعة معها بعدها ....
كانت هي غارقة في عالمها المجنون عندما شعرت بيد تمتد تقبض على كفها بشكل جعل ملامحها تحتد لا إراديا وهي ترفع عينيها الناريتين نحو الشاب الطويل بملامحه شديدة الوسامة بشكل جعلها تتطلع نحوه بذهول امتد للحظات قبل أن تفيق من سكرتها وهي تصرخ به :-
" كيف تجرؤ ...؟!"
" لنرقص ..."
قالها ببساطة لتصيح بغضب :-
" وهل هذه الطريقة المناسبة لتقديم هذا العرض ...؟!"
ابتسم ببرود وقال :-
" لم يكن هناك مجال لتقديم عرضي هذا بطريقة مختلفة فأنت كنت غارقة تماما وأنت ترقصين وكأنك في عالم ثاني لا يوجد به غيرك ..."
نعم هي كانت كذلك ...
هكذا همست لنفسها قبل أن تتفاجئ به يميل نحوها قليلا وعيناه تتعلقان بشفتيها المثيرتين مرددا بمكر يليق به :-
"على العموم أنا أعتذر ... لم يكن علي مقاطعتك بتلك الطريقة ولكن ..."
أكمل بصوت مبحوح قاصدا العبث على وتر أنوثتها :-
" لم أستطع مقاومة جمالك وفتنتك الطاغية وأنت ترقصين بذلك الشكل المغري ..."
توترت ملامحها وسيطر عليها الخجل لا اراديا..
رغم كل شيء ما زال داخلها حياء فطري مهما حاولت أن تدفنه وتتخذ التمرد والجموح بديلا سيظهر لا اراديا في بعض الاحيان ...
حياء يزعجها وتحاول قتله تماما دون فائدة ...
ابتسم داخله بخفة قبل أن يتسائل مجددا بلهفة مقصودة :-
" ماذا قلت ...؟! هل تقبلين أن ترقصي مع شاب جذاب ولطيف مثلي ...؟!"
ترددت لوهلة ....
أرادت أن ترفض ...
تأملته بتمعن عفوي ...
كان وسيما للغاية ...
جذابا جدا ....
ابتسامته رائعة ...
لمَ لا تجرب وترقص معه ...؟!
مالذي ستخسره ...؟!
مثله مثل أي شاب قضت معه وقتا ممتعا في الفترة الآخيرة ....
" حسنا ..."
قالتها ببرود مقصود جعلته يبتسم داخله ...
تلك الصغيرة ليست سهلة على ما يبدو ....
تحمل داخلها مكرا بدائيا ...
لم يكن يحتاج أن يدرك إن عمرها صغير وإن حاولت أن تظهر أكبر سنا بوضع المكياج الثقيل ....
جذبها من كفها وراقصها ...
رقصت معه وتفاعلت تماما ...
كانا يرقصان بتناغم ...
أخذ يدور بها عدة مرات فيرتفع حماس وجنون روحها أكثر ...
شعرت بالأدرينالين يصل ذروته داخل جسمها ....
بعد لحظات توقفت الموسيقى الصاخبة وحلت محلها أخرى هادئة ليجذبها نحو صدره يراقصها وكفه يلامس كفها بينما ذراعيه تحاوطان خصرها النحيل ...
عطرها القوي تسرب الى اعماقه ...
ملمس بشرتها الناعم ضاعف من رغبته فيها ..
" ترقصين بشكل رائع ..."
تمتم بها فرفعت وجهها نحوه وقد جذب انتباهه لون عينيها الخضراوين ....
" عيناك جميلتان ..."
قالها بصدق وهو يميل بوجهه نحوها اكثر قبل أن ينحدر بسبابته فوق شفتيها فيضيف بنبرة حارة :-
" وشفتاك مهلكتان ..."
دفعته دون تردد وحركته تلك جعلتها تتشنج كليا ...
تحركت بسرعة متجهة الى طاولتها تسحب حقيبتها و تخرج منها أموالا لم تعدها فقط رمتها فوق الطاولة وغادرت سريعا يتبعها هو راكضا خلفها مناديا عليها بصوته المرتفع ..
" يا هذه ... الى اين ...؟! انتظري ..."
توقفت تلتقط انفاسها لوهلة قبل أن تستدير نحوه بملامح متماسكة تسأله باقتضاب :-
" ماذا تريد ...؟!"
تقدم نحوها يتسائل بحيرة :-
" ماذا حدث ...؟!"
هتفت ببرود ترفض أن تخبره عن سبب ضيقها وهربها المفاجئ :-
" لا شيء ... أريد المغادرة ...."
قبض على كفها يخبرها بصوت هادئ :-
" إلى أين ستغادرين ...؟! هل ستعودين الى المنزل ...؟!"
أخذت نفسا طويلا ثم رفعت وجهها نحو السماء تتأمل النجوم اللامعة بشرود مفكرة إنها لا تريد العودة الآن ...
لا تريد مقابلة شيرين وتحمل كلماتها البغيظة حتى وإن كانت تتجاهلها كليا ولا تهتم بها ...
لا تريد العودة ايضا والمكوث في سريرها فتعود تلك الأفكار وتسيطر عليها تماما حتى تجعلها عاجزة عن النوم لساعات طويلة والأهم إنها لا تريد النوم لتزورها تلك الكوابيس المعتادة ...!
" كلا ، لن أعود الى المنزل ..."
قالتها بسرعة ليبتسم مرددا :-
" أين ستذهبين إذا ...؟!"
همست بلا وعي :-
" إلى أي مكان هادئ قليلا ..."
قال بجدية وهو ما زال ممسكا بكفها :-
" لنذهب سويا ...."
نظرت الى كفه الممسك بكفها بتردد قبل أن تسأله بحيرة :-
" إلى أين ...؟؟"
" تعالي معي ولا تسألي ..."
قالها بجدية لتنظر له بتوجس فهتف مشاكسا :-
" أم تخافين ...؟!"
ردت بسرعة :-
" أنا لا أخاف من أي شيء ..."
هتف بانتصار :-
" لنذهب اذا ..."
ثم سار معها متجها نحو سيارته المركونة في كراج النادي ...!
****************
جلست جانبه في سيارته المكشوفة الحديثة لتجده ينطلق بها بسرعة عالية فأغمضت عينيها باستمتاع ونسمات الهواء الباردة قليلا تلفح وجهها وتطير شعرها ...
نظر لها مبتسما وهو يسألها :-
" هل أعجبتك سيارتي ...؟!"
أجابت بجدية بعدما فتحت عينيها :-
" نعم ..."
أكملت تتسائل :-
" أين سنذهب ... ؟! لم تخبرني بعد ...؟!"
سألها بدوره :-
" هل تشعرين بالجوع ..."
أجابت بتلقائية:-
" نعم ..."
" ما رأيك بتناول شطيرة لذيذة أمام البحر ...؟!"
هتفت بسرعة :-
" سيكون رائعا ..."
اتجه بها نحو البحر وتحديدا قرب رجل يصنع شطائر رائعة اعتاد أن يبتاعها منه ...
تركها جالسة فوق احدى المصطبات وذهب يجلب لها شطيرة ...
أعطاها شطيرتها وجلس جانبها يتناول شطيرته ليسألها بعد لحظات باهتمام :-
" هل أعجبتك الشطيرة ...؟!"
ردت بعدما ابتلعت لقمتها :-
" لذيذة ...."
قال بسرعة :-
" أنا آتي الى هنا بشكل مستمر لأتناول شطائر هذا الرجل ... "
ابتسمت مرددة :-
" إنها لذيذة حقا ..."
سألها مجددا باهتمام :-
"نحن لم نتعرف بعد ... هل تدركين ذلك ...؟!"
توقفت عن تناول لقمتها وهي تخبره :-
" أنا جيلان ... "
قال مصدوما :-
" أنت عربية ...؟!"
هتفت بدورها بدهشة :-
" أنت عربي ايضا ...."
ضحك مرددا :-
" ومن نفس البلد ..."
ابتسم ومد كفه نحوها معرفا على نفسه :-
" وأنا إيوان ...."
تطلعت له ببلاهة قبل أن تردد :-
" إيوان !!... إسمك غريب حقا ...."
هتف ضاحكا :-
" نعم هو كذلك ..."
ثم أضاف موضحا معناه :-
" إيوان يعني المكان الواسع المفتوح او غرفة واسعة لكن بلا سقف "
غمغمت بخفوت :-
"" جميل .."
سألها بفضول :-
" منذ متى وأنت تقيمين هنا ...؟!"
ردت بجدية :-
" منذ فترة ليست طويلة ولكنني كنت أعيش هنا لفترات طويلة في فترة طفولتي ..."
" لهذا تتحدثين لغتهم بطلاقة ..."
أومأت برأسها وهي تضيف :-
" وأنت كذلك تتحدث بطلاقة ..."
هتف بجدية :-
" أنا أقيم هنا منذ أعوام ... "
أضاف متسائلا من جديد :-
" هل تعيشين لوحدك أم مع عائلتك ...؟!"
ردت باقتضاب :-
" مع قريبتي ..."
هز رأسه بتفهم متوقفا عن بقية أسئلته ....
انتهى من تناول شطيرته بينما ما زالت هي تتناول شطيرتها عندما سألها بجدية :-
" هل تحبين تناول شيء ما ...؟!"
ثم نظر نحو بائع المثلجات قائلا :-
" هل تحبين المثلجات ..."
مطت شفتيها قائلة :-
" وهل يوجد أحد لا يحبها ...؟!"
سألها ضاحكا :-
" ما هي نكهتك المفضلة ...؟!"
أجابت دون تفكير :-
" الفراولة ..."
نهض قائلا :-
" سأجلب لك المثلجات بالفراولة إذا ..."
تابعته وهو يسير بصمت ...
بدا لها ليس وسيم المظهر فقط وإنما يمتلك شخصية لطيفة وسلسة ...
عادت تتجه بأنظارها نحو البحر مفكرة إن زوجة أخيها لم تتصل بها لأنها تأخرت كما كانت تفعل مسبقا قبل المواجهة الأخيرة وما فعلته بريم لكنها بالطبع تتواصل مع ريم وتخبرها بجميع ما تفعله ...
ابتسمت بتهكم وهي تفكر إن كلتيهما يليق بهما دور المربية الفاضلة لكن ليس معها هي ..
هي لم تعد جيلان الحمقاء التي يتحكم بها أي شخص ويحركها كيفما يشاء ....
أفاقت من أفكارها على صوته وهو يمد لها المثلجات :-
" تفضلي ..."
أخذت منه المثلجات وتناولتها بصمت بعدما شكرته وجلس هو بجوارها يشاركها تناول المثلجات بعدما اشترى لنفسه واحدة بطعم الليمون ....
بعد قليل قررت المغادرة فعرض عليها أن يوصلها ...
اتجه بها نحو المنطقة التي تمكث بها عندما وقف بسيارته مقابل العمارة السكنية التي توجد بها شقتها ليقول بجدية :-
" تسكنين في منطقة راقية للغاية ..."
هتفت بخفوت :-
" نعم ، هي كذلك ..."
همت بالمغادرة لكنها وجدته يقبض على ذراعها فجأة لتلتفت له بغضب تجاهله وهو يسألها ببرود :-
"" ألن تودعيني ...؟!"
" كيف أودعك مثلا ...؟!"
سألته بتهكم لتجده يميل نحو ثغرها ويهم بتقبيله لتدفعه قبل أن يصل الى شفتيها مرددة بجمود :-
" لا أحب هذا ...."
ولكنه لم يبال فهو يراها تتدلل عليه فقط ليهمس ضاحكا :-
" توقفي عن دلالك يا فتاة ..."
ثم سارع يجذبها نحوه ملتقطا شفتيها بقبلة سريعة عنيفة جعلتها تشهق برفض بديهي ...
سارعت تقاومه برفض وهي تنتفض بين ذراعيه لتنجح في دفعه بعيدا عنها أخيرا ...
صفعته دون تردد ...
صاحت بصوت حاد وملامحها الجميلة تحولت الى أخرى قاسية مخيفة في تلك اللحظة :-
" من أنت كي تلمسني رغما عني ..؟! من تظن نفسك كي تقبلني عنوة ...؟! أيها القذر الدنيء... كوني خرجت ورقصت معك فهذا لا يعني إنني سأمنحك جسدي كما تتمنى ... لا أنت ولا غيرك يمكنه لمس جسدي دون أن أريد ... هل فهمت ..؟!"
نظر لها بعدم تصديق ...
المجنونة ... صفعته ...
احتدت ملامحه مرددا :-
" ماذا فعلت. ...؟! كيف تصفعينني ...؟!"
هتفت صارخة :-
" وأقتلك أيضا إذا فكرت أن تلمسني إجبارا عني ..."
ثم رفعت إصبعها في وجهه تهتف بقوة جبارة :-
" لا أنت ولا غيرك يمكنه أن ينال مني ما يريده دون إرادتي ..."
ثم فتحت الباب وخرجت بسرعة من سيارته متجهة الى الأعلى حيث شقيقتها ...
صفعت باب الشقة خلفها بقوة واتجهت نحو غرفتها لتدلف الى الداخل وتصفع الباب خلفها بشكل جعل شيرين تنتقص في غرفتها بفزع ...
جلست فوق سريرها بملامح جامدة بينما العبرات تملأ عينيها وفي تلك اللحظة كانا هناك مشهدين يتبادلون الدور ليظهرا أمام عينيها على التوالي ...
المشهد الأول لذلك الرجل وهو ينالها رغما عنها ويسلبها عذريتها بأبشع طريقة ممكنة بينما هي خاضعة مستسلمة بين ذراعيه بلا حول ولا قوة ...
والمشهد الثاني لمن كان زوجها ونالها بنفس الطريقة دون أن يسألها حتى وهي استسلمت له بنفس الطريقة المخزية ...
انتفضت من مكانها ...
حملت بضعة أغراض و رمتها على مرآتها تصرخ بجنون :-
" لا أحد يمكنه أن يفعلها مجددا ... لا أحد سوا ينالني .. لا شيء سيحدث دون إرادتي بعد الآن ... كل شيء سيتم بقراري ... أنا من أقرر .. أنا من أرضى ... أنا من سأختار إذا ما كنت أريد قرب أحدهم أم لا ..."
****************
2
خرجت ليلى من الحمام وهي تجفف شعرها الأشقر بالمنشفة ...
جلست أمام المرآة وبدأت تسرح شعرها قبل أن تستخدم مستحضرات العناية الخاصة ببشرتها ...
انتهت من روتينها المعتاد بعد الاستحمام فنهضت متجهة نحو خزانتها تبحث عن فستان مناسب ترتديه من أجل سهرة الليلة ...
بحثت طويلا حتى استقرت على فستان أرجواني ذو قصة بسيطة للغاية متسع قليلا من الأسفل ويصل حتى أسفل ركبتيها بقليل بينما أكمامه مربعة قصيرة تغطي بداية ذراعيها ....
لم تكن من هواة هذا اللون لكنها وجدته يليق بها وأحبته على جسدها ...
عادت تجلس أمام مرآتها تجهز نفسها حيث سحرت شعرها الذي بدأت خصلاته الناعمة تستطيل قليلا وقد قررت أن تموج خصلاته بدلا من تركه منسدلا بانسيابية بطبيعته المعتادة ...
بدأت تضع المكياج وقد حرصت أن تضع القليل من ظلال العين على غير عادتها فهي عادة ما تكتفي بوضع الكحل الأسود وأحمر شفاه ذو لون فاتح للغاية لكن هذه المرة اختارت أن ترسم عينيها بظلال أسود خفيف وكحل غامق أبرز قزحيتيها العسليتين بشكل جذاب للغاية...
اختارت أيضا أن تضع حمرة شفاه ذات لون وردي مائل للون الفستان الارجواني وغامق قليلا ...
توقفت لوهلة بينما كانت تضع أحمر شفافهها لتتسائل عن آخر مرة تجهزت بها بهذه الطريقة وبكل هذا الاهتمام لأجل رجل فوجدت إنها لم تفعل ذلك منذ أعوام طويلة ...
منذ آخر موعد جمعها بنديم قبل خطبتهما ....
شعرت بغصة تحتل روحها ولم يكن نديم سبب الغصة وانما سنوات عمرها الضائعة ...!
تجاهلت أفكارها مقررة ألا تسمح لذكريات الماضي أن تعكر مزاجها ...
يكفي ما فعله الماضي بها حتى الآن ...
الماضي انتهى ولم يتبقَ منه سوى ذكريات مقيتة لا بد أن تتجاهلها كي تحيا المتبقي من عمرها بسلام ....
وضعت عطرها المفضل ذو الرائحة الناعمة ونهضت من مكانها ترتدي حذائها بكعبه المرتفع قليلا ....
عادت نحو المرآة تتأمل نفسها مجددا وتدور بفستانها أمامها فتبتسم بسعادة وهي ترى جمالها الواضح دون تكلف مبالغ فيه ....
وضعت يدها فوق قلبها وداخلها تمنت أن يكون ما تفعله صحيحا ...
أن يستحق كنان تلك الفرصة ...
أن يمنحها ما تحتاجه ويعوضها عن ماضي ما زال يؤثر بها ...
في داخلها مشاعر متضادة في تلك اللحظة ما بين حماس لرؤيته والتحدث معها و سعادة مبدئية باحتمالية دخولها مرحلة جديدة ومختلفة في حياتها وهناك في نفس الوقت خوف شديد مما ينتظرها مع كنان وترقب للمجهول الذي ينتظرها معه ...
تلك المشاعر المتضاربة باتت ترهقها كليا ورغم محاولاتها لتجاهلها وترك الأمور تسير بالمسار المحدد لها لكنها رغما عنها تعود وتفكر وتخشى ...!
تخشى من وجع جديد ...
تخشى من خذلان جديد ...
تخشى من فراق جديد ...
وتخشى من تعلق جديد ...
تنهدت بصعوبة وهي تسحب حقيبتها وتتحرك خارج غرفتها متوجهة الى صالة الجلوس حيث جلست فوق الكنبة وقررت أن تتصل بوالدتها تطمئن عليها وعلى والدها وشقيقتها وأخويها الصغيرين قبل مغادرتها مع كنان ...
أتاها صوت والدتها المرحب وهي تخبرها كم تشتاق لها وكم إن عدم وجودها ترك آثره عند الجميع ...
هي بدورها تشتاق لهم كثيرا وخاصة لوالدتها التي لطالما ربطتها بها علاقة فريدة من نوعها ....
كانت تستمع لصوت والدتها الرقيق وهي تحدثها عن حال مريم وأخويها بينما الشوق يتضخم داخلها للجميع هناك ...
تريد العودة الى أحضان عائلتها مجددا ...
تشتاق لهم بشدة ...
شعرت بالراحة بعدما اطمئنت على الجميع وأخبرت والدتها إنها ستتصل صباحا كي تتحدث مع عبد الرحمن صوتا وصورة بعدما أخبرتها والدتها إن الصغير غاضب منها لأنها لم تتصل به طوال الأيام الثلاثة السابقة ...
أخذت نفسا عميقا بعدما أغلقت الهاتف قبل أن تسأل نفسها إذا ما كان عليها العودة الآن أم الإنتظار قليلا بعد ...
رن هاتفها فسارعت تجيب كنان تخبره إنها قادمة ...
غادرت شقتها وهبطت من العمارة متجهة الى سيارته لتجده واقفا بجانب سيارته واضعا يديه في جيبي بنطاله ينتظرها بملامح متلهفة ...
توقفت لوهلة تتأمله دون أن ينتبه لها ..
كان يرتدي بنطالا أسودا فوقه قميص من نفس اللون وقد ترك زريه العلويين مفتوحين ..
بدا وسيما للغاية وجذابا بل خطير الجاذبية ...
طوله الفارع وجسده الرياضي ببشرته البرونزية اللامعة ...
ملامح وجهه شديدة الرجولية بخشونة خفيفة ...
ومجددا يذكرها بأبطال الروايات الأجنبية التي كانت تقرأها في فترات ما ...
الأبطال الايطاليين واليونانيين حيث ملامحه الخشنة الوسيمة وعينيه السوداوين الحادتين وأنفه الروماني وشفتيه الغليظتين وتلك اللحية الخفيفة ....
كان كنان مختلفا عن جميع الرجال الذين عرفتهم ....
لا يشبه والدها الأشقر ولا حتى نديم ولا أقاربها الشباب من الأب والأم ...
كانت وسامته مختلفه ورغم إن جميع شباب عائلتها كانوا وسيمين ملونين إلا إنها اعترفت داخلها إن وسامة كنان راقتها أكثر منهم ...
تحركت أخيرا بخطواتها الأنيقة لترى في عينيه إنبهار أثلج روحها وجعلها تبتسم بعذوبة سلبت كيانه تماما ...
" مساء الخير ..."
قالتها وهي تقف أمامه ليتوقف عن تأملها وهو يجيب بصوت مبحوح :-
" مساء النور ..."
أضاف وعيناه تتأملان ملامحها حسنها الطاغي :-
" تبدين ..."
توقف لوهلة ولأول مرة يجد نفسه عاجزا عن قول وصف مناسب لهذا الجمال المبهر الذي يراه أمامه ....
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
" مبهرة ... لامعة ... مشعة ..."
توردت وجنتيها وهي تتمتم بخفوت :-
" شكرا ..."
وجدته يقبض على كفها الرقيق يخبرها :-
" شمس ... أنت الشمس بنورها الطاغي المبهر يا ليلى ...."
نبض قلبها بقوة فمال جوار أذنها يضيف بأنفاس حارة لفحت جانب وجهها بشكل أرسل لها قشعريرة لذيذة :-
" ستكونين شمسي أنا يا ليلى .... "
رفعت عينيها واللتين كانتا تلمعان بقوة نحوه قائلة بهدوء :-
" ربما ...."
لم ترفض وهذا منحه أملا مضاعفا ....
أخذ نفسا عميقا مجددا ثم قال وعيناه تسيران فوق ملامحها الفاتنة :-
" لو أخبرني أحدهم ذات يوم إنني سأغرم بإحداهن الى هذه الدرجة لسخرت منه كثيرا ..."
ابتسمت برقة ليضيف وعيناه تلمعان بقوة :-
" أنت تشكلين خطرا كبيرا عليّ يا ليلى ...."
مدت يدها تضعه فوق قلبه تخبره بطريقة أثارت جنونه :-
" وأنت رجل المخاطر يا كنان ..."
وضع كفه فوق كفها وسحبه طابعا قبلة رقيقة بطيئة فوق بينما عيناه لا تفارقان وجهها ....
نطق أخيرا وعيناه ما زالتا مثبتتان عليها :-
" هل نغادر ...؟!"
أومأت برأسها فسارع يفتح الباب لها لتدلف داخل السيارة ويتجه هو الى الطرف الآخر ...
قاد سيارته متجها بها الى المطعم الذي إختاره مسبقا وحجز به طاولة لهما ...
وصلا الى المطعم ليفتح لها الباب فتهبط منه ليغلق الباب خلفها ويسير جانبها بعدما قبض على كفها بكفه ...
دلفا الى المطعم ليسحب الكرسي لها فتجلس عليه ويجلس هو قبالها ...
أتى الموظف سريعا مرحبا بهما وقد استنتجت من ترحيبه الحار بهما إن كنان زبون دائم عندهم ...
وضع قائمتي الطعام أمامهما وغادر ليسألها كنان باهتمام :-
" هل أعجبك المكان ...؟!"
هتفت بصدق :-
" إنه رائع ..."
تبادلا بعدها بضعة كلمات قبل أن يختاران ما سيتناولانه فأتى النادل مجددا ليطلبا منه ما يريدان وقد كانت ليلى تنتظر ما سيطلبه كنان من مشروب فوجدته يطلب عصيرا لتنتهد بارتياح قبل أن تخبره بعدما غادر النادل :-
" من الجيد إنك لم تطلب نبيذ كالعادة ...."
قال بخفة :-
" لإنك كنتِ ستمنعيني كالعادة ..."
سألت بتجهم :-
" هل هذا يعني إنك ما زلت تشربه ...؟!"
أجاب بصراحته المعهودة :-
" قليلا .. أساسا أنا لا أتناوله سوى في المناسبات المهمة يعني ليس دائما ولكنني أعدك إنني سأمتنع عنه تدريجيا ..."
هزت رأسها بتفهم ليسألها هو :-
" كيف يسير العمل معك ...؟!"
أخذت تخبره عن العمل وكم هو مرهق ويأخذ جزءا كبيرا من وقتها لكنها رغم ذلك هي سعيدة بما تحققه فيه بينما كان يستمع هو لها بانصات واهتمام ويرد عليها بين الحين والآخر حتى أتى النادل بالطعام والمشروب لهما ليبدئيا بتناول طعاميهما وهو مستمران في تجاذب اطراف الحديث ...
" انا سعيد بكل ما حققته حتى الآن ومتأكد بأن ما زال هناك الكثير أمامك لتحققيه ..."
ابتسمت بامتنان لاطرائه بينما أكمل متسائلا :-
" ولكن هل ستبقين في عملك هنا ...؟! "
استرسل :-
" علام تنوين بشأن القادم ...؟!"
ارتشفت قليلا من عصيرها وأخبرته :-
" لم أفكر بشيء حتى الآن ... انا سعيدة بما أنا عليه ولكن ..."
تنهدت وقالت :-
" أعتقد إن هذا لا يكفي ... يعني دائما هناك شعور بوجود شيء ناقص في حياتي .."
تأملها بصمت لتسأله بهدوء :-
" هل مللت ... ؟!"
" لا يمكنني الملل منك يا ليلى ..."
لمست الصدق في نبرته فسألته بحيرة :-
" هل تحبني لهذه الدرجة ...؟!"
ابتسم مجيبا :-
" هل تدركين معنى أن يقع رجلا لم يهتم بالعشق يوما في غرامك ...؟! هل تدركين معنى أن يتنازل رجل لا يعترف بقانون المشاعر وسلطته لأجلك ويعترف بحبه لك مرارا دون تردد ...؟! انا دائما ما كنت لأحارب لأجل السلطة ، النجاح ، المال والعائلة ... أنتِ الشخص الوحيد خارج عائلتي وحاربت لأجله ولا أعتقد سيكون هناك غيرك يوما ..."
نبضات قلبها وصلت أوجها حتى شعرت إن أصواتها خرجت الى العلن ....
ليضيف بجدية :-
" انا قبلك كنت مقررا إنني لن أمنح أي أنثى في هذا الكون سلطة على قلبي ... ليس خوفا من الحب بقدر ما هو رغبة في عدم تحكم إحداهن بي ... رغبة في ألا يكون لدي نقطة ضعف سوى عائلتي ولكن ..."
تنهد ثم قال :-
" أنت غيرتِ هذا ... غيرتِ جميع قوانيني التي قررت السير على نهجها في الارتباط ... والحقيقة إنني لست منزعجا من ذلك لإنك تستحقين ... تستحقين أن ألغي جميع قوانيني السابقة وأصنع قانونا جديدا إستثنائيا لك وحدك ... "
العاطفة التي تشكلت في عينيها كانت أبلغ من أي كلام ....
مدت كفها تلتقط كفه وكانت المرة الأولى التي تفعلها ....
احتضنت كفه بكفها الرقيق وتحدثت بصوتها الناعم
:-" إذا كنت جعلتك تتنازل عن قانونك وتمنحني السلطة على قلبك ومشاعرك .. جعلتك تتنازل وتعترف بحبك لي مرارا وأنا أيضا تنازلت يا كنان .. لست وحدك من تنازل ..."
ابتسمت مضيفة :-
" تنازلت عندما قررت أن أكون معك بعدما اتخذت قرارا نهائيا بألا يدخل أي رجل حياتي بعد ... تنازلت عن قراري بعدم الارتباط مجددا عندما وجدت نفسي أمنحك الفرصة الكاملة لتصل إليّ وتنالني كزوجة كما تريد ... "
استرسلت بصدق :-
" صدقني يا كنان ، أنت الرجل الوحيد الذي قررت أن أغادر سجن روحي لأجله ... الرجل الوحيد الذي جذبني دون إرادة وأعاد لي الرغبة في الارتباط والاستقرار والحصول على أطفال وهذا شيء ليس هينا عليّ يا كنان .. ليس هينا أبدا ..."
جذب كفها يقبله بخفة لتمنحه ابتسامة رقيقة قبل أن يسألها :-
" إذا ، هل تقبلين أن تتزوجيني ...؟! هل توافقين أن تكوني شريكة حياتي ...؟! زوجتي وحبيبتي وأما لأولادي ..."
وأمام قوة مشاعره وسلطتها لم يكن أمامها سوى القبول فلا سلطة مهما بلغت قوتها تعلو على سلطة مشاعر رجل وجد في إحداهن عشقه ودنياه ...
******************
2
نامت همسة بين ذراعيه ...
لا يصدق نفسه ...
لا يتذكر إنها فعلتها مسبقا ونامت بين ذراعيه ....
تاريخ الليلة سيظل محفورا في قلبه الى الأبد ...
لم تغادر سريره بسرعة ما إن انتهى منها كما تفعل عادة ....
لقد استقرت بين ذراعيه وغفت داخل أحضانه ....
كان شعورا مختلفا ...
شعورا لا مثيل له ...
الوصف الوحيد الذي يلائم شعوره في هذه اللحظة هو الكمال ....!
هو يكتمل بها ...
تلك حقيقة ...
مثل حقيقة كونية ثابتة لا جدال فيها ...!
تذكر ما حدث قبل نومها ...
لقد تجاوبت معه قليلا على غير العادة ...
ربما لم تتجاوب بالشكل المطلوب و الذي يتمناه ...
ربما لم تتجاوب تجاوبا منطقيا اعتياديا بين أي زوجين لكن تجاوبت بشكل ما ...
لم تنفر .. لم ترفض والأهم إنها لم تمنحه جسدها دون ردة فعل ...
لم تكن كالخشب بين ذراعيه ...
كان مذهولا بشكل لا يصدق ...
ضحك بمرارة ...
هي زوجته .. حبيبته ... وما زال لا ينال وصالها الذي يشتهيه منذ أعوام ....
أغمض عينيه وهو يستند بذقنه فوق رأسها ...
لا يريدها أن تستيقظ ...
لا يريد لهذه اللحظة أن تنتهي عند استيقاظها ...
يريدها هكذا نائمة بين ذراعيه بسلام لا مثيل له بينما يشعر هو بجسدها الملامس لجسده ...
يتنفس عطرها القريب منه ويتذوق حلاوة قرب أنفاسها من صدرها ...
عاد بذاكرته الى الخلف ...
قبل أكثر من عشرة أعوام ...
وتحديدا بعد خطبته ليسرا ...
( مر اسبوعان على خطبته ...
اسبوعان يسرا لم تتوقف فيهما عن اتصالاتها التي لا تنتهي..
اليوم اتصلت به وأصرت عليه أن يذهبان سويا الى حفل ميلاد احدى صديقاتها المقربات ...
أراد أن يرفض لكنه تراجع مفكرا إنها لا ذنب لها في تعكر مزاجه لسبب لا يخصها ....
لقد خطبها وعليه أن يستوعب ذلك ....
طوال الاسبوعين السابقين وشعور الندم يراوده بين الحين والآخر ..
يخبر نفسه إنه استعجل بهذه الخطوة ...
لكنه حسبها جيدا ...
لم يخطب يسرا فجأة لإنه أراد أن يتزوج ....
صحيح اختياره ليسرا كان اختيارا عقلانيا بنسبة مئة بالمئة فهما لم يجمع بينهما أي نوع من العاطفة ...
علاقتهما كانت عملية بشكل بحت وهذا كان يرضي كليهما وتحديدا هو ....
حتى قرار زواجه أتى رغبة منه في الاستقرار والحصول على زوجة لائقة تمثل له واجهة اجتماعية مثالية وتنجب له وريثا كما يتمنى ...
اتخذ قرار الزواج بعدما وجد نفسه يكمل عامه السابعة والعشرين وحينها كانت يسرا بالنسبة له الدرجة المناسبة والتي تليق به ...
فهي جميلة ومثقفة ولديها عملها الخاص ...
قوية للغاية و ذكية بشدة وفوق كل هذا ابنة خاله ويعرفها جيدا ويعرف إنه سيكون الرجل الاول في حياتها ...
كل هذا جعل يسرا الفتاة المناسبة لهذا الدور لذا خطبها وهو على ثقة تامة انها ستوافق على الفور كونه يدرك إنها معجبة به منذ زمن ...
وها قد حدث ما أراد وخطبها ولكنه ليس سعيد ... وليس مرتاحا ... أبدا ...
نهض من فوق مكتبه بعدما أنهى عمله أخيرا مقررا العودة الى القصر ليأخذ حماما سريعا ويغير ملابسه استعدادا للذهاب مع يسرا الى حفل عيد الميلاد ....
وهناك سارع يأخذ حمامه ويرتدي ملابسه قبل أن يتحرك متوجها خارج القصر عندما مر من جانب جناحها فتوقف لوهلة وقد جذبته تلك الأصوات المنبعثة من غرفتها ...
توقف يستمع الى صوت الموسيقى قبل أن يظهر صوت المغنية والتي يتذكر إنه سمع صوتها مسبقا فهي مغنية لبنانية شهيرة على ما يتذكر ...
بينما في الداخل كانت همسة ممددة فوق سريرها مغمضة عينيها وتستمع الى صوت إليسا منبعثا في المكان ...
إحساسها الذي يسحرها كليا ويجعلها تشعر وكأنها تحيا قصة حب ...!
( احترت اشكي ولا احكي ولا ابكي من فرحتي
من شوقي ليك ..
+
يا احلى دنيا عشتها في الكون بحاله
في عينيك ليالي عشقتها اول ما ماله
كلمه يا عمري قلتها لحظة لقانا معرفش
قلبي لما شافك ايه جراله ..
+
طول عمري خايفه احب واعشق زي كل الناس
لاني ما املكش في حياتي غير حبة الاحساس
شفتك ملكت كل شيء فيه بثواني علمت قلبي
ازاي يحب ويعرف الاخلاص )
+
تجمدت ملامحه كليا ورغما عنه تذكر براء ...
هل يعقل إنها تعنيه بتلك الكلمات ....؟!
هل اختارت هذه الاغنية تحديدا لإنها تعبر عن مشاعرها نحوه ...؟!
ولم يكن يعلم حينها إن همسة كانت تعيش كلمات الاغنية مع حبيبها الخيالي الذي لا وجود على ارض الواقع ...
حبيبها الذي تتمنى أن يظهر يوما ويأخذها عنده لتحيا معه أجمل قصة حب تشبه قصة والديها الراحلين ....
نفض تلك الأفكار من رأسه وهو يخبر نفسه إن همسة لا تفكر في براء ...
كان واضحا عليها ذلك ولو كانت تفكر به او تحبه كان حتما سيشعر بذلك ....
عاد مجددا يستمع الى باقي الاغنية قبل أن يبتسم بسخرية مرددا :-
" وماذا بعد يا همسة هانم ...؟! عشق وشوق وأحلى دنيا عشتيها ... وماذا أيضا ...؟!"
ثم تحرك بتجهم خارج المكان دون أن يعلم إن كلمات الأغنية طبعت في عقله حتى إنه عندما جاورته يسرا في سيارته وطلبت منه أن يفتح لهما شيئا وجد نفسه يشغل هذه الأغنية بلا وعي عندما هتفت يسرا بضيق :-
" لا أحب العربي ... افتح لنا شيئا غربيا ..."
ثم أكملت باستغراب :-
" لم أكن أعلم إنك تسمع الأغاني العربية ...؟!"
لكنه رد بلا مبالاة :-
" إنها أغنية جميلة وصوت المطربة جميل أيضا ...."
ثم استمر في قيادته دون أن يلتفت لها بينما بقيت هي ترمقه بذهول غير مصدقة إنه تجاهل طلبها بتبديل الاغنية ....
********************
دلفا الى حفل عيد الميلاد ويسرا تتأبط ذراعه عندما أقبلت صديقتها ترحب بهما بسعادة ...
لم يكن يعرف صديقتها تلك رغم إنه واثق من تواجدها في المناسبات الخاصة بيسرا والتي كان يحضرها كونه فردا من العائلة ....
جلسا على احدى الطاولات وأخذ البعض يتقدم لتحيته ويسرا تجلس جواره بتفاخر تتابع الحفل بترفع يليق بها ....
مرت حوالي نصف ساعة والملل سيطر عليه تماما عندما وجدها تطلب منه أن يرقصان فلم يشأ أن يحرجها ...
اتجه بها نحو ساحة الرقص ليرقصان سويا على إحدى انواع الموسيقى الهادئة الكلاسيكية لتهتف يسرا مبتسمة :-
" أنا سعيدة حقا يا راغب .... سعيدة إنني معك ..."
ابتسم بتصنع لتسأله بشك :-
" ألست سعيدا معي يا راغب ...؟!"
رد بجدية :-
" ما زال الوقت مبكرا على تحديد ذلك ..."
تجهمت ملامحها وهي تسأله مجددا :-
" كيف يعني ...؟!"
قال بتعقل :-
" لم يمر على خطبتنا سوى اسبوعين .... نحتاج الى أن نعرف بعضنا بشكل كافي لندرك اذا ما كنا سنحصل على السعادة بوجودنا سويا أم لا ...؟!"
أضاف وهو يلاحظ الضيق الذي ملأ ملامح وجهها :-
" أنا أتحدث بصراحة فقط ...."
هزت رأسها بجمود وسحبت كفها من فوق ذراعه ببطأ وهي تقول :-
" دعنا نعود الى طاولتنا ...."
زفر أنفاسه بملل وسار خلفها ليجلسان مجددا عندما وجدها تعود الى طبيعتها بسرعة حيث توزع ابتسامتها الأبية هنا وهناك وتتبادل الأحاديث مع بعض معارفها ...
ابتسم بسخرية داخله مفكرا إنها لن تسمح لأي شخص أن يشعر إنها حزينة او معكرة المزاج ورغم كونه واثق من كونها غاضبة منه بشدة بعد ما قاله لكنها لن تظهر ذلك أمام أي شخص مهما كان ....
هو بدوره اضطر أن يجامل بعض من جلسوا يتحدثون معه فتبادل معهم الحديث على مضض حتى أتى شاب يعرفه جيدا فهو يكون ابن خالة يسرا ليتفاجئ بيسرا تنهض وتحييه بينما يقبلها هو من وجنتيها ...
احتدت ملامحه برفض صريح فكيف له أن يقبل زوجته وكيف لها أن تقبل بذلك ...؟!
ألا تعلم الغبية إنها باتت على ذمته ولا يمكنها أن تتصرف هكذا ...؟!
وجد قريبها يتجه ببصره نحوه يحييه فرد تحيته باقتضاب واضح وهو ينهض من مكانها مشيرا اليها بتجهم :-
" علينا أن نغادر ..."
هتفت بجدية :-
"" لم تمر ساعة على قدومنا ..."
هتف بجمود :-
" لدي أعمال كثيرة غدا ..."
لم تستطع أن ترفض وهي ترى ذلك الجمود الشديد يغلف ملامحه فقالت بسرعة :-
" حسنا ولكن لأعطي صديقتي هديتها ..."
تحرك معها على مضض عندما منحت يسرا صديقتها هديتها والتي كانت عبارة عن خاتم ماسي ثمين للغاية ثم تحركا خارج المكان عندما جلست يسرا جواره في السيارة متسائلة بضيق :-
" لماذا فعلت هذا يا راغب ...؟! لماذا أجبرتني على المغادرة سريعا ...؟!"
سألها بنبرة قوية متجاهلا حديثها :-
" كيف تسمحين لابن خالتك أن يقبلك ...؟!"
تطلعت له بدهشة وهي لا تصدق إن هذا سبب غضبه ...
" هل غضبت بسبب هذا ...؟! حقا ...؟!"
سألته بعدم تصديق وهي تضيف :-
" إنه ابن خالتي ونحن معتادون على ذلك .."
استدار نحوها يصيح بها :-
" هذا قبل خطبتنا يا هانم ... زوجتي لا تتبادل القبلات مع الشباب أيا كانت صلة قرابتها بهم ..."
هتفت ساخرة :-
" أنت تبالغ حقا ...."
ثم أضافت وهي تبتسم بخفة :-
" حبيبي أنا أتفهم غيرتك عليّ .... ولكن صدقني ..."
قاطعها بصرامة :-
" لا يوجد لكن ... لا يوجد هكذا سلام بينك وبين أي شخص بعد الآن يا يسرا ...."
أرادت أن ترفض لكنها تراجعت وهي تفكر إنه غاضب بشدة والجدال معه لن يجدي نفعا ...
" حسنا... كما تريد ..."
قالها بخضوع مصطنع وهي تخبر نفسها إنها ستعرف كيف تروض هذا الجانب منه فيما بعد فهي تكره الرجل المتحكم الغيور للغاية ولكنها ستتحمل لفترة ما حتى تعيد تشكيله وتشكيل أفكاره من جديد ...
راغب يستحق أن تحاول من أجله مرارا وتكرارا ...
قالت محاولة إذابة الجليد بينهما :-
" هل تغار علي يا راغب ...؟!"
تمتم ببرود :-
" أنت خطيبتي بل شرعا زوجتي ايضا ... تحملين اسمي يا هانم ... يعني من الطبيعي أن أغار عليك وأرفض تصرفاتك الغير مقبولة كما أفعل مع شقيقتي توليب ..."
اتسعت عيناه مرددة بذهول :-
" شقيقتك ... هل تراني مثل شقيقتك ...؟!"
بينما استوعب هو ما نطق به والذي لم يكن مقصودا بالمعنى الحرفي ...
ولكن بالفعل غيرته نحوها مقرونة بحملها لاسمه ليس أكثر ...
غيرة رجل على أي إمرأة تنتمي اليه ....
" هل تعي ما تقوله يا راغب ..؟! كيف يعني مثل شقيقتك ...؟!لم يتبقَ سوى أن تخبرني إنك تحبني كما تحب شقيقتك ...!"
أوقف سيارته جانبا واستدار نحوها يهتف بحدة :-
" ماذا جرى يا يسرا ...؟! ما الخطأ الذي قلته ...؟! أنت تبالغين ..."
أكمل بعدها عن قصد :-
" وعموما ستكونين محظوظة إن أحببتك يوما كما أحب شقيقتي توليب حاليا ..."
اشتعلت عيناها تماما ليتجاهلها معاودا إدارة مقود سيارته متجها بها الى منزلها ...
******************
عاد الى القصر متجهما تماما ...
وجد والديه مجتمعين في صالة الجلوس مع عمه الذي عاد من البلاد منذ فترة وأتى ليتناول العشاء مع العائلة ...
حيا عمه بحراره ثم مال نحو جيلان التي تجلس بجانب عمه بسكون يرحب بها وهو يبتسم لها ويربت فوق شعرها بود ....
سأل عن زوجة عمه التي لم تأتِ مع عمه كعادتها ثم استأذن خارجا من المكان عندما وجد شقيقه راجي في وجهه وعلى ما يبدو ينوي الخروج ...
سأله باهتمام :-
" الى اين ...؟!"
هتف راجي بجدية :-
" الى النادي .. سأقضي القليل مع الوقت مع الشباب ..."
هتف راغب ممازحا :-
" منذ تخرجك وأصبحنا لا نراك في المنزل ... "
هتف راجي مرتاحا :-
" الحياة دون دراسة جميلة يا شقيقي .. لا يمكنني إنكار ذلك ...."
أضاف بجدية :-
" ما رأيك أن تأتي معي ..."
قال راغب بسرعة :-
" للأسف لا استطيع ... فأنا متعب للغاية ..."
ودعه راجي وودع والديه عمه وخرج بينما طلب راغب من احدى الخادمات اعداد القهوة له لتأتي بها الى الحديقة حيث خرج هو هناك ليجد كلا من مهند وفيصل وهالة وتوليب يلعبون كرة القدم ....
وقد شكل الشابين فريقا ضد الفتاتين ...
جذبت انتباهه وهي تجلس على احد الكراسي الموجودة امام الطاولة الموضوعة في الحديقة تقرأ كتابا ما وترتشف معه مشروبا دافئا ....
تقدم نحو الطاولة وسحب كرسيا له لترفع وجهها لا اراديا فتراه يجلس على الطرف الآخر من الطاولة فتعاود خفض عينيها مجددا نحو الكتاب لتغرق فيه كليا متناسية ما يدور حولها ....
تقدمت الخادمة نحوه بعد لحظات وجيلان تسير جانبها على استيحاء لتضع القهوة امامه وهي تسأله اذا ما كان يريد شيئا آخرا قبل أن تأخذ جيلان نحو الارجوحة وتلاعبها ....
أخذ يرتشف قهوته وهو يلتفت نحوها بين لحظة وأخرى فيجدها غارقة كليا في كتابها والذي عندما دقق النظر فيه وجده رواية من النوع الرومانسي على ما يبدو ...
ابتسم ساخرا قبل أن تتجه أنظاره نحو جيلان حيث الخادمة تهز الأرجوحة والأخيرة تبتسم بفرح ...
لحظات ونشب شجارا بين مهند وفيصل وتوليب وهالة وعلا صوت الصياح وخاصة صوت مهند الذي انفعل كعادته فنهض راغب من مكانه يصيح بحدة :-
" ماذا يحدث هنا ...؟!"
هتفت هالة منفعلة :-
" إنهم يغشون يا راغب ...."
صاح فيصل معترضا :-
" ما هذه الحماقة ...؟! "
" بلى ، أنتما تغشان ..."
قالها توليب مؤيدة هالة ليصيح مهند :-
" لم يتبقى سواكما ليعلمنا قوانين كرة القدم ..."
سألته هالة وهي تحيط خصرها يكفيها :-
" ماذا تعني ...؟!"
رد مهند ببرود :-
" يعني أنتِ بلهاء وهي كذلك ... كلتاكما لا تفهمان شيئا بكرة القدم ... ألا يكفي إننا تنازلنا ولعبنا معكما ..."
" أنا بلهاء أيها الأرعن ..."
قالتها هالة وهي تهم بالانقضاض عليه عندما وقف راغب في وجهها يهدر بها :
" ماذا تفعلين يا هالة ...؟!"
صاحت هالة بشراسة :-
" اتركني يا راغب .. دعني أضربه هذا المتخلف ..."
" أنا متخلف ..."
قالها مهند بغضب وقد تمكن الانفعال منه كالعادة ليركض بسرعة نحو حجارة قريبة منه ويسارع بحملها ورميها اتجاه هالة التي نجحت في تفاديها لتكون الحجارة من نصيب جيلان ....
صرخت الفتاة باكية بينما اتسعت عينا مهند بعدم تصديق عندما ركض كلا من راغب وتوليب وهالة وكذلك همسة التي نهضت من مكانها مسرعة تتجه نحو الطفلة المسكينة ....
تبعهما فيصل راكضا وكذلك مهند بعدما أفاق من صدمته ...
جذب راغب الطفلة نحوه يطمأن عليها ليجد إن الحجارة لم تسبب سوى جرح صغير للغاية في جبين جيلان التي انفجرت في البكاء بطريقة مخيفة ...
سارعت همسة تنحني نحوها تحاول تهدئتها بينما ركضت هالة تجلب القطن والمعقم ولاصق الجروح ...
بدأت جيلان تهدأ أخيرا بينما حمد راغب ربه إن الجرح كان سطحيا خفيفا وإلا كيف كانوا سيبررون ما حدث لعمه ...
أتت هالة بالقطن والمعقم ولاصق الجروح لتأخذه همسة بسرعة وتبدأ بتعقيم الجرح بينما رمق راغب شقيقه مهند بنظرات نارية جعلت الأخير يخفض رأسه بوجل ...
عاد يتابع همسة التي وضعت اللاصق فوق الجرح وابتسمت لجيلان مرددة بحنو :-
" ها قد انتهينا ... لا تبكي حسنا ..."
أومأت جيلان برأسها بينما وجهها الأحمر وشفتيها المقوستين نحو الأسفل جعلا مهند يشعر بتأنيب الضمير فتقدم نحوها ومال اتجاهها حتى بات في مستواها وهو يخبرها :-
" أنا آسف يا صغيرة ... لم أكن أقصد أن أؤذيك ..."
تأملته جيلان بعينيها الدامعتين لوهلة قبل أن تصفعه بكفها الصغير على وجهه وهي تصيح به بنبرة طفولية غاضبة :-
" أحمق ..."
اشتعلت عينا مهند بغضب مخيف فانكمشت الفتاة داخل احضان همسة بسرعة بينما انطلقت ضحكات فيصل عاليا ليصرخ مهند بها :-
" أنت حقا فتاة بلا تربية ...."
انفجرت جيلان باكية لتحملها همسة وهي تخبره مؤنبة :-
" ماذا تفعل يا مهند ... إنها فتاة صغيرة لا تعي ما تقوله ..."
ثم تحركت بها بعيدا عن هذا التجمع ليجذب راغب مهند من ذراعه يهتف من بين أسنانه :-
" ماذا جرى لك ...؟! هل جننت ...؟!"
" لقد جن تماما ..."
قالتها هالة بحنق لتشهق وهي تراه يركض نحو حجارة اخرى يحملها اتجاهها وهو يصرخ بغضب :-
" أيتها الحمقاء الغبية .. انظري ما حدث بسببك لسانك الطويل ...."
وبالطبع لم تصمت هالة فأخذت تشتمه وهي تركض نحوه وتضربه بشراسة وتوليب وفيصل بينهما حتى صدحت صرخة راغب في المكان فجعلتهم يتوقفون في نفس اللحظة عما كانوا يفعلونه عندما قال راغب بصوت صارم :-
" كلا منكم سيغادر حالا الى جناحه ولن يخرج منه حتى صباح يوم الغد وإلا ..."
وقبل أن يكمل كلامه كان الأربعة يركضون بسرعة البرق منفذين ما قاله بينما استدار راغب نحو همسة ليجدها تحمل الصغيرة التي تراقب ما يحدث بذهول ليتقدم نحوها وهو يبتسم لها بتروي قبل أن يحملها من ذراع همسة وهو يخبرها :-
" هل أعجبك ما حدث ...؟! سأعاقبهم جميعهم لأجلك ..."
هتفت بسعادة :-
" نعم عاقبهم ... واضرب ذلك الأحمق ..."
ضحك راغب لا اراديا على طريقتها اللذيذة وهي تتحدث بينما تابعته همسة ببلاهة غير مصدقة طريقة تعامله مع الصغيرة بهذه الطريقة اللطيفة ليتأمل نظراتها المذهولة تلك ويسألها :
" هل هناك مشكلة ...؟!"
هزت رأسها نفيا ليقول بعدما نظر نحو روايتها :-
" قاطعوك ولم يسمحوا بك باكمال قراءة روايتك ..."
قالت بسرعة :-
" سأكمل قرائتها في غرفتي ... أساسا قاربت على الانتهاء منها ..."
" ما نوعها ..؟!"
سألها مراوغا لتهتف بوجنتين متوردتين:-
" رومانسية ..."
هز رأسه دون رد عندما نظر اتجاه قهوته التي بردت ليهتف :-
" يقولون إنك تجيدين اعداد القهوة ...!"
أومأت برأسها دون رد لتجده يعطيها جيلان وهو يقول :-
" اذهبي بجيلان عند عمي ثم أعدي لي فنجانا من القهوة وهاتيه في المكتب ...!"
أخذت جيلان منه لتجده يميل نحوها هامسا :
" أحبها سادة بلا نقطة سكر ..."
هزت رأسها بصمت ثم تحركت سريعا تنفذ ما قاله لتدلف بعدها الى المكتب وهي تحمل صينية تحمل بها فنجانا من القهوة وقدحا من الماء البارد ...
وضعت الصينية أمامه وهي تهمس :-
" تفضل ...."
تأملها لوهلة قبل أن يسحب الفنجان ويرتشف منه قليلا ليومأ برأسه وهو يقول بصدق :-
" أنت بالفعل تجيدين اعدادها ...."
أكمل مبتسما برزانة :-
" سلمت يداك ..."
" العفو ... "
ثم تحركت خارج المكان يتابعها هو بعينيه حتى أغلقت الباب خلفها ليطلق تنهيدة طويلة قبل أن يرتشف مجددا من قهوتها التي أعجبته بطريقة غير عادية وعلى ما يبدو إن كل شيء يخص همسة أو يأتي منها ينال اعجابه بشكل لا مثيل له ...
***************************
+
في صباح اليوم التالي ...
غادر غرفته هابطا الى الطابق السفلي حيث كان كلا من والده وزوجته يتناولان طعام الإفطار ...
ألقى تحية الصباح وجلس مكانه يشاركهما تناول الطعام بينما عقله شاردا تماما في تلك التي رآها مساءا البارحة ...
أروى الخولي ... الطبيبة الخجولة كما وصفها ...
كانت متوسطة الجمال ...
خجولة كما هو واضح ...
قليلة الكلام أيضا ....
لم يغب عنه ضيقها من تصرف قريبتها ....
لم يغب عنه توترتها وارتباكها طوال فترة وجوده معهم ...
تذكر ملامحها حيث بشرتها السمراء وعينيها السوداوين وشعرها الأسود الأملس وجسدها الرشيق ...
بدت متحفظة للغاية ...
هادئة جدا ...
مواصفات تناسبه تماما ...
المواصفات التي يبحث عنها ...
لم يكن يريد الذهاب الى ذلك الحفل لكن بعدما حدث تأكد إن ذهابه كان في محله فهو وجد هناك ما يبحث عنه ....
وجد الفتاة التي يريدها على الشكل الذي يريدهه ...
فتاة عادية للغاية لا تحمل مواصفات قد تزعجه من دلال أنثوي ممل أو جرأة سخيفة و انطلاق لا يروقه...
شخصيتها ليست قوية كما هو واضح ...
هو لديه خبرة في النساء عموما ويستطيع تمييز شخصية كل أنثى يراها بسهولة ....
أفاق من أفكاره على صوت شقيقته وهي تتقدم نحوهم بمرح ملقية تحية الصباح ...
مالت حنين نحو والدها تقبله ثم جاورت والدتها في جلوسها بينما يجلس هو جانب والده على الطرف الآخر ...
بدأت تتناول طعامها عندما سألها والدها بجدية :-
" هل فكرت جيدا في قرار تحويلك الى قسم آخر ..؟!"
قالت حنين بجدية :-
" نعم يا بابا ... لم يعجبني قسمي الحالي ..."
قال أشوف بجدية :-
" أنت تعرفين إنني لن أمانع ولن أقف في وجه اختيارك ولكن نصيحة يا ابنتي ... راجعي نفسك مجددا ... لا تتعجلي في قرارك فما زال هناك وقت على العام الجديد ...."
" حسنا بابا ... أعدك إنني سأفكر مجددا ..."
قالتها بجدية ليبتسم والدها لها عندما قال نضال بجدية :-
" لماذا لا تدخلين الهندسة ...؟! وسيكون أفضل لو درستها في الخارج ..."
هتفت ممازحة :-
" وأختار دراسة نفس تخصصك كي أعمل معك في الشركة ..."
قال نضال ببساطة :-
" إذا وجدته مناسبا فلم لا ... ؟! ولا تقلقي سأحجز لك مكانا في شركتي منذ الآن ..."
ابتسمت حنين بسعادة وهي لا تصدق إن نضال بات يتحدث معها ويعطي رأيه بشؤونها ويهتم لأمرها ...
والدها الآخر كان سعيدا بهذا التغيير وقد شعرت أحلام بذلك فمنحته ابتسامة داعمة ....
في الحقيقة أحلام نفسها كانت سعيدة فهي لطالما تمنت أن يعامل نضال صغيرتها بمحبة وأن يكون أخا لها فحنين تحتاج لوجود أخيها الكبير جانبها دائما وهي مثلها مثل أي أم تخشى على صغيرتها من البقاء وحيدة بعد عمر طويل دون أخ يسندها ....
قال أشرف مشيرا الى حنين :-
" لماذا لا تدرسين في أمريكا ... "
أضاف بعفوية :-
" يمكنك أن تدرسي هندسة الاتصلات كما فعل ابن عمك ... تخصص مهم ورائج حاليا ...."
نبض قلبها لا إراديا ما إن جلب والدها سيرته بينما تجهمت ملامح نضال بانزعاج من جلب سيرة كرم أمام حنين ....
حنين التي على ما يبدو مغرمة حقا بكرم الذي لا يراها من الأساس ...
سمع والده يضيف بفرحة :-
" صحيح ، كرم سيخطب قريبا ...."
اتسعت عينا حنين بعدم تصديق ...
سيخطب وبهذه السرعة ....
تراكمت العبرات داخل عينيها حتى إنها سارعت وأخفضت وجهها نحو صحنها وهي تعض على شفتيها بقوة تحاول كتم شهقاتها التي ستظهر وتفضحها امام والديها ....
لم ينتبه والديها لها حيث كانا يتحدثان عن كرم والفتاة التي سيخطبها ...
نضال وحده من كان ينظر لها دون أن يستطيع إحادة بصره عنها ...
أما هي فكانت تريد النهوض لكن تخشى أن يفهموا سبب نهوضها المفاجئ في هذا التوقيت ...
هتف نضال بجدية :-
" حنين ... تعالي لأريك شيئا سيعجبك كثيرا ...."
رفعت حنين عينيها المليئتين بالعبرات نحوه بلهفة آلمته ليقول بسرعة وهو ينهض من مكانه :-
" تعالي هيا ..."
قفزت من فوق كرسيها وسارعت تتحرك بعيدا يتبعها نضال تاركا والده وزوجته يتابعان ما يحدث بعدهم فهم ...
اندفعت حنين نحو غرفتها وأغلقت الباب خلفها بسرعة ...
اتجهت نحو سريرها وسمحت لنفسها أخيرا بالبكاء ....
أخذت تبكي بصمت ...
تبكي حبها الضائع ..
تبكي مشاعرها التي لم ترَ النور ...
تبكي قلبها المملوك لمن لا يراها ....
لمَ أحبته ...؟!
لمَ تعلق قلبها به ...؟!
لماذا ...؟!
ضربت المخدة بقبضتيها بعنف وهي تلوم نفسها ...
لكن علام تلومها بالضبط ..؟!
على مشاعر بريئة نبتت في قلبها فطريا دون تدخل منها ...
على حب زرعه الله في قلبها ...
نعم هي أيقنت منذ زمن إنه لا يراها ...
فهمت إنه ليس لها ...
لم تتأمل أن يكون لها أبدا...
لم تعشم نفسها بشيء مستحيل لكنها رغم هذا لا تستطيع منع نفسها من التألم حتى وإن سبق وهيأت نفسها لسماع خبر زواجه منذ أن رأته مع تلك الفتاة ....
لا تستطيع أن تمحي وجع روحها وأنين قلبها ..
احتضنت مخدتها وتمددت فوق سريرها ودموع القهر تغرق وجنتيها حتى سمعت صوت طرقات على باب غرفتها يتبعها صوت نضال وهو يردد :-
" ماذا تفعلين يا حنين ...؟! هل أنت بخير ...؟!"
لم تجبه فزاد من قوة طرقاته وهو يهتف بضيق :-
" أريد رؤيتك ... سأدخل ...."
اعتدلت في جلستها لا اراديا عندما وجدته يفتح الباب ويقتحم ليتأمل وجهها الباكي بعدم رضا ....
زفر أنفاسه وهو يسحب منديلا ورقيا ويمده لها وهو يأمرها :-
" امسحي دموعك ..."
جذبت المنديل وأخذت تمسح دموعها عندما شعرت بغصة جديدة تتحكم فيها فعادت تبكي مجددا ليتنهد بصمت وهو يجلس جانبها تاركا إياها تبكي كما تريد ..
سألها بعد مدة :-
" هل انتهيت ...؟!"
همست بصوت ضعيف :-
" أنا آسفة ...."
ثم أخذت تكفكف دموعها بالمنديل عندما نهض من مكانه وجلب علبة المناديل ووضعها جانبها لتأخذ بعضا من المنادل وتمسح وجهها وأنفها قبل أن تهمس بخفوت :-
" نضال أنا ..."
قاطعها بصلابة :-
" لا يستحق دموعك ..."
نظرت له وقد عادت الدموع تترقرق داخل عينيه فأكمل بثبات :-
" لا أحد في هذا الكون يستحق دموعك ...."
ثم قبض على كتفيها يدير وجهها كاملا نحوه ..
ينظر في عينيها بقوة وهو يخبرها بقوة :-
" لا تكوني ضعيفة يا حنين كي لا يأكلك البشر ...."
" انا لست ضعيفة ..."
قالتها بصوتها المبحوح قبل أن تضيف ببؤس :-
" أنا فقط أحبه ..."
" حب من طرف واحد لا يستحق أن يعيش ..."
قالها بثبات وهو يضيف :-
" اقتليه ... اقتلي حبك يا حنين .. اقتلي مشاعرك نحوه ...."
" حاولت ... والله حاولت ..."
قالتها بصدق وهي تضيف ودموعها عادت تغرق وجنتيها :-
" منذ عامين وأنا أحاول ... عندما رأيته مع حبيبته أدركت إنه ليس لي .... ورغم ذلك فشلت في نسيانه ... فشلت في تجاوز مشاعري نحوه ...."
أكملت تفيض بمكنونات قلبها :-
" في ذلك اليوم .. يوم زفاف نانسي ... عندما رأيته معها ... رأيته كيف ينظر لها وكيف يبتسم لها وكيف هو غارقا فيها أدركت إنه عاشق وإنه لا مكان لي في حياته فتفهمت ذلك ورضيت بقدري ... "
ابتسمت بمرارة وهي تضيف :-
" كرم كان حلما ... حلما جميلا ... حلما تمنيته لسنوات ... سرا أخفيته داخلي بين جنبات قلبي ولم أفصح عنه لأقرب الناس ... أنا حتى لا أعلم متى وكيف أحببته ولم أحببته لهذه الدرجة ...؟! أنا فجأة وجدت نفسي أحبه .. عاشقة له ... ورغم سفره الطويل لكن مشاعري لم تتغير بل كانت تزداد مع مرور الاعوام ...."
مسحت وجهها يكفيها ثم أكملت :-
" كنت أتابعه يوميا ... أنتظر كل تحديث له على موقعه الالكتروني ... أنتظر بلهفة موعد اتصاله بوالدي .... أتمنى لو يفعلها مرة ويسأله عني ويرسل سلاما مخصوصا لي لكنه لم يفعل ... لم يسأل .. لم يهتم ... لم يرني حتى ...."
نطقت كلماتها الأخيرة بانفعال باكي و تساقطت دموعها من جديد بينما نضال يتابعها بملامح واجمة وقلبه لأول مرة منذ زمن يتألم لأجل أحد ...
عادت تمسح دموعها ثم أخذت أنفاسها قبل أن تضيف :-
" حتى أتى يوم الزفاف وعرفت بعشقه لأخرى .. حينها فهمت إنه خط النهاية لمشاعري ... وبالفعل قررت نسيانه ... حظرت جميع حساباته من على مواقع التواصل الاجتماعي ... كنت أتهرب من سيرته ....وإذا صادف وجودي مع اتصاله بوالدي كنت أنهض بسرعة ... تعمدت ألا أعرف عنه أي شيء ولا أراه ولا أسمه اسمه حتى... ظننت إنني سأنساه عندما أتصرف هكذا ... ظننت إنني سأتخلص من مشاعري نحوه لكنني فشلت .. فشلت في التوقف عن حبه .. فشلت في نسيانه .. بعد عامين كاملين من المحاولات فشلت ... "
جذبها نحو صدره يعانقها فتنتحب بشدة داخل أحضانه ...
ابتعدت من بين احضانه بعدها وسألته بوجهها الباكي :-
" كيف أتخلص من حبه يا نضال ...؟! كيف أنساه ...؟! كيف لا أتألم بسببه ...؟! أخبرني ..."
احتضن نضال وجهها بين كفيه يخبرها بجدية :-
" سوف تنسينه ... لا بد أن تفعلي .... سيمر يا حنين ... هذه الأيام الصعبة ستمر ... مشاعرك نحو ستمر ... أنت الآن منهارة ولكن بعد قليل سوف تهدئين .. عندما سمعت خبر خطوبته انهرت بهذه الطريقة لإن الأمر ما زال في بدايته والخبر كان وقعه صادما عليك ..."
قاطعته بألم :
" ليس صادما .. أنا كنت أنتظره أصلا ... كنت أعلم إنه سيخطبها .. كان هذا واضحا ...."
" انا معك يا حنين ..."
قالها نضال بجدية وهو يضيف :-
" سأكون دائما معك وجانبك فقط كوني قوية وتحاملي على نفسك حتى تتجاوزي مشاعرك هذه ... حسنا ...."
اندست بين أحضانه مجددا تغمض عينيها بأسى بينما تشعر بقلبها يتمزق داخل أضلعها ...
************************
انتهت نغم من جولتها على مرضاها عندما قررت التوجه الى الكافيتريا لتناول شيء ما ....
وصلت الى هناك وطلبت مشروبها المفضل ثم تحركت تبحث عن طاولة تجلس عليها عندما رأت أروى تجلس بمفردها على احدى الطاولات تتناول مشروبا ما ...
تقدمت نحوها مبتسمة لترفع أروى وجهها نحوها فتبتسم بهدوئها المعتاد لتسألها نغم بجدية :-
" هل يمكنني الجلوس معك ...؟!"
قالت أروى بسرعة :-
" بالطبع ، تفضلي ..."
جلست نغم قبالها وأخذت تتحدث معها وتسألها عن رأيها في المشفى هنا وعن المرضى وبضعة أحاديث عادية عندما قالت بعدها وهي ترتشف القليل من قهوتها البيضاء :-
" تبدين مجتهدة جدا وذكية جدا ..."
هتفت أروى بهدوء :-
" شكرا يا نغم ... "
أضافت نغم بجدية :-
" كما إنك تمتلكين شخصية جريئة لدرجة إنك اخترت الجراحة العامة ..."
ضحكت أروى لا اراديا قبل أن تتحول ضحكاتها الى مرارة ملأت حلقها وهي تتذكر إن سبب اختيارها هدا التخصص هو شريف الذي جعلها تحب الجراحة العامة وتتعلق بها من خلال حديثه واهتمامه بهذا التخصص ...
" ماذا هناك..؟! هل قلت شيئا خاطئا ..؟!"
سألتها نغم بقلق بعدما وجدت عيناه تغيمان بنظرة حزينة لتهز أروى رأسها نفيا بسرعة وهي تقول مبررة :-
" أبدا .. يعني فقط تذكرت شخصا ما له علاقة بحديثك ... "
هتفت نغم بجدية :-
" تذكرت حبيبك ...؟!"
هتفت أروى بذهول :-
" نعم ...!"
قالت اروى مبتسمة :-
" هذه النظرة التي في عينيك هي نظرة عاشقة متألمة ...."
تنهدت مضيفة :-
" أنا أعرف هذه النظرة جيدا ... أعرفها أكثر من أي شخص ..."
ابتلعت أروى ريقها بارتباك قبل أن تقول بضيق خفي :-
" لا يوجد شيء كهذا ... "
هتفت نغم بسرعة :-
" ماذا حدث يا أروى ...؟! ما الخطأ فيما قلته ...؟! "
" ليس خطئا ولكن ..."
توقفت عن قول المزيد لتبتسم نغم قائلة بهدوء :-
" حسنا ، أعلم إنك لا تعرفينني سوى من يومين وإن شخصيتك المتحفظة تجعلك رافضة التطرق لمواضيع خاصة كهذه مع شخص جديد عليك ... "
تأملتها أروى بدهشة فكيف فهمتها وفهمت طريقة تفكيرها هكذا بينما أكملت نغم بجدية :-
" ولكن صدقيني لا أحد سيفهمك إلا من عايش ما تعايشينه ..."
أكملت بصدق :-
" منذ أن رأيتك أول ولاحظت ذلك الحزن الدفين في عينيك ... تسائلت عن السبب الذي يجعل شابة جميلة ومتفوقة مثلك تحزن فلم أجد سببا مقنعا سوى العشق ... العشق هو سبب آلامنا جميعا ...."
أشاحت أروى وجهها بعيدا لتهمس نغم بصدق :-
" أنت لست مجبرة على التحدث ولكن متى ما إحتجت للتحدث ستجديني مستمعة جيدة لك ..."
أضاف بمزاح عفوي :-
" وأنا بدوري سأفضي لك بالكثير ..."
نظرت لها أروى مجددا وقالت بتردد :-
" أنت أيضًا تعانين من العشق ...."
تنهدت نغم وهي تجيب :-
" منذ عشرة أعوام بل أكثر بقليل ...."
تأملتها أروى لا إراديا ...
جمالها الخلاب بعينيها الزرقاوين البراقتين وبشرتها البيضاء الناصعة ...
شعرها الأسود الغجري وملامح وجهها المتناسقة ...
ضحكتها الرائعة التي تملأ وجهها على الدوام وشخصيتها المنطلقة وعفويتها التي تلفت انتباه الجميع ...
كانت نغم أنثى متكاملة وخلال اليومين السابقين سمعت الكثير من الاطراء عليها ونظرات الأطباء كانت تتبعها بشكل ملحوظ والانبهار يلمع في عينيهم عندما تتحدث او تبتسم ....
أي أحمق يتسبب بالألم لقلب فتاة مثل نغم ...؟!
أفاقت من شرودها على صوت نغم وهي تسألها مبتسمة :-
" هل انتهيت من تأملي واستكشاف ملامحي ...؟!"
شعرت أروى بالاحراج لتضيف نغم بجدية:-
" أكاد أخمن ما كنتِ تفكرين به ..."
قالت أروى بجدية :-
" كيف لشخص أن يؤلم فتاة رائعة مثلك ...؟!"
قالت نغم :-
" أشكرك على كلامك يا أروى ..."
أضافت بصدق :-
" مع إنني أدرك جيدا إن حكمك عليّ بكوني فتاة رائعة نتاج شكلي وابتساماتي الدائمة وعفويتي ...."
تنهدت ثم قالت :-
" دائما ما كنت محط أنظار الجميع ودائما ما كنت الفتاة التي يتهافت الشباب للتعرف عليها ولكن ...."
تحشرج صوتها :-
" لم أفرح يوما بهذا ... هل تعلمين لماذا ..؟!"
نظرت لها أروى بترقب لتضيف نغم بابتسامة حزينة :-
" لإنه لم يردني أحدا لذاتي ... لم يرغب أحدا بي لإنني نغم ... كانوا يرغبون بالتقرب من الفتاة الجميلة الجذابة ... من تلك التي بسبب شخصيتها الاجتماعية وانطلاقها تمتلك علاقات وطيدة مع الجميع ... مع تلك التي يمتلك والدها مشفى خاصا ... يوما بعد يوما كنت أكتشف إن جميع من حولي ومن كان يدعي حبي كان لديه مصلحة ما ... هل تصدقين إن أحدهم حاول التقرب مني فقط لإنني ممثلة الدفعة وبالتالي سيستفيد مني في تغيير موعد الامتحانات وتأجيل بعضها ... تخيلي يحاول التقرب مني لأجل سبب سخيف كهذا ... "
أنهت كلامها وضحكت لتبتسم أروى بصمت ...
تنهدت نغم بصوت مسموع ثم أضافت :-
" وآخر حاول أن يصاحبني لإنني كنت من ضمن اوائل الدفعة ... كان يريد مني تدريسه .. وأتذكر آخرًا كان يريد مصاحبتي كي أساعده في الامتحانات وأعطيه الغش ... "
توقفت لوهلة ثم قالت بحنين :-
" ما عدا شخص واحد ... أحبني لذاتي ... دون أن يريد مصلحة مني ... دون أن يبحث خلفي ... دون أن يحاسبني على تصرفاتي أو يلومني على عفويتي وغير ذلك ... أحبني كما أنا ...."
" وأين ذهب ...؟!"
سألتها أروى باهتمام لتتنهد أروى مجيبة :-
" لم يذهب هو .. أنا من ذهبت .... "
نظرت لها أروى بحيرة فابتسمت نغم متجاهلة الألم الذي ملأ قلبها لتهتف بصدق :-
" سأخبرك بكل شيء يوما ما ... وأنت ايضا ستفعلين ...."
نظرت لها اروى بصمت لتضيف نغم بجدية :-
" ولكن سأخبرك شيئا ... في هذا العالم سنقابل الكثير من الأشخاص في حياتنا ...تسعة وتسعون بالمئة منهم أشخاص عابرون سيغادرون حياتنا عاجلا أم آجلا ... أنا لا أعرف ما مشكلتك مع الرجل الذي تحبينه ولم أنت متألمة هكذا لكن ما يهمني أن تستوعبي إن هذا الرجل قد يكون من ضمن الأشخاص العابرون في حياتك وإن طالت مدة بقائه فيها وربما يكون شخص دائم في حياتك .. في كلتا الحالتين عليكِ تقبل ذلك وعليك الاستيعاب إن أي شخص يذهب فهو من سيخسرك وليس العكس طالما أنتِ لم تؤذيه أو كنتِ سببا في رحيله .... لا تحزني على شخص رحل عنك فقط لإنه لم يعد يريد البقاء .... لا ترهني حياتك لأجل شخص لم يشعر بألمك وحزنك ... إذا كان الطرف الآخر لا يشعر بك ولا يهتم بك فيجب أن تقتلي مشاعرك نحوه ولا تتركي ذرة واحدة منها ...."
هزت أروى رأسها بصمت وهي تجاهد كي لا تظهر دموعها أمام نغم لتبتسم لها نغم بود ...
نهضت اروى بعدها تستأذن منها متحججة بالذهاب الى مريض عندها بينما عادت نغم ترتشف قهوتها بصمت غير منتبهة ذلك الذي كان يراقبها منذ مدة طويلة بعدما أتى الى كافيتريا المشفى ليتناول شيئا فوجدها تجلس مع الطبيبة الجديدة وتتحدث معها بحديث يبدو هاما ...
قرر التقدم نحوها فذهب اليها لترفع عينيها الزرقاوين نحوه ما إن شعرت به أمامها ...
سحب كرسيا له وجلس قبالها فتجاهلته وهي ترتشف من قهوتها عندما هتف بجدية :-
" كيف حالك يا نغم ...؟!"
ردت بهدوء :-
" بخير ..."
أضافت :-
" وأنت ..؟! كيف حالك ...؟!"
تابعها وهي تتحدث بهذه الطريقة ....
وكأن شيئا لم يكن ...
كانت هذه طريقتها المعتادة ...
لا تظهر غضبها منه لكنها تعامله باسلوب متحفظ مثير للاستفزاز ...
قال بجدية :-
" يجب أن نتحدث بعدما حدث البارحة ..."
ردت ببرود :-
" لا أعتقد إن هناك شيء يمكننا التحدث بشأنه .."
قال باصرار :-
" بل يوجد ..."
هتفت بجدية :-
" أنت قلت إن وجودي حولك يسبب لك الضيق والازعاج بطريقة غير مباشرة وانا تفهمت ذلك ولست منزعجة مما قلته ..."
قال راجي بهدوء :-
" لم أقل ذلك يا نغم ..."
قاطعته بقوة :-
" بل قلت يا راجي ... ربما لم تقلها حرفيا ولكنك قلتها وأنا تفهمت ذلك وانسحبت ... الأمر لا يحتاج الى المزيد من المماطلة ... ولا يحتاج الى حديث جديد ...."
نهضت من مكانها تنهي حديثها بثبات :-
" من الأفضل ألا يجمعنا أي حديث بعد الآن .... لا داعي لأن يكون بيننا أكثر من تحية الصباح .. عن إذنك فلدي مريض ينتظرني ...."
ثم تحركت بسرعة تاركة إياه يتابعها بتجهم والضيق ملأ صدره تماما ...
***************************
+
تقدمت هالة نحو توليب وهي تهتف باعجاب :-
" ما هذا الجمال يا تولاي ... تبدين رائعة ...."
التفتت توليب نحوها تهتف بتجهم :-
" ما زلت مصرة ألا تأتين معي ....؟؟"
هتفت هالة بجدية :-
" لا تضغطي عليّ يا تولاي ...."
قالت توليب بسرعة :-
" ما شأنكِ أنتِ بعمتي ...؟! أنتِ ستكونين معي ومعنا ماما أيضا ..."
" تولاي من فضلك ..."
قالتها هالة برجاء لتهتف توليب على مضض :-
" حسنا ، كما تشائين .. لن أضغط عليك ..."
سمعتا صوت طرقات على باب الجناح لتسمح توليب للطارق بالدخول فدلفت الخادمة قائلة :-
" زمرد هانم وصلت قبل قليل يا هانم وهي تنتظرك مع زهرة هانم كي تغادرون الى الحفل ...."
" حسنا ، أنا قادمة ..."
قالتها توليب وهي تتحرك لتحمل حقيبتها بينما تخبر هالة :-
"" هل تعلمين...؟! لم أكن أريد الذهاب الى هذا الحفل لولا إصرار ماما ...."
" ولماذا لا تريدين ...؟! اذهبي واستمتعي قليلا ..."
" سأحاول أن أفعل ..."
قالتها ثم ودعت هالة بابتسامة وهبطت من الطابق العلوي متجهة الى صالة الجلوس لتجد عمتها هناك جالسة قبال والدتها بأناقتها المعتادة تتحدث معها عندما سارعت توليب تتقدمها نحوها وترحب بها لتعانقها العمة بمحبة شديدة وهي تخبرها :-
" كيف حالك جميلتي ...؟!"
ابتسمت توليب مرددة :-
" بخير .. الحمد لله ... "
أضافت تسألها بعدما جلست جانبها :-
" وأنت كيف حالك عمتي ...؟! وكيف حال سولاف ..؟؟ وأثير ..؟!"
أجابت العمة مبتسمة :-
" سولاف مشغولة دائما بين دراستها وتدريبات النادي كما تعلمين ... وأثير سيعود غدا من سويسرا ..."
" يعود سالما ان شاءالله ..."
قالتها توليب فسارعت زمرد تؤمن على دعاؤها قبل أن تضيف :-
" هل ننهض ...؟!"
" هيا بنا ..."
قالتها زهرة بدوره لتنهض توليب وتتحرك معهما حيث ركبن الثلاثة في سيارة زمرد التي طلبت من سائقها أن يتحرك متجها بهن نحو مكان الحفل ...
وصلت ثلاثتهن الى الحفل المقام بمناسبة مرور سبعة أعوام على تأسيس إحدى أشهر الجمعيات الانسانية في البلاد ...
كان الحفل ضخما نوعا ما ويضم نخبة المجتمع من رجال الاعمال والفنانين وسياسيين ايضا ...
اندمجتا كلا من زمرد وزهرة سريعا في اجواء الحفل فهما معتادتان على هذه الحفلات بينما كانت توليب ترافقهما بملل وهي تتبادل التحيات مع الكثير من معارفهم ...
وجدت احدى السيدات ترحب بوالدتها وعمتها ثم تطالعها مرددة بعدم تصديق :-
" توليب عزيزتي ... كم كبرت ... ! لقد مرت سنوات على آخر مرة رأيتك بها ..."
أكملت تشير الى زهرة :-
" كبرت يا زهرة هانم وباتت عروس .... "
ابتسمت زهرة وهي تتابع صغيرتها بحنو لتضيف المرآة :-
" ليت ولدي كان كبيرا قليلا لكنت خطبتها له دون تردد ..."
توردت وجنتا توليب بخجل بينما ضحكت زمرد قائلة :-
" دعيه ينهي مدرسته اولا ..."
هتفت المرأة تخبرها :-
" هذا عامه الدراسي الأخير ... "
ثم أكملت بمكر :-
" صحيح توليب لا تناسبه كونها تكبره بأعوام لكنني تذكرت إن سولاف تصغره بعام واحد ..."
" ما بالك تريدين تزويجه بأي طريقة ...؟!"
قالتها زهرة ضاحكة لتهتف المرأة :-
" أريد نسبكم يا هانم بأي طريقة ...."
" الجميع يريد نسبنا يا عزيزتي ..."
قالتها زمرد ثم همست لزهرة بعد مغادرة المرآة :-
" ما بالها هذه ..؟! لقد جنت حتما ... تخيلي أن تكون حماة ابنتي هذه ... لا تعرف التحدث بطريقة لائقة ..."
هتفت زهرة وهي تمنح ابتساماتها للموجودين :-
" المرأة تتحدث بعفوية يا زمرد .. لا تبالغي ..."
" حتى لو .. لم تعجبني ... لا أحب الثرثرة الزائدة ..."
ثم توقفت وهي تتابع دخول ألفت الى الحفل لتشير لزهرة بعدما أشاحت وجهها بسرعة بعيدا كي لا تظن ألفت إنها تنتظر مجيئها :-
" ألفت الصواف أتت..."
هتفت زهرة بجدية :-
" لست مقتنعة بعد بما نفعله ..."
قاطعتها زمرد بجدية :-
" ومالذي نفعله يا زهرة ...؟! نحن لم نفعل شيئا .. بل هي من تفعل ... "
لاحت من زهرة نظرة نحو ابنتها التي كانت تقف على مسافة قريبة منهما تحمل قدحا من العصير بين يديها وتراقب اجواء الحفل بشرود لتقول :-
" حسنا ... بكل الأحوال نحن أمامها لا نعرف شيئا وأتينا هنا بناء على دعوة عايدة هانم ..."
" بالضبط .. أساسا عايدة أخبرتني بذلك لإنها صديقتي ولكنها حذرتني من معرفة ألفت بذلك ... ألفت اتفقت معها أن تجمع بيننا في هذا الحفل دون علمنا برغبتها بهذه ... من الواضح إنها تحاول جس النبض أولا كي لا تحرج نفسها ..."
قالت زهرة ساخرة :-
" وعايدة ماشاءالله عليه حفظت السر جيدا ..."
قالت زمرد بثقة :-
" عايدة لا يمكنها أن تخفي شيئا عني يا عزيزتي ..."
همست زهرة بسرعة :-
" عايدة وألفت تتقدمان نحونا ..."
صدح صوت ألفت وهي تشير اليهما :-
" تعالي يا ألفت هانم لأعرفك على سيدتين من أهم سيدات المجتمع إن لم تكن الأهم بالفعل ...."
أشارت الى زمرد أولا :-
" زمرد هانم الهاشمي .... زوجة سيادة الوزير حاتم الهاشمي ... "
ابتسمت زمرد بترفع كعادتها وهي تمد كفها نحوها ألفت تهتف برسمية :-
" أهلا يا هانم ..."
" أهلا بك يا هانم .."
قالتها ألفت وهي تبتسم بلطف عندما أشارت عايدة بعدها نحو زهرة :-
"" وهذه زهرة هانم الحداد ... زوجة عابد بك الهاشمي .."
" أهلًا ألفت هانم ..."
قالتها زهرة وهي تمد كفها نحوها لتبتسم ألفت رادة تحيتها :-
" أهلا زهرة هانم ..."
قالت عايدة معرفة عن ألفت :-
" ألفت هانم الصواف ..."
أشارت ألفت اليهما :-
" تشرفت حقا بمعرفتكما ...."
" الشرف لنا ..."
قالتها زهرة بابتسامتها الودودة المعتادة بينما زمرد تتأمل ألفت باهتمام فربما يحدث نصيب بين ولدها وتوليب وحينها تصبح حماة ابنة شقيقها ...
تبادلن النساء اطراف الحديث وقد وجدت ألفت إن زهرة إمرأة شديدة اللطافة والرقي عكس شقيقة زوجها التي بدت مختالة بنفسها تتحدث ببعض العنجهية ....
بعد حوالي عشر دقائق وجدن توليب تتقدم فولت ألفت كامل نحو الفتاة عندما عرفتها زهرة عليها :-
" هذه توليب ابنتي يا ألفت هانم ...."
" أهلا حبيبتي ..."
قالتها ألفت بابتسامة لطيفة وهي تضيف باعجاب حقيقي :-
" ماشاءالله كم إنك جميلة ..."
هتفت توليب بخجل وصوت مبحوح :-
" أشكرك يا هانم ..."
" توليب ابنتك الوحيدة يا زهرة يا هانم ...؟!"
سألتها ألفت وعادت تتأمل توليب بحسنها ورقتها لتهتف زهرة مرددة بابتسامة دافئة :-
" نعم .. الوحيدة على أربعة أولاد ..."
" ماشاءالله ... حفظها الله لك ..."
قالتها ألفت بسماحة بينما هتفت زمرد عن قصد :-
" توليب مدللة شقيقي ... هي ابنته الوحيدة وقرة عينه ... كم كنا سعيدين عندما أنجبت زهرة فتاة جميلة ... الجميع يدللها ... والدها وأشقاؤها وأنا ... "
قالت ألفت :-
" يبدو إنك تحبين ابنة شقيقك كثيرا ..."
" أحبها كما أحب ابنتي ..."
قالتها زمرد وهي تضيف :-
" توليب وجيلان لا يختلفان عن سولاف ابنتي ... فهما ابناء أشقائي ... أغلى ما لدي ... بالمناسبة جيلان ابنة شقيقي ابراهيم رحمة الله عليه وهي تدرس حاليا في أمريكا ..."
" حفظهما الله وبارك فيهما ..."
قالتها ألفت فآمنتا كلا من زمرد وزهرة على دعائها عندما سألت عايدة ألفت عن قصد :-
" أين إياس يا ألفت هانم ...؟! ألم يأتِ بعد ..؟!" تبادلت زمرد النظرات مع زهرة بينما أجابت ألفت :-
" سيصل بعد قليل ... لديه موعد عمل مهم يجب أن ينتهي منه أولا ..."
***********************
أوقف سيارته في كراج الفندق المقام به الحفل ...
هبط من السيارة واتجه نحو داخل الفندق عندما سمع صوت رنين هاتفه فأخرجه ليجد مروة تتصل به ....
زفر أنفاسه بضيق مفكرا إن عليه أن ينهي هذه العلاقة عاجلا فلا داعي أن ينتظر المزيد من الوقت ...
رفض المكالمة وتحرك متقدما الى الداخل حيث الحفل المقام بمناسبة الذكرى السنوية لإفتتاح إحدى أشهر الجمعيات الخيريه في البلاد ...
تقدم الى الداخل وأحد يبحث بعينيه عن والدته لكنه لم يجدها بينما عاد هاتفه يهتز فتململ بضيق قبل أن يسحبه ليجد الاتصال هذه المرة من سكرتيرته فسارع يتجه نحو الشرفة الخارجية للقاعة مقررا الاجابة عليه غير منتبها لتلك التي كانت تقف بدورها في الشرفة تستند على سورها وتتأمل غروب الشمس بانتباه ...
أجفلت توليب على صوته الحاد وهو يتسائل :-
" ماذا هناك ...؟! ألا يمكنكم إنهاء مهمة بسيطة بدوني ...."
نظرت له بتأهب وقد أزعجتها طريقته وهو يتحدث مع سكرتيره بهذه الحدة ...
تجاهلته وعادت تنظر نحو السماء تنتظر لحظة غياب الشمس عندما أنهى هو اتصاله والتفتت نحو الجانب الآخر ليتفاجئ بإحداهن تقف قريبة منه توليه ظهرها وتستند على سور الشرفة تنظر الى السماء بصمت ...
هم بالتحرك عائدا الى الداخل عندما وجد صرختها تنطلق عاليا فالتفت بسرعة نحوها هاتفا بقلق :-
" ماذا هناك ...؟!"
هتفت توليب بحماس غير منتبهة له من الأساس :-
" شهب ...شهب في السماء ...."
ثم سارعت تبحث عن أمنية تريد تحقيقها كي تتمناها سريعا بينما حاول هو أن يستوعب ما يسمعه فهتف بعدم استيعاب :-
" ماذا ...؟! شهب ...؟!"
أجفلت لا إراديا عندما سمعت صوته فهي تناست وجوده لتهمس بخفوت :-
" عفوا ..؟! لم أفهم ...."
تقدم نحوها مرددا باستخفاف :-
"صيحتك منذ قليل ... بسبب الشهب ...."
قالت بفرحة عفوية :-
" نعم ، أحب أن أراه كثيرا و ..."
ثم توقفت وهي تلاحظ السخرية في نظراته لتبتلع ريقها وهي تهتف بينما تحرك خصلات شعرها خلف أذنها :-
" منظرة جميلا في السماء و...."
" منظر جميل ... نعم ...."
قالها هازئا فاحتدت ملامحها بينما أخذ هو يتأملها ببرود لا يخلو من الاستمتاع وهو يرى الغضب قد فشل في سرقة براءة ملامحها ورقتها ....
لتعاود النظر الى السماء ومجددا بشكل سريع قبل أن تلتفتت نحوه وتمنحه نظرة باردة ثم تتحرك بذقن مرفوع خارج الشرفة وهي تلعنه داخلها لإنها بسبب وجوده في الشرفة اضطررت أن تغادرها وتعود الى الحفل الممل ...
جلست بجانب والدتها وعمتها ومعهن ألفت وعايدة فكن يتحدثن بينما هي تستمع الى احاديثهن بصمت عندما هتفت ألفت بعد بضعة دقائق وهي تتأمل ابنها القادم نحوها :-
" إياس وصل أخيرا ..."
ما ان وصل اياس عندهم حتى تفاجئت توليب به فسيطر الوجوم عليها لا اراديا بينما طالعها إياس مدهوشا ولا يصدق إن الفتاة التي رآها قبل قليل في الشرفة هي نفسها الفتاة التي أتى بنية خطبتها ...
ألقى التحية على الموجودين عندما أخذت ألفت تعرفه على زهرة وزمرد ثم أشارت الى توليب :-
" وهذه توليب يا عزيزتي ... ابنة السيد عابد الهاشمي ..."
مد إياس كفه نحوها مرددا بابتسامة رسمية :-
" أهلا انسة توليب ... تشرفت بمعرفتك ..."
ردت بابتسامة هادئة متجاهلة الموقف العفوي الذي جمع بينهما :-
" أهلا بك ... الشرف لي ..."
جلس توليب جانب والدته فسألته عايدة :-
" ما أخبار العمل يا إياس ...؟! "
أجاب إياس بجدية :-
" كل شيء يسير على ما يرام ..."
قالت عايدة مشيرة الى زهرة :-
" صحيح زهرة هانم ... إياس لديه مشروع مشترك مع ولدك راغب ... "
قال زهرة بدهشة :-
" حقا ...؟!"
قال إياس بجدية :-
" نعم ، لقد تحدثنا منذ مدة قصيرة واتفقنا على أغلب الأمور .. انتظر عودته من سفره كي نتمم ما تبقى ..."
" نعم هو مسافر في رحلة عائلية لكنه سيعود بعد غدا او بعد غد باذن الله ..."
قالتها زهرة بجدية لتقول ألفت بدورها :-
" الشراكة معكم تسعدنا كثيرا يا هانم ...."
" ونحن كثيرا يا ألفت هانم ..."
قالتها زهرة عندما سألت ألفت توليب :-
" أنت تخرجت من جامعتك أم ما زلت تدرسين يا توليب ...؟؟"
أجابت توليب بهدوء :-
" تخرجت منذ ثلاثة أعوام ..."
" حقا ... وماذا درست ...؟!"
سألتها ألفت مجددا لتجيب توليب :-
" درست إدارة أعمال في أمريكا ..."
" مثل إياس يعني ..."
قالتها ألفت بجدية ليسألها إياس بدوره :-
" في أي جامعة درستي ..؟!"
أخبرته توليب باسم الجامعة ليبتسم إياس مرددا :-
" ونفس جامعتي ..."
قالت ألفت بعدها :-
" ولكن إياس لم يكتف بدراسة إدارة الاعمال ... درس الهندسة ايضا ... "
" هذا جيد..."
قالتها توليب بابتسامة هادئة وهي تضيف :-
" أي تخصص درست ...؟!"
رد بجدية :-
" قسم الالكترونيات ... "
" إنه تخصص مهم لكنه صعب للغاية ..."
قالتها توليب ليهتف ببساطة :-
" صعب قليلا ...."
ابتسمت بتحفظ عندما قالت زهرة :-
" توليب لم تكن تريد دراسة ادارة الاعمال ... لم تكن مقتنعة بها لكن والدها من شجعها على هذا التخصص كي تستطيع العمل في شركات العائلة فيما بعد ..."
قالت توليب مبتسمة :-
" ورغم ذلك فأنا لم أعمل في شركات العائلة كما كان يخطط ..."
" ألا تعملين نهائيا ...؟!"
سألها إياس باهتمام لتهتف بخجل :-
" في الحقيقة أعمل ... يعني فتحت مشروعا صغيرا منذ أقل من عامين ... متجر لبيع الورود ..."
" حقا ،..؟! هذا رائع ..."
قالتها ألفت لتبتسم توليب مرددة :-
" نعم ، أنا أعشق الورود بكل أنواعها لذا قررت أن أفتح متجرا لبيعت الورود وحرصت أن أجلب أندر أنواع الورود وأجملها .. "
قالت ألفت مبتسمة :-
" هل تعلمين إنني أعشق الورود حتى إنني كنت أزرعها في الحديقة عندما كنت صغيرة ... "
" وأنا كذلك ...."
قالتها توليب مبتسمة لتهتف ألفت بجدية :-
" أريد عنوان المحل .... أحب أن آتي وأرى ما عندك من أنواع الورود ..."
قال إياس مازحا :-
" ماما لا تدخل محل ورود إذا ما إشترت نصفه ... سوف تكسبين زبونة مهمة جدا ..."
ضحكت توليب ثم قالت :-
" يسعدني مجيئك حقا ... "
ثم أخبرتها بعنوان المتجر قبل أن تلتقي عينيها بعينيه فتتفاجئ به يتفحصها بطريقة أربكتها قبل أن يمنحها هادئة جذابة للغاية لفتت انتباهها لا إراديا ....
مرت ساعة أخرى ما زالو يتجاذبون فيها أطراف الحديث ويتناولون العشاء عندما مسحت توليب فمها بالمنديل وقالت لوالدتها :-
" سأخرج الى الشرفة قليلا ، استنشق الهواء ...."
سألتها زمرد باهتمام :-
" ماذا ستفعلين في الخارج لوحدك ...؟!"
" الجو جميل للغاية ...."
قالتها توليب مبتسمة ليضيف إياس بدوره :-
" والشهب تطير في السماء ...."
التفتت توليب نحوه بدهشة بينما رددت زمرد بتعجب :-
" الشهب ...."
قال اياس مبتسما :-
" نعم ، منذ قليل رأيت شهبا يطير في السماء ..."
توقف لوهلة وهو ينظر لها ليضيف :-
" ونجمة مضيئة رائعة تراقبه بعينيها وهو يطير ...."
احتقنت ملامحها بخجل شديد ...
شعرت بنفسها ستذوب من شدة الخجل عندما صدح صوت والدته يتسائل :-
" عم تتحدث بالضبط يا إياس ...؟!"
أجاب إياس بثقة :-
" عن الشهب ... والنجوم اللامعة ... السماء في الخارج رائعة ... والجو جميل ...."
أخذن النسوة الأربعة يتطلعن له ببلاهة فلا يفهمن ما يدور بيننا قالت توليب وهي بالكاد تسيطر على ثباتها في تلك اللحظة :-
" عن إذنكم ..."
**************************
+
تململ في فراشه بانزعاج وهو يسمع صوت رنين جرس الباب يصدح في المكان ...
اعتدل في جلسته أخيرا لينهض من مكانها بضيق متجها خارج غرفته حيث سارع يفتح وهو يسب داخله من أتى في هذا الوقت المتأخر عنده لكنه تصنم مكانه لا إراديا ما إن رآها في وجهه تخبره بدون مقدمات :-
" سأبيت الليلة عندك ..."
ثم دفعته ودلفت الى الداخل دون أن تنتظر جوابه ...
أغلق الباب وتقدم نحوها يطالعها مدهوشا بينما رمت هي بجسدها فوق الكنبة لتتأمله لوهلة ثم تسأله :-
" هل ستبقى واقفا أمامي تنظر إلي بنفس الطريقة ...؟!"
جلس فوق الكنبة المقابلة لها قائلا بصدق :-
" انا فقط مندهش من قدومك إلي في وقت كهذا كي تبيتي عندي ..."
" اضطررت لذلك ..."
قالتها بتجهم ليسألها باهتمام :-
" هل هناك مشكلة جديدة مع ستيلا ...؟؟"
كانت قد حدثته قليلا عن المشاكل التي جمعتها بشقيقتها الكبرى ...
تلك الشقيقة التي يقوده فضوله بشدة لرؤيتها والتعرف عليها ...
لديه فضول ليتعرف على هذه المرأة الجبارة التي لا تمانع من استغلال شقيقتها لأجل الأموال ...
وبالرغم من فضوله للتعرف عليها إلا يشعر بنفور شديد نحوها ونحو تصرفاتها وطريقة تفكيرها بناء على ما سمعه من ماذي ...
ماذي كانت مختلفة عن شقيقتها وإن كانت تماثلها فجورا و انحلالها ...
لكن ماذي لا تفعل ذلك لأجل المال بل لأجل المتعة كما لاحظ ...
هي لا تبيع جسدها كالعاهرات ....
بينما شقيقتها لا تمانع ذلك ...
بل هي وصلت الى ذلك بالفعل فاستخدمت جسدها وفتنتها في تسهيل امور عملها وحققت ما حققه من ثمن بيع جسدها ...!
هتفت ماذي بغضب مكتوم :-
" لا تريد التراجع عما يدور في رأسها ... "
هتف بجدية :-
" ابتعدي عنها ... غادري المنزل وعيشي لوحدك ..."
" ومن أين سأعيش ...؟!"
سألته بتهكم وهي تضيف :-
" ستيلا من تصرف علي ... جميع مصاريفي منها ... بنطالي وقميصي هذين منها ...."
تنهد متسائلا :-
" والحل ...؟!"
" لا أعلم ..."
قالتها باقتضاب لتجده يتثائب وعلى ما يبدو إنه لم ينم سوى قليلا حتى أتت هي وقطعت نومته ...
قالت بجدية :-
"عد لسريرك يا صلاح وأنا أيضا سأنام في الغرفة الثانية بعد قليل ..."
" حسنا ... المكان مكانك .. خذي راحتك ..."
قالها وهو ينهض من مكانها متجها الى غرفة نومه بينما عادت هي بظهرها الى الخلف تنظر نحو السقف بشرود ...
زفرت أنفاسها مرارا قبل أن تعتدل في جلستها مفكرة فيما ستفعله مع شقيقتها التي ترفض التراجع عن مخططها الحقير ...
وكالعادة عجزت عن وجود حل فقررت أن تهرب الى النوم كعادتها ...
استيقظت في صباح اليوم التالي لتتفاجئ بصلاح ما زال نائما ...
اتجهت تعد الفطور لها عندما وجدته يستيقظ اخيرا ويتقدم نحوها مرتديا بنطاله فقط تاركا جذعه عاريًا كعادته ...
" صباح الخير ..."
قالها مبتسما وهو يصب لنفسه كوبا من القهوة لترد بخفوت :-
" صباح النور ..."
تقدم نحوها ممسك بوجهها يسألها باهتمام :-
" تبدين لست بخير ..."
" لا أعرف ماذا أفعل معها يا صلاح ..."
قالتها بضيق ليهتف بجدية :-
" اتركي المنزل وتعالي عيشي هنا معي ..."
هتفت ساخرة :-
" يا لها من مزحة سخيفة ...."
" انا لا امزح ..."
قالها بجدية لتهتف بتجهم :-
" حسنا ، وأتيت وعشت معك هنا .. ماذا سيحدث بعدها ...؟!"
قال ببساطة :-
" أنا من سيتولي مصاريفك ... انا ثري للغاية ولدي من الأموال ما يكفي كلينا ..."
هتفت وهي تتجه بكوب قهوتها نحو صالة الجلوس :-
" هذا تصرفا غير منطقيا ... "
أكملت بثبات :-
" أنا أريد حلا نهائيا صلاح ... لا أبحث عن حلول مؤقته ... أريد التخلص من سيطرة ستيلا ... أريد أن أحيا بعيدا عنها وعن تحكماتها والأهم ألا أحتاج لها مجددا ... "
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
" انا تعبت يا صلاح ... تعبت ولا أعرف كيف أرتاح ... أحيانا أقول لأفعل لها ما تريد وسوف أستفيد أنا أيضا وأحيانا أخرى أحترق غضبا من الفكرة فأنا لا أبيع جسدي مهما حدث ... "
أكملت بخفوت :-
" هل تعلم ..؟! حتى وضعي الحالي وطريقة حياتي ... لا أعرف إذا ما كنت سعيدة بها أم لا .... هل أنا سعيدة بهذا التحرر والمجنون الذي أحيا به منذ مراهقتي أم أدعي السعادة بينما داخلي يتمنى لو يتخلص من هذه الحياة الحقيرة ..."
ترقرقت الدموع داخل عينيها وهي تردد :-
" انا في نظر المجتمع فاجرة ، سافلة ، منحلة وعاهرة ايضا ..."
نهض من مكانه وسارع يجلس جانبها يقبض على كفها قائلا :-
" لا تتحدثي هكذا عن نفسك .."
همست بنبرة حزينة :-
" أليست هذه الحقيقة .... كيف ينظر الناس لمن مثلي في بلادك يا صلاح ..؟! ماذا يسمونها ...؟!"
تنهد بصمت لتهمس بتعب :-
" أنا من حقي أن أعيش حياة نظيفة يا صلاح ... ليس ذنبي إنني خلقت في هذا الوسط القذر ولم أجد من يرشدني الى طريق الصلاح ... "
تساقطت العبرات من عينيها :-
" انا لست سيئة يا صلاح ... والله لست كذلك ..."
" اهدئي يا ماذي .... لا تبكي من فضلك ..."
قالها برجاء وهو يضيف :-
" كل شيء له حل ... سنجد حلا بالطبع ..."
" لا أعلم يا صلاح إذا ما كان هناك حل أم لا ..."
هتف محاولا طمأنتها :
" بالتأكيد هناك ... انت فقط ارتاحي اولا ودعينا نفكر فيما بعد ..."
اضطرت أن تسمع كلامه بينما خرج هو من الشقة ليجلب طعام الغداء لديهما ...
عاد بعدها الى الشقة ليتناولا الطعام سويا قبل أن يجلسان بعدها على الكنبة امام التلفاز ويرتشفات قهوتهما لتهمس ماذي بتردد :-
" صلاح ..."
" نعم ..."
قالها بجد لتنظر نحوه مرددة :-
" أعتقد إنني وجدت حلا لمشكلتي ..."
هتف بسرعة ولهفة :-
" حقا وما هو ...؟!"
تأملته بصمت لوهلة قبل أن تمد كفها وتلمس كفه مرددة وعيناها تحاصران عينيه بكل قوة ممكنة :-
" أن نتزوج ...""
يتبع
+