رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم سارة علي
الفصل الحادي والثلاثون
+
نفس المشهد يتكرر ...
+
الآلم ذاته يمزق أحشائها ...
+
الدماء تنزف أسفل قدميها ...
+
صراخها خفّ تدريجيا بينما تتمسك هي بسياج الدرج بصعوبة ...
+
إندفع بجزع نحوها بينما الأخرى إنزوت في ركن جانبي تحاوط بروز بطنها بكفها وتتسائل إذا ما كان الحظ سيكون كذلك من نصيبها هذه المرة وتجهض مجددا ...!
+
حملها سريعا بين ذراعيه وهو يهمس إسمها بخوف شديد ليهبط بها سريعا إلى الخارج بينما بدأت هي تفقد وعيها تدريجيا ..
+
ركب بها السيارة وإتجه مسرعا إلى أقرب مشفى ...
+
هناك دخل إلى قسم الطوارئ ليستقبله الطاقم الطبي ويتم نقلها إلى إحدى الغرف الخاصة لفحصها والقيام بالإجرائات اللازمة بينما بقي هو خارجا ينتظر بعدم إستيعاب ...
+
عقله لا يستوعب ما حدث في تلك اللحظة وكيف إنهارت فجأة بهذه الطريقة المؤلمة وذات المشهد السابق يتكرر قبلما يتذكر حديث الأخرى عن حملها طفله فينتفض قلبه بخشية شاعرا بأن كل شيء فجأة بات ضده ...
+
تجاهل إتصالات والدته تماما وبقي ينتظر خروج أي أحد ليطمئنه عليها بينما عقله لا ينفك عن التفكير بحديث الأخرى ...
+
أي مصيبة تلك التي أوقع نفسه بها ..؟!
+
ماذا لو كان الطفل منه حقا ..؟!
+
أفكاره سرعان ما إنحنت جانبا وهو يرى الطبيبة تغادر غرفتها فيسأل بلهفة عن حالها لتجيبه بعملية :-
+
" أوقفنا النزيف بصعوبة .. وضع الجنين حرج ...لن يصمد طويلا للأسف ..."
+
" ستجهض مجددا ...؟!"
+
تمتم بها مصدوما لتهتف الطبيبة بإدراك :-
+
" يجب أن نجري الفحوصات اللازمة لندرك سبب حالتها هذه ... لدي شكوك بوجود مشكلة ما في الرحم لكنني لا يمكنني الجزم بشيء قبلما نجري كافة الفحوصات ..."
+
" إفعلي أي شيء يا دكتورة .. لا أريدها أن تجهض مجددا .. "
+
قالها بنبرة متوسلة لتخبره بجدية :-
+
" نحن فعلنا ما بوسعنا وأكثر..."
+
غادرت الطبيبة بعدما طلبت مجموعة من الفحوصات حالما تستقر حالتها بينما قرر هو أن يذهب بها لأشهر الأطباء في البلاد حالما يستقر وضعها الحالي عسى ولعل يستطيع أحدهم السيطرة على الوضع ويعيش الجنين هذه المرة ...
+
بصعوبة فتحت عينيها لتشعر به جانبها ممسكا بكفها يتأملها بحرص قبلما يهمس وهو ينحني جوارها ممسدا خصلاتها بأنامله :-
+
" حبيبتي ... كيف تشعرين الآن ..؟! هل خفّ الألم ..؟!"
+
همست بصعوبة والعبرات طفرت في عينيها بسرعة :-
+
" طفلي .. ماذا حدث له ..؟! هل فقدته ...؟!"
+
" كلا ، هو بخير ..."
+
قالها سريعا محاولا طمأنتها بينما أخذت هي تتحسس مكان رحمها بشكل لا إرادي ولهفة مؤلمة ..
+
" ماذا حدث إذا ..؟!"
+
سألت بعدم تصديق ليجيب بتروي مقررا أن يطمئنها مبدئيا متجاهلا كلام الطبيبة عن صعوبة إستمرار هذا الحمل :-
+
" تقريبا ما حدث بسبب الضغط النفسي والجسدي .. تحتاجين إلى الراحة ..."
+
" حقا ...؟!"
+
همست بها وهي تطالعه بعدم إقتناع قبلما تهبط دموعها بغزارة وهي تضيف :-
+
" نفس الموقف تكرر ... ما حدث قبل مدة .."
+
توقفت غير قادرة على إكمال المزيد ليشعر بتوتر وحيرة فيحاول تهدئتها بصعوبة :-
+
" توليب إهدئي أرجوك .."
+
" أريد ماما ... لماذا لم تأت ..؟!"
+
قالتها وهي تزيح كفها من قبضة كفه ليتنهد بتعب ثم يهتف مرغما :-
+
" سأتصل بها ... "
+
**
+
بعد حوالي ساعة ..
+
كانت تذرف العبرات بين ذراعي والدتها التي تحاول تهدئتها بكافة الطرق ..
+
والدها يتحدث مع إياس الذي أخبره عما قالته الطبيبة ...
+
هدأت قليلا بعدها وسيطرت على إنفعالها لتنهض زهرة وتتحدث بدورها مع إياس تفهم منه كل شيء ..
+
تمكنت الحيرة من ثلاثتهم و كلا منهم يدرك إن أخبارها بما قالته الطبيبة أفضل من صدمتها البالغة عندما تخسر حملها فيما بعد ..!
+
لكن وضعها الحالي وإنهيارها بهذا الشكل يجعلهم عاجزون عن إخبارها بهذا ...
+
ما إن تقدمت زهرة مجددا نحوها حتى سألت توليب بتعب :-
+
" متى سأغادر المشفى ..؟!"
+
أجابها إياس وهو يسير نحوها بدوره مع والدها :-
+
" سنغادر بعد قليل .."
+
قاطعته وهي تنزوي داخل أحضان والدتها مشيرة لها :-
+
"أريد الذهاب معك .."
+
هتفت والدتها على الفور :-
+
" بالطبع ..."
+
بينما طالعها إياس بضيق ممزوج بالخيبة لتتلاقى عينيها الدامعتين بعينيه اللتين طالعتاها بنظرة تحمل رجاءا خفيا تجاهلته كليا وهي تتمسك بأحضان والدتها برفض صريح له ...
+
**
+
غادرت مع والديها عائدة إلى القصر هناك حيث إستقرت في جناحها لتشعر براحة وآمان تسللا لروحها رغم حزنها على وضعها الصحي وإحتمالية إجهاضها لجنينها مجددا الأمر الذي سيجعلها طريحة الفراش لمدة غير معلومة ...
+
أغمضت عينيها وهي تحاوط بطنها بكفيها لا إراديا تجاهد لكبح عبراتها عندما شعرت به يجلس أمامها ففتحت عينيها الحمراوين تطالعه بنظرات حزينة قبلما تنكمش على نفسها في جلستها لا إراديا ..
+
مد كفه يحاول لمسها لتبتعد بجسدها عنه فيهمس غير مصدقا :-
+
" لهذه الدرجة يا توليب ..؟!"
+
تنهدت بتعب ثم سألت بصعوبة :-
+
" ماذا تريد يا إياس ...؟!"
+
" أنا آسف يا توليب .."
+
قالها بخفوت وهو يضيف بعدما قبض على كفها رغما عنها :-
+
" تصرفت بشكل خاطئ لكنني كنت غاضبا و ..."
+
أوقفته بسرعة :-
+
" أنا متعبة يا إياس ولا أريد التحدث عما حدث بيننا مجددا ..."
+
تنهد بصمت محترما رغبتها ليخبرها بتريث :-
+
" ستبقين هنا إذا ..."
+
" نعم ، سأبقى هنا ...."
+
قالتها بصوت ضعيف وهي تضيف بتماسك واهي:-
+
" وأعتقد إن وضعي الصحي لا يتحمل أي نوع من الضغوطات .. "
+
هز رأسه بتفهم ثم قال بجدية :-
+
" معك حق .. إبقي هنا أفضل ولكن .."
+
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
+
" سأزورك يوميا للإطمئنان عليك ..."
+
أضاف بإصرار :-
+
" وستعودين معي إلى قصرنا حالما يستقر وضعك ..."
+
لم تمنحه ردا ولم يظهر على وجهها ردة فعل معينة ...
+
إكتفت بقول :-
+
" أريد النوم ... "
+
هز رأسه مجددا بتفهم ثم نهض من مكانه يطالع ملامحها الضعيفة بضيق وهو يلعن غبائه الذي تسبب له بمشكلة جديدة معها ..
+
" سأطمئن عليكِ مساءا .. كوني بخير ..."
+
قالها بخفوت قبلما ينحني مقبلا جبينها لتعتصر عينيها بقوة وهي تستسلم لقبلته قبلما تشاهد رحيله بمشاعر مختلطة أساسها الوجع والغضب والخذلان ..!
+
**
+
في طريق العودة أتاه إتصال منها ...
+
تلك التي حطمت كل شيء كان يبنيه بإعتراف ملعون سيدمر حياته إن كان حقيقيا ..
+
حمل الهاتف يتطلع إلى رقمها الذي عرفه على الفور حيث سبق وأرسلت له رسالة تخبره بها عن هويتها تسأله عما ينتويه ..
+
إفترت عن ثغره بسمة ساخرة مفكرا فيما سيفعله بها بعدما فعلته ...
+
لكنه يدرك في ذات الوقت إن الوضع إختلف فهي تحمل طفله كما تقول وهذا بحد ذاته سيجعله عاجزا مكبلا بقيود لا آخر لها ...
+
أجاب عليها يخبرها بصلابة :-
+
" أنا في طريقي إلى القصر .. سنغادر سويا .. عندما أصل هناك سأتصل بك ..."
+
" لماذا ...؟!"
+
سألته بنبرة مشككة قلقة ليجيب ببرود :-
+
" لأتأكد من صحة كلامك ... "
+
" مالذي ستفعله يا إياس ...؟!"
+
سألت بخوف تمكن منها ليجيب بسخرية لاذعة :-
+
" سأجري لك تحليل الحمض النووي يا روح إياس .. "
+
أضاف بهيمنة :-
+
" إنتظريني خارجا وإلا ..."
+
قاطعته بإرتباك :-
+
" حسنا سأنتظرك ...."
+
وبالفعل كانت تنتظره هناك ليشير لها أن تركب سيارته فتخبره حالما جلست جانبه :-
+
" أنا أتيت معك فقط لأجل طفلي الذي لا أريده أن يولد بدونك ... بدون والده ..."
+
" سنرى إذا كنت والده بالفعل أم لا ..."
+
قالها ببرود لتصيح معترضة :-
+
" أنت والده ... لم يلمسني رجل سواك .. وأنت تعرف ذلك جيدا ..."
+
حانت منه إلتفاتة سريعة نحوها لتضيف عن قصد :-
+
" ذلك الزواج الكاذب وما حدث بيننا أم نسيت ..؟!"
+
أخذ كفه يعتصر مقود سيارته بقوة وعيناه تحولتا لنيران كالجمر كلما يتذكر غباءه وتسرعه وقتها و الذي سيطيح به لا محالة ..
+
همست بتردد :-
+
" رغم ما فعلته بي وحتى بعدما وعدني رأفت بالحماية قررت أن أخبرك بما يحدث لأجل طفلي الذي سيولد قريبا جدا وهو بحاجة لك ولإعترافك به يا إياس ..."
+
لم يجبها بينما هي تحاول أن تتلاعب بمشاعره وتتمنى أن يرق قلبه لأجل الصغير ...
+
الصغير الذي تشكل داخلها كمعجزة أنقذها من نهاية حتمية كانت ستؤدي بها إلى الجحيم ...
+
تنهدت بتعب وداخلها تتمنى أن ينتهي كل شيء لصالحها وأن يكون طفلها تميمة حظها هذه المرة ...
+
أمام إحدى المستشفيات وجدته يركن سيارته ويطلب منها الهبوط لتتبعه هناك حيث سارع يطلب من أحد الأطباء إجراء التحليل المطلوب ليثبت أبوة جنينها له بينما هي أذعنت له مستسلمة لقراره ...
+
**
+
بقيت همسة تتقلب داخل فراشها بينما يعبث هو في هاتفه بإنتباه يتجاهلها متعمدا كما تفعل هي منذ ذلك اليوم الذي أتت فيه لتزوره في شركته ...
+
منذ عودته يومها وهي تتجاهله كليا وتتعامل معه ببرود صريح مما جعله يبادلها التجاهل بدوره فلقد سأم كليا من تقلب مزاجها ورفضها حتى البوح عما يعكر صفوها ...
+
رغم تقاربهما الأشهر الأخيرة وشعوره بزوال الكثير من الحواجز بينهما إلا إنها ما زالت تتخذ نفس الإسلوب القديم معه وكأن الوضع بينهما لم يتغير وما زال كما هو ...
+
راقبها وهي تعتدل في جلستها ثم تنفض الغطاء عنها وتنهض من فوق السرير متجهة إلى دورة المياه ..
+
كانت ترتدي قميص نوم فضي اللون قصير للغاية بالكاد يغطي بداية فخذيها ذو حمالات رفيعة وفتحة صدر واسعة ..
+
الماكرة التي لا ترتدي هذا النوع من القمصان الشبه العارية سوى في فترة خصامهما ..
+
وجدها تغادر دورة المياه بعد دقائق بملامح شديدة الوجوم لتأخذ مكانها جواره وتعاود التقلب في فراشها عندما نفذ صبره ليهتف بضيق :-
+
" ما بالك تتقلبين هكذا وكأنكِ تنامين فوق الجمر ...؟!"
+
وكأنها كانت تنتظره أن يفعل ذلك لتنتفض من مكانها تهدر به :-
+
" ما شأنك ..؟! هل ستمنعني من التقّلب فوق فراشي أيضا ...؟!"
+
إحتدت ملامحه وهو يصيح بها بعدما رمى هاتفه جانبا :-
+
" لماذا تتحدثين معي هكذا ..؟! وكيف ترفعين صوتكَ عليّ بهذا الشكل ...؟!"
+
عقدت ساعديها أمام صدرها تهتف ببرود :-
+
" أنت من تستفزني بحديثك ...."
+
قابلها في جلستها يهتف من بين أسنانه :-
+
" الواضح من تصرفاتك منذ وصولي الجناح إنك تريدين الشجار الليلة .. هيا قولي ما تخفينه داخلك ولنبدأ وصلة شجارنا المعتادة .. أساسا من غير الطبيعي أن تمر مدة طويلة كهذه دون شجار ..."
+
" إسأل نفسك أولا ... فيمَ أخطأت ...؟!"
+
سألته وهي تحدق به بغضب ليتنهد بتعب ثم يهتف بغلظة :-
+
" هذا كله لأنني رفضت القدوم معكِ لجلب الأولاد من المدرسة ...؟!!"
+
إنتفضت من فوق الفراش تصيح بغضب :-
+
" أنت تدرك سبب إنزعاجي إذا .."
+
" أخبرتك ألا ترفعي صوتك يا همسة ...."
+
نطقها بنبرة محذرة وهو يضيف بعدما نهض من مكانه :-
+
" لا أعلم ما الخطأ الذي إرتكبته ... كان لدي عمل ... مشغول ... ألا تفهمي ذلك ...؟!"
+
" بلى أفهم ... "
+
صاحت به وهي تضيف بقهر :-
+
" أنت دائما مشغول ... العمل دائما ... هذا جل ما يهمك ...لا أنا أهمك ولا حتى الأولاد ..."
+
كانت منفعلة بشكل غير مفهوم وتتحدث بلا وعي كامل ...
+
غاضبة منه ويزداد غضبها كلما تذكرت تصرفها الأحمق أمام تلك السكرتيرة اللعينة ..
+
عندما عادت من عنده راجعت ما حدث لتدرك مدى حماقتها وهي تظهر غيرتها بشكل صريح أمامها ...
+
ماذا ظنّتها الآن ...؟!
+
بالتأكيد سخرت منها ومن تصرفها الغير لائق ...
+
بينما طالعها هو بخيبة ...
+
الآن باتت تراه لا يهتم بها ولا بأولاده ...
+
أخذ نفسا طويلا محاولا السيطرة على أعصابه قبلما يهتف بصلابة :-
+
" لن أعاتبك الآن على حديثك يا همسة لأنك من الواضح منفعلة ولا تستوعبين ما تقولينه بشكل كامل ..."
+
جذب هاتفه بعدها وهم المغادرة ليسمعها تسأل بأنفاس متصاعدة :-
+
" إلى أين ستذهب ...؟!"
+
" إلى الجحيم ..."
+
قالها بغضب وهو يهم بالمغادرة لتتقدم نحوه بسرعة تمنعه من الخروج :-
+
" لا تذهب يا راغب ... "
+
حينها لم يتحمل سماع المزيد ...
+
إلتفت نحوها يصيح بها بنفاذ صبر :-
+
" لماذا لا أذهب ... ؟! مالذي يجعلني أبقى هنا ...؟! لأتحمل المزيد من أحاديثك المزعجة وإضطراباتك الغير مفهومة ... "
+
طالعته بقهر ليضيف بتعب :-
+
" أنا مللت حقا ... بالكاد تصبحين بخير ليومين ثم نعود لنفس النقطة ... أنت غاضبة وأنا لا أفهم سبب غضبك وبالطبع ستفرغين غضبك فوق رأسي وأنا مجبر أن أتحمل وأتفهم وأصبر .."
+
أنهى حديثه معاتبا :-
+
" الآن أصبحت لا أهتم بالأولاد ولا بك ... "
+
" أنا لم أقصد ..."
+
قالتها وقد أدركت إنها بالفعل أخطئت ليهدر بصلابة :-
+
" مالذي تقصدينه إذا يا همسة ....؟!"
+
لم تجب بل بقيت تطالعه بتشوش ليصيح بها بنفاذ صبر :-
+
" تحدثي يا همسة ... مالذي تقصدينه إذا ..؟!"
+
عادت تجلس نحو السرير تمسح على وجهها بتعب ليزفر أنفاسه بنفاذ صبر قبلما يسأل بجدية :-
+
" هل هناك شيء ما لا أعرفه ...؟! "
+
هزت رأسها نفيا فهي لا تستطيع إخباره عما فعلته ...
+
لا يمكنها إخباره ...
+
هي تخجل من الموقف ولا يمكنها أن تخبره عنه ...
+
زفر أنفاسه بصعوبة وجلس جانبها يهتف بجدية :-
+
" بالتأكيد هناك شيء ما جعلكِ غاضبة هكذا ..."
+
همست بصعوبة :-
+
" أنا فقط أردتك أن تأتي معي يومها وأن أشعر بإهتمامك بي وبهم ..."
+
" وهل أنا لا أهتم بك وبهم يا همسة ...؟! "
+
قالت مبررة :-
+
" كنت أخطط لقضاء اليوم سويا ... "
+
تنهد بتعب ثم قال وهو يجذب كفها قابضا عليه برفق :-
+
" كان يمكنك أن تقولي هذا بهدوء ... يمكنك أن تعاتبيني برفق ..."
+
شدد من قبضته على كفها وهو يخبرها :-
+
" متى ستتوقفين عن الكتمان ...؟! تكتمين الكثير داخلك ثم تنفجرين فجأة بشكل يتسبب بالمشاكل بيننا ... الموضوع أبسط من هذا بكثير .. تعالي وأخبريني عما ضايقك مني وأنا سأسمع وأتفهم وأصلح الأمر ... ربما لدي مبررات مقنعة ... "
+
" معك حق ..."
+
تمتمت بها بخفوت قبلما تستدير نحوه تحاوط وجهه بكفيها تهمس له معتذرة :-
+
" أنا آسفة يا راغب .... "
+
" لا تعتذري يا همسة ..."
+
قالها وهو يضيف مترجيا وهذا الوضع بات يرهقه جدا :-
+
" فقط عديني ألا تكرريها مجددا ... مرة واحدة فقط جرّبي أن تكوني أكثر صراحة وإنفتاحا معي ... مرة واحدة توقفي عن درب الصمت والكتمان الذي تسلكينه طوال الوقت معي ... أنا تعبت حقا يا همسة وأريد أن أرتاح بجوارك دون منغصات ... "
+
أومأت برأسها وهي تبتسم بصعوبة ليجذبها نحو صدره فتتمسك بأحضانه بعقل شارد وملامح خيم عليها الشجن ..
+
**
+
أمام مرآتها كانت تضع اللمسات الأخيرة من زينة وجهها فاليوم هي مدعوة لدى جدة خطيبها التي أصرت أن تزورها مع خطيبها وعائلته قبل سفر الأخير والذي سيطول لبضعة أشهر ..
+
تأملت ملامحها التي بدت جميلة ومشرقة بذلك المكياج النهاري الذي إختارته برضا ...
+
ثم وقفت تطالع ملابسها الأنيقة بحرص قبلما تجذب حذائها المرتفع وترتديه ...
+
رنين هاتفها أنبأها بوصوله فسارعت تركض أمام المرآة ترش المزيد من عطرها المفضل ثم تحمل حقيبتها وتغادر المكان ...
+
وجدته في إنتظارها بملابس غير رسمية مكتفيا ببنطال من الجينز وتيشرت ذو لون أسود وحذاء رياضي أبيض اللون ..
+
يتأملها بإهتمام جريء كعادته بدءا من بنطالها الضيق الممزق في بعض المناطق صعودا لقميصها ذو اللون الرمادي المماثل للون عينيها بأكمام شفافة طويلة ...
+
توقف لوهلة بعينيه عند خاتمه الماسي الذي يزين إصبعها فتنهد برضا خفي بينما همست هي ما إن وقفت قباله :-
+
" صباح الخير ..."
+
"صباح النور ..."
+
أضاف يتسائل :-
+
" هل نغادر ...؟!"
+
هزت رأسها موافقة ليرتدي نظارته الشمسية ثم يتجه إلى الجانب الآخر فاتحا الباب لها قبلما يأخذ مكانه في كرسي السائق فتخبره بجدية :-
+
" سنمر على المتجر قبلها .."
+
" أي متجر ..؟!"
+
أجابته :-
+
" أوصيت أحد المتاجر الشهيرة على تحفة أنيقة كهدية لجدتك..."
+
" حسنا .."
+
تمتم بها بجدية بينما منحته هي عنوان المتجر ليذهبان إلى هناك عندما أصر هو على النزول بدلا منها ليجلب الطلب المسجل بإسمها ولم يكن يعلم إنها دفعت الحساب مسبقا عندما أوصت للطلب ..
+
جاورها في جلستها بعدما وضع العلبة الضخمة قليلا في الوراء ليخبرها بوجوم :-
+
" كنت سأدفع الحساب ليتبين لي إنك دفعته بالفعل .."
+
" ولمَ ستدفع أنت ...؟! إنها هديتي .."
+
رددتها ببساطة ليطالعها بطرف عينيه فتضيف ببرود :-
+
" عندما تصبح زوجي يمكنك حينها أن تدفع نيابة عني .."
+
" لن أتجادل معك لأن الوقت لا يسمح للجدال ..."
+
قالها بذات البرود لتهتف مبتسمة برحابة مستفزة :-
+
" خير ما ستفعل ..."
+
أدار مقود سيارته بعدها متجها إلى المزرعة هناك حيث تنتظره جدته بحماس وسيأتي والديه كذلك ..
+
إستقبلتهما الجدة بفرحة عارمة ليقبل عليها مقبلا كفيها وجبينها بإحترام خاص لتلك المرأة التي تمتلك مكانة خاصة جدا لديه ...
+
راقبتهما هالة بإبتسامة هادئة لتبتسم فريدة وهي تشير لها أن تتقدم :-
+
" تعالي يا حبيبتي ..."
+
سارت هالة بخطوات خجولة ثم همست لفريدة بإرتباك لا إرادي :-
+
" كيف حالك يا فريدة هانم ...؟!"
+
عانقتها فريدة بمحبة أحرجت هالة حيث لم تتوقع إستقبالا وترحيبا كهذا من جدة خطيبها ...
+
قبضت فريدة على كفها تخبرها بذات البسمة الدافئة :-
+
" نادني جدتي فأنت أصبحت واحدة من العائلة ..."
+
طالعتها هالة بذات الإمتنان وهي تهمس بطاعة :-
+
" حاضر .... سأفعل ما تريدين ..."
+
" تعالا .. إدخلا هيا ..."
+
سارا كلاهما بجانبها بينما تهتف فريدة بصدق :-
+
" أنا سعيدة حقا بزيارتكما ... "
+
أضافت وهي تخبر هالة :-
+
" ستعجبك المزرعة كثيرا ... أنتِ لم تأتِ لهنا مسبقا .. صحيح ...؟!"
+
" نعم ، إنها زيارتي الأولى ..."
+
قالتها هالة بخفوت وهي تتقدم إلى داخل الصالة الواسعة تتبعها الخادمة التي تحمل هديتها فإبتسمت فريدة متسائلة :-
+
" ما هذه الآن ..؟!"
+
أخبرها أثير وهو يجاور هالة في جلسته :-
+
" إنها هدية من هالة .."
+
همست هالة بإبتسامة هادئة :-
+
" أتمنى أن تعجبك ... "
+
أشارت فريدة للخادمة كي تفتحها لتطالعها بإعجاب حقيقي :-
+
" إنها رائعة يا هالة ..."
+
أضافت وهي تتأملها :-
+
" ذوقك جميل مثلك تماما .."
+
إبتسم أثير لجدته بإمتنان لاحظته الجدع لتبادله بسمته ثم تقول بجدية :-
+
" ماذا تشربان ...؟! "
+
إسترخى أثير في جلسته يخبرها ببساطة :-
+
" في الواقع لم أتناول فطوري بعد يا فريدة هانم ... "
+
إنتفضت فريدة سريعا تهتف بالخادمة :-
+
" أعدّي مائدة الفطور حالا ..."
+
ثم أشارت لأثير بحنق :-
+
" كيف تركتك زمرد تغادر دون فطور أم إنها عكرت مزاجك كعادتها على طاولة الطعام فغادرتها دون أن تتناول شيئا ..؟!"
+
" كلا ، أنا فقط إستيقظت متأخر .. وكنت مستعجلا في مغادرتي فلم أرد التأخر عليك يا حبيبتي ..."
+
كانت هالة تتابع ما يحدث ببسمة ناعمة وما زال الخجل يسيطر عليها إلا إن الراحة تسللت إليها بوجود الجدة اللطيفة ...
+
نهض أثير ليتناول فطوره بينما إكتفت هالة بشرب العصير العصير وبقيت فريدة تتبادل الأحاديث معها برحابة وود ...
+
أنهى أثير طعامه بسرعة ليعاود إليهما فيتفاجئ بإندماج هالة مع جدته بل ضحكاتها التي إنطلقت بمرح شديد جعله يتنهد بقليل من الراحة فهالة لاقت قبول جدته وعلى ما يبدو إن هالة نفسها أحبت الجدة ....!
+
تقدم نحوهما وهو يرسم إبتسامة هادئة على وجهه يتسائل بإهتمام :-
+
" ماذا يحدث هنا ...؟! ما سر هذه الضحكات ...؟!"
+
هتفت الجدة وهي تشير لهالة :-
+
" خطيبتك رائعة .. ليست جميلة الشكل فقط بل الروح كذلك ... أحببتها كثيرا .."
+
إبتسم بهدوء وهو يجاورها فتلاقي نظراتها بنظراته فترى بعينيه نظرة غامضة غير مفهومة تجاهلتها وهي تعاود النظر نحو الجدة تخبرها :-
+
" وأنت رائعة يا جدتي وأنا أحببتك كثيرا .."
+
" ما رأيكما أن تنهضان وتذهبان إلى الإسطبل ...؟! لترى هالة الخيل يا أثير .."
+
هتفت الجدة بها ليسأل أثير :-
+
" هل تذهبين ....؟!"
+
" أذهب .."
+
قالتها هالة موافقة ليذهب كلاهما إلى إسطبل الخيول الملحق بالمزرعة ...
+
**
+
أخذت هالة تتحرك بأناملها فوق ظهر الخيل وإبتسامة هادئة ترتسم على ثغرها لتهمس له :-
+
" إنه جميل ...."
+
" إنه حصاني المفضل ..."
+
تمتم بها وهو يربت على عنقه ليسألها بإهتمام :-
+
" هل تركبين ..؟!"
+
تمتمت بتردد :-
+
" أحب ذلك كثيرا ولكنني لست معتادة على ركوب الخيل ... لا أتذكر متى آخر مرة ركبت بها حصانا ..."
+
" سأساعدك أنا ..."
+
قالها بجدية قبلما يقرر إخراج الحصان من مكانه عندما تحركا بعدها سويا إلى الخارج يساعده حارس الإسطبل لتقف جانبه تتطلع إلى الحصان بحماس عندما أشار لها لتصعد فقبضت على اللجام بكفها الأيسر بينما ساعدها هو بتحويل الركاب لتضع قدمها عليه قبلما تتمسك بسرج الحصان وهي تقفز بهدوء جالسة عليه ليبتسم ممازحا :-
+
" من الواضح إنك لست معتادة على ركوب الخيل ..."
+
إبتمست بفرحة عفوية وهي تلمس على ظهره مجددا بحنو وهي تخبره :-
+
" كنت أحب تدريبات الخيل في البداية كثيرا ولكنني إنشغلت عنها وتركتها بعد ذلك .. لم أتوقع إنني ما زلت أجيد ركوبها ..."
+
أشار للحارس ليتقدم بالحصان الآخر له ليركبه بسهولة وهو الذي معتاد على ذلك منذ الصغر ...
+
لا تعلم لماذا شعرت بالتحدي فجأة يدب في عروقها لتخبره بعينين لامعتين :-
+
" هل تتسابق ...؟!"
+
" ما هذه الثقة التي دبت فيكِ فجأة ...؟!"
+
قالها بسخرية لترفع حاجبها مرددة ببرود :-
+
" عندما صعدت فوقه سيطر عليّ الحماس فجأة وشعرت بحاجتي للركض به .."
+
" وهذا ما سيحدث ..."
+
قالها وهو يضرب اللجام ليطلق الحصان صهيلا عاليا قبلما ينطلق من مكانه يتبعه حصانها لتشعر هالة بسعادة حقيقية لأول مرة وهي فوق الحصان الذي يطير بها بسرعة خيالية بينما نسمات الهواء الباردة في هذا التوقيت من الصباح تضرب وجهها بقوة وتجعل خصلاتها تتطاير حول وجهها بشكل رفع نسبة الأدرينالين داخلها و جعل ضحكاتها تنطلق ببهجة صادقة ..
+
**
+
كانت جولة مميزة جعلت هالة لا تريدها أن تنتهي ...
+
خففا السرعة بعدها وأخذا يسيران داخل الغابات الممتدة إلى ما لا نهاية ...
+
تبادلا الأحاديث وأثير يشرح لها عن المكان نفسه والأماكن المجاورة له والنهر القريب من هنا ...
+
إنتهت الجولة بعد حوالي ساعتين لم يشعر أيا منهما خلالها بالملل ليعود كلاهما إلى المزرعة ليجدا عائلته قد وصلت بالفعل ...
+
هناك حيث نهض حاتم يستقبلهما أولا مرحبا بهالة بشدة تتبعه سولاف التي رحبت بها بهدوء وأخيرا جاء دور زمرد التي إضطرت أن تحييها وترسم على شفتيها إبتسامة باردة بادلتها هالة إياها وهي ترد على تحيتها بصعوبة ...!
+
إجتمعت العائلة بعدها على طاولة الطعام ...
+
سألت فريدة عن موعد الزفاف فأجاب أثير:-
+
" سنؤجله لبضعة أشهر فالعائلة في حالة حداد كما تعلمين يا جدتي ..."
+
" بالطبع يا عزيزي ..."
+
تمتمت بها الجدة وهي تضيف متسائلة بإهتمام :-
+
" وهل سوف تشتريان فيلا هنا أم ستقيمان في قصر والدك ...؟!"
+
أجاب أثير بجدية وهو ينظر جانبه حيث تجلس هالة :-
+
" سنسكن في قصر أبي ..."
+
عمَّ السكون للحظات عندما قال حاتم مرحبا :-
+
" فكرة رائعة ... سنسعد كثيرا بوجودكما ..."
+
إبتسم له أثير بتروي ومنحته هالة إبتسامة هادئة عندما هتفت زمرد وهي تصطنع الإبتسامة على وجهها :-
+
" فكرة جيدة مع إنني توقعت إنك تفضل الإستقلال في سكنك كما كنت تقول سابقا ..."
+
أشارت لفريدة بملامح تحتقن تدريجيا :-
+
" تخيلي إنه طوال عمره يفّضل السكن لوحده رغم إن ذلك كان يزعجني كثيرا و يغضبني بشدة ..."
+
أضافت وهي تناظر ولدها بإبتسامة باردة :-
+
" أتسائل عن السبب الذي جعّلك تغير رأيك السابق فجأة ...؟!"
+
هتف حاتم وهو يطالعها بنظرات حازمة :-
+
" من المفترض أن تفرحي إذاً لقراره هذا ..."
+
" أنا سعيدة بالطبع ولكنني مستغربة .... "
+
قالتها وهي تتبادل النظرات مع هالة التي إبتسمت لها ببرود ومنحتها نظرات متحدية أشعلت النار في قلبها بينما هتف أثير بجدية :-
+
" واقعيا نحن لن نتواجد في البلاد سوى قليلا ... فكّرنا إنه لا داعي لأن نبحث عن فيلا جديدة لأجل القليل من الأيام التي سنقضيها في البلاد على فترات متقطعة ..."
+
هتفت هالة عن قصد :-
+
" مجيئنا هنا سيكون على فترات قصيرة كما قال أثير ... وبالطبع ستحبين أن تري ولدك حولك خلال هذه الفترات وأثير بدوره سيحب أن يتواجد معكم فهو يشتاق لكم كثيرا وأنا أكثر من يدرك ذلك لذا فكرت إنه من الطبيعي أن يقضي تلك الفترات القصيرة معكم بدلا من السكن بعيدا عنكم ..."
+
" فكرة ممتازة ... "
+
قالها حاتم بنبرة دبلوماسية وهو يضيف :-
+
" متى ستبدئان بتجهيز الجناح وبقية الأمور ...؟!"
+
" هالة ستبدأ بذلك في أقرب فرصة وأنا سأتابع معها كل شيء بالطبع ...."
+
تمتم بها أثير قبلما ينتبه لوالدته التي تتأمله بنظرات حانقة قبلما ترفع كأسها تتناول عصيرها بملامح قاتمة ليتنهد بتعب متسائلا عما تفكر به والدته وما تنوي عليه ..
+
**
+
في اليوم التالي ...
+
أثناء رحلته الجوية إلى سويسرا إسترخى في جلسته شاردا بها ومن غيرها وحدها التي تسيطر على أفكاره وتؤرق أيامه ولياليه ...
+
دعوة البارحة مرت بخير وهذا مؤشر إيجابي ...
+
يتمنى أن تمر الأشهر القادمة على خير دون جدالات عقيمة بينهما والأهم دون مشاكل وحروب بينها وبين والدته ...
+
تمر الساعات والملل يخيم عليه قبلما يغفو لدقائق ويستيقظ بعدها شاردا بها مجددا راجعا بذاكرته إلى الخلف حيث ذكرى أول لقاء وسقوطه في غرامها من النظرة الأولى وما تلا ذلك من تفكيره الدائم بها ...
+
( قبل أعوام ...
+
يجالس صديقه الذي أتى لزيارته قبل سفره للخارج فالعام الدراسي الجديد سيبدأ وهو عليه أن يسافر قبل أيام من بدايته كالعادة ...
+
أتى عادل ليراه ويودعه وأصر هو أن يبيت ليلته معه ...
+
كانا يجلسان في الحديقة الخلفية للقصر ممددان فوق العشب يتأملان السماء المظلمة بتلك النجوم اللامعة بينما يخبره أثير عنها :-
+
" ما إن تلاقت عينيّ بعينيها ...
+
هناك شيء ما حدث ...
+
يشبه السحر .."
+
أطلق تنهيدة طويلة وأضاف ببطأ :-
+
" منذ يومها وهي لا تفارق عقلي لحظة واحدة .. "
+
سأله صديقه بعدم تصديق :-
+
" هل أحببتها يا صديقي ...؟!"
+
" لا أعلم ..."
+
تمتم بها بضياع بات حليفه منذ تلك الحفلة التي قلبت كل شيء رأسا على عقبا ...
+
" أنت أحببت حقا يا أثير ..."
+
تمتم بها عادل وهو يعتدل في جلسته بينما بقي أثير على وضعيته وذراعه مثنية أسفل رأسه يتطلع نحو الأعلى بصمت وتفكير ...
+
" ما زالت مراهقة ... "
+
قالها أثير بخفوت ليبتسم عادل ساخرا :-
+
" تتحدث وكأنك في الثلاثين من عمرك ... أنت بالكاد دخلت الجامعة منذ عام واحد ..."
+
طالعه أثير بتجهم قبلما يعتدل في جلسته مقابلا صديقه هادرا :-
+
" إنها مختلفة ... الغريب إنني سبق وإلتقيت بها في السنوات السابقة ولم أشعر بشيء كالذي شعرته يوم الحفلة ..."
+
" ما علاقة هذا الآن ... ؟! أحيانا موقف واحد يغير نظرتك إتجاه شخص كنت تعرفه لسنوات وشعورك كذلك يتغير إتجاهه .... "
+
تمتم أثير بعقلانية :-
+
" في الواقع لم يكن يجمعني بها سوى سلام عابر بحكم القرابة .. كما إنني لم أرها طوال العامين السابقين لإنشغالي في دراستي ..."
+
تنهد مضيفا بحرارة :-
+
" أنا لا أعلم حتى إذا ما تغيرت في ظرف عامين وباتت مختلفة أم إنني من لاحظتها لأول مرة بشكل مختلف ..."
+
" كلا هي لم تتغير كثيرا ..."
+
قالها عادل بعفوية ليرفع أثير حاجبه بحركة تدل على غيرة نشبت داخله ليضحك عادل مرددا :-
+
" وتغار أيضا .. والله وقعت يا باشا ... "
+
هتف أثير بوجوم :-
+
" لا أغار ..."
+
" والله تغار ..."
+
قالها عادل ممازحا وهو يضيف بمرح :-
+
" لو ترى نظرتك حينما تحدثت عنها ..."
+
تجاهل أثير حديثه وهو يسأل مراوغا :-
+
" هل تعرفها جيدا ...؟!"
+
" ليس كثيرا ... لكنني رأيتها أكثر من مرة بالصدفة مع توليب أثناء تواجدي مع مهند ..."
+
ضحك بسلاسة :-
+
" إنها قوية وحادة الطباع قليلا عكس توليب ... تتشاجر مع مهند وتعارضه دائما ..."
+
إبتسم أثير بشرود قبلما يخبره عادل بجدية :-
+
" عامة سفرك جاء في وقته ... هذا السفر سيساعدك في تحديد مشاعرك نحوها..."
+
صمت أثير ولم يعلق مفكرا إن رغبة مجنونة تولدت داخله تطالب برؤيتها قبل سفره ...
+
نهض من مكانه نافضا ملابسه بيديه ليتسائل عادل وهو يتبعه :-
+
" إلى أين ...؟!"
+
ليهتف أثير وهو يتحرك إلى الداخل :-
+
" إشتقت لمهند ... سأتحدث معه ..."
+
" إشتقت لمهند أم لإبنة خالة مهند ..."
+
قالها عادل ضاحكا وهو يتبعه ليتجاهله الأخير وهو يتصل بمهند يخبره إنه سيكون ضيفا عنده غدا مع عادل على الغداء ..
+
**
+
في اليوم التالي ..
+
يجلس ثلاثتهم في حديقة القصر يتبادلون الأحاديث وضحكاتهم العالية تصدح بين الحين والآخر ...
+
وقفت هالة تتابعهم من بعيد بإهتمام غير مفهوم بالنسبة لها ...
+
تشعر بالضيق إتجاه ذلك اللعين الذي أحرجها لأكثر من مرة وتعامل معها كطفلة صغيرة وليست فتاة ناضحة على مشارف دخول الجامعة ...
+
عقدت ساعديها أمام صدرها وهي تتأمل ضحكته التي صدحت عاليا وملامحه التي بدت أصغر سنا في تلك اللحظة مفكرة إنه يمتلك مقدارا لا بأس به من الوسامة ...
+
عادت مجددا تلعن نفسها لأنها دخلت في رهان سخيف أحمق حطم كرامتها أمام هذا اللعين ...
+
شعرت بتوليب خلفها تطالعها بإهتمام مرددة بدهشة :-
+
" ماذا تفعلين هنا ...؟!"
+
أضافت وهي تجذبها من كفيها :-
+
" تعالي لنلقي التحية عليهم ..."
+
" ماذا تفعلين ...؟!"
+
صاحت بها هالة بينما توليب تجرها خلفها لتتشنج ملامح مهند بضيق بينما توليب تطل عليهم وخلفها هالة مرددة بمرح :-
+
" مرحبا ..."
+
" أهلا .. ماذا تفعلان هنا ..؟!"
+
هتف بها مهند بطريقته الغليظة المعتادة لتمنحه توليب نظرة حارقة قبلما تشير لأثير :-
+
" جئت لألقي التحية على إبن عمتي الذي سيسافر قريبا ..."
+
نهض أثير مبتسما يحييها بينما عيناه مسلطتان إتجاه تلك الواقفة جانبها بملامح غلفها البرود والثبات ...
+
إبتسمت توليب لعادل تحييه بينما بقيت هالة تتطلع حولها دون أن تفعل شيئا عندما قال أثير مقررا أن يلقي هو التحية بدلا منها :-
+
" كيف حالك يا هالة ..؟!"
+
" بخير ..."
+
تمتمت بها بنبرة مقتضبة قبلما تشير لعادل بإبتسامة هادئة :-
+
" كيف حالك يا عادل ..."
+
تبادلت التحية مع عادل بملامح أصبحت فجأة رقيقة لا تشبه تلك التي رآها عليها منذ لحظات ولا في المرة السابقة ...
+
سألت توليب وهي تجاور هالة في وقفتها متمسكة بساعدها :-
+
" هل تناولتم الغداء أم بعد ..؟!"
+
أجاب مهند محاولا صرفهما :-
+
" تناولنا كل شيء ... هيا إذهبا ..."
+
" سنذهب ..."
+
تمتمت بها توليب وهي ترمقه وعيد بينما دفعتها هالة وهي تهمس لها:
+
" لنذهب يا تولاي .. شقيقك سيموت حتما إن بقينا دقيقة أخرى هنا ..."
+
صاح مهند بصوت عالي :-
+
" سمعتك يا هالة ...."
+
" يا إلهي .. سأموت من الخوف لأنك سمعتني ..."
+
قالتها هالة مصطنعة الخوف وهي تلتفت له بتحدي ليكتم عادل إبتسامته بصعوبة ...
+
شرد بها أثير لا إراديا وشبح إبتسامة تشكل على ثغره و إندفعت هي مغادرة مع توليب تعاتبها على تصرفها بينما الأخيرة تبتسم داخلها بمكر فهي تعمدت أن تزج بهالة في جلستهم وكانت تنتظر رؤية ملامح أثير وقتها لتدرك إن تفكيرها في محلة فهناك شعلة ما إندلعت في قلب إبن عمتها إتجاه هالة كما توقعت ....
+
يومها عاد أثير بعقل مشغول بها أكثر من السابق ...
+
سهر طوال الليل يفكر بها فلم ينم حتى ساعات الفجر الأولى لتزره في أحلامه كذلك ...
+
وفي الصباح غادر مبكرا للقاء مهند حيث سيذهبان سويا إلى النادي للعب التنس ليراها هناك عائدة إلى القصر بملابس المدرسة ...
+
هبط من سيارته مقررا أن يختلس دقائق معدودة معها قبلما يظهر مهند ..
+
لاحظت وجوده وتقدمه نحوها فتجهمت ملامحها التي كانت حانقة من الأساس ...
+
" هل طردوك من المدرسة...؟!"
+
قالها وهو يقف قبالها واضعا كفيه في جيبي بنطاله يتأملها بنظرة باردة مستفزة بينما تقابله هي بملامح تكاد تنفجر غضبا تتمسك بحقيبتها المدرسية الضخمة قليلا ....
+
" ليس من شأنك ..."
+
هتفت بها بعصبية لتجده يتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها بحركة بطيئة متعمدة لتصيح به بحدة :-
+
" ماذا يحدث ...؟! لماذا تنظر إلي هكذا ...؟!"
+
" أبدا ... الواضح من مظهرك الغير مهندم إنك كنتِ في معركة ..."
+
ثم أشار لإحدى خصلاتها الشاردة من ربطة شعرها :-
+
" هل تشاجرتِ مع أحدهم وطردوك من المدرسة ...؟!"
+
لوهلة أرادت أن تضربه ...
+
بأي حق يتدخل فيما لا يعنيه ...؟!
+
صاحت به وهي تضرب الأرض بقدميها بغضب :-
+
" ما شأنك ..؟! ما شأنك أنت ...؟!حقا لا أفهم ..."
+
ضحك بطريقة أججت من غضبها بينما يهتف ببساطة مستفزة :-
+
" بلى شأني .. ألستِ قريبة خالي بل بمثابة إبنته... يعني مثلك مثل توليب ... "
+
توقف لوهلة يطالع وجهها الذي بات أحمرا بشدة ليضيف بمكر مقصود :-
+
" مع إن توليب لا تتسبب بتصرفات كهذه ...."
+
" ماذا تقصد ...؟!"
+
سألته بنبرة محتقنة ليرد عن قصد :-
+
" يعني مرة رهان مع صديقاتك للإيقاع بي ومرة يطردونك من المدرسة وهيئتك تدل على دخولك شجار مع أحدهم تسبّب بهذا الطرد ... "
+
إندفعت نحوه تقبض على قميصه تصيح به بنظرات رمادية مشتعلة :-
+
" لا تتجاوز حدودك معي وإلا ..."
+
" وإلا ..."
+
توقف لوهلة يطالع عينيها اللتين بدتا كجمرتين ثائرتين شديدتين الشراسة ..
+
لوهلة غرق في سحر عينيها ...
+
عيناها ساحرتان ... مغويتان.... لامعتان ....
+
وهج عينيها قاتل ... مثير ..
+
هي جميلة ...
+
شرسة ...
+
فاتنة و ...
+
استيقظ يا إبن الهاشمي ...
+
الفتاة ما زالت في الثانوية وترتدي زي المدرسة ...!
+
وقبلما يبتعد عنها كان مهند يصيح بهما غير مصدقا ما يراه :-
+
" ماذا يحدث هنا ....؟!"
+
هتف أثير سريعا :-
+
" لا شيء ... "
+
أضاف وهو ينظر نحو هالة بينما مهند يندفع نحوهما :-
+
" كنت أسألها إذا ما كان هناك مشكلة ما جعلتها تعود مبكرا ..."
+
رمقه مهند بنظرات حادة وهو يخبره :-
+
" لا شأن لك بهالة يا أثير ..."
+
ثم هتف وهو يرمق الأخرى بنظرات متوعدة :-
+
" ماذا حدث لتعودي باكرا ...؟!"
+
رمقت أثير بطرف عينيها قبلما تجيب :-
+
" مشكلة بسيطة .. سأتحدث مع خالتي لحلّها .."
+
تحركت سريعا بعدها دون أن تنتظر سماع المزيد منه عندما هتف مهند محذرا أثير بحميته بل شراسته المعتادة تجاه نساء منزله :-
+
" لا شأن لك بها يا أثير ... هالة خط أحمر مثلها مثل توليب .. فهمت .."
+
" ما بالك يا مهند ..؟! ماذا تظنني بالضبط ..؟!"
+
سأله أثير بإنزعاج ليخبره مهند بجدية :-
+
" الحذر واجب يا إبن عمتي ...." )
+
أفاق أثير من شروده مفكرا إن تحذير مهند وقتها كان في محله وهو من تهاون به ...
+
لقد أخطأ لأكثر مرة إلا إن خطأه الأكبر كان عندما سمع كلامها وأجّل أمر خطبته لها حتى تنهي جزءا لا بأس به من دراستها ...
+
لو خطّبها منذ البداية لما وصلا إلى هنا وما كان ليحدث أي شيء مما حدث في الماضي ...
+
هبط بعدها من الطيارة متجها مباشرة إلى شقته هناك حيث سيرتاح الليلة فقط قبل بداية عمله ...
+
كان مرهقا بشدة حيث لم ينم سوى تلك الدقائق المعدودة ..
+
سارع يخلع جميع ملابسه مكتفيا بشورت قصير فقط مندفعا نحو الفراش فهو بحاجة للنوم حالا لكن سرعان ما طار النوم من عينيه وهو يرى صورتها على تطبيق الإنستغرام الشهير ...
+
كان قد فتح الهاتف ليتصل بعائلته ويخبرهم عن وصوله مقررا تجاهلها كليا وهي التي لم تتصل به حتى قبل سفره ليرى ذلك الإشعار الذي يخبره بأنها شاركت منشورا جديدا ...
+
إنفجرت الدماء في عروقه وهو يراها بتلك الإطلالة المكونة من تنورة قصيرة بالكاد تغطي بداية فخذيها وقميص فضفاض من الشيفون الأحمر ..
+
إنتفض من فراشه وعيناه تتركزان على ساقيها بل فخذيها الظاهرين من أسفل التنورة قبلما تتسع عيناه وهو يلاحظ عدد الإعجابات التي تجاوزت الألفين إعجاب ...
+
حسابها مفتوح أيضا ...
+
سارع يتصل بها وهو يصّب لعناته عليها ..
+
طار النوم من عينيه بينما هي لا تجيبه ..
+
عشرون مكالمة تجاهلتها ...
+
إنقلب عالمه رأسا على عقب ...
+
توليب لا تجيب هي الأخرى ...
+
لا يمتلك رقم شقيقتها ...
+
يخجل أن يتصل بخالتها ...
+
اللعينة نشرت تلك الصورة وإختفت من الوجود ...
+
الإعجابات تتوالى على صورتها ومعها يتضاعف غضبه بل إحترا**قه ..
+
في النهاية لم يجد أمامه سواه ...
+
سيتصل براغب وليحدث ما يحدث بعدها ...
+
ودون مقدمات هتف بصلابة :-
+
" دع إبنة خالتك تمسح صورتها حالا وإلا ستجدني في وجهها بعد ساعات وسترى حينها مني تصرفا لن يعجبها
+
إطلاقا .."
+
هدر راغب بحدة وكأن ما ينقصه سوى أثير الحانق بسبب غير مفهوم :-
+
" مالذي تتحدث عنه ..؟! وما بالك تهدد وتتوعد بهذه الطريقة ...؟! من تظن نفسك ..؟!"
+
صاح أثير وأعصابه على وشك أن تنفجر من شدة الغضب :-
+
" الهانم نشرت صورة لها بتنورة قصيرة تظهر أكثر مما تخفي وحسابها مفتوح والإعجابات تجاوزت الألفين ... هل يعجبك هذا أخبرني ..؟!"
+
انتفض راغب من مكانه يصيح :-
+
" أي صورة وأين نشرتها ...؟!"
+
" على الإنستغرام ... "
+
سارع راغب يفتح التطبيق بينما أثير ما زال معه على الخط يردد بغضب :-
+
" ماذا تظن نفسها فاعلة ...؟! هل تعتقد إنني سأصمت ..؟! خاصة وهي تعلم إنك لا تستخدم التطبيق بل لا تفتحه إلا نادرا ..."
+
" سأتصرف أنا ..."
+
قالها راغب وهو يتأمل الصورة بعينين مشتعلتين وقبلما يتفوه أثير بحرف آخر كان يغلق الهاتف في وجهه ...
+
**
+
إندفع إلى جناحها دون إستئذان لتنتفض من فوق سريرها تهتف بصدمة :-
+
" راغب ... ماذا حدث ...؟!"
+
" إمسحي الصورة فورا ..."
+
قالها وهو يرفع شاشة الهاتف أمام عينيها مضيفا بصرامة :-
+
" حسابك سيكون مقفلا بعد الآن ..."
+
في لمح البصر كان تفتح الهاتف وتحذف الصور ثم تغلق الحساب مرددا :-
+
" مسحتها وجعلت الحساب مقفلا ..."
+
قالتها بخفوت ليتقدم نحوها خطوتين يخبرها بنظرات حاسمة :-
+
" تصرفات الأطفال هذه لا تعجبني ... تريدين إثارة غضبه وغيرته وما شابه أمر مرفوض لدي ... فهمتِ ...."
+
أومأت برأسها سريعا ليضيف بحزم :-
+
" إتصلي به وأخبريه بأنك مسحتي الصور ولن تكرري هذه التصرفات الحمقاء مجددا ..."
+
طالعته بتردد ليصيح بنفاذ صبر :-
+
" إسمعي كلامي يا هالة وتوقفي عن هذه التصرفات التي لن تجدي نفعا ...حسنا ..؟!"
+
" حسنا ..."
+
تمتمت بها بخفوت ليندفع مغادرا المكان تاركا إياها تتوعده وهو الذي تسبب له بمشكلة بل أحرجها أمام راغب ...
+
سارعت تكتب بعصبية رسالة له :-
+
" مسحت الصورة لأجل راغب الذي طلب مني ذلك وليس لأجلك .... "
+
قرأ رسالتها ولم يرد لتعاود الكتابة :-
+
" أكتب لك هذا كي لا تعتقد إنني خفت منك وتصرفت هكذا لأجل إرضائك .... أنا لا أخاف منك ولا أهتم بما تفكر به وتريده ... "
+
أخذت تنتظر جوابه على أحمر من الجمر لتشهق بصدمة عندما وجدته بعد دقائق حظرها من حسابه لتسبه وتلعنه دون توقف ...
+
**
+
تأمل كرم إسمها الذي يضيء شاشة هاتفه بوجوم ...
+
لوهلة أراد أن يجيب عليها لكنه تراجع في اللحظة الأخرى وسارع يجذب الهاتف ويرفض إتصالها قبلما يرمي الهاتف جانبا ثم يشرد لا إراديا فيما حدث قبل أيام عندما تحدث مع عمه ووجد نفسه يخطبها منها دون تفكير ...
+
( قبل أيام ...
+
الدهشة تمكنت من عمه الذي ردد بعدم إستيعاب :-
+
" ماذا تقول يا كرم ...؟!"
+
للحظة أدرك كرم حجم خطأه ومدى تهوره ...
+
كيف تصرف على هذا النحو ..؟!
+
أي جنون أطاح به ..؟!
+
مالذي دفعه لفعل ذلك ...؟!
+
هو لا يدرك ما حدث ...
+
لا يفهم كيف تفوه بهذه الكلمات ...
+
شيء ما مبهم دفعه لذلك ..
+
شيء جعله يتهور وينطق بكلام لم يستوعبه إلا بعدما قاله ووصل لمسامع غيره ..
+
لطالما كان التهور صفة ملازمة له ...
+
صفة بات يكرهها ...
+
صفة بسببها خسر الكثير وما زال يخسر ...
+
لكن هل قرب حنين يمثل خسارة ...؟!
+
كلا ، حنين أفضل إنسانة رآها في حياته ووصالها سيكون إنتصارا حقيقيا له ..
+
حنين مختلفة ومكسب لأي شخص ستكون من نصيبه وهو سيكون أكبر محظوظ بها ...
+
ربما لن يجد الحب معها لكنه سيجد ما هو أعظم بكثير ...
+
سيجد حبا غير مشروطا من طرفها ...
+
سيجد دفئا وحنانا و براءة وصدق وعفوية لا مثيل لها ...
+
سيجد ما يفتقده في نفسه الحالية وما خسره سابقا ...
+
حينها وجد نفسه متمسكا بطلبه قانعا به :-
+
" كما سمعت يا عمي ... أريد خطبة حنين ... "
+
عمَّ الصمت بعدها ...
+
هو ينتظر جواب عمه بقلب خافق وخوف حقيقي من الرفض ..
+
وفجأة تجسدت مخاوفه أمام عينيه عندما قال عمه بجدية :-
+
" لا يا كرم ..."
+
" لا ...."
+
تمتم بها كرم بعدم تصديق ليصله صوت زفير أنفاس عمه وهو يقول بهدوء :-
+
" إسمعني يا كرم ..."
+
" أسمعك ..."
+
قالها وهو يتمسك بالهاتف وقلبه ينبض بعنف أكبر يخشى مما يسمعه ...
+
" أنت تعلم كم أحبك وإنك لا تختلف عن نضال ولدي بالنسبة لي ..."
+
قاطعه كرم وتلك المقدمات باتت لا تروقه :-
+
" من فضلك يا عمي ... لا داعي لمجاملات أو مبررات واهية و ..."
+
أوقفه عمه بصدق :-
+
" هذه ليست مجاملة ... أنت كنت وستبقى إبني الذي أحبه كثيرا ... "
+
أخذ العم نفسا عميقا ثم قال بجدية :-
+
" لكنك يا كرم خرجت لتوك من تجربة فاشلة ... متى وكيف أصبحت تريد حنين وعلى أي أساس ...؟! قرارك ليس في محله يا بني... "
+
" أنت ترفضني إذا ..."
+
تمتم كرم بها بصلابة وبرود بات يتخذه قناعا في مواجهة كل حرب قاسية يخوضها ليخبره العم بمنطقية :-
+
" إمنحني سببا واحدا مقنعا يجعلني أقبل ...."
+
أضاف بتروي :-
+
" أنت حتى لا تعرف حنين جيدا ....لم يمر عام على طلاقك حتى ... متى تجاوزت تجربتك السابقة لتقرر الزواج من حنين ...؟! "
+
أكمل بجدية :-
+
" أنا لا أعرف ما يجري بينكما بالضبط وسأتحدث معها وأفهم منها وأحاسبها بالشكل الذي تستحقه وأنت كذلك يا كرم سأحاسبك إذا ما كنت تصرفت بأي شكل غير مقبول فأنا وثقت بك و قمت بإئتمانك عليها ..."
+
" صدقني يا عمي لم يحدث أي شيء غير مقبول بيننا ..."
+
قالها كرم بخفوت وشعور الرفض يطعن روحه دون رحمة ليخبره عمه بجدية :-
+
" أتمنى ذلك حقا يا كرم ... "
+
أضاف بعقلانية :-
+
" أتمنى أن تتفهم سبب رفضي يا كرم و تستوعبه .. صدقني أنا أريد مصلحتك أنت كذلك بهذا الرفض وليست مصلحة إبنتي فقط ..."
+
إبتسم كرم بسخرية بينما أكمل العم بحكمة :-
+
" أنت الآن تتخذ قرارات عشوائية متخبطة ... الآن تريد حنين ولكن ربما بعد فترة ستكتشف إنك إستعجلت طلبك هذا وتندم عليه ... "
+
" حسنا يا عمي ... ليس هناك مشكلة ..."
+
قالها بنبرة جامدة وهو يضيف بثبات :-
+
" في النتيجة أنت حر في قرارك ... "
+
" لا تتضايق مني يا كرم .."
+
قالها العم برجاء ليهتف كرم بصلابة :-
+
" لم أتضايق ... يجب أن أغلق الآن فلدي عمل مهم ..."
+
وقبلما ينتظر جوابه كان يغلق الهاتف غير راغبا بسماع المزيد من المبررات والإعتذارات ...)
+
تنهد بتعب وهو يهوي بجسده على الكنبة خلفه يتأمل السقف بشرود يتسائل إذا ما كان رفض العم جاء لصالحه ولكن بكل الأحوال سيبقى هذا الرفض يشكل حاجزا بينه وبين عمه الذي لطاما إعتبره بمثابة والده ...!
+
جذب الهاتف يتطلع إليه بصمت متسائلا عن ردة فعلها عندما علمت من والدها بطلبه ..
+
هل وافقت والدها في حديثه أم رفضت وثارت عليه لأنه رفضه على الفور ..؟!
+
يتسائل ويتمنى معرفة الجواب الذي سيشكل فارقا كبيرا عنده لو كان كما يتمنى ..
+
**
+
تتحرك داخل غرفتها بتوتر شديد ...
+
منذ حديثها مع والدها وهي تتلوى تماما من شدة الضيق والوجع ...
+
لا تصدق ما فعله والدها وكيف إتخذ قرارا مهما يخصها دون أن يرجع إليها ...
+
لأول مرة ترى والدها غاضبا لهذه الدرجة منها ...
+
كان منفعلا بشدة وهو يتحدث معها و يؤنبها على ما حدث بل ويحاسبها بشكل صريح متسائلا عما يحدث سرا بينها وبين كرم ...
+
وقتها لم تعرف ما يجب قوله ...
+
هل تبيح له بحقيقة مشاعرها ...؟!
+
هل تخبره عن عشق إستوطن قلبها منذ أعوام ...؟!
+
جاهدت كي تقاوم عبراتها وهي تخبره برجاء :-
+
" أنا لم أفعل شيئا خاطئا ... والله لم أخطأ بأي شيء .."
+
" جيد ، لا تغضبي إذا لأنني رفضته ..."
+
قالها والدها بحسم لتهتف بتردد :-
+
" لكن قرار الرفض من عدمه حقي أنا ... مثلما منحتني حرية الإختيار بشأن مازن فيجب أن تمنحني حرية الإختيار هذه المرة أيضا ...."
+
" أنت تريدين كرم إذا ...؟! تريدين الإقتران به ...؟!"
+
سألها والدها بلهجة بها حدة خفيفة أربكتها لثواني قبلما تهمس بإحباط :-
+
" لم يعد قراري يشكل فارقا بعد الآن .."
+
حينها أدرك الأب صحة هواجسه ...
+
إبنته تحب كرم ...!
+
كيف لم ينتبه لهذا ..؟! ومنذ متى وهي تحبه ...؟!
+
تنهد بصعوبة ثم قال محاولا احتواء الموقف الصادم بالنسبة له :-
+
" صدقيني هذا أفضل لك ... كرم لا يناسبك على الأقل حاليا ... لم يمر على طلاقه عام كامل بعد ... هو الآن متخبط في كل قراراته وتصرفاته ... فكري جيدا يا حنين وحكّمي عقلك وستدركين إن كلامي صحيح .... أنا لا أريدك أن تدخلي في تجربة غير مضمونة النتائج ... مشاعر كرم ورغباته ليست مضمونة في الوقت الحالي .. وصدقيني لو كان لك نصيب معه فستأخذينه ولو بعد أعوام ..."
+
حينها لم يكن بوسعها سوى الإستسلام فهمست بإبتسامة شاحبة تشكلت على ثغرها :-
+
" معك حق ... هكذا أفضل ...."
+
ورغم إقتناعها بحديث والدها إلا إن الحزن بقي طاغيا على روحها وما ضاعف منه هو تجاهل كرم لإتصالاتها المتكررة ...!
+
تنهدت بحيرة وهي تطالع الهاتف بخيبة ...
+
جلست فوق سريرها بإحباط لتسأل نفسها بعد لحظات عما كانت ستفعله لو كان كرم عرض الزواج عليها أولا قبلما يلجأ لوالدها ...
+
هل كانت ستوافق ...؟! ربما كانت ستوافق فعلا ...
+
هل كانت ستندم بعدها ..؟! غالبا هذا ما كان سيحدث ...
+
تعلم جيدا إن رغبته بالزواج منها خارج إطار المشاعر التي كانت وما زالت من طرفها هي فقط ..
+
تبحث عن سبب منطقي يجعله يرغب بالزواج منها ...
+
لمَ تصرف هكذا ..؟! مالذي دفعه لذلك ..؟! هل غار عليها ..؟! كلا الأمر بعيد تماما عن الغيرة فالغيرة مرتبطة بالحب وهو لا يحبها ...
+
تنهدت بتعب ثم عادت تتطلع بحيرة إلى الهاتف ..
+
من الواضح إنه غاضب منها بشدة و بالتأكيد من والدها كذلك ولكن ما شأنها هي ..؟!
+
الرفض سيؤلمه خاصة في وضعه الحالي ...
+
رباه لقد باتت تفهمه أكثر من نفسه وتفهم دواخله وتعقيداته ...
+
نهضت من مكانها بحسم ... ستذهب إليه ... لن تتركه فريسة غضبه و آلامه ... ستشرح له وجهة نظر والدها ليفهم أسباب الرفض الحقيقية ويستوعبها ..
+
غادرت شقتها بعدما بدّلت ملابسها بسرعة قياسية ...
+
وصلت إلى شقته أخيرا وهناك وقفت أمام باب الشقة بتردد إستمر لدقيقتين قبلما تحسم أمرها وتضغط على جرس الباب ...
+
بعد ثواني كان يفتح الباب بملامح يسيطر عليها الوجوم لتنفرج عن ملامحه الدهشة من قدومها ...
+
دهشة حقيقية فآخر ما توقعه مجيئها لكنها كعادتها تفاجئه بإستمرار ..
+
" مرحبا .."
+
قالتها بإبتسامة واسعة مقررة أن تنحي إرتباكها وتوترها على جنب ليهتف بملامح تمكن منها العبوس :-
+
" أهلا .."
+
تنحنت متسائلة بتوتر بينما تشدد من قبضتها على رباط حقيبتها :-
+
" هل يمكنني الدخول ...؟!"
+
أفسح لها المجال لتدخل قبلما يتبعها هو بعدما دفع الباب نحو الخارج قليلا دون أن يغلقها تاركا مسافة صغيرة مفتوحة ...
+
إلتفتت نحوه لتتقابل عينيها اللتين تلمعان بنظرات شفافة بريئة كعادتها بعينيه لتهمس دون مقدمات بعفوية معتادة :-
+
" أنا آسفة ..."
+
" علام تعتذرين ...؟!"
+
سألها وعبوسه يزداد لتجيب بذات التردد :-
+
" بابا أخبرني بكل شيء ..."
+
سار جانبا وقال بينما يجلس على الأريكة :-
+
" هذا الأمر إنتهي ولا أريد التطرق له مجددا .."
+
سارت خلفه وجلست جانبه على مسافة قصيرة تهمس بجدية :-
+
" حسنا كما تريد ولكن لا أريدك أن تغضب من بابا ..."
+
أضافت بخفوت وإرتباك :-
+
" ولا مني ..."
+
" لم أغضب ..."
+
قالها ببرود وهو يضيف بسخرية خفية :-
+
" هو يخشى عليكِ مني وهذا حقه ..."
+
" ويخشى عليكِ أيضا ..."
+
قالتها بجدية ليطالعها بنظرات تحمل إستهزاءا واضحا بما قالته لتصرّ على حديثها :-
+
" نعم يخشى عليك أن تتخذ قرارا عجولا دون تفكير تندم عليه فيما بعد ... هو يتفهم تخبطاتك و ..."
+
إندفع يصيح بها بعدما نهض من مكانه :-
+
" أنا لا أفهم لماذا يصّر الجميع أن يكون ولي أمري ويقرر نيابة عني ...؟! ولماذا يتعامل الجميع معي كأنني شخص غير آهل للمسؤولية وإتخاذ القرارات ...؟!"
+
" الأمر ليس كذلك ..."
+
قالتها بسرعة وهي تنهض من مكانها تحاول تهدئته ليهدر بها بعصبية :-
+
" كيف الأمر إذا ...؟!أخبريني ..."
+
تنفست بصعوبة ثم قالت بجدية :-
+
" أنت مررت بتجربة سابقة كانت صعبة و .."
+
إندفع يصيح بخبال لحظي :-
+
" تلك التجربة إنتهت ولا أريد تذكرها مجددا ... كانت ماضي وإنتهى .."
+
" حسنا فهمت ذلك ..."
+
قالتها وهي تبلل شفتيها بلسانها بتوتر يزداد تدريجيا ليشيح بوجهه بعيدا عنها متنهدا عدة مرات بصعوبة قبلما يشعر برغبته الشديدة بالحصول على دفعة من الهواء النقي ليندفع خارجا حيث شرفته يستنشق الهواء عدة مرات ...
+
وقفت هي تتابعه بحيرة ... تشعر بضياعه وتخبطه الذي يزداد مع مرور الوقت ...
+
تنهدت بخفوت ثم سارت نحوه ...
+
شعر هو بوجودها خلفه فلم تصدر منه أي ردة فعل ليجدها بعد لحظات تجاوره بصمت إمتد لدقيقتين قبلما يقطعه متسائلا بنبرة متعبة :-
+
" لماذا أتيتِ يا حنين ...؟!"
+
إلتفتت نحوه وكفيها يستندان على سور الشرفة تهمس بصدق :-
+
" لأنني قلقت عليك وخشيت أن تكون غاضبا مني ... "
+
إلتقط أنفاسه مجددا ثم إستدار بدوره نحوها يتطلع إليها بنظرات غير مقرؤءة حملت غموضا أربكها قبلما يخرج سؤاله المربك أكثر :-
+
" هل يزعجك ذلك ...؟!هل يزعجك أن أكون غاضبا منك يا حنين ....؟! .."
+
أومأت برأسها دون رد ليسأل وعيناه تتطلعان إليها بقوة :-
+
" لماذا ...؟!!"
+
أطرقت برأسها لثواني عاجزة عن صياغة جواب مناسب قبلما ترفع عينيها نحوه فيرى بهما نظرة تحمل تشوشا واضحا لتهمس بتيه :-
+
" لأنني ... لأنني .. "
+
" لأنكِ ..."
+
كررها ببطأ لتغمض عينيها لوهلة قبلما تشيح بوجهها بعيدا عنه فتشعر بكفه يحط فوق كتفها من الخلف ...
+
تشنج جسدها كليا من لمسته بينما شعرت به يميل جانبا قرب أذنها يهمس بخفوت وأنفاسه الحارة لفحت جانب وجهها بشكل ضاعف من خجلها وتوترها :-
+
" لأنك تحبينني مثلا ..."
+
شهقت بصوت مكتوم قبلما تستدير نحوه تصيح بإنفعال لحظي :-
+
" نعم أفعل وهذا ليس بشيء معيب أو مخجل .."
+
لوهلة أدهشه إنفعالها المفاجئ قبلما يبتسم بتروي مرددا وقد أزعجته تلك العبرات التي بدأت تملأ عينيها :-
+
" نعم هو كذلك ..."
+
العبرات ملأت عينيها فسارعت تهم بالتحرك هربا منه عندما أوقفها قابضا على ذراعها متمسكا بها هامسا بصوت هادئ :-
+
" من فضلك لا تبكي ..."
+
سارعت تهمس بينما تمسح عينيها بأطراف أناملها محاولة أن تمنع عبراتها من الظهور أمامه :-
+
" لا أبكي .. "
+
" أنتِ لا ذنب لكِ فيما حدث .."
+
قالها بصدق فتوقفت عما تفعله وأخذت تطالعه بإهتمام ليطلق تنهيدة طويلة ثم يضيف :-
+
" حتى عمي لم يخطأ في قراره ... "
+
شعرت بالراحة تتسلل إليها لا إراديا لتخبره بجدية :-
+
" بابا يحبك كثيرا يا كرم وتأكد في وقت مختلف ووضع غير وضعك الحالي كان سيفرح كثيرا بطلبك هذا ..."
+
" أعلم ..."
+
قالها بتروي قبلما يهتف بخفوت :-
+
" ليتنا بالفعل كنا في وقت مختلف ووضع مختلف تماما عن الوضع الحالي .... "
+
" لا بأس ... إنه النصيب ..."
+
قالتها بإحباط خفي ليشير لها :-
+
" ليتني لم أمرّ بهذا كله ... ليتني وجدتك منذ زمن ..."
+
" كنت أمامك طوال الوقت يا كرم ..."
+
تمتمت بها بنبرة خرجت معاتبة رغما عنها ليهتف بصدق:-
+
" لم نكن نلتقى سوى قليلا يا حنين وأنت كنت مراهقة صغيرة ... كان من المستحيل أن أفكر بك بهذا الشكل ... "
+
" صدقني لم يعد مهما .. برأيي أن نتخطى الماضي ونفكر في حاضرنا والمستقبل ... "
+
قالتها بنبرة مترجية ليأخذ نفسا عميقا ثم يقول بجدية :-
+
" معك حق ...."
+
أضاف وعيناه تتأملانها بحرص :-
+
" سأحرص أن يكون المستقبل أفضل ... أفضل بكثير ..."
+
إبتسمت بهدوء :-
+
" بإذن الله ...."
+
قررت بعدها المغادرة وهي تشعر بالراحة تستوطن روحها مجددا ...
+
تواصلا بعدها ليومين عبر الهاتف برسائل مختصرة كانت بدايتها من عنده ثم أخبرها بأنه سيفتتح مكتبه بعد يومين ...
+
يومها قررت أن تزوره في مكتبه وتبارك له هذا الإنجاز المهم ...
+
نهض من مكانه بملامح عادت الحياة تنبض فيها ما إن رآها تطل عليه وهي تحمل باقة ضخمة قليلا من الورد ...
+
تناول الباقة منها بينما تهمس ببسمتها المعتادة :-
+
" مرحبا ..."
+
وضع باقة الورد بألوانها الزاهية على طاولة جانبية ثم قال وهو يبتسم لها :-
+
" مرحبا ... سعدت كثيرا بقدومك ..."
+
همست بخجل :-
+
" كان لا بد أن آتي إلى هنا وأبارك لك الإفتتاح بنفسي ..."
+
" خير ما فعلتِ ...."
+
قالها بهدوء قبلما يطلب منها الجلوس على الكرسي المجاور لمكتبه لتخبره إنها تفضل الجلوس في الكنبة المقابلة فيجاورها هو في جلستها بينما تخبره وهي تتأمل المكتب الأنيق :-
+
" المكان حقا رائع ... "
+
" أعجبك حقا ..؟!"
+
سألها بإهتمام لتبتسم بصدق:-
+
" كثيرا ... ستحقق نجاحات كبيرة فيه بإذن الله ..."
+
قال بجدية :-
+
" هذا المكتب مجرد بداية ... سأسعى لتطويره ريثما يتحول إلى شركة كبيرة ...."
+
" إن شاءالله ..."
+
تمتمت بها بخفوت ليسأل عما تتناوله قبلما يهتف متذكرا :-
+
" تذكرت ... مشروب الشوكولاتة بالطبع .."
+
أومأت برأسها ليطلب من السكرتيرة أن تطلبه وهو يشدد عليها أن تضع سكرا من النوعية الخاصة بمرضى السكري ...
+
سعدت بإهتمامه بل تذكره لحالتها الصحية عندما عاد يجلس جانبها يتبادل الأحاديث وقد لاحظت تبدّله بل حماسه وهو يتحدث عن مشروعه وطموحاته بخصوصه ...
+
تناولت شرابها ثم أخبرته بضرورة مغادرتها لتتفاجئ به يدعوها مساءا على دعوة عشاء أعدها أصدقائه المقربين للإحتفال به وبمشروعه ..
+
في البداية ترددت فهي لا تعرف أيا منهم لكنه أصّر عليها حضورها مؤكدا عليها إنه سيكون معها ولن تشعر بالوحدة أو الخجل وهو جانبها لتوافق في النهاية وداخلها تكون شعور مليء بالسعادة لأنه طلب منها أن ترافقه بهذه الدعوة وشعور آخر يتمثل بالأمل الذي يتولد تدريجيا داخلها وسيكبر مع مرور الوقت ..
+
ذلك الأمل الذي مثلما يرفعها عاليا حد عنان السماء بوجوده سيطيح بها أسفل قاع الأرض لو غاب عنها ...
+
**
+
مساءا ...
+
إبتسمت وهي تتقدم نحوه بينما يقف هو بجانب سيارته ينتظر ظهورها لتطل عليه أخيرا فيتأمل تفاصيلها الرقيقة بدءا من فستانها الوردي القصير قليلا حيث ينتهي عند ركبتيها ، ذو حمالات رفيعة معقودة على شكل فراشة ، نصفه العلوي ضيق يلتصق بجسدها حيث يظهر هشاشة خصرها ثم يتسع تدريجيا من أسفل خصرها حتى نهايته ...
+
خصلاتها الملساء جمعتها على الجانب وإكتفت كعادتها بحمرة شفاه ذات لون زهري شفاف وكحل أسود يبرز عينيها البنيتين ...
+
وقفت قباله فبدت أكثر طولا من المعتاد حيث كان ترتدي في قدميها حذاءا ذو كعب مرتفع قليلا على عكس عادتها ...
+
هتف كرم بصدق وعيناه تحملان إعجابا صادقا :-
+
" تبدين جميلة للغاية ..."
+
" شكرا ..."
+
همست بها بوجنتين توردتا على الفور ليسارع ويفتح لها الباب فتجلس مكانها ويتجه بدوره إلى مكانه خلف المقود ثم يتحرك بسيارته متجها إلى المطعم الذي سيلتقي أصدقائه به ...
+
هناك حيث تجّمع أصدقاء الجامعة المقربين وكان من بينهم فتاتين إحداهما تنتظره على جمر فهي لم تلتقِ به منذ مدة طويلة وتحديدا منذ إعلانه خطبته من هالة ... !
+
يومها قررت أن تخرجه من حياتها رغم صعوبة ذلك ...
+
هي التي تعلقت بحبال واهية لا وجود لها فهي منذ أن عرفته وأدركت مشاعره إتجاه الأخرى ورغم ذلك لم تستطع منع نفسها من الوقوع في غرامه ..
+
شعرت بصديقتها تجاورها تهمس لها بدعم وهي تراها تتطلع بين الحين والآخر نحو بوابة المكان :-
+
" سيأتي ... والله سيأتي ..."
+
" إشتقت له كثيرا يا تالا ...."
+
إبتسمت تالا وقالت :-
+
" إصبري فلم يتبقى سوى القليل جدا .."
+
" لقد صبرت كثيرا يا تالا ... وأنت أكثر من يعلم هذا ..."
+
" لا بأس عزيزتي كارلا .. إصبري قليلا وكرم سيكون من نصيبك هذه المرة ..."
+
" يارب يا تالا ... أتمنى ذلك ب.."
+
توقفت بملامح جمدتها الصدمة وهي تراه يدلف إلى المكان تجاوره أخرى تراها لأول مرة معه ...
+
**
+
طوال طريق العودة من منزل العروس ووالدته تلتزم الصمت بشكل مريب ...
+
أوقف سيارته في كراج الفيلا وهبط منها ثم إتجه يفتح الباب لوالدته التي هبطت من السيارة بمساعدته قبلما تستند عليه وهي تدلف إلى الداخل يتبعهما كلا من نانسي وصلاح اللذين وصلا بدورهما بعدهما مباشرة ..
+
جلست نجاة على كرسيها بملامحها الصلبة فيأخذ شريف مكانه قبالها فيسأل بإهتمام :-
+
" لماذا أشعر بعدم رضاك عن هذه الزيجة يا أمي ...؟!"
+
صمتت نجاة ولم تعلق ..
+
ما رأته لم يعجبها أبدا ...
+
رغم إن الفتاة جميلة بل ساحرة الجمال ومن عائلة كبيرة على مستوى راقي جدا إلا إنها لم ترتح للفتاة أبدا ...
+
همست بخفوت :-
+
" المهم أنت يا شريف ..."
+
" ولكن رأيك يهمني ..."
+
قالها بجدية وهو يتطلع نحو نانسي وصلاح اللذين دلفا إلى المكان لتقول نانسي وهي تجاور حماتها في جلستها :-
+
" العروس رائعة حقا يا شريف ... "
+
جانبها جلس صلاح بملامح واجمة قليلا بينما قال شريف بجدية :-
+
" المهم أن تراها أمي كذلك ..."
+
قالت نجاة بعقلانية :-
+
" أنا لا أريد سوى سعادتك يا شريف ... إذا كنت ستجد سعادتك معها فهنيئا لك بها وهنيئا بها لك...."
+
نظرت نانسي لصلاح بطرف عينيها لتكتم ضحكتها بصعوبة وهي تتذكر صدمته بل صدمتها هي الأخرى عندما وجدا براء هناك ليتبين إنه شقيق العروسة الأصغر ...
+
تطلع صلاح إليها لينتبه لمحاولاتها في إخفاء إبتسامتها فأشار لها بعينيه أن تصمت وهو يحذرها بنظرات حادة متوعدة لتشيح بوجهها بعيدا عنه بينما هتفت نجاة مشيرة لولدها الأكبر :-
+
" برأيي أن تفكر مجددا في موضوع السكن المنفصل ..."
+
" ماذا تعنين ..؟! هل تريدين مني السكن بعيدا عنك ..؟!"
+
سأل شريف غير مصدقا لتهتف نجاة بجدية :-
+
" وما المشكلة في ذلك ...؟! أنا لا أسكن لوحدي ... صلاح ونانسي وأولادهما معي ... "
+
" بالطبع ، نحن معها .."
+
قالتها نانسي بسرعة لتضيف نجاة بمنطقية :-
+
"لا أعتقد إن الحياة معنا ستناسبها يا شريف ... من الواضح إنها من النوع الذي يفضل الإستقلالية ..."
+
تجهمت ملامح شريف وهو يتذكر حديث يسرا ورغبتها بالحصول على سكن مستقل بعيدا عن عائلته ليفاجئ هو الجميع برفضه مصرا أن يسكن بجانب والدته الذي يدرك مدى حاجتها لوجوده ...
+
شعر صلاح بحيرة شريف وهو يدرك حرصه على والدته ووجوده الدائم حولها فقال محاولا مساعدة شقيقه الذي لطالما ساعده دون مقابل :-
+
" ماما معها حق يا شريف ... أساسا لن تجد زوجة بسهولة تقبل أن تحيا مع والدتك وشقيقك وعائلته ... يمكننا أنا ونانسي الإنفصال في سكننا ولكن ..."
+
أوقفته نجاة بسرعة :-
+
" هذا مستحيل .. كريم وكاميليا لن يبتعدان عني ... كما إنني أريد نانسي معي ..."
+
ثم أشارت لنانسي بتجهم :-
+
" إلا إذا كانت زوجتك لديها رأي أخر وتريد الإستقلالية هي الأخرى ..."
+
هتفت نانسي بسرعة :-
+
" بالطبع لا .. أنت تعلمين مدى سعادتي بوجودي هنا ... أنت تعانين إنني أحبك مثل والدتي وتعلقت بك وبوجودك معي ولا أستطيع الإستغناء عنك ..."
+
ربتت نجاة على كفها وهي تهتف بإبتسامة رحبة :-
+
" حفظك الله يا نانسي وبارك فيك .... "
+
قال صلاح بعقلانية جديدة عليه :-
+
" لا تضخم الأمر يا شريف ... أنا ونانسي موجودان مع ماما وأنت يمكنك أن تجد سكنا قريبا ... لا أرى خطئا في طلبها خاصة وإن أمك لا تسكن وحدها بل معها أنا ونانسي وأولادنا ..."
+
" سأفكر في الأمر مجددا ..."
+
قالها شريف بجدية عندما قالت نانسي بفرحة صادقة :-
+
" بإذن الله ستصلان إلى حل يرضي كلاكما ... ونفرح بكما قريبا ..."
+
" شكرا يا نانسي ..."
+
قالها بنبرة ممتنة وهو ينهض من مكانه تطالع والدته رحيله بصمت ليسأل صلاح بجدية :-
+
" ما بالك غير راضية يا ماما ...؟!"
+
إلتفتت نحوه هو وزوجته تهدر بصعوبة :-
+
"الفتاة لم تعجبني إطلاقا ... لم أرتح لها أبدا ... "
+
تبادلا كلا من صلاح ونانسي النظرات قبلما تقول نانسي بجدية :-
+
" المهم إنه يريدها وسيكون سعيدا معها ..."
+
هتفت نجاة بعدم إقتناع :-
+
" حتى هذه لست واثقة منها يا نانسي ...أتمنى فقط أن يخيب الله ظني وتكون جيدة وتسعده ... "
+
ثم شردت مجددا في الفتاة ونظراتها وقوتها الواضحة وخبثها الذي شعرت به من نظراتها الغير مريحة ونبرة صوتها الناعمة بشكل شعرت إنه مبالغ فيه ...
+
**
+
في اليوم التالي ...
+
إلتقى بها بناء على طلبها ...
+
إبتسمت يسرا برقة وهي تخبره بخفوت :-
+
" البارحة شعرت بضيقك من طلبي ... طلبي هذا ليس بدافع سيء كما يبدو يا شريف ..."
+
" لم أقل إنه بدافع سيء يا يسرا ..."
+
قالها بجدية لتأخذ نفسا عميقا متذكرة حديثها مع والدتها التي أقنعتها بضرورة التنازل عن طلبها هذا بشكل مبدئي ريثما يكون العريس من نصيبها وبعدها تستطيع أن تتحكم بالأمور تدريجيا كما تريد وتقنعه بأمر السكن المنفصل ...
+
تذكرت كلمات والدتها حينها :-
+
" لا تكوني غيبة وتخسري عريسا مثاليا كشريف الخولي لسبب سخيف كهذا ... تزوجيه أولا وإنجبي منه ثم بعدها ستغيرين كل شيء حسب مزاجك .. وقتها يمكنك أن تطلبي منه فيلا منفصلة بل قصرا فخما يليق بك ..."
+
" لماذا سأنتظر حتى ذلك الوقت ..؟!"
+
سألتها بضيق لتهتف والدتها بحكمة :-
+
" لأنك في الوقت الحالي لا تمتلكين لديه ما يجعله يقبل بطلبك ويتنازل عن السكن مع والدته لأجلك ... حتى لو كان معجبا بك بل حتى لو كان مغرما بك حتى النخاع فهذا لا يعني إنه سيقبل ... هل تريدين خسارة رجل رائع مثله لسبب سخيف كهذا ...؟! "
+
" ليس سببا سخيفا يا ماما ..."
+
قالتها بحنق لتهدر والدتها بها :-
+
" إفهمي يا يسرا ... تزوجيه أولا وإضمنيه جانبك وبعدها بذكائك و حنكتك ستعرفين كيف تديرينه كالخاتم حول إصبعك لكن كل شيء سيحدث بالتدريج يا حبيبتي ووقتها ستطلبين ما تشائين وهو سينفذ ولكن كل شيء بهدوء و تروي وبطريقة محنكة دون إستعجال خاصة بعدما تنجبين له طفلا يزين عالمه ويتعلق به ... حينها كل شيء سيكون كما تريدين وأفضل .."
+
" يارب يا ماما .. أتمنى أن يحدث كل هذا بأسرع وقت ...."
+
عادت من أفكارها إليه تخبره بتريث :-
+
" أنا ظننت إنك بدورك تفضل الإستقلالية في السكن ولم أكن أعلم إنك لا تريد ترك والدتك وحيدة ..."
+
تنهد شريف ثم قال :-
+
" والدتي ليست وحيدة .. معها شقيقي وزوجته وأولاده ... وأنا فكرت أن نسكن معهم لأنني معتاد على تواجدهم حوليّ طوال الوقت .."
+
" من الواضح إنك تحب عائلتك كثيرا ..."
+
قالتها ببسمة مصطنعة ليهتف بصدق :-
+
" كثيرا يا يسرا... صلاح ليس شقيقي بل إبني الذي لم أنجبه ونانسي بمثابة شقيقتي الصغرى ... أما كريم وكاميليا فهما قطعة من روحي ... كنت وسأبقى أبوهما الروحي .."
+
لم تكن تعلم إنه كان يقصد كل حرف يقوله كي تدرك جيدا مكانة وأهمية عائلته لديه التي ستبقى تمثل إحدى أهم أولوياته ...
+
" كم هذا رائع .."
+
قالتها مدعية التأثر وهي تضيف بينما تلمس كفه :-
+
" صدقني كلامك هذا يفرحني جدا بل ويطمئنني على مستقبل أولادنا ..."
+
أضافت وهي تسأل بإهتمام:-
+
"أنت تحب الأولاد كثيرا يا شريف .. أليس كذلك ...؟!"
+
قال وهو يربت بكفه الآخر فوق كفها :-
+
" كثيرا وأتمنى أن يكون لدينا أكثر من طفل مستقبلا يا يسرا فأنا كما قلتِ أحب الأولاد وأحب أن يكون لدي عائلة كبيرة ..."
+
إرتبكت للحظة لكنها سرعان ما رسمت على ثغرها إبتسامة هادئة وهي تقول بنعومة :-
+
" بإذن الله يا حبيبي .. "
+
ثم أخبرته بعدها بحماس واضح :-
+
" طالما لم يعد هناك مشكلة بشأن السكن لنحدد موعد الخطبة إذا ..."
+
وبالفعل تم تحديد موعد الخطبة بعد إسبوع لتبدأ يسرا بالتجهيز لها بعدما قررت أن تقيم خطبتها في قصر عائلتها ..
+
دعت الأقارب والأصدقاء كما فعل شريف المثل ...
+
يوم الخطبة إستعدت له على أكمل وجه ...
+
إختارت يسرا فستانا أنيقا فخما كعادتها بلون أحمر غامق طويل ذو أكمام طويلة شفافة ...
+
كانت تبتسم مدعية الخجل وتتأمل خاتمها الضخم بإعجاب وحرص ...
+
قبالها كانت تجلس حماتها تتأملها بعدم رضا و شجن خيّم على قلبها لسبب ما زال غير مفهوم تجاورها نانسي التي تبتسم بفرحة صادقة لشريف متمنية له السعادة الدائمة وجوارها يقف صلاح بملامح متجهمة فما كان ينقصه سوى أن يتزوج شريف من شقيقة براء ذلك الأشقر المزعج الذي ما زال يبغض وجوده بشدة ...
+
حضرت العائلة جميعها الحفل حتى أروى التي أبت أن تحضر بسبب حزنها على رحيل صديقتها إلا إن والدتها أصرت على حضورها وهي تحذرها أن يتم تفسير غيابها عن الحفل بشكل خاطئ يسيء لها ولكرامتها لتضطر إلى الحضور حيث وقفت تتأمله مع الأخرى بجمالها المبهر الذي لا خلاف عليه بصمت وهدوء والغريب إن داخلها لم تنتفض قهرا كما توقعت بل سيطر البرود تماما عليها بشكل إستغربته لكنه أفضل بكل الأحوال ...
+
وصلت غالية إلى الحفل متأخرة قليلا بسبب عملها الذي يأخذ أغلب وقتها ...
+
أتت وحيدة دون زوجها الذي تحجج بعمله ولم يحضر الحفل ...
+
تقدمت نحو العروسين بكامل حلتها وجمالها المبهر الذي يخطف الأنظار كالعادة حتى شعرت يسرا بالضيق لا إراديا يتمكن منها وهي ترى نظرات الإنبهار من البعض تحاوط غالية دون أن تعرف هويتها بعد ...
+
باركت غالية لشريف بإبتسامة هادئة قبلما يعرف شريف خطيبته عليها :-
+
" غالية إبنة عمي يا يسرا ..."
+
باركت غالية للعروس التي بصعوبة ردت تحيتها وهي تتأملها بنظرات باردة مترفعة لاحظتها غالية لكنها لم تعلق بل إكتفت ببسمة هادئة وهي تغادرهما ...
+
إستمر الحفل لحوالي ثلاث ساعات حرصت يسرا خلالها أن تظهر مدى سعادتها بزيجتها هذه المرة قبلما تطلب من شريف أن يتجهان إلى الحديقة الخارجية لأجل جلسة التصوير التي فوجئ شريف بها بينما أعدت يسرا لها منذ إسبوع حيث ستتصدر صورتها مع خطيبها مواقع التواصل الاجتماعي خاصتها بل والمجلات كذلك ليكون حفل خطبتها بكل مظاهر البذخ المبالغ فيه إضافة لفستانها الذي يحمل توقيع أحد أشهر المصممين العالميين كعادتها حديث المجلات ومواقع التواصل الاجتماعي ...
+
**
+
غادرت غالية حفل الخطبة مبكرا فهي مدعوة لدى ليلى في قصرها حيث يقام إحتفالا كبيرا بمناسبة ولادة طفلها الأول ..
+
ذلك الحفل الذي أصرت عليه شريفة هانم وأعدته بنفسها وحرصت أن يكون ضخما بشكل يليق بحفيد العائلة الأول فدعت جميع الأقارب والمعارف والأصدقاء وفعلت ليلى المثل والتي تحمست بدورها لهذا الحفل الذي يليق بصغيرها ومكانته المميزة لدى الجميع ...
+
إبتسمت غالية بحنو وهي تحمل الصغير تتأمله بحب ...
+
كان رائعا بحق يشبه الدمية بخصلاته الناعمة الغامقة الشبيهة بخصلات والده وبشرته الحنطية بينما كانتا عينيه عسليتين كلون عيني ليلى ....
+
" إنه رائع ..."
+
تمتمت بها غالية وهي تلمس وجنته برقة لتهتف ليلى بإبتسامة حانية :-
+
" العقبى لك حبيبتي ..."
+
قالت غالية وهي تمنحها الصغير مجددا :-
+
" حفظك الله وبارك فيه لك حبيبتي ..."
+
ثم أخرجت من حقيبتها علبة صغيرة مربعة منحتها لليلى التي أشارت للمربية لتأخذ الصغير منها قبلما تأخذ العلبة وتفتحها لتجد خاتما ماسيا شديد الروعة فتهتف بصدق :-
+
" إنه رائع حقا يا غالية .. "
+
أضافت معاتبة :-
+
" لمَ كلفت نفسك هكذا ..؟!"
+
قبلتها غالية من وجنتيها وهي تهتف بإبتسامة رحبة :-
+
" حبيبتي ... مبارك عليك ... "
+
إندمجت بعدها بأجواء الحفل بينما إتجهت ليلى نحو زوجها الذي سارع يجذبها نحوه وهو يهمس لها :-
+
" لو تدركين مدى جمالك بهذا الثوب الساحر ... تبدين كالملاك الذي أريد خطفه والهرب به بعيدا عن أنظار الجميع .."
+
ضحكت ليلى برقة قبلما تتحرك بأناملها فوق ثوبها الأنيق رغم بساطته حيث إختارت ثوبا مصنوع من الدانتيل الأبيض ذو أكمام قصيرة مربعة مطرزة بالدانتيل هي الأخرى طويل ينتهي عند كاحليها إرتدت معه حذاء يحمل تدرجات اللون الأبيض الأغمق قليلا بكعب متوسط ارتفاع وقد تركت خصلاتها التي طالت بشكل ملحوظ حرة تنساب على جانبي كتفيها بنعومة ...
+
هتفت شريفة وهي تتقدم نحوهما حاملة الصغير بين أحضانها بفرحة شديدة :-
+
" عقبال شقيقه القادم بإذن الله ..."
+
ضحكت ليلى بعدم تصديق بينما هتف كنان بخفة :-
+
" ما زال الوقت مبكرا ..."
+
قالت شريفة بجدية :-
+
" ليس مبكرا أبدا ... هيا سارعا وأنجبا شقيقا له بأقرب فرصة ..."
+
" ولماذا لا تكون فتاة هذه المرة ...؟!"
+
سأل كنان مشاكسا وهو يحاوط زوجته بذراعي لتهتف شريفة :-
+
"فتاة أو صبي لا فرق مع إنني أحبذ أن تنجبا شقيقا لليل يسانده ويشتد عضده به ..."
+
" قولي إنك عنصرية وتفضلين الصبيان يا أمي ..."
+
ضحكت ليلى بمرح بينما قالت شريفة بملامح متجهة :-
+
" نعم أنا عنصرية وأحب الصبيان ولن أرتاح حتى تنجب ثلاثة صبيان على الأقل ..."
+
أضافت وهي تمنح ليلى الصغير :-
+
" خذي ولدك فأنا سأذهب لأقاربي هناك ..."
+
تناولت ليلى الصغير تقبله من وجنته بلهفة بينما مال كنان نحو يبتسم له وهو يحرك خصلات شعره بأنامله ليبتسم الصغير له فتضحك ليلى وهي تهمهم بينما تضمه لصدرها بحرص :-
+
" حبيبي الجميل ...."
+
**
+
دلفت غالية إلى غرفتها بملامح مرهقة فاليوم كان طويلا عليها ومليء بالعمل هذا غير المناسبات التي صودف أن كانت كلتاهما في يوم واحد ...
+
فوجئت بزوجها أمامها واقفا بتحفز واضعا كفيه في جيبي بنطاله وملامح وجهه توحي بكونه مستعد لشيء ما ..
+
" هل عدت مبكرا ..؟!"
+
سألته وهي تضع حقيبتها على السرير ليتجاهل سؤالها وهو يباغتها بسؤال بدوره :-
+
" أين كنت ...؟! منذ الصباح الباكر وأنت خارج المنزل ..."
+
فوجئت بلهجته وطريقته المغايرة في الحديث وطرح السؤال ...
+
منذ فترة وهو متغير معها وهي تشعر بذلك وتحاول أن تفهم السبب لكنها لم تصل إلى نتيجة ...
+
" كنت في حفل إستقبال مولود ليلى إبنة خالتي ..."
+
أضافت وهي تبتسم بتروي :-
+
" وقبلها كان هناك خطبة شريف .. "
+
" جدولك كان حافلا إذا لدرجة إنني عدت مبكرا ولم أجدك وإتصلت بك ولم تجيبِ على مكالماتي ... "
+
قالها بملامح عصبية لتهتف بهدوء :-
+
" لم إنتبه لمكالماتك حقا ... من الواضح إن هاتفي كان صامتا ..."
+
" وهل هذا مبرر كافي يا هانم ...؟!"
+
سألها بسخرية لتحتقن ملامحها بقوة وهي تسأل :-
+
" ما بالك يا فادي ..؟! لماذا تتحدث هكذا معي ...؟! "
+
" إسألي نفسك ... منذ الصباح وأنتِ خارج المنزل وأنا لا أعرف عنك شيئا ..."
+
كان يتحدث بغضب متعمد فاليوم قرر أن يخط نهاية قصتهما بنفسه ...
+
لن ينتظر المزيد ... لن يقيدها جانبه أكثر ..
+
أما هي فشعرت إنه يتحجج لإفتعال مشكلة بينهما كعادته في الآونة الأخيرة ..
+
فجأة تغير وبات يتشاجر بسبب وبدون سبب ناهيك عن تباعده الدائم عنها وغضبه المستمر وإنفعاله على أتفه الأسباب ...
+
" ماذا يحدث معك يا فادي ... ؟! منذ فترة وأنا أحاول تجاهل تصرفاتك الغريبة وطريقتك معي لكن يكفي ... "
+
إرتبك لوهلة بينما تجابهه هي بثبات :-
+
" أخبرني يا فادي .. مالذي يحدث بالضبط ...؟! لمَ تغيرت فجأة ...؟! لم أصبحت تصرفاتك هكذا ...؟! أنت بالطبع تلاحظ تصرفاتك مثلي ..."
+
أخذ نفسا عميقا ورغم إنه جهّز نفسه للموقف لكنه يبقى التنفيذ صعبا ...
+
ليس من السهل أن يتخلى عنها بل الأمر أصعب مما كان يتصور ...
+
هو يحبها بل يعشقها لكنه مجبر...
+
مجبر أن ينهي هذا الرباط الجامع بينهما ...
+
مجبر أن يحررها منه ...
+
مجبر أن يتحمل غيابها عنه للأبد ....
+
لذا حسم أمره والقرار كان بيده وحده هذه المرة :-
+
" أنا أريد الطلاق يا غالية ... "
+
**
+
في اليوم التالي ..
+
ركنت أروى سيارتها في فيلا نغم ثم هبطت منها متجهة إلى الداخل ...
+
وقفت تطالع الباب الداخلي بتردد قبلما تضغط على الجرس لتفتح الخادمة الباب لها بعد ثواني تستقبلها بإبتسامة مرحبة ..
+
ما إن دلفت أروى إلى الداخل حتى شعرت بروح نغم حولها في المكان ..
+
أخذت نفسا عميقا وهي تجاهد لكبح عبراتها عندما وجدت زهرة تطل عليها حيث تقضي الأخيرة معظم وقتها مع الصغيرة رغم وجود مربية خاصة أتى بها راجي لرعايتها ..
+
راجي الذي أصّر أن يسكن مع طفلته في المنزل الذي جمعه مع زوجته الراحلة لعام كامل ورفض محاولات والدته للبقاء معهم في القصر ..
+
" مرحبا ..."
+
تمتمت بها أروى بخجل ولم تكن تعرف بوجود أحد من عائلته هنا ...
+
" أهلا إبنتي ... تفضلي ..."
+
قالتها زهرة وهي تشير لها أن تتقدم إلى الداخل لتهتف أروى بإرتباك :-
+
" أنا صديقة نغم ... أتيت لرؤية الصغيرة والإطمئنان عليها ..."
+
" بالطبع يا ابنتي ... تفضلي ..."
+
قالتها زهرة بإبتسامة مرحبة كعادتها لتبادلها أروى إبتسامتها وهي تتحرك معها حيث صالة الجلوس ...
+
جلست أروى قبال زهرة التي سألتها بإهتمام :-
+
" من الواضح إنك مقربة للغاية من نغم رحمة الله عليها ..."
+
" كثيرا ..."
+
تمتمت بها أروى قبلما تتجه ببصرها لا إراديا نحو صورة نغم الموضوعة في مقدمة الصالة لتتشكل العبرات في عينيها على الفور عندما سارعت تبحث عن منديلا في حقيبتها لتجد زهرة تناولها المنديل وهي تبتسم لها بتعاطف ...
+
سارعت تمحي عبراتها وهي تهمس بصعوبة :-
+
" رحمة الله عليها ..."
+
سألتها زهرة عما تحب تناوله فإكتفت بالقهوة بعدما أصرت عليها زهرة بينما أتت المربية تحمل الصغيرة لتنهض أروى بسرعة تستقبلها بينما زهرة تتابع ما يحدث بصمت حزين ...
+
حملت أروى الصغيرة لتكتم شهقة كادت أن تفلت منها وهي تنتبه لكم الشبه الذي يجمع بينها وبين نغم فتطفر العبرات في عينيها لا إراديا بينما تهمس ببسمة حزينة :-
+
" حبيبتي ... ما أجملك ..."
+
ثم مالت تقبل جبينها ببطأ قبلما تتحرك بها نحو الكنبة تجلس عليها وهي تحملها بين ذراعيها ...
+
أتت الخادمة بعدها القهوة وتبادلت أروى الأحاديث مع زهرة عندما أخبرتها زهرة بقهر حقيقي :-
+
" أنا حزني الأكبر على هذه المسكينة التي ستكبر دون أم ... "
+
أضاف بحزن :-
+
" طلبت من راجي أن تحيا معي في قصرنا وأنا أربيها بنفسي ولكنه فضّل أن تعيش هنا في منزل والدتها الراحلة ... لا أفهم سبّب تعنّته هذا حقا ..."
+
قالت أروى بجدية :-
+
" ربما سيغير قراره فيما بعد ... وجود الصغيرة معك سيكون أفضل لها ...ستكونين مكان والدتها رحمة الله عليها وتعوضيها عن غيابها ..."
+
قالت جملتها الأخيرة وهي تطالع وجه الصغيرة بحنو فتبتسم الأخيرة لها بشكل سلبها لبها بينما قالت زهرة بعدما أطلقت تنهيدة حارة :-
+
" لا أعتقد إنني أستطيع تعويضها عن مكان والدتها مهما حدث ولكن هذه أفضل الحلول المتاحة ..."
+
" معك حق ... لا يمكن لأي أحد أن يحل مكان الأم مهما حدث .."
+
تمتمت بها أروى بنبرة حزينة لتسألها زهرة بإهتمام :-
+
" أنت تعملين حاليا في نفس المشفى مع راجي ، أليس كذلك ..؟!"
+
أومأت أروى برأسها وهي تجيبها :-
+
" نعم ، أعمل معه ... "
+
" وما هو تخصصك ...؟! "
+
أجابت أروى :-
+
" أدرس الجراحة العامة ... لم يتبقَ سوى القليل لأنال شهادتي ..."
+
" بإذن الله حبيبتي ..."
+
قالتها زهرة قبلما تنتبه لخلو يدها من خاتم زواج فتستغرب داخلها ذلك إلا إنها إكتفت بذات البسمة الهادئة بينما عادت أروى تتطلع نحو الصغيرة وتبتسم لها بحنو ...
+
**
+
مساءا ...
+
وصل راجي متأخرا من عمله ...
+
إتجه بلهفة كعادته نحو طفلته يحملها ويلاعبها قليلا بينما تراقبه والدته بحسرة خفية تتخيل لو كانت نغم حية لكان راجي يحيا أجمل أيامه مع زوجته وطفلته ...
+
راجي كان يستحق أن يكون لديه عائلة صغيرة جميلة مكونة من زوجة محبة وأطفال يملئون عليه حياته ...
+
تنهدت بتعب وآلمها على ولدها يزداد لا يقل لتتقدم نحوه وهي تخبره :-
+
" أتت اليوم صديقة نغم لترى حياة ..."
+
" تقصدين دكتورة أروى ..."
+
قالها وهو يقبل الصغيرة من جبينها ثم وجنتها لتومأ زهرة برأسها :-
+
" نعم هي ..."
+
" أخبرتني مسبقا بذلك ..."
+
قالها بجدية وهو يعيد الصغيرة لسريرها لتهتف زهرة بعدها وهما يغادران الغرفة :-
+
" لماذا لا تفكر مجددا في كلامي يا راجي ... ؟! أليس من الأفضل أن تسكنان معنا حتى تكبر حياة قليلا على الأقل ...؟!"
+
" لا أعلم يا أمي ... حقا لا أعلم ..."
+
قالها بحيرة وهو يشعر إن قراره بالسكن هنا لم يكن صائبا فوالدته منذ ذلك اليوم وهي تقضي معظم وقتها هنا مع طفلته تاركة قصرهم ووالده وكل شيء بل تبيت معها أحيانا وهذا شيء لا يمكن أن يدوم وفي ذات الوقت صغيرته تحتاج لوجود شخص موثوق به كوالدته عندها ...
+
" هناك سنكون جميعنا حولها ... أنت ستطمئن عليها بوجودنا .. "
+
قالتها زهرة بعقلانية وهي تشعر بتخبط ولدها لتضيف :-
+
" ستبقى هذه الفيلا تخص نغم وتستطيعان أن تأتيان هنا متى ما أردتما ... "
+
تنهد راجي بتعب ثم قال مقررا دراسة الموضوع مجددا فوالدته معها كل الحق فيما تقوله :-
+
" سأفكر مجددا في هذا الأمر ..."
+
" فكّر جيدا وتذكر إن هذا كله لأجل مصلحة إبنتك يا راجي ..."
+
قالتها وهي تربت على ذراعه قبلما تتحرك للمغادرة بينما إتجه هو إلى غرفته هناك حيث أخذ حماما طويلا يزيل به تعب اليوم الذي كان مرهقا كالعادة قبلما يتجه نحو خزانته يبحث في أغراض نغم عن تلك الرسائل التي تركتها له وأصرت عليه ألا يقرأها إلا عندما يكون مستعدا لذلك ...
+
وجد بضعة رسائل تحمل الكثير من الإعترافات والوصايا ...
+
كان يقرأها بالترتيب ونغم لم تترك شيئا دون أن تتحدث عنه حتى ختمتها برسالة صادمة كان محتواها عن طفلتها التي وجدت لها الأم البديلة التي ستحل محلها وتعوضها عن غيابها ...
+
وفي نهاية الرسالة ختمت نغم حديثها ب:-
+
" تزوج أروى يا راجي ... أروى تحتاج لهذه الزيجة مثل حياة تماما ... حياة تحتاج لأم وأروى تحتاج لرجل مثلك يمثل سندا حقيقيا لها ويعوضها عما عاشته ويعيد لها ما أضاعته مسبقا ... أروى تحتاج لهذه الزيجة ولا تسأل لماذا ... تزوجها يا راجي ... ساعدها وهي في المقابل ستساعد إبنتنا وتمنحها الأمومة التي فقدتها برحيلي ... ولا أحد يعلم ربما ترتاح معها وتجد فيها الزوجة التي تمنحك الاستقرار والسعادة التي تستحقها يا حبيبي ... "
+
بلا وعي إعتصر الورقة الأخيرة داخل كفه وكلماتها الأخيرة صدمته تماما وعقله يرفض تصديق ما قرأه قبل لحظات ...
+
**
+
جلس إياس يستمع للطبيبة التي أخبرته بجدية عن وضع زوجته :-
+
من الواضح إن السيدة توليب تعاني من تشوه خلقي في الرحم وهذا تسبب لها بالإجهاض السابق كذلك و غالبا هذا الحمل لن يستمر كالذي سبقه ..."
+
" ماذا يعني لن يستمر ..؟! تصرفي يا دكتورة ... هذا الحمل يجب أن يستمر ...."
+
قالها إياس بنبرة منفعلة فهذا الحمل بات يريده أكثر من السابق ...
+
هذا الحمل يمثل رابطا حقيقيا يجمعه بتوليب ....
+
رابط إذا إنقطع ربما يخسرها بعدها إلى الأبد ...
+
أخذ يتحدث مع الطبيبة التي منحته عدة نصائح بخصوص الوضع الحالي ...
+
في النهاية أدرك إن وضع زوجته ليس هينا فهذا التشوه بحاجة لتدخل جراحي كي تستطيع الحمل بشكل طبيعي بعدها ...
+
قاد سيارته متجها إليها مقررا مصالحتها وإعادتها معه بأي طريقة كانت ...
+
هناك وجدها في جناحها تعتزل كل شيء كعادتها منذ وصولها إلى القصر ورغم ذلك تشعر براحة وهدوء نفسي لا يعكره سوى خوفها من خسارة طفلها مجددا ...
+
طرق على الباب ثم دلف إلى الداخل ليجدها تتأمل السماء من خلف النافذه الواسعة وكفها تلمس بطنها بين الحين والآخر ...
+
" إياس ..."
+
همست بها بعدما إلتفتت نحوه ليغلق الباب وهو يتقدم إليها يسأل بحرص :-
+
" كيف حالك حبيبتي ...؟!"
+
" بخير ..."
+
أجابته بخفوت وهي تتجه نحو الكرسي المجاور للنافذة وتجلس عليه ...
+
تقدم نحوها ثم وقف قبالها يسألها بخفوت :-
+
" ألن تعودي معي إلى قصرنا يا حبيبتي ...؟!"
+
ما زال يقول قصرنا ...!
+
" هل تتوقع العودة مني حقا بعدما فعلته ..؟!"
+
سألته بإستغراب ليلامس ذقنها بأنامله يخبرها بجدية :-
+
" لكنني إعتذرت منك يا توليب ... "
+
" لا أعلم يا إياس ...ولكنك أخطأت بحقي ... كثيرا ..."
+
تنهد بصعوبة ثم قال وهو يقبض على كفيها بكفيه :-
+
" كنت غاضبا يا توليب ... تركتني لمدة طويلة وأنت تعرفين إنني لا أستطيع الإبتعاد عنك .. "
+
نهضت من مكانها تهتف مبررة سبب غيابها :-
+
" كان لدي سبب قوي يا إياس ... زوجة أخي توفيت وتركت خلفها طفلة صغيرة لا تعي شيئا ... أنا نفسي كنت حزينة ومتعبة وبحاجة لوجود أحدهم جانبي في مصابي ... فضّلت أن أبقى هنا بجانب عائلتي بدلا من العودة لذلك القصر الذي كل شيء فيه يخنقني .."
+
" هل وجودك هناك يخنقكِ حقا يا توليب ..؟!"
+
سألها بتجهم لتجيب بتلعثم :-
+
" ليس تماما ولكن كل شيء هناك يبدو غريبا والمشاكل لا تنتهي وأنا تعبت حقا من هذا كله ..."
+
" مالذي يريحك يا توليب ...؟! قولي لي وسأفعله .."
+
قالها بجدية مقررا أن يستغل كل الفرص الممكنة لإرجاعها ....
+
كلا لا يمكنه أن يتخلى عنها مهما حدث ...
+
توليب له ...
+
هي المرأة التي بات لا يستطيع أن يحيا بدونها ...
+
المرأة التي لا يشعر بالآمان والراحة سوى بقربها ...
+
هي المرأة التي يحب ...!
+
" لو أخبرتك ما يريحني فهل ستفعله حقا ..؟!"
+
سألته بعدم تصديق ليأخذ نفسا عميقا ثم يقول :-
+
" سأفعله يا توليب .. "
+
لم تقتنع بحديثه فسألت بتردد :-
+
" هل ستوافق أن نسكن في مكان منفصل عن عائلتك ...؟!"
+
كان يتوقع طلبها هذا ...
+
بالأحرى لم يكن طلبا بل كان إختبارا لن يرسب فيه ...
+
" موافق يا توليب ... موافق أن أفعل أي شيء فقط عودي معي ..."
+
جذب كفيها مجددا يقبض عليهما بكفه يخبرها بصدق :-
+
" فقط لا تبتعدي عني فأنا لا يمكنني أن أحيا بدونك ..."
+
أضاف وكفه الآخر تلمس بطنها برفق :-
+
" أحتاجك أنت وطفلنا يا تولاي ... أحتاجك أكثر من أي شيء وسأفعل أي شيء لتكونا معي ... "
+
طالعته بتردد وقلبها يخبرها أن تصدقه هذه المرة إن لم يكن لأجلها فلأجل طفلها القادم ...
+
تنهدت ثم قالت بخفوت قاصدة أن تذكره بما قاله وكم جرح قلبها يومها :-
+
" وماذا عن شروطك بشأن زيارتي لعائلتي و غيرها ...؟!"
+
مد كفه يلمس وجهها يخبرها بجدية :-
+
" إعتبريها ملغية .."
+
أضاف متسائلا بلهفة :-
+
" ماذا قلت ..؟! هل ستعودين معي ..؟!"
+
أخذت نفسا عميقا ثم قالت بجدية :-
+
" سأعود يا إياس ولكن ليس الآن ..."
+
تجهمت ملامحه بينما قالت بجدية :-
+
" أحتاج أن أبقى ليومين آخرين ... من فضلك ..."
+
هتف مستسلما مقررا ألا يضغط عليها أكثر :-
+
" كما تريدين ... المهم أن تعودي حتى لو فيما بعد ..."
+
ثم جذبها نحو صدره بإحتياج حقيقي لها لتغمض عينيها مستسلمة لعناقه بضياع بينما يقبل هو رأسها ببطأ ...
+
مرت الأيام بعدها ثقيلة وعقله مشغول بنتائج التحليل وداخله يتمنى أن تكون النتيجة سلبية وإن بدا ذلك مستحيلا في ظل ثقة مروة الواضحة بما ينتظرها وهي التي جابهته بعدما أودعها في شقة بعيدة تسأله عما سيفعله فأخبرها بقوة وثبات :-
+
" سأقتلك إن كانت النتيجة سلبية ..."
+
" وإن كانت إيجابية ..؟!"
+
سألته بتحدي ليجيب بعد تفكير لم يدم سوى قليلا :-
+
" سأفعل ما يقتضيه الواجب ... فأنا لن أتخلى عن ولدي مهما حدث .. "
+
" ستمنحه إسمك إذا ..؟! ستعترف به ..؟!"
+
سألته بلهفة ليجيب بإقرار :-
+
" سأفعل يا مروة ... لن أتخلى عن طفل من صلبي ..."
+
" وأنا ..؟!"
+
سألته وهي تضيف مشيرة لنفسها :-
+
" لن تحرمني منه ... أليس كذلك ...؟!"
+
إندفع نحوها يقبض على ذراعها يهدر بها :-
+
" ليكن بعلمك إن الطفل القادم هو الشيء الوحيد الذي سينقذك مني فأنا وبكل آسف لن أستطيع إيذاء أم ولدي ... لست وغدا لهذه الدرجة يا مروة ... "
+
تنهدت براحة وهي تخبره بعينين لمعت العبرات بهما :-
+
" كنت أعلم هذا ... أعلم إنك لن تتخلى عن طفلك ولن تؤذيني فقط لأجله ..."
+
أفاق من أفكاره على صوت رنين هاتفه والطبيب يخبره بأن النتيجة ظهرت ويستطيع أن يستلمها ...
+
غادر بسرعة وهناك سمع ما كان يتوقعه فالطفل منه .. من صلبه ...
+
يحمل جيناته بنسبة ٩٩،٩ ٪ ..
+
قاد سيارته متجها إليها حيث وجدها تنتظره بلهفة ليلقي ورقة التحاليل عليها فتقرأ ما بها وهي تصيح بسعادة :-
+
" هل صدقتني أخيرا ...؟! "
+
تحرك نحو النافذة بملامح غير مقروءة بينما تتابعه هي بوجل ...
+
مسح على جبينه بتعب لتسأل بخفوت :-
+
" ماذا ستفعل الآن يا إياس ...؟! ولادتي قريبة جدا و ..."
+
توقفت وهي تجده يستدير نحوها يتأمل بطنها البارز بوضوح فيسأل بمشاعر مختلطة :-
+
" هو صبي ... أليس كذلك ..؟!"
+
أومأت برأسها وهي تجيب :-
+
" نعم صبي ... والله صبي ..."
+
رق قلبه رغما عنه ...
+
كان شعورا يختبره للمرة الأولى ...
+
شعورا تاق إليه من أخرى لكن كان نصيبه أن يكون منها هي ...
+
تنهد مجددا ثم حسم قراره فالخطوة القادمة لا تقبل تراجعا فهي تتعلق بمصير ولده ومستقبله :-
+
" سنعقد قراننا اليوم يا مروة... إبني سيولد وأنت على ذمتي ..."
+
إنتهى الفصل
2

