رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الثامن والعشرين 28 بقلم سارة علي
الفصل الثامن والعشرون
+
أحكام القلب لا مفر منها ...
+
حكمها نافذ ..
+
مهما إدعيت العكس ،
+
مهما سعيت للعكس ،
+
ستبقى في النهاية أسيرا لها مقيدا بها مطيعا منقادا خلفها ...
+
أحكام القلب قاسية تحكم قبضتها حوّل عنقك وتجبرك على الإستسلام حتى لو كلفك هذا روحك بعدها ...!
+
ترتجف من الداخل بشكل غير مفهوم وكلماته المقتضبة سقطت كسهم ناري في منتصف قلبها ...
+
" أنا مرتبط يا ماذي ... هناك فتاة في حياتي سأخطبها قريبا .."
+
قالها بثبات قاصدا كل حرف ينطقه قاطعا أية آمال حمقاء داخلها بشأنه ...
+
هو ليس غبيا ولم يكن هكذا يوما ...
+
رغم لطفه الزائد ودماثته المعهودة كان رجلا ذكيا وفطنا ويدرك الكثير ....
+
لم يخفَ عنه محاولاتها التدريجية لإستدراجه ..
+
منذ ذلك الحادث وما تلاه وهي تحاول جذبه إليها بطرق لا ينكر إنها ذكية وخطوات حذرة تدل على ذكاء وحنكة صاحبتها ...
+
ولأنه رجل ذكي إختار أن يبحث خلفها وشكوكه حولها تزداد ليكتشف الكثير مما جعله ينفر تماما من ماضي مدنس يحمل خطايا لا تغتفر على الأقل بالنسبة له ....!
+
حينها بات الأمر محسوما ورغم ذلك لم يشأ أن يكشف لها معرفته بماضيها وكشفه لمحاولاتها التي ستفشل حتما ...
+
لم يشأ أن يخجلها وهو يستعرض أمامها ما عرفه عنها لذا تركها تستعرض محاولاتها أمامه والتي ستنتهي جميعها بالفشل بينما فجّر قنبلته في وجهها في أول محاولة علنية منها للإيقاع به ...
+
أخبرها بشكل مبطن أن لا مجال لها معه هو تحديدا وإختار كذبة لا وجود لها من الأساس كي يخرسها من خلالها ....
+
لا يعرف حتى الآن لمَ هو باقي معها يسايرها فيما تفعله لكن داخله شيء مبهم يخبره إن هذه الفتاة ليست مجرد فتاة ضائعة مستهترة بماضي حقير ...
+
هذه الفتاة تحمل الكثير داخلها مما تتعمد إخفاءه عن جميع من حولها بل وتتعمد الهرب منه مثلما تهرب من ماضيها ....
+
أما هي فشعرت بشيء مبهم داخلها ما إن نطق جملته تلك ...
+
شيء لم تفهمه لكنه مزعج ومؤذي ...
+
مؤذي للغاية ...!
+
تجاهلت هذا الشعور داخلها وجذبت قدح الماء أمامها ترتشف منه قليلا قبلما تهمس بصعوبة :-
+
" حقا .. ؟! مبارك لك ..."
+
بالكاد منحته إبتسامة كاذبة لم تصل لعينيها ...
+
ماذا كانت تتوقع ...؟!
+
شاب مثله بالطبع سيكون لديه حبيبة ... !
+
طالعته بصمت مليء بالخيبة قبلما تجد أفكارها تتجه نحو تلك الحبيبة الخفية والتي لم ترَ أو تسمع عنها مسبقا ...
+
سخرت من نفسها فهاهي تفكر وكأنها صديقته أو شخصا مقربا منه بينما هي مجرد فتاة أوقعها القدر في طريقه ، فتاة بائسة كانت بحاجة لمن يساعدها وقدم لها هو هذه المساعدة بينما إلتصقت هي به محاولة إستغلاله كما إستغلت الكثير قبله ...
+
مجددا تجاهلت أفكارها وهي تخبره ببسمة باردة :-
+
" سأنتظرك كي تعرفني عليها ..."
+
أكملت ببساطة :-
+
" أتمنى أن تسعد معها ..."
+
أضافت بصدق هذه المرة :-
+
" فأنت تستحق السعادة حقا يا براء ..."
+
إبتسم بتوتر بينما عادت هي تجذب كأس الماء ترتشف منه ولا تعرف لماذا حلقها يجف كل دقيقة ...
+
أتى الطعام لكن شهيتها إختفت تماما في تلك اللحظة ...
+
حاولت أن تتناول القليل كنوع من المجاملة لكنها فشلت ....
+
نهضت من مكانها تستأذن الذهاب لدورة المياه وهناك وجدتها فرصة لتنفرد بنفسها ...
+
تأملت نفسها في المرآة وعلى غير العادة لم ترَ في المرآة أنثى فائقة الجمال خلابة الأنوثة بل رأت أنثى مختلفة تماما خائبة الرجا خالية الوفاض بلا معالم واضحة ولا حقيقة واحدة حتى حيث كل شيء يخصها مرتبط بالكذب والخداع ...
+
هي نفسها مجرد كذبة لا تعرف حاضرها من ماضيها ...!
+
فتحت صنبور المياه وأخذت تغسل كفيها بينما عيناها لا تتحركان بعيدا عن ملامح وجهها المنعكسة في المرآة تتسائل مجددا عن حقيقة صاحبة تلك الملامح وعن رغباتها وأمنياتها وما تريده حقا من هذه الحياة ...!
+
أغلقت الصنبور وتحركت بعدها تجفف كفيها قبلما تعود إليه ....
+
عادت مكانها بملامح شاردة تحاول التجاوب معه مرغمة بينما عجزت عن تناول طعامها ليهتف بجدية :-
+
" ألم يعجبك الطعام ..؟! يمكننا تبديله ..."
+
" كلا ، أنا فقط ..."
+
توقفت لوهلة تأخذ نفسا سريعا ثم تخبره بإحباط خفي :-
+
" فقدت شهيتي ...."
+
لم يغب عنه إنطفاء لمعة عينيها ...
+
إختفاء إبتسامتها المرحة ...
+
بهوت ملامحها وتكدرها ..
+
إبتسم بحذر وهو يسأل :-
+
" هل أنت بخير ...؟!"
+
أرادت أن تخبره إنها بخير لكنها لم تستطع فوجدت نفسها تخبره :-
+
" هل يمكنني المغادرة ...؟!"
+
" بالتأكيد ..."
+
قالها مضيفا :-
+
" سأدفع الحساب سريعا ثم نغادر ..."
+
أًوقفته بتردد :-
+
" كلا ، أريد المغادرة لوحدي ...."
+
أضافت بتردد :-
+
" أحتاج إلى الإنفراد بنفسي قليلا ...."
+
شعر بتخبطها الواضح فوتره ذلك ومنحه العديد من التساؤلات التي وضعها جانبا وهو يخبرها :-
+
" على الأقل دعيني أوصلك إلى شقتك ...."
+
وقبلما ترفض كان يسبقها ويشير إلى النادل فإضطرت أن تستسلم وتنتظره كي يدفع الحساب ثم يغادران سويا ..
+
نهض كلاهما بعدها عندما فوجئ هو بوجود أحدهم يقربه على ما يبدو ..
+
كان شابا وسيما يقاربه في العمر أقبل عليهما محييا إياه :-
+
" إبن الخال .. كيف حالك يا رجل ...؟!"
+
ابتسم براء وهو يعانقه :-
+
" كيف حالك يا فيصل ...؟! لم أرك منذ وقت طويل ...."
+
" مشغول كما تعلم .."
+
قالها ممازحا قبلما تتجه عيناه نحوها ليخبره وهو يتأملها بحذر :-
+
" ألن تعرفنا ...؟!"
+
" آه نعم ..."
+
قالها براء بتردد وهو يضيف :-
+
" إنها ماذي ... صديقتي و..."
+
أوقفته ماذي عن قصد :-
+
" و موظفة لدى شقيقته يسرا هانم .. "
+
ثم مدت كفّها نحو إبن خاله تبتسم له بجاذبية مقصودة ليبتسم فيصل معرفا عن نفسه وجمالها المميز جذبه كالعادة :-
+
" فيصل الهاشمي .. إبن خال براء ويسرا ... تشرفت بمعرفتك ..."
+
" الشرف لي ..."
+
قالتها بلباقة قبلما تضيف وهي تشير نحو براء الذي يتابعهما بحرص :-
+
" يمكنني الذهاب لوحدي يا بك وأنت فلتبقى مع قريبك ...."
+
" كلا لا تغيران مخططكما لأجلي فأنا أساسا أتيت للقاء أحدهم و..."
+
توقف فيصل وهو يدور بعينيه في المكان ليلتقط الرجل الذي أتى للقاؤه فقال بسرعة وهو يحييه بكفه :-
+
" هناك ... ينتظرني هناك ..."
+
ثم إبتسم مرددا :-
+
" تشرفت بمعرفتك آنسة ماذي .... "
+
قالها وهو يضيف بعينين ماكرتين :-
+
" سنلتقي مجددا بإذن الله ...."
+
" هيا يا فيصل .... إذهب لموعدك ...."
+
قالها براء وهو يربت على كتفه ليتحرك فيصل بعدها مغادرا تاركا براء معها ليشير لها أن تتقدمه فتتحرك أمامه وهي تبتسم ببرود يتبعها هو غير مصدقا سرعة التغيير التي طرأت عليها فتحولت خلال ثواني من وضع لآخر يعاكسه تماما ...
+
جاورته في سيارته لتخبره بينما تحرك هو بسيارته :-
+
" لطيف قريبك هذا ..."
+
طالعها بنظرة عابرة قبلما يخبرها بهدوء :-
+
" نعم هو كذلك ..."
+
قالت بنبرة متلاعبة :-
+
" ومحب للنساء على ما يبدو ...."
+
رفع حاجبه متسائلًا بسخرية :-
+
" قيمتهِ بهذه السرعة ...؟!"
+
" نظراته وحدها تحكي كل شيء ..."
+
قالتها ببساطة ليخبرها بجدية :-
+
" عامة كوني حذرة منه فهو كما قلتي يحب النساء خاصة الجميلات ...."
+
مالت نحوه تخبره بمكر :-
+
" هذا إعتراف صريح منك بأنني جميلة ...."
+
" نعم أنت كذلك وهذا شيء واضح لا يقبل الشك ..."
+
قالها بصدق وهو يضيف :-
+
" ولكن الجمال وحده لا يكفي يا ماذي ... الجمال يجذب في البدايات فقط ثم بعدها يتحول لشيء باهت قبال الأشياء الأخرى التي نكتشفها مع مرور الوقت ..."
+
" هذا بالنسبة لك ..."
+
قالتها ببرود وهي تضيف بيقين :-
+
" لا يفكر الجميع بهذه الطريقة بل الأغلبية يفكرون بطريقة مختلفة تماما ...."
+
لم يعلق على حديثها بل التزم الصمت حتى وصلا إلى العمارة التي توجد بها شقتها لتجده يلتفت نحوها يخبرها بثبات :-
+
" نصيحة مني ... أنت فتاة جميلة لكن لا تعتمدي على جمالك فقط في تسيير أمورك .... ربما تعتقدين إنك لا تمتلكين سواه ولكنك لو بحثت داخلك ستجدين لديك الكثير من الأشياء غير جمالك يمكنكِ إستغلالها والإستفادة منها بدلا من الإعتماد على جمالك للإيقاع بمن حولك وتسييرهم وفق أهوائك .."
+
كان حديثا صريحا للغاية قال فيه ما يعتمل داخله من أفكار إتجاهها بل صارحها بحقيقة إنه يدرك ما تريده وكيف تستخدم جمالها للوصول إليه ...
+
إرتبكت كليا لكنها تجاهلت هذا الإرتباك وهي تردد بثبات :-
+
" شكرا على نصيحتك لكنني لا أحتاجها ... "
+
غادرت بعدها سيارته وهي تشعر بأنها متوترة ومضطربة أكثر من اللازم فاليوم تقلبت مشاعرها بشكل أرهقها ولم تعد حتى تعرف ما تريد وما تصبو إليه تلك المشاعر ....
+
في النهاية صعدت إلى شقتها وسارع ت تخلع ملابسها وتختبئ في سريرها محاولة الهرب من أفكارها التي بقيت تلاحقها لكنها فشلت كعادتها لتستسلم لها وهي تتذكر كم المشاعر السلبية التي أصابتها حالما قال ما قاله وكيف دارت الدنيا بها ثم إستعادتها جزءا من مكرها بظهور قريبه الذي طالعها بنظرات أدركتها على الفور فأرادت إستغلال ذلك لإثارة غيرته ربما ...!
+
في النهاية عادت تتسائل مجددا عن حقيقة إرتباطه فشعرت بذات الشعور المزعج يتمكن منها لتطرده بصعوبة وهي تلجأ للنوم كحل مبدئي للهروب من هذه الأفكار المزعجة حولها ....
+
**
+
تسير بخطوات مندفعة وملامح محتقنة تماما وعبرات تملأ عينيها ترفضان التحرر من مكمنها كي لا تشهد ضعفا جديدا ينهش قلبها ويبكي حالها ...
+
ما زال الموقف الذي حدث في المشفى يتكرر في رأسها دون توقف فيحرق روحها أكثر ....
+
ألا يكفي ما عاشته وما خسرته حتى اليوم ...؟!
+
ألا يكفي حقا ...؟!
+
ماذا يريد الجميع منها ...؟! لمَ عليها أن تعايش كل هذا وتتعرض لمشاكل مؤلمة كالتي كانت ولا زالت تتعرض لها ...؟!
+
ألا يكفي طلاقها بعد مدة لا تكاد تذكر من زواجها ..؟! ألا يكفي خسارتها لكرم وحبهما...؟! ألا يكفي تنازلها عن مستقبلها الذي خططت له بل جهزت له منذ فترة طويلة ...؟!
+
عالمها كله إنقلب رأسا على عقب ناهيك عن كم الألم والخذلان الذي مرت به وما زال آثره حيا داخلها لتأتي تلك الحمقاء وتدمرها أكثر وتقتص منها بخصوص ذنب تجهله والنتيجة دمار سمعتها في مكان عملها ...
+
ما زالت لا تستوعب كيف وصل الجنون بها أن تهاجمها بالسكين بتلك الطريقة المتوحشة ....
+
إندفاعها نحوها وهي تصرخ عليها والسكين في يدها وتدخل البعض سريعا لحمايتها وظهوره هو من بين الجميع ...
+
محاولته لإخراس تلك الحمقاء التي بدأت تسبها وتلعنها بل وتتهمها بأشياء عجزت عن إستيعابها وكل هذا أمام أنظار الجميع الذين سمعوا ما قالته وإتهاماتها المخجلة لتصبح حديث الموسم في المشفى ...
+
إرتجفت شفتيها وإنتابتها نوبة بكاء عنيفة تمكنت منها فجلست بلا وعي على سطح الرصيف تسمح لدموعها بالإنهمار لتسقط باكية بنحيب خافت وعقلها يكرر كلمات تلك الحقيرة دون جدوى :-
+
" لماذا فعلت هذا ...؟! سرقتيه مني ..؟! إنه خطيبي ... خطيبي أنا وأنتِ مجرد عاهرة قذرة تسرقين الرجال من نسائهم .... بالطبع ستفعلين ذلك لأنك مطلقة تبحثين عن أي رجل يعوض مكان طليقك ويسد محله ..... "
+
لوهلة وقفت بملامح بهتت كليا وعقلها عاجز عن إستيعاب ما يحدث بينما الهمهمات تتزايد حولها وأفنان تضيف متجاهلة يد إحدى زميلاتها التي نجحت في إيقاف هجومها بل وتحاول إخراجها من المكان :-
+
" هذه الطبيبة المحترمة سرقت خطيبي مني ... لا أعرف ماذا فعلت بالضبط لكن يمكنكم التخمين ... "
+
ثم تساقطت دموعها بحرقة :-
+
" كنا سنتزوج لولاها ... خانت شرف مهنتها وإستغلت مرضي لتسرقه مني .... "
+
لوهلة تمكن الدوار منها بعدما سمعته من إتهامات عندما وجدته يندفع من بين الجموع هادرا بإسمها قبلما يقبض على ذراعها يهم بدفعها خارج المكان لكنها دفعته وهي تصرخ به :-
+
" ها قد أتيت لعشيقتك .... للهانم التي تركتني لأجلها ... "
+
شهقت هالة بصوت مسموع وقد إستوعبت أخيرا ما يحدث وما تعايشه في هذه اللحظة من إتهامات شنيعة على يد تلك الفتاة المجنونة لتسمعه يصرخ بها :-
+
" إخرسي ... أنت مريضة...."
+
" لن أخرس ... وإذا كنت مريضة فهي مجرد عاهرة أوقعت بك بعد طلاقها .. "
+
كلماتها جعلته يندفع في ذات اللحظة ويصفعها بقوة على وجهها لتصرخ باكية بينما جذبها هو بعنف يدفعها خارج المكان مشيرا إلى حرس المشفى الذين سحباها تنفيذا لأوامره بينما إستدار نحو هالة يتأمل عينيها اللتين تراكمت بهما العبرات ليقول وصوت صراخ أفنان اللتي تحركت مرغمة مع الرجلين صداه يتردد في المكان :-
+
"أنا حقا آسف ...."
+
طالع الجمع الضخم الذي إحتل المكان بدافع الفرجة ورؤية وسماع ما يحدث لتتصاعد الهمهمات بينما تتحرك هالة ببصرها في المكان فتتحول الصورة تدريجيا إلى أخرى ضبابة ويتمكن الدوار منها ليكون آخر شيء تسمعه صوته وهو يصيح بإسمها بينما يتلقاها بين ذراعيه بلهفة أججت من أحاديث الذين حولهما ....!
+
لتستيقظ بعد دقائق وتجده يطالعها بلهفة فشل أن يسيطر عليها جانبه زميلتها وصوت باسم الذي دخل إليها أيقظها قليلا :-
+
" كيف حالك يا هالة ...؟! ماذا حدث لك ...؟!"
+
" يجب أن أنهض ...."
+
قالتها وهي تهم بالنهوض لتساعدها زميلتها على الفور بينما قال أثير بهدوء :-
+
" ما حدث يا هالة ..."
+
أوقفته بصوت حازم :-
+
" لا أريد سماع صوتك ... أبدا ...."
+
ثم نهضت من مكانها مستندة على زميلتها لتجد باسم يحاول إسنادها فتمنحه نظرات نارية جعلته يتراجع إلى الخلف على الفور ....
+
غادرت الغرفة لتجد أنظار الموجودين في الممر تتجه نحوها على الفور ...
+
ثواني وتبعها هو لتجده يقف جانبها هاتفا بعلو صوته :-
+
" إسمعوني جميعكم ... ليعلم الجميع إن ما قالته تلك الفتاة عار عن الصحة ... نعم تلك الفتاة كانت خطيبتي يوما ما لكنني إنفصلت عنها لأسباب خاصة لا يمكنني التطرق إليها لأجلها هي قبل أي أحد ..."
+
أخذ نفسا عميقا ثم قال مبررا بالشكل الوحيد المنطقي :-
+
" أما دكتورة هالة فهي لا شأن لها بإنفصالنا ولكن ما حدث بسبب كوني تقدمت لخطبتها قبل يومين وعندما علمت خطيبتي السابقة بذلك جن جنونها وتصرفت على هذا النحو ....هذا ما حدث وأنا أعتذر أمامكم جميعا من دكتورة هالة على هذا التصرف حتى لو لم يكن ذنبي ما حدث ولست مسؤولا عنه ولا عن تصرفات تلك الفتاة التي لا تمثلني ولا تعنيني إطلاقا ..."
+
شعرت برغبة شديدة بالإختفاء على الفور والإبتعاد عن عيون الجميع لكنها تجاهلت رغبتها هذه وهي تشمخ برأسها بتعمد متحركة خارج المكان يتبعها هو بعدها وذات النظرات تحاوطه ليدرك مجددا كم الأذى الذي تسبب به لها دون أن يقصد ....
+
لا تعرف كم إستمرت في البكاء حتى نهضت بعدها بتثاقل مقررة التوجه إلى القصر لتتفاجئ به هناك في غرفة مكتب زوج شقيقتها ....
+
توقفت لوهلة مكانها تطالع راغب الذي يتحدث بصوت منخفض معه وملامحه تحمل قتامة مهيبة ....
+
شعر كلاهما بوجودهما فطالعها هو بصمت بينما هتف راغب وقد تخلت ملامحه قليلا عن قتامتها :-
+
" هالة .."
+
دون مقدمات ركضت نحوه تلقي نفسها بين ذراعيه ليجذبها نحو صدره يعانقها بحنو وهو يمنح إبن عمته نظرة مشتعلة جعلته يخفض رأسه أرضا بإعتذار لن يردم ما حدث بسهولة ..
+
تساقطت عبراتها مجددا بين ذراعيه بينما قال راغب بصوت جاد :-
+
" لا تقلقي ... كل شيء سيكون بخير ... وتلك الحقيرة سأتصرف بنفسي معها ...."
+
" فضحتني ..."
+
همست بها باكية ليقول راغب بنبرة قوية :-
+
" لم تفضحكِ فهي لم تقل عنك ما هو صحيح ... "
+
إبتعدت عنه وهي تكفكف عبراتها قبلما تتجه بنظراتها الكارهة نحو الآخر تصيح به :-
+
" ماذا فعلت لها لتهاجمني بهذه الطريقة ...؟! "
+
" أخبرت راغب بكل شيء ... الفتاة ليست طبيعية وأنتِ أكثر من يدرك هذا ..."
+
" هل هذا مبررك ..؟!"
+
صاحت بعدم تصديق قبلما تضيف :-
+
" هل تعي إن المشفى بأكملها تتحدث عني الآن ...؟!"
+
" ما حدث لم يكن ذنبي .... "
+
قالها بثبات وهو يضيف بحنق :-
+
" ومع هذا أنا إعتذرت منك مرارا وبررت موقفكِ للجميع ...."
+
" هل تعتقد إن الناس سيصدقون مبررك السخيف ...؟!"
+
سألته بسخرية تخفي مرارة شديدة ليهدر بها :-
+
" ماذا أفعل ..؟! لم يكن أمامي مبررا سواه ... هذا ما خطر على بالي ..."
+
" يكفي ..."
+
صاح راغب بهما بينما تقدمت همسة والتي كانت قد أتت بالقهوة لزوجها كمحاولة أولى للخروج من قوقعتها لتتفاجئ بوجود كلا من أثير وهالة عنده ...
+
" ماذا يحدث هنا ...؟!"
+
سألت بملامح مصدومة كليا ليهتف راغب محاولا احتواء الموقف :-
+
" تعالي يا همسة ... حدثت مشكلة بسيطة و ..."
+
تقدمت همسة تضع الصينية على أقرب طاولة ثم سارعت تعانق هالة التي ما زالت آثار بكائها ظاهرة على ملامحها لتسأل بحرص :-
+
" ماذا حدث يا هالة ..؟!"
+
إحتدت ملامحها بشراسة لم يكن يعلم أثير إنها تمتلكها مطلقا وهي تشير نحوه :-
+
" ماذا فعل لك مجددا ... ؟!"
+
هدرت به بنبرة ناقمة لا تناسب امرأة رقيقة مثلها :-
+
" ماذا تريد منها بالضبط ..؟! ألم تكتفِ بما فعلته بها حتى الآن ..؟!"
+
" إهدئي يا همسة ...."
+
قالها راغب بهدوء لتهتف بنفاذ صبر :-
+
" ليخبرني أحدكم بما يحدث بالضبط .."
+
تبادلا راغب وأثير النظرات قبلما يخبرها راغب بشكل مختصر عما حدث لتهتف بنبرة غير مصدقة:-
+
" يا إلهي ... هذه فضيحة .. كيف تفعل هذا ...؟!"
+
أشار لها راغب بعينيه محذرا لتربت على ظهر شقيقتها التي ما زالت بين ذراعيها تحاول تهدئتها عندما تنحنح أثير قائلا :-
+
" أنا حقا آسف مجددا لما حدث .. "
+
إندفعت هالة من بين أحضان شقيقتها تهدر به :-
+
" كم مرة إعتذرت حتى الآن ..؟! علام تعتذر أساسا ..؟! لم يأتني منك حتى اليوم سوى الخراب ...؟!"
+
أضافت بإنفعال :-
+
" تعتذر مني وتعتذر من راغب والآن همسة ... ما حدث اليوم لم يكن ذنبك ولكن ماذا عما حدث سابقا ... ألم يكن ذنبك كذلك ...؟! هل إعتذرت عما حدث سابقا يا أثير ...؟! هل إعترفت بأخطائك الماضية في حقنا جميعا أم بعد ...؟!"
+
توهجت السخرية في عينيها وهي تسترسل عن قصد :-
+
" هل إعتذرت من كرم ...؟! كرم الذي كنت سببا في حادثا كاد يودي بحياته وتسبب بإعاقته ...؟! وماذا عن هايدي ...؟! هايدي التي خدعتها وتلاعبت بمشاعرها .. ؟! هل إعتذرت منها هي الأخرى ...؟! أم إنك لا تعتذر إلا من الكبار الذين بيدهم تكمن قبضة روحك ومستقبلك وبيدهم خراب عالمك .."
+
" هالة .."
+
هتف بها راغب بصوت ثابت بينما تحولت ملامح أثير إلى كتلة جامدة قاتمة كليا ليهتف بأنفاس متصاعدة :-
+
" سأغادر الآن يا راغب ... نتحدث فيما بعد ...."
+
ثم إندفع مغادرا المكان تاركا إياها تشتعل غضبا لتصيح أمامهما :-
+
" هو سبب ما حدث .. من أين علمت أفنان بما كان بيننا ....؟! بالتأكيد إتخذني حجة ليتركها ... لا تصدقان حديثه وإنه لا دخل له بما جرى .... هو كاذب وأبصم بالعشرة إنه سبب ما حدث اليوم .... "
+
إندفعت بعدها تغادر المكان بعصبية متجهة إلى جناحها حيث سمحت لنفسها أخيرا بالإنهيار مجددا بين جدرانه بعيدا عن أنظار الجميع ....!
+
**
+
إنهارت مجددا بين أحضان شقيقتها التي أخذت تحاول مواساتها بكل الطرق حتى توقفت عن البكاء أخيرا ونامت بين ذراعيها لتتركها همسة بعدها وتعود إلى جناحها فتجد زوجها جالسا في الشرفة بملامح شاردة تماما عقله مشغول بالتفكير بما حدث مع شقيقتها والذي يدرك جيدا مدى سوءه وإن إدعى عكس ذلك أمامها للتهوين عليها ....
+
" لماذا تجلس خارجا في هذا الجو البارد ..؟!"
+
قالتها وهي تضيف مؤنبة :-
+
" وملابسك خفيفة أيضا ...."
+
تنهد ثم قال وهو يمد كفه نحوها :-
+
" تعالي جانبي وسأدفئ جيدا ... "
+
توترت بخجل بديهي ليرفع حاجبه بتفكه تجاهلته وهي تخبره عن قصد :-
+
" إنهض يا راغب وإلا ستمرض ..."
+
أكملت بوجوم :-
+
" هيا إنهض ولا تعاند أكثر ...."
+
زفر أنفاسه بضيق ثم نهض من مكانه متجها إلى الداخل تتبعه هي بعدما أغلقت الشرفة لتخبره بجدية :-
+
" أنت غاضب بسبب ما حدث ... لا تحاول الإنكار .."
+
أضافت تسأل بقلق :-
+
" هل تعتقد إن الناس في المشفى إقتنعوا بمبرر أثير ...؟!"
+
" لا أعتقد ذلك ...."
+
قالها بآسف لتلمع عينيها بالعبرات وهي تهمس :-
+
" يعني سمعة هالة تدمرت أليس كذلك ....؟! الجميع يتحدث عنها الآن ...."
+
" إهدئي يا همسة ... "
+
قالها بسرعة محاولا تهدئتها وهو يضيف :-
+
" الفتاة مجنونة ولا يؤخذ على كلامها ...."
+
" ومن سيصدق ذلك ...؟! هل سنريهم أوراقها الطبية ...؟!"
+
سألته بضيق وهي تضيف بإدراك :-
+
" ولمَ لا ...؟! ليرى الجميع التقارير التي تثبت حالتها كي يدركوا مدى صعوبة وضعها النفسي وإختلالها وحينها لا يصدقون حديثها ...."
+
" الأمر ليس بهذه البساطة ... "
+
قالها بتروي لتهدر به :-
+
" لماذا ..؟! أساسًا لا يوجد حل غير ذلك ...."
+
" هذه فضيحة للفتاة و ..."
+
توقف وهو يلاحظ إشتعال عينيها بشراسة لا تظهر إلا نادرا بينما تهتف من بين أسنانها بملامح ناقمة :-
+
" لا يهمني ... ما يهمني فقط سمعة شقيقتي ... "
+
نهض من مكانه وتقدم نحوها يحاوطها بذراعيه يخبرها بجدية :-
+
" إهدئي يا همسة .... وإطمئني ... لن أسمح لأي شخص كان أن يتحدث عن هالة بالسوء أو يخوض بسمعتها وشرفها ... ثقي بي أرجوكِ ...."
+
" أنا أثق بك .... ولكن ..."
+
توقفت لوهلة ثم قالت :-
+
" المشاكل حولها لا تنتهي والسبب نفسه ... "
+
" أثير لا ذنب له بما حدث يا همسة ..."
+
قالها بجدية وهو يضيف :-
+
" لقد أخبرني بكل شيء .. هو حقا لا ذنب له ... بل إنه كان حزينا بشدة وغاضبا من تلك الفتاة ويتوعد لها حتى إنني حذرته من القيام بأي تصرف غير محسوب لأنه كان منفعلا جدا في بداية حديثنا ... "
+
" نعم ، لأنه يحب هالة .... "
+
قالتها بتردد ليهتف بوجوم :-
+
" لقد رأيته كيف غضب بسبب حديثها الأخير ... لا يمكنني لومها فما تعرضت له مؤلم ...."
+
تمتمت بذات الوجوم :-
+
" نعم غضب كثيرا .... وهي أجادت الضربة جيدا ... "
+
" شقيقتك دائما تجيد الضرب من تحت الحزام ..."
+
قالها عابسا لتطالعه بتحفز :-
+
" لم تقل شيئا خاطئا ....."
+
" كلا ، فأثير مخطئ مثلها تماما وبيني وبينك أنا ما زلت غاضبا منه ولم أغفر له أفعاله السابقة بعد ...."
+
" لكنه يحبها يا راغب ...."
+
تمتمت بها بجدية ليهمس مرغما بنبرة مقتضبة :-
+
" أعلم ...."
+
طالعته بوجوم :-
+
" أنتم أولاد الهاشمي هكذا دائما ... حبكم مؤذي ... والإعتراف به يبدو كخطيئة بالنسبة لكم ..."
+
" نحن ...!"
+
قالها مستنكرا وهو يضيف برفض :-
+
" هل تجمعينني معه في عبارة واحدة ...؟!"
+
هزت رأسها مؤكدة ما تقوله ليرفع حاجبه قائلا بغلظة :-
+
" مبدئيا أنتِ لا يمكنكِ أن تقارني بيني وبينه ولا بيني وبين أي رجل آخر لإنكِ لو جبتِ بلدان العالم كلها ما تجدي رجلا صبِرَ على إمرأته بقدري ... ثانيا لا تتحدثي عنا هكذا وتنسي نفسك وشقيقتك ...."
+
" ما بالنا نحن إن شاءالله ...؟!"
+
سألته بملامح إحتقنت كليا ليخبرها ببساطة :-
+
" ما بالكن أنتن ...؟! هل تسألين حقا ..؟! كان الله في عون من يقع بكن ... لديكن كبرياء لا آخر له ورأس صلد كالحجر وأسوأ وإسلوب مستفز ... لا تجعليني أتحدث الآن بالله عليك.."
+
" بل تحدث ... قل ما لديك ... أكشف عما يدور داخلك .... لا تتردد هيا ...."
+
قالتها بعصبية ليتجاهل حديثها هذا وهو يسأل :-
+
" إذا كان من سيخبرني بشيء فسيكون أنت ...؟!"
+
" مالذي سأخبرك عنه ...؟!"
+
سألته بدهشة ليخبرها بجدية :-
+
" أعتقد إنه آن الآوان لتخبريني عما حدث بالضبط في تلك الحفلة اللعينة وتخبريني عن هوية الفتيات اللواتي تحدثن بتلك الطريقة عنك ...."
+
إرتجف جسدها كليا وتشكلت الدموع في عينيها ما إن ذكرها بما حدث لتخبره بصوت مبحوح :-
+
" لا أريد التحدث عن ذلك اليوم ... أرجوك ..."
+
" توقفي عن الهروب يا همسة ..."
+
قالها برجاء وهو يقبض على كفها بعدما قابلها في جلستها لتهمس معترضة :-
+
" بل سأهرب ... إتركني أهرب ..."
+
قبض على فكها يضغط عليه بثبات وهو يخبرها معترضا :-
+
" زوجتي لا تهرب من شيء .... هيا تحدثي ..."
+
تمتمت بنبرة خفيضة :-
+
" أخبرتك عما قالتاه ...."
+
" من هما ...؟! هل تعرفينهما ...؟!"
+
أجابت سريعا :-
+
" لا أتذكر شكلهما حتى ...."
+
أضافت بسخرية مريرة :-
+
" حتى لو تذكرت ... علام ستحاسبهما ...؟! على رأيهما بي ...؟! "
+
قال بصرامة :-
+
" هذا ليس رأي ... هذا تعدي على الغير والتحدث بما ليس حقيقي وتلفيق تهم غير مقبولة إطلاقا ..."
+
أضاف بقوة مهيبة :-
+
" لا أحد يمكنه التجرأ والتحدث عن زوجتي بهذه الطريقة والمساس بها وبسمعتها ... لا أحد يا همسة ... الجميع يجب أن يلزم حده ويدرك متى وأين يخرس لسانه .... "
+
" لماذا تتحدث وكأنهما ....؟!!"
+
توقفت لوهلة ليكمل نيابة عنها :-
+
" وكأنهما تقصدتا قول ذلك على مسامعك ... نعم هذا ما أفكر به وما سأعرفه وإذا ما كان تفكيري صحيحا فقسما بربي سوف ..."
+
قاطعته تهتف بلوعة :-
+
" يسرا ... يسرا هي السبب .... هل هذا ما تقصده ..؟!"
+
عبست ملامحه وهو يردد :-
+
" نعم أفكر بذلك ولا أستغرب تصرفا كهذا منها ..."
+
" سبق وتحدثت بشكل مقارب و ...."
+
اتسعت عيناها وهي تضيف بإدراك :-
+
" قالت نفس الكلام .... وأنا صدقتها ...."
+
" عم تتحدثين بالضبط ....؟!"
+
سألها بإنفعال وهو يضيف :-
+
" تحدثي هيا ... قولي عم تتحدثين ...؟!"
+
" سأخبرك بكل شيء ...."
+
قالتها بتردد سرعان ما نحته جانبا وهي تخبره عن تلك المواجهة التي حدثت يوم زفافهما والتي لم يكن يعلم عنها حتى اليوم ....
+
**
+
توقفت عن الحديث وعبراتها تغرق وجهها بينما يتحرك هو بعصبية غير مصدقا ما يسمعه والذي أخفته عنه لسنوات ...
+
" لماذا لم تخبريني وقتها ...؟!"
+
سألها بأنفاس متلاحقة تنذر بغضب وشيك لتخبره ببؤس :-
+
" ماذا كنت سأخبرك ....؟! كيف كنت سأفعل ذلك ...؟! أنا حينها شعرت بالإنهيار و ..."
+
تلعثمت في حديثها لكنها نظفت مرغمة :-
+
" أشفقت على نفسي .. كان شعورا مؤلماً... وعندما ظهرت أنت وجدت نفسي أتحدث بتلك الطريقة ... أردت إيلامك قليلا مثلما آلمني حديثها ... "
+
" وقد نجحت بذلك بجدارة ..."
+
قالها بغضب مكتوم وهو يضيف بسخرية قاتمة :-
+
" مثلما نجحت يسرا في تدمير زواجنا من خلال سمومها التي بثتها في رأسك ... "
+
إندفعت تصيح باكية :-
+
" ربما لم يكن كلامها صحيحا لكنه من الطبيعي جدا أن أصدقها ...."
+
" لماذا ...؟! لماذا من الطبيعي أن تصدقيها ...؟!"
+
سألها بصوت منفعل لتخبره من بين عبراتها :-
+
" لأن حديثها كان منطقيا ... لأنه لم يكن هناك سبب يدفعك للزواج مني غير ما قالته ... لأنك لم تعترف لي بمشاعرك ... "
+
" ربما لم أقلها علنا لكن تصرفاتي أكملها كانت تخبرك بها ...."
+
قالها بنبرة متآسفة مضيفا بسخرية قاتمة :-
+
" صدقتِ كلامها بسهولة ... كيف صدقتي إنني أستغلك بهذه الطريقة ....؟!"
+
" تستغلني ...؟!"
+
تمتمت بها بملامح بهتت ليصيح هادرا :-
+
" نعم أستغلك ... فما يعني إنني أتزوجك لأنك هادئة ومسكينة وبلا سند ... ؟! ماذا يعني هذا سوى إنني أستغل ظروفك لأحركك كما أريد وأجعلك الزوجة الخانعة المطيعة ...؟!"
+
مسحت عبراتها وهي تتمتم بآسف :-
+
" أخطأت لأنني صدقتها ولكنني كنت ضائعة حينها ..."
+
" أنتِ دائما ضائعة يا همسة ..."
+
قالها بنبرة يائسة جعلتها تطالعه بعتاب تجاهله وهو يتنهد بصعوبة ثم يقول :-
+
" يعني في السابق سمحتي لكلام يسرا أن يؤثر بك فدمرتي علاقتنا لسنوات والآن سمحتي لكلام مشابه أن يؤثر بك أيضا وخسرنا طفلنا .... "
+
أضاف وعيناه تتوهجان بنظرة قاسية :-
+
" وفي المرتين كان حديثا مقصودا المراد منه إيلامك وأنتِ نجحتي في المرتين بتحقيق غايتها من هذا الحديث ..."
+
" أنا غبية ... هل إرتحت الآن ...؟!"
+
صاحت به قبلما تنهار باكية على السرير ليهز رأسه بخيبة قبلما يتحرك مغادرا الجناح محاولا الإنفراد بنفسه قليلا للتفكير جيدا بما حدث حتى اليوم ....
+
**
+
دلفت غالية إلى غرفة النوم لتجد زوجها جالسا فوق السرير بملامح واجمة كعادته منذ خروجه من المشفى ....
+
حاولت أن تصطنع الإبتسامة وهي تتقدم نحوه ومعها صينية الطعام ليرفع بصره نحوها فيزداد تجهمه ...
+
إرتبكت لوهلة لكنها تجاهلت إرتباكها وهي تخبره :-
+
" أتيت بالعشاء مبكرا كي تشرب حبة المساء في موعدها بعد الطعام كما قال الطبيب ..."
+
" لا شهية لدي لتناول شيء الآن ... هاتي الحبة لأتناولها ...."
+
تمتم بها ببرود لتهتف بضيق :-
+
" لا يمكنك أن تتناولها على معدة فارغة .."
+
أردفت وهي تضع الصينية أمامه :-
+
" يجب أن تتناول طعامك قبلها ...."
+
" توقفي عن معاملتي كطفل صغير يا غالية .."
+
هدر بها بصوت مليء بالحنق لتطالعه بدهشة وقد صدمتها ردة فعله الحادة إتجاهها ....
+
منذ ذلك الحادث وهناك شيء مبهم تغير به إتجاهها فهو بات يتعامل معها ببرود غريب وكأنها السبب في ذلك الحادث ...
+
لم تفهم سبب بروده وتحفظه الصريح معها لكنها حاولت ألا تهتم كثيرا فربما حالته النفسية مستاءة قليلا خاصة بعدما أدركت حدوث شجار بينه وبين والدته ...
+
" أنا لا أعاملك كطفل صغير ولكنك من تتدلل ..."
+
تمتمت بها بحنق ليهتف من بين أسنانه :-
+
" لا أفعل ... "
+
نهضت من مكانها تقابله في وقفتها تهتف بضيق صريح :-
+
" ماذا يحدث يا فادي ...؟! أنت لست طبيعي معي نهائيا ... "
+
" لا شيء ..."
+
قالها بإقتضاب وهو ينهض من مكانه متحاملا على قدمه المصابة ليجلب الدواء له ...
+
طالعته أثناء تحركه بذات الضيق وهي تضيف وقد ملت من تجاهل تصرفاته :-
+
" ما تفعله غير لائق ... أسلوبك وتصرفاتك معي غير مقبولة .... أحاول إيجاد مبررا لك لكنني مللت وأريد أن أفهم ما يحدث بالضبط ..."
+
إبتلع حبة الدواء وشرب خلفها الماء بينما داخله يؤنبه لطريقته معها لكن ماذا يفعل فمنذ معرفته بوضعه الصحي وهو يشعر بنفسه غير أهلا لها ولا يستطيع مصارحتها بالحقيقة وهذا ما يضاعف من ضيقه من نفسه وغضبه إتجاه نفسه ...!
+
أخذ نفسا عميقا عدة مرات ثم إستدار نحوها يهتف بوجوم :-
+
" أنا متعب يا غالية ... من فضلك تفهمي هذا ...."
+
قالت مرغمة :-
+
" متفهمة ... والله متفهمة ولكن .... "
+
" ليس الآن يا غالية ... أرجوكِ ..."
+
قالها برجاء لمست صدقه والتعب في عينيه أخبرها بعدم قدرته على جدال أكبر فأومأت برأسها متفهمة وهي تخبره بطاعة لا تشبهها :-
+
" كما تريد يا فادي ..."
+
ثم اتجهت نحو الصينية تحملها لتتفاجئ به يطلب منها :-
+
" إتركيها ... سأتناول الطعام عندما أشعر بالجوع ...."
+
هزت رأسها مجددا بفهم ثم طالعته بنظرة أخيرة صامتة قبلما تتحرك خارج غرفة النوم بينما يتابعها هو بأسى طل من عينيه قبلما يجلس على السرير مجددا بتخاذل وما يحدث يألم روحه وقلبه الذي كُتِب عليه فراق من يحب رغما عنه ...!
+
أحيانا يفكر أن يخبرها بكل شيء ويترك القرار لها لكنها ستكون أنانية منه إن فعل هذا فهي لن تتركه بل ستبقى معه والله وحده يعلم كم ستنتظر معه حتى يرزقان بطفل وربما لن يرزقان أبدا وهي لا تستحق أن تبقى مقيدة به بسبب الحب ...!
+
كان القرار الوحيد المناسب من وجهة نظره هو خروجها من حياته بأسرع وقت دون أن تدرك ما يحدث ولكنه قرار صعب التنفيذ وخاصة عليه وهو الذي تعلق قلبه بها وعشقها بشدة فكيف سيتخلى عنها بعدما حارب لتكون له وتخلى عن كل شيء لأجلها ..؟!
+
بقي يفكر بهذا بقية اليوم حتى قرر اللجوء للنوم لكنه فشل في النوم حيث بقيت أفكاره تؤرقه حولها حتى شعر بها تدلف إلى الغرفة فإدعى النوم بينما غيرت هي ملابسها وأخذت مكانها جانبه لتجد نفسها عاجزة عن النوم مثله وكلا منهما يفكر في الآخر وما يحدث معه ....!
+
**
+
استيقظت في صباح اليوم التالي لتجد الفراش خاليا جانبها ...
+
إعتدلت في جلستها سريعا ونهضت من مكانها لتكتفي بتغيير ملابسها سريعا دون أن تأخذ حمامها اليومي ثم تغادر غرفتها تسأل جنى عن زوجها لتخبرها الأخيرة إنه غادر مبكرا إلى عمله ...
+
تأففت بصمت فهاهو يعاندها ويذهب إلى العمل قبلما يطيب جرحه بشكل نهائي ..
+
قررت أن تمارس رياضتها الصباحية قبل ذهابها إلى العمل ...
+
بقي عقلها شاردا به طوال الوقت وقد فشلت حتى الرياضة في التخفيف من حدة مزاجها وأفكارها التي تتمحور حوله وتتسائل عن سبب تحوله الغير مفهوم ...
+
أثناء ممارستها الرياضة فوجئت بجنى تتقدم نحوها بملامح ليست طبيعية تخبرها :-
+
" والدة فادي هنا ...."
+
تجمدت مكانها لوهلة بينما جنى تخبرها سريعا :-
+
" لم ترني .. إطمئني ..."
+
ربتت غالية على كتفها بحرص وقد نسيت أمرها في تلك اللحظة بينما تخبرها :-
+
" سأراها حالا ..."
+
ثم سارعت تتجه نحو الطابق العلوي لتغيير ملابسها بعدما طلبت من الخادمة تقديم الضيافة اللائقة لحماتها في زيارتها المفاجئة ...
+
**
+
أخذت باسمة تتأمل الفيلا الفخمة بملامح واجمة مفكرة إن كل شيء هنا يحمل ذوق صاحبة المكان بكل تأكيد ...
+
ذوقها يشبهها ... هكذا فكرت فالفتاة تحب كل شيء فخم وخاطف للأنظار ...
+
منذ أن رأتها أول مرة وشعرت بالخطر إتجاهها ...
+
كانت مختلفة ، جريئة وقوية ... ذكية بشكل يقلقها ....
+
خشيت على فراس منها والواقع كان من نصيب فادي ولدها المقرب لها والذي كان دائما جانبها هي وإبنتها لتأتي تلك الساحرة وتخطفه منهما بكل بساطة ...
+
وجدتها تطل عليها بخطوات واثقة ...
+
أنيقة كعادتها وفاتنة الجمال ....
+
لا يمكنها لوم إبنها على هيامه الصريح بها ...!
+
قالت غالية وهي ترحب بها ببسمة واسعة :
+
" أهلا بحضرتك ... سعدت كثيرا بقدومك ... "
+
كان من الواضح إن كنتها المصون تحاول تلطيف الأجواء بينهما ومد آواصر السلام ....
+
جلست قبالها وهي ما زالت تحتفظ بذات الإبتسامة لتسأل باسمة بنبرة هادئة :-
+
" كيف حالك يا غالية ..؟!"
+
" بخير ... وأنت كيف حالك ..؟!"
+
سألت غالية بحذر خفي لتخبرها باسمة :-
+
" أنا بخير الحمد لله ...."
+
أضافت بعدما رفعت فنجان قهوتها ترتشف منها القليل :-
+
" بالطبع أنتِ مستغربة من زيارتي المفاجئة لك ..."
+
" ربما لا تصدقين ولكن أسعدتني زيارتك حقا ..."
+
قالتها غالية بجدية لتبتسم باسمة ببطأ قبلما تخبرها بمكر خفي :-
+
" أتيت لمد رباط الوصال بيننا أخيرا يا غالية ...."
+
والغريب إن غالية رغم رغبتها المماثلة بذلك لم تشعر بالراحة إتجاه رغبتها هذه ....!
+
**
+
بعد مرور يومين ..
+
تستند على حافة المغسلة بكفيها تتطلع إلى ملامحها المنهكة بالمرآة قبلما تعاود إخفاض وجهها وتفريغ ما في جوفها ...
+
تشعر بجسدها على وشك أن ينهار بسبب الإنهاك الذي يسيطر على كل جزء منه ...
+
بالكاد تماسكت وهي تغادر دورة المياه بينما تنادي عليه بصوت ضعيف متقطع ..
+
تقدم إلى الداخل وهو يحمل صينية طعام بعدما قرر أن يتناولان فطورهما في غرفة النوم ...
+
لم يغب عنه سوء حالتها الصحية التي تتدهور مع مرور شهور الحمل ....
+
قلقه يزداد عليها ورعبه مما هو قادم يسيطر عليه ورغم ذلك هو مضطر أن يحافظ على تماسكه وثباته أمامها ...
+
إندفع راكضا نحوها بعدما وضع الصينية على السرير بسرعة وهو يراها تستند على الحائط بصعوبة وتنادي عليه ....
+
جذبها نحو صدره فتستند عليه هي ليتحرك بها نحو السرير يمددها عليه وهو يسألها عما تشعر به ....
+
" أنا لست بخير يا راجي ..."
+
تمتمت بها بعبرات هطلت فوق وجنتيها بغزارة قبلما تضيف برجاء :-
+
" حافظ على طفلي ... لا أريد خسارته ..."
+
" إهدئي يا نغم .. ستكونين أنت والطفل بخير ..."
+
قالها وهو يمسك كفها بكفه يضغط عليه بدعم قبلما ينهض من مكانه ويجري إتصالاته مقررا نقلها إلى المشفى ليتم إجراء الفحوصات اللازمة ومتابعة حالتها هناك ....!
+
**
+
في المشفى ...
+
وصلت عائلتها أولا ثم أفراد عائلته ...
+
علم الجميع بوضعها الصحي ...
+
لم يعد هناك داعي للإخفاء ولا إدعاء ما ليس موجود ...
+
وضعها الصحي في تدهور مستمر فالحمل تأثيره سلبي على مرضها ...
+
ستبقى في المشفى بعد الآن حتى تنجب طفلها بخير ...
+
مر يومان والجميع قلق بشأنها ..
+
والديها جانبها وهو لا يفارقها لحظة واحدة وكذلك عائلته الذين يحاوطانه بحرص ...
+
والدته إنهارت عندما علمت بمرضها ...
+
الصدمة كانت من نصيب الجميع دون إستثناء ....
+
الجميع إلتف حوله يقدمون الدعم والمساندة له رغم حزنهم عليها وعلى وضعها الصحي ...
+
وهاهو يجلس جانبها يطالعها بصمت بينما هي غافية بسلام في سريرها لا يتوقف عن النظر لها بلهفة وخوف من فقدانها في كل ليلة تمر عليه وهي تعاني من هذا المرض اللعين ...!
+
يتمنى لو يفعل أي شيء وينقذها من هذا المرض ...
+
يتمنى حدوث معجزة ....
+
هو الرجل الثابت بطبعه والذي لا يهزه شيء يشعر بنفسه سينهار في أي وقت حزنا وآلما عليها ...!
+
صوت طرقات على باب الغرفة أيقظه من أفكاره ليسمح للطارق بالدخول فوجدها صديقتها أروى التي أتت لرؤيتها خلال اليومين السابقين وهاهي أتت مجددا ...
+
نهض مجيبا تحيتها قبلما يستأذن تاركا إياها معها مقررا أن يجلب لنفسه القهوة ويتناولها ..!
+
أما أروى فجلست تتأمل صديقتها بقهر خفي ...
+
منذ تدهور حالتها الصحية والرعب يسيطر عليها ...
+
تخشى أن تفقدها بعدما وجدتها ....
+
نعم هي الصديقة التي باتت الشخص الأقرب لها ومخزن أسرارها وأكثر من يفهم عليها ويشعر بها فكيف ستتحمل خسارتها ...؟!
+
لم تتوقف عن التفكير بها وبوضعها الصحي طوال اليومين السابقين حتى إنها بكت لعدة مرات وفكرة رحيلها دون رجعة بدت مهلكة بحق ...
+
ترقرقت الدموع بعينيها وهي تتأمل ملامحها المرهقة بوضوح ....
+
إنتفاخ بطنها الضئيل جعل دموعها تتساقط وداخلها أخذت تدعو الله أن ينقذها من هذه الأزمة وتحيا بسلام مع طفلها القادم ...!
+
سارعت تخفي عبراتها وهي تراها تستيقظ من نومها ...
+
تبتسم لها كعادتها حالما فتحت عينيها قبلما ترحب بها لتنادي أروى زوجها الذي طل سريعا يطمئن عليها وعلى وضعها ويمنحها دوائها ثم ينسحب تاركا إياهما لوحديهما ...
+
تجلس معها تتبادل الأحاديث العامة ...
+
تضحكان سويا وتتحدثان عن مختلف الأمور ...
+
تتعمد أروى ألا تتطرق لمواضيعها البائسة لتتحول معها لشخص مختلف تماما يحاول إسعادها والتطرق لمختلف المواضيع المسلية المرحة معها على غير عادتها فقط لأجل دعم حالتها النفسية كما يتطلب وضعها ....
+
تغادر أروى بعد قدوم والدتها وهناك تنفرد بنفسها فتبكي كثيرا وتدعو ربها من بين عبراتها أن يحفظها لها ....
+
عادت إلى منزلها وهناك وجدت شقيقها الذي كان ينتظرها في غرفتها ...
+
سألته بتوتر :-
+
" ماذا تفعل هنا يا نادر ...؟!"
+
" أتيت للإطمئنان عليك يا أروى ...."
+
قالها بجدية وهو يضيف بإهتمام :-
+
" كيف حالك ...؟! "
+
" أنا بخير ..."
+
تمتمت بها وهي تتحاشى النظر إليه كعادتها منذ تلك الحادثة وما تلاها من جنون كاد أن يطيح بتعقلها المعتاد لولا إنطفاء ذلك الجنون في الآونة الأخيرة ..
+
قبض على ذراعها يخبرها بصوت جاد :-
+
" إنظري إلي يا أروى ...."
+
وأخيرا إرتكزت بعينيها عليه لتتشكل العبرات سريعا في عينيها فيضمها لصدره دون مقدمات كي تنهار بين ذراعيه باكية لأول مرة منذ مدة طويلة ...!
+
**
+
دلفت منيرة إلى غرفة إبنتها لتجدها تتحرك بحذر وهي في أبهى حلة كعادتها ترتدي فستانا رسميا لكنه أنيقا مع حذاء ذو كعب قصير قليلا على غير عادتها بسبب جرحها الذي لم ينضب بعد ، خصلاتها مصففة بعناية وزينة وجهها متكاملة لتسأل بدهشة :-
+
" أين ستذهبين ..؟! لا تقولين إنك ستذهبين إلى العمل ...."
+
" نعم يا ماما ، سأذهب .."
+
تمتمت بها يسرا ببساطة لتهتف والدتها بجدية :-
+
" إبنتي ، ماذا تفعلين أنتِ ..؟! لم يمر سوى يومين على خروجك من المشفى ... كيف ستذهبين وتباشرين عملك ..."
+
واجهت والدتها تخبرها بنبرة عملية :-
+
" لا يمكنني ترك أعمالي أكثر .. لا تقلقي بشأني ... أنا بخير وأجيد الإعتناء بنفسي ... "
+
" ولكن ..."
+
تجاهلتها وهي تسحب حقيبتها تودعها قبل رحيلها :-
+
" تأخرت .... أراك مساءا ..."
+
أرسلت لها قبلة في الهواء وغادرت بسرعة إلى مقر شركتها هناك حيث غرقت في أعمالها التي تراكمت آثر غيابها ...
+
إستمرت في عملها حتى الظهر لتشعر بنغزات في مكان جرحها ...!
+
شهقت بصوت مكتوم وهي ترى الدماء لطخت ملابسها قليلا ...
+
أدركت إنها تناست جرح بطنها في خضم إنغماسها بالعمل ...
+
نهضت بسرعة وقررت أن تذهب إلى طبيبها فلا حل آخر أمامها حيث لا يمكنها التعامل مع الجرح لوحدها خوفا من تلوثه ...
+
بصعوبة وحذر تحركت متجهة إلى هناك لتجده في وجهها وهو يغادر غرفته فيهتف متفاجئا :-
+
" يسرا هانم ..."
+
" دكتور شريف ... جرحي ليس بخير ... إنه ينزف ..."
+
بدت ثابتة وهي تخبره بما يحدث ... تحمل صلابة مدهشة ...
+
أشار لها لتدخل رغم إنه من المفترض أن يرسلها لأحدى الممرضات أو إحدى الطبيبات الشابات العاملات معه لا أن يتولى الأمر بنفسه لكن شيء ما مبهم جعله يفعل ذلك دون تفكير ..
+
فحص جرحها فأخبرها إنه بحاجة إلى إعادة تضميد ...
+
" هل تحركت كثيرا ..؟!"
+
سألها وهو يداوي الجرح لتخبره وهي تتحامل على نفسها كي لا تظهر آلمها :-
+
" قليلا .... كنت أعمل في مكاني أغلب الوقت ..."
+
طالع ملامحها التي ظهر عليها شعور الألم قليلا ليضع تركيزه على عمله حتى إنتهى منه ..
+
نهضت من مكانها وإتجهت نحو مكتبه يتبعها هو بينما يخبرها :-
+
" أتفهم حبك للعمل لكن عليك أن تستريحي في المنزل حتى يطيب الجرح تماما ..."
+
تنهدت مرددة :-
+
" لدي الكثير من الأعمال لكن لا بأس ... سأضطر لأخذ إجازة لبضعة أيام ..."
+
" سيكون هذا أفضل ..."
+
قالها وهو يجلس قبالها خلف مكتبه ليسأل بعدها :-
+
" هل تحبين تناول شيء ما ...؟! "
+
" أشكرك ... أريد فقط الماء .."
+
تمتمت بها بنبرة ناعمة لينهض من مكانه ويفتح الثلاجة ثم يجلب لها قنينة مياه باردة تناولتها منه وهي تشكره مجددا ...
+
إرتشفت القليل من المياه ثم سألت بإهتمام :-
+
" بالمناسبة ، ما أخبار المشفى ...؟! متى سينتهون منه ..؟!"
+
أخبرها بجدية :-
+
" قاربنا على الإنتهاء منه نهائيا وسوف نستعد لإفتتاحه في أقرب وقت ممكن ... "
+
" حقا ...؟!"
+
أومأ برأسه وهو يضيف مبتسما :-
+
" نعم ونحن نجهز الآن لفرع المشفى الآخر في إسطنبول ..."
+
" واو هذا رائع ..."
+
قالتها بجدية وهي تضيف :-
+
" سأكون بإذن الله من المساهمين في التبرعات وسأدعوا معارفي كذلك ..."
+
" يسعدنا ذلك كثيرا .. "
+
قالها بذات الإبتسامة لتتأمله لوهلة مفكرة إنه وسيم بإبتسامة رجولية جذابة ...
+
بادلته إبتسامته وهي تخبره :-
+
" عامة المشفى سينجح طالما طبيب ناجح ومعروف مثلك يديره ...."
+
أضافت عن قصد :-
+
" عندما بحثت عنك الفترة الماضية إكتشفت إنك مشهور للغاية والجميع يتحدث عنك وعن إنجازاتك في وسائل التواصل الاجتماعي ... "
+
" يقولون هذا ... عامة أنا لا أتابع وسائل التواصل ..."
+
" توقف عن التواضع يا دكتور ... أنت بالطبع تدرك مكانتك ومدى شهرتك بين أبناء جيلك ... يتحدثون بإستمرار عن نبوغك وتفوقك ومهارتك العلمية والعملية ...."
+
قالتها وهي تشدد من كلمة بنبرة خاصة آثرت به ليقول بنبرته الهادئة المعتادة :-
+
" الحمد لله ... من الجيد أن يحصد الإنسان نتائج عمله وتعبه لسنوات بهذه الطريقة ..."
+
" وفقك الله ..."
+
قالتها بإبتسامة هادئة ليشكرها فتنهض من مكانها مقررة الرحيل ...
+
تبادلا التحية ثم غادرت المكان وعلى شفتيها إبتسامة خاصة وعقلها بقي معه فهي وبكل سرور وجدت الرجل المناسب ليكون والد طفلها المنتظر ...
+
**
+
في أمريكا ...
+
فتحت عينيها بصعوبة وجسدها بالكامل يؤلمها بشدة ....
+
تشعر بالألم والبرد كذلك فتأن بصوت خفيض لا يسمعه هو الذي يمكث في الغرفة المقابلة لها ...
+
في النهاية إستسلمت للنوم مجددا وغطت في نومها رغم آلمها ...!
+
إستيقظ هو مبكرا قليلا فقرر تجهيز الفطور لهما قبلما تستيقظ هي وتستعد للذهاب إلى جامعتها ...
+
مر الوقت وجاء موعد إستيقاظها وصوت منبه هاتفها صدح في أرجاء المكان بينما لم تستيقظ هي بعد ..
+
إتجه إلى غرفتها وفتح الباب ليجدها ترمش بعينيها وصوت أنينها المتألم يشي بما تعانيه ...
+
إندفع نحوها بقلق وهو يرى ملامحها المنهكة وجسدها الذي يتصبب عرقا ...
+
" جيلان ، ماذا حدث ....؟!"
+
سألها وهو يلمس جبينها فيشعر بحرارته المرتفعة بينما تجيبه هي وقد فتحت عينيها أخيرا :-
+
" جسدي يؤلمني وأشعر بالبرد .... "
+
" حرارتك مرتفعة ... يجب أن تذهبي إلى الطبيب ...."
+
قالها بجدية لتخبره بأنفاس لاهثة :-
+
" لا أستطيع النهوض .."
+
" سأساعدك أنا ...."
+
قالها وهو يعدل من وضعية جلوسها قبلما ينهض ويجلب معطفا متناسبا ترتديه فوق بيجامتها ...
+
إستسلمت له بينما يساعدها في إرتداء المعطف ثم يقبض على كفها ويساعدها في الوقوف قبلما يأخذها معه خارجا وهي تسير جانبه مستندة عليه بصعوبة ...
+
أركبها سيارته وإتجه بها لأقرب مشفى ليذهب بها إلى الطبيب الذي فحصها وأكد له إصابتها بالإنفلاونزا الشديدة وكتب لها الأدوية التي تحتاجها ...
+
غادرا سويا ليضعها في السيارة ويتحرك سريعا نحو الصيدلية يشتري لها الأدوية التي كتبها الطبيب لها ...
+
عاد بها إلى الشقة وهناك أعطاها دوائها لتغط بعدها في النوم وتركها هي تنام بينما قرر أن يطلب الطعام لهما وحرص على أن يطلب لها الحساء الدافئ ...
+
أتى الطعام وما زالت هي نائمة ...
+
حاول إيقاظها لكنها رفضت بشدة وهي مستسلمة لنومتها ليقرر تركها حتى المساء ..
+
عندما أتى المساء قام بتسخين الطعام ثم إتجه به إليها ....
+
بصعوبة تناولت لقيمات قليلة من الطعام قبلما تغط في النوم مجددا ...
+
طالعها بشفقة وهم بالمغادرة إلى غرفته عندما سمع صوت أنينها الخافت وهمسها بكلمات غير مفهومة ...
+
بدت وكأنها تعاني من شيء ما وملامح وجهها كأنها تبكي آلما وحزنا .....
+
جلس جانبها قابضا على كفها ينادي عليها بصوت خفيض حذر عندما وجدها تهمس بصوت باكي :-
+
" ماما ... ماما .."
+
تجمد مكانه لوهلة وأنينها آلم قلبه الذي إنتفض داخل أضلعه بشدة لهفة ووجعا عليها وعلى حالها ...
+
" إهدئي يا جيلان ... أنا هنا ..."
+
قالها وهو يشدد من قبضته على كفها يضيف هامسا برجاء :-
+
" لا تخافي ... أنا جانبك ..."
+
بدأت تفتح عينيها بصعوبة وهذه المرة كان الهمس بإسمه ليهتف بلهفة وهو يعتدل في جلسته :-
+
" أنا هنا يا جيلان ... جانبك ..."
+
" لا تتركني ..."
+
كانت تهمس بها بنبرة راجية عندما فتحت عينيها الحمراوين بشدة لتتساقط عبراتها على الفور ...
+
سارع يجذبها نحو صدره لتتعلق به بلهفة وتبكي بعنف بين ذراعيه ...
+
شدد من إحتضانه بقلب وجل وهو يهمس لها دون توقف :-
+
" لا تخافي ... أنا هنا معك ... سأبقى معك ... لن أتركك ... أبدا .."
+
لا يعرف كم مر من الوقت حتى توقفت أخيرا عن بكائها وغفت مجددا بين ذراعيه ليعيدها إلى مكانها فوق السرير بينما بقيت هي متمسكة بكفه كطفلة صغيرة ممسكة بكف والدتها تخشى أن تبتعد عنها ليجد نفسه باقيا جانبا حتى الصباح عاجزا عن تركها لوحدها وهي متمسكة به هكذا ....
+
**
+
فتحت عينيها أخيرا وهي تشعر بدفء غريب يحاوط جسدها قبلما تستدير إلى الجانب لتجده غافيا جانبها وكفه قابضة فوق كفها ....
+
إختلج قلبها بقوة وهي تراه جانبها ممسكا بها بهذه الطريقة لتنسى تعب جسدها في تلك اللحظة وتشرد به وبإهتمامه الذي مسّ قلبها بشدة ومنحها أملا مضاعفا في قربه ....
+
ولأول مرة تشرد في ملامحه عن قرب ... مالت بأناملها تسير فوق كفه الحاد بحذر فتبتسم ببراءة باتت لا تشبهها وأناملها تسير هذه المرة فوق شفتيه بذات الحذر ...
+
رمش بعينيه فإنتفضت إلى الخلف بإرتباك عندما فتح عينيه الزرقاوين بلونهما المميز ليجدها تطالعه بإرتباك لم يهتم بسببه وهو ينهض من مكانه سريعا يسأل :-
+
" كيف حالك ..؟! هل تشعرين بشكل أفضل الآن ...؟!"
+
" أنا بخير ..."
+
تمتمت بها قبلما تعض على شفتيها بتوتر بالغ ليتنهد براحة ثم يهب من مكانه متذكرا :-
+
" الدواء ... كنت سأنساه .."
+
طالعته بقلب يخفق بقوة وهذا الاهتمام يضاعف من تعلقها به ومشاعرها القوية نحوه ...
+
حمل الدواء لها لتتناوله بطاعة ثم سارع يضع كفه بحرص فوق جبينها يطمئن على حرارتها ...
+
منحها إبتسامة دافئة تظهر لأول مرة منه وهو يخبرها :-
+
" حرارتك إنخفضت الحمد لله ..."
+
ثم شعث شعرها مرددا ببسمة رائقة :-
+
" أقلقتني عليكِ يا فتاة ...."
+
غرقت فيه ...
+
غرقت فيه كليا ....!
+
دون مقدمات مالت تحاوط خصره بذراعيه تعانقه بقوة بينما تجمد هو في وقفته لوهلة قبلما يبتسم بتروي وكفه تربت فوق شعرها بحرص ....
+
**
+
وقفت نانسي تتأمله وهو يجهز لحفل ميلاد الطفلين بهمة عالية وحماس شديد ...!
+
منذ عودتهما إلى البلاد وبدأ يجهز لميلاد الطفلين اللذي سيتم في فيلا عائلته بعدما قررت نانسي العودة إلى الفيلا ومنحه فرصة جديدة للتقرب من طفليه والتعرف عليهما عن قرب ...!
+
إبتسمت وهي ترى طفليها يتقدمان مهللين بسعادة وهما يتطلعان إلى البالونات وأغراض الزينة ...
+
سارعت كاميليا تجذب بالونة تلعب بها وكذلك كريم قبلما تطلب منهما نانسي الذهاب لتتشبث كاميليا بالبالونة رافضة الذهاب مع والدتها لتغير ملابسها بعدما عادت من حضانتها ....
+
تقدم صلاح نحوها وحملها مقبلا وجنتها بحب قبلما يخبرها :-
+
" إسمعي كلام والدتك يا كراميلا ...."
+
قالها ليجدها تعتصر البالونة بكفيها فتنفجر في وجهه فيتراجع مذعورا في البداية قبلما يضحك معها وهي تضحك بمرح دون أن تخاف من إنفجار فيهمس وهو يعبث بخصلاتها :-
+
" مصيبة أنتِ يا كراميلا ... "
+
أخذتها نانسي منه وهي تخبرها بنبرة أمومية حازمة :-
+
" يجب أن تغيري ملابسك وتنامي فالليلة لدينا حفل طويل ...."
+
غادر كلاهما معها لتغير ملابسهما أولا ثم ينامان بعدها قبلما تتجه لمتابعة أمور الحفل الذي سيكون عائليا إلى حد حيث ستحضره عائلتها ومن ضمنهم كرم الذي وصل صباح اليوم إلى البلاد وكذلك عائلة صلاح وبعض من أبناء عمومه ...
+
أتى المساء وبدأ الجميع بالحضور ...
+
وصلت حياة مبكرا مع حنين و طفليها ومربيتهما وسارعت تساعد نانسي في ترتيب أمور الحفل ليلحق بها كلا من والدتها وهايدي ثم وصل نديم وغالية سويا وكذلك عمها وزوجته يتبعهما عائلة عم صلاح حيث حضرت رحاب مع إبنتها نرمين بينما لم يحضرا نادر وأروى بسبب ظروف عملهما ...!
1
بدأ الحفل بعدما إجتمع الجميع بإستثناء كرم ...!
+
وقف الطفلين بجانب بعضهما أمام كعكة ميلاد ضخمة يجاورهما والديهما من الطرفين وحولهما بقية المدعوين ...
+
وكعادتها لم تمرر كاميليا اللقطة دون أن تترك بصمتهما حيث رفضت أن يطفئ شقيقها شمعتي الميلاد معها وبقيت تدفعه رافضة أن يشاركها اللقطة بينما إنفجر كريم باكيا ليحتضنه والده وهو ينظر لطفلته بصرامة جعلتها تطالعه بحذر قبلما يتفاجئ بها تجره من شعره وهي تتحدث معه بكلمات غير مفهومة لكن بطريقة عصبية جعلت الموجودين يضحكون لا إراديا على تلك الشقية ...
+
جذبتها نانسي من الخلف تديرها نحوها تتحدث معها بنبرة صارمة رافضة تصرفها لتخفض الصغيرة عينيها أرضا قبلما تأمرها نانسي :-
+
" هيا عانقي شقيقك ... "
+
ثم جذبت كريم وقربته منها وطلبت منهما أن يتعانقان ليستسلم الصغير لرغبتها على الفور وكذلك كاميليا فيسارع المصور ويلتقط لهما صورة كانت الأجمل قبلما يبدأ الجميع بترديد أغاني الميلاد الشهيرة ثم يطفئ كلاهما الشمعتين وسط تصفيق الجميع ...
+
إبتسم شريف لهما وهو يمنحهما هديتهما الأولى يتبعهما البقية واحدا تلو الآخر..
+
**
+
تقدم كرم إلى داخل الحفل لتسارع نانسي وتتجه نحو تعانقه فإبتسم مرغما وهو يبادلها عناقها قبلما يستقبله صلاح ليحييه كرم ويبارك له ميلاد الصغيرين الذين بحث عنهما بعينيه ليجدهما يجلسان بجانب عمهما الأكبر وجدتهما ....
+
إتجه نحوهما يحيي الجدة والعم ثم يبتسم لهما وهو يمنح الهدايا التي أتى بها قبلما يتجه نحو والدته يحييها متجاهلا هايدي كليا كما فعل صباح اليوم عندما وصل إلى البلاد وأتى إلى منزلهم لتحية والدته ...!
+
طالعت والدته ما يحدث بحيرة جاهلة سبب خصامه مع شقيقته بينما تجاهلت هايدي الغصة داخلها بسبب مقاطعة شقيقها لها وبقيت محافظة على إبتسامتها المصطنعة عندما سقطت عيناه على إبنة عمه التي كانت تجالس إبنة شقيقتها تطعمها الكيك بملامح مرحة ...
+
لم تنتبه لمجيئه على ما يبدو ...
+
هكذا فكر وهو يطالعها بينما تولي هي كامل إنتباهها لإبنة أختها تلاعبها وهي تطعمها الحلوى ...
+
تبتسم لها بمرح وسعادة وتبادلها الصغيرة البسمة ذاتها ....
+
شرد بها لوهلة فشعر بشقيقته تراقبه بعينين قلقتين من مكانها بيتجاهلها وهو يتقدم نحو عمه يحييه وكذلك زوجته قبلما يجلس جانبه يتبادل الأحاديث معه ...
+
تقدمت حياة نحو أختها تخبرها :-
+
" ستبقين منشغلة مع شمس هكذا ... "
+
" أنا أحب أن أبقى معها ..."
+
قالتها مبتسمة وهي تضيف بينما تتطلع إلى التوأم الذين تقدما نحوهم :-
+
" وها هما كريم وكاميليا أتيا أيضا ..."
+
تقدمت كاميليا بسرعة تجلس بجانب شمس بينما جلس كريم على الجانب الآخر لتنهض حنين من مكانها تخبر حياة :-
+
" سأجلب الحلوى لهما ..."
+
ثم تحركت لتجلب لهما قطع الكيك والحلوى عندما توقفت مكانها وهي تراه جالسا مع والديها يتحدثان معهما قبلما يرفع بصره نحوها وعلى ما يبدو شعر بها ليمنحها إبتسامة مقتضبة وترت ملامحها أكثر وهي تراه بعد إعترافها الأحمق بالحب والذي باتت شبه متأكدة من كونه سمعها وقتها ....
+
أشار لها والدها لتتقدم وتحيي إبن عمها بينما تطالعها والدتها بقلق خفي لتتقدم نحوهم وهي ترسم إبتسامة صغيرة على شفتيها تحييه :-
+
" أهلا كرم ... الحمد لله على سلامتك ..."
+
" أهلا بك يا حنين ..."
+
قالها كرم ببسمة لم تصل لعينيه اللتين أخذتا تتأملانها بتفحص لم يغب عنها فإنتفض قلبها بين أضلعها بتوتر لتتحرك مستأذنة تجلب الكيك للصغار وتعود إليهم غافلة عن عينيه اللتين تابعتا كل خطوة خطتها بحرص إلا إن والدتها إنتبهت له وأقلقها تفحصه لصغيرتها بهذه الطريقة الغريبة ...
+
**
+
مر الوقت سريعا ليتقدم صلاح نحو نانسي يسأل مبتسما بهدوء :-
+
" هل راضية عن الحفل اليوم ...؟!"
+
" كثيرا ... الميلاد رائع والأولاد فرحوا بالحفل والهدايا ....."
+
قالتها بسعادة جلية لتلتفت نحوه تخبره بتردد :-
+
" اليوم أخبرت كريم وكاميليا عنك ... أخبرتهما عن والدهما ..."
+
ترددت كثيرا فيما فعلته لكنها شعرت بحاجته لمن يدعمه برغبته بالتقرب منهما ....
+
وهاهي تتخذ قرارا مهما وتسعى للتقريب بينه وبين طفليه كما يريد ...
+
شعر بقلبه يرتجف داخل أضلعه لا إراديا وفكرة الأبوة تقلقه مجددا وإن كان يتوق لها بشدة ...
+
كلما إقترب من الطفلين كلما تعلق بهما أكثر وبقدر ما يفرحه هذا بقدر ما يخيفه ...
+
بعدما غادر الجميع إنفرد هو بالطفلين ونانسي عندما أشارت نانسي له وهي تعرف الطفلين :-
+
" إنه بابا ... بابا صلاح ..."
+
" بابا ...."
+
قالها كريم بصيحة مرحة بينما أخذت كاميليا تقلب بصرها بينه وبين والدتها التي تكرر :-
+
" إنه بابا يا كاميليا ... "
+
" بابا ...."
+
قالتها كاميليا وهي تتطلع إلى والدتها لتومأ والدتها برأسها :-
+
" نعم ، بابا ... بابا صلاح ...."
+
صاح كريم مجددا :-
+
"بابا .... بابا ...."
+
إنحنى صلاح نحوهما يتطلع لهما بعبرات ملأت عينيه رغما عنه ليجذب كريم نحوه الذي عانقه سريعا وهو يردد بمرح :-
+
" بابا بابا ...."
+
طالعتهما كاميليا بترقب عندما إبتسم صلاح لها وأشار لها لتتقدم نحوه فدفعتها والدتها وهي تهمس لها :-
+
" هيا حبيبتي .... هيا ...."
+
جذبها صلاح نحوه يعانقها مبتسما بفرحة غامرة بينما أخذ كريم يصفق بكفيه ويقفز صائحا بمرح أما نانسي فكانت تتابع الموقف بعبرات خفية عندما إلتقت عينيها الدامعتين بعيني صلاح لتشيح بوجهها بعيدا وهي تمسح عينيها بأطراف أناملها خافية دموعها سريعا ...!
+
**
+
يتأملها من خلال المرآة وهي تعدل هندامها بحرص ...
+
ترتدي فستانا ذو لون بنفسجي من الستان الناعم بأكمام مربعة قصيرة ينسدل حول جسدها الرشيق بنعومة وينتهي أسفل ركبتيها بقليل ...
+
كان جميلا رغم بساطته يليق بها خاصة مع خصلاتها المموجة والتي رفعتها قليلا من جهة المقدمة ....
+
تقدم نحوها يسأل بإهتمام :-
+
" هل ستذهبين إلى مكان ما في هذا الصباح الباكر ...؟!"
+
" نعم ، سأذهب إلى المتجر ... "
+
قالتها بتلقائية جعلته يتوقف لوهلة يطالعها بينما تجذب عطرها المفضل برائحة الفانيلا وترش منه على جسدها ليتنهد بصبر ثم يقول :-
+
" لن تذهبي ..."
+
" لماذا ..؟! هل هناك مشكلة في ذهابي ...؟!"
+
سألته بحذر وداخلها قلق من سماع إجابة ستصدمها لا محالة ...!
+
" لن تعملي في متجر الورود خاصتك مجددا ..."
+
قالها بثبات لتهتف بعدم تصديق :-
+
" ماذا تقول أنت ..؟! كيف يعني لن أعمل به ..؟!"
+
أكد قوله بنبرة تحمل تسلطا واضحا :-
+
" كما سمعت ... عملك في هذا المتجر لا يليق بك ولا بي ولا يليق بمكانتنا في المجتمع ... "
+
" تزوجتني وأنا أعمل به وكنت تعلم عن مدى حبي لعملي هناك وإرتباطي بالمكان ...."
+
قالتها بأنفاس متسارعة غير مصدقة ما يتفوه به وكيف يفكر ليقول محاولا احتواء الموقف :-
+
" عزيزتي تولاي إفهميني ... هل يُعقل أن تعمل توليب الهاشمي زوجة إياس الصواف بائعة في متجر ورود ...؟! هل تجدين هذا العمل لائقا بي ...؟!"
+
" لا أجده غير لائقا أبدا .. إنه عملي الذي أحبه .... عملي الذي عرفتني وأنا أعمله ولم تعترض عليه ..."
+
أضافت بصعوبة :-
+
" لكنك على ما يبدو إعتدت أن تتبع سياسية الأمر الواقع معي ... وهذا لن يناسبني أبدا وأنت تعلم ..."
+
كلماتها الأخيرة خرجت حادة قليلا ليهتف بصوت قوي محذر :-
+
" لا ترفعي صوتك علي ... "
+
" وأنت توقف عن التعامل معي كشيء مسلوب الإرادة ..."
+
همست بها وهي تضيف :-
+
" أنا لن أتخلى عن عملي يا إياس .."
+
صاح بها :-
+
" وأنا قلت إنك لن تعملي في هذا المتجر مجددا .... "
+
أضاف وهو يندفع خارج المكان :-
+
" وإذا لم تلتزمي بحديثي وذهبتي لهناك فحينها ستعتبرين نفسكِ طالق ...."
+
شهقت بعدم تصديق بينما تجمد هو مكانه للحظة يستوعب ما تفوه به ....
+
طالعته بنظرات مقهورة قبلما تخبره بصوت مبحوح :-
+
" إذهب يا إياس ... غادر من فضلك ... لا أريد سماع المزيد منك ... "
+
زفر أنفاسه بضيق ثم تحرك مغادرا المكان تاركا إياها لوحدها تطالع آثره بعينين دامعتين قبلما تنهار باكية فوق سريرها و كل شيء حولها يخبرها بمدى صعوبة ما ينتظرها معه فالحياة معه لن تكون سهلة على الإطلاق وهي ما زالت لا تعلم إذا ما كانت تستطيع تحمل الحياة معه بكل تقلباتها وصعوبة تفكيره الذي إكتشفت مجددا إنه لا يشابه تفكيرها بل يختلف عنه جذريا ...
+
لا تعرف كيف مر اليوم عليها حتى أتى المساء وبقيت هي منعزلة في جناحها بقهر سيطر عليها ....
+
عاد هو من عمله ووجدها ممددة فوق السرير وهي ترتدي بيجامتها توليه ظهرها تدعي النوم على ما يبدو ...
+
تنهد بتعب ثم تقدم نحوها بتردد ...
+
خلع سترته ووضعها جانبا ثم بتردد تمدد جانبها يهمس إسمها بخفوت وعندما لم يجد جوابا منها وجد نفسه يحتويها من الخلف محاوطا جسدها بذراعيه ليتفاجئ بجسدها يهتز بين ذراعيه بعد ثواني ونشيج خافت منها جعله يهمس بأنفاس حارة :-
+
" هل تبكين يا توليب ...؟!"
+
إلتفت نحوه بوجهها الباكي ليسارع ويمسح عبراتها بأطراف أناملها يهمس لها بصوت مترجي :-
+
" لا تبكي أرجوك ... أنا آسف حبيبتي ... فقط لا تبكي ...."
+
سارعت تمسح عبراتها بأناملها وهي تردد :-
+
" أنت آلمتني ... كيف تتحدث عن الطلاق بهذه البساطة ...؟!"
+
إبتعدت عنه بنفور صدمه وهي تضيف :-
+
" هل طلاقنا عندك هينا إلى هذا الحد ...؟! "
+
" كيف تقولين هذا ..؟! بالطبع ليس هينا ... أنا لا أعلم أساسا كيف تحدثت هكذا ... تلك الكلمات خرجت مني دون أن أعي ..."
+
" هذا ليس مبررا ...."
+
قالتها بتجهم وهي تمسح وجهها مجددا تجاهد لكبت عبراتها ليقول برجاء :-
+
" أعتذر يا حبيبتي ... لم أرد إحزانك أبدا ...."
+
نهضت من فوق سريرها تخبره :-
+
" أنت لم تنتبه لنفسك كيف كنت تتحدث وكيف تأمرني ألا أعمل مجددا والأسوأ تهددني بالطلاق ..."
+
نهض من مكانه متجها نحوها يخبرها برجاء :-
+
" تصرفت بإنفعال .... تعرفين إنني أغضب بسرعة وعندما أغضب تصدر مني أفعالا غير محسوبة ...."
+
" هذا ليس مبررا يا إياس ..."
+
قالتها بوجوم ليسارع ويضمها نحو صدره يخبرها :-
+
" لا بأس يا حبيبتي ... سامحيني ... كنت غاضبا ولم أعِِ ما أقوله ...."
+
إبتعدت من بين ذراعيه تسأله :-
+
" ماذا عن المتجر ...؟! هل ما زلت رافضا عملي به ...؟!"
+
" توليب من فضلك ... إفهمي أسبابي أولا ... إسمعيني على الأقل ..."
+
قالها برجاء لتطالعه برفض فيضيف :-
+
" إسمعي أسبابي كما إنني لدي مقترح آخر ربما سيعجبك ..."
+
طالعته بشك ليجذبها من كفها ويجلس أمامه يخبرها بجدية :-
+
" سأقول ما لدي وأنتِ قرري بعدها ..."
+
ثم بدأ يتحدث وهي تستمع إليه حتى شعرت بمغص قوي في منطقة بطنها جعلها تحاوط بطنها بسرعة لينتبه هو لها فيسأل بحرص :-
+
" ماذا هناك يا توليب ...؟!"
+
تحاملت على نفسها وهي تخبره :-
+
" آلم في بطني ... سيذهب بعد قليل ..."
+
حاولت أن تبتسم لتطمئنه لكنها لم تستطع حيث الألم يزداد أكثر حتى إنطلقت صيحتها بإسمه ليسارع ويحملها بين ذراعيه متجها بها إلى المشفى ...
+
هناك تم نقلها إلى غرفة داخلية ومعها بعض الأطباء قبلما يخرج أحدهم بعد قليل يخبره :-
+
" للأسف وضع الحمل ليس جيدا ... يجب أن تجهضه بسرعة ..."
+
" أي حمل ...؟! هل هي حامل ...؟!"
+
" ألم تكن تعلم بحملها ...؟!"
+
سأل الطبيب مستغربا قبلما يضيف سريعا :-
+
" المدام حامل بشهر وبضعة أيام ولكن يجب أن تجهض الجنين حالا وإلا سيكون هناك خطر عليها ....!"
+
يتبع
+
الفصل الثامن والعشرون
( الجزء الثاني )
تفتح عينيها بصعوبة على صوته الهامس جانبها لتلتقي عينيها الضائعتين بعينيه المتلهفتين تماما فيهمس على الفور :-
" حبيبتي ... وأخيرا فتحتِ عينيكِ ..."
" إياس ...."
خرجت منها ضعيفة متقطعة ليسأل بحرص :-
" كيف تشعرين الآن ...؟! طمأنيني ..."
لم تكن واعية بما يكفي لإستيعاب حديثه فأخذت تسأل بنبرة ضائعة قليلا :-
" ماذا حدث يا إياس ...؟! أين أنا ..؟!"
" أنتِ معي ... إطمئني .."
قالها وكفه تلمس جانب وجهها بحذر عندما تأوهت بآلم جعله ينتفض خوفا عليها فيندفع إلى الخارج ينادي على الممرضة التي دخلت معه تفحصها وتطمئنه عليها بينما إستعادت توليب وعيها أخيرا لتجد نفسها بينه وبين الممرضة وكفه ممسكة بكفها بقوة وملامحها تترقب يقظتها بلهفة وخوف ظهرا في نبرة صوته وهو يتنهد براحة حالما إستعادت وعيها ويخبرها :-
" وأخيرا إستيقظت ... كنت سأموت من قلقي عليك ...."
" ماذا حدث يا إياس ..؟! لماذا أنا هنا ..؟!"
سألت بصوت ضعيف وملامحها مرهقة بشدة ليجذب كفها يقبله ببطأ وهو يخبرها :-
" لا تقلقي ... وعكة صحية بسيطة ...."
" إياس .. لا تكذب ... ماذا حدث ..؟!"
سألته مجددا رغم تعبها الشديد ليبعد خصلاتها جانبا وهو يهمس برفق :-
" صدقيني لا يوجد شيء ...."
قاطعه دخول والدتها بملامح مرتعبة يتبعها والدها بينما أشقاؤها بقوا في الخارج ...
إندفعت والدتها نحوها تعانقها وتطمئن عليها بينما جذبه عابد جانبا يسأله عن أحوالها فيشرح له إياس ما حدث بصوت خفيض ليتجه بعدها عابد نحو صغيرته يطمئن عليها ...
إضطر أياس أن يخبرها عما حدث بحضور والديها لتسأل توليب بحذر وملامح على وشك البكاء :-
" هل كنت حقا حاملا ...؟! كيف لم أنتبه ..؟!"
" لا بأس يا حبيبتي .. سيعوضك الله خيرا عنه ..."
قالتها والدتها وهي تربت على وجنتها برفق لتنفجر عينيها بالعبرات فتبكي بين ذراعي والدتها عندما دلفتا كلا من همسة وهالة لتطمئنان عليها ووقف راغب يطالعها من بعيد بقلب وجل قبلما يتحدث مع إياس بجانب والده مواسيا إياه ....
مر الوقت بطيئا ليصر إياس أن تبقى في المشفى حتى يطمئن عليها وعلى وضعها الصحي وفحوصاتها ...
أرادت والدتها البقاء لكنه رفض متمسكا ببقائه جانبها بشدة ...
غادرت عائلتها تدريجيا آخرهم والدتها التي رفضت أن تتركها حتى منتصف الليل ..
والدته رحلت قبلهم وهي ترجوه أن ينتبه على نفسه محاولة التهوين عليه فهي تدرك مدى لهفته وشوقه لهذا الطفل الذي خسره قبلما يدرك وجوده ....
إنفرد هو بها وهي التي غطت في نوم عميق ليأخذ مكانه على الكنبة المقابلة لها فيغفو رغما عنه قبلما يستيقظ على صوتها وهي تبكي بصوت خفيض للغاية حيث لا تصدر منها سوى همهمات رقيقة شعر بها من وسط نومه الخفيف ليسارع وينهض من مكانه متقدما نحوها هامسا بلوعة :-
" توليب حبيبتي ..."
جلس جانبها ولمس جسدها بكفه ليشعر به يهتز أسفل لمسته بينما تخفي هي وجهها عنه ..
" توليب أرجوكِ ..."
قالها وهو ينحني نحوها فأخفت وجهها بين أحضان مخدتها أكثر ليتراجع إلى الخلف لوهلة قبلما يندفع ويعانق جسدها بذراعيه يجذبها نحو صدره لترتفع شهقاتها الباكية وتنطلق بين ذراعيه في بكاء مرير على طفل لم تشعر بوجوده حتى فقدته ...!
شدد من عناقها وهو يكبح دموعه بصعوبة ....
لا يعرف علام يتألم ...؟! على طفله الذي خسره بسرعة غير مفهومة أم عليها ووجعها الذي يوجع روحه ....؟!
أدارها نحوه لتسارع وتخفي وجهها في صدره وهي ما زالت تبكي بضعف داخل أحضانه ..
تنهد بصعوبة ويده تربت فوق خصلاتها بينما يهمس بصلابة كاذبة :-
" لا بأس يا حبيبتي ... لا بأس .."
لا يعرف كم بقيت على حالها هذا بالضبط حتى هربت إلى النوم مجددا ليجد نفسه يعدل من وضعيتها ثم يحتضنها مجددا مبقيا إياه بين أحضانه قبلما يهرب للنوم معها هو الآخر ..
**
في اليوم التالي ....
تحسنت قليلا وبدأت تستعيد جزءا من هدوئها وثباتها خاصة بعدما رأت مدى قلق الجميع عليها وأولهم زوجها فإضطرت أن تتسلح بقوة كاذبة كي تطمئنهم قليلا عليها ...
تعلم كم المشاكل التي تحياها عائلاتها ناهيك عن مرض نغم الذي سقط كصدمة مدوية فوق رؤوس الجميع ومن ضمنهم هي لذا لا ينقصهم مرارة أخرى وألم جديد ....
كان الجميع يحاوطها بحرص ورعاية فائقة وزوجها جانبها يدعمها بكل ما يملك بينما تبتسم هي بضعف منطقي لحالتها المرهقة ...
أتى الجد مبكرا يزورها في سابقة بالنسبة له فهو لا يخرج من قصره إلا نادرا ولأسباب مهمة جدا آخرها كان زفافهما ليأتي اليوم ويطمئن على كنته المميزة والتي تمتلك مكانة خاصة لديه كما قال أمامها قبلما يطمئنها بتعويض قادم من الله يخفف عنها مصابها ....
توالت الزيارات بعدها حتى أتى موعد خروجها وهاهي تغادر المشفى مستندة على ذراع زوجها تجاورها والدتها من جانب وحماتها من الجانب الآخر ...
حماتها التي تعاملت معها كأم ثانية تحاوطها برعايتها ودعمها وتخفف عنها آلمها بصدق وهي تطمئنها بأن الله سيعوضها خيرا وإنهم جميعهم معها وجانبها ....!
لم تفهم حتى الآن ما حدث وكيف أجهضت قبلما تدرك حملها حتى لكنها تحاول تقبل ما حدث وهاهي تفترش سريرها ووالدتها جانبها تربت على كفها بحنو ودعم فتهبط برأسها فوق صدرها تغمض عينيها مستسلمة لدفئها الغير مشروط ..
" حبيبتي ..."
قالتها زهرة وهي تعانقها بذراعيها تضمها أكثر نحو صدرها بينما قالت ألفت :-
" سأطلب منهم تجهيز العشاء لها .."
أشارت بعينيها نحو ولدها الذي تحرك معها مرغما تاركا زوجته مع والدتها لتنفرد به والدته والتي وحدها تدرك مدى حزنه على خسارة طفل لم يعرف به حتى لتحاول التخفيف عنه بينما قررت أن تعد العشاء بنفسها لكنتها وهو يقابلها في جلسته على طاولة الطعام في منتصف المطبخ ..
" سيعوضكما الله خيرا عنه ... صدقني ..."
" باذن الله ...."
تمتم بها بملامح محبطة وهو الذي لم يعش حزنه على ولده حتى بسبب خوفه وقلقه على زوجته ...!
زوجته التي أدرك مجددا كم يخشى عليها من نسمة الهواء وكم يكويه وجعها ...!!
شعر بوالدته تجاوره في وقفته تربت على كتفه قبلما تحاوط جسده من الخلف بذراعيها فتهبط بجسدها تجاوره في وقفتها تخبره وهي تربت على موطن قلبه :-
" أعلم إنك تتألم وإنك كنت تنتظر هذا الخبر المفرح بشدة وإن فرحتك ضاعت قبلما تدركها ولكن ما يهم توليب وسلامتها وما حدث وارد مع الجميع ... الحمل الأول دائما مصحوب بالمشاكل ولا يكتمل عند الكثير من السيدات ...."
" ما يهم هو سلامة توليب ..."
قالها بنبرة مقتضبة متجاهلا تشنج جسده بسبب قربها محاولا عدم التأثر بهذا القرب قبلما يتحرك ناهضا من مكانه مغادرا المكان تطالعه والدته بملامح متألمة حزينة على حال ولدها ناهيك عن تباعده المستمر عنها والذي مهما حاولت تقليله تفشل في كل مرة ...
**
غادرت حماته أخيرا بعدما أطمئنت قليلا على صغيرتها التي تناولت عشائها ثم دوائها ونامت بسلام بعدها ...
منحته الكثير من الوصايا التي كررتها عليه مرارا وهي تؤكد عدة مرات بقدومها غدا مبكرا ....
إنفرد هو بها أخيرا حيث أخذ حماما دافئا كان يحتاجه بشدة ثم إتجه جانبها بعدما إرتدى ملابسه ليبتسم بحب وهو يراها تنام بملامح ما زال الإرهاق واضحا عليها وكفها مضموم أسفل خدها كطفلة صغيرة وشفتاها ممطوتتان بعبوس قبلما تتحول إبتسامة إلى أخرى متوجعة وهو يرى كفها الأخرى موضوعة فوق بطنها بشكل لا إرادي ...
تنهد بألم مكتوم قبلما يجذب الغطاء فوقهما سويا حيث قابلها في نومتها يتأمل ملامحها التي لا يعرف متى بات يعشقها لهذه الدرجة عن قرب قبلما يغرق في نومه هو الآخر غافلا عن ذلك الذي إقتحم الجناح بحذر قرب الفجر يراقب نومهما بتلك الوضعية بحقد يتنامى قبلما تتجه عيناه عليها تحديدا فيهمس بينه وبين نفسه وشحوب ملامحها لهذه الدرجة يؤلم روحه :-
" لا بأس ... هكذا أفضل ... أنتِ أنقى من أن تحملي طفه وهو أحقر من أن ينجب طفلا منك ... هو لا يستحق أما مثلك لأولاده وأنت تستحقين أبا أفضل لأولادك يا حبيبتي ..."
كانت مخاطرة كبيرة منه لكنه لم يستطع منع نفسه من رؤيتها والإطمئنان عليها حتى لو كلفه ذلك رؤية الآخر جانبها والذي سيضاعف ذلك من حقده ووعيده ....!
بالكاد تحرك مجبرا وداخله وعيد بأن هذا سينتهي لا محالة وسيأتي اليوم الذي تكون فيه بين ذراعيه هو...
بين ذراعي الرجل الذي يستحقها ....!
**
فتحت عينيها في الصباح التالي لتجده نائما جانبها بملامح أكثر استرخاءا عن اليوم السابق ...
تأملته لوهلة قبلما تلمس بكفها مكان رحمها فتشعر بالجرح حيا داخلها ....
تراكمت الدموع في عينيها لتقاومها بقوة وهي تعتدل في جلستها عندما شعر هو بها ففتح عينيه أخيرا لينتفض من مكانه سريعا يسألها بوجل :-
" حبيبتي كيف تشعرين اليوم ...؟! طمئنيني عنك ..؟!"
" أنا بخير ..."
همست بها بصوتها المبحوح قبلما تفشل في كبح عبراتها التي ملأت عينيها مجددا ليهمس بخفوت :-
" توليب ..."
تساقطت عبراتها وهي تضغط على شفتيها بقوة كي لا يظهر أنينها لتجده يميل نحوها ثم يجذبها نحو صدره دون مقدمات فتشهق باكية فوق صدره بينما يهمس هو بقلة حيلة :-
" حسنا حبيبتي ... لا بأس .. لا بأس يا توليب ... لا بأس يا حبيبتي .."
إبتعدت عنه بعد دقائق تمسح عبراتها بأناملها وهي تهمس معتذره :-
" أنا آسفة ..."
" علام تعتذرين لا أفهم ...؟!"
تمتم بها بعبوس قبلما يقبض على ذقنها يتأمل ملامحها الباكية فيخبرها بجدية :-
" توقفي عن إيلام نفسك يا توليب ... لقد حدث ما حدث ... إنه النصيب ..."
" لا أستطيع يا إياس .. كلما أفكر إنه ..."
توقفت لوهلة غير عاجزة عن النطق قبلما ترفع عينيها الحمراوين المحتقنين بالعبرات نحوه فتهمس بصوت خرج مبحوحا بشدة :-
" خسرته قبلما أعلم به ... أنا لم أفرح به حتى ...."
تساقطت عبراتها مع جملتها الثانية ليتنهد بصعوبة ثم يجذبها نحوه يخبرها :-
" ربما هكذا أفضل ... تذكري إنها إرادة الله ...الله الذي لم يرد أن يمنحنا أملا غير حقيقيا ... لا بأس ... سيعوضنا خيرا عنه ... صدقيني ..."
حاولت التماسك لتبتعد من بين أحضانه وهي تمسح وجهها بكفيها وتومأ برأسها :-
" بإذن الله يا إياس ... "
إبتسم بتروي لتخبره بصدق :-
" أشكرك حقا على ما فعلته معي ... تجاهلت ألمك ولم تفكر سوى بي وبألمي ..."
هتف ممازحا بعدما قرص أنفها بأنامله :-
" هذا واجبا يا زوجتنا المصون ..."
دون مقدمات وجدها تعانقه وهي تخبره بصدق :-
" أنا أحبك كثيرا يا إياس ..."
تنهد براحة وهو يشعر بها بين أحضانه بعدما حاوطها بذراعيه ليخبرها بصدق :-
" وأنا أعشقك يا قلب إياس .... "
أبعدها عنه بعدها وهو يحاوط وجهها بين كفيه يخبرها برجاء خالص :-
" فقط عديني ألا تبكي مجددا وتبتسمي كعادتك فأنا إشتقت لإبتسامتك حقا يا حبيبتي ..."
إبتسمت بضعف ليجذبها نحو صدره متنهدا بحرارة وهو يخبرها بجدية :-
" هل أخبرتك إن إبتسامك هذه قادرة أن تحييني من جديد بعد هلاكي وتبدد ظلام عالمي وتحوله لعالم مليء بالفرح والألوان ..."
طالعته بعينيها تسأله ببسمة شاحبة :-
" لهذه الدرجة يا إياس ...؟!"
" أنت تعرفين إنني لا أجيد الكذب ولا المجاملات .."
إبتسمت أكثر وهي تهز رأسها مؤكدة حديثه :-
" أعلم يا إياس ..."
تنهدت بعدها بقليل من الراحة فوجودها بين ذراعيه يخفف عنها كثيرا بينما همس هو لها :-
" فقط كوني بخير وأي شيء عدا ذلك ليس مهما ..."
وهو كان يعني ذلك فرغم كل شيء ورغم خسارته لصغيره تبقى هي إنتصاره الأعظم ...
تبقى هي الحب الذي وجده ليلقي بتعويذته فوق روحه ليلهمه الصواب ويزرع في قلبه الثبات ويظلل روحه بشمسها التي يشع نورها ودفئها في أرجاء روحه المعتمة فينيرها ويخفف من جمود تمكن منها لسنوات ....!
**
فتحت عينيها على صوته وهو يجري حديثا مع أحدهم يطلب منه تأجيل بعضا من مواعيده ...
إعتدلت في جلستها وهي تطالعه بصمت ولم يغب عنها إرهاقه فالبارحة كان يوما ثقيلا عليه إنشغل به بمرض شقيقته ناهيك عن عمله الذي يأخذ الكثير من وقته وبالطبع مشاكلهما التي لا تنتهي ....
وجدته يلقي بجسده فوق الكرسي خلفه متنهدا بتعب لتنفض الغطاء عنها وتنهض من مكانها متقدمة نحوه تسأله وهي تلمس جانب وجهه فيرفع عينيه المستغربين قربها منه بهذه الطريقة نحوها :-
" هل أنت بخير ...؟! تبدو مرهقا ..."
" ضغوطات العمل والحياة لا أكثر ...."
تمتم بها بنبرة مقتضبة وهو يبعد وجهه عن ملمس يدها لتنحني بجسدها نحوه تسأله بملامح عابسة :-
"أنت غاضب مني ...؟!"
" سأكون كاذبا إن قلت لا ...."
قالها بوجوم وهو يضيف بجدية :-
" لأول مرة أشعر بصدمة كالتي شعرتها أول البارحة ... لا أصدق كيف إستطعت أن تخفي عني ما حدث طوال هذه السنوات ..."
" ظننتك نسيت ..."
قالتها وهي تعتدل في وقفتها ليهدر بها :-
" إنشغلت بمصاب شقيقتي يا همسة لكنني لم أنسَ ..."
حاولت تلطيف الأجواء راغبة في تجاوز ما حدث وعدم التطرق له مجددا :-
" راغب أرجوك ...."
تنهدت وهي تطالع ملامحه القاتمة ليسأل بأنفاس متلاحقة :-
" هل هناك جديد لا أعرفه أو بالأحرى ماضي أجهله ...؟!"
توترت ملامحها بحيرة لكنها هزت رأسها نفيا وهي تردد :-
" لا ..."
ثم بتردد سارت نحوه تخبره وهي تبتسم ببراءة :-
" لا تغضب مني أكثر ... أرجوك ..."
أضافت سريعا :-
" ألم أغفر لك ما حدث في الحفلة وإرغامك لي على حضورها ...؟!"
صاح بها منفعلا :-
" لا تذكري هذا الأمر أمامي مجددا وسأقولها مرة أخرى أنا لست مسؤولا عما حدث .."
" حسنا حسنا ... أنا لا أقصد ..."
قالتها بسرعة متوترة وهي تضيف بسرعة :-
" فقط لا تغضب ..."
طالعها بطرف عينه لتبتسم بحنو وهي تكمل :-
" سأصالحك أنا هذه المرة ...."
" وكيف ستفعلين ...؟!"
تسائل بدهشة مفتعلة لتتحرك من مكانها وتتقدم نحوه تميل بثغرها وتطبع قبلة بطيئة على خده ليرفع حاجبه يتطلع إليها بينما تبتسم بهدوء فيخبرها ببرود :-
" لقد كبرنا على قبلات الخد يا همسة ... سيضحك المتزوجون حتما علينا لو عرفوا إلى أي درجة من البؤس قد وصلنا لدرجة أن نتبادل قبلات الخد كعربون للصلح بيننا ...."
تجهمت ملامحها وهي تقول :-
" كلا نحن لم نكبر ... ما زلنا شباب ..."
أشار لشعره وهو يردد :-
" والشيب في شعري ..."
ضحكت بنعومة وهي تخبره بعدما حاوطت رقبته بذراعيها :-
" كنت أمزح معك .. بالأحرى أردت إغضابك ... "
" ولم تنجحِِ في ذلك ..."
قالها بتفاخر لتعبس ملامحها وهي تخبره :-
" لأنك تدرك جيدا إنك وسيم وظهور الشيب لا يؤثر بك بل على العكس يزيدك جاذبية ..."
رفع حاجبه وهو يهتف بمكر :-
" هذه رأيك بي إذا ...؟!"
ردت وهي تهز كتفيها ببديهية :-
" هذا رأي الجميع يا راغب باشا أم إنك لا تدرك مدى إعجاب النساء بك وبوسامتك ورجولتك ...."
" لا أهتم يا همسة ... امرأة واحدة فقط تهمني وهي أنت ...."
إرتبكت كليا وإرتخت ذراعيها اللتين تحاوطان رقبته ...
أخذت عيناه تتفحصان تورد وجنتيها وهي تخبره عن قصد متجاهلة رغبتها بالهروب بخجل فطري نحته جانبا :-
" بالتأكيد رأيي لا يختلف عنهم فأنت وسيم و ..."
عضت على شفتيها بخجل ليرفع حاجبه مرددا :-
" وماذا أيضا ...؟! "
إبتلعت ريقها وهي تتمتم مضيفة :-
" يعني وسيم وجذاب وملامحك رجولية و ..."
شهقت بصدمة عندما وجدته يجذبها نحوه فوق قدميه لتهمس بعدم تصديق بوجنتين تحتقنان خجلا :-
" راغب أنت ...."
" صالحيني هيا بطريقة الكبار ..."
قالها بنبرة حادة لتضحك بعدم تصديق وهي تردد :-
" أنت غير معقول ..."
هتف بصوت آمر :-
" هيا يا همسة ..."
وبتردد رفعت وجهها نحوه لتقبله من شفتيه برقة تجاهلها ويده تقبض على شعرها من الخلف بينما شفتيه تتعمقان في تلك القبلة وأنامله تتخذ طريقها نحو حمالات منامتها ...!
**
غادرت غرفتها وهي تستمع لصوت صياحه الحانق ....
تأنيبه لشقيقه لأنه أخفى عليه تعب شقيقته وكذلك مرض زوجة شقيقه ...
سمعته يتحدث بعدها مع الشقيق الأكبر يؤنبه هو الآخر ..
حتى لو كان بعيدا عنهم فيجب أن يعلم بما يدور معهم ...
بلحظة تهور تشبهه أخبرهم إنه سيأتي فشقيقه يحتاج العائلة لولا راغب الذي هادنه وأقنعه أن يتوقف عن أفكاره المجنونة فالأمور عامة باتت أفضل ...!
كانت تراقبه بصمت وضميرها يؤنبها فهي سبب فراقه عن عائلته وإبتعاده عنهم ....
أنهى مكالمته بعدما نجح راغب بتهدئته قليلا ليجلس جانبها بملامح متكدرة وإن هدأت أعصابه ...
بتردد نطقت :-
" آسفة ..."
عقد حاجبيه يتسائل بدهشة :-
"" علام تعتذرين ...؟!"
تنهدت ثم قالت بآسف حقيقي :-
" بسببي أنت بعيد عنهم ولا يمكنك أن تكون جانبهم ...."
" توقفي عن هذا الهراء ..."
قالها بإنزعاج وهو يضيف بتروي بعدما أدرك إنه دون يقصد آلم إحساسها :-
" أنت لا شأن لك ... أنا كنت خارج البلاد قبل عودتك أيضا أم نسيت ..؟!"
" يمكننا العودة في الإجازة ونقل أوراقي بعدها إلى البلاد ..."
قالتها وهي تضيف بتردد :-
" يعني أنت لست مجبرا أن تقضي أربعة أعوام هنا لأجلي ..."
تنهد ثم قال بجدية :-
" لا تفكري بكل هذا يا جيلان ... وأنا بالفعل لست مجبرا ولم يجبرني أحدهم على بقائي هنا .."
طالعته بتردد قبلما تحسم أمرها وتخبره بهمس خفيض :-
" أخشى أن تمل من هذا الوضع و..."
توقفت غير قادرة أن تكمل المزيد ليكمل نيابة عنها :-
" وأتخلى عنك ... ؟! إطمئني يا جيلان .. هذا لن يحدث أبدا ...."
إبتسمت بضعف لا يليق بها ليكتشف إن هذه النسخة المسالمة منها لا تروقه بل هو يحب تلك النسخة المجنونة أكثر حتى وإن كانت على وشك أن تصيبه بنوبة قلبية لعدة مرات ....
وجد نفسه يخبرها بما يعتمل داخله وعلى ما يبدو بات يشببها بالتعبير عن دواخله دون حرج :-
" ثانيا توقفي عن دور الفتاة المسكينة فهو لا يليق بك ... لم أكن أعلم إن المرض لا يلائمك أبدا ... أين جيلان المجنونة التي كانت على وشك أن تصيبني بنوبة قلبية بسبب تصرفاتها المزعجة ...؟!"
ضحكت بقوة حتى أدمعت عينيها ليتفاجئ بها تنفجر في بكاء مرير بعد لحظات جعله يقف باهتا أمام حالتها هذه لا يعرف ماذا يفعل ...
" جيلان ..."
تمتم بها بنبرة عاجزة قبلما يقترب بجسده منها يحاول دعمها عندما وجد نفسه عاجزا عن إيجاد الطريقة الصحيحة للتصرف فقال بنبرة خرجت مترددة :-
" حسنا ، ماذا حدث ...؟! لماذا تبكين ...؟! ماذا يحدث معك يا جيلان ...؟! أخبريني .."
سارعت تتوقف عن البكاء بصعوبة قبلما تخبره من بين أنفاسها المتصاعدة :-
" هل حقا نغم ستموت ...؟! وطفلها ...؟! هل سيموت أيضا معها ...؟! "
بهتت ملامحه مجددا ليجد نفسه عاجزا عن صياغة جواب معين فهو وإن حاول راغب طمأنته إلا إن حديث فيصل قبله كان واضحا فحالة زوجة شقيقه متأخرة ونسبة نجاتها ضعيفة للغاية ...
طالع جيلان التي تنتظر إجابته بلهفة ليقبض على ذراعها ويجذب جسدها نحو صدره بينما كفه الأخرى أخذت تربت فوق شعرها الطويل ليخبرها بحرص :-
" إدعي لها وهي ستصبح بخير إن شاءالله ..."
ثم أغمض عينيه بقوة وداخله يدعو أن تحدث معجزة وتطيب نغم من دائها فشقيقه لا يستحق أن يحيا آلما كهذا والفتاة ما زالت شابة صغيرة تستحق هي الأخرى أن تحيا شبابها كما تتمنى ...
**
في اليوم التالي ...
بعد تحسن حالتها الصحية إقترح عليها مهند أن يفعلا شيئا في هذه الإجازة ليتفاجئ بها تطلب منه تعليمها السياقة فيوافق رغم دهشته بينما تشاكسه هي :-
" ستشتري لي سيارة حالما أتعلم السياقة جيدا ..."
" تعلميها وبعدها سأشتري لكِ السيارة التي تريدينها ..."
وكان جادا في حديثه فعلى الأقل سيتخلص من مهمة توصيلها ....
وهاهو بدأ يعلمها السياقة بينما هي تضع جل تركيزها معه كطالبة نجيبة تسعى لأن يمنحها أستاذها العلامة الكاملة في نهاية الإمتحان ...
شعرت بضجره وتململه في بعض الأحيان لتخبره بتردد محاولة تلطيف الأجواء :-
" حسنا لا تكن عديم الصبر .... إذا علمتني السياقة اليوم سأحررك مني ليومين .. "
طالعها متعجبا قبلما يسأل بعدم استيعاب :-
" كيف يعني ...؟!"
أخبرته وهي تعد على أصابعها :-
" تفرغ لي اليوم ولكَ يومين كاملين بدوني .... يومين بدوني يا مهند ... التخيل فقط يبدو منعش ...."
قالتها بنبرة محمسة جعلته يغرق في الضحك لا إراديا وهو يستوعب مساومتها الغير عادلة لتضحك هي بدورها مشاركة إياه ضحكاته فيهمس من بين ضحكاته :-
" أيتها المتلاعبة ... اليومين القادمين لدي عمل طويل أساسا ولن أتفرغ من العمل حتى المساء أما اليوم فهو إجازتي ..."
"أنا متلاعبة ولكن لا تتركني اليوم أرجوك ...."
قالتها وهي تقبض على كفه برجاء ليخبرها بجدية :-
" سأخرج مع أصدقائي مساءا يا جيلان ..."
" علمني السباحة أولا ...."
تمتمت بها ببراءة جعلت عينيه تتسعان كليا وهو يردد مدهوشا :-
" ماذا أفعل ...؟!"
" السباحة يا مهند .. سأذهب مع صديقتي للسباحة ..."
" في الشتاء ....؟!"
صاح غير مصدقا لتهمس :-
" في مسبح داخلي يا مهند .. هل قلت إنني سأذهب إلى الساحل ...؟!"
أضافت بتوسل وخطتها القديمة تعود إلى الواجهة بعدما إستعادت صحتها :-
" أرجوك يا مهند ... خجلت أن أخبرها إنني لا أجيد السباحة في عمري هذا ... أرجوك لا ترفض..."
لا يعرف لماذا لم يقتنع بحديثها لكنه لم يكن يريد خوض جدال بائس معها فوجد نفسه موافقا على طلبها مضطرا لتأجيل موعده مع أصدقائه ليعلمها السباحة في أحد النوادي القريبة بعدما حجز مسبحا خاصة لكليهما وهاهي ذهبت لترتدي ثوب سباحتها بينما هو ينتظرها هنا عند حوض السباحة ...!
تجمدت ملامحه وتخشب جسده بالكامل ...
الماكرة ... ماذا تريد أن تفعل ...؟! إلام تريد أن تصل ...؟!
ابتلع ريقه وهو يراها تتقدم نحوه بخطوات أنثوية مدروسة قبل أن تفك وشاحها المحيط بخصرها النحيل ليظهر ساقيها الرفيعين الجذابين بسمرتهما المحببة....
تأملها مرغما بدءا من ساقيها الرفيعين الظاهرين كاملا ثم ثوب السباحة المكون من قطعة كاملة بلونه الأصفر والذي بدا مهلكا عليها ..
عليه أن يعترف إنها المرة الأولى التي يعجبه بها اللون الأصفر الذي لطالما كان يكرهه دون سبب محدد ...
وجهها الفاتن والذي حرصت على ابراز فتنة ملامحه من خلال مساحيق التجميل التي وضعتها بشكل احترافي كعادتها منذ قدومها بينما كانتا شفتيها المطليتين باللون الأحمر الغامق مهلك لأي رجل كان ...
لمعت عيناها بمكر وهي ترى قوة تأثيرها عليه ....
هدفها سيتحقق لا محالة هذه المرة ...
عادت النمرة للواجهة مجددا بعد يومين سقطت بهما أسيرة للمرض اللعين ..!
أما هو فلعنها داخله ألف مرة ولعن نفسه أكثر لإنه وضع نفسه في هذا المأزق ...
تلك اللعينة تتحداه بوضوح ...
تعبث معه دون ضمير ....
كان يظن إنها عقلت قليلا لكن ما يبدو إنها عادت إلى جنونها الأثير ....!
وهو رجل .. رجل مهما حاول أن يتجاهل ولا يبالي سيبقى داخله رغبة بدائية تتحرك اتجاه أي أنثى تسعى لجذبه نحوها بكل الطرق ....
سارت نحوه أكثر حتى وقفت قباله وهي تسأله بوداعة خادعة :-
" هل نبدأ ...؟!"
تمتم وهو يبعد ناظره عن بشرة نحرها المكشوفة بوضوح أمامه :-
" نعم ..."
ثم سارع يلقي بجسده في حوض السباحة هاربا منها سريعا ....
ابتسمت بخفة وهي تتأمله يجول بجسده داخل حوض السباحة بسرعة كبيرة ذهابا وإيابا حتى توقف أخيرا في منتصف المياه ينظر لها مرددا :-
" ألن تنزلي ...؟!"
تمتمت وهي تهبط بجسدها فوق أرضية المكان ثم تمد ساقيها وسط المياه :-
" لا أريد .. أخشى ذلك ... "
أكملت :-
" ربما أتعلم في وقت آخر ..."
ظهر الانزعاج عليه مرددا :-
" أنا أجلت موعدي مع اصدقائي لأجل تدريبك يا جيلان ولست مستعدا أن أؤجل موعدا آخرا خاصة إن اليوم هو يوم عطلتي الوحيد ..."
قاطعته بتململ :-
" مللت مني بسرعة ..."
مسح على وجهه قائلا :-
" سأتقدم وأساعدك عندما تهبطين ..."
ثم تقدم نحوها سابحا حتى وصل إليها ليخبرها وهو يفتح ذراعيه :-
" اهبطي هيا ولا تخافي ... سوف أحاوطك بين ذراعي حالما تسقطين بجسدك داخل المياه ..."
ابتلعت ريقها بتردد خادع وهي تحرك شعرها الناعم الطويل جانبا قبل أن تقرر فعل ما أراده فتهبط بجسدها بتردد ليتلقفها بين ذراعيه فتشهق مصطنعة الذعر وهي تصيح :-
" سأغرق ..."
قال بسرعة :-
" لن تغرقي ... انا معك ...."
بدأت تبطئ من وتيرة أنفاسها المتسارعة وهي تخبره بينما تتشبث به عن قصد :-
" لا تتركني ... أبدا ..."
قال بجدية :-
" لن أفعل ..."
أخذت نفسا عميقا ثم وضعت كفها فوق صدره فشعرت بتشنج عضلاته لتخبره بنعومة :-
" هل تعلم إنني أصبحت أشعر بالأمان في وجودك يا مهند ...؟!"
لم يجبها حيث بقيت ملامحه جامدة لوهلة محاولا استيعاب ما تتفوه به ...
هي ماكرة وهو يعلم ولكنه يشعر بها صادقة الآن فيما قالته ولا يعرف لماذا يشعر بذلك ...؟!
بينما ابتسمت هي داخلها بانتصار خفي فهي أثرت به كما توقعت ولو يعلم إنها تعلمت السباحة منذ الصغر لأدرك كم هو أحمق وكم هي ماكرة ...!
" لنبدأ هيا ..."
قالتها بحماس وهي تهم بالحركة مدعية عدم المعرفة ليساعدها هو ويبدأ بتعلميها حركات بدائية ....
أغمضت عينيها وهي تشعر به يعدل من وضعيتها قبلما تفتحها مجددا فتجده شاردا بها وبملامحها التي توهجت بعاطفة غريبة غير مفهومة قبلما تتحرك أناملها بحذر وتلمس جانب فمه الذي تشنج بقوة تحت وطأة لمستها ...
" جيلان ...."
" نعم ..."
همست بها بصوت مبحوح ليهمس بدوره ببحة رجولية خاصة :-
" أنت تتلاعبين معي بشكل غير عادل ...."
" أنا ...."
همست بها بصوت رائق يصطنع الدهشة ليبتلع ريقه بوجل بينما تمسكت هي به فجأة مدعية الخوف من الغرق لتتضاعف نبضات قلبه وتشعر هي بذلك...
بمكر شديد تحركت بأناملها فوق صدره وتحديدا عند موضع قلبه تخبره بخفوت حار :-
" قلبك ينبض بعنف ...."
" جيلان..."
نطقها بحدة وقربها مهلك لأي رجل ومجددا هو يدرك إنه ليس بقديس ولن يكون ...
رفعت وجهها أمام وجهه تتحداه :-
" نعم يا مهند ..."
وثواني ووجدت نفسها مأخوذه بين ذراعيه تبادله قبلة جنونية تمكنت منها وأطاحت بها لتجد نفسها أسيرة له مقيدة بجسده الذي يتملكها بجنون ...!
إرتجف جسدها بقوة تحت وطأة لمسته وبخوف عذري تمكن منها دفعته بعد لحظات بكل قوة تملك ثم إندفعت وسط المياه خارج الحوض غير آبهة بكونه سيدرك كذبتها بشأن عدم إيجادها السباحة فهي تريد الهرب من تلك المشاعر الغير مفهومة التي إختلطت عليها أما هو فأخذ يمسح على وجهه بقوة غير مصدقا كم تلك المشاعر التي أشعلتها تلك الصغيرة الماكرة به قبلما يضرب المياه حوله بقوة ونرفزة ثم يصيح بأعلى صوته بغضب منه ومن نفسه التي ضعفت أمام قربها الذي كان وسيزال غير مشروع ...!
**
أغلقت أروى الكاميرا ثم جلست بجانب سرير نغم تخبرها بإبتسامة هادئة لا تظهر سوى لتلك التي باتت رفيقة قلبها الأبدية :-
" اليوم تبدين أفضل بكثير من البارحة ..."
" نعم ، أشعر نفسي أفضل بكثير ... الحمد لله ..."
تمتمت بها نغم بإبتسامة ناعمة وهي تضيف :-
" أخبريني عنكِ أنتِ يا أروى ... كيف تسير أموركِ ...؟!"
تنهدت أروى ثم قالت مقررة ألا تشغل بال نغم بأحزانها الأبدية :-
" أنا بخير حبيبتي ... إطمئني .."
أكملت متذكرة :-
" صحيح ، لم أكن أعلم إن قصتك مع دكتور راجي ثرية بالتفاصيل إلى هذا الحد ... "
ضحكت نغم مرددة :-
" هي كذلك بالفعل ... واقعيا التفاصيل كانت تخصني أكثر ... زواجي الأول ومحاولاتي الفاشلة لنسيانه ....."
ابتسمت أروى بينما تستمع لها ونغم تحدثها عن الحكاية من البداية ....
تلك الحكاية التي تعرفها بشكل مختصر دون التطرق للتفاصيل كاملة لكن نغم اليوم كانت تحيا في ذكرياتها مع حبها الأبدي فأخذت تحكي لها عن تفاصيل قصة حبها ...
تحكي حكاية عايشتها ولم تندم يوما عليها ...
كانت تارة تضحك وهي تتحدث وتارة تبكي وهي تسرد بعض الأحداث المؤثرة وأروى تستمع لها وتشاركها ضحكاتها وكذلك بكائها ...
" ابنتي ستعرف قصتي كاملة منكِ أنت أيضا .... ستخبريها بكل شيء ... هناك تفاصيل راجي نفسه لا يعلمها فأنا لا أستطيع البوح بها له .. "
في النهاية لم تتحمل أروى أكثر سماع حديثها عن الفراق بهذه الطريقة ....
إنفجرت باكية لتجذبها نغم نحوها تخفف عليها وهي تتماسك بقوة لا تعرف كيف باتت تمتلكها رغم ظروف مرضها العصيبة ...!
مسحت أروى عينيها بأطراف أناملها سريعا وهي تتمتم بأسف :-
" أنا آسفة ... أعتذر حقا ..."
هتفت نغم بجدية :-
" لا تعتذري ..."
أكملت ببسمة مرحة :-
" أعلم إن قصتي مؤثرة ..."
هتفت أروى بصوت متحشرج :-
" مؤثرة جدا ... "
أضافت بصدق :-
" قصة حبك ستبقى من أجمل القصص التي سمعتها بل وعايشت جزءا منها في حياتي ... "
" نعم ، هي كذلك ..."
قالتها نغم وهي تبتسم بعينين لامعتين لتقول أروى بشجن :-
" لم أكن أعتقد إنه ما زال في زمننا هذا حب صادق لهذا الحد وقوي لا يخفت مهما مرت السنوات عليه .."
" بلى ، ما زال هناك ... صحيح الزمان تغير وأغلب العلاقات باتت تعتمد على المصالح في وقتنا هذا ولكن رغم كل شيء لا بد أن تجدي الحب الصادق موجود عند البعض حتى لو القليل جدا .."
قالتها نغم بجدية لتهمس أروى بتردد :-
" هؤلاء الناس محظوظين للغاية من وجهة نظري ..."
أيدتها نغم :-
" بالطبع وأنا من ضمنهم ..."
ثم ضحكت تخبرها بمرح :-
" أنا محظوظة يا أروى لإنني عشت قصة حب كهذه مع رجل رائع ومثالي ... قوليها ولا تخجلي ..."
تنحنحت أروى بحرج عندما أضافت نغم :-
" الحب جميل في كافة حالاته يا أروى ... شعور الحب نفسه جميل ومختلف ...حتى الحب من طرف واحد جميل .."
سألتها اروى بعدم اقتناع :-
" كيف يكون شعورا جميلا والطرف الآخر لا يشاركنا به ...؟!"
قالت نغم بحكمة :-
" نحن عندما نحب لا نفكر في مشاعر الشخص الذي أحببناه ... نحن نقع في الحب دون تخطيط منا ... نكتشف هذه المشاعر داخلنا بشكل مفاجئ ... البعض منا تكون مشاعره متبادلة بالفعل والبعض الآخر تبقى مشاعره من طرفه هو فقط .. من وجهة نظري إن الحب الحقيقي شعور سامي حقا محظوظ من يجربه حتى لو لم يكن متبادلا ... الفكرة تكمن في تجربة هذا الشعور بعيدا عما سيؤول إليه في علاقتنا مع الطرف الآخر ..."
أضافت وهي تتأمل تغضن ملامح أروى :-
" ربما أتحدث بطريقة خيالية بحتة ... لكن هذه وجهة نظري ولولاها ما كنت لأحافظ على مشاعري اتجاه الرجل الوحيد الذي أحببته حتى بعد افتراقنا لسنوات ..."
نطقت أروى بتردد :-
" طالما إنك تعشقينه لهذا الحد ... لماذا لم تحاولِ بشأن علاجك ...؟!"
قاطعتها نغم بخفوت :-
" لو كان هناك احتمالية ولو صغيرة جدا إن العلاج سيفيدني ويمنحني سنوات أخرى كنت سأحاول وكثيرا أيضا لكن كلام الأطباء واضح جدا ...."
جاهدت أروى كي تمنع نفسها من البكاء بينما سيطر شعور الإختناق عليها كليا ...
منحتها ابتسامة مرتعشة لتهتف نغم بعد تنهيدة طويلة :-
" انا لست حزينة يا أروى ... يكفيني إنني سأقضي أيامي الأخيرة معه ... هذا ما كنت أتمناه طوال عمري ... أن أحيا معه حتى آخر أنفاسي ... وليس ذلك فقط بل أنا أحمل طفله داخلي .... ماذا سأريد أكثر من ذلك ...؟!"
نهضت أروى من مكانها تخبرها بتلعثم ورغبة ملحة بالبكاء سيطرت عليها :-
" يجب أن أغادر فلدي عمل مهم ..."
ثم تحركت على عجلة خارج الغرفة لتتفاجئ به في وجهها ما إن فتحت الباب ...
الرجل الذي كان محور حديثهما قبل ثواني ...
العشق الأول والأوحد لنغم ...
" أهلا دكتور .. تفضل .."
قالتها وهي تتحرك سريعا مغادرة الغرفة ليدلف راجي إلى الداخل فتقابله نغم بذات الإبتسامة التي تتسع لا إراديا حلما يطل عليها ....
قبض على كفيها وهو ينحني مقبلا جبينها ثم وجنتيها قبلما يهتف :-
" أتمنى ألا أكون قطعت حديثكما ..."
" كلا ، أروى كانت تغادر أساسا ..."
قالتها بجدية وهي تضيف بشرود :-
" أروى جميلة جدا يا راجي ووجودها يسعدني حقا ..."
ابتسم يخبرها بعفوية :-
" نعم ، ومن الواضح إنها كذلك تسعد بوجودك .... على الأقل تتخلى عن قناعها الواجم الذي ترتديه في وجه الجميع .."
ضحكت مرغمة ثم قالت بأسى خفي :-
" لا تلمها فما عايشته ليس سهلا أبدا ..."
لم يكن مهتما كثيرا بحديثها عن صديقتها التي لا يعرف عنها سوى القليل ... القليل جدا ...
لكنها كانت مصرة على وضعها في الصورة وهي تخبره عن قصد :-
" إنها جميلة ولطيفة ... لا عليك من وجهها الواجم وتصرفاتها في الفترة الأخيرة ... أروى فتاة رائعة .... حقا يا راجي ...؟! وكذلك هي أقرب صديقة لي ... لذا عندما أرحل ستعتني بها بدلا مني ..."
تجهمت ملامحه وهو يردد بثبات :-
" أنت ستكونين موجودة دائما وسوف تعتنين بها يا نغم ... توقفي من فضلك عن قول هذا ..."
تمتمت بجدية :-
" توقف أنت عن هذا ... أنت تدرك جيدا الواقع فلا تتهرب منه لأن الهرب لا يليق بك ولا يشبهك يا راجي ..."
أشاح وجهه بعيدا عنها بل نهض من المكان كله متوجها نحو النافذة يتطلع إلى الخارج منها وداخله يدرك صحة ما تقوله لكنه بالفعل يتعمد أن يهرب من حقيقة تتضح كل يوم أكثر ولأول مرة في حياته يهرب بهذا الشكل ...
" سيبقى لدي أمل يا نغم ... لن أيأس ..."
قالها بثبات وهو يضيف بصوت محتقن :-
" ربما تحدث معجزة .... لا أحد يعلم ..."
مدت كفيها تلمس بهما بطنها وهي تخبره بصدق :-
" ما يهم أن تتذكر دائما إنني رحلت وأنا سعيدة وراضية ...."
إلتفتت نحوها يرجوها بنبرته ونظراته :-
" ما يهم هو أن تحاربي لأجلي وأجل طفلنا القادم يا نغم ..."
" طفلتنا يا راجي ... ستكون فتاة ..."
قالتها بثقة ليبتسم بحنو قبلما يسأل :-
" وهل إخترت إسمها أم ..."
قاطعته بسرعة :-
" نعم إخترته ... سأسميها " حياة " ... حياة يا راجي ... فهي الحياة التي أراد الله أن يبثها داخلي ليمنحني هذا الشعور العظيم والذي تمنيته طويلا ... "
إبتسم دون رد بينما يقاوم عبرات عينيه بقسوة بينما إحتضنت هي بروز بطنها الضئيل بسعادة واهية ....!
**
في منزله عمه يجلس كرم يتحدث مع عمه بشأن المشروع الذي يجهز له ...
يستمع له عمه بإنصات وقد أعجبه ما يستمع له ...
إبن شقيقه الذي يتحدث عن مشروع جهز له بحماس مقررا إستخدام حصته من ميراث والده لإفتتاح شركة متخصصة في مجال دراسته بدلا من عمله في إحدى الشركات الكبرى وإكمال الدراسات العليا كما كان يخطط مسبقا ...
لم يغب عن عمه ذلك التغيير الكبير الذي طرأ عليه ...
ثقته بنفسه وهو يتحدث ...
ثباته وتركيزه الواضح بل ونبوغه الذي ينتبه له لأول مرة وهو يتحدث عن عوامل مبتكرة يسعى لتنفيذها وتعزيز مشروعه من خلالها ...
نبوغ وحماس ذكرانه لا إراديا بولده الغائب عن الصورة منذ عودته فلا يظهر سوى نادرا ....
ولده الذي يخشى عليه من نفسه أكثر من أي أحد ...
عاد بتركيزه مع إبن شقيقه حتى أتت زوجته تخبرهما إن العشاء جاهز ...
أراد كرم أن يعتذر لكن العم وزوجته رفضا ذلك بشدة ...
على طاولة الطعام جاور عمه من اليمين تقابله زوجته ينتظرون ظهور إبنة العم التي لم يرها منذ مجيئه وعلى ما يبدو إنها تتعمد التهرب منه ....
وأخيرا ظهرت ...
بفستان وردي قصير منفوش يليق بها وببشترها السمراء الناعمة ...
تخطو نحوهم بإرتباك لاحظه هو وكذلك والدتها ليبتسم بينه وبين نفسه عندما وصلت إليهم تهمس بنبرة متوترة :-
" أعتذر عن التأخير ... كان لدي دراسة ... مرحبا كرم ... كيف حالك ...؟!"
كانت تتحدث بصورة مندفعة دون توقف وعلى ما يبدو إنها تدربت طويلا لقول هذه الكلمات دون توقف
" أهلا حنين ... كيف حالك أنت ...؟!"
قالها وهو ينظر نحوها بتفحص أربكها لكنها أجابت بهدوء :-
" بخير ..."
ثم جلست بجانب والدتها قباله ليبدأ أربعتهم بتناول الطعام ....
بدأت الأحاديث الجانبية حول المائدة بينما تنصت هي لهم بصمت وداخلها تلعن نفسها للمرة التي لا تتذكر عددها فبسبب إعتراف أحمق ألقته في لحظة تهور تجلس مثل فأرة صغيرة قبالهم تستمع لهم دون كلمة واحدة تدعو ربها أن ينتهي العشاء سريعا وتعود وتنعزل عنهم في غرفتها ...
لم تنتبه في خضم أفكارها لمدى سخونة الحساء وهي تجذب ملعقة منه ترتشفها بسرعة لتشهق على الفور ثم تبدأ بالسعال ...
كان كرم أول من إنتفض من مكانه وقدم لها قدح ماء لتتناوله منه ..
نهض والدها وكذلك والدتها يحاوطانها بقلق حتى إبتلعت غصتها أخيرا وهي تهتف بأنفاس متقطعة :-
" أنا بخير ... لا تقلقا ..."
ثم نهضت تردد :-
" سأغسل يدي ووجهي فقط ..."
طالعتها والدتها وهي تغادر وأنظاره هو الآخر تتابعها عندما قال عمه :-
" خير ...!! عودا لتناول الطعام وهي ستأتي .."
" أنا شبعت ... "
قالها مبتسما قبلما يعتذر منسحبا لغسل يده ...
إنتظرها حتى تغادر من دوره المياة لينادي :-
" حنين ..."
تجمدت مكانها لوهلة قبلما تلتفت نحوه فتجده خلفها وعلى ما يبدو كان ينتظرها :-
" كرم ...!"
" هل أصبحت أفضل الآن ...؟!"
سألها وهو يتفحصها بذات النظرة المربكة لتومأ برأسها قبلما تقول بسرعة وهي تنوي الهرب :-
" نعم أفضل .. عن إذنك .."
ليباغتها قائلا :-
" لماذا تهربين ..؟!"
" أنا ....."
سألته مدعية الدهشة وملامحها التي سيطرت عليها دهشة طفولية أوشكت أن تجعله يضحك لكنه تماسك بقوة وهو يردد:-
" نعم ، تهربين ..."
ثم تسائل بمكر بات يجيده بدرجة إمتياز :-
" ممن تهربين ..؟!"
" ممن أهرب مثلا ...؟!"
رددتها سريعا كطفلة تريد الهرب من قبضته التي ستلتف حول عنقها حتى تمزقه ليهمس عن قصد :-
" تهربين مني يا حنين ...."
لوهلة أرادت أن تبكي من فرط التوتر لكنها تمسكت بثبات واهي وهي تعقد ساعديها أمام صدرها تهمس بذقن مرفوع :-
" ولمَ سأهرب منك مثلا ...؟!"
" لا أعلم .... "
قالها وهو يمط شفتيه مدعيا الجهل لتخبره بتروي :-
" أنا لا أهرب ... أنا فقط لدي دراسة ..."
" حقا ..؟!"
سألها بحاجب مرفوع لتهز رأسها مؤكدة حديثها :-
" نعم ، حقا ..."
تنهد ثم قال :-
" متى العودة لأمريكا إذا ..؟!"
" الأسبوع القادم ..."
قالتها بعدم تفكير ليبتسم بثبات وهو يرد :-
" جيد ، وأنا أنوي العودة الأسبوع القادم ... سنعود سويا إذا ...."
أضاف قبلما يمنحها الفرصة للرد حتى :-
" سأخبر عمي بأنني سأحجز لكِ تذكرة سفر معي ... حسنا ...؟!"
ثم تركها ورحل تطالعه بقلة حيلة عاجزة عن التصرف وداخلها ألف تساؤل عن سبب ما يفعله معها ....
بينما فوجئ هو بوالدتها في وجهه وكأنها كانت تنتظره تسأله دون تجميل :-
" ماذا تريد من إبنتي يا كرم ...؟!"
"خالة أحلام ، أنا لا أريد شيئا و ..."
قاطعته أحلام بثبات :-
" من فضلك يا كرم ... أنا أدرك جيدا ما يحدث حولي ... حنين ما زالت صغيرة وتتصرف بإندفاع ولكن أنت ..."
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
" أنت كبير وواعي ... بالطبع لن تنسى إنها إبنة عمك الصغيرة وحمايتها واجب عليك ..."
" بالطبع ..."
قالها بتأكيد لتخبره بذات الثبات :-
" مالذي تريده من حنين يا كرم ...؟! تحدث بوضوح معي كما أفعل أنا .... "
" صدقيني لا أريد شيئا سيئا ...."
" صدقني أنت إن ما تراه ليس سيئا قد يكون سيئا لها أكثر مما تتصور ..."
أضافت بجدية :-
" حنين صغيرة وبريئة ومشاعرها غير ثابتة ... لا تتلاعب بمشاعرها حتى لو دون قصد ... أنت خرجت لتوك من تجربة سيئة .. ما زال الوقت مبكرا على الدخول في تجربة جديدة غير محسوبة ... وحنين لا ذنب لها بتشتتك ..."
أوقفها بجدية :-
" أنت تبالغين يا زوجة عمي ..."
" ربما ..."
قالتها بإبتسامة بسيطة وهي تضيف بحزم :-
" ولكن الحذر واجب ... وها أنا أنبهك ... أنت بمثابة إبني يا كرم ... إبني الذي تهمني مصلحته .."
قاطعها بحزم :-
" من فضلك يا زوجة عمي ... أنت تضخمين الأمور وتعطيها أكبر من حجمها ... لا يوجد شيء مما تفكرين به ولن يكون ...لذا من فضلك توقفي عن حديثك الذي لا داعي له..."
قابلته بذات الحزم :-
" سأتوقف ... وأتمنى أن تكون صادقا في حديثك ... فقط عليك أن تعلم بأن إبنتي خط أحمر يا كرم غير مسموح لأي شخص كان المساس به ..."
ملامحها إنقلبت فجأة لأخرى حادة حازمة بشكل لم يره مسبقا بينما إندفعت هي مغادرة المكان يطالعها هو بملامح متجهة قبلما يبتسم بتهكم ليهز رأسه بسخرية وهو يتحرك بلا مبالاة ...!
**
كانت على وشك مغادرة القصر عندما وجدتها تطل أمامها بملامح سرعان ما تكدرت حالما رأتها في وجهها ...
" أهلا زمرد هانم ..."
تمتمت بها هالة بملامح تحمل سخرية مبطنة جعلت زمرد ترفع حاجبها وهي تردد :-
" أهلا هالة ..."
همت بالتحرك متجاهلة إياها بتعمد لكنها تراجعت وهي تخبرها عن قصد :-
" صحيح ، ما أخبارك بعدما حدث ...؟! أتمنى ألا تؤثر بك تلك الفضيحة التي تسببت بها أفنان ..؟! الفتاة مسكينة ولا تعي ما تقوله ...."
نبرتها المتشفية جعلت هالة تندفع بنبرة حادة :-
" كيف تجرؤين وتسألين عما حدث ...؟! ألا يكفي ما حدث معي بسببكم ...؟!"
" بسببنا ...؟! كلا عزيزتي ما حدث نتاج معرفتك بمرض الفتاة .... أخبرتني شهيرة بكل شيء ... أنت كنت تعلمين بشأن أدويتها .... وهي على أساس ذلك خمنت إنك سبب الإنفصال ..."
أضافت بشماتة مقصودة :-
" عامة ربما ما حدث هي تسوية من القدر ... "
" عفوا ..؟!"
هتفت بها هالة بعدم تصديق لتومأ زمرد برأسها مؤكدة حديثها وهي تضيف :-
" فأنتِ أذيتِ ولدي عدة مرات آخرها كانت عندما أخفيت سر أفنان الخطير عنه والنتيجة إنك أول شخص نال من جنونها الذي تحفظتِ عليه ..."
" لا أصدق إنك تشمتين بي ..."
صاحت بها هالة غير مصدقة لتهتف زمرد سريعا :-
" إستغفر الله ... أنا أقول الواقع ولا أشمت ..."
" لولا إنكِ في عمر والدتي لكنت ..."
أوقفتها بحزم :-
" لكنتِ ماذا ..؟! إلزمي حدودك يا إبنة الشامي .. لا تنسي نفسك ولا تنسي مع من تتحدثين ...؟! "
" أنتِ ...."
توقفت هالة لوهلة قبلما تهمس بتحدي :-
" أنا لا أنسى نفسي لكنكِ على ما يبدو التي تنسين دائما من أنا وما يمكنني فعله ..."
" ماذا تقصدين ...؟!"
سألت زمرد بملامح عابسة لتضحك هالة مصطنعة المرح بينما تخبرها زمرد بثقة :-
" توقفي عن الحديث بثقة ما عادت تليق بك ..."
" إياك يا هانم ..."
طالعتها زمرد بتحدي بينما
كانت هالة تتحدث بنبرة ثابتة حادة قليلا تضيف بهيمنة تمكنت منها :-
" لا تتحديني لأنك ستخسرين حتما ... لا تجعليني أفعل ما خشيت منه لسنوات .. "
أخفضت صوتها وهي تخبرها ببطأ متعمدا :-
" أنت ذكية بما يكفي لتدركي مدى تأثيري على ولدك ... وحيدك ... "
تراجعت خطوتين وهي تبتسم لها بسماجة جعلت الأخيرة تشتعل غيظا وحقدا ...
هي زمرد الهاشمي تتعرض لتهديد من واحدة لا تساوي شيئا ...
بينما شمخت هالة برأسها ومنحتها نظرة قوية تحمل وعيدا بشيء ما غير مفهوم لكنه خطير لتتحرك مغادرة المكان متجهة إلى المشفى بعد غياب لبضعة أيام مقررة تجاهل آية نظرات وحتى همهمات ستدور حولها حيث ستمضي في عملها لا مبالية فليست هي من ستسمح لأي شيء كان أن يكسرها مهما حدث ..
هناك إستقبلها زملاؤها ما بين مرحب ومتباعد لكنها لم تهتم حيث بدأت تعمل حتى قابلت باسم الذي قابلها بضحكة خبيثة وهو يتسائل بينما يتلاعب بحاجبيه :-
" أين الخاتم إذا ..؟!"
" عفوا ... أي خاتم ...؟!"
ضحك ساخرا وهو يردد :-
" أوه لا أصدق ... هل تراجع الباشا عن رغبته بالزواج بك أم إن حديثه كان مجرد كلام فارغ لحفظ ماء الوجه ...؟!"
" ماذا تقول أنت ...؟!"
إرتفع صوتها دون إدراك عندما تكلم هو بخبث مقصود :-
" أتحدث عما قاله إبن الوزير خاصتك بعد تلك الفضيحة التي كادت أن تصيبك نوبة قلبية بسببها ... هل نسيت بهذه السرعة ...؟! لا يعقل ... كانت فضيحة مدوية ... طوال الأيام السابقة كان الجميع يتحدث عنها ... وأنت إختفيت من الوسط ... ظن الجميع إنك مشغولة بخطبتك لكن ..."
توقف لوهلة يشملها بنظرة هازئة يخبرها بشماتة :-
" على ما يبدو إنه كان يبرر ليس إلا فليس من المعقول أن يتزوج بك بعد كل ما حدث ... لم يفعلها قبل سنوات وبالتأكيد لن يفعلها الآن ...."
كلماته السامة آلمتها أكثر من أي شيء ....
تشكلت العبرات في عينيها لكنها قاومتها بقوة وهي تقابل نظرات عينيه الهازئة بأخرى متحدية بإشتعال :-
" لن أرد عليك لأنك أقل وأرخص من الرد عليكِ ..."
هم برفع كفه عليها صارخا بها :-
" أيتها الحقيرة ..."
وقبلما تسقط كفه على وجهها كانت يد أخرى تقبض على كفه تهدر به بتحدي :-
" كيف تجرؤ وتحاول صفعها ...؟!"
تراجعت هالة إلى الخلف بصدمة بينما وقفت الأخرى تواجهه وهو يردد بحزم :-
" لا تتدخلي أنت يا عالية ... إنه أمر شخصي بيني وبين هالة و .."
" دكتورة عالية .... لا رفع للألقاب بيننا ..."
هدرت به بحزم قبلما تضيف بتحدي :-
" وما فعلته ستحاسب عليه ... ليس من الرجولة أن ترفع يدك على امرأة أيها الطبيب المحترم ...."
" لا أصدق ... أنتِ من تدافعين عنها ... منذ مجيئها لهنا وأنت ..."
أوقفته بنظرات حازمة :-
" لا تكمل ... إحترم نفسك وكف عن الثرثرة الفارغة ..."
أضافت وهي تنظر نحو هالة :-
" لا بأس يا دكتورة ... لا تحزني بسبب تصرفات أشباه الرجل ..."
إشتعلت عيناه بقوة وكان على وشك الرد عندما تدخل زميل آخر يسحبه من ذراعه بينما همست هالة بضياع :-
" أشكرك يا عالية ..."
هزت عالية رأسها بصمت بينما تحركت هالة مغادرة المكان وكلماته ما زالت تتردد داخل رأسها لا تصدق كيف تجرأ وتعامل معها بهذه الطريقة وتحدث معها بتلك الطريقة الحقيرة ...!
**
في قلبها ثورة ...
وفي عينيها رغبة بالفرار...
وبين ثورة قلبها ورغبات روحها تشتعل روح وتنطفئ أخرى ...
أمام أمواج البحر العالية في هذا الوقت من ديسمبر وقفت هي تتأمل موج البحر البعيد بعينين فاقدتين للحياة ....
ملامح تأبى الخضوع رغم الذل الذي تعرضت له والإهانة التي قتلت روحها مرارا...
في كل مرة كانت تنهض مجددا وهذه المرة ستنهض كذلك حتى وإن كان الثمن خراب أكبر يكسر قلبها ....
كم مرة عليها أن تتجاهل وكم مرة عليها أن تنسى ...؟!
حتى عندما يكون الظلم من نصيبها تجد البعض يحاربها ويستغل سقوطها ....!
زمرد هانم التي لم تكتفِ مما فعلته مسبقا فأتت لتهشم كبريائها الجريح حتى الرمق الأخير ....
وباسم ...!
ماذا فعلت ليحدث معها كل هذا ...؟!
هل تستحق هذا الكم من الآلم والعذاب ...؟!
تقدمت إلى الأمام غير مبالية ببرودة الجو ولا إرتفاع الأمواج ..
دخلت إلى موج البحر العريض سامحة للمياه الباردة أن تغلغل في حذائها المغلق وساقي بنطالها ...
لا تعرف متى توقفت حتى باتت المياه تحاوطها إلى حد ما ..
أغمضت عينيها متجاهلة تلك البرودة التي تلفها خاصة من الأسفل ...
نسمات الهواء الباردة في هذا الوقت المتأخر من النهار تلفح وجهها وشعرها الطليق ...
عقلها شارد في ملكوت آخر وكل إنش بها يتمنى الهروب ...
يشتهي الإختفاء خلف موج البحر الغريق ...
لم تكن تعلم إن هناك من أتى خلفها بالصدفة ورآها ....
أتى إلى مكانها السري والذي نال شرف معرفته يوما ما عندما كانا روحا واحدة ..
أتى بالصدفة للمكان الذي شهد الكثير من لحظاتهما سويا ....
فوجئ بها بهذه الحالة لينتفض قلبه داخل أضلعه ولسانه ينطلق بسرعة مناديا بإسمها ...
صوت ينادي عليها أيقظها من غفوة لحظية لتنتفض سريعا وموجة عالية كادت تطيح بها لولا تماسكها ...
إلتفت إلى الخلف لتراه أمامها ...
تلاقت عيناها الشاردتان بنظرة بعيدة بعينيه المترقبتين بإنفعال حاد ....
بدأت تستوعب ما يحدث فأخذت تتنفس بقوة قبلما تتحرك من بين الأمواج خارجة إليه كحورية أدركت إن إنتمائها إلى اليابسة مهما عشقت البحر ففقدت زعانفها وعادت لأرض الواقع الصلبة بعدما كادت أن تنسى واقعها المرير في عرض البحر ....
غادرت البحر بخطوات متعثرة لتسارع وتخلع حذائها ثم تحمله بكفها وهي تتقدم نحوه ..
" ماذا تفعل هنا...؟!"
سألت بأنفاس محتدة ليخبرها :-
" أتيت بالصدفة ... "
أضاف يسأل بوجوم :-
" ظننتكِ توقفت عن جنونك هذا ....؟!"
أسقطت الحذاء من كفها وقابلته في وقفتها ليظهر فرق الطول الواضح بينهما فتسأل بحرص :-
" هل سأربح شيئا إن توقفت عن جنوني ...؟!"
تنفس بقوة ثم قال برفض :-
" وجودك في عرض البحر في هذا الجو البارد ..."
أوقفته ببرود :-
" لا يهم ... ما يهم رغبتي ... شعرت برغبة في النزول إلى البحر وحققت هذه الرغبة ..."
" هالة ..."
هتف بها بصعوبة ثم قال مرغما :-
" ماذا حدث بينك وبين والدتي ...؟! هل أزعجتك بحديثها مجددا ...؟!"
" هي من أخبرتكَ إنها رأتني ...؟!"
سألت بحاجب مرفوع ليومأ برأسه دون مواربة فتظهر إبتسامة باردة على شفتيها وهي تخبره :-
" وهل أخبرتكِ عما قلته لها ...؟! "
تنفس ببطأ ثم أومأ برأسه دون حديث لتتسع بسمتها وهي تهتف ببرود :-
" لماذا أتيت ...؟!"
" أخبرتك إنني أتيت بالصدفة ..؟!"
تمتم بها بعبوس لترفع حاجبها بتحدي :-
" كاذب يا أثير ...."
إزداد تجهم ملامحه لتضع كفها فوق كتفه تخبره بثبات :-
" أتيت إلى هنا لمحاسبتي ... أم فقط لتعقبي ....؟!"
أزاح كفها من فوق كتفه يخبرها بجدية :-
" لا هذا ولا ذاك ... أتيت بالصدفة .... إعتدت أن آتي إلى هنا ... هكذا فقط .. "
طالعته بعدم إقتناع ليضيف بجدية :-
" أما عما قلته لأمي فهو لا يهمني ..."
" حقا ...؟!"
سألته بحاجب مرفوع قبلما تضيف بثبات :-
" عامة والدتك من بدأت كعادتها .... "
تنهدت ثم قالت :-
" وأنا رددت بالشكل الذي يلائمني .. ويحفظ لي كرامتي ..."
" وهل حديثك هذا ما سيحفظ لك كرامتك حقا ....؟!"
سألها بسخرية متعمدة لتخبره بخيبة :-
" كرامتي سحقتها والدتك منذ سنوات عندما رفضتني بكل قسوة ثم لم تكتفِ أنت بهذا فإخترت أن تعاقبني وتدمر حياتي وتسحق كرامتي مجددا ...."
إندفع يقبض على ذراعها يهدر بأنفاس متلاحقة :-
" آخر ما أردته هو سحق كرامتك يا هالة .... "
إندفعت تهدر بدورها :-
" مالذي تسمي ما حدث معي حتى اليوم ...؟! آخره ما فعلته معي تلك الحقيرة ... بسببك تدمرت حياتي وخسرت كرامتي وكبريائي لمرات ... "
" ما حدث مع أفنان كان رغما عني ولم يكن لي ذنب فيه ..."
قالها بجدية مبررا تصرفاتها لتصيح بتعب :-
" إذهب وأقنع الجميع بذلك ... أقنع موظفين المشفى جميعا ... أقنع كل من سمع ما قالته أفنان ناهيك عمن تناقلوا الحديث بينهم ... هيا إذهب وأقنعهم .. "
" فعلت ما بوسعي يا هالة .... أخبرتهم عن زواج مترقب بيننا كي أبرر ما فعلته تلك الحمقاء ... أعتقد هذا كان مبررا كافيا ومقنعا .. أليس كذلك ...؟!"
" كلا ، ليس كذلك ..."
قالتها بثبات ليهتف بحيرة تمكنت منه لأول مرة :-
" ماذا أفعل إذا ..؟! إياك أن تعتقدي إنني سعيد بما حدث معك .. أنا أفكر طوال الوقت بما تعرضتِ له بسببي ... لذا أخبريني مالذي أفعله وسأفعله ...
لم يغب عنه إشتعال عينيها لوهلة بنيران لحظية سرعان ما خمدت وهي تخبره بثبات :-
" هل ما زال عرضك قائما ...؟! هل ما زلت تريد الزواج مني ..؟!"
لوهلة ظنها تمزح لكنها بدت واثقة مما تقوله ...
إلتوى ثغره بإبتسامة باهتة وهو يردد :-
" وقتها كنت أعني ما أطلبه ..."
" لتنتقم من والدتك ...."
وقبلما يرد أوقفته مضيفة :-
" لا تهمني أسبابك ... أنت لديك أسبابك وأنا لدي أسبابي ..."
في قلبها ثورة ستحرق روحه وروح من حوله دون رحمة ...
في قلبها ثورة قد تحرقها هي قبل الجميع ..
" ماذا قلت يا أثير ...؟! هل ما زال عرضك قائما ....؟! "
سألته بعينين متحدتين ليسأل بثبات :-
" لماذا الآن يا هالة ..؟!"
ردت ببرود :-
" أسبابي تخصني مثلما تقبلت جزءا من أسبابك ..."
" ربما تغيرت أسبابي ...."
قالها ببرود لتخبره مرارغة :-
" يعني عرضك ما زال قائما ...؟!"
" إعتبريه كذلك ..."
والتحدي كان من نصيبه هو ..
يتحداها ويتحدى روحه الهائمة بها ...
" أخطبني من عني عابد إذا ...."
" وإذا رفضتِ ...."
" لن أرفض ... أمنحك كلمتي يا أثير .. سأقبل ...."
كانت صادقة إلى حد الجنون ...
الجنون الذي سيجمعهما سويا ثم يبتلعهما معا....
تقدمت نحوه خطوتين تخبره منهية حديثهما :-
" سأنتظرك ...."
ثم غادرت وهي تراهن نفسها إنه سيأتي ...
مو يوم ...
يومان ...
والثالث أتى في آخره ..
أتى ومعه والده الغير راضي عما يحدث بينما والدته لا علم لها بقراره وما يقدم عليه بعد ...
رحب بهما عابد بشدة وراغب على مضض بينما ظهرت هي بثوب لونه دخاني كلون عينيها ليسأل عابد وينتفض قلبه بجنون وترقب في ذات اللحظة :-
" هل تقبلين بأثير يا هالة ...؟!"
طالعته بإبتسامة مقتضبة قبلما تنظر لعابد تخبره بثبات :-
" إذا كنت أنت تقبل فأنا أقبل يا عمي ...."
موافقة مبطنة جعلت عابد يبتسم لها وهو يردد :-
" على بركة الله ... لنقرأ الفاتحة ..."
ثم بدأ الجميع يقرأ الفاتحة عندما نهضت تتلقى التهاني من الموجودين وهو كذلك ...
شقيقتها وخالتها وراغب والبقية حتى أتى دوريهما ...
" مبارك ..."
قالها ويده تقبض على يدها لتبتسم بثبات وهي تخبره بجزءا مما يعتمل داخلها :-
" مبارك لك ... هذه ليست زيجتك ... هذه نقطة البداية .. بداية نهايتك ...."
**
أغلقت توليب هاتفها وهي تبتسم بسعادة غير مصدقة ما حدث ...
وأخيرا إجتمع هذان الإثنان اللذان شهدت قصة حبهما منذ البداية ...
شعرت بزوجها يعانقها من الخلف وهو يهتف براحة مبدئية :-
" وأخيرا رأيتك تبتسمين يا توليب ..."
" لأنني سعيدة يا إياس ..."
طبع قبلة على رقبتها قبلما يديرها نحوه فتخبره بفرحة عارمة عن خطبة إبنة خالتها من إبن عمتها بعد قصة حب لم يكترث كثيرا بها وهو يعانقها سعيدا بتحسن نفسيتها وعودتها إلى حالها السابقة تدريجيا ...
أخبرها بجدية وهو يقف خلفها بينما تسرح شعرها إستعدادا لنزولها على العشاء :-
" حجزت لنا تذكرتين للسفر ليومين في إحدى القرى السياحية القريبة ..."
" حقا ...؟!"
هتفت بها بحماس قبلما تنهض من مكانها فيقبض على كفها ويغادر بها المكان متجها إلى الطابق السفلي حيث غرفة الطعام ليتجمد مكانه وهو يراها أمامه بجانب إبن عمه ...
كانت هي بشحمها ولحمها بعدما ظن إنه تخلص منها تجاور إبن عمه الذي يخبر جده بشيء ما بينما تبتسم هي له بظفر وكفها تنحدر نحو منطقة رحمها هنا حيث تكمن بذرته التي زرعها في رحمها ...
طفله الأول ..
حفيد العائلة المنتظر ....!
من فشلت زوجته أن تأتي به وهاهي تحمله داخلها ....!
يتبع
1