رواية خيوط القدر الفصل الثالث 3 بقلم سارة المصري
الفصل الثالث
سمعت طرقا خفيفا على الباب ، ارتعدت قليلا وشيئا ما جعلها تظن ان الطارق هو ادهم ، هذا ما كان ينقصها ، ادهم فى الهاتف ، ادهم فى المنزل ، وربما الان على باب غرفتها ، نظرت الى اوراقها واسندت جبينها بكفها وقالت فى عصبية ” ادخل ”
” وحشتينى يا مجنونة ”
تسللت نبراته المحببة الى أذنيها فرفعت رأسها بسرعة اليه فى سعادة ، قفزت من مكانها بسرعة وفى لحظات كانت تلقى نفسها بين ذراعيه وهى تهتف فى جذل واضح ” عمر ” ، تعلقت بعنقه وهى تشب عن الارض فقد كان أطول منها بكثير فرفعها عمر عن الارض ودار بها كما تعود ثم أنزلها وقبل جبينها وابعدها عنه فى رفق قائلا ” وحشتينى يا بت ..ايه الحلاوة دى كلها ؟؟“
جذبته ندى ليجلس على طرف الفراش الى جوارها وهى تقول ” المستشفى الجديدة خدتك مننا ولا ايه ..اسبوعين بحالهم مشوفكش يا عمر ”
نظرت الى جسده فى روتينية وقالت وهى تقطب حاجبيها ” مالك خاسس كدة ليه ...انا بقول برضه الشغل الخاص والحكومى كتير عليك ”
هم عمر ان يرد فواصلت ندى وكأنها آلة للحديث فقط ” وشك ماله مرهق كدة ليه وعينيك تحتها سواد انت مش بتاكل كويس ؟؟“
فتح عمر ثغره لينطق فلم تعطه ندى الفرصة وواصلت وهى تضع يدها على صدرها فى اشفاق ” يا لهوى كل ده من اسبوعين اومال هترجعلى بعد كام شهر عامل ازاى ؟؟“
هنا لم يجد عمر فرصة للحديث فوضع كفه على ثغرها وهو يكتم صوتها قائلا فى مزاح ” اسكتى شوية ..اسكتى بقا ..خلينى اعرف اتكلم ..انتى عاملة ايه الاول ”
وتركها واخذ يتمشى فى الغرفة حتى وصل الى الاوراق التى تقوم فيها برسم الديكور الخاص باحدى الفيلات واخذ يتأملها وهى تقول ” ماشى الحال ..بدأات اتعود على الشغل والناس.. وكمان رجعت اروح جيم ”
نظر لها فى حنان قائلا ” مش محتاجة فلوس ولا حاجة ”
ابتسمت ندى وهى تقول فى خيلاء ” لا يا سيدى انا باخد مرتب محترم ” واضافت وهى تنحنى قليلا لتغيظه ” وبعدين روح كدة انت لاقى تاكل أصلا ”
لم يبتسم عمر وندمت ندى بشدة على ما قالته حين رمقت نظرته الحزينة التى حاول التخلص منها بسرعة بالنظر الى الاوراق من جديد ، ضغطت ندى على شفتها وقد أدركت انها جرحته ، ربما تكون ذكرته بما اصبح عليه وضعه او بالسبب الذى تركته من اجله ريم ، أرادت ان تعتذر ولكن طريقتها مع اخيها فى الاعتذار مختلفة ، اتجهت الى الاوراق وقالت وهى تمسك بذراعه ” عجبك شغلى ؟؟“
ابتسم فى حزن وقال ” وانا افهم ايه فى شغلك ؟؟..وبعدين كلنا عارفين ان طول عمرك موهوبة ”
هزت ندى كتفيها وقالت فى مزاح ” اه طبعا ما انا عارفة ..قولى انت بقا أخبار شغلك ايه ..مرتاح هناك ؟؟“
وضع عمر يديه فى جيب بنطاله وهز رأسه بالسلب وبدأ يحكى لندى عن كل ما قابله فى المشفى وعن ياسمين بالاخص ومواقفها الغريبة معه وحين انهى كلامه قالت ندى وهى ترتمى على مقعد فى احدى زوايا غرفتها وتضيق عينيها فى تفكير ” بص البنت دى يا اما فعلا قوية جدا ..يا اما فعلا ضعيفة وجدا برضه ”
نظر لها عمر فى تعجب فواصلت ندى ” ممكن تكون اللى بتعمله ده غطا او قناع بتدارى بيه حاجة جواها ..بتدارى ضعفها اللى مش عايزاه يظهر ”
ضحك عمر قائلا ” لا مفتكرش خالص ..دى جبروت يا بنتى ..دى محدش يستحمل يقعد معاها خمس دقايق ”
هزت ندى رأسها وقالت فى بساطة ” ما هو فى ناس بتمثل لدرجة تبهرك ..الضعف احساس وحش اوى محدش بيحب بيبنه ..فبيكون ادعاء القوة لدرجة تخوف ..مجرد قناع زى الاقنعة اللى كلنا بنلبسها عشان ندارى بيها وش مينفعش الناس تشوفه ”
أضافت فى نبرة مريرة ” زى قناع الرضا اللى انا وانت لابسينه يا عمر ..عشان محدش يشمت فينا ..بس فى الحقيقة احنا لحد دلوقتى مش قادرين نتقبل اللى احنا وصلناله ولا راضين بيه وبنتمنى لو ترجع بينا الدنيا سنتين ورا عشان نعيش الحياة اللى اتعودنا عليها ”
مرر عمر يده على شعر ندى كأنه يصدق على ما قالته دون رد ، رن جرس هاتفها أمامها فالتقطه وما ان رأت الاسم حتى ألقت به على منضدة الى جوارها فى عنف كاد ان يكسره وهى تخرس صوت رنينه قائلة فى غضب ” مش معقول كدة والله ..كدة كتير ”
نظر عمر الى الهاتف قائلا ” مين ؟؟“
رفعت ندى كفيها وكتفيها فى ان واحد وهى تقول ” هيكون مين ..ادهم بيه ...ادهم باشا ..اللى لسة قافل معايا من ربع ساعة ..هوا مبيزهقش ماعندوش أصحاب معندوش أهل ..ماعندوش شغل ”
ضحك عمر لعصبية شقيقته التى احمر وجهها فبدت كطفلة متذمرة وقال ” يا مفترية ..ادهم ده متلاقيش زيه ..ده اى بنت تستنى منه اشارة ”
أشاحت ندى بوجهها قائلة ” طبعا مين هيشهدله غيرك ..مش صاحبك ”
أمسك عمر بكتفيها وادارها له قائلا فى جدية ” هوا صاحبى وبعزه جدا ..بس انتى اختى ومعنديش اغلى منك فى الدنيا ..لو حاسة ان انتى وادهم مش هتقدرو تكملو مع بعض ..بلاها يا ستى انتو لسة ع البر ”
رن هاتف عمر فنظر اليه ثم رفع رأسه الى ندى بابتسامة فقالت وهى تشير باصبعها ” متقوليش انه هوا ؟؟“
ضحك عمر وهو يسكت صوت هاتقه قائلا ” هوا ”
أخذت ندى تذرع الغرفة مجيئا وذهابا وهى تقول ” لا لا لا ..مش ممكن اكيد مكنش قصده هيخلينى احبه ...كان قصده هيخلينى ازهق من عيشتى كلها واكره اليوم اللى اتولدت فيه ”
وقف عمر أمامها ليوقفها عن السير وهو يقول ” تاخدى منى كلمة حق....رغم الاوفر اللى ادهم فيه ورغم انى مش عارف هوا بيعمل كدة ليه لان دى ما اعتقدتش انها طريقته ..بس عمرك ما هتلاقى حد يحبك زيه ”
فتحت ندى ثغرها لتنطق فلحقها عمر وهو يوقفها بكفه قائلا ” ومبقولش كدة عشان هوا صاحبى ..انا من الاول قولتلك مليش دخل بقرارك ولا علاقتك بيه ..عايزة تكملى معاه كملى ..مش عايزة براحتك ..انا اصلا مش فاهم انتو ازاى مرتبطين وانتو مش لابسن دبل ولا محددين معاد للخطوبة ”
قالت ندى فى توتر ” احنا قرينا فاتحة وبعدين نوع الارتباط ده هو اللى اختاره مش انا ...مش هوا اللى قال عليه مجرد تجربة يا نجحت يا فشلت ”
زفر عمر فى ملل وقال ” والله انتو الاتنين مجانين وتستاهلو بعض ”
فى تلك اللحظة فتحت لبنى امهما الباب وقالت وهى تفتح ذراعيها لعمر وبلهجة عاتبة ”كالعادة طبعا اول ما تدخل البيت تدخل جرى على اختك ولا كأن ليك ام هنا ” قام عمر بسرعة الى امه وقبل رأسها ويدها واحتضنها فى حنان قائلا ” هوا انا اقدر يا ست الكل ” ، لبنى شخصية هشة للغاية وضعيفة وهذا واضح من تحكمات اخيها فيها حتى انها أعطته الحق فى التدخل فى حياتها مع زوجها فى الماضى وهنا كانت مربط المشاكل ، وحين اراد ممارسة سلطته على ابنيها لم تعترض وهو مالم يحتمله عمر وخاصة انه يشعر بداخله ان لخاله يد فى خسارة ابيه لامواله ومن بعدها حياته ولانه لم يكن يملك دليلا واحد على ذلك فقد احتفظ بمشاعره لنفسه ، وآثر الابتعاد مدعيا انه فعل ذلك من اجل ابنتى خاله ” رنا ومريم ” ، حاولت ندى ان تذهب معه ولكن خاله رفض ودفع امها لتمنعها بشتى الطرق وعمر لم يتمسك ابدا باقامتها معه ، فندى لم تتعود على حياة بسيطة كهذه فى شقة صغيرة بلا خدم وبلا حديقة تخرج اليها لتتنسم الهواء بين الحين والآخر ، ولكن لم يخطر بباله ان ندى تقضى اغلب وقتها فى غرفتها فلم تشعر يوما بأن هذا بيتها ، بل شعرت انها مجرد ضيفة وزاد من احساسها مضايقات رنا لها بين الحين والآخر وخاصة بعد ارتباط ادهم بها ، لم تعد رنا تطيق مجرد النظر فى عينيها وتتعمد مضايقتها فى أى موقف ، ورغم ان ندى لم تكن بالشخص الهين وتعرف كيف ترد وتأخذ حقها الا ان رنا ومعاملتها الجافة زادت من شعورها بالغربة بداخل هذا البيت .
عمر وندى كانا صديقين منذ الطفولة ، كان عمر دوما يدللها كثيرا حتى ان من لا يعرفهما يظن انهما حبييبن وليسا شقيقين ، لم تكن تعرف كيف كانت ستجتاز الازمة الاخيرة لولا وجوده ، هو سندها الحقيقى وصديقها الوحيد الذى لم يخذلها ابدا ولم تخشى ان تفقده فحين تصبح الاخوة صداقة فلايوجد رباط على هذه الارض يكون بقوتها .
اتفقت ندى مع عمر على الخروج للتمشى وتناول الايس كريم الذى تعشقه ، ولكن نزهتهما قد أضيف اليها شخص آخر على غير المتوقع ” ادهم ”
*******************************************************************
تعلقت عينا رنا بالباب والخادمة تفتحه وألقت كتابها من يدها وطارت من على الاريكة كفراشة صغيرة بمجرد ان رأته أمامها ، اسرعت الى الباب وصرفت الخادمة بنظرة منها ، ومدت يدها لتصافح ادهم الذى صافحها فى روتينية ملامسا كفها فقط وسحب يده بسرعة ، قالت رنا وهى تزيح خصلة من شعرها خلف أذنها ” ازيك يا ادهم ”
وأشارت بذراعها قائلة ” اتفضل ”
دخل وهو ينظر بعينيه يمينا ويسارا قائلا ” شكرا ”
أشارت رنا بيدها الى الاريكة ليجلس فنظر الى الاريكة واستند بيده الى ظهرها قائلا ” هيا ندى موجودة ؟؟“
زمرت رنا شفتيها فى حنق وغيرة وتنهدت وهى تهز رأسها قائلة ” ايوة موجودة ”
ابتسم ادهم قائلا ” كويس ..افتكرتها برة ونسيت الفون ..بكلمها مش بترد ”
ابتسمت فى سخرية وقالت ” غريبة ..عمرها ما سابت الفون من ايدها ”
اكتفى ادهم بنظرة ولم يعلق واخرج هاتفه من جيبه وحين هم ان يتصل بها وضعت رنا يدها على يده الممسكة بالهاتف قائلة ” ادهم انت بتحب ندى ؟؟؟“
نظر ادهم الى يدها وتفاجىء بجرأتها للحظات ومالبث ان سحب يده من تحت كفها وقال متحاشيا النظر فى عينيها ” اومال خطبتها ليه ”
جلست رنا على الاريكة ونظرت الى اليمين واليسار وأخذت تضغط على شفتيها فى حنق وقالت ” بس هيا مبتحبكش ”
هنا دقق ادهم النظر فيها وقال ” هيا قالتلك كدة ؟؟؟”
رفعت نظرها اليه وهى تضيق عينيها قائلة ” مش لازم تقول ..تصرفاتها كلها بتتكلم قدامك ” ونهضت من جديد لتواجه ادهم مواصلة“ ممكن كمان يكون فيه حد فى حياتها ”
هنا رفع ادهم حاجبه الايسر وتنهد فى عمق قبل ان يميل اليها قائلا ” بلاش يارنا الطريقة دى معايا ..بلاش ”
تراجعت رنا خطوتين وقالت ” طريقة ايه ؟؟“
ابتسم وهو يضيف ” انتى عارفة وانا عارف ..انتى لسة صغيرة باين عليكى ”
وتقدم الخطوتين التى تراجعتهما هى ونظر لها نظرة ارعبتها وهو يقول ” لو كررتى الكلام الفارغ اللى انتى بتقوليه ده تانى على ندى ..لا ردى ولا تصرفى هيعجبك ..هيضايقك..واوى كمان يارنا ..انتى فاهمة ..خلينا اخوات احسن ”
ازدردت رنا ريقها ودمعت عيناها وقد حز فى نفسها ان حبيبيها يهددها على هذا النحو من اجل اخرى تثق انها لا تحمل له معشار ما يحمل لها من مشاعر ، طأطات رأسها ارضا حتى انتبهت الى صوت ادهم وهو يحيى عمر
*******************************************************
هبطت ندى درجات السلم الى جوار شقيقها وهما يتمازحان ويتعاليا بالضحك ، وحين رأيا ادهم يقف وامامه رنا التى وجهت ظهرها لهما ، تبادلا نظرة طويلة تحررمنها عمر بسرعة ليلقى التحية على صديقه ، وقبل ان يمشى من جوار ندى ضغطت على ذراعه وهى تهمس له فى غضب ” انا هنتحر خلاص مش قادرة ” ، كتم عمر ضحكته بصعوبة بالغة واتجه الى ادهم وعانقه فى ود ، بينما ظلت ندى تتابعهما وقد تسمرت على السلم للحظات الى ان وجه لها ادهم نظراته الباسمة قائلا ” عشان كدة مبترديش عليا مين لقى احبابه بقا ” نظرت ندى الى درجات السلم مطولا قبل ان تبدأ بالهبوط وهى تجاهد لترسم ابتسامة على ثغرها حتى وصلت اليهما ، كانت رنا لازلت تقف عاقدة ذراعيها على صدرها ترمق ندى بنظرات اعتادتها ندى منها فلم تعد تبالى بها
وضع ادهم يديه فى جيب سترته وهو يتأملهما قائلا ” كنتو رايحين فين ”
اجاب عمر وهو يحيط كتفى ندى بذراعه ” ابدا كنا خارجين نتمشى وندى طلبت معاها تاكل ايس كريم ”
رفع ادهم حاجبيه قائلا ” ايس كريم ..تصدق والله نفسى فيه ”
عضت ندى على شفتيها فى غيظ ونظرت الى ادهم الذى شعرت انه يتلذذ بغيظها هذا فأغاظها اكثر ونظرت الى رنا التى كانت لاتزال واقفة وقد احمر وجهها بشدة من الغضب والغيرة وقالت ” وانتى يا رنا مش عايزة تيجى معانا انتى كمان ”
نظرت رنا الى ندى من اعلى لاسفل عدة مرات قبل ان تفر فى ضيق وملل وتذهب دون ان ترد ، تابعها عمر بحركاتها الطفولية وهو يقول ” ودى مالها دى كمان ؟؟“
ابتسمت ندى وهى تهز رأسها قائلة ” هيا كدة على طول سيبك منها“
لم يكن اليوم سيئا كما ظنت ندى ، بل اضاف ادهم اليه الكثير من مرحه ، فقد ترك سيارته امام الفيلا واستمتعو جميعا بالمشى فى الهواء الطلق وتناول الايس كريم اللذيذ من المحل الذى اقترحه ادهم وكان الذ ايس كريم تناولته ندى فى حياتها ، ادهم كان لديه حسا فكاهيا ومرحا على عكس ما يبدو عليه من صرامة بحكم عمله كضابط شرطة ، لم تستطع ندى ولا عمر كتمان الضحك طيلة السهرة وهو يقص لهما ما يتعرض له من فكاهات فى قسم الشرطة وفى مهامه ايضا ، كما حكى عمر عن عمله وما يواجهه من مرضاه وبالطبع شاركت ندى وقصت عليهم ما تلاقيه بدورها وعن الاخطاء التى وقعت فيها من البداية حتى اصبحت محترفة فى عملها عن حق .
كانت امسية سعيدة على الرغم من ان ندى كانت تحتاج الى الحديث مع اخيها على انفراد الا ان وجود ادهم لم يضايقها ابدا ، وقد تعلمت مما حدث اليوم ان عليها ان ترد على مكالماته وا ن كثرت والا فستجده امامها بنفسه فى لحظات فى العمل او فى المنزل او فى اى مكان ورغما عنها شعورا بالزهو تملكها فى تلك الليلة ان شخص كادهم والتى تعرف كم فتاة تتمناه يملك لها مشاعرا بهذه القوة والصدق رغم صدها له .
******************************
دلف سليم الى غرفته وهو يمسك جبينه بسبابته وابهامه مقاوما صداعا بشعا الم به ، ألقى بحقيبته جانبا وخلع سترته وبدأ فى فك رباط عنقه فى ارهاق ، انتبه الى صوت المياه فى المرحاض، فعلم بذلك ان مرام بالداخل ، جلس على طرف الفراش واخذ ينبش فى محتويات الدرج الذى بجواره عن اى مسكن ، وقعت عيناه على شريط فرفعه الى عينه ليعرف ماهو ، وما ان علم بماهيته حتى انتفض واقفا واتسعت عيناه التى كادت ان تغلق تماما منذ قليل بفعل الارهاق والالم ، فالاقراص التى كانت بيديه كانت لمنع الحمل ، اذن مرام تستخدمها وتخدعه ولاتريد الانجاب منه ، ولكن لماذا ؟، لطالما اخبرها انه يريد طفلا منها ، لطالما اخبرها بحاجته الى عائلة تلتف حوله بعد كل المشاق التى عاناها ، لما تحرمه من كل ذلك ؟؟، الازالت تشعر انه اقل منها بكثير وانها تنازلت حين قبلت الزواج منه وهو بالنسبة اليها مجرد موظف يدير لها اموالها ولكن برتبة زوج ،الكثير من الهواجس والافكار داهمت رأسه ، حتى انها انسته الصداع الذى الم به ، جلس على طرف الفراش من جديد وهو يقبض على الشريط بيده وينتظرها .
خرجت مرام من الحمام وهى تجفف شعرها بمنشفة ، رأت سليم جالسا على طرف الفراش معطيا اياها ظهره ، تفاجأت للحظات فهو ليس موعد عودته ، القت بالمنشفة جانبا واقتربت منه وهى تضع كفيها على ظهره قائلة ” حبييى جيت بدرى النهاردة يعنى ..انت كويس ”
لم يرد عليها ولم يلتفت لها فاستدارت لتجلس امامه القرفصاء وهى تضع يدا على طرف الفراش والاخرى تمررها على جانب وجنته قائلة ” مالك يا سليم ؟؟“
رفع سليم عينيه التى احمرت غضبا اليها فتراجعت للخلف قليلا من القلق ، اما هو فاخذ نفسا عميقا وهو يخرج شريط الاقراص ويرفعه لها قائلا فى هدوء ” ايه ده يا مرام ؟؟؟“
اتسعت عيناها فى ذهول وقلق وازدردت ريقها ونهضت لتجلس على طرف الفراش وهى تطأطأ رأسها ، نهض هو وانحنى ليواجهها قائلا بلهجة حادة ” ايه ده بقولك ؟؟“
لم ترد مرام فأمسك سليم بكتفيها وهزها فى عنف بعد ان القى الشريط جانبا ” مش عاوزة تخلفى ” ورفعها لتنهض وهو يضيف فى غضب ” منى ؟؟“
زاد من قبضته على كتفيها وهو يهتف صارخا ” ليه يا مرام ؟؟“
لم ترد سوى بسيلين من الدموع على وجنتيها وهى تغمض عينيها من قوة قبضته التى بدأت تؤلمها ولكنها لم تفتح ثغرها لترد ، فواصل فى غضب ” لو مش عايزة حاجة تربطك بيا قولى ..لو مش عايزة تعيشى معايا وشايفانى مش اد المقام وندمانة على جوازنا اتكلمى ..لكن تخدعينى ليه يامرام ..ليه ”
هنا نطقت مرام وحاولت تجميع جملتها من بين شهقاتها ” الموضوع مش كدة ”
دفعها سليم لتسقط على الفراش وهو يقول ” اومال ازاى ؟؟“
وواصل وهو يتجه للخزانه ويضربها بقبضته كأنه يفرغ فيها كل الضربات التى تلقاها فى حياته قائلا ” اومال ازاى ؟؟..واحدة مش عاوزة تخلف من جوزها ده ليه معنى تانى ؟؟ ..يا اما ما بتحبوش ..يا اما مش عاوزة تعيش معاه ..قوليها صريحة ..لكن تخدعينى ليه ؟؟؟“
هزت مرام رأسها بشدة وهى تنهض من على الفراش لتسقط من جديد وكأنها فقدت جل قوتها بينما يقف سليم محاولا التقاط انفاسه ليهدأ ، التفت الى مرام وقال بنبرة اكثر توازنا ” ماشى يا مرام ..انا هريحك من كل ده ”
ولم يعطها فرصة لتنطق ، خرج من الغرفة سريعا وهو يلتقط سترته ويصفق الباب بعنف خلفه ونادته هى بصوت ضعيف لم يسمعه ، لاتريده ان يذهب ، لاتريده ان يتركها ، انها خائفة من فقدانه ، خائفة من كل شىء ، هل يبحث حقا عن رباط يجمعهما ، وماذا عن الحب المرضى الذى تكنه له انه اقوى من لو انجبت له عشرة أطفال ، رباط لاسبيل له ولا لها من الفكاك منه ، نظرت الى الباب الى حيث ذهب ، لابد ان يعود ، لا يمكنه تركها لمخاوفها اللعينه تقتلها ، ستفعل كل مايريده فقط فليعد ، نهضت فى ضعف لا تعرف الى أين فمنعها الدوار ان تخطو خطوة واحدة وسيطر عليها فشعرت ان الارض تبتلعها فجاة وبأن الظلام يحيط بها وهى تخاف الظلام تخاف الوحدة تخاف فقدانه ، سقطت أرضا وهى تهمس باسمه فى ضعف وكانها تستنجد به قبل ان تستسلم تماما للظلام حولها .
سمعت طرقا خفيفا على الباب ، ارتعدت قليلا وشيئا ما جعلها تظن ان الطارق هو ادهم ، هذا ما كان ينقصها ، ادهم فى الهاتف ، ادهم فى المنزل ، وربما الان على باب غرفتها ، نظرت الى اوراقها واسندت جبينها بكفها وقالت فى عصبية ” ادخل ”
” وحشتينى يا مجنونة ”
تسللت نبراته المحببة الى أذنيها فرفعت رأسها بسرعة اليه فى سعادة ، قفزت من مكانها بسرعة وفى لحظات كانت تلقى نفسها بين ذراعيه وهى تهتف فى جذل واضح ” عمر ” ، تعلقت بعنقه وهى تشب عن الارض فقد كان أطول منها بكثير فرفعها عمر عن الارض ودار بها كما تعود ثم أنزلها وقبل جبينها وابعدها عنه فى رفق قائلا ” وحشتينى يا بت ..ايه الحلاوة دى كلها ؟؟“
جذبته ندى ليجلس على طرف الفراش الى جوارها وهى تقول ” المستشفى الجديدة خدتك مننا ولا ايه ..اسبوعين بحالهم مشوفكش يا عمر ”
نظرت الى جسده فى روتينية وقالت وهى تقطب حاجبيها ” مالك خاسس كدة ليه ...انا بقول برضه الشغل الخاص والحكومى كتير عليك ”
هم عمر ان يرد فواصلت ندى وكأنها آلة للحديث فقط ” وشك ماله مرهق كدة ليه وعينيك تحتها سواد انت مش بتاكل كويس ؟؟“
فتح عمر ثغره لينطق فلم تعطه ندى الفرصة وواصلت وهى تضع يدها على صدرها فى اشفاق ” يا لهوى كل ده من اسبوعين اومال هترجعلى بعد كام شهر عامل ازاى ؟؟“
هنا لم يجد عمر فرصة للحديث فوضع كفه على ثغرها وهو يكتم صوتها قائلا فى مزاح ” اسكتى شوية ..اسكتى بقا ..خلينى اعرف اتكلم ..انتى عاملة ايه الاول ”
وتركها واخذ يتمشى فى الغرفة حتى وصل الى الاوراق التى تقوم فيها برسم الديكور الخاص باحدى الفيلات واخذ يتأملها وهى تقول ” ماشى الحال ..بدأات اتعود على الشغل والناس.. وكمان رجعت اروح جيم ”
نظر لها فى حنان قائلا ” مش محتاجة فلوس ولا حاجة ”
ابتسمت ندى وهى تقول فى خيلاء ” لا يا سيدى انا باخد مرتب محترم ” واضافت وهى تنحنى قليلا لتغيظه ” وبعدين روح كدة انت لاقى تاكل أصلا ”
لم يبتسم عمر وندمت ندى بشدة على ما قالته حين رمقت نظرته الحزينة التى حاول التخلص منها بسرعة بالنظر الى الاوراق من جديد ، ضغطت ندى على شفتها وقد أدركت انها جرحته ، ربما تكون ذكرته بما اصبح عليه وضعه او بالسبب الذى تركته من اجله ريم ، أرادت ان تعتذر ولكن طريقتها مع اخيها فى الاعتذار مختلفة ، اتجهت الى الاوراق وقالت وهى تمسك بذراعه ” عجبك شغلى ؟؟“
ابتسم فى حزن وقال ” وانا افهم ايه فى شغلك ؟؟..وبعدين كلنا عارفين ان طول عمرك موهوبة ”
هزت ندى كتفيها وقالت فى مزاح ” اه طبعا ما انا عارفة ..قولى انت بقا أخبار شغلك ايه ..مرتاح هناك ؟؟“
وضع عمر يديه فى جيب بنطاله وهز رأسه بالسلب وبدأ يحكى لندى عن كل ما قابله فى المشفى وعن ياسمين بالاخص ومواقفها الغريبة معه وحين انهى كلامه قالت ندى وهى ترتمى على مقعد فى احدى زوايا غرفتها وتضيق عينيها فى تفكير ” بص البنت دى يا اما فعلا قوية جدا ..يا اما فعلا ضعيفة وجدا برضه ”
نظر لها عمر فى تعجب فواصلت ندى ” ممكن تكون اللى بتعمله ده غطا او قناع بتدارى بيه حاجة جواها ..بتدارى ضعفها اللى مش عايزاه يظهر ”
ضحك عمر قائلا ” لا مفتكرش خالص ..دى جبروت يا بنتى ..دى محدش يستحمل يقعد معاها خمس دقايق ”
هزت ندى رأسها وقالت فى بساطة ” ما هو فى ناس بتمثل لدرجة تبهرك ..الضعف احساس وحش اوى محدش بيحب بيبنه ..فبيكون ادعاء القوة لدرجة تخوف ..مجرد قناع زى الاقنعة اللى كلنا بنلبسها عشان ندارى بيها وش مينفعش الناس تشوفه ”
أضافت فى نبرة مريرة ” زى قناع الرضا اللى انا وانت لابسينه يا عمر ..عشان محدش يشمت فينا ..بس فى الحقيقة احنا لحد دلوقتى مش قادرين نتقبل اللى احنا وصلناله ولا راضين بيه وبنتمنى لو ترجع بينا الدنيا سنتين ورا عشان نعيش الحياة اللى اتعودنا عليها ”
مرر عمر يده على شعر ندى كأنه يصدق على ما قالته دون رد ، رن جرس هاتفها أمامها فالتقطه وما ان رأت الاسم حتى ألقت به على منضدة الى جوارها فى عنف كاد ان يكسره وهى تخرس صوت رنينه قائلة فى غضب ” مش معقول كدة والله ..كدة كتير ”
نظر عمر الى الهاتف قائلا ” مين ؟؟“
رفعت ندى كفيها وكتفيها فى ان واحد وهى تقول ” هيكون مين ..ادهم بيه ...ادهم باشا ..اللى لسة قافل معايا من ربع ساعة ..هوا مبيزهقش ماعندوش أصحاب معندوش أهل ..ماعندوش شغل ”
ضحك عمر لعصبية شقيقته التى احمر وجهها فبدت كطفلة متذمرة وقال ” يا مفترية ..ادهم ده متلاقيش زيه ..ده اى بنت تستنى منه اشارة ”
أشاحت ندى بوجهها قائلة ” طبعا مين هيشهدله غيرك ..مش صاحبك ”
أمسك عمر بكتفيها وادارها له قائلا فى جدية ” هوا صاحبى وبعزه جدا ..بس انتى اختى ومعنديش اغلى منك فى الدنيا ..لو حاسة ان انتى وادهم مش هتقدرو تكملو مع بعض ..بلاها يا ستى انتو لسة ع البر ”
رن هاتف عمر فنظر اليه ثم رفع رأسه الى ندى بابتسامة فقالت وهى تشير باصبعها ” متقوليش انه هوا ؟؟“
ضحك عمر وهو يسكت صوت هاتقه قائلا ” هوا ”
أخذت ندى تذرع الغرفة مجيئا وذهابا وهى تقول ” لا لا لا ..مش ممكن اكيد مكنش قصده هيخلينى احبه ...كان قصده هيخلينى ازهق من عيشتى كلها واكره اليوم اللى اتولدت فيه ”
وقف عمر أمامها ليوقفها عن السير وهو يقول ” تاخدى منى كلمة حق....رغم الاوفر اللى ادهم فيه ورغم انى مش عارف هوا بيعمل كدة ليه لان دى ما اعتقدتش انها طريقته ..بس عمرك ما هتلاقى حد يحبك زيه ”
فتحت ندى ثغرها لتنطق فلحقها عمر وهو يوقفها بكفه قائلا ” ومبقولش كدة عشان هوا صاحبى ..انا من الاول قولتلك مليش دخل بقرارك ولا علاقتك بيه ..عايزة تكملى معاه كملى ..مش عايزة براحتك ..انا اصلا مش فاهم انتو ازاى مرتبطين وانتو مش لابسن دبل ولا محددين معاد للخطوبة ”
قالت ندى فى توتر ” احنا قرينا فاتحة وبعدين نوع الارتباط ده هو اللى اختاره مش انا ...مش هوا اللى قال عليه مجرد تجربة يا نجحت يا فشلت ”
زفر عمر فى ملل وقال ” والله انتو الاتنين مجانين وتستاهلو بعض ”
فى تلك اللحظة فتحت لبنى امهما الباب وقالت وهى تفتح ذراعيها لعمر وبلهجة عاتبة ”كالعادة طبعا اول ما تدخل البيت تدخل جرى على اختك ولا كأن ليك ام هنا ” قام عمر بسرعة الى امه وقبل رأسها ويدها واحتضنها فى حنان قائلا ” هوا انا اقدر يا ست الكل ” ، لبنى شخصية هشة للغاية وضعيفة وهذا واضح من تحكمات اخيها فيها حتى انها أعطته الحق فى التدخل فى حياتها مع زوجها فى الماضى وهنا كانت مربط المشاكل ، وحين اراد ممارسة سلطته على ابنيها لم تعترض وهو مالم يحتمله عمر وخاصة انه يشعر بداخله ان لخاله يد فى خسارة ابيه لامواله ومن بعدها حياته ولانه لم يكن يملك دليلا واحد على ذلك فقد احتفظ بمشاعره لنفسه ، وآثر الابتعاد مدعيا انه فعل ذلك من اجل ابنتى خاله ” رنا ومريم ” ، حاولت ندى ان تذهب معه ولكن خاله رفض ودفع امها لتمنعها بشتى الطرق وعمر لم يتمسك ابدا باقامتها معه ، فندى لم تتعود على حياة بسيطة كهذه فى شقة صغيرة بلا خدم وبلا حديقة تخرج اليها لتتنسم الهواء بين الحين والآخر ، ولكن لم يخطر بباله ان ندى تقضى اغلب وقتها فى غرفتها فلم تشعر يوما بأن هذا بيتها ، بل شعرت انها مجرد ضيفة وزاد من احساسها مضايقات رنا لها بين الحين والآخر وخاصة بعد ارتباط ادهم بها ، لم تعد رنا تطيق مجرد النظر فى عينيها وتتعمد مضايقتها فى أى موقف ، ورغم ان ندى لم تكن بالشخص الهين وتعرف كيف ترد وتأخذ حقها الا ان رنا ومعاملتها الجافة زادت من شعورها بالغربة بداخل هذا البيت .
عمر وندى كانا صديقين منذ الطفولة ، كان عمر دوما يدللها كثيرا حتى ان من لا يعرفهما يظن انهما حبييبن وليسا شقيقين ، لم تكن تعرف كيف كانت ستجتاز الازمة الاخيرة لولا وجوده ، هو سندها الحقيقى وصديقها الوحيد الذى لم يخذلها ابدا ولم تخشى ان تفقده فحين تصبح الاخوة صداقة فلايوجد رباط على هذه الارض يكون بقوتها .
اتفقت ندى مع عمر على الخروج للتمشى وتناول الايس كريم الذى تعشقه ، ولكن نزهتهما قد أضيف اليها شخص آخر على غير المتوقع ” ادهم ”
*******************************************************************
تعلقت عينا رنا بالباب والخادمة تفتحه وألقت كتابها من يدها وطارت من على الاريكة كفراشة صغيرة بمجرد ان رأته أمامها ، اسرعت الى الباب وصرفت الخادمة بنظرة منها ، ومدت يدها لتصافح ادهم الذى صافحها فى روتينية ملامسا كفها فقط وسحب يده بسرعة ، قالت رنا وهى تزيح خصلة من شعرها خلف أذنها ” ازيك يا ادهم ”
وأشارت بذراعها قائلة ” اتفضل ”
دخل وهو ينظر بعينيه يمينا ويسارا قائلا ” شكرا ”
أشارت رنا بيدها الى الاريكة ليجلس فنظر الى الاريكة واستند بيده الى ظهرها قائلا ” هيا ندى موجودة ؟؟“
زمرت رنا شفتيها فى حنق وغيرة وتنهدت وهى تهز رأسها قائلة ” ايوة موجودة ”
ابتسم ادهم قائلا ” كويس ..افتكرتها برة ونسيت الفون ..بكلمها مش بترد ”
ابتسمت فى سخرية وقالت ” غريبة ..عمرها ما سابت الفون من ايدها ”
اكتفى ادهم بنظرة ولم يعلق واخرج هاتفه من جيبه وحين هم ان يتصل بها وضعت رنا يدها على يده الممسكة بالهاتف قائلة ” ادهم انت بتحب ندى ؟؟؟“
نظر ادهم الى يدها وتفاجىء بجرأتها للحظات ومالبث ان سحب يده من تحت كفها وقال متحاشيا النظر فى عينيها ” اومال خطبتها ليه ”
جلست رنا على الاريكة ونظرت الى اليمين واليسار وأخذت تضغط على شفتيها فى حنق وقالت ” بس هيا مبتحبكش ”
هنا دقق ادهم النظر فيها وقال ” هيا قالتلك كدة ؟؟؟”
رفعت نظرها اليه وهى تضيق عينيها قائلة ” مش لازم تقول ..تصرفاتها كلها بتتكلم قدامك ” ونهضت من جديد لتواجه ادهم مواصلة“ ممكن كمان يكون فيه حد فى حياتها ”
هنا رفع ادهم حاجبه الايسر وتنهد فى عمق قبل ان يميل اليها قائلا ” بلاش يارنا الطريقة دى معايا ..بلاش ”
تراجعت رنا خطوتين وقالت ” طريقة ايه ؟؟“
ابتسم وهو يضيف ” انتى عارفة وانا عارف ..انتى لسة صغيرة باين عليكى ”
وتقدم الخطوتين التى تراجعتهما هى ونظر لها نظرة ارعبتها وهو يقول ” لو كررتى الكلام الفارغ اللى انتى بتقوليه ده تانى على ندى ..لا ردى ولا تصرفى هيعجبك ..هيضايقك..واوى كمان يارنا ..انتى فاهمة ..خلينا اخوات احسن ”
ازدردت رنا ريقها ودمعت عيناها وقد حز فى نفسها ان حبيبيها يهددها على هذا النحو من اجل اخرى تثق انها لا تحمل له معشار ما يحمل لها من مشاعر ، طأطات رأسها ارضا حتى انتبهت الى صوت ادهم وهو يحيى عمر
*******************************************************
هبطت ندى درجات السلم الى جوار شقيقها وهما يتمازحان ويتعاليا بالضحك ، وحين رأيا ادهم يقف وامامه رنا التى وجهت ظهرها لهما ، تبادلا نظرة طويلة تحررمنها عمر بسرعة ليلقى التحية على صديقه ، وقبل ان يمشى من جوار ندى ضغطت على ذراعه وهى تهمس له فى غضب ” انا هنتحر خلاص مش قادرة ” ، كتم عمر ضحكته بصعوبة بالغة واتجه الى ادهم وعانقه فى ود ، بينما ظلت ندى تتابعهما وقد تسمرت على السلم للحظات الى ان وجه لها ادهم نظراته الباسمة قائلا ” عشان كدة مبترديش عليا مين لقى احبابه بقا ” نظرت ندى الى درجات السلم مطولا قبل ان تبدأ بالهبوط وهى تجاهد لترسم ابتسامة على ثغرها حتى وصلت اليهما ، كانت رنا لازلت تقف عاقدة ذراعيها على صدرها ترمق ندى بنظرات اعتادتها ندى منها فلم تعد تبالى بها
وضع ادهم يديه فى جيب سترته وهو يتأملهما قائلا ” كنتو رايحين فين ”
اجاب عمر وهو يحيط كتفى ندى بذراعه ” ابدا كنا خارجين نتمشى وندى طلبت معاها تاكل ايس كريم ”
رفع ادهم حاجبيه قائلا ” ايس كريم ..تصدق والله نفسى فيه ”
عضت ندى على شفتيها فى غيظ ونظرت الى ادهم الذى شعرت انه يتلذذ بغيظها هذا فأغاظها اكثر ونظرت الى رنا التى كانت لاتزال واقفة وقد احمر وجهها بشدة من الغضب والغيرة وقالت ” وانتى يا رنا مش عايزة تيجى معانا انتى كمان ”
نظرت رنا الى ندى من اعلى لاسفل عدة مرات قبل ان تفر فى ضيق وملل وتذهب دون ان ترد ، تابعها عمر بحركاتها الطفولية وهو يقول ” ودى مالها دى كمان ؟؟“
ابتسمت ندى وهى تهز رأسها قائلة ” هيا كدة على طول سيبك منها“
لم يكن اليوم سيئا كما ظنت ندى ، بل اضاف ادهم اليه الكثير من مرحه ، فقد ترك سيارته امام الفيلا واستمتعو جميعا بالمشى فى الهواء الطلق وتناول الايس كريم اللذيذ من المحل الذى اقترحه ادهم وكان الذ ايس كريم تناولته ندى فى حياتها ، ادهم كان لديه حسا فكاهيا ومرحا على عكس ما يبدو عليه من صرامة بحكم عمله كضابط شرطة ، لم تستطع ندى ولا عمر كتمان الضحك طيلة السهرة وهو يقص لهما ما يتعرض له من فكاهات فى قسم الشرطة وفى مهامه ايضا ، كما حكى عمر عن عمله وما يواجهه من مرضاه وبالطبع شاركت ندى وقصت عليهم ما تلاقيه بدورها وعن الاخطاء التى وقعت فيها من البداية حتى اصبحت محترفة فى عملها عن حق .
كانت امسية سعيدة على الرغم من ان ندى كانت تحتاج الى الحديث مع اخيها على انفراد الا ان وجود ادهم لم يضايقها ابدا ، وقد تعلمت مما حدث اليوم ان عليها ان ترد على مكالماته وا ن كثرت والا فستجده امامها بنفسه فى لحظات فى العمل او فى المنزل او فى اى مكان ورغما عنها شعورا بالزهو تملكها فى تلك الليلة ان شخص كادهم والتى تعرف كم فتاة تتمناه يملك لها مشاعرا بهذه القوة والصدق رغم صدها له .
******************************
دلف سليم الى غرفته وهو يمسك جبينه بسبابته وابهامه مقاوما صداعا بشعا الم به ، ألقى بحقيبته جانبا وخلع سترته وبدأ فى فك رباط عنقه فى ارهاق ، انتبه الى صوت المياه فى المرحاض، فعلم بذلك ان مرام بالداخل ، جلس على طرف الفراش واخذ ينبش فى محتويات الدرج الذى بجواره عن اى مسكن ، وقعت عيناه على شريط فرفعه الى عينه ليعرف ماهو ، وما ان علم بماهيته حتى انتفض واقفا واتسعت عيناه التى كادت ان تغلق تماما منذ قليل بفعل الارهاق والالم ، فالاقراص التى كانت بيديه كانت لمنع الحمل ، اذن مرام تستخدمها وتخدعه ولاتريد الانجاب منه ، ولكن لماذا ؟، لطالما اخبرها انه يريد طفلا منها ، لطالما اخبرها بحاجته الى عائلة تلتف حوله بعد كل المشاق التى عاناها ، لما تحرمه من كل ذلك ؟؟، الازالت تشعر انه اقل منها بكثير وانها تنازلت حين قبلت الزواج منه وهو بالنسبة اليها مجرد موظف يدير لها اموالها ولكن برتبة زوج ،الكثير من الهواجس والافكار داهمت رأسه ، حتى انها انسته الصداع الذى الم به ، جلس على طرف الفراش من جديد وهو يقبض على الشريط بيده وينتظرها .
خرجت مرام من الحمام وهى تجفف شعرها بمنشفة ، رأت سليم جالسا على طرف الفراش معطيا اياها ظهره ، تفاجأت للحظات فهو ليس موعد عودته ، القت بالمنشفة جانبا واقتربت منه وهى تضع كفيها على ظهره قائلة ” حبييى جيت بدرى النهاردة يعنى ..انت كويس ”
لم يرد عليها ولم يلتفت لها فاستدارت لتجلس امامه القرفصاء وهى تضع يدا على طرف الفراش والاخرى تمررها على جانب وجنته قائلة ” مالك يا سليم ؟؟“
رفع سليم عينيه التى احمرت غضبا اليها فتراجعت للخلف قليلا من القلق ، اما هو فاخذ نفسا عميقا وهو يخرج شريط الاقراص ويرفعه لها قائلا فى هدوء ” ايه ده يا مرام ؟؟؟“
اتسعت عيناها فى ذهول وقلق وازدردت ريقها ونهضت لتجلس على طرف الفراش وهى تطأطأ رأسها ، نهض هو وانحنى ليواجهها قائلا بلهجة حادة ” ايه ده بقولك ؟؟“
لم ترد مرام فأمسك سليم بكتفيها وهزها فى عنف بعد ان القى الشريط جانبا ” مش عاوزة تخلفى ” ورفعها لتنهض وهو يضيف فى غضب ” منى ؟؟“
زاد من قبضته على كتفيها وهو يهتف صارخا ” ليه يا مرام ؟؟“
لم ترد سوى بسيلين من الدموع على وجنتيها وهى تغمض عينيها من قوة قبضته التى بدأت تؤلمها ولكنها لم تفتح ثغرها لترد ، فواصل فى غضب ” لو مش عايزة حاجة تربطك بيا قولى ..لو مش عايزة تعيشى معايا وشايفانى مش اد المقام وندمانة على جوازنا اتكلمى ..لكن تخدعينى ليه يامرام ..ليه ”
هنا نطقت مرام وحاولت تجميع جملتها من بين شهقاتها ” الموضوع مش كدة ”
دفعها سليم لتسقط على الفراش وهو يقول ” اومال ازاى ؟؟“
وواصل وهو يتجه للخزانه ويضربها بقبضته كأنه يفرغ فيها كل الضربات التى تلقاها فى حياته قائلا ” اومال ازاى ؟؟..واحدة مش عاوزة تخلف من جوزها ده ليه معنى تانى ؟؟ ..يا اما ما بتحبوش ..يا اما مش عاوزة تعيش معاه ..قوليها صريحة ..لكن تخدعينى ليه ؟؟؟“
هزت مرام رأسها بشدة وهى تنهض من على الفراش لتسقط من جديد وكأنها فقدت جل قوتها بينما يقف سليم محاولا التقاط انفاسه ليهدأ ، التفت الى مرام وقال بنبرة اكثر توازنا ” ماشى يا مرام ..انا هريحك من كل ده ”
ولم يعطها فرصة لتنطق ، خرج من الغرفة سريعا وهو يلتقط سترته ويصفق الباب بعنف خلفه ونادته هى بصوت ضعيف لم يسمعه ، لاتريده ان يذهب ، لاتريده ان يتركها ، انها خائفة من فقدانه ، خائفة من كل شىء ، هل يبحث حقا عن رباط يجمعهما ، وماذا عن الحب المرضى الذى تكنه له انه اقوى من لو انجبت له عشرة أطفال ، رباط لاسبيل له ولا لها من الفكاك منه ، نظرت الى الباب الى حيث ذهب ، لابد ان يعود ، لا يمكنه تركها لمخاوفها اللعينه تقتلها ، ستفعل كل مايريده فقط فليعد ، نهضت فى ضعف لا تعرف الى أين فمنعها الدوار ان تخطو خطوة واحدة وسيطر عليها فشعرت ان الارض تبتلعها فجاة وبأن الظلام يحيط بها وهى تخاف الظلام تخاف الوحدة تخاف فقدانه ، سقطت أرضا وهى تهمس باسمه فى ضعف وكانها تستنجد به قبل ان تستسلم تماما للظلام حولها .