رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الثلاثون 30 بقلم سارة علي
الفصل الثلاثون
+
علمني رحيلك عن عالمي الحزن.. وعلمني الحزن عليك.. الرحيل عن عالمي.
+
إسود العالم فجأة ...
+
إنقلب كل شيء رأسا على عقب ...
+
النهاية مهما كانت حتمية تبقى نهاية سوداوية غير مستحقة ...
+
تبقى حسرة في القلب لا يمكن أن تختفي يوما ..
+
كل شيء حدث بسرعة ...
+
شقيقه الأكبر تلقى خبر الوفاة ...
+
واقعيا الجميع كان ينتظر الخبر فالأطباء كانوا صريحين بما يكفي ليدرك الجميع إن نهايتها تقترب منذ أشهر ومع ذلك بقي وقع الألم نفسه على الجميع بل وحتى الصدمة ...
+
تماسك هو بأعجوبه مستقبلا عناق شقيقه الأكبر بصلابة واهية ...
+
إرتدى قناع الثبات والتماسك أمام الجميع ...
+
أتّم شقيقيه إجرائات الدفّن بينما بقي هو معها حتى غادرت إلى مثواها الأخير ...
+
ودعها كما ينبغي ...
+
حملها إلى مثواها الأخير بنفسه ....
+
كان الجميع حوله بينما هو مغيب عن الجميع ..
+
قلبه وعقله وكل جزء منه شارد بها ....
+
يشعر بها جانبه تتطلع إلى التراب الذي يتساقط فوق جسدها معه ...
+
أخذ يرمي التراب فوقها بينما ظلها يلاحقه حتى إنتهى كل شيء فوقف بذات الثبات يقرأ الفاتحة على روحها لمرات متتالية قبلما يغادر مع الرجال إلى مكان العزاء الذي سيتقدمه بنفسه ....
+
**
+
أخذتا كلا من همسة وتوليب على عاتقهما ترتيب القصر وتحضيره ليكون جاهزا لإستقبال المعزيات من النساء اللواتي بدأن يتوافدن مساء نفس اليوم ...
+
حل المساء سريعا ...
+
إجتمعن النسوة في الصالة الواسعة تتوسطهن زهرة ووالدة نغم وشقيقتيها ...
+
زهرة التي تحاول التماسك بصعوبة بينما والدة نغم منهارة بشكل يمزق القلب وكذلك شقيقتيها...
+
تجلس همسة قبالهم تبكي بصمت ...
+
لا تستوعب بعد كيف رحلت نغم بسرعة ...
+
وجودها كان مميزا رغم قصر مدته ...
+
لم يكن حال توليب أفضل من البقية وهي التي لا تعرف على من تبكي ...
+
على نغم التي رحلت في عز شبابها أم على شقيقها المسكين أم تلك الصغيرة التي أتت لهذه الدنيا بلا أم ...
+
مدت كفها تلمس بطنها المسطحة لا إراديا فتتساقط عبراتها وهي تفكر في تلك الصغيرة التي ما زال وضعها غير مستقرا ...
+
تتنهد بصعوبة ثم تقرر النهوض من مكانها للإطمئنان على إبنة خالتها التي بقيت ملتزمة الصمت منذ سماعها الخبر لكن شحوب ملامح وجهها ينذر بما تركه هذا الخبر من آثر مؤلم لن يمّر بسهولة عليها ....
+
دلفت إلى جناحها دون إستئذان لتجدها جالسة فوق سريرها شاردة تماما بملامح باهتة كليا ...
+
جاورتها في جلستها تخبرها بخفوت :-
+
" إنتهى العزاء اليوم .. لم يتبقَ سوى عمتي وفريدة هانم وبعض الأقارب ...."
+
هزت هالة رأسها بعدم إكتراث عندما سألت توليب بقلق :-
+
" ماذا يحدث يا هالة ...؟! تحدثي ... "
+
" الصغيرة ... كيف حال الصغيرة ...؟!"
+
خرج سؤالها مشحونا بعاطفة غريبة إتجاه تلك الصغيرة التي نالت مصيرا مشابها لمصيرها عندما همست توليب بقهر :-
+
" ما زال وضعها غير مستقرا ...."
+
مالت هالة برأسها فوق كتف توليب تهمس بصعوبة :-
+
" ستكون بخير ... بإذن الله ..."
+
ربتت توليب على كتفها بحرص قبلما تميل برأسها هي الأخرى مغمضة عينيها بقهر ...
+
**
+
عند الرجال ...
+
عندما حل المساء وإنتهى العزاء لهذا اليوم ، غادر هو الجميع فجأة ....
+
إختفى من الوجود وكأنه لم يكن ....
+
تسائل الجميع عنه بقلق ...
+
إعتقد شقيقه الأكبر إنه في المقبرة عندها فذهب إلى هناك لكنه لم يجده ...
+
لم يختر الذهاب إلى هناك فهو ما زال عاجزا عن تخيلها بين الأموات ...
+
إختار أن يقضي ليلته الأولى بعدها في منزلهما ...
+
عشهما الصغير الذي جمعهما لأشهر كانت بالنسبة له الجنة ونعيمها ...
+
المنزل الذي إختارت كل جزء فيه ....
+
منزلها الذي يحمل آثرها و رائحتها ولمستها ....
+
فوق سريرهما سقط بإنهيار ...
+
ثباته الخادع إنحسر كليا ....
+
علت شهقاته تدريجيا ....
+
كان يبكي بل ينتحب كطفل صغير فقد نصفه الثاني دون رجعة ....
+
هو الذي لم يبكِ قط من قبل بكاها لمرات وسيبقى يبكيها لسنوات أخرى ربما ...!
+
لا يعرف كم بقي يبكي في مكانه حتى غفي بعدها مستسلما لتلك الغفوة التي تمكنت منه ..
+
بينما وصل شقيقه الأصغر إلى منزله يسأل عنه لتخبره الخادمة عن وصوله وصعوده إلى غرفته في الطابق العلوي وبقاؤه هناك فيرحل شقيقه عائدا إلى القصر هناك حيث أخذت زهرة تؤنبهم جميعا لأنهم تركوه وحيدا :-
+
" كيف تتركونه هناك ...؟! لماذا لم تجلبوه معكم ...؟!"
+
هتف راغب بجدية :-
+
" كيف سنجلبه معنا ..؟! من حقه أن ينفرد بنفسه قليلا .."
+
" إتركيه وشأنه يا زهرة .. يكفيه ما يعانيه ..."
+
تمتم بها عابد بوجوم لتهدر زهرة باكية :-
+
" ماذا لو حدث له شيء ...؟! ماذا لو أصابه مكروه ...؟!"
+
تجاهل راغب حديثها متجها إلى جناحه تتبعه زوجته بينما سارع فيصل يعانقها محاولا إحتواء بكائها وكذلك توليب التي نهضت من مكانها بسرعة تحاول تهدئتها أما هالة فكانت تتابع ما يحدث بصمت تتابع رحيل زوج خالتها بملامح تمكن منها الحزن والهم ....
+
**
+
في صباح اليوم التالي ...
+
لم تستطع هالة النوم طوال الليل ، بقيت مستيقظة عاجزة عن النوم ولو قليلا ... مشاعرها تتأرجح بين الآلم والقهر والتعاطف الشديد مع تلك الصغيرة ..
+
ما زالت في الحضّانة تصارع الحياة التي تحمل إسمها ...
+
هل سيكون لها من نصيبها إسم ..؟!
+
إبتلعت غصة مريرة تشكلت داخل حلقها وهي تنهض من مكانها تتجه نحو صورة والدتها الموضوعة فوق إحدى الطاولات مع مجموعة من الصور الأخرى ...
+
تتطلع إلى الصورة بقهر وعجز فتلمع العبرات بعينيها ...
+
تحمل الصورة وعيناها تتمعنان النظر بملامح والدتها التي تماثل ملامحها فتتسائل عنها وكيف سيكون حالهم جميعا لو كانت ما زالت حية ترزق ...؟!
+
منذ وصولها لسن الوعي وأدركت غيابها وهي تتسائل عنها ...
+
تتمنى لو كان لديها معها أي ذكريات ...
+
هي لا تعرف أي شيء عنها ، تسمع أحاديث من حولها عنها وعن جمالها وحيويتها والتي تزيدها حسرة ...
+
تمر السنوات والحسرة تكبر داخل قلبها بينما تتجاهلها هي بصعوبة وتمضي في طريقها قدما ...
+
وفاة نغم أتت لتحيي جروحها مجددا وتذكرها بماضي ما زال محفورا داخلها وإن تجاهلته مرارا وتمكن هو منها لمرات قليلة ..
+
أعادت الصورة لمكانها وأخذت تمسح العبرات العالقة في عينيها قبلما تتطلع لإنعكاسها في المرآة فتبتسم بأسى وملامحها المنهكة تشي بمعانتها ...
+
عادت نحو سريرها تتأمل السقف بشرود ...
+
الجميع مشغول في العزاء وهي لوحدها ..
+
لا طاقة لديها في التواجد بالأسفل بل لا طاقة لديها لمواجهة أي أحد ..
+
هي الآن تعيش فترة من أسوأ الفترات التي مرت بها لمرات قليلة في سنواتها السابقة ..
+
كان اليتم دائما غصة في روحها مهما تجاهلت ذلك خاصة وهي التي فقدت والدتها حال مجيئها وخسرت والدها في سن صغير فلم تعِ عليه جيدا هو الآخر ..
+
اليتم شعور موحش لا تتمناه لأي شخص كان حتى ألد أعدائها ..
+
هي التي عاشت تعاني من مرارته منذ طفولتها بعيدا عن والديها ورغم رعاية خالتها وزوجها بل رعاية الجميع لها بقيت خسارتهما غصة كالعلقم في جوفها لا مهرب منها فلا يوجد كالأبوين مهما حدث ومهما حاول الجميع تعويضها عن غيابهما ...
+
تنهدت بقهر تتطلع إلى الجناح الذي بدا واسعا عليها للغاية تتمنى لو كان أحدهم بجانبها لكنهم مشغولين ما بين مصابهم والضيوف الذين يتوافدون منذ البارحة لأجل تقديم واجب العزاء ...
+
بينما في الخارج وصل هو في الصباح الباكر بعدما ركب أول طائرة عائدة إلى البلاد ...
+
ما إن وصل إلى البلاد حتى ذهب مسرعا إلى مكان العزاء رغم إن قلبه كان ينتفض بوجل عليها وهو الذي يدرك مدى صعوبة الموقف بالنسبة لها ...
+
أدى واجب العزاء ثم إستأذن للرحيل لساعتين يتخلص بها من ملابس السفر الطويل وآثاره ويعود بعدها ليقف بجانب رجال العائلة كما يقتضي الواجب ...
+
قرر أن يذهب إليها قبلما يذهب إلى قصره ...
+
لم يستطع ألا يراها ويطمئن عليها ..
+
في موقف كهذا تحديدا لا يمكنه تركها وحيدة دون أن يراها ويطمئن عليها على الأقل ...
+
وصل إلى هناك وصعد مباشرة إلى جناحها بعدما سأل عنها الخادمة وأخبرته إنها هناك ...
+
طرق على الباب ليأتيه صوتها المبحوح :-
+
" ادخل ..."
+
دلف إلى الداخل ليجدها جالسة فوق سريرها بصمت ...
+
توقف لوهلة يطالعها بقلق ممزوج بحزن دفين ...
+
عيناها شاخصتان للأمام بنظرات ضائعة تلمعان بعبرات حُبِست داخلهما قسرا ...
+
وجهها شاحب كالموتى وملامحها بائسة ...
+
ما يراها عليه يمهد لإنهيار قادم لا محالة ....
+
" هالة ..."
+
خرج صوته مشحونا بعاطفة شديدة ووجع على حالها ...
+
لم ينصدم بحالتها تلك ...
+
توقع أن يراها بهذا الشكل المؤلم فما حدث أحيا جروح قلبها التي لم تشفَ يوما ....
+
إستدارت نحوه بلهفة تمكنت منها ...
+
كانت تحتاج وجود أحدهم في هذه اللحظة أكثر من أي وقت ...
+
وبلا وعي إنتفضت من مكانها تركض نحوه بإندفاع غير محسوب ليتلقفها هو بين ذراعيه فتسقط باكية بنحيب مريع جعله يقف مكانه عاجزا لا يعرف كيف يتصرف لأول مرة في حياته فرغم كل شيء لم يتوقع أن تنهار بين ذراعيه هو تحديدا بعدما حدث بينهما طوال الفترة السابقة ...!
+
تماسك بصعوبة بعدها وهو يحاول تهدئتها ...
+
يهمس بإرتباك وأنامله تتحرك فوق ظهرها بحرص :-
+
" حسنا .. حسنا يا هالة ... إبكي فهذا أفضل من الصمت ... "
+
أخذت تنتحب بصوت خافت وهي التي كانت بحاجة لمن يطّل عليها وتنهار بين ذراعيه ...
+
بالكاد إستطاعت بعدها أن تسيطر على نفسها قليلا وهي تبتعد عنه وتجفف دموعها ...
+
طالعها بملامح متغضنة قبلما يسألها بإهتمام :-
+
" هل إرتحت قليلا ...؟!"
+
أومأت برأسها وهي ما زالت تمحي عبراتها لتتجه نحو علبة المناديل تجذبها وتمسح بها عينيها ووجهها ...
+
إلتقت عيناها الحمراوان بعينيه أخيرا لتهمس بصوت متحشرج :-
+
" متى وصلت إلى البلاد ..؟!"
+
تنهد ثم أجاب :-
+
" قبل حوالي ساعتين .."
+
" جيد ... "
+
قالتها بصوت مقتضب وهي تضيف مقررة تجاهل ما حدث قبل لحظات وهو بدوره فهم عليها فجاراها في ذلك :-
+
" هل ذهبت إلى العزاء أولا أم .."
+
أجاب وهو يومأ برأسه :-
+
" نعم ، ذهبت وقدمت واجب التعزية لراجي والبقية ثم أتيت هنا ..."
+
كاد أن يخبرها إنه أتى لأجلها لكنه تراجع وهو يضيف بهدوء :-
+
" والآن سأغادر إلى القصر فأنا بحاجة لتغيير ملابسي قبل عودتي للعزاء .."
+
هزت رأسها بتفهم قبلما تقول بخفوت :-
+
" جيد..."
+
أكملت وهي تتأمل ملابسها لوهلة :-
+
" وأنا سأغير ملابسي وأهبط إلى الأسفل ..."
+
هز رأسه متفهما ثم هم بالمغادرة عندما لم يجد شيئا يقوله ليتفاجئ بها تناديه فيلتفت نحوها بنظرات متسائلة ليجد التردد لأول مرة واضحا في نظراتها ...
+
بتردد أكبر همست له :-
+
" شكرا لأنك أتيت ...."
+
بالكاد لامست شفتيه إبتسامة خافتة وهو يرد عليها :-
+
" العفو ..."
+
ثم رحل بعدها لتطالع رحيله بصمت وشعور غريب داخلها بغّض رحيله لكنها تجاهلته وهي تغير ملابسها وتهبط إلى الطابق السفلي تجاور شقيقتها في جلستها تتأمل حماتها التي ظهرت بملامح حزينة على غير العادة لتبتسم داخلها بسخرية مفكرة إن زمرد تمتلك إحساسا كالبقية ورغم كل شيء هي تدرك جيدا إن زمرد رغم كل عيوبها تعشق أبناء شقيقها وتخشى عليهم من كل شيء وبالتأكيد ما حدث مع راجي آلمها بشدة وترك آثره العميق عليها هي الأخرى ...
+
وصل مهند مع جيلان بعد حوالي نصف ساعة ليتقدم الأول نحو والدته يقبلها من جبينها ثم كفيها بينما تتعلق به والدته باكية فيحاول التهوين عليها ...
+
نهضت زمرد تستقبل إبنة شقيقها تعانقها بحزن بينما جيلان بدت كالتائهة ومذعورة قليلا فهي لا تحب أجواء العزاء بشكل خاص وتكره التجمعات عموما فكيف عندما يجتمع الإثنين معا ...؟!
+
طالع مهند ضياعها فأشار لعمته التي ما زالت تحاوطها بحرص :-
+
" أنا يجب أن أذهب إلى العزاء ... إنتبهي على جيلان من فضلك ..."
+
ثم مال نحوها يربت على شعرها يخبرها بجدية :-
+
" سأعود مساءا مع بقية الرجال ...."
+
كان وقع الخبر صادما عليها هي الأخرى حيث إنهارت باكية بعنف بينما بالكاد إستطاع إحتواء نوبة إنهيارها والسيطرة عليها مما جعله قلقا عليها خائفا من تركها لوحدها وسط هذا التجمع ...
+
" لا تقلق ... "
+
قالتها جيلان وهي تبتسم بضعف محاولة طمأنته ليغادر هو وتتجه هي تجلس بجانب عمتها بعدما تبادلت التحية مع بقية العائلة ...
+
بقيت جالسة لحوالي نصف ساعة تطالع ما يحدث بملامح تسيطر عليها الرهبة فشعرت زهرة بها وبشحوب ملامحها لتخبرها :-
+
" جيلان إبنتي .. لماذا لا تصعدين إلى جناحك وترتاحين به ...؟! بالتأكيد أنت متعبة من السفر ..."
+
أومأت برأسها على الفور وقد وجدت في حديث زهرة فرصة للهرب من هذه الأجواء بسرعة لتنهض من مكانها تستأذن منها وتتجه إلى جناحها هي ومهند في الطابق العلوي ..
+
هناك حيث قررت اللجوء إلى النوم لتنام لعدة ساعات حيث لم تستيقظ حتى المساء لتجد مهند جوارها جالسا فوق السرير بنصف جلسة ورأسه مائلا إلى الجانب ما زال مرتديا ملابسه غافيا مكانه بعدما تمكن منه الإرهاق ....
+
إعتدلت في جلستها تتطلع إليه بشرود متذكرة الأحلام التي زارتها أثناء نومها حيث رأت والديها في منامها بل ورأت في منامها طفلة صغيرة جميلة بعينين زرقاوين براقين كعينيّ مهند تخبرها إنها إبنتها الراحلة الأمر الذي جعل العبرات تتشكل في عينيها عندما تذكرت هذا الحلم تحديدا لتتجاهل ذلك وهي تنهض من مكانها ثم تميل نحوه تهمس إسمه بخفوت ليفتح عينيه بعد لحظات فيندهش من وجودها قباله قبلما يعتدل بجلسته سريعا فتخبره :-
+
" وضعية نومك بهذه الطريقة غير مريحة ..."
+
" معك حق ..."
+
قالها وهو يمسح على وجهه بينما إعتدلت هي في وقفتها ليضيف :-
+
" أساسا لم أكن أريد النوم لكنني غفوت دون أن أعي ذلك ..."
+
" لأنك متعب من السفر الطويل ..."
+
أضافت بتردد :-
+
"ربما من الأفضل ألا نسافر مجددا ..."
+
نهض من مكانه يهتف بحزم :-
+
" توقفي عن التطرق لهذا الموضوع مجددا ..."
+
توقف لوهلة وهو ينتبه للون الأحمر في عينيها فيسأل بجدية :-
+
" هل بكيتِ مجددا ...؟!"
+
سارعت تلمس عينيها بأطراف أناملها قبلما تخبره بصوت مبحوح :-
+
"زارني منام أحزنني قليلا .."
+
" ماذا حدث ...؟! بماذا حلمت ..؟!"
+
طفرت الدموع في عينيها على الفور وكأنها كانت تنتظر سؤاله هذا لتجيب بصوت يبكي :-
+
" بإبنتي أقصد إبنتنا ..."
+
شحبت ملامحه على الفور وعادت الذكريات السيئة تتقافز داخل رأسه ليبتلع ريقه بصعوبة ثم يسأل :-
+
" كيف يعني..؟! هل رأيتها ..؟!"
+
أخذت عبراتها تنهمر بغزارة وهي تهمس بنبرتها الباكية :-
+
" نعم ، كانت كبيرة قليلا ... فتاة جميلة بعينين زرقاوين كلون عينيك ..."
+
أغمض عينيه للحظات بقهر وهو يتذكرها بين ذراعيه ميتة فعاد شعوره وقتها يتكرر مجددا ليسمعها تضيف بوجع مرير :-
+
" إنها طفلتنا .... هكذا قالت في الحلم.. "
+
تنهد بصعوبة ثم تقدم نحوها يجذبها نحو أحضانه يتجاهل غصة روحه في تلك اللحظة ويفكر بها محاولا التخفيف عنها :-
+
" حسنا ، إهدئي ... إنه مجرد حلم ..."
+
أضاف بنبرة تحمل عذابا خفيا :-
+
" هي في مكان أفضل الآن ... في الجنة .. "
+
تمسكت بقوة به وهذا الحلم ترك آثره داخلها ...
+
هي التي لم تفكر بطفلتها التي خسرتها طوال الفترة الماضية بل تعمدت ألا تتطرق لهذا الأمر فتناسته وكأنه غير موجود ...
+
الآن تشعر بحرقة شديدة في صدرها ...
+
روحها تحترق آلما على قطعة منها رحلت بجريمة شنعاء كادت أن تودي بحياتها هي الأخرى ..
+
همس بقهر :-
+
" سامحيني يا جيلان ... أنا السبب ... أنا من تسببت برحيلها ..."
+
أغمضت عينيها الباكيتين وهي تشدد من ضم نفسها داخل صدره تتجاهل حديثه عن ماضي تكرهه حد الجنون ....
+
تنهد بعطف ثم ربت على ظهرها يهمس لها :-
+
" إغسلي وجهك ودعينا ننزل إلى الأسفل ... لنتناول العشاء معهم فأنا لم أرهم جيدا اليوم ..."
+
إبتعدت وهي تكفكف عبراتها بأطراف أناملها لتخبره بجدية وهي تتحرك نحو الحمام :-
+
" دقائق وأكون جاهزة ..."
+
تابعها هو حتى رحلت ليتنهد بتعب وأحداث اليوم أرهقته بشدة ...
+
**
+
على مائدة الطعام إجتمعت العائلة بأكملها ..
+
ترأس عابد المائدة بملامح مكفهرة تجاوره زهرة الشاردة بملامح حزينة تفكر في حال ولدها الذي سيقضي ليلته في المشفى بجوار طفلته قبالها تجلس فريدة وجوارها ابنها وزوجته وإبنتهما الصغيرة ...
+
تقدم مهند وجيلان ملقيان التحية قبلما يأخذان مكانهما جوار أثير وهالة وقبالهما يجلس كلا من راغب وهمسة وتوليب وإياس الذي أصر حماه عليه ألا يغادر قبل أن يتناول العشاء مع العائلة بينما رحل فيصل ليطمئن على شقيقه ويرى إذا ما كان يحتاج شيئا ما ...
+
أخذت هالة تقلب في طعامها غير قادرة على تناول لقمة واحدة عندما شعرت بأثير يقبض على كفها فجأة يوقف حركة يدها قبلما يهمس لها :-
+
" توقفي عن ذلك وتناولي طعامك فأنت لم تتناولِ شيئا منذ الصباح ..."
+
طالعته بنظرة متعبة فلم تكن في مزاج يسمح لها بالمجادلة معه فأرغمت نفسها على تناول بضعة لقيمات ...
+
قبالها همس إياس لزوجته بخفوت :-
+
" تناولي طعامك جيدا يا توليب فأنت حامل وتحتاجين إلى تغذية جيدة ..."
+
أومأت برأسها مرغمة وهي تتناول القليل من حسائها بينما تنهد هو بإرهاق مفكرا إنها ستبقى الليلة مجددا هنا كليلة البارحة ...
+
من جهة هو يخشى على حملها بشدة ومن جهة يكره غيابها عنه فهو تعلق بشدة بوجودها وإعتاد عليها جواره كل مساء ...
+
هتفت زهرة وهي تشير لزوجها :-
+
" أنا سأذهب عند الصغيرة وأبقى معها الليلة ... لن أتركها وراجي لوحدهما هناك ..."
+
" لكن ستتعبين هكذا يا خالتي وغدا سيأتي الكثير من المعزين ..."
+
قالتها همسة بجدية وهي تضيف :-
+
" يمكنني الذهاب أنا أو ..."
+
قاطعتها زهرة بجدية :-
+
" وأنت أيضا منهكة فلم تتوقفِ عن التحرك هنا وهناك طوال هذين اليومين ناهيك عن الأولاد ..."
+
طالعتهم هالة لوهلة قبلما تهتف بإقرار :-
+
" سأذهب أنا ... "
+
أضافت بجدية :-
+
" أنا أساسا كنت أنوي الذهاب إليهما قبل حديثكم هذا ... "
+
هتفت توليب برفق مدركة تخبط هالة :-
+
" ولكن أنت أيضا متعبة و ..."
+
قاطعتها هالة بإصرار :-
+
" جميعنا متعبون ولكن أنا أقل من بذلت مجهودا بينكم هذين اليومين كما إن وجودي ليس ضروريا بقدركم غدا لذا سأذهب اليوم وأبقى غدا معها حتى ينتهي العزاء ..."
+
هتف أثير بجدية مقررت دعمها متفهما رغبتها في البقاء بجانب الصغيرة التي من الواضح إنها ستمتلك تأثيرا خاصة على هالة تحديدا أكثر من غيرها :-
+
" وأنا سآخذها إلى المشفى بعد العشاء ... "
+
أكمل وهو يشير إلى راغب :-
+
" عمتي زهرة وتولاي وحتى همسة يجب أن يتواجدن غدا لذا الأفضل أن تذهب هالة وتبقى بجانب الصغيرة وهكذا سيطمئن الجميع عليها ...."
+
" معك حق ..."
+
تمتم بها راغب موافقا بينما طالعت زمرد ولدها بوجوم مفكرة إنه يؤيد هالة منذ الآن فيما تريده وتقرره دون تفكير بل ويدعمها بكل قرار ...
+
بعدما إنتهى العشاء غادرت هي معه ...
+
وصلت إلى المشفى لتجد راجي جالسا على أحد الكراسي المقابلة للحضّانة بملامح رغم هدوئها تحمل إنهاكا واضحا ...
+
تقدمت نحوه وهي تحارب دموعها يتبعها أثير لينهض راجي من مكانه يستقبلها فتسارع وتعانقه بملامح باكية فيبادلها الأخير عناقها وهو يتنهد بصمت ...
+
إتجهت نحو الصغيرة تطالعها من خلف الزجاج تتأمل بنيتها الضعيفة بينما وقف أثير يتحدث قليلا مع راجي ...
+
" هل يمكنني رؤيتها ...؟!"
+
سألت هالة وعيناها تتابعان الصغيرة بلهفة ليشير راجي مرددا :-
+
" يمكنكِ سؤال الممرضة ..."
+
سمحت لها الممرضة بعد ذلك برؤيتها عندما دلفت هالة بملابس التعقيم لتحمل الممرضة الصغيرة وتضعها بين ذراعيها بينما كلا من راجي وأثير يتابعانها ...
+
راجي الذي لم يجرؤ على حمل طفلته بعد يطالعها بين ذراعي هالة بملامح مقهورة متخيلا نغم وهي تحمل الصغيرة مكانها ..!
+
أما أثير فخفق قلبه بقوة وهو يطالع لهفتها وهي تحملها بين ذراعيه ..
+
إبتسمت هالة من بين دموعها للصغيرة التي أخذت تتطلع لها بعينيها الزرقاوين لتميل نحوها تهمس لها :-
+
" ما أجملك وما أجمل رائحتك ...."
+
تساقطت عبراتها أكثر وهي تردد :-
+
" حياة ...! هل تعلمين إننا سنصبح صديقتين مقربتين عندما تكبرين ...؟! أنا وأنت نصيبنا أن نحيا قدرا متشابها في هذه العائلة ... "
+
إبتسمت مجددا وهي تخبرها بيقين :-
+
" لكن قدرك سيكون أجمل من قدري بإذن الله ..."
+
عادت تمنح الصغيرة بعدها للممرضة وهي تشيعها بنظراتها الأخيرة قبل الرحيل لتجد راجي واقفا جانبا يتحدث مع الطبيبة بشأن وضع طفلته بينما أثير يطالعها بنظرات غريبة أربكتها لتسأله بخفوت :-
+
" لماذا تنظر إلي هكذا ...؟!"
+
أجاب بجدية :-
+
" منظرك وأنت تحملين الصغيرة كان جميلا للغاية ..."
+
إبتسمت بمرارة ثم بتردد همست :-
+
" ليس بقدر جمال شعوري وهي بين ذراعي ... "
+
ثم عادت تتطلع إليها من خلف الزجاج الفاصل تتسائل داخلها إذا ما كانت ستحصل يوما ما على أطفال منها أم ....
+
توقفت عند أفكارها هذه وهي تشعر بالجزع من الفكرة نفسها فماذا لو رحلت وهي تنجب أحد أطفالها كما حدث مع والدتها وتكرر مع نغم ...!
+
سارعت تطرد تلك الأفكار من رأسها فالوقت ليس مناسبا لهذا النوع من الأفكار وهي لا ينقصها المزيد من المخاوف والآلام ....
+
**
+
في صباح اليوم التالي ..
+
تقدم نحوها ليجدها غافية فوق الكرسي المجاور لغرفة الحضّانة بملامح مرهقة بشدة ...
+
الشحوب ما زال يسيطر على ملامح وجهها وحزن صريح مرسوم على تلك الملامح حتى وهي نائمة وكأن الحزن يأبي أن يفارقها حتى في لحظات نومها ...
+
تنهد بصمت متذكرا الماضي وبوحها له وقتها عن شعورها الصعب بفقدان والدتها عند ولادتها وشعورها اللا إرادي بأنها كانت سببا من أسباب رحيلها ...
+
آلمها الذي أباحت به يومها له وهي تخبره عن قسوة اليتم وهي التي لم ترَ والدتها ولم تكن واعية بما يكفي لتتذكر والدها حتى ...
+
ورغم إن خاله وزوجته إحتضناها وقدما لها كامل الحب والرعاية لكن يبقى شعور اليتم وعدم تواجد الأبوين حيا داخلها مهما حاولت تجاهل ذلك ...
+
كانت هالة رغم كل الحيوية التي هي عليها ورغم مرحها الدائم تحمل داخلها حزنا خفيا لا تكشفه لأي أحد كان ...
+
وقتها كان قريبا منها إلى الدرجة التي تجعلها تعري أحزانها ومخاوفها أمامه دون تردد ..
+
ربما هذا ما جعلها تنهار بين ذراعيه حالما رآته فهو أكثر من يفهم عليها ويدرك آلامها ...
+
مد أنامله بتردد تلمس خصلات شعرها الناعمة قبلما ينحني جوارها يهمس إسمها بخفوت ليجدها تستيقظ من نومها بعد لحظات فتسارع وتعتدل بجلستها بينما تهمس بإسمه وهي تضيف :-
+
" أنت أتيت ..."
+
" أتيت للإطمئنان عليك ..."
+
قالها بخفوت قبلما يرفع الكيس في يده الآخرى :-
+
" وجلبت الطعام لك ..."
+
إبتسمت بصعوبة ...
+
لوهلة ظن إنها فقدت الذاكرة ...
+
لكنها بالفعل إبتسمت بحزن وهي تهمس بخفوت :-
+
" شكرا ..."
+
" العفو ..."
+
قالها بجدية ليجدها تهتف بعدها :-
+
" لكنني لا أستطيع تناول الطعام الآن ...لا أشتهي أي شيء .. "
+
ثم أضافت وهي تتطلع إلى الحليب المعلب بنكهة الموز التي تفضلها العادة :-
+
" سأتناول الحليب فقط ...."
+
ناولها الكيس وهو يخبرها بجدية :-
+
" ستموتين من قلة بل إنعدام الطعام ..."
+
إبتسمت مرغمة وهي تفتح العلبة :-
+
" حقا لا أستطيع تناول الطعام ..."
+
تجرّعت القليل من الحليب ثم أشارت نحو الحضّانة :-
+
" لو تراها كم هي جميلة ... عيناها زرقاوان كالبحر ..."
+
جاورها بجلستها يخبرها بجدية :-
+
" أشعر إنك تعلقت بها منذ الآن ..."
+
" نعم ، تعلق قلبي بها حالما حملتها بين ذراعيّ ... "
+
قالتها وعادت ترتشف الحليب لتخبره بتردد :-
+
" أنت لم تنسَ بعد نوع حليبي المفضل ..."
+
" هناك أشياء لا تنسى ..."
+
قالها بخفوت وهو يضيف بشرود :-
+
" تبقى عالقة في الذهن حية لا تموت ..."
+
طالعته بتردد قبلما تهمس بخفوت :-
+
" أما زلت تحبني أم تمّكن الكره منك نحوي ...؟!"
+
إلتفت نحوها يطالعها بملامح غامضة يسألها بجدية :-
+
" هل يهمك ذلك كثيرا ...؟!"
+
عادت تنظر إلى الأمام بينما تتنهد بصوت مسموع ..
+
قالت بعدها :-
+
" لا أعلم إذا ما كان يهمني حقا أم لا ..."
+
قال بجدية :-
+
" يقولون إن الحب والكره وجهان لعملة واحدة ... كلاهما يمثلان شعورا متطرفا عن الحياد ... سأكون كاذبا إن قلت إنني توقفت عن حبك وسأكون كاذبا إن قلت بأنني لم أكرهك .. "
+
صمت لوهلة مفكرا إن كلتي الشعوران يتصارعان داخله كصراع قلبه مع عقله وهو عاجز عن نصر أحدهم على الآخر ...
+
أما هي فوجدت نفسها تهمس بصوت مبحوح :-
+
" عندما رأيت نغم وهي تصارع الموت أدركت إن الحياة قصيرة للغاية ولا تستحق هذا الكم من الصراعات التي نحيا بها ... لا أعرف مالذي يجعلني أقول هذا لكنني تعبت ولا رغبة لدي بالدخول في حروب جديدة مع أي أحد ..."
+
" مالذي تريدين الوصول إليه ..؟!"
+
سألها بثبات لتنظر نحوه بصمت للحظات قبلما تهز رأسها نفيا :-
+
" لا شيء ... إعتبرها مجرد ثرثرة لا غير ...."
+
عادت تجذب علبة الحليب ترتشف منها بينما شرد هو في حديثها لا إراديا شاعرا بوجود خطب ما ...
+
ربما هناك حاجز ما إنكسر بينهما اليوم ولكن تبقى هناك حواجز كثيرة قد تحيل بينهما فيما بعد ....
+
**
+
إنتهى العزاء ...
+
غادر الضيوف تدريجيا وبقي أفراد المكان فقط ...
+
كان الإرهاق يسيطر عليها بشدة فهي بذلت جهدا كبيرا طوال الثلاثة الأيام الفائتة ...
+
إتجهت إلى جناحها بعدما إطمئنت على أولادها لتقرر أن تأخذ حماما دافئا طويلا ..
+
أغمضت عينيها مستسلمة للمياه الدافئة التي حاوطت جسدها من كل صوب ..
+
ربما لم تعرف نغم بما يكفي لكن الحزن يسيطر عليها بشدة فخسارتها شكلت فاجعة في حياة جميع من حولها ...
+
لم تعِ إن النعاس تمكن منها مما جعلها تغفي داخل الحوض دون أن تدري ...
+
لا تعلم كم بقيت من الوقت هنا حتى شعرت بيد راغب تربت على وجهها بفزع شديد لتشهق بصدمة من وجوده حولها وهي التي لم تستوعب بعد ما يحدث عندما همست بعدم إدراك :-
+
" ماذا حدث يا راغب ..؟!"
+
لعّنها بسره .... كاد أن يموت من رعبه عليها بعدما وجدها ممددة داخل الحوض بعينين مغمضتين وكأنها فاقدة للوعي أو ربما الحياة ...
+
أقلقه تأخرها في الداخل وعدم إجابتها على طرقات الباب ليجد نفسه يقتحم دورة المياه فيتمكن الفزع منه وهو يراها بهذه الحال ليقفز إتجاهها محاولا إيقاضها بسرعة ...
+
" أفزعتني يا همسة ..."
+
تمتم بها وهو يعتدل في جلسته لتنهض من أسفل المياه بخجل وهي تجذب روب الإستحمام بينما يطالع هو جسدها بإهتمام لحظي سرعان ما إندثر وهو يسأل بقلق :-
+
" هل تعانين من شيء ما ..؟!"
+
ردت بخفوت :-
+
" كلا ، مجرد إرهاق بسبب الأيام السابقة ..."
+
تنهد وهو يتقدم نحوها ثم يربت على شعرها بحنو :-
+
" بذلت مجهودا كبيرا هذه الأيام فمعظم المسؤولية كانت عليكِ ..."
+
" لا بأس .. "
+
أضافت وهي تتنهد بأسى :-
+
" كيف حال الصغيرة ....؟!"
+
أجابها متذكرا زيارته السريعة لها بعد العزاء :-
+
" ما زالت في الحضّانة ... أتمنى أن يستقر وضعها وتغادرها خلال أيام .."
+
" ألم يأتِ راجي إلى هنا ...؟!"
+
سألته بخفوت ليهز رأسه نفيا وهو يجيب :-
+
" سيبقى بجانب إبنته ... هالة كذلك ستبيت معه ..."
+
" أعلم ، لقد عادت ظهرا لتنام بضعة ساعات قبلما تعود إليها مساءا ...."
+
" أخبرها راجي إنه لا داعي لذهابها لكنها أصرت على ذلك ..."
+
تمتمت همسة بحزن :-
+
" هالة تأثرت كثيرا برحيل نغم ... "
+
شردت في الماضي مضيفة :-
+
" رحيلها مشابه لرحيل والدتي ... كأن الأحداث تتكرر أمام عيني مجددا ... "
+
حاوط وجهها بكفيه يخبرها بجدية :-
+
" أعلم إن الذكريات السيئة عادت تقتحم رأسك ..."
+
همست بصعوبة :-
+
" لم تغادر كي تقتحمه مجددا يا راغب .. تلك الذكريات جزءا لا يتجزأ من حياتي .. صحيح أنا أتناسى مع مشاغل الحياة ولكن تبقى تلك الذكريات حية لا مفر منها ...."
+
غامت عينيها بنظرة حزينة وملأتها العبرات لا إراديا ليسارع ويجذبها نحو صدره فتتشبث به بقوة مغمضة عينيها مستسلمة لعناقه بينما يتسائل هو داخله إذا ما كان هذا الشعور الحزين داخلها سينتهي يوما أم سيبقى حبيسا بين جدران قلبها للأبد ...
+
إبتعدت من بين أحضانه بعد لحظات تخبره بعينين تلمعان بعبرات حبيسة :-
+
" لا تتركني أبدا ... أنت عائلتي يا راغب ... كلما يمر يوم جديد عليّ بجوارك أتأكد من ذلك .. أتيقن من كونك عائلتي وكل شيء بالنسبة لي ..."
+
حاوط وجهها بكفيه مجددا يخبرها بصدق :-
+
" لن أتركك بإرادتي مهما حدث يا همسة ... "
+
ثم مال يطبع قبلة فوق جبينها قبلما يغادران المكان سويا ...
+
**
+
غادرت همسة في اليوم التالي متوجهة أولا إلى الصغيرة لتراها وتطمئن عليها ..
+
إبتسمت بحنو وتشكلت الدموع في عينيها وهي تحملها بين ذراعيها قبلما تتجه نحو راجي تتحدث معه قليلا وتواسيه في مصابه ...
+
قررت بعدها أن تذهب إلى الشركة التي لم تطأها قدميها منذ سنوات ...
+
أرادت أن تزوره بشكل مفاجئ ثم تطلب منه المغادرة سويا وجلب الأطفال من المدرسة معا خاصة بعدما شعرت بتدهور نفسيتهم بسبب أجواء الحزن والعزاء في القصر ...!
+
ما إن وصلت إلى مكتبه حتى فوجئت بسكريرته الشابة بجمالها الرائع ومظهرها شديد الإثارة ...
+
أخذت تتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها بدءا من تسريحة شعرها الأنيقة ...
+
خصلاتها المصبوغة باللون الأشقر والذي كان يلائم بشدة بشرتها البيضاء ..
+
زينة وجهها الموضوعة بحرص مع قميصها من الشيفون الأحمر وتنورتها الضيقة بلونها الكريمي والتي بالكاد تغطي ركبتيها وقد إرتدت أسفلها حذاء ذو لون أحمر بكعب عالي يتجاوز التسعة سنتيمتر ...
+
ملابسها الضيقة أبرزت تفاصيلها الأنثوية بدءا من ثدييها الكبيرين البارزين بشكل يثير أي رجل كان مرورا بمؤخرتها المكورة بإثارة أكبر ...
+
تجهمت ملامحها بقوة بينما السكرتيرة ترفع حاجبها تهتف بإقتضاب :-
+
" تفضلي ... "
+
إحتقنت ملامح همسة بقوة من نظراتها الباردة والتي تحمل ازدراءا صريحا ..
+
بالطبع لم تعرفها ولن تخمن أبدا إنها زوجة رئيسها خاصة مع ملابسها البسيطة للغاية حيث كانت ترتدي فستانا طويلا ذو لون أسود ينتهي فوق كاحلها بقليل مع أكمام طويلة عريضة ...
+
وجهها خالي من مساحيق التجميل فهي في حالة حداد و خصلاتها الطويلة مرفوعة على شكل ذيل حصان ...
+
كانت في أسوأ حالتها وواقعيا مهما بلغت درجة عنايتها بنفسها فلم تكن هي يوما بهذا الكم من الأنوثة والإثارة ...
+
أزداد إحتقان ملامحها بينما السكرتيرة تهدر بها بنفاذ صبر :-
+
"ماذا تريدين يا سيدة ...؟!"
+
تجاهلتها همسة بتعمد وهي تندفع إلى الداخل تتبعها السكرتيرة وهي تصيح بها بحدة لينتفض راغب من مكانه منصدما مما يحدث ..
+
" ماذا يحدث هنا ...؟!"
+
قالها مندهشا وهو يضيف هادرا بالسكرتيرة الغاضبة :-
+
" لا ترفعي صوتك مجددا ولا تصرخي بها .. إنها همسة هانم ... زوجتي ..."
+
كلماته الصارمة بملامح إحتدت تماما لجّمت السكرتيرة للحظات قبلما تهمس بصعوبة :-
+
" زوجتك ... أنا آسفة حقا .. لم تخبرني إنها زوجتك ..."
+
إستدارت همسة نحوها تهدر بها بحدة فاجئت راغب نفسه :-
+
" ولست مجبرة على إخبارك ... عليك أن تحترمي جميع الضيوف دون إستثناء وتتعاملي بإسلوب لطيف معهم ..."
+
" لكن حضرتك من إقتحمت المكتب و ..."
+
هدر بها راغب بحزم :-
+
" توقفي عن المجادلة وغادري حالا ..."
+
بالكاد سيطرت السكرتيرة على ملامحها مسترجعة مظهرها الطبيعي وهي تتحرك خارج المكان تاركة همسة تواجه زوجها وهي تسأل بجمود :-
+
" ما هذه السكرتيرة ..؟!"
+
" ما بها ...؟! "
+
سألها بإستغراب لتتقدم نحوه تخبره بغضب جلي :-
+
" أنت لا تمتلك سكرتيرة يا راغب ... أنت لديك ممثلة سينمائية وليست ممثلة عادية بل ممثلة إغراء من الدرجة الأولى .."
+
" الفتاة تعمل بشكل رائع وهذا ما يهمني ويعنيني بخصوصها ...."
+
قالها ببساطة مغيظة لتحتقن ملامحها بقوة وهي تجابهه بحنق :-
+
" لم أشعر بالراحة إتجاهها ..."
+
" دعكِ منها وأخبريني عن سبب مجيئك ..."
+
قالها وهو يحاوطها بذراعيه مضيفا :-
+
" لم تأتِ إلى هنا منذ سنوات ..."
+
عقدت ساعديها أمام صدرها تخبره بذات الوجوم :-
+
" كنت في المشفى عند راجي و
+
الصغيرة .. قلت لأمرّ عليك لنغادر سويا ونمّر على سيف ونزار نأخذهما من المدرسة .."
+
قال متأسفا :-
+
" لا يمكنني المغادرة حاليا فلدي عمل متراكم بسبب غيابي عن الشركة طوال الأيام السابقة ..."
+
إزداد وجوم ملامحها وهي تسأل :-
+
" ألن تأتي معي إذا ...؟!"
+
قال بجدية :-
+
" إذهبي أنتِ يا همسة فأعمالي كثيرة اليوم ..."
+
" كما تريد ..."
+
تمتمت بها بحنق قبلما تهم بالمغادرة ليسأل بجدية :-
+
" تناولي شيئا على الأقل قبل مغادرتك ..."
+
" لا أريد ..."
+
قالتها بحدة وهي تندفع خارج المكتب يتابعها هو بوجوم متعجبا من غضبها الغير مبرر...
+
تنهد بتعب ثم تحرك عائدا إلى مكتبه مستغربا مزاجها السيء والذي يظهر بوضوح في تصرفاتها مقررا التحدث معها مساءا عند عودته بينما يعاود التركيز مجددا في عمله ...
+
أما هي فوقفت للحظات تتأمل السكرتيرة التي وقفت لا إراديا عند خروجها تطالعها بملامح تنطق غضبا قبلما تتحرك مغادرة المكان تتابعها السكرتيرة حتى رحلت لتنسحب بدورها متجهة إلى إحدى صديقاتها في المكان والتي تعمل منذ سنوات في الشركة عكسها هي التي بدأت العمل منذ حوالي عام ...
+
" أتت اليوم زوجة راغب بك ... "
+
هتفت الصديقة بدهشة :-
+
" حقا ..؟! غريب .. "
+
" ما الغريب في ذلك ...؟!"
+
سألت شجون بإهتمام لتخبرها صديقتها :-
+
" لم أرها طوال عملي هنا ... حتى إنها لا تحضر حفلات الشركة و ..."
+
أوقفتها شجون مرددة بإستهزاء :-
+
" لم يفتك شيئا يستحق الاهتمام ... إنها أقل مما تتخيلين ... أقل بكثير ..."
+
" أليست جميلة ..؟!"
+
سألتها صديقتها بدهشة لتخبرها شجون :-
+
" ليست سيئة من ناحية الشكل ولكن هيئتها لا توحي بأنها زوجة رجل في مكانة راغب الهاشمي ... "
+
أضافت وهي تستند على المكتب خلفها :-
+
"لم يخطر في بالي أن يتزوج رجل مثله من امرأة عادية لهذا الحد .. "
+
" إنها إبنة خالته ..."
+
قالتها صديقتها لتهتف شجون بتفكير :-
+
" هكذا إذا .. زواج أقارب ..."
+
" ليس ذلك فقط بل سمعت إنها كانت تعيش معه في نفس القصر... فهي يتيمة وخالتها من ربّتها ..."
+
هتفت شجون بسخرية :-
+
" وبالتأكيد هي من عرضت عليه الزواج من إبنة شقيقتها اليتيمة ..."
+
" ربما ..."
+
تمتمت الصديقة بها بينما قالت هي ببرود :-
+
" راغب بك يستحق زوجة أفضل ..."
+
" إنها زوجته منذ سنوات ولديه منها ثلاث أولاد ..."
+
قالتها صديقتها بهمس وهي تضيف بحكمة :-
+
" يبدو إنه سعيد معها لهذا ..."
+
قاطعتها شجون بملل :-
+
" لا أعتقد ذلك ...إنها تبدو مملة ولا تجيد التصرف ..."
+
تذكرت نظراتها وتصرفاتها :-
+
" لو رأيتها كيف كانت تنظر إلي وكيف صاحت عليّ ... لم تتحمل وجودي ... أخذت تتفحصني بحنق ... من الواضح إنها لا تمتلك أدنى ثقة بنفسها والأسوأ إنها تظهر ذلك علانية .... راغب بك لا يستحق حقا زوجة كهذه ... إنه رجل رائع .. وسيم و ..."
+
أوقفتها صديقتها تهتف بحزم :-
+
" هذا ليس من شأننا .. ليهنئهما الله في حياتهما .. لا دخل لنا بهما ..."
+
هزت شجون رأسها بوجوم بينما عقلها بقي يفكر في زوجة مديرها التي كانت على عكس توقعاتها والتي من وجهة نظرها لا تليق بمديرها من جميع النواحي ....
+
شردت في ملامحها التي إنعكست في المرآة الجانبية تتأمل جاذبيتها التي لا خلاف عليها وأنوثتها فتتوهج أفكارها لا إراديا متخذة مسارا لم يخطر على بالها من قبل وإن كان إعجابها بمديرها قائما منذ أول لقاء جمعها به رغم فرق السن بينهما والذي يتجاوز الخمسة عشر عاما إلا إن راغب الهاشمي بشخصيته القوية ووسامته الرجولية كان يمثل الرجل الذي لطالما تمنته وحلمت به ...
+
**
+
أمام قبرها وقف راجي يقرأ الفاتحة لها بثبات واهي قبلما يشيعها بنظرة مودعة على وعد بعودته في أقرب وقت ...
+
تحّلى بالمزيد من الثبات وهو يغادرها متجها إلى إبنتهما التي تنتظره في المشفى ...
+
هناك حيث سيبقى جانبها ولا يتركها أبدا حتى تصبح بخير وبكامل صحتها وتغادر المشفى ...
+
قاد سيارته متجها إليها ...
+
إبنته ... جل ما تبقى له منها ...
+
تلك المحاربة الصغيرة التي تتحسن حالتها تدريجيا مع مرور الأيام ...
+
هي كل شيء تبقى له ...
+
هي وحدها من تجعله متماسكا ملتزما الثبات رغم مصابه المؤلم ....
+
ركن سيارته في كراج المشفى وهبط منها متجها مباشرة إليها ...
+
تركها لساعتين فقط سارع فيها يأخذ حماما في منزله ثم يزور زوجته الراحلة ويعود إليها ...
+
ترك شقيقته معها وهاهو يعود إليها ...
+
في البداية رفضت توليب المغادرة وهي ترجوه أن يرتاح قليلا بينما تبقى هي بجانب الصغيرة ...
+
الجميع يهتم بشأنها بل ويسعى للتناوب عليها لكنه يرفض بشدة أن يأخذ أحدهم مكانه جانبها ...
+
هو الأولى ببقائه هنا ورعايتها والعناية بها...
+
لا ينكر إن وجود عائلته حوله يشعره بالطمأنينة على طفلته التي ستنشأ وسط عائلة محبة متماسكة ...
+
طفلته التي ستحيا دون أم وتتجرع مرارة اليتم منذ الصغر ...
+
على الأقل ستكون محظوظة بعائلة والدها المحبة الراعية ...
+
تذكر لا إراديا عائلة نغم التي لم تسأل عن الطفلة أبدا وكأن لا وجود لها ...
+
يأمل أن يتغير هذا الوضع مع مرور الوقت ورغم إن طفلته ليست بحاجة لهم بل هي ليست بحاجة لأي شخص كان طالما هو موجود جانبها لكنه لا يرغب بأن تنشأ بعيدا عن عائلة والدتها والذين سيشكلون ذكرى حية باقية من نغم لها بل وله كذلك ...
+
تنهد بتعب بينما يودع توليب التي ستعود إلى قصر العائلة مجددا بينما أخذ هو مكانه قبال غرفة الحضّانة التي تمكث بها طفلته وقد أتت له توليب بالقهوة وبعض البسكويت قبل رحيلها ...
+
تنهد بصعوبة وهو يتناول القليل من الطعام كعادته بلا شهية فقط لكي يحافظ على تماسكه ...
+
كلما تمّكن الحزن منه يتذكر طفلته ويتذكر وصيتها له ...
+
يحاول أن يتماسك بقوة ويحافظ على صلابته المعهودة رغم صعوبة ذلك ...
+
بعد دقائق وجد مؤيد يتقدم نحوه ويجاوره في جلسته يسأله بملامح مرهقة والحزن آكل قلبه هو الآخر :-
+
" كيف حالك ...؟!"
+
" بخير ..."
+
قالها بهدوء يعاكس نيران الوجع المنبثقة داخله ...
+
إبتسم صديقه بوجع دفين مفكرا إنه راجي الذي لن يتغير مهما حدث ...
+
سيبقى ملتزما بذات الهدوء محافظا على صلابته الظاهرية مهما حدث ...
+
تنهد بصعوبة ثم قال مرغما :-
+
" أنا معك وجانبك ..."
+
وكان يعني ما يقوله ليضيف بخفوت :-
+
" أعلم إن الفراق صعب ..."
+
" كثيرا ... صعب كثيرا يا مؤيد ..."
+
قالها راجي بصوت متحشرج وهو يضيف :-
+
" لم أعتقد يوما أن أحيا مصابا كهذا ..."
+
ربت مؤيد فوق كتفه يخبره بجدية :-
+
" أنت قوي يا راجي ... نغم شاركتك أيامها الأخيرة لأنها تعلم ذلك وتثق بقدرتك على التجاوز مثلما تدرك جيدا إنك وحدك من تصلح أن تكون أبا لطفلتها يراعيها ويهتم بها ويعوضها عن رحيلها ..."
+
شرد بنظراته نحو الصغيرة في الداخل :-
+
"" حياة تحتاجك ... ستخرج من المشفى بعد أيام قليلة بإذن الله ... عليك أن تكون مستعدا لذلك ..."
+
نهض بعدها متجها لعمله تاركا أياه لوحده شاردا رغما عنه بمن رحلت وتركت في قلبه فراغا كبيرا لا يعتقد إنه سيختفي أبدا ..
+
بينما هو شارد في ملكوت آخر تقدمت هي بملامح حزينة فوقفت تتأمله عن مسافة ..
+
بدأ وكأنها كبر سنا ولحيته نمت بشكل ملحوظ وملامحه منهكة رغم الهدوء والثبات المرتسم عليها ...
+
" دكتور راجي ..."
+
تمتمت بها بخفوت ليرفع بصره نحوها فيهمس بهدوء :-
+
" أهلا دكتورة أروى .."
+
" البقاء لله ..."
+
لم تكن قد رأته منذ رحيل صديقتها ...
+
لقد إنهارت أروى تماما في اليوم الأول ...
+
بكت بإنهيار جعل عائلتها تنتفض خشية لأجلها غير مستوعبين ما يحدث متسائلين عن تلك الصديقة التي جعلتها تنهار هكذا برحيلها فهي بطبعها لا تمتلك علاقات وطيدة إلى هذه الدرجة مع أحدهم ...
+
ذهبت في اليوم التالي إلى العزاء ولكن قبلها مرّت على الصغيرة وأخذت تطالعها من بعيد بعينين باكيتين ..
+
ما زالت وصية نغم الأخيرة ترن في أذنيها وإن لم تفهم مغزاها الحقيقي :-
+
" إعتني بطفلتي ... ستكون أمانة لديك .. لا تتخلي عنها ... كوني لها الأم التي فقدتها حال مجيئها .."
+
يومها إنهارت ببكاءمرير وعجزت عن قول شيء بل لم تومأ بالإيجاب حتى كي تريح قلب صديقتها لكنها عاهدت نفسها أن تلتزم بوصيتها هذه وتراعي طفلتها ...
+
لم تكن نغم أنسانة عادية مرت في حياتها ..
+
كانت نغم صديقة منحتها بوجودها شعورا مختلفا لطالما إحتاجت إليه ولم تجده عند أحدهم والآن برحيلها عادت إلى عهدها السابق وحيدة تماما ...
+
" شكرا يا أروى .. "
+
تمتم بها راجي بهدوء لتهمس بتردد :-
+
" كيف حال حياة ...؟!"
+
تطلع نحو المكان الذي تمكث فيه وهو يخبرها بشرود :-
+
" وضعها يتحسن مع مرور الأيام ... "
+
" الحمد لله .."
+
قالتها بهدوء قبلما تتجه نحو النافذة الزجاجية تطالع الصغيرة من خلفها بعينين تشكلت بهما العبرات ...
+
تنهدت بألم متذكرة أمر الحاجيات التي تركتها نغم عندها مفكرة أن تؤجل أمر إعطائها لراجي حتى يستعيد توازنه قليلا فما زال جرحه حيا ولا داعي أن تضاعف هذا الجرح أكثر في الوقت الحالي ..
+
عادت تطالعه للحظات قبلما تهمس بصعوبة :-
+
" دكتور راجي ... أنت تعلم مدى معزة نغم عندي ..."
+
إبتلعت غصة وهي تدرك إن من تتحددث عنها باتت بالفعل في عداد الأموات لتسترسل بأسى :-
+
" نغم كانت بمثابة أختي ..."
+
" أعلم ذلك ..."
+
قالها مدركا مدى عمق العلاقة التي ربطت بينهما رغم قصر مدتها لتقول بتردد :-
+
" نغم قبل رحيلها أوصتني على حياة كثيرا ... "
+
طالعها بحيرة مدججة بالوجع لتتنهد ثم تقول :-
+
" أتمنى فقط أن تسمح لي برؤيتها بين الحين والآخر والإطمئنان عليها لتنفيذ وصية نغم .."
+
و" بالطبع يا دكتورة .."
+
قالها بجدية وهو يضيف بإقرار :-
+
" ما أرادته نغم سيحدث بالطبع .."
+
وهو كان يعني ذلك بالفعل بينما منحته هي إبتسامة ضعيفة قبلما تودع الصغيرة على وعد بالعودة قريبا ...
+
بقيت بعدها الصغيرة في الحضّانة لبضعة أيام حتى باتت تستطيع مغادرتها ...
+
حملها والدها لأول مرة بين ذراعيه ..
+
تأمل ملامحها التي بدت نسخة من ملامح والدتها الراحلة ..
+
" نغم .."
+
همس بها لا إراديا وهو يتأمل عينيها الزرقاوين ووجنتيها المتوردين وكل تفاصيلها التي تشبه بها والدتها ليتنهد بألم قبلما ينحني مقبلا جبينها متجاهلا تلك العبرة التي كست عينيه ليهمس للصغيرة التي تطالعه بعينيها :-
+
" حفظك الله لي يا حبيبتي ... أنت كل ما تبقى لي ... أنت أهم شيء لدي بعد الآن يا حياة ... أتمنى أن يبارك الله لي فيكِ ويحفظك لي ويحميك من كل مكروه .."
+
ثم ضمها بجسدها الصغير نحو صدره متجاهلا مجددا تلك العبرات التي تريد التساقط بينما قد وعد نفسه ألا يبكي مجددا لأجل صغيرته التي تستحق حياة جميلة خالية من الحزن والهموم ...
+
**
+
أمام المرآة وقفت نانسي تتأمل هندامها الأنيق بحرص قبلما تتحرك مغادرة المكان متجهة إلى الطابق السفلي حيث غرفة الطعام لتجد صلاح لوحده هناك فوالدته تناولت فطورها مبكرا كعادتها وشريف مشغول بعمله ...
+
أطلق صلاح صفيرا عاليا ما إن رآها تطّل عليه بذلك الفستان الأنيق بلونه الأشقر الذي يليق ببشرتها ولون شعرها المماثل له ترتدي أسفله حذاء مسطح ذو عنق طويل يصل إلى ركبتيها ذو لون بني غامق وقد إرتدت قبعة حريرية ذات لون بني مماثل بينما تظهر خصلاتها الملساء الجذابة من أسفلها ...
+
إحتدت ملامحها وهي تهدر به غير مستوعبة أي حماقة يرتكب :-
+
" ماذا تفعل ..؟! هل جننت ..؟!"
+
سارع يسحب الكرسي لها وهو يهتف بمرح :-
+
" معجب بجمالك يا زوجتي العزيزة ...؟!"
+
إرتبكت للحظة لكنها تجاهلت غزله وهي تجلس برأس شامخ جواره ليسألها بإهتمام :-
+
" أين ستذهبين بكل هذا الجمال ..؟!"
+
أجابته وهي تضع القليل من الطعام في صحنها :-
+
" إلى العمل ..."
+
تعكرت ملامحه وهو يخبرها :-
+
" ألم نتفق أن تتركي العمل لدى ذلك الرجل ..؟!"
+
مضغت لقمتها وإبتلعتها ثم ردت بجدية :-
+
" كلا يا صلاح .. لم نتفق على ذلك ..."
+
" وها أنا أقولها بوضوح يا نانسي ... عملك معه لا يعجبني ... أنا أرفض عملك معه .. "
+
إحتقنت ملامحها وهي تهدر به :-
+
" أنت لا يحق لك أن ترفض أو توافق حتى يا صلاح ..."
+
" كيف يعني ..؟! أنا زوجك ..."
+
قالها بإستنكار لتضع السكين بحدة في مكانها ثم تنهض وتقابله في وقفتها تطل عليه من الأعلى تهتف بثبات :-
+
" أنت زوجي بالإسم فقط لكنني لا أعترف بك زوجا ..."
+
إنتفض من مكانه يصيح بها :-
+
" ما هذا الهراء ...؟!"
+
" إخفض صوتك ..."
+
هدرت به بصرامة وهي تضيف :-
+
" إذا كنت تعتقد بأن ما حدث في الآونة الأخيرة يعني إننا سنتصرف كزوجين طبيعيين فأنت مخطئ ..."
+
" لماذا ..؟! ما المشكلة في ذلك ...؟!"
+
سألها شاعرا بالغضب الشديد من رفضها له بهذا الشكل الصريح لتطلق تنهيدة خافتة ثم تخبره بتروي :-
+
" أنا ساعدتك يا صلاح في مسألة الأولاد لأنني أردتهما أن يتعرفان عليك ... أردتهما أن يعرفان والدهما ... لم أرغب بحرمانهما من هذا الحق .. وأنت وعدتني بأنك ستهتم بهما ... "
+
" وما زلت عند وعدي ..."
+
" لكنني لست واثقة بك وبوعدك هذا ..."
+
قالتها بأنفاس متلاحقه وهي تضيف مرغمة :-
+
" كريم وكاميليا أنت ستبقى والدهما مهما حدث .. سواء كنت أب جيد أم سيء و ستبقى أنت والدهما ولا مفر لهما من ذلك ولكن أنا ..."
+
أخذت نفسا عميقا ثم قالت بصدق :-
+
" لست مرغمة على خوض تجربة لست متأكدة من نتائجها ..."
+
" لماذا ما زلت على ذمتي إذا ...؟! لماذا لم تطلبِ الطلاق ..؟!"
+
سألها بحدة لتجيب بآسف :-
+
" لأجل الأولاد ... لا أريدهما أن يعيشان حياة مشتتة و ..."
+
قاطعها بعدم تصديق :-
+
" هكذا فقط ... لأجلهما فقط ..؟! هل ستبقين طوال عمرك زوجة لي بالإسم فقط لأجل الأولاد ..؟!"
+
" لا أعلم ..."
+
صاحت بتعب وهي تضيف :-
+
" هل تعتقد بأنني لم أفكر بهذا الأمر ووضعنا الحالي وما سيؤول إليه ... أنا أفكر طوال الوقت بهذا ولا أجد حلا مناسبا ... لا أعرف ماذا أفعل ... هل أنفصل عنك وأشتت الأولاد منذ طفولتهما أم أبقى معك على هذا الوضع الغير منطقي ...؟!"
+
سأل بوجوم حزين :-
+
" ألهذه الدرجة أنت غير قادرة على تقبلي ...؟! هل تكرهينني أم ماذا ...؟!"
+
" لا تفعل هذا يا صلاح ... كلامي واضح ... لا تفسره حسب مزاجك ..."
+
تمتمت بها بضيق ليهدر بها بعصبية :-
+
" لماذا ترفضيني بهذا الشكل إذا والأسوأ إنك تريدين تسييري حسب مزاجك ... ؟! ماذا تريدين بالضبط ...؟! أن نبقى هكذا ..؟! لا تنسي إنني رجل ولدي متطلبات و ..."
+
إحتقنت ملامحها كليا لتصيح به بنفاذ صبر :-
+
" هذا ما تفكر به طوال الوقت ... متطلباتك ورغباتك ... أنت تريدني بسبب ذلك ... فجأة بتَّ معجبا بزوجتك الحمقاء التي هي أنا وتريد وصالها كي تشبع رغباتك الحقيرة ثم ترميها بعدها مثلها مثل غيرها ... "
+
لمعت العبرات بعينيها وهي تهمس بصعوبة :-
+
" هل هذا ما تريد مني قبوله ...؟! أن أكون مجرد رغبة مؤقتة في حياتك كغيري ...؟! وعندما تمّل مني بعد فترة تعود لحياتك السابقة ..."
+
" الأمر ليس كذلك يا نانسي ..."
+
حاول تبرير موقفه لتصيح به من بين عبراتها :-
+
" إشرح لي الأمر إذا ..."
+
تنهد بصوت مسموع ثم تقدم نحوها قابضا على كفيها بكفيه يخبرها بهدوء :-
+
" صدقيني أنا أتغير وفكرت أن نأخذ فرصتنا كزوجين ... "
+
"أنت تتغير ..؟!"
+
همست بها ضاحكة بخفة من بين عبراتها لتضيف وهي تدفع كفيه بعيدا :-
+
" أين التغيير أخبرني ...؟! ماذا تفعل أنت سوى اللعب قليلا من الأولاد ...؟! هل تهتم ببقية أمورهما ...؟! هل تفكر في مستقبلهما ..؟! أنت لم تفعل شيئا سوى توقفك عن حياة العبث والسهرات الماجنة وحتى هذا ليس أمر مضمونا ... "
+
" ماذا تريدين مني أن أفعل حقا لا أفهم ...؟! هل أقتل نفسي كي ترتاحي ..."
+
" تغّير حقا يا صلاح ... غّير حياتك كلها ... "
+
قالتها بجدية وهي تضيف بعد تنهيدة صامتة :-
+
"من غير المعقول أن يبقى شاب في سنك لا يعمل ... جالسا مكانه ليلا ونهارا ولا يفعل أي شيء كان ..."
+
تجهمت ملامحه لتضيف بتعقل :-
+
" التغيير يبدأ من عندك يا صلاح وبيدك أنت وحدك ..."
+
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
+
" أنا سأذهب لعملي ... عملي الذي أحتاجه حقا ولن أتركه مهما حدث ... "
+
جذبت حقيبتها وتحركت مغادرة المكان تاركة إياه يطالعها بوجوم حائر وعقله يكرر كلماتها ...
+
بقي بعدها ليومين متباعدا عن الجميع حتى عن طفليه ...
+
حديثها آثر به على غير عادته ...
+
ماذا كان يفعل طوال حياته السابقة ..؟! لا شيء ...
+
والآن ما زال هو على حاله نفسه ..
+
هل سيحيا طوال عمره هكذا ..؟!
+
الجميع يتقدم من حوله وهو ثابت مكانه لا يفعل شيئا سوى اللهو والعبث ...
+
لا ينكر إن حياته سابقا كانت ممتعة خالية من المشاكل و الصعوبات لكن لا يعلم لماذا لا يشعر بالحسرة عليها رغم ذلك ..؟!
+
هل شعوره مؤقت سينجلي قريبا ويعود مشتاقا لحياة العبث خاصته ...؟!
+
تنهد بتعب وهو يقلب في هاتفه بشرود أخرجه منه صوت طرقات على باب غرفته ...
+
نهض من فوق سريره مرغما وفتح الباب ليجد نانسي أمامه تحمل الصغير قبلما يهبط بعينيه إلى ألأسفل فيجد كاميليا واقفة جانبهما حيث كانت تطرق على الباب مع والدتها قبلما تقفز بسرعة معانقه قدمه تهتف بنبرتها المتلكئة :-
+
" لاح .. لاح ..."
+
عقد حاجبيه مرددا بإستغراب :-
+
" لاح .. !"
+
" تناديك ... تسميك لاح بدلا من صلاح ..."
+
قالتها نانسي موضحة ليحملها صلاح مرددا بتنبيه :-
+
" بابا .. قولي بابا وليس لاح ..."
+
" بابا ..."
+
قالتها وهي تضحك ليبتسم وهو يعبث بشعرها بينما نانسي تخبره :-
+
" إنهما يسألان عنك منذ الصباح ..."
+
إبتسم للصغير مشعثا خصلاته بأنامله قبلما يخبرها مرغما :-
+
" إتركيهما معي إذا ..."
+
تقدمت إلى الداخل تضع الصغير على الأرضية قبلما تخبره بجدية :-
+
" إنتبه عليهما ..."
+
" لا تقلقي .."
+
قالها بضيق خفي من إنعدام ثقتها به لتغادر هي ويبقى هو معهما فيقبل كاميليا من وجنتها ثم يضعها على الأرضية بجانب شقيقها قبلما يسألهما :-
+
" هل تريدان الشوكولاتة ...؟!"
+
أومأ كلاهما برأسه ليبتسم وهو يتحرك نحو الثلاجة الصغيرة الموضوعة في غرفته حيث جذب عدة قطع من الشوكولاتة وقدمها لهما ليأخذانها منه بحماس قبلما يجلس كلا منهما على الأرضية يحاول فتحها بينما بقي هو يتطلع إليهما بتفكير لم يطل كثيرا قبلما يحسم أمره ويتجه نحو شقيقه بعدما قضى القليل من الوقت معهما وأعادهما إلى والدتهما فيخبره دون مقدمات :-
+
" أريد العمل يا شريف .. أريد أن أعمل وفي أقرب وقت ممكن ... "
+
**
+
ركنت يسرا سيارتها في الكراج ثم هبطت منها متجهة إلى داخل الفندق الذي سيتم إقامة المؤتمر الطبي فيه ..
+
دلفت إلى الفندق ومنه إتجهت إلى قاعة المؤتمرات بينما تحاوطها أنظار بعض الواقفين ومن ضمنهم هو الذي صدمه وجودها ولم يكن يعلم إنها تعمدت الحضور بحجة المشاركة في المزاد الذي سيلي المؤتمر للمساهمة في التبرعات بعدما وجدت في ذلك فرصة لرؤيته مجددا ...
+
تساعدها صديقتها المقربة في البحث خلفه ...
+
أحيانا لا تحبذ ما تفعله وكيف تدور حوله بمكر فقط كي توقع به ...
+
ليس لشيء سوى إنها إعتادت أن تكون العكس وأن يدور الجميع حولها ويلهث الرجال خلفها متمنين نظرة واحدة من عينيها ...
+
تجاهلت أفكارها تلك مجددا فهي لا تمتلك الكثير من الوقت ...
+
هي تحتاج لرجل مناسب في أقرب وقت تتزوج منه وتحمل منه سريعا وشريف هو أفضل الرجال حولها في الوقت الحالي ...
+
صحيح هو ليس أفضل شيء بالنسبة لها لكنه الخيار المناسب الوحيد المتاح لها حاليا وهي لا تمتلك وقتا يكفي لتبحث عن غيره ...
+
رسمت على شفتيها إبتسامة رحبة وهي تسير نحوه بعدما إنتبه هو إليها وتركزت نظراته عليها ليبادلها إبتسامتها بأخرى رزينة ..
+
لا تنكر إنه يمتلك ملامح رجولية وجسد ضخم جذاب وشخصية مميزة ناهيك عن تفوقه المهني في مجاله ...
+
ينتمي لعائلة رفيعة المستوى وإن كانت لا توازي مكانة عائلتها لكنها تبقى عائلة إرستقراطية لها مكانتها وإسمها في المجتمع ..!
+
كان هو الآخر يتأملها ...
+
ساحرة الجمال ...
+
أنيقة بشكل ملفت ...
+
ذات حضور طاغي ...
+
وشخصية جذابة ...
+
سيكون كاذبا إن أنكّر إنجذابه إليها ..
+
هو لم ينجذب لأي امرأة بهذه الطريقة منذ وقت طويل ...
+
هي ملفتة بحق وبها شيء مختلف يجعله مهتما به ...
+
مد كفه يقبض على كفها رادا تحيتها ...
+
تسائل عن سبب وجودها وقد أعجبه أن تهتم بأمر التبرعات والمشاريع الإنسانية بهذه الطريقة ...
+
" حدثني عن مشروع المشفى المجاني الذي ستؤسسه بعد المؤتمر ..."
+
قالتها مدعية الاهتمام وهي تجاوره في سيره إلى الداخل ..
+
هناك وجدت صديقتها كذلك والتي رحبت بها بحرارة وتبادلت التحية مع شريف ..
+
أخذت مكانها بينهما تدّعي الإنتباه لفقرات المكان بينما تتعمد أن تتبادل الأحاديث معه بين الحين والآخر ولم يغب عنها إهتمامه هو الآخر بها وتجاوبه معها ....
+
على ما يبدو إن ما تريده وتسعى إليه سيتحقق قريبا لا محالة ...
+
إنتهى المؤتمر بسرعة وإتجها سويا إلى قاعة مجاورة يتم بها المزاد لجمع التبرعات وتعمدت هي أن تتبرع بمبلغ ضخم جذّب الإنتباه إليها لتنتشي أكثر ونظرات الإعجاب تتفاقم عليها خاصة من الرجال الموجودين في المزاد ..
+
غادرا سويا لتجده يدعوها على الطعام في أحد المطاعم القريبة فوافقت على الفور ليتجه كلا منهما في سيارته هناك حيث إختار هو أحد المطاعم الفخمة المجاورة ليجلسان سويا ويتبادلان الأحاديث قبل وصول الطعام ...
+
جذبت يسرا كأسها ترتشف القليل من العصير بينما شريف يخبرها بصدق :-
+
" لقد خطفت جميع الأنظار اليوم .. كنت نجمة المكان ..."
+
ضحكت بخفة ثم قالت بجدية :-
+
" في وقت آخر كنت سأفرح بكلامك هذا كثيرا أما الآن فالوضع تغير .."
+
تنهدت بخفوت ثم رسمت الآسف على ملامحها بمهارة وهي تردد :-
+
" هذه النظرات التي تتحدث عنها دائما ما كانت رفيقتي يا دكتور شريف .. الإعجاب والإهتمام خاصة من الرجال الذين يحاولون بكل الطرق لفت انتباهي وحقا هذا الشيء كان يسعدني وإن كنت أتجاهل هذا تماما ولكن بعدما حدث معي بات لا يهمني أي شيء .. "
+
" تتحدثين عن زواجك السابق ..؟!"
+
سألها بإهتمام لتومأ برأسها وهي تجيب :-
+
" نعم ، تجربة زواجي غيرت نظرتي للأمور وأصبحت أدرك إن النظرات والإهتمام المبدئي مجرد شيء فارغ وخلفها يوجد الكثير ... فهؤلاء الرجال يلاحقونني بنظراتهم وإهتمامهم ويبدون مثاليين بل متيمين بي لكن ما إن تعاشرهم حتى تدرك مدى خستهم ونذالتهم ..."
+
أضافت مصطنعة الآسف :-
+
" ليس الجميع بالطبع فهناك رجال بحق يمتلكون ضميرا ورجولة عالية ... أنا فقط تجربتي كانت مع الأسوأ منهم .."
+
" لا تحكمي على الجميع بسبب شخص واحد ..."
+
" كانا شخصين في الواقع ..."
+
أطلقت تنهيدة طويلة بعدها ليسأل بجدية :-
+
" هل تزوجتِ مرتين ..؟!"
+
قالت سريعا :-
+
" كلا بالطبع ، المرة الأولى كانت مجرد خطبة ..."
+
أضافت بوجوم :-
+
" الأول كان إبن خالتي ... ظننته رجلا بحق لكنه تبين إنه مجرد وغد لم يخترني حبا بي بل رغبة في نسب عريق يوازي نسبه لأنصدم بوجود علاقة سرية له مع أخرى قريبتنا ... خانني مع إبنة خالتنا ... هل تصدق ذلك ...؟!"
+
إصطنعت الألم بمهارة وهي تضيف بينما يطالعها هو بتعاطف :-
+
" والثاني كان أحقر بكثير ... لم يكتفي بأنانيته وظلمه لي بل خدعني وتزوج من غيري وأنا لا أعلم ..."
+
تنهدت منهية حديثها بإبتسامة مريرة :-
+
" هل يمكنك لومي على حديثي هذا بعدما سمعته مني ..؟!"
+
هتف بنبرة جادة :-
+
" بالطبع لا ... لا ألومك ولكن كما أخبرتك ليس جميع الرجال سواسية ... "
+
أضاف متعاطفا بصدق مع تجربتيها :-
+
" ما مررت به ليس سهلا ... بالطبع ثقتك إنهدمت تماما بالرجال حولك ولكن ..."
+
قاطعته برفق :-
+
" بالطبع ليس جميع الرجال سيئين ... مثلا لدي شقيقي .. رجل بحق لا يخدع ولا يخون ... تخيل ما زال يرفض الزواج من أي فتاة نقترحها عليه فقط لأنه ينتظر الفتاة التي تخطف قلبه ليتزوج بها ..."
+
ابتسم مرددا :-
+
" هذا جيد بالمناسبة ..."
+
" هل تفكر بذات الطريقة ..؟!"
+
سألته بإهتمام ليجيب بهدوء :-
+
" ليس تماما .."
+
إصطنعت التردد قبلما تسأل بحذر :-
+
" هل سأبدو فضولية إن سألتك عن سبب عدم زواجك حتى الآن ..؟!"
+
إبتسم مرددا وهو يهز رأسه نفيا :-
+
" إطلاقا ... أنا لم أتزوج بعد لعدة أسباب أهمها إنني إنشغلت بعملي ودراستي لسنوات طويلة ..."
+
شرد بأخرى إمتلكت جزءا لا يستهان به من مشاعره يوما :-
+
" وعندما ظننت إن الوقت بات مناسبا للتفكير بأمر الزواج كنت قد تأخرت في قراري وأضعت الفتاة التي أردتها زوجة لي من يدي ..."
+
بصعوبة حافظت على هدوء ملامحها بينما تكدرت داخليا بعدما علمت بوجود ماضي لديه وهي التي كانت تظنه بلا ماضي وإنها ستكون الأولى في قلبه مما سيسهل عليها الكثير ...
+
" هل أحببت من قبل ..؟!"
+
سألت بنبرة عادية لا تشبه غضبها الداخلي ليبتسم بشرود :-
+
" مرة واحدة ... لكن لم يحدث نصيب بيننا .. عامة هي تزوجت .. ليوفقها الله في حياتها ..."
+
" ألهذا السبب عزفت عن الزواج ...؟!"
+
سألته بإهتمام ليبتسم مجيبا بجدية :-
+
" لم أعزف عن الزواج بسببها يوما .. أنا فقط لم أجد الفتاة المناسبة بعد ... "
+
أضاف وعيناه تتأملانها بتروي :-
+
" لكن ما إن أجدها فلن أفلتها من يدي أبدا هذه المرة ... "
+
إبتسمت داخلها قبلما تخبره وأناملها تلتف حول عنق الكأس الزجاجي :-
+
" أنت رجل رائع يا دكتور شريف وأنا واثقة من كونك ستجد المرأة المناسبة قريبا ..."
+
" و أنا واثق من ذلك .."
+
قالها وهو يبتسم لها بطريقة خاصة أربكتها لثواني لترفع الكأس ترتشف منه القليل بينما أتى النادل بالطعام أخيرا ..
+
تناولا الطعام سويا وهما يتبادلان الأحاديث العامة ...
+
تحدثت يسرا عن نفسها وعن إهتمامتها وإختارت أن تنتقي حديثها بعناية :-
+
" أنا بطبعي أحب الاستقرار .. أحب أن يكون لدي أسرة صغيرة دافئة ... أطفال رائعون .. "
+
تنهدت مرددة بأسى :-
+
" أحيانا يتملكني الحزن لأنني لم أحصل على طفل من زواجي السابق ولكنني أعود وأخبر نفسي بأن هكذا أفضل فوجود طفل كان سيربطني بهذا الرجل للأبد ..."
+
" هذا أفضل برأيي كذلك ..."
+
إستمرا في تبادل الأحاديث وبقيا سويا لأكثر من ثلاث ساعات قبلما يغادران المكان وهما يتشاركان الضحكات وقد نجحت يسرا في أن تنال إعجاب شريف الصريح بها وبشخصيّتها التي بدت مميزة كما توقع ..
+
وقفا بجانب سيارتها ليخبرها بجدية :-
+
" إستمعت بصحبتك حقا يا يسرا هانم ..."
+
" برأيي أن نتخطى الألقاب أفضل ..."
+
قالتها بجدية ليوافقها الرأي :-
+
" وبرأيي كذلك ..."
+
تنهد ثم قال بجدية :-
+
" هل يمكننا تبادل أرقام الهواتف ...؟! "
+
" بالطبع .."
+
قالتها بسرعة ليمنحها رقمه الشخصي وتمنحه رقمها ثم يغادر كلا منهما في طريقه ...
+
بقيا يتواصلان لعدة أيام وإلتقيا لمرتين بعدها قبلما يلتقيان للمرة الثالثة ليخبرها حينها حاسما قراره :-
+
" أنا أريد خطبتك من والدك يا يسرا ... "
+
إدعت التوتر والخجل رغم إنها كانت تنتظر ذلك بل توقعت حدوثه في أقرب وقت ...
+
إبتسم بهدوء وهو يتسائل بجدية :-
+
" ما جوابك يا يسرا ..؟!"
+
تنهدت ثم قالت مصطنعة المزيد من الخجل :-
+
" موافقة .. يمكنك أن تتحدث مع والدي متى ما أردت ..."
+
**
+
تتحرك حنين داخل شقتها تجمع محاضراتها بسرعة عندما رن هاتفها لتسارع وتتناوله من فوق الطاولة فتبتسم وهي ترى إسم جيلان تلك الصديقة التي تعرفت عليها من مدة قصيرة يضيء الشاشة ...
+
أجابتها وتحدثت معها قليلا تخبرها عن آخر أخبار الدراسة وتطوراتها قبلما تخبرها الأخيرة إنها ستعود خلال يومين ثم تتبادلان تحية الوداع ...
+
غادرت بعدها متجهة إلى جامعتها لتنشغل في محاضراتها التي إستمرت لثلاث ساعات تبعها مختبر عملي إمتد لساعتين ...
+
غادرت المختبر بملامح مرهقة قليلا تتأفف داخلها بضجر فما زال هناك محاضرة أخيرة بعد ساعتين هي مجبرة على حضورها ...
+
شعرت بالجوع يتمكن منها فقررت أن تذهب إلى مطعم الجامعة تتناول شيئا ما يسد جوعها فسارت مع صديقتها إلى هناك عندما فوجئت بكرم جالسا هناك مع صديقين له ...
+
وكأنه شعر بوجودها ونظراتها المسلطة عليه فسارع يرفع وجهه نحوها ليبتسم بهدوء وهو ينهض من مكانه متجها نحوها فتبادله إبتسامته بأخرى هادئة لا تخلو من الحذر الذي بات يلازمها بعدما حدث بينهما تلك الليلة لتشرد لوهلة متذكرة إعتذاره منها في اليوم التالي ...
+
( بقيت تبكي طوال الليل بعدما حدث ... تلعن نفسها لإنها تجاوزت حدودها وذهبت إليه ... ماذا لو كان تمادى معها ...؟! ماذا لو تخطى الأمر قبلة الخد... ؟! لم تستطع النوم لحظة واحدة حتى فوجئت به قبالها في صباح اليوم التالي بملامح مكفهرة تماما والنوم جافاه هو الآخر ...
+
طالعته بخوف بديهي آلم قلبه .. نظراتها الزائغة بحيرة وتوترها في وجودها آخر ما تمناه يوما ...
+
" حنين ..."
+
تمتم بها بصوت مبحوح ثم قال بتردد :-
+
" ما حدث البارحة ..."
+
سارعت تقاطعه برهبة لا إرادية :-
+
" أرجوك توقف ... لا أريد التحدث عن هذا الأمر والأفضل أن ترحل ..."
+
همت أن تغلق الباب في وجهه لكنه أوقفها سريعا يخبرها برجاء :-
+
" إسمعيني أولا ..."
+
" لن تدخل ..."
+
صاحت به بسرعة ليقول بدوره :-
+
" لن أدخل .. سأتحدث وأنا واقف هنا ..."
+
" قل ما لديك وغادر بسرعة ..."
+
تنهد بصعوبة ثم قال بخفوت :-
+
" أنا أعتذر منك .. أقسم لك بأنني لم أكن بوعيي البارحة ..."
+
طالعته بتردد ليقول بجدية وهو يميل بقامته الطويلة نحوها :-
+
" أقسم لك بأنني لم أكن واعيا ..."
+
تمتمت بحنق ممزوج بالخيبة :-
+
" هذا ليس مبررا يا كرم ..."
+
" أعلم ..."
+
قالها بآسف وهو يضيف :-
+
" إنظري إلي جيدا يا حنين ..."
+
طالعته بذات الحذر ليخبرها بهدوء :-
+
" هناك شيء حدث البارحة صدمني قليلا ... أعلم إن هذا ليس مبررا ولكن .. "
+
" مهما حدث فهذا لا يبرر لك فعلك أبدا ..."
+
" أنت لن تفهمي .. "
+
توقف لوهلة يلتقط أنفاسه بصعوبة متذكرا ما رآه البارحة وجعله يتحول في لحظة ...
+
" بل أفهم .. ربما رأيت شيئا يتعلق بزوجتك السابقة ..."
+
قالتها بتردد لتظهر الدهشة فوق ملامحه فيسأل بعدم إستيعاب :-
+
" كيف عرفت ...؟!"
+
تجاهلت غصة مريرة داخلها وهي تخبره بخفوت :-
+
" أنت لا تتحول بهذا الشكل إلا عندما يتعلق الأمر بها ..."
+
" هالة ستتزوج ..."
+
قالها دون مقدمات وهو نفسه لم يستوعب لمَ أخبرها هي بهذا ...
+
ما يعرفه إن الكلمات خرجت منه دون تفكير ..
+
هو الذي بات باردا بطبعه حذرا لا يتحدث سوى بالقليل ولا يمنح من أمامه سوى الاهتمام الضئيل يقف قبالها ويبوح بالمحظور أمامها دون مواراة ...
+
لم تعرف بدورها ماذا عليها أن تفعل ...
+
نظراتها تحولت إلى التعاطف رغما عنها مما جعله يهدر بها مرغما :-
+
" لا تنظري إلي هكذا ..."
+
ثم قرر الرحيل مندفعا بغضب فهو ليس بحاجة لشفقتها عندما وجدها تندفع خلفه منادية عليه فيلتفت نحوها بنظرات واجمة لتهمس بتردد :-
+
" أنا لم أقصد حقا ..."
+
" أنا آسف حقا يا حنين ..."
+
قالها في ذات اللحظة لتطالعه بإرتباك ليضيف بقهر خفي :-
+
" أنا لست سيئا للدرجة التي تجعلني أستغلك بهذه الطريقة ... أستغل إبنة عمي الصغيرة ... "
+
" كلا أنت لست سيئا ..."
+
قالتها بإندفاع لحظي ليتقدم نحوها خطوتين يسألها بلهفة غير مفهومة :-
+
" هل حقا لا ترينني سيئا يا حنين...؟!"
+
هزت رأسها نفيا ثم أخبرته بصدق :-
+
" أنا أتفهم سبب تحولك المفاجئ .. ما عايشته ليس سهلا أبدا ... ربما لو كنت مكانك لحدث معي نفس الشيء ... "
+
" لا ، أنت مختلفة ..."
+
قالها بعفوية قبلما يقول :-
+
" أنا لا أريد أن تغضبي مني أو تحزني بسببي أبدا ... "
+
" حسنا ، لن أغضب ولن أحزن ..."
+
قالتها بنبرتها الرقيقة وملامحها تتشبث به دون أن تدري ليبتسم ببطأ وعيناه تلتهمان تفاصيلها المحبة وعشقها الذي نبض في عينيها دون إدراك منها في تلك اللحظة ..
+
لوهلة أراد ألا يغادر ويبقى جانبها مستمتعا بقربها الذي يمنحه السلام والكثير من الأشياء التي إفتقدها في عالمه الجديد ...
+
تنحنح ناهرا نفسه ثم قال بهدوء متجاهلا أفكاره :-
+
" هل قبلت إعتذاري إذا ..؟!"
+
أومأت برأسها وهي تبتسم بهدوء ليتنهد براحة تمكنت منه ...
+
" سأغادر الآن ..."
+
" ألن تشرب شيئا قبل مغادرتك ...؟!"
+
نطقتها بتردد ليرفع حاجبه متسائلا ببسمة هادئة :-
+
" ألن تخافي مني ..؟!"
+
هزت رأسها بنفي خجول ليتقدم إلى الداخل لتخبره بتردد واهي :-
+
" سأترك الباب مفتوحا قليلا ..."
+
هز رأسه بتفهم ثم تنهد مرددا :-
+
" هكذا أفضل ... "
+
أغمض عينيه لوهلة شاعرا بالراحة وعبقها المنتشر في المكان منحه سلاما يفتقده بشدة ...
+
أتت بقهوته المفضلة بعدها وتناولها هو رغم طعمها السيء ليتبادلها الأحاديث وقد نجحت هي بعفويتها وخفة ظلها في أن تجعله يبتسم لأكثر من مرة ..)
+
عادت إلى الواقع لتسأل وهي تحتضن محاضراتها بذراعيها :-
+
" كيف حالك ...؟!"
+
" بخير.."
+
قالها بجدية وهو يضيف :-
+
" أتيت لأنهاء بعض المعاملات الضرورية ..."
+
تطلع إلى ساعة يده ثم قال :-
+
" سأذهب الآن وأعود بعد حوالي نصف ساعة ... ما رأيك أن نتناول الغداء سويا ...؟!"
+
هتفت بسرعة :-
+
" حسنا ، سأنتظرك ...."
+
إبتسم على تلك اللهفة التي ظهرت في عينيها ليتحرك مغادرا تاركا إياها تطالعه بقلب خافق قبلما تتجه نحو الطاولة التي حجزتها صديقتها لهما ...
+
بقيت هناك تنتظره وقد قررت ألا تحضر المحاضرة الأخيرة بينما غادرت صديقتها ...
+
وجدته يطل عليها مجددا لتسأله بعدما سحب كرسيا له :-
+
" هل أنهيت عملك ..؟!"
+
" نعم ، أنهيته ..."
+
أضاف يسألها بإهتمام :-
+
" كيف تسير محاضراتك ..؟!"
+
أخذت تحدثه عن الجامعة والمحاضرات بينما يستمع هو لها بإهتمام ...
+
سألها بعدها عما تتناوله من طعام فهتفت بجدية :-
+
" الأفضل أن أطلب الطعام بنفسي ... أنت تعلم إنني أتناول طعاما خاصا بسبب مرضي ..."
+
كان قد نسي أمر مرضها ..
+
تذكر لا إراديا تلك النوبة التي أتتها في حفل زفاف نانسي ...
+
كيف أغمي عليها ..؟!
+
لاحظت شروده لتهمس بوجوم :-
+
" لا أحب هذا ..."
+
إنتبه على حديثها ليسأل بحيرة :-
+
" لا أفهم عم تتحدثين ..؟!"
+
رددت بهدوء وهي تشير لملامحه :-
+
" ملامحك التي تغيرت عندما تذكرت مرضي..."
+
" أنا فقط كنت قد نسيت هذا الأمر .. "
+
أضاف شارحا :-
+
" تذكرت ما حدث في زفاف نانسي قبل ثلاثة أعوام .. حينها فقدتِ وعيك ..."
+
تذكرت تلك الحادثة بدورها وذلك الزفاف الذي لن تنساه طالما حييت ...
+
هناك حيث ظهر لأول مرة مع زوجته السابقة محطما قلبها الفتي الذي كان مغرما به بشدة ...
+
يومها تناولت الكثير من الحلوى بعدم إدراك ليرتفع السكر لديها ويغمى عليها ...
+
إبتسمت بمرارة خفية وهي تخبره :-
+
" يومها تناولت الكثير من الحلوى وقد نسيت مرضي تماما ... "
+
" حقا ..؟!"
+
سأل بإهتمام لتضحك بتوتر وهي تعدل خصلاتها :-
+
" نعم ، والنتيجة إنني كدت أفقد حياتي بسبب هذا ..."
+
" يومها رقصنا سويا أيضا ..."
+
تمتم بها متذكرا لتتوتر ملامحها قبلما تهمس بخفوت :-
+
" نعم أتذكر .."
+
إبتسم بهدوء قبلما تختفي إبتسامته متذكرا بأنها المرة الأولى التي ظهرت بها هالة معه في البلاد وسط عائلته كانت في ذلك الحفل ..
+
عاد ينظر إليها بهدوء بينما هتفت هي بتوتر خفي :-
+
" سأطلب الطعام ..."
+
" أنا من سيطلب يا حنين ..."
+
قالها بجدية لتطالعه بحيرة سرعان ما إختفت وحلّ محلها الدهشة وهي ترى ذلك الشاب الذي تعرفه جيدا فهو يكون إبن صديق والدها الذي سبق وخطبها منه يتقدم نحوها مبتسما بزهو ...
+
" مرحبا حنين .. كيف حالك ..؟!"
+
طالعته حنين بإرتباك بينما إلتفت كرم نحوه يطالعه بوجوم لتهتف حنين بإرتباك :-
+
" أهلا مازن .. أنا بخير وأنت ..."
+
أضافت بتردد :-
+
" تفضل إجلس .."
+
طالعها كرم بنظرات محتدة عندما سحب مازن كرسيا له بينما سارعت حنين تعرفه على كرم :-
+
" إنه كرم إبن عمي ..."
+
أضافت مشيرة إلى مازن :-
+
" وهذا مازن .. إبن صديق والدي المقرب ..."
+
بالكاد رد كرم تحية الشاب الذي إلتفت نحوها يخبرها :-
+
" في الحقيقة علمت من عمي أشرف إنك تدرسين هنا فوجدتها فرصة لأراك وأتحدث معك قليلا .."
+
قبلما تجيب كان كرم يهتف به :-
+
" وعم تريد التحدث معها ...؟! وبأي صفة ستتحدث معها بل وتأتي لزيارتها ...؟!"
+
هتف مازن وهو ينظر نحوه :-
+
" لقد إستأذنت عمي أشرف قبل مجيئي ..."
+
أضاف وهو يشير نحو حنين المرتبكة :-
+
" ألم يخبركِ عن ذلك ...؟!"
+
طالعها كرم بنظرات مشتعلة لتهمس مرغمة :-
+
" بلى ، أخبرني .. "
+
" لم أفهم بعد ... ماذا يحدث هنا بالضبط ومالذي تريده منها ..؟!"
+
سأل كرم بأنفاس محتدة ليهتف مازن ببرود وقد أزعجه تدخله فيما لا يعنيه :-
+
" هذا أمر خاص بيني وبينها ..."
+
إنتفض كرم من مكانه يصيح به :-
+
" عفوا .. لا يوجد شيء إسمه أمر خاص بيني وبينها ..."
+
أضاف وهو يشير لحنين :-
+
" هيا لنغادر يا حنين ..."
+
طالعته حنين بحيرة ليهدر من بين أسنانه :-
+
" هيا يا حنين ... "
+
نهضت سريعا تحمل محاضراتها وحقيبتها معها لينهض مازن بدوره يصيح به :-
+
" ما شأنك أنت بها ...؟!"
+
قبض كرم على ياقة قميصه يهدر به محذرا :-
+
" نصيحة لك إلتزم الصمت ولا تتحدث بكلمة واحدة ..."
+
ثم زعق بها :-
+
" هيا ..."
+
تحركت معه مغادرين المكان عندما سألها وهو يجذبها من ذراعها نحوه بعينين محتدتين :-
+
" من هذا الشاب وماذا يريد منك ..؟!"
+
" أخبرتك إنه إبن صديق والدي ..."
+
" وماذا يريد منك ..؟!"
+
صاح بها عاليا لتهمس بنبرة مرتجفة :-
+
" هناك مشروع خطبة يسعى إليه كلا من والده ووالدي ..."
+
لتضيف سريعا :-
+
" لكنني غير موافقة ... "
+
بهتت ملامحه لوهلة ..
+
شعر بالضيق الشديد يتملك منه ...
+
وحتى حديثها عن عدم موافقتها لم يخفف من غضبه ..
+
" دعينا نذهب ..."
+
قالها بملامح قاتمة وهو يتحرك قبلها فتسير وراءه حيث الكراج ...
+
أوصلها إلى شقتها وقد بقي ملتزما الصمت طوال الطريق بينما عقله لا يتوقف عن التفكير ...
+
ما إن وصل شقته حتى وجد عمه يتصل به ..
+
تنهد بضيق ثم أجاب عليه ليأتيه صوت عمه الغاضب :-
+
" مالذي فعلته مع مازن يا كرم ..؟!"
+
تنهد بصوت مسموع ثم قال :-
+
" الشاب أتى وبكل صلافة يريد التحدث معها على إنفراد .. "
+
" بني ، الشاب محترم وجاد في تصرفاته .. لقد تحدث معي وأنا منحته الإذن ليذهب ويتحدث معها ويتعرف عليها و .."
+
" هل تريد تزويجها له حقا ..؟!"
+
سأله كرم بضيق ليهتف عمه بجدية :-
+
" القرار النهائي لحنين بالطبع ولكنني موافق عليه فهو شاب مناسب .. محترم ولديه مستقبل جيد و ..."
+
توقف وهو يستمع لهدير أنفاسه عبر الهاتف ليسأل بحذر لا يخلو من الشك :-
+
" هل هناك مشكلة يا كرم ..؟!"
+
أخذ كرم نفسا عميقا قبلما يحسم أمره وهو يهتف بثبات :-
+
" نعم يا عمي .. هناك مشكلة ... كنت أريد أن أتحدث معك منذ فترة بشأن هذا .. أنا أريد الزواج من حنين يا عمي ..."
+
**
+
دلفت توليب إلى جناحها أخيرا ...
+
تنهدت بتعب وهي تضع حقيبتها متوسطة الحجم على السرير تتبعها بحقيبة يدها ...
+
لقد قضت الإسبوع السابق مع عائلتها وأرادت أن تبقى أكثر جانبهم لولا إدراكها لضيق زوجها وتذمره من غيابها ....
+
أحيانا يصبح إياس مزعجا ولا يتفهم حاجتها لوجودها بجانب عائلتها في مصابهم ...
+
تحاول أن تستوعب طريقته وإسلوبه وتجاريه بمتطلباته ولكنه لا يتفهم ذلك ...
+
تشاجر البارحة معها وهو يخبرها بأن الكيل قد فاض به ..
+
هو ليس مجبرا أن يتحمل غيابها عنه لأسبوع لأي سبب كان ...
+
زعّق بها بشكل أزعجها مما جعلها تغلق الهاتف في وجهه ...
+
تنهدت مجددا بتعب وهي تتجه نحو الخزانة تخرج ملابسا غامقة لها ترتديها ...
+
إتجهت نحو دورة المياه لتأخذ حماما دافئا تزيل به إرهاقها ...
+
غادرت بعدها المكان لتبدل ملابسها وتصفف شعرها ثم تجلس فوق سريرها بإرهاق ...
+
مدت كفها تلمس بطنها مبتسمة بشرود فالحمل أفضل ما حدث لها في الآونة الأخيرة ..
+
أغمضت عينيها وإستسلمت لغفوة تمكنت منها عندما إستيقظت بعد حوالي ساعة على صوت حركته في الجناح لتعتدل في جلستها سريعا فيطالعها هو بنظرات باردة قبلما يهتف بسخرية :-
+
" وأخيرا أنرتِ جناحنا يا هانم .."
+
" توقف عن سخريتك يا إياس .."
+
قالتها بوجوم وهي تضيف بغضب مكتوم :-
+
" ألا يكفي ما فعلته ليلة البارحة ...؟!"
+
" ومالذي فعلته إن شاءالله ...؟! ومالذي تنتظرينه مني بعدما تركتِ زوجك لإسبوع كامل وحيدا بعدم إهتمام ... ؟!"
+
إنتفضت من مكانها تصيح بعدم تصديق :-
+
" وهل تركته دون سبب ..؟! ألم يكن هناك عزاء ...؟! هل كنت تنتظر مني ترك عائلتي في ظرف كهذا ..."
+
" هذه ليست مشكلتي ..!!"
+
هدر بها وهو يضيف بحدة :-
+
" وعليكِ أن تعلمي بأنني لن أقبل بمبيتك خارج القصر بعد الآن لأي سبب كان ..."
+
صاحت بعدم تصديق :-
+
" مالذي تقوله ..؟! مالذي أصابك بالضبط ..؟! حقا لا أفهم .."
+
تجاهلها وهو يسحب له ملابسا لتتقدم نحوه تهدر به :-
+
" لا تتجاهلني يا إياس ..."
+
" توقفي يا توليب ... إذهبي وإرتاحي فالإنفعال الزائد ليس جيدا عليك ..."
+
قالها ببرود مستفز لتصيح بعصبية :-
+
" إنفعالي الزائد بسببك أنت يا بك ... وإذا حدث شيء للجنين فسيكون بسببك .."
+
إستدار نحوها يهتف بثبات :-
+
" بل سيكون بسببك يا هانم ... أنتِ من تهملين نفسك وصحتك ولا تفكرين بصحة جنينك .. أنتِ حامل يا هانم .. لا تنسي هذا ... كوني أكثر مسؤولية
+
إتجاه ذلك ... لست مستعدا لخسارة طفلي بسبب مشاكل الآخرين وأحزانهم ..."
+
" هؤلاء الآخرون يكونون عائلتي .. لا تنسى هذا يا بك ..."
+
هتف بنفاذ صبر :-
+
" عائلتي .. عائلتي .. عائلتي ... ألا يوجد في هذا الكون سوى عائلتك ..؟!"
+
طالعته بعدم تصديق ليضيف بعصبية :-
+
" أنت لديك عائلة بالفعل غيرهم .. أنا عائلتك وطفلنا القادم .. نحن يجب أن نكون أولويتك قبل الجميع ... إفهمي هذا وإستوعبيه .. "
+
أضاف مستهزئا عن قصد :-
+
" إكبري قليلا وإفهمي مسؤولياتك كزوجة وأم .. "
+
أضاف بتحذير :-
+
" منذ الإن فصاعدا أولوياتك الوحيدة هي أنا وطفلك القادم ... لست مستعدا لتحمل مصائب غيري ومشاكلهم .. مرة شقيقي ومرة أمي ومرة إبنة خالتي ولا أعرف من أيضا ..."
+
" لم أكن أعرف إنك أناني لهذا الحد .."
+
همست بها بعينين دامعتين ليهتف ببرود :-
+
" أنا واقعي يا هانم .. إسألي جميع من حولك ... هذا ما يحدث بعد الزواج ... الأولوية لعائلتك الصغيرة ... إقتنعي بهذا ..."
+
أضاف بهيمنة :-
+
" من الآن فصاعدا كل شيء سيسير وفقا لقراراتي فأنت للأسف لا تجيدين التصرف ولا تدركين واجباتك الأساسية والمطلوبة كزوجة ..."
+
طالعته بآلم تجاهله وهو يضيف :-
+
" ممنوع المبيت خارجا بعد الآن .. يمكنك زيارة عائلتك مرة إسبوعيا ... أعتقد هذا سيكون أكثر من كافيا ... "
+
" هذا جنون ..."
+
صاحت به معترضة ليهتف ببرود :-
+
" هذا أنا عزيزتي ... "
+
" وإذا قلت بأنني غير موافقة ... "
+
هتفت بها بتحدي ليهتف ببرود :-
+
" لا أنتظر موافقتك يا توليب .. قراري واضحا وأنتِ كونك زوجتي وأم طفلي القادم فستكونين مجبرة على قبول قراري ... مهما حدث .. "
+
" هل تظن إنك إشتريتني ...؟! هل نسيت إبنة من أكون ..؟!"
+
" ماذا ستفعلين ...؟! سوف تشتكيني لوالدك ..؟! إشتكيني يا توليب .. ولكن قبلها إسألي والدك إذا كان يقبل بغياب والدتك عنه لإسبوع كامل لأي سبب كان .. إسأليه أولا وإسمعي جوابه ولا تنسي أن تسألي والدتك عن واجبات الزوجة إتجاه زوجها والتي على ما يبدو إنك لا تعرفين أي شيء عنها ..."
+
أنهى حديثه مغادرا المكان تاركا إياها تتابع رحيله بجسد يرتجف من فرط الغضب والإنفعال ...
+
أما هو فغادر الجناح بملامح محتقنة غضبا ...
+
قابل الأخرى في طريقه والتي تعمد ألا يلتقي بها طوال الفترة السابقة مما إضطره أن يقضي لياليه في شقته القديمة ...
+
" إياس توقف ..."
+
" لا ينقصني أنت أيضا يا مروة .. إبتعدي عن وجهي حالا ..."
+
قالها وهو يدفعها بعيدا بنفاذ صبر لتهتف بصوت مرتفع قليلا :-
+
" أنا حامل يا إياس .. "
+
تجمد مكانه لوهلة ...
+
هل ما سمعه صحيح ...
+
إلتفت نحوها ليجدها تكشف عن بطنها البارز والذي يشي بكونها في شهورها الأخيرة ...
+
عاد بذاكرته إلى الخلف ...
+
زواجه الخادع منها في لحظة غضب وما تلا ذلك ...
+
كيف حدث هذا ..؟!
+
هل خططت لذلك ...؟!
+
هل هذا الطفل منه حقا ...؟!
+
ولده ....
+
" أنا حامل بإبنك يا إياس .."
+
وقبلما ينطق بحرف واحد كان صوت زوجته الباكي يرتفع مناديا عليه ...
+
إتسعت نظراته بهلع وهو يراها تستند بصعوبة على سور السلم تصيح باكية :-
+
" أنا أنزف يا إياس ... أنقذني ... "
+
إنتهى الفصل
+