اخر الروايات

رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الثالث 3 بقلم سارة علي

رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الثالث 3 بقلم سارة علي 



                                    
اليوم مختلف .. يوم خطبة راغب الهاشمي .. 
الابن الأكبر لعائلة الهاشمي والأهم والأكثر صيتا بين أخوانه بل جميع أفراد العائلة ...
الشاب الوسيم القوي والذي رغم عدم وصوله سن الثلاثين بعد سيطر على العديد من أمور العائلة وأصبح نائب والده والمسؤول الأول بعده في إدارة جميع شؤون العمل ...
عروسه الأخرى كانت ذائعة الصيت ..
فمن لا يعرف يسرا الحداد ...
ابنة سالم الحداد .. رجل الأعمال المعروف وابن إحدى أكبر العائلات ثراء وشهرة ...
كانت يسرا حسناء العائلة وأهم أفرادها بإمتياز فهي ليست جميلة فقط بل فاتنة تحمل جمالا يخطف الأعين فكانت دائما وأبدا النجمة الأولى في نظر الجميع فهي بمجرد وجودها في أي مكان تخطف أنظار الجميع بجمالها المثير وأنوثتها الطاغية ولباقتها وحركاتها المدروسة ...
الأمر لم يقتصر على جمالها فقط فيسرا صنعت لنفسها إسما معروفا في عالم المجوهرات فباتت من أشهر مصممي المجال وأنجحهم  وأصبحت من أكثر النساء أهمية في عالم التجارة رغم سنوات عمرها الصغيرة ...!!
كان زواجا ناجحا ومنطقيا فالعريس والعروس كانا مثالا حقيقيا عن الكمال من وجهة نظر الجميع ....
الحفل أشار الى مكانة العروسين بجميع تفاصيله التي حرصت يسرا على إنتقائها بعناية فائقة ولمدة تجاوزت الثلاثة أسابيع حيث فرغت وقتها كاملا للحفل المنتظر ...
حفل إعلان خطبتها رسميا من ابن عمتها العازب الأشهر .. راغب الهاشمي ...
كانت تقف جانبه تتلقى التهاني بإبتسامتها الأنيقة المعهودة وفستانها الذي ترتديه محل حديث العديد من الموجودين بتصميمه الرائع والمختلف مما جعل نساء الحفل يتسائلن بفضول عن إسم المصمم الذي لم تكشف يسرا عن إسمه بعد ...
كان الحفل يسير بشكل رائع بحضور أهم الشخصيات وأشهرهم في البلاد من رجال أعمال وسياسيين وفنانين أيضا ..
أشارت يسرا الى راغب تخبره بضرورة بدأ رقصتهم المحددة فمنحها إبتسامته الرزينة وهو يسحبها معه نحو المكان المخصص للرقص لتبدأ رقصتهم مع تلك الموسيقى الخاصة التي إختارتها يسرا بنفسها كما إختارت كل شيء ...
وفي تلك الأثناء كانت همسة تجلس صامتة واجمة بجانب خالتها فهي لا تستهويها هذه الأجواء التي باتت مضطرة على حضورها منذ أن باتت تعيش عند خالتها ..
ألقت نظرة عابرة على مهند الذي كان يحمل شعورا مماثلا هو الآخر فهو دائما ما كان يكره هذا النوع من الحفلات لتتقابل نظراته بنظراتها فيتقدم نحوها يهمس لها :-
" أريد الهرب من هنا حالا .."
همست له بخفوت :-
" وأنا أيضا .."
حك ذقنه وهو يتأمل الموجودين حوله ..
والدته التي تتأمل ابنها البكري وهو يراقص عروسه بسعادة ووالده كذلك ...
راجي الذي يتحدث مع أحد أصدقائه بإذعان كعادته ...
شقيقته التي تقف بجانب هالة ومعهما مجموعة من صديقاتهما ...
فيصل المختفي كليا على غير العادة ..
كلا منهم كان مركزا في شيء ما فقال لها :-
" سأغادر الحفل .. حسنا .."
قالت بتردد :-
" عمي عابد سيغضب يا مهند ..."
هتف بلا مبالاة :-
" لا أعتقد إنه سينتبه على غيابي فهو مشغول مع الضيوف .."
ثم تحرك خارج المكان دون أن ينتظر جوابها مفكرا في الهرب من المكان الخانق بالنسبة له عندما إصطدم وهو يندفع نحو سيارته بجسد ضئيل يتبعه صوت طفولي حانق :-
" هل أنت أعمى أيها الأحمق ..؟! "
هبط ببصره نحو الأسفل ليجد طفلة قصيرة القامة ذات عينين خضراوين تتأملانه بحدة لا تليق بسنوات عمرها التي لا تتجاوز العشرة بعد..
ترتدي فستانا زهريا قصيرا وشعرها البني الحريري منسدل على جانبي وجهها بنعومة ...
لم يشعر بنفسه إلا وهو يقبض على فستانها بينما لسانه يهم بالصياح عليها بعدما أغضبته تلك الحمقاء الصغيرة لكن صوت رجولي ضخم أتى من خلفه يهمس بقلق :-
" أين إختفيت يا جيلان ..؟!"
حرر الفتاة بسرعة من قبضته وهو يستدير نحو الخلف يتطلع نحو عمه فيهمس وهو يضحك بتصنع :-
" هذه جيلان يا عمي .. لم أعرفها .. لقد كبرت .."
ضحك عمه الذي على ما يبدو إنه لم ينتبه لما كان يحدث فتنهد مهند بإرتياح عندما إحتضن العم إبنته وهو يردد :-
" بالطبع لم تعرفها .. لقد مرت سنوات طويلة على آخر مرة أتينا بها الى هنا ..."
تنحنح مهند مرددا :-
" أنرت قصرك بوجودك يا عمي ..."
توقف وهو يسمع جيلان تشير إليه مرددة بحنق :-
" إنه أحمق .. لقد إصطدم بي وكاد أن يض..."
قاطعها مهند بسرعة مصطنعا الإبتسامة مجددا :-
" أخبرتك إنني لم أقصد يا صغيرة.."
قال عمه يؤنبها :-
" عيب يا جيلان .. مهند ابن عمك وبكبرك بعدة أعوام ..."
إحتقنت ملامح الصغيرة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها تتأفف بحنق بينما هتف عمه معتذرا :-
" لا تتضايق منها يا مهند .. هي ما زالت صغيرة .."
قال مهند بإبتسامة متهكمة :-
" نعم ، بالطبع يا عمي ..."
ثم قال وهو ينظر الى ساعته مدعيا شيء لا وجود له :-
" يجب أن أتحدث مع منسق الحفل في الخارج .. عن إذنك عمي .."
" تفضل يا بني ..."
حينها تحرك مهند بسرعة وهو يتمتم ببعض الكلمات الحانقة على تلك الفتاة والتي تبين إنها إبنة عمه الصغيرة ...!
اما في الداخل كانت همسة ما زالت على حالها تتأمل المكان حولها بملل عندما قررت أن تخرج قليلا الى الحديقة بعيدا عن هذه الأجواء الخانقة غير منتبهة لذلك الذي يراقبها بتركيز شديد ليسير خلفها حيث الحديقة فلم تشعر بوجوده حتى وصلت الى الارجوحة وهمت بالجلوس عليها لتصيح بفزع :-
" أفزعتني يا براء ..."
ابتسم براء مرددا :-
" أعتذر يا همس ..."
تجاهلت مناداته لإسمها مجردا من الهاء الأخيرة وجلست على الأرجوحة لتسمعه يخبرها وهو يقف قبالها لها :-
" لم أتوقف عن التفكير بك طوال فترة سنتي الأخيرة في الخارج .."
احتقنت ملامحها بقوة لتسارع تنهره :-
" توقف يا براء من فضلك .. لا يصح ما تقوله أبدا ..."
تجاهل رفضها وهو يجلس جانبها يخبرها بجدية :-
" أنا أريد أن أخطبك يا همسة .. ما رأيك أن أفاتح ماما بعد زواج راغب ويسرا برغبتي في التقدم لخطبتك ...؟!" 
انتفضت همسة كالملسوعة تردد :-
" كلا يا براء .. لا تفعل هذا .. من فضلك .."
نهض من مكانه مرددا بضيق :-
" أنت ترفضينني يا همس .."
شعرت بالخجل فهتفت ترجوه :-
" ارجوك لا تفعل .."
لكنه تجاهلها وهو يتقدم نحوها اكثر يحاصرها بنظراته :-
" انت أحبك يا همس ..."
توترت ملامحها بشدة فسارع يقبض على كف يدها مستغلا الفرصة مرددا :-
" صدقيني أحبك وأريد الزواج منك .. وافقي يا همسة .. ارجوك وافقي ..."
ما إن أنهى كلماته حتى صدح صوتا رجوليا خشنا يهدر بإسمه فإندفعت همسة بعيدا عنه بفزع بينما إستدار هو الى الخلف ليجد راغب يتأمل كليهما بنظرات حارقة فنطق براء :-
" ماذا هناك يا راغب ..؟؟"
تقدم راغب نحوه يهمس له من بين أسنانه بينما عينيه الحانقتين مسلطتين نحو همسة التي وقفت خلف براء بمسافة ترتجف كعصفورة مبللة :-
" ماذا تفعل مع همسة هنا في الحديقة ..؟! وكيف تمسك يدها هكذا ...؟!"
أضاف دون أن يسمع الرد :-
" كيف وصلت بك الجرأة الى هنا ..؟!"
ثم صاح بها :-
" وأنت يا هانم .. ألا تخجلين من نفسك وتصرفاتك ....؟! كيف تسمحين له بذلك ..؟! منذ متى وأنتما تستغفلانا جميعنا وتلتقيان سرا و ..."
قاطعه براء ببرود :-
" برأيي أن تعود الى حفل خطبتك حيث تنتظرك عروسك يا راغب .."
منحه راغب نظرات مشتعلة وهم بالتحدث عندما صدح صوت يسرا تهتف متذمرة :-
" ماذا تفعل هنا يا راغب ..؟!"
ثم تقدمت لتتفاجئ بوجودها كلا من براء وهمسة وهي تسأل بحيرة :-
" ماذا يحدث هنا ..؟!"
ثم سألت براء بشك :-
" تحدث يا براء..."
قال راغب بحزم :-
" ماذا سيقول يا يسرا ..؟! شقيقك أصبح لا يراعي أبسط الأداب التي يجب أن يلتزم بها في بيوت الآخرين ..."
منحت يسرا شقيقها نظرة محذرة تخبره من خلالها أن يصمت ثم ما لبثت أن منحت همسة نظرة حارقة جعلت الأخيرة تحيط جسدها بذراعيها بحماية ..
وضعت يسرا كفها فوق كتف راغب تخبره بتوسل ناعم :-
" هذا ليس الوقت المناسب يا راغب .. يجب أن نعود الى الحفل حالًا .."
نقل راغب نظراته بين الإثنين قبل أن يشير الى براء :-
" ماذا تنتظر ..؟! هيا عد الى الحفل .."
تحرك براء بسرعة وبملامح محتقنة مغادرا المكان لتتلاقى نظرات راغب بنظرات همسة المذعورة ليخبرها يتوعد خفي :-
" سنتحدث لاحقا يا هانم .. فما رأيته اليوم لا يمكن تجاهله ..."
ثم ما لبث أن منح ذراعه ليسرا كي تتأبطها وهي التي شمخت برأسها عاليا بعدما منحت همسة إبتسامة ساخرة لا تخلو من التوعد ثم سارت مرفوعة الرأس بجانب زوجها عائدة معه الى حفلهما الفخم ..!
******************
قضت بقية الحفل بتوتر ملحوظ ...
انكمشت على نفسها بقية الحفل بينما لم تغب عنها نظراته التي تلاحقها...!
انتهى الحفل أخيرا وغادر راغب مع يسرا يوصلها الى منزلها بينما اتجهت هي بسرعة الى جناحها تدعو ربها أن ينسى أمرها وما رآه ...
كيف ستخبره إنها لا ذنب لها فيما حدث ..؟!
غيرت ملابسها ورقدت في سريرها مقررة النوم هربا من مواجهته ...!
ولكن أمنيتها لم تدم طويلا فهو قد عاد بالفعل وهاهو يطرق على باب جناحها مناديا اسمها بهدوء ...
نهضت من مكانها بتردد واتجهت نحو الباب ووقفت ورائها تهمس بخوف بديهي :-
" نعم ..."
قال بصوت آمر :-
" اتبعيني الى المكتب ..."
ثم غادر فورا فزفرت أنفاسها بضيق وهي تلعن براء الذي وضعها في موقف كهذا ...
لو بيدها لما ذهبت لكنها لا تستطيع ألا تفعل ...
لا تستطيع تجاهل آمره ...
خرجت من جناحها بعدما تأكدت من احتشام بيجامتها وذهبت الى غرفة مكتبه لتطرق على الباب فيأتيها صوته سامحا لها بالدخول ... 
دلفت الى الداخل بحذر ليشير لها أن تتقدم فتقدمت ووقفت قباله بينما جلس هو المكتب يتأملها بعينين جامدتين ...
" راغب أنا ..."
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
" والله لا ذنب لي ..."
سألها بصوت جامد :-
" ماذا كان يريد منك ...؟!"
بللت شفتيها مرددة :-
" لا أعلم ..."
سألها مجددا :-
" كيف لا تعلمين ...؟!"
أجابت بسرعة وتوتر :-
" يعني هو كان يتحدث معي عندما أتيت ... "
" كان يمسك يدك يا هانم ..."
قالها من بين أسنانه وهو يكاد يهشم رأس ذلك الأحمق الذي تجرأ ومسك يدها بكل جرآة اما هي فسارعت تدافع عن نفسها :-
" والله لا دخل لي ... هو فاجئني عندما مسك يدي ..."
نهض من مكانه وسار نحوها ليقف قبالها فأخفضت عينيها بخوف ليأمرها :-
" انظري الي ..."
رفعت بصرها نحوه بتردد ليتسائل بقوة :-
" هل سبق وفعلها ...؟! هل حاول أن يمسك يدك مسبقا ...؟!"
أجابت بصدق :-
" أبدا والله ..."
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
" اسمعيني يا همسة ... إياك أن أراك معه لوحدكما مجددا ...."
هزت رأسها بسرعة ليضيف بصرامة :-
" لن أرحمك حينها ... وإياك أن تخفي عني أي شيئا قد يفعله ذلك الأحمق .... إذا حاول أن يتحدث معك مجددا سارعي وأخبريني وأنا سأتصرف معه ... فهمت ...؟!"
هزت رأسها مجددا بنفس الحركة الآلية ليضيف بحزم :-
" ركزي مع دروسك أفضل لك ... امتحاناتك باتت قريبة ..."
همست بطاعة :-
" معك حق ..."
" يمكنك المغادرة ..."
قالها أخيرا وهو يعاود أدراجه نحو مكتبه لتتنفس الصعداء فهو سمح لها بالمغادرة أخيرا ...
ركضت بسرعة خارج المكان كمن تهرب من جرم ما بينما تابعها هو بعينين جامدتين وهو يسأل نفسه ...
ما باله يهتم بما حدث لهذه الدرجة ...؟!
لم هو غاضب الى هذا الحد كونه رأى براء يلمس يدها ويحاول التقرب منها ...؟!
لقد غلت الدماء في عروقه ما إن رآه قريب منها هكذا والأسوء إنه يمسك يدها ...
زفر أنفاسه بضيق مقررا تجاهل أفكاره التي لو أطلق العنان لها لدمرت كل شيء ...
اتجه بعدها الى النوم مقررا الهرب اليه من أفكاره التي تدور حولها ...
سخر من نفسه فهو لأول مرة في حياته يستعين بالنوم كوسيلة للهرب ولكنه لم يكن يدري إنها ستزوره في أحلامه أيضا فهي كانت بطلة أحلامه طوال الليل ...
استيقظ صباحا وهو يتذكرها بعدما سيطرت على أحلامه الليلة الماضية ...
تنهد بتعب وهو ينهض من فوق سريره متجها الى الحمام ليأخذ حماما دافئا يحتاجه للغاية ....
خرج بعدها وغير ملابسه وحمد ربه إن اليوم إجازة فهو لا يمتلك أي مزاج للذهاب الى العمل ...
قرر أن يسترخي اليوم بأكمله متجاهلا رغبة خطيبته في قضاء اليوم سويا ...!
ولكنه فوجئ ما إن غادر جناحه بوجود براء ابن خاله يريد الحديث معه ...
تجهمت ملامحه كليا وهو يتجه لاستقباله عندما قال براء بجدية بعدما رد تحيته :-
" أتيت للتحدث معك بشأن البارحة ..."
نظر له راغب بملامح واجمة منصتا له على مضض عندما أكمل براء :-
" همسة لا ذنب لها يا راغب ... هي كانت في الحديقة وأنا من لحقت بها ..."
" أعلم إن همسة لا ذنب لها .. همسة لا تفعل تصرفات غبية كهذه ...."
قالها بجمود ليبتلع براء اهانته وهو يضيف :-
" اسمعني يا راغب ... انا لست ذلك الشاب الذي يسعى للاقتراب من قريباته في منازلهم وبتلك الطريقة التي تتصورها ..."
هدر راغب :-
" كنت تمسك يدها  يا هذا ..."
قال برآء مبررا :-
" حسنا أخطأت ولكن عليك أن تعلم إنني جاد للغاية ...."
توقف يبتلع ريقه بينما سأل راغب بجمود :-
" ماذا تقصد بكونك جاد ...؟!"
قال براء بتردد :-
" أنا أحب همسة وأريد خطبتها ..."
جمدت ملامح راغب تماما حتى بدت وكأنها حجر قاسي لا حياة فيه ....
تابعه براء بحذر عندما نطق أخيرا بهدوء مخيف :-
" سأعتبر نفسي لم أسمع شيئا منك يا براء ..."
هتف براء بسرعة :-
" لماذا يا راغب ..."
نهض راغب من مكانه قائلا بصرامة :-
" عد الى منزلك يا براء ... ولا تنسى أن تنسى هذا الأمر تماما ...."
هتف براء بضيق وهو ينهض من مكانه بدوره :-
" من حقي أن أعرف السبب على الأقل ..."
قال راغب بحزم :-
" ليس من شأنك ...."
أكمل بقوة :-
" لا أريد رؤيتك مجددا حولها وإلا قسما بربي سأتصرف بطريقة لن تعجبك .. "
" حسنا أعلم انني ما زلت صغيرا ولكن لا تنسى إنني في عامي الجامعي الاول و ..."
قاطعه راغب بغضب مكتوم :-
" توقف عن هذا الهراء ... أخبرتك إنني لا أريد سماع المزيد ... طلبك مرفوض ... والآن تفضل وغادر ...."
تطلع براء له برجاء أن يمنحه الفرصة ليسمعه لكن أبى راغب ذلك فاضطر أن يغادر براء المكان خائبا ....
اما رغب فطلب من الخادمة أن تنادي همسة التي أتت بقلق فباغتها متسائلا :-
" هل عرض براء عليك الزواج البارحة ...؟!"
اتسعت عيناها بعدم استيعاب ليهدر بها :-
" أجيبي ..."
أجابت بسرعة :-
" نعم ..."
ثم توقفت بملامح مذعورة فسار نحوها ووقف قبالها يسألها :-
" وماذا قلت له ...؟!"
همست بصعوبة :-
" رفضت ..."
غمره الارتياح لوهلة عندما نطق بتحذير :-
" من الآن فصاعدا لن تتعاملي مع براء مهما حدث ... إذا رأيته أمامك سارعي وأديري وجهك بعيدا وإلا سأعاقبك يا همسة ... حسنا ..."
هزت رأسها بسرعة عدة مرات عندما سمعت صوت خالتها يصدح متسائلا عما يحدث فتنفست الصعداء قليلا عندما سمعت راغب يرد عليها :-
" كنت أسألها عن وضعها الدراسي .."
ابتسمت زهرة وهي تتقدم نحوها تسألها :-
" هل اخترت فستانا مناسبا لعيد ميلاد  صديقتك ...؟!"
أجابت همسة بخفوت :-
" نعم اخترت ..."
ثم استأذنت :-
" عن إذنكما ..."
بينما نظرت زهرة لولدها وقالت بفرحة :-
" كيف حال عريسنا اليوم ...؟!"
تمتم راغب بجدية :-
" بخير يا أمي ..."
سألته زهرة بحذر :-
" هل أنت بخير يا عزيزي ...؟!"
تنهد مجيبا :-
" نعم ، لا تقلقي ..."
ثم اتجه بعدها مع والدته الى طاولة الطعام ليتناول الفطور ثم قضى وقته بعدها مع العائلة حتى حل المساء فوجدها تهبط من الدرج وهي ترتدي فستانا رقيقا من الدانتيل الجذاب بلون السماء الصافية ...
توقف لوهلة مبهورا بها وبجمالها الناعم البريء...
شعرها البني الحريري المنسدل على ظهرها بنعومة وملامحها الرقيقة والتي زينتها بقليل من مساحيق التجميل ...
لا إراديا تحركت عيناه فوق كتفيها العاريين بذلك الفستان ذو الحمالات الرفيعة فهتف بجمود وقد أظلمت عيناه تماما وهو يتأمل بشرة عنقها المرمرية وكتفيها النحيلين الظاهرين للعيان :-
" ما هذا الفستان ...؟!"
توقفت أسفل الدرج تنظر له بتوتر شديد عندما لمست قماش فستانها تتسائل بقلق :-
" ما به الفستان ...؟!"
تقدم اتجاهها ومال قليلا نحوها مرددا :-
" مكشوف للغاية ..."
" خالتي رآته ..."
قالتها بسرعة عندما هتف بصلابة :-
" غيريه او ارتدي شالا فوق كتفيك ..." 
تهدل كتفيها باحباط وكادت أن تضطر للقبول حتى أتى صوت خالتها يهتف باعجاب :-
" تبدين رائعة يا همسة ..."
نظرت لها همسة تستنجد بها عندما سألت زهرة بقلق :-
" ماذا هناك ..؟! هل هناك مشكلة ...؟!"
نظر راغب لها وقال :-
" الفستان مكشوف يا أمي ..."
نظرت زهرة نحو ملامح همسة المحبطة فقالت بحزم رافضة تدخل ولدها السافر في ابنة شقيقتها :-
" كلا يا راغب .. الفستان رائع وغير مكشوف ..."
ثم أشارت الى همسة :-
" اذهبي انت عزيزتي فالسائق ينتظرك خارجا ..."
" ولكن يا أمي ..."
قالها رافضا عندما منحته زهرة نظرة محذرة ثم أشارت لهمسة بعينيها أن تتحرك فتحركت الأخيرة بسرعة متجهة خارج القصر ليهتف راغب بغضب :-
" كيف تفعلين هذا يا أمي ...؟! الفستان مكشوف ..."
قاطعته زهرة بهدوء :-
" اسمعني يا راغب ... أنا أتفهم خوفك وحرصك على همسة وهالة كما تفعل مع توليب ولكن عليك أن تفهم إنني المسؤولة الاولى عنهما ... أنت تتصرف مع همسة بطريقة خانقة للغاية ... "
" لكن ..."
قاطعته مجددا :-
" لا يوجد لكن ... همسة مسؤوليتي وأنا أدرى بمصلحتها ... "
أضافت بثبات :-
" اترك الفتاة وشأنها يا راغب .. همسة صغيرة ورقيقة ... هي أرق من أن تتحمل طباعك الخشنة في التعامل معها ..."
أنهت كلماتها وغادرت ولم تدرك إن كلماتها تلك حركت شيئا مختلفا داخله هذه المرة ...
تلك الرقيقة باتت تشكل خطرا عليه .. خطرا لا فرار منه ...
******************
دلف كرم الى مكتب راغب بتوتر تمكن منه لوهلة فهو رغم استعداده السابق لهذا اللقاء لكن عاد التوتر يغزوه لوهلة فهو مقبل على مقابلة مع شخص يمتلك هيمنة شديدة سمع عنها من قبل ..
شخص ينتظره معه لقاء سيحدد مصير علاقته بمالكة قلبه التي تاق كثيرا ليكون معاها ...
نهض راغب يستقبله مبتسما برزانته المعهودة ليمد كرم كفه مرددا بتحية هادئة واحترام واضح للرجل الذي يكبره بأعوام كثيرة :- 
" سعدت برؤيتك يا بك ...."
" أهلا كرم ...."
قالها راغب وهو ما زال محتفظا بنفس الابتسامة الهادئة الرزينة وهو يشير له أن يجلس بعدها الى الكرسي المقابل فاتخذ كرم مكانه على الكرسي بينما عاد راغب بدوره الى كرسيه ثم سأله :-
" ماذا تحب أن تتناول ....؟! "
هتف كرم بجدية :-
" قهوة معتدلة إذا أمكن ..." 
" بالطبع ..."
قالها راغب وهو يتصل بسكرتيرته يطلب منها أن تجلب لهما فنجانين من القهوة قبل أن يعاود النظر نحو كرم الذي قرر أن يبدأ حديثه ...
قال كرم بجدية :-
" في الحقيقة أنا أتيت للتحدث معك بشأن رغبتي بالزواج من هالة ..."
هز راغب رأسه مرددا بتفهم :-
" نعم ، هالة أخبرتني بذلك .... "
أضاف راغب بجدية :-
" وأنا لا مانع لدي مبدئيا بعدما سألت عنك وعن عائلتك وسمعت كل خير عنكما ..."
ابتسم كرم براحة ليضيف راغب :-
" ولكن مع هذا يجب أن أتحدث معك وأسمع منك ... يعني حدثني عن نفسك يا كرم ..."
أضاف بجدية :-
" هالة ليست فقط ابنة خالتي و أختي في الرضاعة وشقيقة زوجتي ... هالة بمثابة ابنتي يا كرم وهذا ما يجعل مكانتها مختلفة للغاية وعليك بدورك أن تفهم ذلك .... أنا لن أمنح هالة لشخص دون أن أثق به وبقدرته على حمايتها ومراعاتها دائما وأبدا ..."
كانت كلماته حازمة رغم هدوئها فابتسم كرم بهدوء مرددا :-
" أنا أحب هالة حقا ... أحبها كثيرا ... وأعدك إنني سأفعل المستحيل لتكون سعيدة معي ومرتاحة ... هالة مهمة عندي لدرجة لا يمكنك أن تخيلها ... "
توقف عن حديثه وهو يرى الموظف يدخل وهو يحمل فنجاني القهوة معه ليقدم القهوة لكليهما عندما حمل راغب فنجانه يرتشف منه القليل قبل أن يهتف بجدية :-
" جيد يا كرم ... والآن حدثني عنك قليلا ... صحيح أنا سألت عنك مسبقا ولكنني أرغب في سماعك وأنت تتحدث عن نفسك ووضعك ومخططاتك للمستقبل خاصة إذا تزوجت من هالة ..."
أخذ كرم يتحدث ويخبر راغب بالكثير عنه وراغب بدوره تجاوب معه و أنصت له باهتمام ...
انتهت المقابلة بشكل جيد وقد اتفقا على أن يأتي كرم مع عائلته لخطبة هالة بعد عودة راغب مع عائلته من السفر ...
ما إن خرج كرم من مقر الشركة حتى سارع يتصل بهالة التي سألته بسرعة وقلق لا إرادي :-
" ماذا حدث ...؟! "
قال بسرعة وسعادة :-
" اطمئني ... كل شيء بخير ... سآتي مع عائلتي لخطبتك بعد عودة زوج شقيقتك من السفر ..."
" حقا ..؟!"
صاحت بها هالة حماس وهي تضيف :-
" الحمد لله ... لقد مرت على خير ..."
سألها باهتمام :-
" هل كنت تخشين من عدم سير الأمور بشكل جيد ...؟!"
أجابت هالة بسرعة :-
" ليس تماما ولكن راغب صعب قليلا ...."
هتف كرم بتلقائية :-
" إنه مهيب ..."
ضحكت هالة مرددة :-
" نعم هو كذلك .... "
أكملت مضيفة :-
" أنا أحبه كثيرا ... هو تحديدا معزته مختلفة عندي ... كما إنني مدللته ..."
قالت جملتها الأخيرة بغرور مصطنع عندما أكملت بعدها :-
" حسنا إذا ... أنتظرك مع عائلتك قريبا ..."
" كلي شوق لذلك يا هالة ..."
قالها بحب لتبتسم ثم تسأله :-
" صحيح ، ماذا قالت والدتك بشأني ...؟!"
ظهر التوتر على ملامحه عندما قال كاذبًا :-
" ماذا ستقول مثلا ..؟! فرحت كثيرا بهذا الخبر وهي تريد رؤيتك بأقرب وقت ...."
أخذ يثرثر معها بعدها وهو يتجه نحو سيارته حيث ركبها وقادها متوجها الى منزله عندما وصل الى المنزل بعدها ليدلف اليه وهو ينادي على والدته بحماس ....
هبطت والدته فوق درجات السلم وهي تتسائل :-
" ماذا هناك يا كرم ...؟!"
هتف مبتسما :-
" سنذهب نهاية الاسبوع القادم لخطبة هالة من عائلتها ..."
تجهمت ملامح تهاني قائلة :-
" بهذه السرعة ..؟! ما بالك مستعجل هكذا ..؟!"
قال كرم بجدية :-
" ولمَ سأفعل ..؟! مالذي أنتظره ...؟! أنا أحبها وأريدها ... "
قاطعته بضيق :-
" ما زلت في الثانية والعشرين من عمرك ... لم العجلة ...؟!"
أكملت بتجهم :-
" ألا يكفي إنك اخترت فتاة تكبرك بعامين ووالدها رجل بسيط ..؟!"
زفر كرم أنفاسه مرددا بضيق :-
" أحبها يا ماما .. كما إنها من عائلة جيدة ومحترمة .... وطبيبة ..."
قالت ببرود :-
" هذا لا يكفي .."
أضافت وهي تتجه نحو الكنبة تجلس فوق بترفع :-
" برأيي ألا تستعجل ... اهتم بمستقبلك حاليا واترك الزواج فيما بعد ... أنت ما زلت صغيرا على الزواج ومسؤولياته ..."
قال كرم باصرار :-
" أخبرتك إنني أحبها وأريدها وسأتزوجها ..."
أنهى حديثه قبل أن يغادر المكان متوجها الى غرفته :-
" أتمنى أن تفهميني وتحترمين قراري ..."
**********************

9




                
تقدمت هالة نحو توليب التي تجلس تعبث بجهازها اللوحي مرددة بسعادة :-
" باركي لي يا تولاي ..."
ابتسمت توليب مرددة :-
" المقابلة مرت على خير إذا ...!"
أومأت هالة برأسها بسعادة قبل أن تعانقها بفرحة عفوية وهي تخبرها :-
" انا سعيدة حقا يا تولاي ... منذ أيام قليلة تخرجت رسميا من الجامعة وحققت طموحي وأصبحت طبيبة كما تمنيت وقريبا سأرتبط بكرم رسميا ..."
ابتسمت تولاي بهدوء ورغما عنها اتجهت افكارها نحو ابن عمتها الذي تعرف جيدا إنه لم يتخطى هالة بعد ...
تابعت هالة تغير ملامحها لوهلة فسألتها بجدية :-
" ماذا هناك يا تولاي ...؟!"
تمتمت تولاي :-
" مبارك عزيزتي ..." 
ثم ابتسمت بهدوء بدا غير كافيا لهالة التي كانت تنتظر ردة فعل مختلفة منها فسألتها بحيرة :-
" ألست سعيدة لأنني سأتزوج ...؟!"
قالت توليب بسرعة :-
" بالطبع ..."
أضافت بابتسامة :-
" انا سعيدة لأجلك .. مبارك حبيبتي ..."
نظرت لها هالة بشك فمنحتها توليب ابتسامة بريئة لترفع هالة حاجبها متسائلة :-
" ماذا هناك يا تولاي ..؟! أنا أعرفك جيدا من نظرة عينيك ... "
قالت توليب رافضة أن تبوح بمكنونات قلبها لها فتسبب لها الضيق وربما الحزن :-
" صدقيني لا يوجد شيء ... "
منحتها هالة نظرة تعرفها توليب جيدا وهي تهتف باصرار :-
" تولاي ...!!"
" حسنا ..."
قالتها توليب ثم زفرت انفاسها قبل ان تضيف :-
" رغما عني فكرت بأثير ..."
تجهمت ملامح هالة وهي تتسائل :-
" لماذا تفكرين به ..؟! لا أعتقد إن الأمر يهمه أساسا .. لقد مرت سنوات و ..."
قاطعتها توليب :-
" هل تعتقدين ذلك ...؟! هو كان يحبك ..."
" وأنا أحببته ..."
قالتها هالة وهي تضيف بصدق :-
" وأنت تدركين ذلك جيدا ... لكن هذا ما حدث ... ليس مقدر لنا أن نكون سويا .. اتمنى أن يجد الفتاة المناسبة والتي تسعده ..."
قالت توليب بسرعة :-
" أنا آسفة ..."
" لا تعتذري يا تولاي ..."
هتفت بها هالة وهي تضيف :-
" أنا أتفهمك ... "
أضافت بشرود :-
" لكن صدقيني هذا الأفضل لكلينا ... صدقي ذلك ..!"
همست توليب باحباط :-
" اتمنى ذلك حقا ..."
قالت هالة بجدية :-
" اسمعيني يا تولاي ... أنا وأثير لم نكن لنناسب بعضنا ... أنا اتخذت القرار الذي يصب في صالح كلينا ... يوما ما ستفهمين ذلك وهو كذلك ..."
قالت توليب بتردد :-
" ولكن من حقه أن يعرف سبب تركك له بهذه الطريقة على الأقل ...؟!"
قالت هالة برفض سريع :-
" كلا يا تولاي ... إياك أن تتطرقي لهذا الموضوع مجددا ... من فضلك ..."
أومأت توليب برأسها على مضض لتسألها بعد لحظات مبتسمة محاولة أن تبدد ما تسببت به من انزعاج لهالة ظهر بوضوح على ملامح وجهها :-
" والآن أخبريني ... متى سيأتي مع عائلته ...؟!"
أجابت هالة بهدوء :-
" بعد عودة راغب وهمسة والأولاد من دبي ..."
قالت توليب بحماس :-
" إذا لدينا زفاف قريبا ...." 
أكملت تتسائل :-
" ستتزوجين بسرعة أم ستكون هناك فترة خطبة في البداية ..."
قالت هالة بجدية :-
" سنتزوج كي نعود الى أمريكا سويا ونكمل دراستنا هناك ..."
" ألا تخشين أن تتزوجي بسرعة دون فترة خطبة ...؟!"
سألتها توليب بجدية لتقول هالة ضاحكة :-
" أي سرعة بالله عليك ..؟! أنا أعرف كرم منذ أعوام ..."
قالت توليب بجدية :-
" ولكن الخطبة شيء مختلف وكذلك الزواج ..."
طمأنتها هالة :-
" لا تقلقي .. انا وكرم متفقين تماما ... "
" هل تعلمين ...؟! أنت محظوظة لإنك وجدت شخصا تحبينه الى هذه الدرجة ويبادلك هو مشاعرك بدوره ..."
" أنا أحبه لإنه يشبهني ... يهتم بي ... يراعيني ... يفهمني جيدا ... هو مثالي في كل شيء ... هو يستحق قلبي ومشاعري ... هو يستحقني ..."
قالتها هالة بحالمية قبل أن تنظر الى توليب مضيفة :-
" وأنت أيضا ستجدين هذا الشخص ... ثقي بذلك ..."
همست توليب بخفوت :-
" لا أعتقد ذلك يا هالة ..."
" تولاي عزيزتي ... لا تفكري بهذه الطريقة ..."
أخذت نفسا ثم اضافت :-
" أنت فقط توقفي عن التفكير بإبن خالك ..."
قالت توليب بسرعة :-
" انا بالفعل لا أفكر به ... لم سأفعل ذلك وأنا أدرك استحالة اجتماعنا ...؟!"
أضافت بخفوت :-
" براء لا يراني ولا يعرف عن مشاعري شيئا أساسا ولن يعرف ..."
قالت هالة بجدية :-
" مشاعرك هذا ليست حقيقية ..."
قالت توليب بضيق :-
" ألا تتوقفين عن قول هذا ...؟!"
قالت هالة باصرار :-
" لإنه حقيقي ... انت لا تحبين براء ... أنت تحبين شخصيته اللطيفة الودودة ... ترين فيه الشاب العاطفي الرومانسي ... الذي يحب الشعر والروايات مثلك ... الشاب الحالم المختلف عن بقية الشباب ... أنت مغرمة بتفاصيل شخصيته التي تمثل تجسيدا لشخصية فارس أحلامك الذي تمنيته طويلا ... "
هتفت توليب بحيرة :-
" لا أعلم ، ربما ما تقولينه صحيح ..."
قالت هالة بثقة :-
" هو كذلك يا عزيزتي وستدركين هذا في الوقت الذي تجدين فيه حبك الحقيقي ..."
تنهدت توليب مرددة :-
" اتمنى ذلك حقا يا هالة ..."
ثم أغمضت عينيها بعدما تسطحت فوق السرير وشردت في حديث هالة الأخير تتسائل عن مدى صحته ..
********************
يقف في شرفة جناحه مستندا على سور الشرفة يحمل بيده كوبا من القهوة يتأمل السماء المظلمة بشرود متذكرا اعترافها له بحبه الذي ما زال يسكن قلبها ..
" أنا ما زلت أحبك يا راجي ... كنت ولا زلت أحبك ... "
كلماتها حركت داخله شيئا لا يستطيع إنكاره فهو بطبيعته رجل لا يميل للإنكار ..
رجل واضح وصريح للغاية مع نفسه ولا يميل لاخفاء مشاعره او انكارها ...
هو ما زال يمتلك مشاعرا نحوها ...
ربما مشاعره ليست كالسابق وهذا أمر طبيعي نتيجة فراقهما لأعوام لكنه ما زال يميل لها ...
ما زال قلبه يميل لها ...
لقد ظن إنه نساها بالفعل ...
شغلته زحمة الأيام عنها ولكن عودتها أعادت له مشاعره ...
اعترافها بدا غير مناسبا أبدا وفي توقيت كان بالنسبة له الأسوأ فهو كان حائرا يحاول أن يحدد حقيقة مشاعره بعد عودتها لتأتي هي وتحبط محاولاته باعترافها الذي شتته أكثر ...
تذكر نبرته الحازمة وهو يخبرها ما إن استوعب ما نطقت به :-
" لا داعي لهذا الكلام من فضلك..."
همست نغم :-
" راجي أنا ..."
قاطعها بسرعة :-
" أتفهم طبيعتك الشفافة المعتادة ولكن نحن لم نعد كالسابق ... نحن لم نعد هذين الطالبين المنطلقين كما كنا ..."
هتفت بسرعة :-
" ما علاقة هذا الآن ...؟! أنا أحبك ... لم أتوقف عن حبك ..."
قال بسخط :-
" علاقته إنني لست راجي القديم ... لقد تغيرت ... وهذا طبيعي نتيجة مرور سنوات على ذلك الوقت الذي كنا فيه حبيبين مغرمين ببعضنا ..."
" هل توقفت عن حبي ..؟!"
سألته بلهفة ليزفر أنفاسه ثم يجيب :-
" أنت بالتأكيد لا تنتظري أن تبقي مشاعرك نحوك على حالها بعد أكثر من عشرة أعوام على انفصالنا ..."
قال كلماته بحزم وهو يضيف منهيا هذا الحوار الغير مرغوب به :-
" يجب أن أغادر الآن ... عن إذنك .."
ثم تحرك بهدوء بعيدا عنها تاركا إياها تتخبط بين فوضى مشاعرها التي تحطمت كليا بسبب حديثه وما قاله ...
أفاق من شروده على صوت طرقات على باب جناحه ليغادر الشرفة ويضع كوبه فوق الطاولة ويتجه لفتح الباب عندما وجد والدته أمامه فمنحها ابتسامة ودودة وهو يرحب بها ...
 دلفت زهرة الى داخل الجناح وهي تخبره :-
" أتيت لأتحدث معك قليلا ..."
قال راجي وهو يتبعها بعدما أغلق باب الجناح :-
" بشأن علا ، أليس كذلك ...؟!"
هزت رأسها وهي تهتف :-
" الفتاة رائعة يا راجي ... مالذي ينقصها لترفضها ..؟!"
قال بسرعة :-
" لا ينقصها شيء يا أمي ..."
أضاف بتروي :-
" أنا فقط لست مستعجلا .. "
" بني أنت تكبر لا تصغر ..."
قالتها بصوت جاد وهي تضيف :-
" عليك أن تستقر في حياتك وترى أولادك حولك ...."
ابتسم قائلا بهدوء :-
" باذن الله ... ولكن الفتاة صغيرة و ..."
زفرت أنفاسها مرددة :-
" ليست صغيرة الى هذا الحد يا راجي ... الفتاة في السادسة والعشرين من عمرها ..."
قال بجدية :-
" تصغرني بإحدي عشر عاما يا أمي ..."
" وهمسة تصغر راغب بأكثر من عشرة أعوام ..."
قالتها زهرة باصرار ليهتف بخفة :-
" أنت مصرة إذا ....."
تقدمت نحوه تربت على وجنته مرددة :-
" أريد أن أفرح بك يا راجي ...."
تنهد قائلا وهو يربت على كفها :-
" حسنا ، امنحيني وقتا اضافيا للتفكير ... "
أومأت برأسها مرددة :-
" حسنا يا راجي ... ولكن عدني أن تفكر جيدا وتنظر الى الأمور من جميع النواحي ..."
قال بصدق :-
" أعدك .."
ابتسمت له ثم أخبرته إنها ستغادر لمتابعة تحضير العشاء عندما اتجه هو بعدها حاملا كوب قهوته متوجها به نحو المطبخ قبل أن يجد شقيقه جالسا في حديقة القصر يتابع أطفاله الثلاث وهم يلعبون كرة القدم حيث سيف ونزار يلعبان ضد بعضيهما وابراهيم يركض بينهما بشقاوة ....
اتجه نحوه ليهتف راغب بجدية :-
" وأخيرا غادرت صومعتك يا حضرة الطبيب ..."
جلس راجي قباله على الطاولة الموضوعة في أحد أركان الحديقة ثم قال :-
" كيف حالك ..؟! لم أرك منذ يومين ... كنت مشغولا في عملي ..."
قال راغب بجدية :-
" وأنا مثلك ... مشغول في عملي كالعادة ..."
تنهد راجي مرددا :- 
" بات العمل يسرقنا من بعضنا ...."
هتف راغب ممازحا :-
" وعندما تتزوج وتكون عائلة سوف يسرقك أكثر بعد ..."
أضاف وهو يرتشف القليل من قهوته :-
" ما أخبار العروس التي جلبتها والدتك ...؟! هل ستوافق ...؟!"
هتف راجي بخفة :-
" تعلم بكل شيء إذا ...."
قال راغب بثقة :-
" أنا الكبير يا باشا ..."
ضحك راجي ثم تنهد مرددا :-
" لم أقرر بعد ..."
سأله راغب باهتمام :-
" ومالذي يجعلك مترددا ...؟!"
أجاب راجي :-
" الكثير ، لست متأكدا من صحة الخطوة ...."
أكمل يصارحه بما يسيطر عليه هذه الفترة :-
" هل تعلم إن نغم عادت ...؟! "
اتجه راغب بكامل انتباهه نحوه قائلا :-
" نغم ، حبيبتك في أيام الجامعة .. مالذي عاد بها بعد كل هذه السنوات ...؟!"
تنهد راجي قائلا :-
" لا أعلم ... ربما لإنها تطلقت ..."
هتف راغب بعدم رضا :-
" تطلقت إذا ...! وهل تريد إعادة الأيام الخوالي ..."
لم يجبه راجي فأضاف راغب :-
" وماذا عنك ...؟! هل تريد ذلك أيضا ...؟!"
أجاب راجي بصدق :-
" لا أعلم ... حقا لا أعلم ..."
هتف راغب بجدية :-
" أنت الآن مضطربا بسبب عودتها المفاجئة ولكن مع مرور الوقت ستفهم إنها لم تعد داخلك ..."
سأله راجي بحيرة :-
" ومالذي يجعلك واثقا من هذا ..؟!"
قال راغب :-
" لإنك تجاوزتها .. وهذا واضح للغاية ..."
" ربما يخيل لك ذلك ..."
قالها راجي بخفوت ليزفر راغب أنفاسه بضيق بينما أكمل راجي :-
" على العموم هذا حديث سابق لآوانه ... "
سأله راغب بتجهم :-
" لا أعتقد إن عودتكما ممكنة يا راجي ... نغم لم تعد تناسبك ..."
باغته راجي قائلا :-
" لإنها مطلقة ...أليس كذلك ...؟!" 
ثم أكمل :-
" ولكنك تعرف جيدا إنني لا أفكر بهذه الطريقة ..."
قال راغب بسرعة :-
" ليس لهذا السبب فقط ... فكرة إنها تزوجت من غيرك وتركتك تبدو لي ليست مقبوله ..."
" كانت مجبرة يا راغب ..."
قالها راجي بجدية ثم أضاف موضحا بعدما لاحظ نظرات شقيقه الغير راضية عن حديثه :-
" أنا لا أبرر لها ... ولكن من الضروري التذكير بهذا ... لا يمكنني لومها بشكل كامل ... هي كانت مجبرة لا مخيرة ... هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها ..."
أخذ نفسا عميقا ثم أضاف :-
" وبكل الأحوال فهذا الحديث سابق لآوانه ... دعنا منه الآن ..."
هز راغب رأسه متفهما ثم قال :-
" صحيح ، انا سأسافر الى دبي بعد يومين مع همسة والاولاد ..."
" جيد الأولاد يحتاجون الى عطلة ..."
قالها راجي مبتسما ليهز راغب رأسه مؤكدا ما قاله عندما نادت والدتهما عليهما تخبرهما إن العشاء بات جاهزا لينادي راغب بدوره على أولاده يطلب منهم العودة الى الداخل لتناول العشاء ...
على مائدة الطعام ترأس عابد المائدة بينما أخذ الجميع مقاعدهم حيث زهرة على يمينه وجانبها كلا من راجي و توليب وهالة وفيصل وعلى يساره كلا من راغب وهمسة  ومهند والأولاد الثلاثة ليبدأ الجميع بتناول طعامهم والأحاديث سائرة بينهم كالعادة ...
..................................
في صباح اليوم التالي ...
كانت نغم تتحرك بحيوية كعادتها في المشفى حيث تحيي كل من تمر أمامه وتوزع ابتسامتها العذبة على الجميع ....
كانت تمتلك جاذبية خاصة ...
جاذبية تجعلها تنال محبة الجميع بسهولة ....
وقفت تتحدث مع إحدى الممرضات بنبرة ودودة حتى رأتها تتقدم بملامحها المبهمة نحويهما عندما هتفت بخفوت :-
" صباح الخير ..."
" صباح النور .."
ردت عليها نغم بتلقائية وكذلك الممرضة عندما سألتهما أروى عن مكان أحد الأقسام لتجيبها الممرضة بينما سألتها نغم باهتمام :-
" أنت جديدة هنا ...؟!"
أومأت أروى برأسها تجيبها :-
" نعم ، بدأت عملي اليوم ..."
قالت نغم بسرعة وابتسامة تعلو ثغرها :-
" رائع ، وأنا جديدة أيضا ... بدأت العمل منذ أيام قليلة ..."
ثم مدت يدها تعرفها عن نفسها :-
" أنا نغم ، أخصائية في أمراض الجهاز الهضمي ..."
ردت أروى تحيتها بهدوء وهي تخبرها :-
" أهلا بك ... أنا أروى ... أدرس حاليا تخصص الجراحة العامة ..."
هتفت نغم ببسمة صافية :-
" تشرفت بمعرفتك يا أروى ..."
ثم أخبرتها بعدما استأذنت الممرضة للذهاب الى عملها :-
" ما رأيك أن أعرفك على المشفى بما إنني سبق وتعرفت عليها قبل أيام ...؟!" 
سارت أروى جانبها مرددة بهدوء :-
" يسعدني ذلك ..."
أخذت نغم تتحدث وتثرثر بعفوية كعادتها وقد لاحظت تحفظ أروى الواضح وهدوئها الشديد ...
وقفت تتبادل الاحاديث معها في كافيتريا المشفى وقد بدأت أروى تندمج قليلا معها عندما رأت راجي يدلف الى الكافيتريا متجها ليأخذ مشروبا دافئا له عندما وقع بصره عليها فوجدها تنظر له بثبات ...
هز رأسه بتحية سريعة وهو يتوجه ليأخذ مشروبا له ليجدها تشير له بعد لحظات فتقدم نحوها وهو يحمل مشروبه لتخبره وهي تعرفه على أروى :-
" دكتورة أروى ... زميلة جديدة لنا في المشفى ..."
أشارت نحوه مضيفة :-
" دكتور راجي ... من أمهر الجراحين في المشفى .."
مد راجي كفه يحيي أروى التي أجابت تحيته بخجل وارتباك دائما ما ينال منها في حضرة وجود أي رجل عندما قالت أروى بعدها :-
" عن إذنكما ... سأذهب الى قسم الجراحة لأتعرف على زملائي والمرضى أيضا .."
ثم غادرت بسرعة دون أن تنتظر ردهما لتنظر نغم نحو راجي تتمتم بجدية :-
" نحتاج أن نتحدث قليلا يا راجي ..."
هز رأسه بصمت عندما تحركا نحو احدى الطاولات لتجلس قباله فيخبرها بجدية :-
" أسمعك يا نغم ..."
مالت بجسدها نحوه تخبره بثبات :-
" ماذا يحدث يا راجي بالضبط ...؟! أخبرني بوضوح ... هل أنت غاضب مني ...؟! هل يزعجك وجودي معك من جديد ...؟! "
رد بجدية :-
" ولم سأغضب منك يا نغم ...؟!"
قاطعته بتجهم :-
" ربما بسبب ما حدث في الماضي ..."
رد بهدوء :-
" كان ماضي وانتهى ... لقد مر وقت طويل ..."
" نعم كان كذلك ...."
قالتها باقتضاب وهي تضيف بجمود :-
" أعتذر بسبب ما قلته آخر مرة ... انا فقط تصرفت بتلقائية كما اعتدت ... أفصحت عن مشاعري دون تردد لكن يبدو إنني أخطأت ..."
كانت ترتدي قناع الجمود وهي تتحدث بينما داخلها مشاعر متضاربة من الضيق والحزن والأسف ....
قال راجي بجدية وهو يشعر إنه تصرف معها بطريقة ليست جيدة :-
" أنا لا أقصد يا نغم ولكن ..."
توقف لوهلة يأخذ نفسا عميقا قبل أن يضيف :-
" هل تصدقيني لو أخبرتك إنني مشتت للغاية هذه الفترة ...؟!""
سألته بتردد :-
" بسبب مجيئي ...؟!"
أومأ برأسه وهو يضيف :-
" وأشياء أخرى بالطبع ..."
قالت بسرعة :-
" يمكنني أن أختفي من أمامك ... "
أضافت بصدق :-
" لا أريد التسبب بأي إزعاج لك ... "
تنهد مرددا :-
" لا تفعلي هذا يا نغم ..."
" أنا آسفة يا راجي ..."
همست بها وهي تضيف :-
" أعدك إنني لن أظهر أمامك مجددا بعد الآن ..."
نهضت من مكانها مسرعة تاركة إياه يتابع بقلب موجوع ليشعر بالضيق من نفسه لما تسبب به لها ...
لقد أحزنها بشدة وهي لا تستحق أن تحزن ....
***************
كانت تجلس فوق ركبتيها وهي تربط حذاء طفلها الصغير بينما تهتف به :-
" ألن تتوقف عن فك رباط حذائك يا كريم ...؟!"
هتف كريم ببضعة كلمات طفولية غير مفهومة فهو ما زال لا يتفوه سوى بالقليل جدا من الكلمات مما أثار قلق نانسي خاصة وهي ترى طفلتها بدأت تتحدث العديد من الكلمات بشكل جيد عكس توأمها حتى أخذته الى الطبيب بسبب خوفها من وجود مشكلة ما ليطمأنها الطبيب إن وضعه طبيعي جدا وإنه ما زال صغيرا ....
سمعت كاميليا تسألها عن شمس فأخذت تعدل شعرها وهي تخبرها :-
" سآخذك مساءا الى هناك لكن بعد قليل سنذهب عند جدتك وخالك وهايدي ...."
ثم أشارت الى الصغيرين أن يتجهان خارج الغرفة حيث سيذهبان ليران جدتهما ويلقيان عليها التحية قبل مغادرتهما ...
ما إن غادرا الغرفة حتى وجدا شريف أمامهما فركضا نحوه بسرعة وهما يصرخان بفرح ليحمل كليهما وهو يحتضنهما بسعادة بينما تقدمت نانسي بدورها نحوه تهتف بابتسامة :-
" صباح الخير يا شريف ..."
هتف شريف :-
" صباح الخير يا نانسي ..."
ثم سألها باهتمام :-
" هل ستغادران ...؟!"
أجابته بجدية :-
" سنذهب اليوم لتناول الغداء عند اهلي ولكن سيمر الأولاد قبلها على والدتك ليتناولان الفطور معها ..."
" لنذهب سويا اذا ..."
قالها وهو يهم بالتحرك لتقول بسرعة :-
" هات أحدهما يا شريف ... "
قال بجدية :-
" دعيني أحملهما ... أنت تعرفين إنني أحب أن أحملهما دائما ..."
ابتسمت بهدوء وتبعته حيث دلفت الى غرفة حماتها التي استقبلتها مرحبه بحرارة فسارعت تقبلها من وجنتيها ...
حماتها التي تتعامل معها كأم حقيقية ولا تتوقف عن اظهار امتنانها الشديد لبقائها على ولدها رغم كل افعاله ...
جلس كلا من نانسي وشريف مع نجاة التي أخذت تتحدث مع الاولاد وتقبلهم كعادتها كل صباح عندما تقدمت الخادمة تخبرها إن الفطور جاهز في الشرفة فأشارت لهما أن يتبعانها الى هناك ...
جلس الثلاثة على طاولة الطعام ومعهما الأولاد عندما أخذت نانسي تطعم الطفلين فساعدها شريف ...
رمقته نانسي دون أن ينتبه بنظرات ممتنة لما يفعله مع طفليها فهو بالرغم من انشغاله الدائم في عمله الصعب إلا إنه يهتم بهما كما لو كان والدهما بحق ...
شعرت بالحسرة وهي تتذكر والدهما الذي لا يكلف نفسه ويسأل عنهما حتى ...
تنهدت بصمت متجاهلة أفكارها لكن سرعان ما تشكلت العبرات في عينيها وهي تتأمل صغيريها وهما يتناولان الطعام من يد عمهما الذي يتعامل معهما بحنو فتتسائل مجددا عن شعورهما مستقبلا عندما يكبران ويدركان رفض والدهما الصريح لهما ...
سارعت تمسح أسفل عينيها بخفة عندما نهضت نجاة متجهة خارج الشرفة بعدما انهت فطورها بينما نظر شريف لها فلاحظ احتقان ملامحها ليسألها بقلق :-
 " هل أنت بخير يا نانسي ...؟!"
ابتسمت بتصنع قائلة :-
" انا بخير يا شريف ... لا تقلق ..."
تنهدت مضيفة :-
 " هل يتصل صلاح بك يا شريف ...؟!"
" أحيانا ..."
قالها بفتور فهو الآخر بات نافرا للغاية من شقيقه لتسأله نانسي مجددا بتردد :-
" هل يسألك عنهما ...؟!" 
تأمل شريف الطفلين للحظات ثم قال :-
" نعم ...."
" لا تكذب من فضلك ..."
قالتها برجاء مؤلم ليقول بسرعة :-
" اقسم لك إنني لا أفعل .. صلاح لا يتصل بي الا نادرا ...ولكنه  يسأل عني وعن أمي والأولاد ... "
هزت رأسها بتفهم وهي تشيح بوجهها بعيدا ليقول شريف  بتروي :-
" انسي صلاح يا نانسي ... لا تضعي آمالا عليه ...."
" ماذا أفعل يا شريف ...؟! أقول بيني وبين نفسي عل وعسى يستيقظ من غفوته ويلحق أولاده ويتوقف عن اهمالهما بهذه الطريقة ..."
همست بها بنبرة موجوعة ليقول شريف بجدية :-
" انا أكثر من يتمنى ذلك يا نانسي ... اذا حدث ذلك واستيقظ صلاح من غيبوبته واستوعب خطأه خيرا على خير واذا لم يفعل فأنا هنا معكم ... سأكون بجانبهما دائما ... لا تقلقي ..."
همست بصعوبة :-
" ما ذنبك أنت ..؟!"
قاطعها بثبات :-
" هؤلاء أولادي ايضا ... انهما يحملان دمائي ... ينتميان لي ... لا تفكري أبدا بهذه الطريقة يا نانسي ..  من فضلك ..."
أومأت برأسها وهي تبتسم بامتنان ليبادلها ابتسامتها تلك ..  
" أنت تستحق كل خير يا شريف ..."
قالتها بصدق وهي تضيف بابتسامة صافية :-
" أتمنى أن يرزقك الله بمن تستحقك ..."
هتف ممازحا :-
" هل تبحثين عن زوجة لي يا نانسي ..؟!"
هتفت مبتسمة :-
" والدتك تريح أن تفرح بك يا شريف .... "
تنهد مرددا :-
" أعلم ..."
سألته بجدية :-
" وأنت ...؟! ألا تريد ...؟!"
شرد لثواني ثم أجاب :-
" حتى لو كنت أريد ... هذا لا يعني أن أستعجل في اختيار شريكة حياتي ... الأمر ليس سهلا ... "
أضاف بتروي :-
" لا أنكر إنني أرغب بالاستقرار وتكوين عائلة ولكنني أحاول أن أكون حذرا في اختياري خاصة إنني لم أجد الفتاة المناسبة بعد .."
هتفت بتفهم :-
" أفهمك يا شريف ... وأتمنى لك أن تجد الفتاة المناسبة في أقرب وقت ... فأنت حقا تستحق الأفضل ..."
ابتسم دون تعليق ورغما عنه شرد في أروى التي أدرك مشاعرها نحوه أخيرا بعدما كان غافلا عنها تماما ...
منذ ذلك اليوم وهو مضطرب فما عرفه كان صادما له ...
تجاهل أفكاره مقررا التوقف عن لوم نفسه فليس ذنبه كونه لم يشعر بها وليس ذنبه كونه لا يراها أكثر من ابنة عمه التي كانت و لا تزال  بمثابة شقيقته ... 
تنهد بصمت ثم عاد بانتباهه نحو طفلي شقيقه يلاعبهما حتى مر الوقت سريعا وغادر الى المشفى ليجد مدير المشفى يطلبه على الفور ...
ذهب هناك فوجد شابة تجلس معه عندما أشار له المدير ليدخل قائلا بجدية :-
" تعال يا شريف ... إنها مها ... ابنتي ..."
نهضت مها من مكانها وهي تتأمل ذلك الطبيب الذي يتحدث والدها عنه باستمرار ويمدحه طوال الوقت فهو استاذه الذي رأى به نفسه في شبابه ...
" مرحبا دكتور شريف ...."
قالتها مها وهي تبتسم له مرحبة ليرد شريف بابتسامة مجاملة :-
" أهلًا دكتور مها ..."
ثم سمع والدها يقول :-
" مها ستكون تحت تدريبك يا شريف ... أنت تعلم إنك أكثر شخص أثق به والوحيد الذي يمكنني أن أأتمنه على ابنتي الوحيدة ..."
****************
طرقت على باب الجناح ليأتيها صوته بعد لحظات سامحا لها بالدخول ....
دلفت الى الداخل بحذر لتقف لثواني تتأمل الجناح الذي لم تدخله منذ أكثر من عام ...
منذ سفره خارج البلاد حيث لم يطاوعها قلبها لتدخل جناحه وهو غائب عنه ...
" إياس ..."
تمتمت بها وهي تغلق الباب خلفها ليلتفت نحوها سريعا قبل أن يعاود النظر نحو المرآة مستمرا في تسريح شعره بينما هتف باقتضاب :-
" تفضلي ..."
شعرت بالمرارة تسيطر عليها مجددا كعادة باتت تلازمها كلما واجهته و رأت جفاءه الصريح لها ...
أعوام مرت وجفاءه نحوها يزداد لا يقل ...
تجاهلت وجع روحها وهي ترسم ابتسامة هادئة فوق شفتيها قائلة :-
" صباح الخير حبيبي ..."
اتجه نحو السرير يسحب سترته الموضوعة فوقه ويرتديها بينما يرد ببرود :-
" صباح النور ..."
تقدمت نحوه تخبره :-
" أنت بالطبع تعلم إنني كنت أبحث عن عروس مناسبة لك كما أراد جدك ..."
نظر لها باهتمام لتضيف :-
" أعتقد إنني وجدت الفتاة المناسبة ..."
اتسعت ابتسامتها وهي تخبره :-
" توليب الهاشمي ... ابنة عابد الهاشمي ... "
هتف بجدية :-
" إبنة عابد الهاشمي ..! سيجمعنا عملا قريبا ..."
هتف ألفت بحماس :-
"الفتاة رائعة ... وحيدته ... جميلة في منتصف العشرينات ... أنت بالطبع تعرف مكانة آل هاشمي ..."
قاطعها بجدية :-
" بالطبع ، سيكون نسبا مشرفا للغاية ..."
هتفت وهي تفتح هاتفها :-
" سأريك صورتها ... إنها جميلة ..."
قاطعها بعدم اهتمام :-
" لا داعي لذلك ..."
بهتت ملامحها وهي تسأله :-
" ألا تريد رؤيتها يا إياس ...؟!"
" وما الفرق ..؟!"
سألها بلا مبالاة لتهتف بجدية :-
" أنت تنوي خطبتها ... كيف ستفعل ذلك وأنت لا تعرف شكلها مبدئيا ... ربما لا تعجبك .."
تمتم ببساطة :-
" عائلتها تعجبني وهذا يكفي ..."
هتفت بعدم رضا :-
" هذا غير صحيح ..."
قال بملل :-
" بل صحيح ، المهم حاولي أن ترتبي الأمور بمعرفتك .. لن أتقدم لخطبتها قبل جس نبضهم أولا .. ربما هناك أحد ما في حياتها فترفض حينها.."
" لا أعتقد ذلك ... الفتاة تخرجت منذ ثلاثة اعوام تقريبا ولم تتزوج بعد ... لو كان هناك أحد في حياتها ما كانت لتنتظر حتى الآن .."
هتف مجددا :-
" مع هذا تأكدي أولا ..."
قالت بضيق :-
" هل تعتقد إن الفتاة ستوافق عليك بمجرد سماعها عنك من عائلتها ..؟؟ لا بد أن تراك ...."
قال ببرود :-
" لا مشكلة ، موافقتها على رؤيتي يعني إن الأمر توقف على قبولها لشخصي من عدمه وهذا أمر بسيط ...."
نظرت له بحيرة فيضيف بغرور :-
" لن ترفض شخص مثلي ... اطمئني من هذه الناحية.. المهم هو أن تتأكدين من عدم رفضها للمقابلة من الأساس فأنا لن أضع نفسي في موقف كهذا ..."
غمغمت باستسلام :-
" حسنا ..."
أكملت بتردد :-
" ولكن عليك أن تعلم إن ما تفعله ليس صحيحا وربما تندم عليه فيما بعد ..."
" بعيدا عن كوني شخص لا يندم على أي شيء ولكن لا أفهم ما هو الشي الغير صحيح من وجهة نظرك ...؟!"
سألها بسخرية لاذعة لتهتف بثبات :-
" طريقة اختيارك شريكة حياتك بهذه الطريقة المرفوضة بالنسبة لي ... أنت حتى لم تكلف نفسك عناء رؤيتها .. ربما لن تروقك ... هل يعقل إنك ستتزوج منها معتمدا فقط على اسم عائلتها ...؟!"
قال ببرود :-
" لأن هذا ما أحتاجه من هذه الزيجة... أنا أبحث عن زوجة لائقة ... شريكة حياة وأم مناسبة لأطفالي ...إمرأة يليق بها أن تحمل اسمي ... أفتخر باسمها ومكانة عائلتها في المجتمع ...زوجة مثالية يا والدتي العزيزة ..." 
سألتها بعصبية خفيفة :-
" وهل المثالية تقتصر فقط على اسم العائلة ...؟!"
رد باقتضاب :-
" بالنسبة لي ، هي كذلك ..."
قالت بصدق :-
" أنا تهمني سعادتك يا عزيزي ... يهمني أن أراك مرتاحا وسعيدا مع من إخترتها بقلبك وعقلك وليس بناء على ما تقتضيه مصلحتك ..."
هتف ببلادة :-
" مثل والدي يعني ..."
تجمدت ملامحها لوهلة قبل أن تهمس بصوت محتقن :-
" ماذا تقول يا إياس ...؟!"
هتف بقسوة وهو الذي كان ينتظر الفرصة ليلقي كلماته القاسية على مسامعها :-
" والدي اختارك بقلبه وما النتيجة ...؟! تزوجت بعده من شقيقه ... "
همست بصعوبة :-
" أنا لم أرتكب ذنبا ..."
قاطعها بحقد وجرح لا يرضى أن يشفى :-
" أنت قتلتيه مجددا في قبره ...."
اتسعت عيناه بينما دموع القهر ملأتهما ليضيف بقسوة :-
" قتلتيه مرارا ... مرة بخيانتك له في مشاعرك ومرة بزواجك من شقيقه بعد وفاته بعامين ..."
هتفت بسرعة :-
" توقف ، انت لا تعلم شيئا .. انا لم أخن والدك ... حتى في مشاعري ..."
" كنت تحبين عمي قبل زواجك منه ..."
صرخت بينما دموعها شقت طريقها فوق وجنتيها :-
" كنت ،، كنت يا إياس ولكن هذا انتهى منذ زواجي من والدك ...انا نسيت عمك ما ان تزوجت والدك ... "
هتف بسخرية مريرة :-
" نعم والدليل إنكِ تزوجت بعد وفاته منه مجددا .."
" هذه الزيجة كان لها ظروفها ..."
قالتها برجاء أن يصدقها ليهدر بقوة :-
" كلامك هذا لا يهمني ... هناك حقيقة واحدة ثابتة وهي إنك تزوجته رغم كل شيء .... "
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
" لكن برحمة والدي لن أمرر لكما هذا بسهولة ... لا لكِ ولا له ولا حتى لولده ... كل شيء قريبا سيصبح ملكي ... ملكي أنا يا والدتي العزيزة وحينها سينال كل شخص ما يستحقه .."
أنهى كلماته ووعيده ليسارع في سحب أغراضه الشخصية وهو يندفع خارج الجناح تاركا إياه منهارة فوق سريره وقد عاد ألمها الدفين يطفو حيث سطح روحها مجددا بعد كلماته المؤلمة ...
*****************
بعد مرور يومين ...
كانت تجهز حقائب السفر عندما دلفت زهرة الى جناحها وهي تسألها باهتمام :-
" هل انتهيت من تجهيز حقائبكم يا همسة ...؟!"
قالت همسة بجدية :-
" لم يتبق سوى القليل ... "
تقدمت زهرة نحوها مرددة بجدية :-
" هل تحتاجين الى مساعدتي بشيء ما عزيزتي ...؟!"
قالت همسة بجدية :-
" لم يتبق سوى ملابسي ...؟!"
ثم اتجهت نحو خزانتها تسحب لها عدة بيجامات حريرية فتابعتها زهرة باهتمام عندما قالت بجدية :-
" ما هذه البيجامات يا همسة ...؟! لماذا بيجاماتك محتشمة الى هذه الدرجة ...؟!"
توردت وجنتي همسة لا اراديا وهي تتسائل :-
" ما بها بيجاماتي يا خالتي ...؟!"
اتجهت زهرة نحو الخزانة وأخذت تبحث عن قمصان نوم مناسبة عندما سألتها :-
" أين قمصان نومك يا فتاة ...؟!"
" نحن سنذهب في سفرة يا خالتي ... ما الحاجة لقمصان النوم ...؟!"
قالت زهرة بجدية:-
" ابنتي ، انتما ستقضيان بضعة ايام خارج البلاد ... من المفترض أن تستغلي هذه الفترة في تدليل زوجك مساءا خاصة سيكون بدوره متفرغا لك وللاطفال .. لديكما المساء بطوله ..."
احتقنت ملامح همسة لتشيح بوجهها سريعا مدعية الانشغال بجمع اغراضها عندما تقدمت زهرة نحوها قائلة بجدية :-
" انظري الي يا همسة ..."
رفعت همسة وجهها نحوها بصمت فقالت زهرة بجدية :-
" كوني لا أتدخل ولا أتحدث بأشياء خاصة فهذا لا يعني إنني لا أدرك ما يحدث ... علاقتكما متوترة وأنا لست عمياء كي لا أرى ذلك ..."
قالت همسة بخفوت :-
" نحن بخير يا خالتي ...."
جذبتها زهرة من كفها وأجلستها على السرير ثم جلست جانبها وقبضت على كفها مرددة بصدق :-
" انت ابنتي يا همسة ومصلحتك تهمني كما تهمني مصلحة ولدي وأحفادي ... "
أخذت نفسا ثم اضافت :-
" لا تسمحي للفتور أن يصيب علاقتكما ... التوتر الدائم وتجاهل الفتور بينكما سيؤدي الى خراب علاقتكما يا ابنتي ... أنا لا أريدك أن تخسري زوجك يا همسة ... زوجك رجل جميع العيون منصبة عليه ... النساء يتهافتن حوله باستمرار .. لا أقول هذا لانه ولدي بل لإنها الحقيقة ... أنا أنبهك يا ابنتي ... هذه الرحلة ستكون فرصة لتحسين العلاقة بينكما ... حاولي أن تحسني الوضع .. حسنا يا صغيرتي ...."
هزت همسة رأسها بصمت لتضمها زهرة الى احضانها فتشبث بها همسة لا إراديا قائلة بصدق :-
" أحبك كثيرا يا خالتي ..."
طبعت زهرة قبلة على شعرها قائلة :-
" ليس بقدري يا حبيبة خالتك ..."
أغمضت همسة عينيها بحزن ورغما عنها فكرت في موقف خالته لو عرفت بتصرفاتها بل والأسوء لو علمت إنها من طلبت من زوجها أن يتزوج عليها ...
انتهى اليوم سريعا وجاء اليوم التالي حيث غادرت مع زوجها وأولادها متجهين الى دبي ...
كان الأولاد متحمسين للغاية خاصة لأجل ركوب الطائرة الخاصة ...!
جلس سيف في مقعده برزانة كعادته بينما نزار يثرثر بمرح اما ابراهيم فجلس وهو يتأمل الطائرة بفضول فهذه المرة الاولى التي يرى بها الطائرة ....
جلس راغب قبالها بعدما اطمئن على سيف ونزار بينما كان ابراهيم يجلس على المقعد جانبها ...
تابعها باهتمام فهو يعلم إنها تخشى لحظة الاقلاع للغاية ...
في كل مرة يسافران بها سويا كانت تشبث به بخوف يتمكن منها لكنها اليوم أصرت على أن تبقى بجانب ابراهيم ....!
أغمضت عينيها وهي تتشبث بولدها الذي بدا مستمتعا بما يحدث عندما شعرت بكفه الضخم يقبض فوق كفها الصغير بقوة ففتحت عينيها لتجده يمنحها نظرات مطمئنة جذبت انتباهها للحظات حتى استقرت الطائرة بالجو وسكنت هي قليلا ....
وصلا بعدها الى المطار ومنه الى الفندق الذي حجز راغب لهم به ...
اتجها الى الجناح حيث قررا الاستراحة قليلا قبل أن يذهبان بعدها الى مدينة الملاهي بناء على طلب الاولاد ...
هناك أخذ الأولاد يمرحون بسعادة بينما تتابعهم هي بابتسامة هادئة ...
كان راغب يهتم بالاولاد كثيرا ويراعيهم كثيرا ..
ورغم كل شيء كان عليها أن تعترف ، راغب الهاشمي أب رائع حقا ولكنه زوج فاشل بجدارة ...
مر الوقت سريعا وشعرت هي بالسعادة تنتقل اليها عندما رأت الفرحة في عيون أبنائها ...
انتهى اليوم بسعادة حلت على الجميع عندما صاح نزار في نهاية اليوم :-
" لنلتقط صورة سيلفي .."
فسارع سيف يفتح الكاميرا الأمامية وهو يطلب من والده أن يحمل ابراهيم كي يظهر في الصورة فحمل راغب ولده الأصغر وجذب همسة نحوها في حركة عفوية محيطا كتفيها بذراعيه ليصيح نزار بحماس :-
" ابتسموا ..."
ليبتسم خمستهم بصدق في صورة ستخلد ذكرى جميلة جمعت بينهم ...!
***************
حل المساء وعادوا أخيرا الى الفندق ...
الأطفال الثلاثة كانوا متعبين جدا بعدما قضوا اليوم كاملا يلعبون ويمرحون دون توقف ...
أخذتهم همسة الى غرفتهم حيث سارع سيف ونزار يغيران ملابسهما بينما أخذت هي تغير لابراهيم ملابسه ...
بعد ذلك ذهب كلا منهم الى سريره لتبقى معهم حتى غطوا في نومهم فابتسمت بحنو وهي تتحرك خارج الغرفة متجهة الى غرفتها مع زوجها في الجناح ....
دخلت الى الغرفة لتجده يتحدث مع أحد الموظفين يخبره ببضعة أمور هامة تخص العمل لتتجه هي نحو خزانة الملابس تسحب لها بيجامة محتشمة كي ترتديها بعدما تأخذ حماما دافئا طويلا تزيل به الارهاق الذي يسيطر على جسدها ويساعدها في نفس الوقت في الخلود الى النوم ...!
أخذت البيجامة وتوجهت نحو الحمام بينما كان هو مستمرا في حديثه عندما توجه بعدها نحو السرير ملقيا بجسده فوقه مغمضا عينيه بارهاق ...
خرجت من الحمام بعد مدة وهي ترتدي بيجامتها الحريرية بينما تحيط شعرها بالمنشفة ...
تأملها وهي تتجه نحو طاولة الزينة حيث فكت المنشقة لتتساقط خصلات شعرها المبللة ....
أخذت تجفف شعرها قبل أن تبدأ بتسريحه ثم رفعته عاليا على شكل ذيل حصان قبل أن تنهض من مكانها معيدة المنشفة الى مكانها ومتجهة نحوه حيث جلست على السرير وهي تخبره :-
" هل يمكننا التحدث ...؟!"
تنهد مجيبا :-
" بالطبع ...."
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
" أعترف إنني بالغت كثيرا بتصرفاتي الأخيرة ولكن ..."
توقفت تأخذ نفسا عميقا مجددا ثم تضيف بتروي :-
"هل تصدقني لو أخبرتك إنني لا أميل الى المشاكل والخلافات ...؟!"
تأملها بصمت أثار توترها ليهتف أخيرا :-
" دعينا نعترف أولا إنك تبالغين في تصرفاتك بشكل دائم يا همسة دون أن يكون هناك سببا محددا لهذا ..."
قاطعته برفض :-
" بل هناك سبب ... بالطبع هناك ..."
" حقا ..؟! وما هو ...؟! أخبريني أسبابك إذا ...."
التزمت الصمت بينما داخلها يتسائل كيف ستخبره عن تلك الأسباب المقرونة بتشتتها واضطراب مشاعرها ...
حياتها وضياعها ..
كيف تخبره عن الوحدة التي تبتلعها رغم الضجيج من حولها ...؟!
عن الفراغ الذي يملأ روحها والخوف الذي يزعزع كيانها دون رحمة ...؟!
كيف تشرح له مخاوفها ...؟! 
مخاوفها التي يجسد هو أكبرها وأهمها ...؟!
" لماذا لا تتحدثين ...؟!"
أفاقت من شرودها على تساؤله لترمش بعينيها مرددة بخفوت :-
" أنت لن تفهمني يا راغب ...."
سألها بوجوم :-
" لماذا ..؟! هل جربت يوما أن تحدثتي لي ولم أفهمك ...؟!"
تمتمت بخفوت :-
" راغب ... "
ثم أخذت نفسا وأكملت :-
" هل تتذكر فترة خطبتنا ...؟! و بداية زواجنا ...؟!"
ظهر التجهم على ملامحه قائلا :-
" من الأفضل ألا نتطرق لتلك الفترة يا همسة ... فترة بداية زواجنا فهي كانت فترة مليئة بالبؤس .. "
اضاف بنبرة ساخرة :-
" بفضلك طبعا ...."
انتفضت من مكانها تصيح به :-
" بسببي أنا ... بل بسببك أنت ... "
هدر بصوت آمر :-
" اخفضي صوتك ...."
ارتجف بدنها وهي تخبرها بغضب :-
" أنت سبب كل شيء ... ما نحن به الآن بسببك .... بسبب نزوتك تلك ... "
انتفض من مكانه يجذبها نحوه من ساعدها صارخا بها بغضب دفين :-
" قلت لا ترفعي صوتك ... ألا تفهمين ...؟!"
ارتجفت شفتيها للحظة عندما غرقت في بكائها ليزفر أنفاسه مرددا بعدم استيعاب:-
" يا إلهي .. كيف تحولت اللحظة من الهدوء التام الى شجار كهذا .. ؟!"
لا يستوعب حتى الآن كيف يحدث هذا ...
كيف يتحول نقاش بسيط بينهما الى شجار ...؟!
كان دائما ما يحدث هذا ...؟!
تأتي هي بنية الحديث والتفاهم فيتفاجئ بأن الحوار أخذ منحى مختلفا تماما وتحول الى شجار مريع لا يخلو من التفاصيل الغبية والذكريات المريرة ...
تأملها وهي تحيط جسدها بذراعيها وتبكي بصمت ليهمس بخفوت :-
" همسة من فضلك ..."
همست من بين أنفاسها المتقطعة :-
" أنت خنتني ورغم هذا تتهمني إنني السبب ... دائما ما تدعي إنني سبب كل شيء ... "
أكملت بدموع حارقة :-
" أنا دائما السبب ... دائما ..."
" همسة .. ارجوك .."
قالها برجاء أن تتوقف بينما بدت هي منهارة تماما وذكريات الماضي بدأت تقتحم مخيلتها مجددا عندما صاحت بوجع :-
" لماذا لم تطلقني حينها ...؟! لماذا أجبرتني على الاستمرار معك ...؟! "
جذبها مجددا من ساعدها يخبرها بحزم :-
" همسة .. الأولاد سوف يستيقظون على صوتك ...."
دفعته برفض :-
" ابتعد ... أنت السبب ...أنت سبب كل شيء .... أنا .."
توقفت عن الحديث لوهلة قبل أن تهتف بصوت متقطع :-
" أنا أكرهك ... بسببك حياتي كلها تغيرت ... بسببك أصبحت واحدة أخرى لا أحبها ولا أريدها ..."
كلماتها كانت تطعنه بالصميم ..
تصريحها بكرهه قتله بلا رحمة ... 
لم يستطع أن يفعل أي شيء ...
كان يعلم إنها لم تغفر بعد ولكنه بدوره لم يغفر أيضا ..
فهو إن كان أخطأ فهي أيضا أخطئت بل هي من دفعته لارتكاب هذا الخطأ الذي لم يغفره لنفسه حتى اليوم ...
تحدث أخيرا بصوت جامد لا حياة فيه :-
" سأطلقك يا همسة ... إذا كان هذا سوف يريحك .. سأطلقك ..."
صاحت بنبرة متعبة :-
" بعد ماذا ...؟! بعد عشرة أعوام ...؟! بعد انجابنا لثلاثة أطفال ..؟!" 
هتف متسائلا بحيرة وارهاق :-
" ماذا أفعل إذا ...؟؟ مالذي تريدينه ..؟! أخبريني ..."
رفعت عينيها الحمراوين نحوه لتهمس بصعوبة وقد عادت تلك الطفلة اليتيمة المحرومة من والديها :-
" أريد أبي وأمي ... أريدهما أن يعودا ... "
أضافت بمرارة :-
" لو لم يموتان ويتركاني ما كان ليحدث كل هذا ... "
تطلع لها بقهر لتضيف بصوت باكي :-
" ربما الأفضل أن أذهب لهما طالما هما لا يستطيعان العودة ...."
جذبها بعنف يصيح بها :-
" اخرسي ولا تتفوهي بهذه الحماقات مجددا ..."
كان يقبض على ذراعها بعنف بينما نظرت له هي بعينين متسعتين من تصرفه العنيف ...
نظراته تحدق لها بغضب مخيف وكأنه يتحداها أن تكرر ما قالته مجددا ...
جسده بدا نافرا بشكل واضح ...
وفي النهاية وجدت نفسها تلقي برأسها فوق صدره وتنهار باكية من جديدة بينما تجمد هو مكانه لا يستوعب ما فعلته ....
مد كفه نحو شعرها مرددا وهو يلمسه بحذر :-
" حسنا ، ابكي يا همسة ... البكاء سيريحك ..."
شددت من ضم نفسها داخل أحضانه وهي تبكي بصوت مكتوم حتى بللت الجزء العلوي من بيجامته عندما اتجه بها وهي ما زالت داخل أحضانه نحو السرير ليجلس معها عليه بينما ما زالت هي متشبثة به ...
لا يعرف كم مر الوقت حتى بدأت تهدأ تدريجيا ...
هدأت أخيرا وبدأت تستعيد وعيها عندما شعر بها تزيح نفسها قليلا من بين أحضانه لترفع عينيها الحمراوين بشدة نحوه تطالعه بأسف ورجاء تردد بصوت مبحوح :-
" أنا أسفة ... "
ملامحها في تلك اللحظة كانت مليئة بالوجع والهوان ...
بدت ضعيفة بشكل أثار حزنه وخوفه عليها ...
نظراته رغم كل شيء كانت صافية تحمل اعتذارا صادقا دون أن يفهم علام تعتذر ...؟!
هل تعتذر على بكائها فوق صدره ...
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
" لا تعتذري يا همسة ...."
نظرت له بعينين حزينتين ولم تكن تعلم كم يليق الحزن بعينيها الصافيتين مثلما يليق الفرح بهما ...
مد كفها نحو أسفل عينيها يمسح العبرات الملتصقة برموشها برقة لا تشبهه عندما أخبرها بحزم :-
" لا تبكي مجددا ... بكائك يضايقني ... حزنك يؤلمني ... لا أحب رؤيتك حزينة وباكية أبدا ...."
ارتجفت شفتيها لا إراديا وهي تسمعه يحدثها بهذه النبرة القوية الثابتة والتي بدت رغم قوتها مشحونة بالعاطفة ...
مالت بمقدمة رأسها فوق صدره مجددا تغمض عينيها باستسلام له وفي تلك اللحظة تجاهلت كل شيء ..
تجاهلت غضبها منه ... كرهها الذي أعلنته ... رفضها الدائم لقربه ووجوده ...
تجاهلت كل هذا وقررت أن تستسلم لحاجتها إليه ....
كتم أنفاسه داخل صدره من قربها المرهق ..
تلك الرقيقة ، الناعمة .. 
تغويه دون أن تدري ... 
تؤجج مشاعره ... 
تتسبب بغليان دماؤه ... 
تقتله بالبطيء... 
زوجته .. معذبته ومهلكة روحه ...
لم يستطع تجاهل ما يشعره كعادته في الفترة الأخيرة ...
لا يمكنه تجاهل رغبته الدفينة نحوها ...
هي إمرأة تحرك داخله كل المشاعر الممكنة ...
إمرأة تجذبه إليها ببساطة دون وعي منها ...
جذبها نحوه بقوة ..
عانقها بكل عنفوان وعاطفة متقدة ...
لم ينتظر منها استجابة ...
لم يبحث عن مردود منها ...
لا يحتاج تجاوبها فثورة مشاعره في تلك اللحظة كانت كافية لتجذب كليهما في دوامة عاطفته الملتهبة ...!
***************
كانت تجلس في غرفتها تعمل على حاسوبها بتركيز عندما دلفت شقيقتها تهتف بضيق :-
" ألم تتجهزي بعد يا أروى ...؟!"
قالت أروى بجدية :-
" لن أذهب يا نرمين ..."
اتجهت نرمين نحوها وجلست جانبها تخبرها بجدية :-
"" لا تفعلي يا أروى ... ستأتين معي ...."
أضاف باصرار :-
" غيري ملابسك هيا ..."
وضعت أروى حاسوبها جانبها وأشارت الى شقيقها برجاء :-
" لا تضغطي علي يا نرمين ... ارجوك ...."
هتفت نيرمين برجاء :-
" توقفي يا أروى ... ألا تملين من بقائك في المنزل ... ليس من المعقول ما تفعلينه ... من المنزل الى المشفى ومن المشفى الى المنزل ... لا يمكن هذا حقا ..."
زفرت أروى أنفاسها بضيق بيتما قالت نرمين برجاء :-
" انهضي هيا ..  ستحزن رجاء منك إذا لم تأتِ ...."
زفرت أروى أنفاسها بضيق مرددة على مضض :-
" حسنا يا نرمين ... سآتي ... "
صفقت نرمين بحماس ثم نهضت من مكانها متجهة الى الخزانة تفتحها وتبحث عن فستان مناسب لتتقدم أروى نحوها تسألها :-
" مالذي تفعلينه ....؟!"
قالت نرمين وهي تسحب فستانا أحمرا جذابا :-
" هذا الفستان مناسب جدا ..."
" انت تمزحين ..."
قالتها أروى بذهول وهي تضيف برفض :-
" لن أرتديه بالطبع ..."
سألتها نرمين بحيرة :-
" لماذا يا أروى ...؟!"
أخذت أروى تقلب في ملابسها عندما أخرجت فستانا رسميا جعل نرمين تهتف بسرعة :-
" ما هذا يا أروى ... ؟! نحن سنذهب لحفلة زفاف .... اختاري شيئا مناسبا من فضلك ..."
قالت أروى بجدية :-
" انه مناسب للغاية ...."
أخذت نرمين الفستان منها وقالت :-
" من فضلك يا اروى ... اتركي نفسك لي وأنا سأجهزك بالشكل المناسب ..."
" لكن ..."
قاطعتها نرمين بسرعة :-
" لا يوجد لكن ... "
أضافت وهي تدفعها نحو طاولة الزينة :-
" والآن دعينا نصفف شعرك ونضع المكياج لك ..."
اضطرت أروى أن تستسلم لشقيقتها التي أخذت تسرح شعرها أولا ثم تضع المكياج الناعم لها حيث أبرزت ملامحها الجميلة وعينيها الكحيلتين ..
نهضت تجلب الفستان الأحمر عندما وجدت أروى تعقد ذراعيها أمام صدرها مرددة :-
" لن أرتديه يا نرمين مهما فعلت ..."
زفرت نرمين أنفاسها بضيق ثم قالت مضطرة :-
" حسنا ، سأبحث لك عن غيره ..."
ثم اختارت فستانا لاقى استحسان أروى لترتديه بينما ذهبت نرمين تنتهي من تجهيز نفسها قبل أن تغادران متجهتين الى حفل الزفاف عندما وجدتا قريبتهما رجاء تستقبلهما بترحيب حار ...
جلست أروى بجانب شقيقتها ورجاء على احدى الطاولات تتبادلان الاحاديث عندما قالت رجاء وهي تشير الى احدهم :-
" ها قد جاء عصام ..."
تقدم عصام مرحبا بهما وجلس معهما يتبادل الاحاديث عندما وجدته أروى بعد لحظات يشير الى أحدهم ...
تقدم نضال نحو الطاولة وهو يبتسم برزانة عندما عرفه عصام على شقيقته رجاء ثم أروى ونرمين عندما هتف نضال متذكرا :-
" أنتما تقربان نديم الخولي ، أليس كذلك ...؟!"
قالت نرمين :-
" نديم يكون ابن عمي .... وأنت ...؟!"
قال نضال بجدية :-
" أختي تكون أخت زوجته ... "
نظرت له نرمين ببلاهة للحظات عندما لكزتها أروى من ذراعها وهي تخبرها :-
" هو يتحدث عن حنين شقيقة حياة ... تكون أخته من الأب ... "
" ها فهمت ..."
قالتها نرمين بسرعة ثم اضافت بحرج :-
" آسفة ولكنني احترت قليلا ..."
ابتسم نضال مرددا :-
" لا بأس ... "
أكمل مشيرا الى اروى :-
" الآنسة وضحت كل شيء ببساطة ...."
ابتسمت نرمين بينما قال عصام :-
" أروى تعمل طبيبة يا نضال وهي تكون قريبتي من جهة الأم ... والدتها ابنة عم والدتي ..."
" تشرفت بمعرفتك ... "
قالها نضال بلباقة لتبتسم أروى برسمية دون رد عندما أضاف عصام مشيرا الى نضال :-
" نضال صديق مقرب لي وهو مهندس يمتلك شركة خاصة ..."
شعرت أروى بالضيق من تصرف عصام والذي بدا وكأنه يوفق بين اثنين فاستأذنت بعد لحظات ونهضت من مكانها متجهة خارج القاعة حيث وقفت في الحديقة تتأمل الزرع حولها بتجهم بينما سيطرت الشكوك عليها بسبب اصرار شقيقتها على مجيئها الى هذا الحفل بل اصرارها على ارتداء شيء مختلف ....
وجدت هاتفها يرن باسم شقيقتها فزفرت انفاسها بضيق وهي تتحرك عائدة الى داخل القاعة عندما وجدت نضال في وجهها وعلى ما يبدو يتجه خارج القاعة ليبتسم لها بتروي فاغتصبت بسمة مزيفة على شفتيها وهمت بالتحرك عندما وجدته ينادي عليها :-
" آنسة أروى ..."
نظرت له بتردد فأضاف بجدية :-
" هل يمكننا التحدث قليلا ... ؟!"
همت بالرفض عندما أضاف وهو يتقدم نحوها :-
" انا أرغب بالتعرف عليك ... "
سألته بعينين مذهولين من حديثه :-
" لماذا ...؟!"
حك ذقنه مرددا :-
" انا أبحث عن زوجة مناسبة لي ..." 
أضاف وهو يميل نحوها قليلا بصراحة مطلقة :-
" وأعتقد إنك ستكونين هذه الزوجة ...."
********************

11


دلفت ريم الى مكتب عابد في قصره ..
استقبلها عابد مرحبا بها عندما جلست قباله تهتف بتردد :-
" في الحقيقة أنا أتيت الى هناك بسبب جيلان ...."
سألها عابد بقلق :-
" ما بها جيلان يا ريم ...؟!"
زفرت ريم أنفاسها ثم قالت :-
" جيلان ليست بخير يا بك ...."
أضافت بجدية :-
" انا لا أستطيع تحمل مسؤوليتها بعد الآن ... هي تتصرف باندفاع دون تفكير ... تصرفاتها باتت غير مقبولة أبدا لا لي ولا حتى لزوجة عمار التي فشلت في محاولة احتوائها ...."
سألها عابد بجمود :-
" ماذا يحدث بالضبط ...؟!"
قالت ريم بأسف :-
" سأضطر أن أخبرك فلا حل آخر أمامي ..."
ثم سردت على مسامعه كل ما يخص جيلان فهو يجب أن يعرف ويتصرف ... 
لم يكن أمامها حل آخر غير هذا ....
لا بد أن يقف أحد بوجه جيلان ويمنعها من الاستمرار في هذه الحماقات ...
لا بد أن تجد جيلان من يقف في وجهها ويحاسبها وينقذها من غباءها وتصرفاتها التي حتما ستدمرها ...
في النهاية وجدت ملامح عابد تتجمد كليا وعيناه تظلمان تماما لتقول بصدق :-
" تصرف معها يا سيد عابد ... أنت عمها ولديك سلطة كافية لتقف في وجهها وتحميها من شر نفسها ... جيلان ستدمر نفسها لا محالة ... يجب أن ننقذها بسرعة ... "
صمت عابد لوهلة ثم قال أخيرا :-
" أنا سأتصرف يا ريم ... فقط لا تخبريها إنني علمت بما يحدث ..."
أكمل بإقرار :-
" جيلان يجب أن تعود الى البلاد وبأقرب وقت ممكن ..."
" سترفض ... لن تقبل بهذا ... "
قالتها ريم بجدية ليقول عابد :-
" أعلم إنها سترفض وتتمرد ولكنني سأجلبها ... بطريقتي الخاصة ...!"
يتبع

+


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close