اخر الروايات

رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم سارة علي

رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم سارة علي 


                                    

هبط من سيارته متجها إلى داخل القصر متجاهلا صدمة والدته التي أدهشها قدومه في هذا الوقت من الصباح بتلك الملامح المخيفة والأنفاس اللاهثة بوضوح وكأن كان في سباق  ...


+



تجاهل أسئلتها الموجهة نحوه كليا وإندفع كالمجنون إلى الأعلى حيث جناحها تتبعه والدته وهي تنادي عليه بقلق ورعب شديدين والأفكار المخيفة سيطرت عليها ...


+



إندفع إلى داخل جناحها دون إستئذان لتنتفض من مكانها بفزع وهي التي كانت تتحدث مع صديقتها بشأن تحضير بعض الأوراق التي تخص دراستها خارج البلاد ...


+



سقط هاتفها بعدم إدراك بينما تملك الذعر منها وظهر بوضوح على ملامح وجهها وهي ترى حالته تلك ...


+



عيناه تطالعانها بنظرات مشتعلة بقوة بثت الرعب داخلها مع وعيد بشيء مجهول يطل من تلك اللعينين الحارقتين ...


+



وجهه متصلب بشدة وصدره يعلو ويهبط بقوة ..


+



لم تره يوما هكذا ... لم تره غاضبا بهذه الطريقة ...


+



لم يكن غاضبا فقط بل كان يحترق من شدة الغضب ...


+



" راغب ..."


+



صدح صوت زوجته التي تقدمت إلى الداخل متسائلة عما يحدث بعدما رأته وهو يندفع نحو جناح شقيقتها ...


+



بالكاد سيطر على أنفاسه الثائرة وهو يهدر بها وبوالدته الجزعة :-


+



" دعونا لوحدنا ..."


+



لم تتحمل زهرة ما يحدث فسارعت تقبض على ذراعه تسأل بنفاذ صبر والقلق ينهش روحها :-


+



" مالذي يحدث يا راغب ..؟! أريد أن أفهم ..."


+



إلتفت نحو والدته يهتف من بين أنفاسه المتصاعدة بحزم :-


+



" قلت غادروا ...."


+



تقدمت همسة سريعا نحو شقيقتها تمسكها من ذراعها تحاوطها بحمية :-


+



" لن أتركها لوحدها .. إنظر إلى نفسك يا راغب ... ماذا يحدث ...؟!"


+



تأمل زوجته بملامح جامدة تماما أرهبتها قبلما يتقدم نحو الأخرى يسحب ذراعها من قبضة كف شقيقتها بعنف أذهل همسة بينما  وضع هو الهاتف في كفّها يخبرها بنبرة آمرة :-


+



" إفتحيه ... بالتأكيد تدركين ما يوجد فيه ... "


+



صاح بعدها بشكل جعلها تنتفض في وقفتها :-


+



" تدركين أليس كذلك ...؟!"


+



فتحت الهاتف بأنامل مرتعشة لترى الفيديو الملعون أمامها ...


+




                

تساقطت عبراتها بغزارة بينما شقيقتها سحبت الهاتف من كفها ترى ما به لتشهق بعدم تصديق قبلما تنظر إليها وهي تصيح متسائلة :-


+



" ما هذا ..؟! أليس هذا أثير ..؟! مالذي تفعلينه معه ...؟!"


+



طالعتهم زهرة بدهشة بينما إسترسلت همسة تصيح بها :-


+



" تحدثي يا هالة .. مالذي بينك وبين أثير ...؟! ماذا يحدث هنا ..؟!"


+



صرخ راغب بها بصوت جهوري :-


+



" تحدثي هيا ...لماذا أنتِ صامتة ..؟!"


+



سارعت هالة تحتمي بشقيقتها التي بدورها ضمتها سريعا بعدما أفزعها صياح زوجها بينما هتفت زهرة وهي تدفع ولدها بعيدا :-


+



" إهدأ يا راغب ... الفتاة منهارة ... "


+



أضافت تتوسله :-


+



" إهدأ قليلا يا بني .."


+



" الهانم تصاحبه لسنوات ونحن لا نعلم ... تواعده من خلف ظهورنا .."


+



" مستحيل ..."


+



قالتها همسة وهي تشدد من عناقها ليصيح بزوجته :-


+



" كلا هذا صحيح ..."


+



أضاف يصيح بها :-


+



" هل كان طلاقك بسببه أيضا ..؟! أجيبي ..."


+



طالعت هالة شقيقتها بأنظار مرتعبة مترددة فسارعت همسة تهمس لها :-


+



" إهدئي يا هالة ... إهدئي حبيبتي ..."


+



جذبتها زهرة من ذراعها تخبرها برفق :-


+



" إهدئي يا صغيرتي ... "


+



أضافت وهي ترمق ولدها بصرامة :-


+



" على مهلك أنت يا راغب ..."


+



" يبدو إنكما لم تستوعبان ما قلته قبل ثواني .. الهانم كانت تواعد أثير سرا لأعوام ..."


+



قالها بغضب متفاقم وهو يضيف بأنفاس هادرة :-


+



"خذوا  الكبيرة أيضا .. هناك من أرسل لي هذا الفيديو وهددني به لأنه كما تبين لي فإن من تسبب بهذا الحادث لأثير هو طليق الهانم ... هل تدركون معنى ذلك ...؟! هناك فضيحة يا هوانم .. وهناك مصائب حدثت لا ندرك نحن عنها شيئا .. وهناك من يهددنا بسمعة الهانم التي تحتمي بكما وترفض التفوه بكلمة واحدة .. ترفض حتى أن نفهم ما يحدث ... نحن في مصيبة أنتم لا تدركون حجمها ..."


+



إبتعد عنهم متحركا بعصبية داخل الجناح بينما سألت همسة بجزع :-


+



" هل تطلقت من كرم بسبب أثير ..؟ هل هذا هو سبب طلاقك ...؟!"


+




        


          


                

" نعم هو السبب ..."


+



صاحت بها وهي تندفع من بين أحضان خالتها تسترسل بإنهيار وقد فقدت ثباتها كاملا في تلك اللحظة :-


+



" هددني ... بقي يهددني بما كان يجمعنا سابقا ..."


+



تساقطت دموعها بغزارة وهي تضيف بصوت باكي تحت أنظار ثلاثتهم التي تجمع بين الصدمة والترقب :-


+



" نعم كان هناك علاقة بيننا ... كنا نحب بعضنا و ..."


+



تحشرجت نبرتها وهي تضيف :-


+



" كنا سنتزوج كذلك .. كانت علاقة جدية ..."


+



إشتعلت عينا راغب فقالت سريعا وهي تطالعه بلهفة :-


+



" والله كنا سنتزوج ولكننا إنفصلنا قبلها .. تركته وأنهيت علاقتي به بسبب والدته ..."


+



اتسعت عينا زهرة بعدم استيعاب بينما شحبت ملامح همسة تماما أما راغب فتضاعف غضبه وهو يسأل بإنفعال مكتوم :-


+



" وعمتي كانت تعرف أيضا ..؟!"


+



سارعت تمسح عبراتها بعنف ثم أجابت بأنفاس لاهثة :-


+



" نعم كانت تعرف ورفضت تلك العلاقة ..."


+



عادت الدموع تملأ عينيها وأنفاسها تتصاعد رغما عنها :-


+



" رفضتني .. قالت إنها لا تريدني أبدا كما إنها هددتني ... قالت إنها ستخبركم بما يجمعني بولدها إن لم أتركه .. لم أستطع الإستمرار معه بعدما أهانتي بطريقة سيئة فتركته ...."


+



طالعتها همسة بوجع بينما همست زهرة بقهر :-


+



" يا إلهي .. أنا لا أصدق ..."


+



" أكملي ..."


+



قالها راغب بصوت صارم لتبتلع ريقها ثم تسترسل :-


+



" إنفصلنا نهائياً وبعدها بمدة طويلة أحببت كرم وخطبني منك وعندما علم أثير بذلك جن جنونه وقرر أن يتلاعب بي ويهددني ... لم يتركني وشأني ..."


+



أضافت بصوت باكي :-


+



" ونجح في ذلك .. تطلقنا أنا وكرم ..."


+



" مالذي فعله بالضبط ..؟! تحدثي دون أن تتجاهلي أي شيء مما حدث ..."


+



عادت تمسح وجهها بأناملها ثم تنهدت بصعوبة قبلما تقول :-


+



" في البداية هددني بكرم ... لم يكتفِ بذلك بل هددني بسجنه وبالفعل جعله يقضي يوما كاملا في السجن ثم أخرجه بعدما تبين إنه مجرد تشابه أسماء .. بقي يهددني ثم تقرب من شقيقته هايدي .. كان يستغلها ليبتزني من خلالها ... "


+




        

          


                

أخذت نفسا عميقا ثم قالت بنبرة بائسة :-


+



" وأنا حاولت إيقافه بكل قوتي ... وعندما نجحت في ذلك كان هذا الفيديو مع كرم .. أقسم لك إنه لم يحدث شيء في ذلك اليوم سوى إننا تحدثنا قبل سفره ... أردت فقط الإعتذار منك لإنني تركته مسبقا وآلمته ... رغم ما فعله بي شعرت بضرورة هذا الإعتذار .. أردت إغلاق تلك الصفحة بشكل نهائي ولكن هايدي رأتنا وصورت هذا الفيديو وأخبرت كرم عنه وبعد الزفاف تشاجرنا بسبب هذا وحدث ذلك الحادث وما تلا ذلك أنتم تعرفونه ..."


+



أضافت بصوت باكي :-


+



" كرم صار يكرهني ويرفض وجودي .. حاربني بكل الطرق وكذلك شقيقته ... حدث الكثير بيننا وفي النهاية طلقني ... "


+



إرتجف صوتها وهي تضيف :-


+



" طلقني وكأنني لا أساوي شيئا ... هو لم يرحمني أبدا .. "


+



هتفت بتوسل :-


+



" نعم أنا أخطأت عندما إرتبطت بأثير دون علمكم وأخطأت عندما لم أخبر كرم بتهديدات أثير ولكنني والله لم أكن أقصد ما فعلته .. أنا فقط أردت حماية كرم لإنني أكثر من يعلم شر أثير وجبروته وكيف يمكنه أن ينهيه ... والله هذه كانت نيتي يا راغب ..."


+



جلست همسة على السرير خلفها بتعب غير مصدقة ما تفوهت به شقيقتها بينما ما زالت زهرة تتابع هالة بأسى ولم تستطع ألا تشفق عليها ...


+



تحرك راغب نحو النافذة يقف قبالها بغضب لم يهدأ بل زاد أكثر بعدما سمعه ...


+



لا يصدق إن إبن عمته تجرأ وفعل كل هذا وإبتزها بتلك الطريقة ..


+



ألا يكفي إنه طعنهم في السابق وهو يواعدها سرا ..؟!


+



لا يصدق إن هالة فعلت كل ذلك من ورائهم ..؟!


+



كان غاضبا منهما بشدة ولكن شعوره نحو هالة لم يكن يحمل الغضب لوحده بل كان مليء بالخيبة ...


+



خيبته منها بعدما أدرك علاقتها السرية بأثير ..؟!


+



خيبته وهي تتصرف دون تفكير لوحدها بدلا من أن تلجأ إليه ليصل الحال بها إلى هنا وتخسر كل شيء والأسوأ إن هناك من يهدد بسمعتها ...؟!


+



إلتفت نحو ثلاثتهم يطالعهم بملامح متصلبة تماما قبلما يشير لوالدته وزوجته :-


+



" إتركاني معها من فضلكما فأنا بحاجة لمعرفة كل شيء بالتفصيل ..."


+



" أنا لن أتركها بهذا الوضع أبدا ..."


+



قالتها همسة بإباء وهي تتمسك بكفها ليصيح بها :-


+



" همسة ..."


+




        

          


                

نهضت من مكانها تطالعه بتحدي :-


+



" لن أترك شقيقتي لوحدها بهذه الحالة ومعك كذلك ..."


+



إشتعلت عيناه بقوة لتقول زهرة بهدوء :-


+



" إنها شقيقتها يا راغب ويحق لها أن تعرف كل شيء ..."


+



ثم تحركت تغادر المكان بعدها وقد تمكن الدوار منها بعدما سمعته ...


+



أما راغب فتقدم نحو هالة ودون حديث جذبها من ذراعيها وأجلسها على السرير ثم جلس قبالها بملامح متحفزة يخبرها بصوت آمر :-


+



" ستخبريني بكل شيء منذ البداية .. منذ بداية علاقتك بذلك الوغد حتى هذه اللحظة وبالتفصيل الممل .. وإياك أن تكذبي بشأن شيء أو تخفي أي شيء مهما كان صغيرا عني ..."


+



طالعت هالة شقيقتها بعينين زائغتين ليهدر راغب بصوت عنيف :-


+



" ماذا تنتظرين .. ؟! تحدثي ..."


+



**


+



أخبرته بكل شيء ...


+



قررت أن تفضح كل شيء عايشته ومرت به ...


+



لم يعد هناك داعي لإخفاء أي شيء مهما كان ..


+



ربما كان عليها أن تفعل ذلك منذ البداية...


+



ربما كان عليها أن تصارحه بكل شيء منذ أن بدأ أثير يهددها ...


+



أو ربما منذ أن هددتها زمرد ...


+



لقد أدركت مقدار خطأها منذ الفترة السابقة ...


+



لو صارحت راغب بكل شيء كان سيضع حدا للجميع وما كانت ستصل الأمور إلى هنا ..


+



والآن قررت أن تحكي كل شيء ....


+



أخبرته عن علاقتهما التي طالت لأعوام ...


+



عن حبهما الذي كان حقيقيا رغم كل شيء ...


+



عن رغبته بالزواج منها وصدقه معها ...


+



عن معرفة والدته بهذه العلاقة وما فعلته بها ...


+



أخبرته كيف أهانتها وجرحت كرامتها بكل قسوة ممكنة وكيف هددتها بأن تخبر عائلتها بما يجمع بينها وبين ولدها ...


+



لم تخفِ عنه أي شيء حدث وقتها ...


+



صارحته بما فعلته وكيف قررت تركه بعدما تعرضت للإهانة والتجريح ...


+



كيف نفذت كلام والدته ورحلت عنه ...


+



وكيف تعرفت على كرم وإرتبطت به ...


+




        

          


                

أخبرته كذلك إنها صارحت كرم بوجود شخص قبله في حياتها ...


+



إسترسلت في حديثها حتى وصلت إلى اللحظة التي خطبها فيها كرم ...


+



حدثته عما فعله أثير وكيف بدأ يهددها ثم كيف زجَّ كرم في السجن ليوم واحد كرسالة مبطنة بكونه يستطيع فعل ماهو أكثر من ذلك ..


+



كيف لم يرحهما حتى بعدما كشفت له سر إنفصالها عنه بل بقي متمسكا بما يريده ... 


+



كيف تلاعب بها وإبتزها أكثر من مرة وكيف إقترب من هايدي في سبيل بث الخوف داخلها...


+



لم تخفِ عنه شيئا مما عايشته أبدا حتى مواجهتها الأخيرة معه ثم قراره بالسفر المفاجئ وما تلا ذلك حيث يوم الزفاف ودهشتها بمعرفة كرم بعلاقتها به ثم تعنيفه لها في طريقهما إلى شقتهما ليقع ذلك الحادث الذي كاد أن يودي بحياة كليهما ...


+



كانت تبكي وهي تخبره عن معاملة كرم البشعة لها ...


+



كيف نفر منها وحاربها بكل الوسائل ...؟!


+



كيف تعمد أن يؤلمها طوال الوقت ...؟!


+



لم تنسَ أن تخبره عن حقارة شقيقته معها وعن كونها كانت وراء ذلك الفيديو بل اتهمتها ظلما بكونها كانت تعانقه وكيف بقيت تحرض شقيقها بل أهانتها بكل الطرق الممكنة وصفعتها ...


+



ولم تنسّ ما فعله كرم بها وكيف طردها في منتصف الليل بعدما ضربتها شقيقته ...


+



كانت تتحدث بلا وعي ...


+



تخبره وشقيقتها بكل شيء ...


+



وكأنها كانت بحاجة لمن يسألها كي تفرغ جميع ما في جبعتها أمامه ...


+



كي تحكي لأحدهم بشاعة ما عايشته الفترة السابقة ...!


+



إنهارت باكية بين ذراعي شقيقتها بعدما أنهت حديثها لتعانقها الأخيرة بسرعة وملامح صامدة رغم الدموع الحبيسة في مقلتيها ..


+



لا تصدق كم الأذى الذي عايشته شقيقتها الصغرى وكم تحملت الكثير ممن حولها ...!


+



كيف تحملت كل هذا ..؟!


+



لمَ لم تخبرها هي على الأقل ..؟!


+



كيف صبرت على هذا كله لوحدها ..؟!


+



تساقطت دموعها بغزارة بينما وقف راغب قبالهما يراقب كلتيهما بملامح متغضنة ...


+



يشعر بعجز شديد ولا يعرف كيف يفصل بين شعورين متضادين داخله ..


+



أحدهما يتألم بسبب ما عانته لاعنا غبائها الذي جعلها لا تلجأ إليه ليتصرف وينقذها من هذه الورطة التي دمرتها وشعور آخر ناقما عليها غاضبا منها ومجروحا فهي خذلته بحق ....!


+




        

          


                

رفعت هالة عينيها الباكيتين نحوه تهمس بنبرة موجوعة :-


+



" أعلم حجم خطئي يا راغب ... تصرفت بطيش وبقلة إحترام ..."


+



تضاعفت دموعها وهي تضيف :-


+



" لا يوجد لدي مبرر لخطئي في حقك بل حقكم جميعا .. أنا فقط آسفة ... لا يمكنني قول غير هذا ..."


+



ثم إنهارت باكية مجددا وشقيقتها تربت على ظهرها بمواساة ليهتف هو محتفظا بذات الملامح الصلبة :-


+



" أنت أخطأتِ في حق نفسك قبل الجميع يا هانم ..."


+



أضاف ببرود جعل زوجته ترمقه بنظرات حاقدة :-


+



" وها قد دفعتي ثمن خطئك غاليا ... "


+



إندفع بعدها مغادرا المكان صافقا الباب خلفه لتهتف بذات البكاء وهي تتشبث بكفي شقيقتها :-


+



" سامحيني أنتِ يا همسة ... أرجوكِ .."


+



" سامحتك حبيبتي ... لم أغضب منكِ أساسا .. أنتِ فقط إهدئي ... أرجوك ..."


+



هتفت بها بصوت باكي وهي تجذبها لأحضانها مجددا تجاهد لكتم عبراتها لتتحفز ملامحها بعد لحظات وهي تتذكر ما فعله راغب ..


+



لن تسمح له بأن يفعل هذا بشقيقتها أبدا ...


+



مهما كان خطأ هالة كبيرا ستدافع عنها بشراسة حتى لو إضطرت أن تقف في وجهه وتجابهه بكل قوتها فقط لأجل شقيقتها الوحيدة ..


+



أغلى ما لديها ..


+



**


+



في المشفى ...


+



يراقب والدته التي تدور حوله دون توقف تصر أن تعتني به بنفسها وتساعده في كل خطوة ...


+



يتذمر بصمت مما تفعله وإلتصاقها به منذ إفاقته به وإصرارها على معاملته بطريقة تشبه معاملة طفل صغير  ...


+



قالت زمرد بإبتسامة واسعة بعدما  قرأت محتوى البطاقة الموضوعة على باقة الورد الأنيقة :-


+



" هذه الباقة من نجلاء هانم يا أثير .. إتصلت بي قبل يومين تطمئن على وضعك وإعتذرت عن المجيء بسبب سفرها خارجا مع زوجها وإبنتها نارا ..."


+



أومأ أثير برأسه بعدم إهتمام قبلما تتلاقى نظراته بنظرات والده الذي ما زال يرمقه بذات النظرات الواجمة منذ حديثهما الأخير وغضبه الشديد بعدما علم بهوية الشخص الذي تسبب بهذه الحادثة له ومنذ حينها وهو يتوعد له بصمت منتظرا خروجه من المشفى ...!


+




        

          


                

" رغم إن نارا تلك كانت من طرف والدتك إلا إنها فتاة رائعة يا حاتم وتليق بأثير كثيرا .."


+



" مرة أفنان ومرة نارا ... ألا تفكرين بشيء سوى تزويجي من إحدى بنات عائلة عمران ..."


+



قالها أثير بسخرية لاذعة لتتجهم ملامحها بضيق بينما قال حاتم بصرامة :-


+



" أمر الزواج مؤجل في الوقت الحالي ولا تفتحيه مجددا يا زمرد ..."


+



" لماذا إن شاءالله ...؟!"


+



سألته زمرد بحنق ليرمقها بنظرة صارمة جعلت ملامحها تزداد تجهما لكنها إلتزمت الصمت عندما فوجئ ثلاثتهم بإندفاع راغب إلى الداخل دون إستئذان ..


+



نهضت زمرد سريعا تنوي الترحيب بينما قال حاتم وهو ينهض بدوره :-


+



" أهلاً يا راغب ..."


+



تلاقت عينا راغب بعيني أثير الذي إستند على الطاولة جانبه وهو ينهض من فوق السرير يطالعه بترقب ولم يغب عنه تلك النظرات الحادة المتوعدة التي رآها في عينيه ...



+



وفي لمح البصر كان راغب ينقض عليه بوحشية مهيبة لا تشبهه  يلكمه على وجهه بقوة شديدة غير مباليا بوضعه الصحي حتى ولا وجود والديه حوله ...


+



صرخت زمرد وهي تركض سريعا نحو ابن شقيقها غير مصدقة ما يفعله بينما قبض راغب على فكه يعتصره بأنامله يهدر به :-


+



" هذه اللكمة بسبب خداعك لنا ومواعدتك إبنتنا سرا من ورائنا وعدم أحترامك لحرمة البيت والعائلة التي لطالما إعتبرتك فردا منها ..."


+



لكمه مجددا بشكل جعل الدماء تنفجر من وجهه  وهو يهدر بقسوة بعدما دفعه بعيدا :-


+



" وهذه لأجل إبتزازك لهالة وتهديدك لها وكأنها وحيدة لا عائلة لها تحتمي بها وتقف في ظهرها .."


+



" مالذي تفعله ...؟! هل جننت ...؟!"


+



صاحت زمرد وهي تقف قباله و تحمي إبنها خلفها بينما هتف حاتم سريعا وهو يطالع ولده بقلق جارف :-


+



" دعنا نتفاهم يا راغب ..."


+



صاح بحده وأنظاره الحارقة ما زالت متسمرة على ذلك الذي كان يبعد والدته عنه بصعوبة :-


+



" لا تفاهم مع هذا الوغد ..."


+



أضاف وهو يشير إليه بحزم :-


+



" من الآن فصاعدا لا أريد رؤية وجهك أمامي ... قصر العائلة لن تدخله  مهما حدث ... من الإن فصاعدا لا مكان لك بيننا فأنت لست مؤتمن ولا يمكن الوثوق بك أبدا ..."


+




        

          


                

" مالذي تقوله يا راغب ...؟! أنت حتما جننت ...!!"


+



صاحت زمرد منفعلة ليهدر راغب بعصبية :-


+



" أنت بالذات لا تتحدثي يا عمتي ... إحتراما لفرق السن ولكونكِ عمتي فأنا لن أفعل شيئا ولكن ...."


+



توقف لوهلة قبلما يهدر بقوة وثبات :-


+



" ما فعلتهِ بهالة في الماضي لن أتجاهله أبدا فأنا عرفت كل شيء ..."


+



طالع ملامحها المرتبكة بتهكم قبلما يضيف بهيمنة :-


+



" أنت لم تهينِ هالة وحدها بل أهنتني أنا شخصيا ... ما فعلته بهالة التي لطالما كانت بمثابة إبنتي لن أغفره أبدا ..."


+



ظهر الرجاء في عينيها بعدما أدركت إن كل شيء بات مكشوفا لينهي حديثه :-


+



" للأسف لا أستطيع منعك من دخول القصر كولدك ففي النهاية هذا كان قصر والديك كذلك ولكن من الآن فصاعدا لن يجمعني بك حتى السلام ... أنا وزوجتي وأولادي لا يجمعنا بك أي رابط يا زمرد هانم ..."


+



قبضت على ذراعه تترجاه :-


+



" إهدأ يا راغب ... أنت لا تعي ما تقوله ... أنا عمتك الوحيدة ... أنت تعلم كم أحبك ..."


+



جذب ذراعه بعيدا عن قبضتها وهو يخبرها ببرود :-


+



" وهالة إبنتي التي لم أنجبها ومن يهينها ويجرح كرامتها يغادر حياتي دون رجعة .... "


+



" لنتحدث لوحدنا يا راغب ..."


+



قالها أثير وهو يهم بالتقدم نحوه ليصيح به بصوت هادر :-


+



" أنت إخرس ولا تفتح فمك بكلمة واحدة ..."


+



أكمل بصرامة :-


+



" كلامي كان واضحا ... لأجل خاطر والدي ووالدك الذي أحترمه كثيرا سأكتفي بنحيك بعيدا عن عائلتي بينما لو كان بيدي لأرجعتك مجددا إلى غرفة العناية التي كنت تمكث بها قبل أيام ..."


+



" تحاسبنا نحن لأجل الهانم التي خدعتكم جميعا وصاحبت ولدي سرا ..."


+



صاحت بها زمرد رافضة ما تتعرض له هي وولدها ليصيح حاتم بها بنبرة محذرة تجاهلتها بتعنت فيقول راغب الذي وقف قبالها بتحدي :-


+



" أخطأت .. وخطأها كان كبيرا وستنال عقابها ... مثل إبنك تماما ..."


+



أضاف وهو يتجه ببصره نحو أثير :-


+



" ولكن هناك فرق كبير بين خطأها وخطأ ولدك .. هالة أخطأت في الماضي كولدك تماما ولكن ولدك لم يكتفِ بما فعله في الماضي وبدلا من أن يصحح خطأه ويخجل من نفسه كلما يتذكر خداعه لنا إختار أن يبقى على أفعاله الحقيرة فبقي يهددها ويبتزها لدرجة إنه سجن خطيبها ليوم وتلاعب بشقيقته وغير ذلك من أفعال قذرة لا تصدر عن رجل محترم ... "


+




        

          


                

طالعه بإشمئزاز :-


+



" أفعال لا تمت للرجولة بصلة ... "


+



عاد ينظر نحوها :-


+



" ما مبررك لهذا يا زمرد هانم ...؟! "


+



أضاف يصيح :-


+



" إبنك بدلا من أن يحاسبك أنت بعدما تسببتِ بترك هالة له قرر أن ينتقم منها هي ويعاقبها وكأنها لا يحق لها أن تحافظ على كرامتها وكبريائها اللذين هدرا على يديك ...."


+



إلتفت نحو حاتم يسأله :-


+



" ما رأيك أنت يا عمي ...؟! هل تراني أبالغ كزوجتك ...؟!"


+



" كلا ..."


+



قالها حاتم بهدوء وهو يضيف :-


+



" للأسف معك كل الحق يا بني ..."


+



أضاف وهو ينظر نحو إبنه بأسف :-


+



" منذ أن علمت بما حدث وأنا لست راضيا عن كل هذا حتى إنني قررت التدخل بنفسي لحل المشاكل التي حدثت ..."


+



" الشيء الوحيد الذي أريده منك هو ألا أرى ولدك مجددا وأن يبتعد تمام عن هالة وإلا ..."


+



عاد ببصره نحو أثير يضيف ونظراته المشتعلة تشي بمقدار ما يحمله داخله :-


+



" هذه المرة سأقتلك يا أثير .. ولن أتردد في فعل هذا ... من الآن فصاعدا هالة لم تعد وحيدة .. أصبحت أعلم كل شيء وسأكون خلفها وأنت تدرك جيدا معنى هذا ... "


+



إندفع بعدها يغادر المكان يتبعه حاتم الذي نادى عليه فتوقف مكانه مرغما تقديرا لهذا الرجل الذي يحترمه كثيرا ...


+



" أنا أقدر جيدا ما تشعر به حاليا  ... لكننا نحتاج أن نتحدث لاحقا عندما تهدأ قليلا ..."


+



هتف راغب بتهكم :-


+



" لا أعتقد إنني سأهدأ في وقت قريب يا عمي ..."


+



ربت حاتم على ذراعه يخبره بهدوء :-


+



" لا بأس .. كلاهما أخطأ وولدي خطأه مضاعف لكن ..."


+



توقف قليلا قبلما يهتف بجدية :-


+



" نحن نبقى عائلة واحدة مهما حدث ... هذه الغيمة السوداء الذي حلت فوق رؤوسنا لا بد أن تختفي ويعود كل شيء إلى نصابه مجددا حتى لو بعد حين ..."


+



ربت راغب فوق ذراعه مرددا :-


+



" عن إذنك يا عمي .. "


+



ثم غادر سريعا ليندفع حاتم إلى الداخل فيجد والده يحاول جذب ملابسه ليرتديها ويغادر المكان بينما زوجته تمنعه ...


+




        

          


                

إستدارت زمرد ما إن رأت زوجها يتقدم إلى الداخل لتصيح غاضبة :-


+



" هل رأيت ما حدث بسبب تلك الحرباء ...؟!"


+



" مجددا يا زمرد .. مجددا ... لا فائدة منك ... لا فائدة ..."


+



هدر بها غاضبا لتهتف بحقد وكراهية لا تنضب :-


+



" بسببها ابن شقيقي قاطعني ..."


+



" بل بسبب أفعالك وأفعال ولدك يا هانم ..."


+



صاح بها بقوة بينما هتف أثير بإقرار :-


+



" يجب أن أغادر من هنا حالا ..."


+



قال حاتم ساخرا :-


+



" دعنا نعالج إصابة وجهك الجديدة أولا يا بك ثم نفكر في أمر خروجك ..."


+



" هل أعجبك حقا ما حدث يا أبي ..؟!"


+



سأله أثير بأنفاس متصاعدة وهو يطالعه بعينين متقدتين ليسأله والده ببرود :-


+



" هل تلومه حقا يا حبيب أبيك ...؟!"


+



نطقت زمرد بعنفوان :-


+



" مهما حدث لا يمكنه ضربه ولا التحدث معه هكذا ... كان من الأفضل أن يؤدب إبنة خالته الغير محترمة ..."


+



" لا تتحدثي عن الفتاة بهذه الطريقة ..."


+



صاح بها حاتم محذرا قبلما يكرر سؤاله الموجه إلى ولده :-


+



" أجبني يا أثير ... هل تلومه على ما فعله ...؟! ماذا لو كنت مكانه وحدث ما حدث مع شقيقتك سولاف ..؟! هل كنت ستتصرف بتلك الطريقة ...؟!"


+



أجاب أثير بغضب مكتوم :-


+



" كلا ، كنت سأفعل ما هو أسوأ من ذلك ...."


+



" جيد إنك تدرك ذلك وتعترف به ..."


+



قالها وهو يضيف بحزم :-


+



" بسببك علاقتي مع عائلتي تدمرت ...."


+



" هل هذا ما تفكر به حاليا يا حاتم ..؟!"


+



سألته زمرد بذهول ليصيح بها بنزق :-


+



" بمَ سأفكر إذا ..؟! بك وبولدك المصون الذي أوصلنا إلى هنا وأوصل نفسه إلى هذا الحال راقدا في المشفى بسبب تعرضه لحادث مميت ..."


+



" هذا الحادث بسبب هالة إذا ...؟!"


+



تسائلت وقد إستوعبت أخيرا كل شيء ليهتف حاتم بسخط :-


+




        

          


                

" بل بسبب أفعال إبنك الحقيرة الغير لائقة ..."


+



" يكفي ..."


+



هدر بها أثير وهو يضيف بتعنت :-


+



" ربما أخطأت من وجهة نظركم لكنني كان لدي أسبابي ... الجميع تلاعب بي .. ماذا كنتم تنتظرون مني ...؟!"


+



" الفتاة تطلقت من زوجها بسببك ....حياتها كاملة تدمرت ..."


+



صرخ حاتم به بملامح نارية ليصرخ بدوره بصوت أعلى :-


+



" فلتذهب إلى الجحيم ..."


+



طالعه حاتم بعدم إستيعاب قبلما يضحك ساخرا وهو يردد :-


+



" الآن لتذهب إلى الجحيم ولكن سابقا عندما كنت تركض خلفها بإستمرار  وتحاول إفشال زيجتها لتعد إليك كان الأمر مختلف  ..."


+



" كان إنتقام ....  أردت الإنتقام منها ... و لم أكن أريد عودتها إلي ... أردت تدمير سعادتها فقط .." 


+



نطقها بملامح باردة وهو يضيف بعنفوان :-


+



" هي تستحق ما عايشته ... تستحق هذا الألم ... تستحق أن تتدمر حياتها ... "


+



إنقض والده عليه يهدر بغضب مخيف :-


+



" من تظن نفسك يا ولد ..؟! هل تظن نفسك حاكم الكون والجميع عبيد لك ..."


+



" إتركه يا حاتم ..."


+



قالتها زمرد وهي تحاول إبعاده عن ولده بينما أثير يطالعه بملامح ثابتة ونظرات متحدية ليدفعه والده أخيرا وهو يصيح به بوعيد :-


+



" قسما بربي إن لم تلتزم بما سأقوله وأفعله فإنني سأتبرأ منك يا أثير وسأطردك من القصر والشركات وأجعلك نزيل الشوارع بلا دينار واحد حتى وأرني مالذي ستفعله حينها وكيف ستحيا بدون أموالي وتتتجبر على الناس بدون إسمي..."


+



مسح أثير جانب وجهه بأنامله وهو يهتف ببرود :-


+



" إطمئن يا باشا ... سأفعل ما تأمر به ليس خوفا منك بل لأنني لم أعد أهتم بأي شيء ... فليذهب كل شيء إلى الجحيم ..."


+



" ألا تهتم حقا بتلك المشكلة التي حدثت بينك وبين عائلة خالك ...؟! بعلاقتك التي تدمرت بهم ..؟! بسقوطك من نظر راغب ورفضه لوجودك في حياتهم لإنك شخص غير موثوق به  ...؟! ألا تهتم بموقف خالك عندما يدرك ما كنت تفعله وهو الذي يعتبرك واحدا من أبنائه ...؟!" 


+



إبتلع أثير غصته داخله  مشيحا وجهه جانبا بينما همست زمرد بضعف :-


+



" يا إلهي .. ماذا سيحدث لو عابد الآخر عرف كل شيء ...؟!" 


+




        

          


                

" سيعرف فراغب لن يخفي عن والده أي شيء ويجعله في موقف الرجل الذي لا يدرك ما يجرى مع أهله كما فعل ولدك معه ..."


+



قالها بتهكم وهو يشير لولده :-


+



" أنا لن أسمح بأن تتدمر علاقتي مع إبن عمي بسببك يا باشا ... هل فهمت ...؟! طوال حياتنا لم يحدث بيننا خلاف من أي نوع ... دائما كنا عائلة واحدة تجمعنا علاقة متينة يحسدنا الجميع عليها لتأتي أنت وتدمر كل هذا بسبب مشاعر حمقاء وإنتقام أعمى ..."


+



" وماذا عن التي شاركته بكل هذا ..؟! ألم تساهم بما حدث ..؟!" 


+



سألته زمرد بخفة ليهتف حاتم :-


+



" نالت عقابها مضاعفا ... تطلقت من زوجها يا هانم ... حياتها تدمرت ... ماذا تريدين أكثر ...؟! هل نجلدها ألف جلدة كي يشفى غليلك ...؟!"


+



وجمت ملامحها والتزمت الصمت ليصيح حاتم بها :-


+



" إتقي ربك يا زمرد فأنت لديك إبنة ما زالت في بداية شبابها ..."


+



" لا تقارن إبنتي بها ولا بغيرها يا عابد ..."


+



صاحت به معترضة ليصيح بنبرة جعلتها تنتفض خوفا :-


+



" لا ترفعي صوتك في وجهي يا هانم ..."


+



أضاف متعمدا :-


+



" لنرى كيف ستواجهين شقيقك الأكبر والذي تقدرينه وتحبينه للغاية بعدما يعلم بما فعلته مسبقا بربيبته التي يعتبرها هو الآخر بمثابة إبنته ..."


+



" لعنة الله عليها .. كم سأتحمل بعد بسببها ..."


+



قالتها بتعب بينما جلس أثير فوق السرير بوجوم لتضيف زمرد شبه باكية :-


+



" لم ترتح حتى أخبرتهم بكل شيء ... لم ترتح حتى خربت بيننا ..."


+



" ستكونين مجنونة إن كنتِ تعتقدين إن هالة خلف ذلك ..."


+



" من سيكون غيرها إذا ..؟!"


+



" لا شأن لها ... أنا متأكد من هذا ..."


+



أضاف وهو يتذكر حديثه معها :-


+



" أنا تحدثت معها و هي من المستحيل أن تفضح سرها ... "


+



" تحدثت معها ..."


+



طالعه أثير ذاهلا بينما تسائلت زمرد بحدة :-


+



" مع من تحدثت ...؟؟ مع هالة ...؟!"


+



" نعم تحدثت معها لأجل إصلاح ما دمره ولدك ..."


+




        

          


                

سأل أثير بغضب متفاقم :-


+



" لماذا فعلت هذا ...؟!"


+



" فعلت ما يجب فعله وأنت لا يحق لك حتى أن تسأل عن السبب ..."


+



أضاف وهو يمنح زوجته نظرة صارمة أخرستها :-


+



" إسمعيني جيدا أنت وولدك .. أنا سأذهب وأتحدث مع عابد ... هذه المشكلة يجب حلها في أقرب وقت ... لا يجب أن تستمر طويلا لإنها سوف تتعقد أكثر ..."


+



أشار لولده يأمره بحزم :-


+



" إياك أن تقم بتصرف واحد يا أثير دون علمي ... هل فهمت ...؟!"


+



ثم تحرك مندفعا خارج المكان يتابعه ولده بملامح محتدة قبلما تلتقي أنظاره بأنظار والدته التي أشاحت بوجهها بعيدا بملامح غاضبة ...


+



**


+



عاد إلى القصر بذات الملامح التي لم تخف حدتها ولو قليلا ...


+



قابل زوجته في طريقه ليجدها  تهتف به بوجوم :-


+



" يجب أن نتحدث يا راغب ..."


+



تجاهلها وهو يشير إلى الخادمة التي وجدها في طريقه :-


+



" نادي توليب هانم لتأتيني في المكتب ..."


+



إندفعت همسة خلفه بملامح تشتعل غضبا ...


+



بالكاد غفت هالة قبل لحظات بعدما إنهارت مجددا بين ذراعيها وبقيت تبكي لوقت طويل ...


+



لن تسمح له بأن يؤلمها بهذه الطريقة ...


+



هتفت وهي تدلف خلفه إلى المكتب :-


+



" لنتحدث من فضلك ..."


+



جلس على الكرسي يهدر بها بصرامة :-


+



" ليس الآن يا همسة ... سأتفرغ لك فيما بعد ..."


+



تقدمت نحوه ومالت أمامه وهي تستند بكفها فوق المكتب تخبره بصلابة :-


+



" سنتحدث يا راغب .... أنت آلمت هالة كثيرا ..."


+



نهض من مكانه يهدر بها بعدم تصديق :-


+



" أنت جننت على ما يبدو يا هانم ... أم إنك لم تفهمِ بعد ما فعلته شقيقتك ... "


+



 " بلى فهمت ... لكنها شقيقتي ولن أسمح لأحد أن يؤلمها بهذه الطريقة مهما حدث  .. "


+



أضافت بقوة وثبات :-


+



" لن أتخلى عن شقيقتي التي تهمني أكثر من أي شخص كان مهما فعلت ..."


+




        

          


                

" وهي تهمني كذلك وكثيرا أيضا ... أنت أكثر من يعلم كم أحبها وأخشى عليها من نسمة الهواء أم تعتقدين إنك لوحدك من تخافين عليها ..؟!"


+



إسترسل بعصبية :-


+



" هالة لطالما كانت شقيقتي الصغرى التي إعتنيت بها دائما ...لذا لا تأتي وتدافعي عنها بل تحاولين حمايتها مني  ..." 


+



" نعم سأفعل ..."


+



صاحت به وهي تضيق بتعنت 


+



" لإنها واقعيا   ليست شقيقتك يا راغب حتى لو كنت تعتبرها كذلك ... ومهما أحببتها فلن تحبها كما يجب الشقيق شقيقته ولن تعتني بها كما لو كنت تعتني بأشقاؤك ... "


+



" هل تعين ما تقولينه يا همسة ...؟!"


+



سألها مصعوقا بما تفوهت به قبلما يصيح بها :-


+



" أنا من تتحدثين معه هكذا .... أنا يا همسة ..."


+



إستوعبت فداحة ما قالته ...


+



إرتبكت لوهلة ولامت نفسها على ما أقدمت عليه لتهتف بصوت متوتر :-


+



" راغب أنا ..."


+



" إخرجي ..."


+



صرخ بها بصرامة لترمش عينيها بتوتر فيهدر بها بملامح مشتعلة :-


+



" إخرجي حالا يا همسة فبعد كلامك هذا أنا لا أطيق رؤية وجهك ولا سماع صوتك حتى ...."


+



ترقرقت العبرات في عينيها سريعا لتندفع راكضة خارج المكان بينما تقدمت توليب إلى الداخل بملامح مرتبكة فهمست بخفوت :-


+



" ماذا يحدث يا راغب ...؟!"


+



" تعالي يا هانم ..."


+



وقفت مكانها تطالعه بخوف بديهي ليهدر بها :-


+



" لماذا تقفين بعيدا ... ؟! تقدمي إلى هنا ... "


+



سارت توليب بملامح متوترة قبلما تجلس على الكرسي المجاور للمكتب بينما عاد هو يتخذ مكانه على كرسيه يسألها بملامح عاد الجمود يكسوها :-


+



" والآن ستخبريني يا محترمة ... يا عاقلة ... يا مؤدبة عما كان يحدث بين إبن عمتك الحقير وإبنة خالتك المبجلة وكيف كنتِ تستغفليني مع البقية بل تستغفلونا جميعا ...؟!" 


+



" أنا ..."


+



همست بها توليب بإضطراب  قبلما تشعر بسخونة شديدة في أطرافها لتجد نفسها عاجزة عن التفوه بحرف واحد عندما صرخ بها بشكل جعلها تنتفض جزعا :-


+




        

          


                

"ماذا تنتظرين ...؟! تحدثي ... !" 


+



**


+



سقطت دمعة من عينيها حالما أنهت حديثها وملامح شقيقها المتحفزة بوعيد مهيب بثت الرعب داخلها ..


+



كانت خائفة بشدة وخجلة جدا خاصة عندما هتف بنبرة متأسفة :-


+



" حتى أنت يا توليب .. لطالما كنت أشيد بك و بأدبك ورزانة عقلك ... "


+



إنتفض من مكانه يهدر بها :-


+



" أين كان عقلكم جميعا ...؟! ألم تفكروا ولو لمرة بمقدار الخطأ الذين ترتكبونه ...؟! منذ متى ونحن نقبل بهكذا نوع من العلاقات ولسنوات دون رباط شرعي  ...؟!" 


+



أضاف يؤنبها بقسوة :-


+



" أين كان عقلك أنت تحديدا ...؟! إذا كانت هي مندفعة بسبب مشاعرها فماذا عنك ..؟!"


+



" أعتذر حقا ..."


+



همست بها بنبرة ضعيفة ليضيف بإنفعال :-


+



" وبدلا من أن تندموا وتعاهدوا أنفسكم بعدم تكرار أخطائكم الحمقاء مثلكم إستمريتم بذات الخطأ وأخفيتم عنا ما فعله الباشا وكيف هدد الهانم قبل زواجها وما أراد فعله بها ..."


+



إندفع يقف قبالها يهتف بحزم :-


+



" لنفترض إنها خافت أن تخبرني بتهديداته لإنها لا تريد فضح نفسها ... ماذا عنك أنت ..؟! أين كان عقلك مجددا ...؟! مالذي كنت تنتظرينه ...؟! لمَ لم تخبريني بما يحدث ...؟! كنت سأتصرف حينها وسأحل الأمر قبل أن يصل الحال بنا إلى هنا ... "


+



تساقطت دموعها بغزارة ليهدر بضيق :-


+



" أنت بالذات لم أتوقع منك هذا ... لطالما راهنت على فطنتك ورجاحة عقلك ... لكنكِ مثل البقية ولا تختلفين عنهم أبدا ..."


+



إهتز جسدها بنشيج صامت عندما دلف مهند إلى الداخل والذي جاء على عجلة بعدما طلبه شقيقه ليهتف بقلق :-


+



" ماذا حدث يا راغب ...؟!"


+



إنتبه لتوليب التي تجلس فوق الكرسي مخفضة وجهها نحو أرضية المكان تبكي بنشيج خافت ليتقدم نحوها سريعا يتسائل بلهفة :-


+



" ماذا حدث يا تولاي ..؟! لماذا تبكين ..؟! هل خطيبك الحقير ضايقك ..؟! تحدثي .. سأقتله حالا إذا ما أزعجك ..."


+



إنتفض من مكانه وهو يشعر بكف راغب يهبط فوق ظهره من الخلف بعنف بينما يهدر به :-


+



" دعك من خطيبها الآن يا محترم ...."


+



إلتفت نحو شقيقه يطالعه بعدم استيعاب وهو يسأل :-


+




        

          


                

" ماذا هناك يا راغب ...؟!"


+



ودون مقدمات قبض راغب على ياقة قميصه وهو يدفعه بعنف نحو الكنبة فيسقط الأخير عليها بصدمة بينما راغب فوقه قابضا فوق ياقة قميصه بعنف يصرخ به :-


+



" أخبرني ما دورك في هذه العلاقة ...؟! هل كنت المسؤول عن ترتيب لقائاتهما سويا ...؟! هل كنت تساعد صديقك المقرب كي يرى حبيبته الصغيرة سرا ...؟؟ "


+



طالعه مهند بعدم إستيعاب ليصرخ راغب به :-


+



" تحدث يا بطل .. يا غيور .. أم إن لسانك الطويل لا يظهر أمامنا سوى في الأمور التافهة التي تخصك ..."


+



" أنت تتحدث عن أثير وهالة ..."


+



نطقها مهند بصعوبة لينهض راغب من فوقه هاتفا بخفة :-


+



" وهل يوجد غيرهما ..؟! هل كنت مرسال الغرام يا حبيبي ...؟! هل كنت تأخذها بنفسك لتقابله ...؟! تحدث ..."


+



نهض مهند سريعا يهتف دون تفكير :-


+



" أقسم لك أبدا ... لم يكن لدي علم بما يحدث وعندما علمت ضربت أثير بعنف وكذلك فيصل وحتى هالة صفعتها على وجهها وقاطعت كليهما لفترة طويلة وكنت حريصا ألا يلتقيان أبدا ... حتى إسأل فيصل وتوليب ... "


+



أضاف بصدق :-


+



" أنت تعرف إنني لا أرضى عن هكذا تصرفات يا راغب .... حتى بعدما أدركت صدق نواياه إتجاهها ورغبته بخطبتها بقيت حاجزا يحيل بينهما  ورقيبا على هالة  ويمكنك أن تسألهما وتسأل شقيقتك التي تقف خلفك ..."


+



" نعم هذا صحيح ..."


+



همست بها توليب بنبرة مرتجفة قبلما تضيف :-


+



" مهند لم يقبل بهذا وبالفعل ضرب أثير وطرده من المنزل ... وبعدها منع لقائاتهما ولم يسامحهما بسهولة وأساسا بعد معرفة مهند بفترة قصيرة أنهت هالة علاقتها بأثير ..."


+



طالعها مهند براحة مبدئية بينما إلتفت راغب نحوها يهتف ساخرا :-


+



" يعني أنتِ وشقيقك التافه من كنتما تقومان بوظيفة مرسال الغرام ..."


+



إبتلعت ريقها بتوتر بينما عاد راغب ينظر إلى مهند يهدر به :-


+



" أنت تعلم إنك أخطأت عندما لم تخبرني ..."


+



" كيف كنت سأخبرك ...؟! لم أكن أستطع فضحهما يا راغب ..."


+



أضاف بجدية :-


+



" إكتفيت بوضع حد لهذه العلاقة وكما قالت تولاي .. العلاقة لم تستمر بعدها طويلا ..."


+




        

          


                

سأله راغب بحذر :-


+



" وهل كنت تعلم سبب إنفصال هالة عنه ...؟!"


+



أجاب مهند بتروي :-


+



" وقتها ظننت بسبب خلافات كبيرة بينهما ... أساسا سبب غضب أثير منها هو عدم وجود سبب فعلي يدفعها لتركه كما كان يظن قبلما يدرك الحقيقة ..."


+



أضاف بتوسل :-


+



" لكن أقسم لك إن أثير يحبها حقا يا راغب .. "


+



لم يكن يدرك إنه بكلماته تلك يشعل فتيل غضبه الذي خمد قليلا بعدما علم بموقفه مسبقا من علاقتهما ليصرخ به :-


+



" أي حب هذا الذي تتحدث عنه ...؟! هل الحب يجعله يدمر حياتها..؟! هل الحب يجعله يهددها طوال الوقت ويرهبها كي تنفصل عن خطيبها ...؟! هذا الحب الذي تتحدث عنه جعل إبنة خالتك تتطلق من زوجها بعد مدة لا تكاد تذكر من زواجها ناهيك عما أصاب طليقها من إعاقة ربما لن يشفى منها أبدا ..."


+



" عم تتحدث أنت ..؟! متى أثير هدد هالة ...؟!"


+



تسائل بدهشة ليهتف أثير بسخرية :-


+



" لم تكن تعلم بهذا ...؟!"


+



" ومن أين سأعلم ..؟! أنا منذ فترة أقيم خارج البلاد .. هل تعتقد إنني كنت سأرحمه لو علمت بما فعله ...؟!"


+



أضاف يصيح بشقيقته :-


+



" لماذا لم تخبرني هالة بما يحدث ...؟!"


+



" لا أعلم ..."


+



تمتمت توليب بها بتعب ليهتف راغب بتهكم :-


+



" الهانم كانت تعتقد إنها تستطيع حل مشكلتها بنفسها والنتيجة كما ترى ... أفضل ما يكون ..."


+



" هكذا إذا يا أثير ... كنت تهددها وتبتزها ..."


+



هم أن يتجه إلى الخارج وهو يتوعده ليجد راغب يقبض عليه من ذراعه يهدر به :-


+



" إلى أين ...؟! إبقى هنا ولا تتهور ..."


+



" هل سأتركه دون محاسبة ...؟!"


+



صاح مهند بنرفزة ليهتف راغب بقتامة :-


+



" نال نصيبه مني ..."


+



" هل تعتقد إنك ستخفف من غضبي بحديثك هذا ..."


+



 صاح مهند بعصبيته المعتادة ليهدر راغب به بصرامة :-


+



" إهدأ يا مهند ..."


+



أضاف بجدية :-


+




        

          


                

" أنا سأجلب حق هالة منه فلا تتدخل أنت نهائيا ..."


+



أخذ نفسا عميقا ثم قال بهدوء :-


+



" ما أريده منك هو أن تقاطعه بشكل نهائي ولا تمنحه الفرصة ليتحدث معك حتى ..."


+



إتجه ببصره نحو شقيقته وهو يضيف :-


+



" أثير لن يدخل هذا القصر مجددا ولا مكان له بيننا ... وهذا الكلام أمر ساري تنفيذه على الجميع ... هل فهتما ...؟!"


+



أومأ كلاهما برأسه بطاعة رغم شعور الأسف داخلهما على ما وصل إليه الحال عندما طل فيصل مبتسما وهو يتسائل :-


+



" هناك إجتماع أخوي وأنا لا أعلم .. ينقصنا راجي فقط ..."


+



" تعال..."


+



هدر بها راغب بملامح مهيبة جعلته يطالع شقيقه وشقيقته بتساؤل مرتبك قبلما يتقدم نحوه ليشهق بجزع وكفي راغب يجذبانه نحوه من قماش سترته الجلدية ثم يهبط بوجهه فوق وجهه ضاربه بعنف جعل فيصل يتراجع إلى الخلف بهلع غير مصدقا ما يفعله شقيقه ..


+



شهقت توليب بفزع بينما سارع مهند يسنده عندما هدر راغب بغضب :-


+



" كيف جرؤت ...؟! ألا تملك ذرة غيرة على نساء منزلك ....؟!"


+



" مالذي تتحدث عنه ..؟! أنا حقا لا أفهم .."


+



قالها فيصل بعصبية وهو يمسح أنفه بعنف ليهتف راغب وهو يعاود القبض على جلد سترته بينما مهند يحاول تهدئته :-


+



" عن أثير وهالة يا مرسال الغرام ... فخور بنفسك أليس كذلك ...؟؟ فخور بما تفعله يا عديم الشرف والغيرة ..."


+



" أنا لا شأن لي ... لا تحشروني بمشاكل غيري ..."


+



قالها بإنفعال ليدفعه راغب بنفور وهو يردد :-


+



" ألم تكن تعلم بعلاقتهما ...؟! تحدث ..."


+



" لم أتدخل في الأمر بتاتا ... "


+



قالها بغضب وهو يضيف :-


+



" لست مسؤولا عن تصرفات غيري ..."


+



" طبعا ستقول كذلك ... أنت من الأساس لست مسؤولا عن تصرفاتك أنت فهل ستكون مسؤولا عن تصرفات غيرك ...؟!"


+



" لماذا تحاسبني إذا ..؟!"


+



صرخ به فيصل ليتقدم راغب نحوه وهو يهدر به :-


+



" هل ترفع صوتك علي يا ولد ..."


+



" لا يحق لك أن تحاسبني على أخطاء غيري ..."


+




        

          


                

" فيصل ..."


+



نهره مهند وهو يشدد من قبضته ليهتف راغب بسخرية لاذعة :-


+



" غضبت لأنني ضربتك ... صحيح ..."


+



" نعم ، لا يمكنك ضربي لسبب كهذا ..."


+



هتف بها فيصل بقهر خفي ليهتف راغب ببرود :-


+



" هل تعلم يا فيصل لماذا ضربتك ولم أضرب شقيقتك رغم إنها خطأت مثلك ..؟؟" 


+



طالعه فيصل بأنفاس متلاحقة بينما حاوطت توليب جسدها بذراعيها لا إراديا ليضيف راغب بخفة :-


+



" لإنك رجل وهي فتاة وحساب الرجل يختلف عن المرأة .. لأن ميزة الرجل غيرته على نساء عائلته .. عرضه وشرفه ..."


+



أضاف بسخرية متعمدة :-


+



" لكن على ما يبدو إنه لم يكن عليّ التعامل معك بمعاملة الرجال .. أنت معك حق .. أنت لم تتصرف كالرجال أساسا ..."


+



" كما تريد .. أساسا دائما أنا مخطئ في نظرك ..."


+



" وهل هذا كذب ...؟؟"


+



سأله راغب بعصبية ليهدر فيصل :-


+



" حتى لو كنت مخطئا فهذا لا يمنحك الحق أن تحاسبني ..."


+



هم راغب بأن يتقدم نحوه بغضب عندما صدح صوت والده مناديا بإسمه ..والذي وصل لتوه ليكون شاهدا على ما يحصل بين أبنائه ليلتفت أربعتهم نحوه بينما تقدم هو إلى الداخل بملامح صلبة عندما أشار لجميعهم أن يغادروا بإستثناء ولده الأكبر والذي أراد أن ينفرد به فهناك حديث مطول يجب أن يجمعهما ...


+



**


+



أمام والده جلس راغب بملامح شديدة الوجوم ليسأل عابد بهدوء :-


+



"هل هدأت قليلا ..؟!"


+



تنهد راغب بصعوبة ثم قال بضيق :-


+



" كلما أهدأ قليلا أعود وأتذكر ما عرفته فيعود غضبي أضعاف ما كان عليه ..."


+



وجد راغب والده يمد له سيجارة ليطالعه بدهشة فيهتف به :-


+



" لماذا تنظر إلي هكذا ..؟! خذها ودخنها ... تحتاج أن تنفث غضبك قليلا ..."


+



جذب راغب السيجارة منه وهو يسأل بتهكم :-


+



 " هل تدخن من وراء أمي ..؟!"


+



" قليلا ..."


+



قالها عابد ببرود ليشعل راغب السيجارة ويدخنها ثم ينهض من مكانه متجها نحو النافذة يتطلع إلى الحديقة خارجا نافثا دخان سيجارته وأنفاسه تهدأ قليلا عندما صدح صوت والده بعد قليل :-


+




        

          


                

" حاول أن تهدأ ... أعتقد إنك فرغت جزءا كبيرا من غضبك اليوم ... حاسبت الجميع دون إستثناء ..."


+



" هل إشتكتني عمتي لك ...؟!"


+



سأل ساخرا ليجيبه عابد :-


+



" حاتم أتى وتحدث معي .... "


+



أضاف بضيق :-


+



" وأنا مثلك .. صدمني ما عرفته ..."


+



إستدار راغب نحوه يهدر بعصبية :-


+



" إبن شقيقتك بحاجة لتأديب شخصي مني ... "


+



أضاف ببرود :-


+



" وأنا لن أمرر له ما فعله دون تأديب ..."


+



" إهدأ يا راغب ..."


+



قالها عابد بجدية وهو يضيف بتروي :-


+



" أتفهم مدى غضبك ..."


+



تنهد ثم أضاف :-


+



" أنت غاضب بشدة .. غاضبا مما حدث في الماضي .. غاضبا أكثر مما فعله أثير في الحاضر وكيف هدد هالة وحاول تخريب زيجتها ..."


+



" بسبب أفعاله هذه تعرضت هالة مع زوجها لحادث مميت كان من المحتمل أن نخسرها بسببه .. وبسبب هذا الحادث طليقها شُلت يده ... بسبب أفعاله هالة تطلقت بعد مدة قصيرة للغاية من زواجه ناهيك عما عانته خلال هذه الزيجة .. إذا كنت سأغفر له حماقة الماضي فكيف سأغفر حقارة الحاضر يا أبي ...؟!  أخبرني ..."


+



" الغفران يحتاج وقتا يا راغب ..."


+



" بل يحتاج عقابا ... كي يدرك إبن شقيقتك إن هالة خلفها رجل لا يترك حقها يضيع هدرا ...."


+



" أثير يدرك ذلك جيدا يا راغب ..."


+



قالها عابد بهدوء ليهدر راغب :-


+



" لو كان يدرك ذلك ما كان ليجرؤ على تصرفات كهذه لكنه إستخف بنا بل بي تحديدا .. إستصغرني ... "


+



" لا تقل هذا .. أثير مخطئ من رأسه حتى أخمص قدميه لكنه يحبك ويحترمك جدا وأنت أكثر من يدرك ذلك ..."


+



" واضح واضح ..."


+



تمتم بها راغب هازئا ليهتف مضيفا :-


+



" بكل الأحوال أثير لن يدخل هذا القصر مجددا ... بالنسبة لي هو لم يعد فردا من العائلة ... سأكتفي بهذا إحتراما لوالده مع إنني كنت أريد أكثر من هذا بكثير .."


+



" تقرر نيابة عني إذا ..."


+



سأله عابد بخفة لتتجهم ملامح راغب وهو يهتف :-


+




        

          


                

" إذا كنت لا ترضى فأنت حر .. دعه يدخل القصر ويجلس بينكم لكن حينها لن يكون لي مكان هنا ولا بين العائلة ..."


+



أضاف بنبرة محتدة :-


+



" لأن من أساء لها هي إبنة خالتي وأخت زوجتي و ..."


+



نهض عابد من مكانه يخبره بجدية :-


+



" هالة مهمة لدينا جميعا ... كانت وستبقى بمثابة إبنتي ... لذا لا تتحدث بهذه الطريقة  وتتصرف وكأنك الوحيد من يخاف عليها ويهتم لأمرها .."


+



أضاف بثبات :-


+



" إذا كنت تعتقد إنني سأتجاهل ما فعله أثير بها فأنت مخطئ ... والأهم إنني لن أمرر تصرف زمرد السابق مع هالة ببساطه هكذا ... ولكنني لا أريد تدمير كل شيء .."


+



تنهد وهو يعاود الجلوس مكانه قائلا بحرص :-


+



" واقعيا هالة وأثير يستحقان عقابا وأثير بالطبع عقابه أكبر من هالة ولكن من تستحق العقاب الأكبر هي شقيقتي ... زمرد هانم التي كانت السبب الرئيسي في وصولنا إلى هنا ..."


+



" مالذي تنوي عليه ..؟!"


+



سأله راغب بإهتمام  ليهتف عابد :-


+



" إسمعني يا راغب ... طوال سنواتنا السابقة كنا عائلة واحدة ... لم نختلف يوما .. لذا لا تعتقد إن بعد كل هذه السنوات سأسمح لأي سبب كان أن يهدم هذا الرباط المقدس الذي يجمع بيننا ..."


+



إسترسل بضيق :-


+



" لسنوات عانيت بسبب أبتعاد عمك رحمه الله عنه وبالكاد شعرت بقليل من الإرتياح بعد عودة جيلان ومهند سويا وشعوري برغبتها الصادقة بالإنتماء إلينا هذه المرة لذا لن أسمح أبدا بتفكك العائلة مجددا ...."


+



تابع ملامح ولده الغير راضية ليضيف بحكمة :-


+



" أنت الآن منفعل للغاية وأنا لا ألومك ... لكنك سوف تستوعب حديثي جيدا وتقتنع به حالما تهدأ بل أجزم إن رأيك سيتطابق مع رأيي فيما بعد ..."


+



تنهد ثم قال :-


+



" حاتم يسعى لإخراج كرم من السجن .. ما تعرضت له هالة تتحمل هي جزءا منه .. لذا سنعتبر جزءا من معاناته هو عقابها على تصرفها الغير مسؤول ... لكن لا تضغط عليها أكثر ... هالة في وضع بائس حاليا وأنا أخشى عليها من كم الضغوطات التي تعرضت لها .. يكفي إنها تطلقت بهذه السرعة ناهيك عن الحادث الذي تعرضت له وغير ذلك ... بالنسبة لي هي نالت عقابا أكبر من فعلتها حتى ..."


+



أضاف بحرص :-


+



" وأثير الآخر تعرض لحادث مميت ... كما إنه يكفي ما تعرض له من إهانة على يديك ... "


+




        

          


                

أضاف بتروي وهو يلاحظ أشتعال ملامح ولده :-


+



" لا تظن إنه سعيد بما كان يفعله .. مشكلة أثير إنه كان ولا زال عاشقا لهالة لذا كان يتصرف كالطير الجريح ... ما لا تعلمه إنه بالفعل تراجع عن تهديداته وتركها وشأنها لكن على ما يبدو إن شقيقة كرم صورتهما سويا وخدعت شقيقها وتسببت بكل هذه المشاكل .. أنا لا أدافع عنه .. هو أخطأ ولكنه ليس المذنب الوحيد ..."


+



أضاف بآسف :-


+



" هو عاشق مجروح ... عشقه دمره وجعله يتصرف كوحش جامح ورغم ذلك هو تراجع قبلما ينفذ أي شيء من تهديداته ..."


+



 " أنت تعرف كل شيء إذا ...هل تحدثت معه ...؟!"


+



" تحدثت مع حاتم .. بالأحرى هو أتى إلي وتحدث معي وأخبرني بما يعرفه وهو لا يكذب ..."


+



أضاف بضيق :-


+



" كان مستاء جدا من ولده وخجلا من تصرفاته ... "


+



مسح راغب على وجهه وهو يردد بتعب :-


+



" ما المطلوب مني حاليا ...؟!" 


+



قال حاتم بجدية :-


+



" ليس مطلوب منك أي شيء حاليا ... فقط إرتاح أنت ودع كل شيء لوقته المناسب ..."


+



نفذ ما قاله فهو لم يكن في وضع يسمح له بالمجادلة ...


+



يشعر بطاقته نفذت كاملة ...


+



صعد إلى جناحه ليجد زوجته هناك تنتظره بملامح حذرة ...


+



تجاهلها كليا وكأنها غير موجودة ...


+



أخذ حماما باردا ثم غادر بعدها بملامح باردة غير مقروءة ...


+



ودون كلمة واحدة جاورها في مكانه فوق السرير ليوليها ظهره ويغمض عينيه مستسلما لسلطان النوم متجاهلا إياها لتتنهد بإحباط وهي توليه ظهرها بدورها وتغمض عينيها محاولة أن تغفو بدورها ..


+



**


+



ثلاث أيام مرت ...


+



غادر خلالها المشفى أخيرا ...


+



إستقر في جناحه في القصر معتزلا الجميع ...


+



والدته تأتيه بين حين وآخر رغم جموده الشديد معها ...


+



والده لم يسأل عنه ولو لمرة وعلى ما يبدو أعلن غضبه عليه بشكل رسمي ....


+



شقيقته علمت بما حدث وإكتفت بدعمه دون التطرق لأي شيء مما حدث قبل خروجه من المشفى ...


+




        

          


                

تنهد بضجر وما يحدث حوله يقيده تماما ...


+



يعلم إنه مخطئ ...


+



أخطأ بحق نفسه قبل أي أحد ..


+



تنفس بعمق وهو يتطلع إلى الخارج من زجاج النافذة العريضة يتسائل عن السبب الذي أوصله إلى هنا ...


+



يلعن نفسه لإنه إستسلم لموجة عشق جرفته إلى منطقة حقيرة لا تليق به ولا تشبهه ..


+



ليته لم ينغمس في تلك المشاعر التي حطمته هو قبل أي أحد ...


+



تجهمت ملامحه وهو يستمع لصوت طرقات على باب جناحه يتبعها دخول والدته كما توقع ...


+



هتفت زمرد مبتسمة وهي تتقدم نحوه :-


+



" صباح الخير حبيبي ..."


+



التفت نحوها يراقبها بوجوم قبلما يجلس فوق الكنبة المجاورة له لتقبل عليه وهي تردد بفرحة :-


+



" يا إلهي .. حتى الآن لا أستوعب إنك أصبحت هنا في جناحك وبكامل عافيتك ... "


+



" غريب أمرك ... تتصرفين بإعتيادية وسعادة مطلقة متناسية ما حدث قبل ثلاثة أيام ..."


+



ظهر الإحباط على وجهها وهي تردد :-


+



" لا تعتقد إنني لست حزينة لما حدث ولكن فرحتي بخروجك من المشفى سالما طغت على كل شيء ..."


+



أضافت وهي تجاوره في جلسته تقبض على كفه تخبره بصدق :-


+



" فأنت أهم شيء لدي ..."


+



تنهدت تضيف بضيق :-


+



" أما عن الخلاف الذي حدث فوالدك وعدني إنه سيتصرف وطلب مني ألا أتدخل الآن ولا أتحدث مع عابد  ريثما تهدأ الأمور ..."


+



تأملها بصمت غريب فسألته بحيرة :-


+



" ما بالك يا حبيبي تنظر إلي هكذا ..؟!" 


+



سأل بهدوء :-


+



" ألست نادمة ..؟! "


+



طالعته بعدم فهم ليضيف :-


+



" ألست نادمة على ما فعلته سابقا قبل أعوام بعدما رأيتِ أين وصل الحال بنا نتيجة ذلك  ...؟! "


+



" أبدا ..."


+



هتفت بها بصوت قاطع وهي تضيف :-


+



" لست نادمة يا أثير لأن ما فعلته يصب في مصلحتك ... وأنت كما تعلم أهم لدي من أي شيء ..."


+



انتفض من مكانه يصيح بعدم تصديق :-


+



" مصلحتي ...؟؟ مصلحتي أن أعاني لسنوات وأتعذب بسبب عشقي لها ... مصلحتي أن أخسر الفتاة الوحيدة التي أحببتها .... مصلحتي أن أحيا مخدوعا بك وبها كذلك ...مصلحتي أن تتحكمي في حياتي من وراء ظهري ..."


+




        

          


                

نهضت تهتف برجاء :-


+



" دعنا ننسى الماضي يا أثير .. هذا بأكمله إنتهى.."


+



" ننسى ..."


+



هتف بها ساخرا وهو يضيف بقسوة تمكنت منه :-


+



" ليكن بعلمك .. ستمر السنين .. ربما سأتروج وأنجب أطفالا وتصبح لي حياتي التي تخصني ورغم ذلك لن أنسى ما فعلته وما عايشته من عذاب بسببك ... لن أغفر لك هذا الذنب الذي أرتكبته في حقي ... لن أنسى إنك تلاعب بي وحرمتني من الفتاة الوحيدة التي أحببتها وأردتها بحق ..."


+



طالعه بعدم تصديق لتصيح :-


+



" ألهذه الدرجة تحبها ..؟! ما زلت تحبها ... بعد كل ما حدث ... "


+



هتف بقهر:-


+



" نعم ، ما زلت أحبها ... "


+



ثم صاح بتعب :-


+



" هل إرتحت الآن ..؟!"


+



" أنت لا تحبها ... أنت فقط لم تتخطَ بعد إنك خسرتها .. لكنك ستتخطى ... عندما تجد من تحبها بحق ستنساها ..."


+



" صدقيني لم يعد مهما ..."


+



قالها بسخرية مريرة وهو يجذب سيجارة من علبة سجائره المرمية فوق السرير بإهمال لتهتف برجاء :-


+



" لا تدخن يا أثير ... وضعك الصحي لا يسمح بذلك ..."


+



هتف بسخرية مريرة :-


+



" تخافين علي كثيرا ..."


+



" بالطبع أخاف عليك ..."


+



إلتفت نحوها يهدر بها :-


+



" لو كنت تخافين علي ما كنتِ أوصلتني إلى هنا ..  أنا بسببك تحولت لشيطان لا يفكر سوى بنفسه وبإنتقامه .. بسببك تدمرت حياتي وخسرت إحترام الجميع وتقديرهم ..."


+



أضاف يصرخ بكره :-


+



" وبكل تجبر تخبرينني إنك لست نادمة على ما فعلته في الماضي .. رغم كل ما حدث ما زلت تفكرين بذات الطريقة ..."


+



ضحك مضيفا ببرود :-


+



" لكن لا بأس ... "


+



قست ملامحه مضيفا  :-


+



" أنا إنتقمت من هالة وحصلت على ما أريده ودمرتها وأنهيت زيجتها والآن جاء دورك يا والدتي العزيزة ..."


+



سألته بحذر :-


+



" ماذا تقول أنت يا أثير ...؟!"


+




        

          


                

هتف بخفة :-


+



" قريبا سأعد لك مفاجئة لطيفة للغاية ... ولدك الوحيد سيفاجئك بالشكل الذي تستحقينه يا زمرد هانم ..."


+



" أنت جننت ... أفق يا هذا ..."


+



ضحك بإستهزاء قبلما ينفث دخان سجارته عاليا ليجد والده يدلف إلى الجناح متقدما نحوهما مرددا بجمود  وهو يرمي أمامه ملف :-


+



" هذه أوراق سفرك إلى الخارج ... بعد الغد ستكون في سويسرا ... ستبقى هناك لما لا يقل عن عامين ... لن تعود قبل عامين ... "


+



تأمل أثير الملف بسخرية قبلما يهتف وهو يعاود تدخين سيجارته :-


+



" إتخذت قرارك إذا يا سيادة الوزير ..."


+



مال نحوه يخبره بحزم :-


+



" ستضع عقلك في رأسك وتلتزم في عملك كما ينبغي .. ستعود أثير السابق وتحقق نجاحات توازي نجاحاتك السابقة وستنسى كل شيء حدث في الماضي ...."


+



" أوامر سيادتك ..."


+



قالها ببرود ليطالعه والده بتوجس ثم يتبادل النظرات مع زمرد قبلما يعاود النظر إليه وهو يخبره بنبرة آمرة :-


+



" مساءا سنذهب إلى قصر خالك .. ستعتذر منه ومن راغب ... يجب أن تفعل ذلك قبل سفرك وعندما تعود بعد عامين ستكون الأمور هدأت ..."


+



" أي أوامر ثانية يا باشا ...؟!"


+



سأله وهو ينهض من مكانه ملقيا سيجارته في سلة المهملات ليخبره والده ببرود :-


+



"حاليا لا يوجد شيء آخر ..."


+



ثم تحرك مغادرا تتبعه والدته بعدما رمقته بنظرة تحمل رجاءا تجاهله كليا ليتابع رحيله بعينين تلمعان وبسمة خفيفة ارتسمت فوق شفتيه ...


+



سحب سيجارة أخرى وأخذ يدخنها بشراهة وعقله يفكر في خطوته القادمة وما ستؤول إليه  ..


+



**


+



دلف كرم إلى مكتب الضابط ليتفاجئ براغب ينتظره هناك ...


+



نهض راغب من مكانه يستقبل الشاب الذي يراه لأول مرة بهذه الملامح الواهنة  بشدة والعينين الذابلتين ...


+



أخبره بجدية :-


+



" تعال يا كرم .. نحن بحاجة لنتحدث ..."


+



تقدم كرم نحوه بينما نهض الضابط يخبرهما إنه سيتركهما عشر دقائق يتحدثان فيها قبلما ينهي إجرائات الإفراج عنه ...


+



جلس كرم قباله بوجه متجهم ليهتف راغب متسائلا :-


+



" كيف حالك ...؟! بالتأكيد علمت إنك ستخرج اليوم ..."


+




        

          


                

قاطعه كرم ببرود ساخر :-


+



" لا فرق .. لم يعد هناك فرق يا راغب بك ...."


+



تنهد راغب بصمت ثم قال بجدية :-


+



" أنا علمت بكل شيء يا كرم وبالتفصيل ..."


+



لاحت الدهشة فوق ملامحه لوهلة قبلما يسأل ساخرا :-


+



" وهل أتيت لتحاسبني..؟!"


+



" كلا ..."


+



قالها بجدية وهو يضيف :-


+



" في وقت سابق كنت سأفعل لكن فات الآوان كما تعلم ..."


+



أضاف بجدية :-


+



" في الواقع ما حدث كان خطأكم جميعا ... خطأك وخطأ هالة .."


+



توقف لوهلة قبلما يضيف مرغما :-


+



" وخطأ أثير ..."


+



إشتعلت عيناه بنيران كالجحيم عندما أضاف راغب ببرود :-


+



" وخطأ شقيقتك التي أجادت التلاعب بك ودمرت زيجتك ..."


+



عاد الجمود يكسو ملامح كرم بينما قال راغب بجدية :-


+



" إسمعني يا كرم .. لم آتِ هنا كي أحاسبك بل أتيت لغلق هذه الحكاية بشكل كامل ..."


+



" لم تعد هناك حكاية من الأساس ..."


+



قالها كرم بسخرية قبلما يضيف بمرارة :-


+



" أنا خسرت كل شيء ... خسرت يدي .. خسرت هالة وخسرت نفسي ...."


+



تنهد راغب مجددا ثم قال بثبات :-


+



" ما زلت شابا في ريعان شبابك والحياة أمامك طويلة والضربة التي لا تقتلك ُيفترض بها أن تقويك ..."


+



عاد الجمود يكسوه مجددا وهو يسأله :-


+



" لماذا أتيت يا راغب بك ..؟!"


+



أجاب راغب بصدق :-


+



" أخبرتك عن سببي قبل لحظات ... "


+



أضاف بهدوء :-


+



" أنت عندما أتيت وخطبت هالة مني وجدتك شابا محترما جيدا للغاية وواضح كم إنك تحبها وتريدها ... منحتك ثقتي الكاملة وأنا أقبل بك زوجا لها ..."


+



أخذ نفسا عميقا ثم قال :- 


+



" لكنك لم تكن أهلا لتلك الثقة يا كرم ..."


+



إحتقنت ملامح وجهه بقوة  ليومأ راغب برأسه وهو يؤكد حديثه :-


+



" تصرفت بإندفاع وحماقة مطلقة والنتيجة دمرت نفسك ودمرت هالة معك ... "


+




        

          


                

أضاف بجدية :-


+



" أنت وهالة إنتهيتما ... ومن الآن فصاعدا كلا منكما سيبدأ حياة جديدة ويسلك طريقا جديدا يخصه وحده ومن لا يتعلم من أخطاؤه الأولى لن ينجح مجددا .. عليك أن تعترف بأنك أخطئت وتتحمل جزءا مما وصلت إليه ...إعترف بهذا  حتى لو مع نفسك كي تبدأ حياتك الجديدة بشكل سليم ..."


+



ظهرت الهيمنة على ملامحه وهو يضيف بحزم :-


+



" أما هالة فعلاقتك إنتهت بها تماما لذا ستكون بعيدا عنها دائما وستجبر نفسك على نسيانها كما ستفعل هي ... لو رأيتها صدفة ستدير رأسا إلى الجانب الآخر ولن تتطلع بها حتى  ...  خروجك من هنا لم يكن سهلا كما تظن ... لكن لا بأس فأنت لا تستحق أن تخسر سنوات من عمرك في السجن ... أتمنى أن تلتفت لمستقبلك بعد الآن وتتجاوز ما حدث أما هالة فهي عانت مثلك تماما وما زالت تعاني ودفعت الثمن غاليا ... لن أطلب منك أن تغفر لها ولكن تخطاها يا كرم وإبدأ من جديد وعليك أن تعلم إننا لن نتقبل مشكلة جديدة تصدر منك أو من شقيقتك وفي ذات الوقت لن نسمح لأثير بأن يقترب منك أو منها بعد الآن ..."


+



أنهى حديثه وتحرك مغادرا المكان ليجد فتاة شقراء في وجهه خمن إنها شقيقته ... 


+



" أنت شقيقة كرم ..؟!"


+



سألها وهو يقف قبالها لتعتدل في وقفتها تجيب وهي تجابهه :-


+



" نعم أنا .. هايدي مختار شقيقة كرم ..."


+



هتف راغب بثبات ولم يغب عنه نظرة التحدي والكره في عينيها :-


+



" إسمعيني يا آنسة ... شقيقك غادر السجن بفضلنا نحن ..."


+



أكمل ببرود :-


+



" ساعدناه ليس خوفا من الفيديو الذي أرسلته .. بل لإنه لا يستحق أن يخسر سنوات كاملة من عمره في هذا السجن ..."


+



" بسبب إبنتكم ..."


+



قالتها ببرود ليهدر بقوة :-


+



" إسمعيني يا آنسة .. هالة خط أحمر .... من هذه اللحظة ستنسين هالة تماما وتلغيها من رأسك كليا وإلا ..."


+



أضاف بصوت خفت قليلا :-


+



" سنضطر أن نبلغ عن الشخص الحقيقي الذي دفع لتلك العصابة كي يضربون أثير بوحشية مفرطة وحينها ستزجين في السجن ولن يرحمك أحدهم وسأحرص بنفسي ألا تخرجي منه قبل أن تنالي عقوبتك كاملة ..."


+



شحبت ملامح وجهها ليضيف ببرود :-


+



" إتركي هالة وشأنها أفضل لك وإياك أن تحاولي فعل أي شيء سيء لها لإنك ستجدينني حينها أتصرف بطريقة لن تتحمليها أبدا وأفعل بك ما لا يتصوره عقلك الإجرامي أبدا ..."


+




        

          


                

إندفع بعدها مغادرا المكان تاركا إياها مصدومة بما قاله وتهديداته بثت الرهبة داخلها ..


+



**


+



مساءا ...


+



أمام غرفة مكتبه وقفت بملامح متوترة ...


+



غادرت جناحها للمرة الأولى منذ ثلاثة أيام ...


+



تشجعت وقررت أن تتحدث معه عله هدأ قليلا عن السابق ...


+



طرقت على باب مكتبه ليأتيها صوته يسمح لها بالدخول ...


+



دلفت إلى الداخل بخطوات مترددة ليرفع وجهه نحوها فتكتسي ملامحه بالجمود الممزوج بالرفض ...


+



" دعنا نتحدث ... أرجوك ..."


+



هتفت بها بصوت هامس جعله ينهض من مكانه يهدر بها بقوة :-


+



" إختفي من هنا حالا فأنا لا أطيق رؤية وجهك .."


+



تساقطت دموعها بغزارة وهي تسير نحوه تتوسله ببكاء :-


+



" أرجوك يا راغب ... فقط إمنحني الفرصة لأتحدث ..."


+



تحرك من أمام مكتبه متقدما نحوها ليقف قبالها يهدر بها وهو يشير إلى الباب خلفها :-


+



" إلى الخارج .. هيا ...."


+



" راغب ..."


+



صدح صوت همسة المستنكر ليأمرها بنبرة باردة :-


+



" خذي شقيقتك من هنا ..."


+



هتفت هالة وهي تتمسك بذراع شقيقتها :-


+



" إسمعني على الأقل ..."


+



"غادري يا هالة ...."


+



نطقها بصرامة لتهتف همسة وهي تقبض على كل شقيقتها :-


+



" تعالي يا هالة ... لا تذلي نفسك أكثر لأجله ... إتركيه ... هو حر .. لا أحد سيموت بسبب خصام أحدهم له ..."


+



طالعها بعينين مشتعلتين قابلتهما هي بنظرات متحدية عندما أخفضت هالة رأسها وهي تهمس بإحباط :-


+



" سأذهب ..."


+



لكنها توقفت وهي ترى توليب تتقدم نحويهما تهتف بملامح متوترة :-


+



" عمي حاتم وصل قبل قليل ..."


+



ثم إبتلعت ريقها وهي تضيف بخفوت :-


+



" ومعه أثير ..."


+



" ماذا ..؟!"


+



صاح بها راغب وهو يندفع مغادرا المكان متجها حيث صالة الجلوس تتبعه توليب بقلق ...


+




        

          


                

نظرت هالة إلى شقيقتها بجزع قبلما تذهب خلفهما متجاهلة نداء شقيقتها ...


+



إندفع راغب إلى داخل صالة الجلوس :-


+



" ماذا تفعل هنا ...؟!ألم أمنعك من الحضور ..؟!"


+



وقف والده في وجهه يخبره بصرامة :-


+



" أنا سمحت له بالمجيء يا راغب ..."


+



" لكن ..."


+



أوقفه والده بثبات :-


+



" هل ستقف في وجهي أيضا ...؟!"


+



طالعه راغب بجمود وهو يخبره :-


+



" بالطبع لن أفعل .. سأغادر أنا ..."


+



تقدمت همسة إلى الداخل وتلاقت عيناها بعيني خالتها القلقة قبلما تسمع حماها يخبر راغب بضيق :-


+



" لا تجن يا راغب ... أثير أتى مع والده ليعتذر ..."


+



" يعتذر ..."


+



تمتمت بها همسة قبلما تضيف وهي تطالعه بنظرات كريهة حاقدة صدمت أثير والذي إعتاد منها على الهدوء والنظرات الناعمة الرقيقة :-


+



" علام سيعتذر بالضبط ...؟! على الماضي أم الحاضر ...؟! "


+



إستندت هالة على الجدار خلفها بجانب باب الصالة المفتوحة تستمع للأحاديث داخلها بعبرات مكتومة بينما إسترسلت همسة بنبرة غاضبة محتقرة :-


+



" أي أعتذار سيكون مناسبا بعدما فعله ...؟!  لقد دمر شقيقتي .. دمر زواجها .. جعلها تخسر الرجل الذي تحبه ... "


+



إعتصر أثير قبضته بقوة وكانت أنفاسه تتصاعد تدريجيا رغم قناع الجمود الذي يغطي ملامحه ليقول عابد بهدوء :-


+



" همسة يا إبنتي ... كل شيء له حل ..."


+



" أي حل يا عمي ...؟! شقيقتي خسرت كل شيء ... "


+



أضافت تصيح به :-


+



" بسببك تدمرت حياتها بل بسببك أنت فُضِحت أمام الجميع ... سابقا تلاعبت بها مستغلا إنها مراهقة مندفعة لا تعي حجم خطأها وما أقدمت عليه ... ولم تكتفِ بذلك فقررت محاسبتها على تركها لك والذي كانت سبب والدتك وبدلا من أن تحاسب والدتك قررت أن تنتقم منها ونجحت في ذلك ودمرتها بل جعلتها علكة في أفواه الجميع ..."


+



أضافت بمرارة :-


+



" بسببك تطلقت بعد زواجها بفترة قصيرة للغاية وبسببك أنت باتت واحدة حقيرة مثل شقيقة كرم تهددها وتتلاعب بها ناهيك عن الحادث المميت الذي تعرضت له .. "


+




        

          


                

عقدت ذراعيها أمام صدرها تخبره ببرود :-


+



" والدتك وأنت دمرتما شقيقتي لذا مهما إعتذرت ومهما فعلت فإعتذارك مرفوض يا بك ... "


+



أضافت بتحدي :-


+



" ولا أعتقد إن راغب رأيه سيختلف عن رأيي ..."


+



هتف راغب بجدية :-


+



" أنا وهمسة نرفض إعتذارك يا أثير قبل أن تنطق به حتى ... أساسا إعتذارك لن يغير شيئا ولن يصلح ما تم إفساده بسببك .. "


+



" هناك حياة كاملة تدمرت .. هناك أحلام إنتهت ... شقيقتي كانت تستعد لحياة جديدة مثالية مع الرجل الذي تحبه لكنها إنتهت قبل أن تبدأ بسببك أنت وتلك الحقيرة .. لم تكتفِ بما فعلته والدتك بها مسبقا وكيف آلمتها لتأتي أنت وتفعل نفس الشيء بها وكأنها مجبرة أن تخسر سعادتها دائما بسببكما ..."


+



كانت تتحدث بإنفعال والعبرات ملأت عينيها بينما وضعت هالة كفها فوق فمها تكتم شهقاتها بصعوبة ...


+



طالعتها خالتها بأسى وكذلك توليب ولم يستطع عابد أن يقل شيئا فهو يشعر بمقدار وجعها وحرقة على قلبها على شقيقتها الوحيدة .. 


+



" أتفهم موقفك يا إبنتي ولا ألومك ..."


+



قالها حاتم  بهدوء وهو يضيف :-


+



" مهما قلتِ فلن ألومك .. أثير أساسا سيسافر ولن يعود قبل عامين وهو أراد أن يعتذر ويحاول إصلاح ما حدث ... هو لا يتحمل الذنب كله لوحده .. جميع الأطراف تتحمل ذنب ما حدث ..."


+



" وجميع الأطراف دفعت الثمن غاليا عدا إبنك ... شقيقتي خسرت كل شيء ... وكرم خسر كل شيء كذلك بل بات يعاني من إعاقة في يده ... إبنك الوحيد الذي لم يصبه أي مكروه والوحيد من خرج منها سالما ..."


+



" يخيل لك يا هانم ..."


+



قالها أثير بجدية وهو يضيف :-


+



" لا أحد منا خرج سالما من هذه العلاقة المدمرة ... أنت يحق لك أن تدافعي عن شقيقتك كما تشائين ... ولكن عليك أن تعلمي إنها تتحمل جزءا مما حدث..."


+



" أثير ..."


+



هتف بها والده بصرامة ليهتف أثير بجدية :-


+



" لنتحدث بصراحة فلا يوجد أحد غريب هنا ... هالة أخطأت يا همسة هانم .. أخطأت عندما دخلت في علاقة معي وأنهتها دون سبب وجيه ... دون أن تخبرني بالحقيقة وراء تركها لي وتركتني أعاني بسبب ذلك لأعوام وأسأل نفسي كل يوم عن الخطأ الذي إرتكتبه كي تتركني فجأة بهذه الطريقة ... شقيقتك التي حملت حقدا وكرها غير مبررا اتجاهي فقط لأن والدتي آلمتها وكأنني مجبر أن أحمل فوق ظهري أخطاء والدتي مع إنها لو أخبرتني بما حدث لكنت تصرفت وجلبت لها حقها من والدتي وهي تعلم بقدرتي على ذلك لكنها لم تقبل أن تتنازل متجاهلة الرباط الوثيق الذي كان بيننا مقررة أن تهدم كل شيء بيننا بعدما إتفقنا على الزواج ورتبنا كل شيء ..."


+




        

          


                

أخذ نفسا عميقا ثم قال :-


+



" أنا لا أبرر لنفسي أفعالي لكني في النهاية رجل ...رجل تم طعنه بقوة والتلاعب به ... لو كنتِ مكاني ماذا كنت ستفعلين ..؟!"


+



تطلع إلى راغب يسأله :-


+



" أنت لو كنت مكاني ماذا كنت ستفعل يا راغب ...؟! "


+



أضاف وهو يلاحظ تجهم ملامحه:-


+



" أجبني يا راغب .. لو كنت مكاني ماذا كنت ستفعل ... ؟!"


+



" كنت سأتركها وشأنها ولن ألتفت إليها مجددا ..."


+



أجابه راغب ببرود ليهتف أثير بسخرية  :-


+



" أعذرني  إذا لأنني لا أستطيع أن أكون متسامحا إلى هذه الدرجة مثلك ..."


+



" هذا ليس تسامح يا باشا ... هذا ترفّع ... "


+



إختلجت ملامحه كليا وهو يراها تتقدم إلى الداخل بعدما طفح الكيل بها مما تسمعه على لسانه  ...


+



وقفت بجانب شقيقتها التي طالعتها بذهول فتجاهلت ذلك وهي تخبره بثبات لا يشبه ملامحه المنهكة كليا بشكل لاحظه الجميع :-


+



" هل إنتهيت .. مهما قلت ومهما بررت فهذا لن يبرر تصرفاتك معي  فأنا على الأقل لم أؤذيك متعمدا ..."


+



" هذا صحيح ..."


+



قالها بسخرية خفية بينما نظرت هالة لوالده تخبره بثبات :-


+



" سبق وتحدثنا يا سيادة الوزير .. أخبرتني إنك مستعد فعل أي شيء لتعويضي عن خسارتي الفادحة ... هل ما زلت عند كلامك بعدما سمعته أم إن حديث إبنك جعلك تغير رأيك وترى إنني أستحق ما عشته ...؟!" 


+



" بالطبع كلا .. أنا بالفعل فعلت لك ما تريدينه ... كرم خرج من السجن ... "


+



" حقا ...؟! شكرا لك إذا ولكن ... "


+



أوقفها أثير :-


+



" لحظة واحدة .. ليكن كلامك معي ... أنا من أخطأت وليس والدي ... أخبريني ما المطلوب مني بالضبط ..."


+



" حقا ..؟! "


+



سألته بإستهزاء متعمد ليتجاهل هو غضبه من طريقتها المستفزة وهو يخبرها بثقة :- 


+



" نعم فأنا سأفعل لك ما تريدين ..."


+



طالعته بوجد جامد قبلما تلقي في وجهه ما لم تكشفه مسبقا أمام أحد :- 


+



" هل ستعرض علي أموالا كوالدتك ...؟!" 


+



طالعها بصدمة بينما هدرت همسة مصعوقة :- 


+



" ماذا ...؟!"


+



ضحكت وهي تسأله :-


+



" بالطبع لم تخبرك بهذا ... "


+



إزداد وجوم ملامح حاتم بينما عقدت هالة ذراعيها أمام صدرها تناظره بتحدي وهي تخبره :-


+



" والآن أخبرني يا باشا ... مالذي ستفعله الآن ...؟! ألستُ أنا الحقيرة التي تخلت عنك دون سبب وجيه .. إهانتي بهذه الطريقة البشعة سببا لا يستحق ... مالذي يستحق من وجهة نظر حضرتك ...؟! مالذي كنت تريده ..؟! أدعس فوق كرامتي وكبريائي المهشم على يد والدتك لأجلك ..."


+



أضافت تسأل :-


+



" ضع نفسك مكاني .... لو كنت مكاني ووالدتي تصرفت معك بنفس الطريقة فهل كنت ستتصرف بشكل مختلف ...؟! لماذا لا تجيب ...؟!"


+



" لم يكن لدي علم بهذا ..."


+



قالها بجمود لتصيح :-


+



" وها قد بات لديك علم .. مالذي تغير ...؟!"


+



" لا أستطيع تغيير الماضي لكنني أستطيع تغيير الحاضر ... "


+



قالها بثبات ليطالعه والده بجمود فيتبادل ولده الأنظار معه قبلما يعاود النظر لراغب وهو يخبره :-


+



" أنا لم أتِ لأجل الإعتذار فقط يا راغب بل أتيت ل ..."


+



إتجه ببصره هذه المرة نحوها يضيف بجدية عاقدا العزم على تنفيذ ما خطط له رغم تردده في تنفيذه  :-


+



" لأخطب هالة منك ... أنا أريد الزواج من هالة يا راغب ... ويشرفني أن توافق على طلبي ..."


7



يتبع


+





" أنا لم أتِ لأجل الإعتذار فقط يا راغب بل أتيت لأخطب هالة منك ... أنا أريد الزواج من هالة يا راغب ... ويشرفني أن توافق على طلبي ..."


+



الصدمة حلت على جميع الموجودين بإستثناء عابد الذي توقع طلبه هذا رغم عدم معرفته بذلك كالبقية لكنه إستطاع تخمين ما ينتويه إبن شقيقته الذي وإن كان يحمل داخله عشقا جارفا فقباله يوجد غضب وحقد مخيفين يشتعلان داخل روحه ووجع خفي يأبى أن يظهر للعلانية ...


+



تلك المشاعر المتناقضة بين العشق والكره بل والحقد الشديد مع ضعف مشروط صنعوا منه شخصا آخر يتخبط هنا وهناك ...


+



شخصا يريد كل شيء ...


+



يريد الإنتقام ..


+



يريد الفوز...


+



و يريد العشق ...!


+



بات شخصا يندفع بشكل أعمى نحو أمنياته ضاربا بكل شيء حوّله عرض الحائط ...


+



لوهلة تجمد راغب مكانه غير مستوعب ما نطق به هذا الأحمق ...


+



شحبت ملامح همسة بعدم إستيعاب هي الأخرى وكذلك زهرة التي بهتت رغما عنها ..


+



والده تجهمت ملامحه بقوة رافضا ما تفوه به من حماقة أما هي فطالعته بصدمة لم تدم طويلا ...


+



صدمة سرعان ما تلاشت وهي تندفع نحوه تصرخ بكل غضب ممكن وخلفها راغب الذي كان سيهجم عليه في ذات اللحظة لولا إنها سابقته...


+



 " لا ..."


+



صاحت وهي تتقدم قبلما تصيح بصوت جهوري وإنفعال شع من عينيها اللتين تمردتا قباله بنظرات مشتعلة :-


+



" لا وألف لا ... ماذا تظن نفسك ...؟! هل تعتقد إنني سأقبل حقا ..؟! ولماذا سأفعل ..؟!"


+



قابلها بملامح ثابتة لم يهتز بها شيئا ولو بالخطأ بينما صاحت هي بذات الإنفعال :-


+



" هل تعتقد إن الفرصة أتتك مجددا لتنال ما خسرته مسبقا دون إرادتك ...؟! لتنتقم من والدتك ... ؟! لتكسرني بذات الطريقة لكن وأنا على ذمتك هذه المرة ...؟!"


+



أخذت نفسا عميقا ثم قالت بثبات تحسد عليه :-


+



" لا وألف لا .. سأقولها بوضوح ..."


+



" أنتِ حرة ... أنا قدمت عرضا ..."


+



قالها ببرود مستفزلتهتف بأنفاس صامدة بإعجوبه :-


+



" وأنا أرفض .. أرفضك ..."


+



أضافت عن قصد تتعمد أن تؤلمه كما عذبها طوال الفترة السابقة :-


+




                

          


                

" كما رفضتك  مسبقا بسبب والدتك فاليوم أرفضك و ليس بسبب والدتك فقط كالسابق وإنما بسببك أنت هذه المرة يا أثير .. فأنا لن أتزوج رجل مثلك تلاعب بي بهذه الطريقة الحقيرة ... رجل أناني حقود لا يفكر سوى بنفسه ...  لن أقبل بك ولو كنت آخر رجل على وجه الأرض ..."


+



بكل ثبات ممكن هتف وهو يحافظ على ثبات وجهه وإنفعالاته بصعوبة شديدة :-


+



" أنتِ حرة .."


+



ثم تحرك مندفعا خارج المكان يتبعه والده بملامح محتقنة ووعيد فهو دمر ما خطط له بل لم يعتذر من راغب  كما ينبغي ...


+



ما إن غادر حتى إلتفتت نحو شقيقتها وراغب وسرعان ما إنطفئت شعلة التمرد الذي إنبثقت داخلها قبل لحظات ليعود الألم ويكسو ملامحها ويستقر في عينيها اللتين وجدتا راغب يطالعها بجمود دون أن يظهر أي ردة فعل على تصرفها بينما شقيقتها تطالعها بشفقة تجاهلتها وهي تندفع بدورها مغادرة المكان تتبعها همسة سريعا ...


+



هتف راغب مشيرا إلى والده :-


+



" هذا هو إبن شقيقتك ...!! لا يحترم أحد ولا يهتم برأي أحد ولا يضع إعتبار لأي أحد سوى نفسه ... "


+



" حتى لو كان ما تقوله صحيح ... لقد منحته هالة صفعة قاسية  لن يتخطاها طوال ما هو حي .. "


+



" هل تدافع عنه ..؟!"


+



صاح راغب معترضا ليهدر عابد بجدية :-


+



" لا أدافع .. ولكنني أقول الواقع ... هالة سددت في وجهه أكبر صفعة سيمر بها في حياته .. لقد رفضته أمام الجميع وحطمت كبريائه بكل قوة وثبات .... لذا هو نال ما يستحق ... إنتهى ..."


+



تحرك بعدها يغادر المكان تاركا إياه مع والدته التي هتفت وهي تتقدم نحوه برجاء :-


+



" لا تنفعل مجددا يا راغب .. أنا أخشى عليك من شدة الإنفعال ..."


+



" كيف لا أنفعل وعندي حمقى مثل هؤلاء في العائلة ...؟! أولادك وهالة وهذا الحقير الذي لن يرتاح حتى أقتله بين يدي..."


+



قالت زهرة بسرعة تحاول تهدئته :-


+



" أنت فقط إهدأ .. أساسا الجميع نال جزاءه ... هالة عوقبت أضعاف ما تستحق ... وأثير بدوره تعرض لموقف صعب لا يحسد عليه ..."


+



تنهد بصعوبة ثم قال وهو يتحرك مغادرا المكان بدوره بعدما ملّ مما يحدث وأرهقته بشدة أحداث الأيام الماضية :-


+



" تصبحين على خير يا أمي ..."



+



**



+




        


          


                

دلفت إلى جناحهما بعدما إطمئنت قليلا على شقيقتها التي خلدت للنوم ..


+



بدت هالة متماسكة عكس ما توقعت بل تصرفت ببرود مريب إتجاه ما حدث في الأسفل ثم أخذت حماما دافئا قبلما تتجه للنوم فأصرت هي أن تبقى جانبها حتى تغفو ويطمئن قلبها عليها ...


+



تنهدت بصمت وداخلها تتمنى أن تتجاوز شقيقتها ما حدث ..


+



تثق بقوة هالة وقدرتها على التخطي رغم صعوبة ما عايشته ..


+



لطالما كانت هالة قوية متماسكة على الدوام عكسها هي ...!


+



وجدته يخرج من دورة المياه وهو يجفف شعره بالمنشفة مكتفيا بإرتداء بنطال بيجامته بينما نصفه العلوي عاري كعادته في هذا الوقت من الليل  ....


+



تجاهلها ولم ينظر نحوها حتى بينما يتجه نحو طاولة الزينة حيث وضع المنشفة جانبه وسحب المشط يسرح خصلات شعره قبلما يرش جسده بعطوره المفضلة ..


+



وقفت قباله تراقبه وهي عاقدة ساعديها أمام صدرها بملامح متحفزة تستعد لحديث لن تسمح له بأن يهرب منه فهما يجب أن يتحدثان بشأن ما حدث بينهما بدلا من هذا التجاهل المزعج ...!


+



" راغب ..."


+



تمتمت بها بهدوء ليرد دون أن يستدير نحوها :-


+



" نعم .."


+



هتفت بذات الهدوء :-


+



" يجب أن نتحدث .."


+



" لا يوجد شيء نتحدث به .."


+



قالها وهو يتحرك نحو الخزانة يجذب تيشرت بيجامته لتهتف وهي تقف خلفه بضيق :-


+



" بلى يوجد ... أنت غاضب مني .... غاضب بسبب حديثي السابق ..."


+



إلتفت نحوها يهتف ببرود :-


+



" لماذا تقولين هذا ...؟! هل قلت شيئا خاطئا وأنا لا أعلم ...؟!"


+



بروده المستفز أغاظها فهتفت بإنفعال مكتوم :-


+



" بالنسبة لك أنا مخطئة ..."


+



تابعته وهو يرتدي التيشرت :-


+



" أنت تراني مخطئة في حديثي ... "


+



هتف بلا مبالاة متعمدة :-


+



" كلا أنت لست مخطئة ... واقعيا أنا المخطئ .. فأنا الذي إعتقدت شيئا لا وجود له ..."


+



هتفت بينما تجاهد للسيطرة على غضبها :-


+



" الأمر ليس كذلك ... أنا ربما تحدثت بواقعية مبالغ بها ..."


+




        

          


                

إلتفت نحوها يهدر مجددا بأنفاس غاضبة :-


+



" تحدثتِ بما يجول داخلك ... بما تحملينه داخلك .. بما تشعرين به ..."


+



قالت بجدية :-


+



" أين الخطأ فيما قلته ..؟! حقا لا أفهم ...  أنت تعاملت معها بقسوة مبالغ فيها ... لو كانت شقيقتك حقا ما كنت ل..."


+



صاح غير مصدقا ما تتفوه به :-


+



" مجددا .. مجددا يا همسة ... وتقارنين أيضا ... لو كانت شقيقتي لفعلت نفس الشيء ... لتصرفت بنفس الطريقة بل ربما لصفعتها على وجهها دون تردد ... "


+



إندفع يهدر بغضب شديد :-


+



" الآن أصبحت هالة ليست شقيقتي ... بعد كل شيء قدمته لها ... بعدما إعتنيت بها كأخ حقيقي ... وقبلما تؤولين كلامي بشكل مختلف كعادتك فأنا فعلت ذلك حبا ليس كرها ولا إجبارا فقط بسبب صلة القرابة التي تحتم عليّ ذلك ..."


+



أضاف وهو يشير نحوها :-


+



" لكن أنتِ كعادتك لا ترين هذا بل لا ترين أي شيء أفعله ... "


+



" أنا ..."


+



همست بها بنبرة مختنقة ليصرخ بغضب :-


+



" نعم أنت ... حتى وأنت تدركين جيدا مقدار خطأها وإنها تستحق عقابا شديدا تجاهلتي ذلك وحاسبتني على رد فعل طبيعية للغاية في موقف كهذا .. لماذا ...؟! لأنك دائما تريدين أن تثبتي خطئي ... دائما تبحثين عن سبب يجعلك تغضبين وتتمردين وترفضين تصرفاتي ... دائما تريدين حجة كي تحرري بضعا مما تحملينه داخلك نحوي ... علام تحاسبيني بالضبط ..؟! تحاسبينني كوني غضبت من شقيقتك التي دمرت حياتها بسبب غبائها وتسرعها .. ؟! تحاسبيني لإنني أردت الحفاظ على كرامتها وكبريائها بل وسمعتها التي باتت على المحك ...؟! "


+



ملأت الدموع عينيها لتهمس من بين شفتيها اللتين ترتجفان بقوة :-


+



" هذا كله بسبب بضعة كلمات خرجت في لحظة عصبية ...؟! لأنني كنت مقهورة على شقيقتي وما أصابها ..."


+



" ليته مجرد كلام صدر في لحظة عصبية ولا تعنينه بحق ... لكنه ليس كذلك وأنتِ تدركين ذلك جيدا ..."


+



قالها بإحباط تسرب لملامحه ونبرة صوته رغما عنه لتهمس بصعوبة :-


+



" ماذا تعني ..؟!"


+



تنفس بعمق ثم قال بأسف :-


+



" أعني إن ما قلتيه في لحظة عصبية ليس مجرد كلام إنفعالي بل على العكس ... أنت تعنين كل كلمة تفوهت بها ... مهما حاولت إدعاء عكس ذلك ... لأنكِ هذه أنتِ يا همسة ... هذه حقيقتك ...كلامك الذي صدر منك في لحظة غضب يمثل واقع نظرتك وأفكارك إتجاهي ... أما ما كنت تفعلينه طوال الفترة السابقة كان مجرد تمثيل .. كنت تتصرفين بشكل لا يشبهك فقط كي لا تخسريني ... وهذا ليس حبا بي بالطبع وإنما لأن كبريائك الغبي يخشى أن أبحث عن زوجة غيرك تمنحيني ما أفتقده طوال زواجي منك ..."


+




        

          


                

أضاف بجرح خفي :-


+



" أنت ترين إن حتى رعايتي لهالة فقط بدافع المسؤولية والتحكم  وفرض سيطرتي عليها كما أفعل مع الجميع ... مثلما كنت ولا زلت ترينني ذلك الزوج الذي يسعى لتشكيلك حسب مزاجه وتسييرك وفقا لرغباته ... "


+



" كلا ، هذا ليس صحيح ..."


+



همست بها وعبراتها تتساقط فوق وجنتيها ليهدر بها :-


+



" بلى صحيح ، والدليل إنك كنت تتعمدين  التمرد عليّ طوال السنوات السابقة فقط كي تثبتي لنفسك إنني لا أستطيع التحكم بكِ وإنك حرة نفسك ... لا يمكنكِ أن تنكري ذلك ... أبدا ..."


+



" هذا كله تحمله داخلك ..."


+



نطقتها بذهول قبلما تصيح بغضب :-


+



" تحمل هذا الكم من الغضب داخلك إتجاهي ... !!! تراني بهذا السوء .... "


+



" أنت من ترينني دائما الرجل السيء .. المتسلط القاسي الذي لا يهتم سوى بنفسه ومظهره ومكانته .. أنت يا هانم .. أم ستنكرين هذا ...؟!"


+



" كلا لن أنكر .."


+



نطقتها وهي تتحامل على نفسها كي تسيطر على عبراتها وهي تضيف :-


+



" ولكنني أحاول تغيير هذا ... قد تكون نظرتي خاطئة يا راغب ولكنك لم تحاول تغيير نظرتي هذه يوما بل تجاهلت شعوري هذا تماما حتى تعاظم داخلي تدريجيا وتمكن مني ..."


+



" شعورك هذا أتى من الفراغ دون سبب وجيه ... لمَ سأغيره ...؟! لست مسؤولا عن أوهامك يا هانم ... "


+



قالها وهو يجذب هاتفه من جيب سترته لتصيح به :-


+



" أنت أناني ولا تفكر سوى بنفسك ..."


+



هتف وهو يقف قبالها :-


+



" ومتسلط ومتحكم وقاسي ... هيا إستمري .... "


+



إرتجف جسدها بقوة من فرط عصبيتها فصاحت وهي تتجه نحو الخزانة لتجذب ملابس لها :-


+



" لن أبقى معك في هذا الجناح لحظة واحدة ... لن أبقى معك ..."


+



أوقفها ببرود :-


+



" لا تتعبي نفسك .. أنا كنت أنوي المغادرة بالفعل ... "


+



لمعت عينيها بأسى وهي تسأل :-


+



" إلى أين ستذهب ...؟!"


+



رد دون أن ينظر نحوها بينما يحمل متعلقاته الشخصية :-


+



" سأبيت في جناح الضيوف ..."


1



وقبل أن ينتظر ردا تحرك مغادرا جناحهما تاركا إياها واقفة مكانها بأنفاس مضطربة قبلما تنهار فوق السرير باكية بعنف ...!


+




        

          


                

**


+



بعد مرور ساعة .. 


+



لم يستطع النوم طوال الساعة الفائتة ..


+



عقله منشغل بها ... يخشى عليها من إنهيارها فيكفي ما عاشته من ضغط عصبي كبير خلال اليومين السابقين ...


+



يلوم نفسه تارة كونه قسى عليها ثم يذكر نفسه مجددا بما قالته وبحديثها عنه ونظرتها إتجاهه والتي لم تتغير مهما حدث ...


+



لا ينكر إن الفترة السابقة تغيرت بشكل واضح وباتت تسعى لقربه وإسعاده ..


+



ولكن هذا لا يكفي أبدا ولن يكفي لا له ولا حتى لها ...


+



تغيرها كان لسبب معين وليس لأنها أرادت التغيير حقا وهذا يزعجه كثيرا ...


+



كلما ظن إنها تبدلت بالفعل وباتت أكثر قربا منه وفهما له يكتشف إنها ما زالت تدور في ذات الحلقة الفارغة ...


+



لا يفهم عليها ولا يعلم ما تريده ...


+



أين يكمن سلامها الداخلي ...؟! 


+



غاضب هو منها بشدة لكنه مشفق عليها في ذات الوقت ..


+



هي تعاني منذ سنوات وما زالت تفعل ...


+



داخلها مخاوف لا تعد وإضطرابات لا حصر لها وأسرار ترفض الإفشاء عنها ...


+



أحيانا يلوم نفسه فربما هو من تسبب بهذه المعاناة لها عندما قيدها جانبه وربطها به إلى الأبد ..


+



هو كان أنانيا وحقق ما يتمناه متناسيا رغباتها وأمانيها ...


+



ربما كان عليه أن يطلقها منذ بداية زواجهما ويمنحها حريتها لتحيا بالشكل الذي يمنحها الراحة والسعادة...


+



تنهد بضيق ساخرا من نفسه وأفكاره التي باتت لا تجدي نفعا فما بينهما الآن لا يمكن هدمه فهناك مصير ثلاثة أشخاص غيرهما متعلق بزيجتهما التي لابد أن تستمر...!


+



توقفت أفكاره محلها وهو يستمع لصوت باب الجناح ُيفتح قبلما يصدح صوتها الخافت :-


+



" هل نمت ...؟!"


+



سرعان ما إعتدل في جلسته وهو يجيبها :-


+



" كلا ، ماذا حدث ...؟!"


+



سارعت تفتح الضوء لتطل عليه بملامحها الباهتة ...


+



شعرها الناعم منسدلا على جانبي وجهها ووجهها محمر بشدة ...


+



ترتدي بيجامة من الستان الزهري وتناظره بصمت مرهق قبلما تتقدم نحوه وتجلس أمامه مباشرة ...


+




        

          


                

مدت كفها نحو كفه تلمسه بتردد ثم تقول بخفوت :-


+



" أنا آسفة ..."


+



أضافت وهي ترفع عينيها الدامعتين نحوه :


+



" سامحني .... "


+



ثم فاجئته بنشيج متقطع جعله يسارع ويجذبها نحو صدره يهتف بلوعة :-


+



" حسنا لا تبكي .. سامحتك فقط لا تبكي ... لا تفعلي يا همسة .."


+



هتفت من بين بكائها الخافت :-


+



" أنا حمارة .. غبية ... أنت تحملتني طويلا .. صبرت كثيرا ... أعلم ذلك لكنه ليس بيدي ..."


+



رفعت وجهها الباكي نحو وجهه تخبره من بين عبراتها الحارة :-


+



" بعدما حدث في الآونة الأخيرة بيننا وتحديدا منذ قرارك بالزواج مجددا ثم تقاربنا بعدها أدركت إنه رغم كل شيء فأنا لا أريد الإبتعاد عنك ... أريدك جانبي أنت والأولاد دائما وأبدا ... أنتم عائلتي ... أنتم ومعكم هالة تمثلون كل شيء بالنسبة لي ..."


+



" أنا لن أتركك أبدا يا همسة ..."


+



قالها وهو يحاوط وجهها الباكي بكفيه يضيف بصدق :-


+



" يستحيل أن أفعل ذلك ..."


+



أضاف بجدية :-


+



" ولن أتزوج مجددا ... صحيح قلت هذا لكنها كانت لحظة غضب تمكنت مني .. أنا لا يمكنني الزواج من غيرك ... لا أستطيع ... ليس خوفا من أحد بل لأنني بالفعل لا أريد امرأة غيرك ..."


+



" حقا ..؟! يعني ألم تشعر بحاجتك لواحدة غيري ..؟! "


+



سألته بلهفة وهي تضيف بخفوت بائس :-


+



"واحدة أفضل مني ...!" 


+



" لماذا تقولين هذا ..؟!"


+



قالها بوجوم وهو يضيف بصدق شعرت به :-


+



" أنت الأفضل في نظري ..."


+



" ولكن ..."


+



توقفت بإرتباك ليطالعها بإهتمام :-


+



" ولكن ماذا ..؟! تحدثي يا همسة ... لا تخفي شيئا ..."


+



تمتمت بخفوت :-


+



" لماذا أشعر دائما بأنني لا أناسبك ...؟!"


+



كادت أن تخبره أنها لا تليق به لكنها إستعانت بعبارة مختلفة كي لا تقلل من نفسها لتجده يقول بخفة :-


+



" لستِ أنت من تحددين هذا يا همسة ... أنا من أحدده ولو كنت كذلك ما كنت لأخطبك من الأساس بل ما كنت لأنجب منك بدل الطفل ثلاثة ..."


+




        

          


                

" ربما لم يكن أمامك حل آخر .. كان من الصعب أن تتركني بعد زواجنا ... "


+



تنهد ثم قال بجدية :-


+



" كلا يا همسة .. لا يوجد شيء كهذا ... أنت تتوهمين ذلك .. ها أنا أقولها بوضوح ... أنت تناسبينني بل الوحيدة التي تناسبني ... لا أعتقد إنني من النوع الذي يكذب أو يقول عكس ما يراه ..."


+



اومأت برأسها ثم قالت بخفوت :-


+



" صحيح فأنت لا تكذب أبدا ..."


+



تنهد بصمت ثم قبض على ذقنها يخبرها بهدوء :-


+



"تخلصي من هذه الأوهام التي لا وجود لها من الأساس .. أرجوك يا همسة ..."


+



هزت رأسها بصمت قبلما تسأل بحذر :-


+



" هل نذهب إلى جناحنا أم ستبقى هنا ..؟!"


+



رفع حاجبه يسأل بمكر :-


+



" إذا قلت سأبقى ماذا ستفعلين ..؟!"


+



طالعته بوجوم امتد للحظات قبلما تتحرك وتجلس جانبه تخبره ببساطة :-


+



" سأبقى معك ... وأنام جانبك ..."


+



إبتسم وهو يجذبها نحو صدره يخبرها :-


+



" فكرة جيدة .."


+



رفعت عينيها الخضراوين نحوه تتطلع نحوه بنظرات صافية بينما تخبره بصدق :-


+



" أصبحت لا أطيق النوم بعيدا عنك .. هل تصدق ذلك ...؟!"


+



إبتسم مرددا بخفوت :-


+



" هذا تطور كبير يستحق التقدير ..."


+



عاتبته بعينيها لتتسع إبتسامته قبلما يطبع قبلة دافئة فوق جبينها جعلتها تبتسم بخجل سرعان ما وضعته جانبا وهي ترفع وجهها تقبل شفتيه بنعومة تجاوب معها على الفور قبلما يتمتم مشاكسا وهو يزيح خصلات شعرها خلف أذنها :-


+



" أخبريني أولا عن نظام الجدول خاصتك ... فتاة أم صبي هذه الليلة ...؟!"


+



ضحكت وهي تخبره بخفة :-


+



" ربما الإثنين ..."


+



" سيكون رائعا ... "


+



سألته بعدم إستيعاب :-


+



" هل تريد المزيد من الصبيان ..؟!"


+



تمتم ببساطة :-


+



" نعم وأريد أكثر من فتاة ..."


+



برمت شفتيها تخبره :-


+



" فتاة واحدة فقط لا غير ..."


+




        

          


                

" وماذا لو أتى صبي ..؟!"


+



سألها بخفة قبلما يضيف وهو يميل نحوها :-


+



" حينها علينا تكرار التجربة .. أليس كذلك ..؟!"


+



مدت كفها تلمس ذقنه النامي تخبره بمرح :-


+



" أخبرتك أن نلتزم بالجدول ..."


+



" وماذا يقول الجدول بالنسبة لليوم ..؟!"


+



سألها مشاغبا وهو يلتقط شفتيها بقبلة عميقة تجاوبت معها بلهفة شديدة لتهمس بعدها من بين أنفاسها المتقطعة :-


+



" يقول أن نكون سويا اليوم وكل يوم ..."


1



تصريحها الجريء بإندفاع غير مقصود أجج مشاعره ورغبته المتفاقمة ليجذبها نحوه في عناق جارف وليلة حميمية إمتدت حتى ساعات الصباح فغرق كلا منهما في الآخر متجاهلا ما يحاوطهما من شوائب وأشواك مصيرها ما زال مجهولا ....


1



**


+



تنام فوق سريرها يجاورها طفليها كلا منهما على أحد جانبيها ...


+



لم تستطع أن تغفو رغم حاجتها الشديدة للنوم إلا أن أفكارها المتعبة تحتل رأسها دون فكاك ..


+



تعلم إن عليها إتخاذ قرار حاسم بشأن زواجها ..


+



المنطق يقول أن تطلب الطلاق وتغادر مع طفليها هذا المنزل الدافئ رغم تعلقها الشديد بساكنيه ...


+



عاطفتها عاجزة عن تقبل هذا ليس لأجل طفليها فقط بل لأجلها هي كذلك ...


+



هي التي وجدت بين جدران هذا المنزل ما إفتقدته لأعوام مع وجود طفليها اللذين إكتفت بهما عن كل شيء فهما مصدر سعادتها الدائم ..


+



ورغم ذلك هي تقاوم مشاعرها وتسعى لبتر هذه العلاقة التي تجمعها مع رجل لا يفعل شيئا سوى إزعاج من حوله ..


+



رجل فقدت الأمل فيه فقررت أن تعتمد على نفسها فيما يخص طفليها وتوفر لهما الحياة التي يستحقانها وتحاول تعويضهما عن غيابه ورغم ذلك تجد نفسها عاجزة عن إتخاذ قرار حاسم ورفع دعوة طلاق ليس تمسكا به بل تمسكا بالحياة التي تعيشها مع والدته وشقيقه ...


+



تلك الحياة التي يستحقها طفليها فتخشى أن تحرمهما من دفء عائلتهما كما سيحرمان من حنان الأب ورعايته ...


+



تنهدت بتثاقل وهي تتذكر ما حدث اليوم وكم أغضبها تصرفه عندما فوجئت به يلاعب الطفلين اللذين كانا يقضيان وقت العصر في الحديقة كعادتهما بوجودها هي والمربية وجدتهما ...


+




        

          


                

هي التي غابت لدقائق بسبب إجراء مكالمة هاتفية تاركة كليهما مع المربية بينما غادرت جدتهما إلى غرفتها لتستريح قليلا ولم يغب عنها تدهور صحتها في الفترة الأخيرة بل واقعيا منذ عودة ولدها من الخارج ..!


+



عادت وقتها إلى الحديقة لتتفاجئ به يحمل كريم وهو يشاكسه بإبتسامة مرحة بينما كاميليا تقف قباله تراقبه بحذر ...


+



أغضبها تصرفه وهي التي حذرته مسبقا أن يقترب منهما فتقدمت نحوه بسرعة وهي تسأل بملامح متحفزة :-


+



" ماذا تفعل يا صلاح ..؟!"


+



تمتم بإبتسامة مرحة :-


+



" أحاول أن أكون أبا ..."


+



صاحت بنبرة هجومية نسفت ابتسامته الحمقاء:-


+



" كن رجلا أولا يا صالح وبعدها يمكننا التفكير في مسألة الأبوة ..!"


+



إحتدت ملامحه فهدر بها بصوت مرتفع :-


+



" إحترمي نفسك ولا تتجاوزي حدودك يا نانسي ..."


+



صياحه جعل الصغير ينتفض باكيا بين ذراعيه فتجد مكانه وهو يستوعب إنه أخافه ...


+



سارعت تجذبه من أحضانه تحمله بين ذراعيها تحاول تهدئته بينما تقدمت كاميليا بسرعة نحوها تتمسك بقماش فستانها وترمقه مجددا بنظرات غاضبة ...


+



إحتقنت ملامحه بقوة وهو يردد معتذرا :-


+



" أنا آسف ..."


+



" حذرتك مسبقا ألا تقترب منهما ..."


+



" أنا فقط ..."


+



هتفت من بين أسنانها محاولة السيطرة على أعصابها :-


+



" أنت فقط تحاول كسب والدتك من خلالهما .. تستغلهما بشكل حقير كعادتك بإستغلال كل شيء تراه أمامك لكنني لن أسمح لك بذلك ..."


+



ثم سارعت تجر صغيرتها وتتجه بكليهما إلى الداخل ومنذ حينها وهي منعزلة في غرفتها تجاوز صغيريها بذهن شاردة بل تركتهما ينامان جوارها كذلك وكأنها تحتمي بهما من فراغ روحها وتعاسة قلبها الدائمة ...


+



رنين هاتفها أيقظها من شرودها المرهق ليهوي قلبها أسفل قدميها وهي ترى إسم شقيقتها يضيء الشاشة ..


+



بالكاد فهمت إن والدتها مريضة وتم نقلها إلى المشفى لتنهض من مكانها سريعا تتحرك بعشوائية في غرفتها قبلما تجذب روبا ترتديه فوق قميص نومها وتتحرك مغادرة حيث غرفة المربية تخبرها بضرورة مغادرتها وتطلب منها البقاء بجانب صغيريها ثم تهم بالعودة إلى الغرفة لتغير ملابسها لتجده في طريقها يسألها بإهتمام وقد لاحظ عينيها المحتقنتين بدموع حبيسة والذعر المرتسم فوق ملامح وجهها :-


+




        

          


                

" ماذا حدث يا نانسي ..؟!"


+



" ماما في المشفى ..."


+



ثم تحركت بسرعة عائدة إلى غرفتها حيث سحبت بنطالا وتيشرت وجدته أمامها لتتجه نحو الحمام تغير ملابسها بسرعة تاركة المربية مع الطفلين ...


+



غادرت الحمام وهي ترفع خصلات شعرها عاليا بشكل ذيل حصان بينما المربية تحاول طمأنتها والتخفيف من توترها ...


+



وضعت هاتفها سريعا في حقيبتها ثم منحت وصاياها للمربية قبلما تمنح طفلها نظرة خاطفة فوجدتهما نائمين بعنق ....


+



غادرت غرفتها لتتفاجئ به قبالها وقد غير ملابسه بسرعة قياسية وفي يده مفاتيح سيارته ...


+



هتف بجدية :-


+



" هيا لنذهب ..."


+



طالعته بتشوش ولم يكن بوسعها سوى أن تسير أمامه يتبعها هو حيث جاورته في سيارته وهي تخبره عن عنوان المشفى الذي تم نقلها إليه ...


+



أخذت تبكي بصمت دون أن تصدر صوتا بينما يطالعها هو بشفقة بين الحين والآخر ....


+



وصلا إلى المشفى لتغادر هي السيارة سريعا يتبعها هو حيث صعدا إلى الطابق الذي تقطن به حاليا في إحدى الغرف الخاصة ...


+



هناك وجدا هايدي تستند على الحائط جوار باب الغرفة بملامح جامدة سرعان ما تحولت إلى أخرى متلهفة وهي ترى شقيقتها الكبرى تتقدم نحوها لتسارع وتلقي نفسها داخل أحضانها سامحة لدموعها بالتساقط ...


+



تجمدت نانسي في مكانها لوهلة لا تستوعب ما حدث ...


+



لم تتصور يوما أن تبكي هايدي بين ذراعيها...


+



هذه ليست شقيقتها التي تعرفها وعاشرتها لأعوام ...


+



دق ناقوس الخطر في رأسها وتمكن الرعب منها وهي تسأل بفزع وإنهيار هايدي بهذه الطريقة يجعلها تفكر بحدوث أشياء سيئة للغاية :-


+



" ماذا حدث يا هايدي ..؟! ما بها ماما ..؟!"


+



سارعت هايدي تبتعد عنها محاولة إستعادة تماسكها تلوم نفسها لأنها تصرفت بطريقة أفزعت شقيقتها الكبرى :-


+



" أصبحت أفضل الآن .. تعرضت لجلطة عابرة .."


+



لم تكمل حديثها حيث إندفعت نانسي إلى الداخل بينما سارعت هي تكفكف دموعها قبلما تنتبه لوجود زوج شقيقتها الذي هتف بخفوت :-


+



" الحمد لله على سلامتها .. ستكون بخير إن شاءالله ..."


+



" إن شاءالله ..."


+




        

          


                

همست بها بخفوت لا يشبهها قبلما تتجه نحو أحد الكراسي الموضوعة قبالها تجلس عليه وهي تحاوط جسدها بذراعيها والعبرات جامدة في عينيها اللتين تلتزمان بصمود خادع بينما إتخذ صلاح كرسيا آخر يجلس عليه على مسافة بعيدة قليلا عنها ...


+



أما في الداخل فجلست جانب والدتها التي هتفت ما إن رأتها بنبرة باكية :-


+



" وأخيرا أتيت ..؟!"


+



سارعت نانسي تسأل وهي تقبض على كفها بحرص :-


+



"ماذا حدث يا ماما ...؟! لماذا تبكين ..؟!"


+



هتفت تهاني بلهجة متوسلة :-


+



" أريد شقيقك ... أريد رؤيته .. يجب أن أطمئن عليه ..."


+



" أين هو كرم ..؟! هل حدث شيء لا أعرفه ..؟!"


+



سألت نانسي بخفوت لتهمس تهاني بنبرة بائسة :-


+



" في السجن .. هايدي قالت إنه خرج منه لكنني لا أصدقها ولن أصدقها حتى أراه ..."


+



تسائلت نانسي بدهشة غير مستوعبة ما تسمعه :-


+



" ماذا يعني في السجن ..؟! مالذي تقولينه ..؟!"


+



" شقيقتك تعرف كل شيء ... "


+



هتفت بها تهاني بنبرة مرهقة وهي تضيف برجاء :-


+



" أريد رؤيته .. أريد الإطمئنان عليه ..."


+



" حسنا إهدئي أولا وسأتحدث معه ليأتي ويراكي .."


+



ثم إندفعت خارجا تهتف بهايدي التي نهضت سريعا من مكانها تواجهها :-


+



" هل كرم في السجن ...؟! كيف حدث هذا ولماذا ..؟!"


+



" كان في السجن وتم الإفراج عنه ..."


+



همست بها هايدي بضعف لتسأل نانسي بعصبية :-


+



" لماذا لم تخبريني ..؟؟ ومتى حدث هذا ..؟!"


+



" لم يمر سوى القليل على حدوث ذلك ولم أكن أريد التسبب بقلقك عليه .."


+



قالتها هايدي مبررة لتصيح بها نانسي :-


+



" هل جننت ..؟! كيف تخفين عني شيئا كهذا ..؟! كان يجب أن تخبريني ..."


+



صاحت هايدي بضيق وأعصابها المتحفزة تحررت من مكمنها :-


+



" يكفي يا هذه ... ألا ترين ما يحدث ..؟! لم أرد إيخافك ... تصرفت لوحدي وهاهو بخير وغادر السجن سالما .. لقد مللت حقا ... تعبت ... كل شيء فوق رأسي ... كل شيء .."


+




        

          


                

بدت منفعلة بشكل مبالغ حتى إنها إندفعت مغادرة المكان وهي تصيح بعصبية :-


+



" اللعنة عليّ ... كل شيء هايدي ... دائما هايدي ..."


+



بهتت ملامح نانسي مصدومة من هجوم شقيقتها الغير مبرر ليتقدم صلاح نحوها يهتف بحذر :-


+



" لا بأس يا نانسي .. من الواضح إنها متوترة قليلا ..."


+



" بل كثيرا ..."


+



تمتمت بها بخفوت قبلما تضيف بضيق خفي :-


+



" ربما من الأفضل ألا تبقى هنا ..  فهي على ما يبدو متعبة للغاية ومنفعلة بشكل مبالغ فيه ..."


+



أضافت وهي تنظر نحوه :-


+



" أنت يمكنك أن تغادر يا صلاح ..."


+



قاطعها متسائلا :-


+



" هل ستبقين هنا لوحدك ..؟!"


+



قالت بجدية :-


+



" نعم ، لن أترك ماما ..."


+



أضافت بتعب :-


+



" سأتحدث مع الطبيب أولا للإطمئنان على حالتها الصحية ثم أعود عندها وأبقى معها ... "


+



هز رأسه بتفهم قبلما يسأل بتردد :-


+



"هل تحتاجين لأي مساعدة ...؟!"


+



هزت رأسها نفيا وهي تجيب :-


+



" كلا ، أستطيع تدبر أمري بنفسي ..."


+



حك ذقنه بأنامله يسأل مجددا بحيرة :-


+



" إذا ستبقين لوحدك دون وجود أحدهم ..."


+



هتفت وهي تطالعه بإستغراب ولا تفهم ما يريده :-


+



" نعم يا صلاح .. ما المشكلة في ذلك ...؟! أنا في مشفى ولست في الشارع ..."


+



" حسنا ، ولكن إذا إحتجت أي شيء إتصلي بي ولا تترددي في ذلك ..."


+



" حسنا .. "


+



قالتها بهدوء عندما تحرك من مغادرا المكان تتابعه هي بعينيها قبلما تنادي عليه فيلتفت نحوها بتساؤل قطعته وهي تتقدم نحوه تخبره :-


+



" إطمئن على الأولاد عند عودتك .. لقد تركتهما لوحدهما مع المربية ..."


+



" حسنا ..."


+



قالها بهدوء ثم تحرك مغادرا وتحركت هي بدورها نحو إحدى الممرضات تسألها عن الطبيب الذي عالج والدتها لتستفسر منه عن حالتها الصحية ...!


+




        

          


                

**


+



صباحا ...


+



فتحت عينيها بصعوبة على صوت رنين هاتفها لتنتفض من مكانها بسرعة وهي تجيب على شقيقها الذي على ما يبدو قد قرأ رسالتها التي أرسلتها ليلة البارحة تخبره عما أصاب والدتهما تطلب منه الظهور بسرعة ...


+



هتفت بلهفة :-


+



" أين أنت يا كرم ..؟!"


+



جاءها صوته البارد رغم قلقه على والدته التي علم بدخولها إلى المشفى :-


+



" ما بها أمي ..؟! لم َ دخلت المشفى ..؟!"


+



أخبرته بنبرة خافتة قليلا وهي تغلق الباب خلفها :-


+



" الطبيب يقول إنها تعرضت لجلطة عابرة .. مرت بخير الحمد لله ولكنها تريد رؤيتك .. علمت بدخولك السجن ..."


+



تنهدت ثم قالت بحزن خفي :-


+



" تريد الإطمئنان عليك وأنا كذلك ... تعال من فضلك ..."


+



" أين هي ..؟! في أي مشفى ..؟!"


+



أخبرته عنوان المشفى بسرعة ليخبرها إنه قادم فتنهدت براحة طفيفة وهي تعود إلى الداخل فتجد والدتها إستيقظت مجددا ..


+



سارعت تتقدم نحوها تخبرها بإبتسامة :-


+



" كرم سيأتي بعد قليل .."


+



" حقا ..؟! هل هو بخير ..؟!"


+



سألتها والدتها بلهفة لتسارع وتجلس جانبها وتقبض على كفها مجيبة :-


+



" سترينه بنفسك ..."


+



" لن يكون بخير ..."


+



هتفت بها والدتها بملامح كساها الوجع وهي تضيف بنبرة يائسة :-


+



" كرم تدمر ... خسر الكثير ... الكثير مما لا يستطيع تجاوزه ..."


+



" لا تقولي هذا أرجوك ..."


+



هتفت بها نانسي برجاء وهي تشدد من قبضتها على كفها وهي تضيف بأمل :-


+



" سيتجاوز ما حدث ويصبح بخير ..."


+



" مالذي سيتجاوزه بالضبط ..؟! إعاقة يده ..؟! أم خسارته لزوجته التي كان يحبها بشدة ..؟! "


+



أضافت بمرارة مؤلمة :-


+



" لا أفهم كيف حدث كل هذا فجأة ..؟! ولماذا حدث ...؟!"


+



حاولت نانسي التخفيف عنها فهي ما زالت مريضة ولا يجب أن تتألم بهذه الطريقة فينعكس هذا سلبيا على وضعها الصحي ..


+




        

          


                

قالت محاولة تغيير الموضوع :-


+



" صدقيني سيصبح بخير ... نحن جميعا جانبه ... ولن نتركه حتى يتجاوز ما حدث ويعود لعهده السابق ..."


+



تنهدت تضيف بنبرة آملة :-


+



" يده ستعالج وتشفى من إصابتها بعدما يجري العملية المطلوبة .. وطلاقه ليس نهاية العالم ... صحيح كان يحب هالة ولكن لا أحد يعلم مالذي سيحدث فيما بعد ..."


+



" ألا تعرفين سبب طلاقهما ...؟! "


+



سألتها تهاني بلهفة وهي تضيف بأسى :-


+



" هل تركته بسبب إعاقته ...؟!"


+



" لا أعلم ..."


+



قالتها نانسي بجدية وهي تضيف بهدوء :-


+



" لكن لا أعتقد إنها تركته لهذا السبب فالفتاة كانت تحبه وتدعمه بشدة ... "


+



" لماذا إذا ..؟!"


+



تمتمت بها تهاني بآسف لما حدث فوجود هالة بجانب كرم كان يمنحها القليل من الطمأنينة على ولدها خاصة بعدما رأت مدى حب الفتاة له وصبرها عليه ...


+



سمعتا كلتيهما صوت طرقات على الباب لتهتف نانسي متعجبة :-


+



" بالتأكيد ليس كرم ... لن يصل بهذه السرعة ..."


+



اتجهت نحو الباب تفتحه لتجد صلاح أمامها ...


+



طالعته بدهشة بينما ابتسم هو بخفة عندما سألته بقلق :-


+



" هل الأولاد بخير ..؟!"


+



" لا تقلقي ... كلاهما بخير .. تركتهما يتناولان فطورهما مع ماما والمربية ..."


+



" الحمد لله ..."


+



تمتمت بها بخفوت لتجده يخبرها :-


+



" هل يمكنني الدخول ..؟!"


+



" بالطبع ..."


+



قالتها بتلقائية ليتقدم إلى الداخل بتردد فوجد والدتها مستيقظة ليرسم إبتسامة مرتبكة على ثغره وهو يلقي التحية :-


+



" مرحبا  ... الحمد لله على سلامتك ..." 



+



هتفت تهاني وهي ترسم إبتسامة باهتة على وجهها :-


+



" أهلا يا صلاح .. أشكرك ..."


+



تمكنت منه الدهشة لوهلة فحسب علمه إن تهاني لم تكن تطيقه لكنه تجاهل أفكاره وهو يسير نحوها يخبرها بهدوء :-


+




        

          


                

" كيف أصبحت الآن ..؟! أتمنى أن تكوني أفضل .."


+



" الحمد لله على كل حال ..."


+



قالتها تهاني بهدوء ثم تطلعت إلى نانسي التي وقفت جانبه تخبره بخفوت :-


+



" لم يكن هناك داعي لتتعب نفسك بالمجيء ...؟!"


+



" كان يجب أن أطمئن على سلامة والدتك ..."


+



قالها بجدية وهو يضيف مشيرا لتهاني :-


+



" والدتي ترسل سلامها لك .. ستزورك في المنزل بعد خروجك بإذن الله ..."


+



" إن شاءالله ..."


+



تمتمت بها تهاني بينما قالت نانسي متذكرة حديث الطبيب :-


+



" بالمناسبة الطبيب قال إنه يمكنكِ الخروج اليوم فلا داعي لبقائك هنا ليلة أخرى ..."


+



" جيد للغاية فأنا أكره المستشفيات كثيرا ..."


+



هتفت بها تهاني بينما قال صلاح وهو يرفع الكيس البلاستيكي معه يخبر زوجته :-


+



" لقد أتيت بالفطور لكما .."


+



تطلعت نانسي إلى الكيس الضخم قليلا والذي يخص أحد أشهر متاجر المعجنات في البلاد لتبتلع دهشتها من تصرفه وإهتمامه الغريب وتبتسم له محاولة :-


+



 " شكرا حقا يا صلاح ... "


+



" تناولي الطعام .. بالتأكيد جائعة ..."


+



" في الحقيقة ، نعم أنا جائعة ..."


+



قالتها وهي تتناول الكيس منه بينما أشارت له تهاني :-


+



" تفضل أجلس يا بني .. لا تبقى واقفا هكذا ..."


+



إبتسم لها بأدب وهو يتجه نحو الكنبة العريضة يجلس عليها بينما حاولت نانسي إطعام والدتها التي رفضت تناول أي شيء بسبب إنعدام شهيتها ...


+



جلست نانسي بجانب صلاح وجذبت قطعة من الكرواسون ليخبرها صلاح :-


+



" جلبت الكرواسون بالجبنة وكذلك الشوكولاتة فأنا لا أعلم أي نوع تفضلين ..."


+



" أحبه بالإثنين ..."


+



قالتها وهي تقضم لقمة صغيرة بينما أخبرها بجدية :-


+



" هناك عصير برتقال أيضا ..."


+



إبتسمت له ثم جذبت العصير ترتشف منه القليل وقد كانت جائعة حقا ...


+



تطلعت إلى الطعام بتردد قبلما تجذب قطعة من الكرواسون تخبره :-


+



" تفضل ..."


+




        

          


                

قال سريعا :-


+



" كلا شكرا .. تناولت الفطور قبل مجيئي ..."


+



عادت تخرج علبة عصير تسأل :-


+



" تناول العصير إذا ..."


+



تناوله منها بينما لم يغب هي عنها ما جلبه معه حيث جلب عدة قطع الكرواسون والكب كيك وفطائر الجبن والزيتون والزعتر بل وساندويشات بالمرتديلا والجبنة ..


+



هتفت بدهشة :-


+



" ما كل هذه الطعام ...؟! إنه كثير للغاية يا صلاح ..."


+



" كلا ، ليس كثيرا ..."


+



هتفت وهي تناظره بعدم تصديق :-


+



" إنه كثير جدا ... مالذي سنفعله بهذا الكم من المعجنات ...؟!"


+



" تناولوها ..."


+



قالها ببساطة لتضحك مرغمة بينما داخلها تفكر إنه مبذر بشكل غير معقول ...


+



مال نحوها يهمس لها بعبث :-


+



" من الجيد إنك ضحكتي أخيرا وبسببي ... ضحكتك جميلة للغاية بالمناسبة ..."


+



حمحمت بخجل لا أرادي :-


+



" شكرا ..."


+



ثم عادت تتناول الطعام بصمت متجاهلة أفكارها المستغربة تصرفاته فلديها ما يكفيها لتفكر به ...


+



أما والدتها فتنهدت بصمت وهي تراقبهما دون أن ينتبهان تدعو داخلها أن تنصلح حياة إبنتها مع زوجها الذي تتمنى بشدة أن ينصلح حاله هو الآخر...



+



**


+



وقفت نانسي جانبا تتابع شقيقها الذي يتحدث مع والدتها يطمأنها على حاله بمشاعر متضاربة ما بين قلق وحزن وضيق وتوتر ..


+



كرم الجالس على الكرسي المجاور لسرير والدته بملامح منطفأة كليا وعينين ذابلتين بوضوح ...


+



شعره مشعث ولحيته نمت بشكل ملحوظ ...


+



جمود مريب يكسو ملامحه ونبرة صوته مثقلة بحزن دفين وهو يتحدث مع والدته ...


+



بدا وكأنه كبر لعشرة أعوام أو ربما عشرين عاما ..


+



كان يحاول طمأنة والدته رغم نبرته الباردة وهو يحدثها ..


+



يكذب عليها بشأن حبسه مدعيا حدوث عراك بينه وبين شاب أدى لدخوله السجن لبضعة أيام قبلما يتم حل الموضوع بالتراضي بين الطرفين ..


+




        

          


                

لم تبتلع نانسي كذبته وشعورها يخبرها بوجود أمر جلل خلف سجنه ..


+



تحركت تغادر الغرفة سريعا وعبراتها تنهمر فوق وجنتيها رغما عنها ...


+



لم تستطع كبت عبراتها التي إنهمرت بغزازة آلما على حال شقيقها وكيف تبدلت أحواله وبات يحيا بهذا الشكل المزري فاقدا للحياة ....!


+



شعرت بصلاح يجاورها وهو يهتف بقلة حيلة :-


+



" إهدئي يا نانسي ... "


+



همست بصوت باكي :- 


+



" كرم ليس بخير ... هو محطم .... موجوع .... هذا ليس شقيقي الذي عرفته طوال عمري ... كرم لم يكن يوما هكذا بل لم أره يوما على هذه الحالة ... لم يتحول بهذا الشكل المرعب في أسوأ الأوقات حتى وقت وفاة والدي .... كرم الذي أراه الآن هو شخص آخر لا يشبه شقيقي الذي عرفته لسنوات ..."


+



نعم لم يكن يشبه شقيقها اللطيف المحب المليء بالحياة ...


+



شقيقها المرح المفعم بطاقة إيجابية لا آخر لها ..


+



دائما كان مصدر بهجتها بل بهجة المنزل بأكمله ...


+



كان وحده من يخفف عنها أحزانها ووجعها الخفي بإبتسامة المرحة وإنطلاقه وحيويته التي لا مثيل لها ...


+



كان الأقرب لها بل وحده كان قريبا منها في عائلتها الصغيرة ...


+



طالعها صلاح بإرتباك ..


+



هو لا يجيد التعامل مع هذا النوع من  المواقف ...


+



بحث عن منديلا في جيبه لكنه لم يجد ....


+



تنهد بصعوبة ثم قال برجاء :-


+



" توقفي يا نانسي .. حافظي على توازنك قليلا فوالدتك تحتاجك ..."


+



هزت رأسها بصمت بينما أشار هو لأحدى العاملات يطلب منها مناديل ورقية لتأتي بعد لحظات وهي تحمل علبة مناديل ورقية بينما تطالع الفتاة الباكية جواره بشفقة ...


+



جففت نانسي دموعها ثم نهضت من مكانها تهمس بتوتر :-


+



" يجب أن أذهب إلى الطبيب ليوقع على ورقة المغادرة...."


+



" سأذهب أنا ... وأنتِ إبقي مع والدتك وشقيقك .."


+



لم يكن بوسعها سوى القبول فإتجه هو نحو الطبيب المسؤول عن حالة والدتها بعدما أخبرته هي إسمه ومكان مكتبه بينما عادت هي إلى الداخل لتجد شقيقها يهم بالمغادرة رغم توسلات والدته ليبقى معها ...


+




        

          


                

تبعته إلى الخارج تخبره برجاء :-


+



" لا تذهب يا كرم ... عد معنا إلى الفيلا ..."


+



أكملت وهي تلمس يده السليمة بتوسل :-


+



" إبقى معنا أرجوك فنحن نحتاج لوجودك ..."


+



" أنتم بدوني أفضل .. صدقيني ...."


+



قالها والوجوم ثابت فوق محياه لتهمس بتروي :-


+



" ولكن ماذا ستفعل لوحدك ...؟!"


+



قاطعها بإبتسامة باردة تحمل تهكما خفيا :-


+



" لا تقلقي .. أستطيع تدبر أمري جيدا ..."


+



وقبلنا تضيف المزيد تحرك سريعا مغادرا المكان هاربا منها ومن كل شيء حوله ..


+



هاربا إلى مجهول لا يعرف ما يضمه له ولا يهتم أن يعرف...!


+



عادت هي إلى والدتها تحاول تهدئتها قبلما يأتي صلاح حاملا ورقة الخروج ...


+



غادرت المشفى ووالدتها تستند عليها حيث أوصلهما صلاح إلى الفيلا ...


+



دلف معهما حاملا أغراض والدتها القليلة معه بينما صعدت نانسي بوالدتها إلى غرفتها ...


+



مددتها على السرير بحرص وإطمأنت على حالتها عندما فوجئت بوالدتها تقبض على كفها تهمس لها بعبرات إحتقنت بها عينيها :-


+



" لا تذهبي .. لا تتركيني أنتِ أيضا ..."


+



بهتت ملامح نانسي لوهلة ..


+



لم تتصور يوما أن ترى والدتها ضعيفة إلى هذا الحد ...


+



والدتها القوية المتسلطة قاسية الطباع تتوسلها بعبرات حبيسة ألا تتركها ...


+



على ما يبدو إن سقطة كرم لم تنل منه وحده بل نالت من والدتها كذلك ...


+



إبتسمت بضعف تحاول طمأنتها ثم غادرت غرفتها بملامح حزينة ..


+



إنتبهت لغرفة شقيقتها لتقرر أن تطمئن عليها فتتفاجئ بالظلام الدامس الذي يملأ الغرفة رغم إنهم في ساعات الصباح الأولى ...


+



وجدت هايدي نائمة وسط الظلام فتحركت تغادر الغرفة بصمت حذر  كما دخلت ...


+



هبطت إلى الطابق السفلي لتجده ينتظرها فتقدمت نحوه تخبره بهدوء :-


+



" هل يمكنك أن تجلب الأولاد يا صلاح فأنا سأبقى مع والدتي حتى تستقرحالتها ..؟!"


+




        

          


                

بعدما رآته أدركت مدى حاجة والدتها بل حتى شقيقتها لوجودها فالأخرى تعاني بصمت كما يبدو لها ..


+



لامت نفسها لأنها إنشغلت عنهم طيلة الأيام الماضية حتى لو كان السبب طفليها ومشاكلها الخاصة مع من يكون زوجها ...


+



لكن لا بأس ستجاورهم الأيام القادمة فعائلتها تحتاجها وربما آن الآوان لتقوم بدور الشقيقة الكبرى الذي تقاعست عنه لسنوات ...


+



وافق صلاح على الفور وأتى بالصغيرين لتستقبلهما بلهفة بينما شكرت صلاح الذي أخبرها بهدوء  :-


+



" لا تشكريني ... لم أقم بشيء صعب إلى هذا الحد..."


+



تنهد وهو يضيف :-


+



" إعتني بوالدتك جيدا ..."


+



ثم غادر بعدها متجها نحو سيارته قبلما ينظر خلفه مجددا وداخله شعور يخبره إن نانسي ستبقى إلى جانب عائلتها بشكل دائم ولن تعود إلى عائلته مجددا والغريب إن شعوره هذا أزعجه بشكل غير مفهوم ...


+



نحى شعوره جانبا وتحرك راكبا سيارته عائدا إلى منزله مقررا التحدث مع والدته مجددا والإعتذار منها علها تسامحه هذه المرة فرغم كل شيء هو لا يتحمل خصام والدته له والذي طال كثيرا ..!


+



**



+



تجلس فوق سريرها تتابع مسلسل تلفزيوني على جهازها اللوحي عندما وجدته يغادر الحمام الذي بقي فيه لأكثر من ساعة حتى إنها ضاقت ذرعا من تأخره ..


+



وعلى ما يبدو إنه من النوع الذي لا يمانع أن يقضي ساعات طويلة وهو يستحم ...


+



أغلقت جهازها ونهضت من مكانها تسأله بإهتمام :-


+



" هل ستخرج مجددا ..؟!"


+



أجابها وهو يمشط خصلاته التي إستطالت مجددا بعدما أهملها الفترة السابقة :-


+



" سألتقي بأصدقائي ..."


+



رمقته من بين رموشها بنظرة خاصة لم ينتبه لها وهي تسأله بأنفاس تصاعدت لا إراديا :-


+



" وأنا ..؟! ستتركني مجددا ..."


+



إلتفت لها يهتف بنبرة إعتيادية :-


+



" يمكنك أن تهبطي إلى الأسفل و .."


+



قاطعته بنبرة إحتدت لا إراديا :-


+



" ولكن أنا أريدك أنت ... "


+



أضافت وهي تسأله بإنفعال خفي :-


+



" متى سنعود إلى أمريكا .. ؟! تأخرنا كثيرا و ..."


+



هتف بهدوء :-


+




        

          


                

" سنؤجل عودتنا قليلا ..."


+



قاطعته قبلما ينهي حديثه تصيح بعصبية :-


+



" لماذا ...؟! يجب أن نعود ... تأخرت على دراستي ..."


+



حاول قدر المستطاع تجاهل عصبيتها وطريقتها في الصياح عليه يخبرها بنبرة لينة :-


+



" سنغادر بعد زفاف تولاي مباشرة ..."


+



سألت بضيق جلي :-


+



" ومتى سيكون الزفاف إن شاءالله ..؟!"


+



رد بتروي :-


+



" بعد حوالي ثلاثة أسابيع ... ربما شهر بالكثير ..."


+



جحظت عيناها وهي تهتف بعدم تصديق :-


+



" سنبقى هنا لشهر آخر .. ودراستي ...؟!"


+



هتف محاولا مهادنتها :-


+



" بكل الأحوال الفصل الدراسي الأول شارف على الإنتهاء ... ستبدئين الفصل الثاني مباشرة ثم تدرسين الأول في العطلة ..."


+



" لماذا لا نعود الآن ..؟! لماذا سننتظر شهرا كاملا ..؟!"


+



سألته بنبرة غاضبة ليهتف بغضب مكتوم :-


+



" أخبرتك عن السبب يا جيلان .. ليس من المعقول أن أسافر خلال أيام وأعود بعدها بإسبوعين ... "


+



" ولم نعود ..؟! نسافر ونبقى حتى العطلة .."


+



قالتها ببساطة ليرفع حاجبه مرددا بغلظة :-


+



" أخبرتك منذ ثواني عن زفاف شقيقتي ... من غير المعقول إنك نسيتِ ما قلته بهذه السرعة ..."


+



" هذا ليس معقولا .. كم سننتظر بعد ..؟!  أجلت سفرك أول مرة بسبب أثير ..."


+



قاطعها بضيق :-


+



" إبن عمتي كان في المشفى .. هل أتركه في وضع خطير كهذا وأسافر ...؟!" 


+



صاحت بنزق :-


+



" كل مرة مشكلة جديدة .. مرة أثير في المشفى .. مرة هالة تطلقت .. ومرة توليب ستتزوج ..."


+



ضربت على الأرض بقدميها وهي تهدر بكره :-


+



" كل مرة تؤجل سفرنا بسبب أحدهم وتنشغل عني بسبب أحدهم ...كل مرة يا مهند .."


+



طالعها بدهشة قبلما يقول بعدم إستيعاب :-


+



" أنا لا أصدق ما تقولينه ... هل أترك عائلتي في ظرف كهذا ..؟! أتركهم وأسافر ..."


+




        

          


                

صاحت وهي تندفع نحو فراشها :-


+



" كلا لا تتركهم بل إتركني أنا فهم الأهم بالطبع .. أهم مني ومن مستقبلي ... "


+



جذبت اللحاف ترميه فوق جسدها مغطية نفسها بالكامل بينما يطالعها هو بضيق من تصرفاتها الغبية ...


+



تنهد بضجر ثم تقدم نحوها وجلس جوارها يخبرها بهدوء يحاول أن يحافظ عليه قدر المستطاع :-


+



" يا جيلان إفهميني ... أنا كنت سأسافر بالفعل خلال هذا الأسبوع لكن موعد زفاف توليب تحدد ولا يمكن ألا أحضره ... "


+



أضاف بذات الهدوء :-


+



" بعدما ينتهي حفل الزفاف سنطير مباشرة إلى أمريكا ..."


+



إنتفضت من مكانها تصيح :-


+



" أنا لست مسؤولة عن مشاكل غيري .. لن أؤجل دراستي بسبب فلان وفلان ..."


+



كاد أن يخبرها إنها سبب تأجيل دراستها من الأساس فهو عاد بها إلى هنا بسببها لكنه تراجع عن ذلك وهو يخبرها بصبر :-


+



" لا بأس ... تحملي قليلا ... بضعة أسابيع فقط لا غير ..."


+



" تتحدث وكأنها بضعة ساعات ..."


+



هتفت بها ضجرة وهي تضيف :-


+



" وهذه الأسابيع ستقضيها مع عائلتك وأصدقائك ... تارة مع عادل وتارة مع أثير وأحيانا مع أشقاؤك غير مشاكل من حوّلنا وتأثرك بما يحدث ..."


+



صاح بغضب تمكن منه :-


+



" ماذا جرى لك ..؟! ألا تفهمي إنهم عائلتي ومن الطبيعي أن أتواجد في آية مشاكل تحدث معهم وأساندهم ..."


+



أضاف بجدية :-


+



" وبالمناسبة  أثير يكون إبن عمتك وتوليب إبنة عمك .. إنهم عائلتك ..."


+



صرخت بقوة رافضة هذا المسمى :- 


+



" ليسوا عائلتي .."


+



طالعها بصدمة لتضيف بعناد :-


+



" أنا لا عائلة لدي ..."


+



أضافت وقد تهدل كتفيها بإحباط :-


+



" لكنني إعتبرتك عائلتي وأنت .."


+



تحشرجت نبرتها وهي تضيف :-


+



" أنت لا تهتم بي .. توقفت عن الاهتمام كالسابق ..."


+



إحتقنت عينيها بنظرة تحمل كرها وحقدا غير مفهوم :-


+



" بسببهم .. تنشغل عني بسببهم وبسبب مشاكلهم ... "


+




        

          


                

صاحت بوجهه :-


+



" تفضلهم عليّ ... تهتم بهم وبمشاكلهم على حسابي أنا .."


+



" كلا هذا ليس صحيح ..."


+



قالها غير مستوعبا ما تتفوه به ليضيف بصدق :-


+



" متى تركتك بالله عليك ومتى إنشغلت عنك ..؟! طوال الوقت معك ... البارحة رفضتي تناول الغداء مع العائلة فبقيت معك وتناولنا طعامنا لوحدنا ... ونفس الشيء أول البارحة عند العشاء ..."


+



" معك حق .. أنا المخطئة ..."


+



قالتها وهي تعاود جذب اللحاف فوقها ليسحبه بعيدا وهو يهدر :-


+



" توقفي عن تصرفات الأطفال يا جيلان ..."


+



" إذهب لصديقك يا مهند ودعني وشأني .."


+



صاحت بها بضيق ممزوج بغيرة خفية ليتنهد ثم يقول :-


+



" لن أذهب عنده .. سأخرج معك بدلا منه ..."


+



إعتدلت في جلستها تسأل بحذر :-


+



" ستخرج معي حقا ...؟!"


+



أومأ برأسه ثم قال :-


+



" نعم ، سنذهب إلى النادي ...."


+



قفزت من سريرها تصيح بفرح :-


+



" سأجهز نفسي سريعا ..."


+



تابعها هو بعينيه بينما يهمس لنفسه بآسف :-


+



" هذا ما كان ينقصني ..."


+



ثم سحب هاتفه يتصل بصديقه يعتذر منه عن الموعد المتفق عليه ...


+



غادرت هي بعدها بملامح متحمسة ترتدي فستانا حريرا ذو لون أصفر لاق ببشرتها السمراء كثيرا ...


+



تركت خصلاتها الملساء حرة بعدما سرحتها ثم وضعت زينة وجهها قبلما تستدير نحوه تسأله بحرص :-


+



" كيف أبدو ..؟!"


+



لاحت منه نظرة سريعا عليها قبلما يعاود ببصره نحو حذائه الرياضي يربطه وهو يجيب بلا مبالاة :-


+



" جميلة بالطبع ..."


+



تمكن الإحباط منها لوهلة...


+



لقد حرصت أن تظهر بصورة جميلة بعدما وضعت مكياج نهاري هادئ يليق بملامحها الناعمة لكنه لا يهتم ...


+



لم يلحظ ذلك حتى ..


+



تنهدت بسأم مفكرة إنه لم يلحظها أبدا ...


+




        

          


                

لم يلحظها مسبقا لا عندما كانت طفلة بريئة ولا عندما تحولت لأخرى نقيضها سعت أن تتسلح بجمالها وأنوثتها في حرب خاضتها مع نفسها قبل أي أحد واليوم هو لا ينتبه لها مجددا ...


+



تنهدت بصمت ثم أخبرت نفسها ألا تيأس أبدا فحتما سيأتي اليوم الذي ينتبه فيه لها ويراها بعين الزوج و العاشق كذلك ..


+



ستنجح في ذلك وسيقع هو في حبها ويصبح متيم بها لا محالة ...!


+



هي قررت ذلك وهي عندما تقرر تنفذ وتنجح ...!


+



ذهبا سويا إلى النادي كما أرادت هي ...


+



جلسا سويا على إحدى الطاولات هي ترتشف عصيرها البارد وهو يعبث في هاتفه ...


+



سألها بعدما وضع هاتفه جانبا :-


+



" ألا تريدين تناول شيئا ما مع العصير ..؟!"


+



هزت رأسها نفيا بينما إرتشف هو قليلا من عصيره قبلما يعاود اللعب في هاتفه ..


+



لم ينتبه لنظراتها التي احتدت بشراسة ما إن لمحت الأخرى تسير بجانب مجموعة من أصدقائها على مسافة منهما ...


+



فاتنة بطلة جريئة كعادتها مكونة من شورت قصير تعتليه تيشرت عاري الأكتاف يحدد تفاصيل جسدها الأنثوي بتفاصيله المثيرة ...


+



عادت تنظر إلى زوجها المنهمك في التحدث مع أحدهم على هاتفه لتجذب الهاتف منه دون مقدمات ...


+



رفع مهند عينيه المشتعلتين بحدة نحوها ليجدها تقبض على ذقنه وهي تخبره بإنزعاج :-


+



" إنظري إلي بدلا من الهاتف أم لا يعجبك شكلي ولا النظر في وجهي ...؟!" 


+



هتف من بين أسنانه :-


+



" هذه تصرفات حمقاء غير لائقة يا جيلان ..."


+



لم يغب عنها إنتباه الأخرى لوجودهما فسارعت تقبض على كفه تبتسم له بطريقة فاجئته وهي تخبره :-


+



" آسفة يا روحي ... فقط غضبت من تجاهلك لي .."


+



ثم أضافت وهي تعدل ياقة قميصه وتربت فوقها بحرص :-


+



" ما رأيك أن نتمشى قليلا في النادي بدلا من جلوسنا هكذا لا نفعل شيئا ..؟!"


+



تنهد ثم قال بنفاذ صبر  :-


+



" لنتمشى ..." 


+



نهض من مكانه ونهضت هي بدورها لتتمسك بذراعه بتملك صريح ...


+



تنهد بضجر خفي قبلما ينتبه للأخرى التي ناظرته بإستخفاف صريح فهز رأسه بعدم إكتراث قبلما يتحرك بجانب الأخرى متجها معها إلى نادي الفروسية لترى الأحصنة كما طلبت ...


+




        

          


                

**


+



كان راجي جالسا بجوار زوجته يحاوطها بذراعه بينما يتبادل كليهما الأحاديث مع والدته وهمسة ...


+



عودته أسعدت والدته التي إستقبلته مع عروسه بترحيب حار وعانقته بلهفة فهو غاب عنها لفترة أطول مما توقعت ...


+



جلسا بعدها معها بوجود همسة التي رحبت بهما بسعادة جلية ...


+



كانا قد وصلا مساء البارحة وقضيا ليلتهما الأولى في الفيلا خاصتهما دون أن يخبرا أحدا بموعد وصول طائرتهما خاصة إن موعد هبوط الطائرة كان بعد منتصف الليل فلم يرغب راجي بإزعاج أشقاؤه الذين سيصرون على إستقباله مع زوجته في المطار...


+



إجتمعت العائلة بعدها تدريجيا ترحيبا بهما...


+



توليب كانت الأولى حيث أنجزت عملها سريعا وعادت تستقبله بحرارة شديدة ورحبت بزوجته تبارك لها الزيجة مجددا ..


+



مهند وجيلان اللذين عادا من النادي بعدما إتصلت بهما زهرة ليقرر مهند العودة سريعا متجاهلا تذمر جيلان ..


+



عانق شقيقه بحرارة وبارك لزوجته وسط حنق جيلان التي بالكاد منحت راجي تحية رسمية و إكتفت ببسمة مجاملة لنغم...


+



تعلق أولاد شقيقه به بسعادة جلية بعدما فوجئوا بتواجده حالما عادوا من مدرستهم ...


+



وصل والده مع شقيقه الأكبر الذي إضطر أن يعود مبكرا لأجل إستقبال شقيقه والذي عاتبه بشدة لأنه لم يخبرهم بموعد قدومه ...


+



إجتمعت العائلة بأكملها بإستثناء فيصل والذي كان لا يجيب على هاتفه كعادته وعلى ما يبدو يقضي وقته مع إحدى صديقاته الجدد كما مزحت توليب وتغيبت كذلك هالة لتعتذر همسة عن غيابها متحججة بكونها مصابة بأنفلونزا شديدة بينما فسر راجي إن سبب غيابها هو خبر طلاقها الذي مرره إليه شقيقه بشكل عابر خلال إحدى مكالماتهما وأحزنه وقتها بشدة ...!


+



تناول الجميع طعام الغداء سويا بينما حرصت زهرة على العناية بنغم والإهتمام بها بشكل خاص كونها المرة الأولى التي تجتمع بها مع العائلة كاملة ...!


+



إتجهت بعدها العائلة إلى صالة الجلوس مجددا حيث تناولوا الشاي مع الفواكه عندما وصل فيصل أخيرا ليعانق شقيقه بإشتياق وهو يمازحه بشقاوة كعادته عن إنغماسه مع عروسه متناسيا الجميع ثم رحب بنغم وجلس جوار شقيقه يتبادل الأحاديث ...


+



نهض بعدها راجي مقررا الإطمئنان على هالة حيث ذهب إلى جناحها لتستقبله بإبتسامة باهتة لم تصل إلى عينيها ...


+



تحدث معها قليلا محاولا التهوين عليه ثم غادر بعدها متأسفا على حالها وقلبه يؤلمه لأجلها ..


+




        

          


                

أرادت والدته أن يقضيا ليلتهما هنا لكنه إعتذر منها مفضلا العودة مع زوجته إلى منزلهما وكعادتها تفهمت والدته رغبته تلك مثلما تفهمت مسبقا رغبته في الإقامة بمنزل منفصل وإن كانت تدرك جيدا إن هذه رغبته زوجته التي أرادت أن تستقل بحياتهما بعيدا عن قصر العائلة لكنها لم يكن بوسعها سوى التفهم فهي لا تريد سوى سعادته وراحته ..


+



وصلا إلى الفيلا خاصتهما والتي إختارتها نغم بنفسها في أحد المجمعات السكنية الشهيرة مثلما إختارت كل شيء يخصها من أثاث وغيره ..


+



إبتسمت وهي تجاوره في جلسته تخبره بصدق :-


+



" إستمعت كثيرا اليوم مع عائلتك .."


+



ثم تنهدت بصمت مفكرة إنه داخله لم يكن يرغب بترك قصر العائلة بل كان يخطط ليسكن معهم كشقيقه الأكبر لكنها فاجئته برغبتها في أن يسكنان بشكل منفصل عنهما وحتى رفضت إقتراحه بأن يسكنان في شقة متكاملة داخل القصر بل أرادت أن يكون لهما سكنا مستقلا فهي وإن أحبت عائلته لكنها تفضل الإستقلالية بطبعها والخصوصية رافضة أن تحيا في قصر العائلة مع والديه و أشقاؤه خاصة وهي لا تحب التجمعات العائلية  المستمرة على الدوام بل تفضل أن يكونا لوحديهما كأسرة صغيرة مستقلة  ...!


+



تحركت تغادر المكان وهي تخبره إنها ستأخذ حماما سريعا ...


+



خرجت بعدها من الحمام الملحق بغرفة النوم وهي تجفف شعرها بالمنشفة ..


+



وجدته جالسا فوق سريرهما يقلب في هاتفه ...


+



إرتدت قميص نوم قصير ذو لون ذهبي ثم تقدمت نحوه بعدما صففت خصلاتها وتركتها حرة طليقة فوق ظهرها ...


+



جذبت الهاتف منه ووضعته جانبا قبلما تستند على ركبتيها قباله تحاوط وجهه بين كفيها ...


+



إبتسم ورائحة عطرها تربكه كالعادة ...


+



حاوط خصرها بذراعيه بينما إنحنت هي نحو شفتيه تقبلها بنعومة خالصة قبلما تهمس له :-


+



" أحبك .."


+



ثم عادت تقبله بشغف أكبر تجاوب هو معه ليغرق بها كما غرقت هي به منذ زمن وما زالت تفعل ...


+



غادرا في صباح اليوم التالي إلى المشفى حيث وجدا الجميع في إستقبالهما يباركان لهما الزيجة بفرحة جلية ...


+



رحب بهما مؤيد الذي عانق صديقه يبارك لها وبارك لها بفرحة صدقة ...


+



لم يغب عنها إختفاء الصديقة الأخرى فسألت عنها لتندهش بما أخبرها عنه مؤيد ...


+



كان راجي يستمع إلى مؤيد الآخر بتعجب بينما يقول الآخر :-


+



" في الحقيقة هي إنقلبت كليا في الفترة الأخيرة وباتت تتصرف بطريقة عدائية مع الجميع ..."


+




        

          


                

شعرت نغم بالقلق لا إراديًا والشكوك ساورتها دون رحمة بينما إستأذن راجي متوجها ليبدأ عمله الذي غاب عنه طويلا ...


+



" يجب أن أتحدث معها ..."


+



قالتها نغم بجدية بينما هتف مؤيد :-


+



" المشكلة حتى لو عادت فلا أعتقد إن المدير الجديد الذي حدثتك عنه سيقبل بعودتها ...."


+



" هل هو صعب لهذه الدرجة ..؟!"


+



سألته نغم بوجوم ليهتف مؤيد بجدية :-


+



" نعم ، صارم للغاية ..."


+



أضاف يخبرها عنه :-


+



" ربما تعرفينه .. إسمه عمر الهادي ..."


+



" ماذا قلت ..؟!"


+



سألت بصدمة جلية تشكلت فوق ملامحها قبلما تندفع خارج الغرفة متجهة إلى غرفة ذلك المدعو عمر ...


+



إندفعت دون إستئذان إلى الداخل لينهض عمر من مكانه على الفور فتتسع عينيها بعدم تصديق وهي تراه أمامها بعد هذه السنوات ...


+



كان هو نفسه ...


+



عمر الهادي ...


+



الرجل الأول في حياتها ...


+



من كان زوجها لأعوام ...


+



**


+



تجلس أروى  فوق سريرها بملامح شاحبة كليا ...


+



قبل قليل تشاجرت مع شقيقها الأصغر ولم تكتفِ بذلك بل طردته من غرفتها ...


+



لن تنسى نظرته لها وقتها ...


+



نظرة خيبة ممزوجة بحسرة خفية تعمدت أن تتجاهلها ...


+



لا أحد يفهمها ..


+



الجميع يضغط عليها دون رحمة ...


+



يريدون مساعدتهما بينما هي لا تريد سوى أن يتركونها وشأنها ...


+



والدتها التي تحاول أن تتحامل على نفسها وتتصرف بطبيعية لأجلها بوصايا من شقيقها كما تعلم ..


+



شقيقها الذي يحاول أن يدعمها بشتى الطرق وشقيقتها التي تتعامل معها بحنو رغم رفضها الصريح لها ...


+



اليوم شعرت بأن صبر شقيقها ينفذ بينما يحاول إقناعها بالتحدث ....


+



يريدها أن تقول أي شيء كان فقط لا تلتزم الصمت الذي بات صديقا لها ...


+




        

          


                

بشكل غير مباشر سألها عما حدث ليلتها ...


+



يبحث عن هوية الفاعل دون أن يخبرها ...


+



وقتها تفاقم غضبها ووجدت نفسها تصرخ به وترفض قربه بل ترفض سماع حرف واحد منه وهي تتهمه إنه كالجميع لا يهتم سوى بما أصابها وما جعلها ملوثة طوال حياتها ...


+



ثم طردته بقسوة ليغادر غرفتها بعدما منحها تلك النظرة التي آلمتها بشدة مهما إدعت عكس ذلك ...


+



نهضت من فوق سريرها وسارت نحو المرآة التي باتت تتعمد ألا تنظر فيها قدر المستطاع ...


+



ترى أمامها صورة امرأة محطمة كسرها رجل قذر لا يمتلك ضمير ...


+



رجل ستبقى تلوم نفسها طوال سنواتها القادمة حتى مماتها لأنها سمحت له بدخول حياتها ...!


+



مدت كفها المرتعش تضعه بتردد فوق مكان رحمها وتلك الأعراض التي تأتيها 


+



تتزايد بشكل ملحوظ ...


+



تخشى أن تصدق ما تفكر به ..


+



تخشى حتى أن تبحث خلف ذلك ...


+



هزت رأسها نفيا وهي تخبر نفسها بإستحالة حدوث ذلك ..


+



لا يمكن أن تحمل ثمرة ذلك الدنيء في رحمها ...


+



ستقتل نفسها على الفور إذا ما حدث ذلك ...


+



ولأول مرة في حياتها قررت أن تتحلى بالشجاعة ...


+



غيرت ملابسها وغادرت غرفتها ..


+



قابلت شقيقاها في طريقها والتي سألتها بتردد :-


+



" أين ستذهبين ..؟!"


+



لتصرخ بها بملامح حادة :-


+



" لا شأن لك ..."


+



تابعتها شقيقتها بقلق فطري ...


+



تتفهم عدوانيتها المبالغ فيها ولا تلومها ...


+



تتألم لأجلها وتتمنى لو تفعل لها شيئا ...


+



جلست بقلق تنتظر عودتها والساعة تجاوزت التاسعة مساءا وشقيقها ليس في المنزل بل في عمله ...


+



وجدتها تعود وتنطلق كالريح إلى الأعلى فتنهدت براحة بينما إندفعت أروى إلى غرفتها ومنها إلى الحمام الداخلي ...


+



غادرت الحمام بعدها وهي تحمل الجهاز في يدها ...


+



تتحرك بتوتر بل رعب في أرجاء الغرفة وهي تنتظر النتيجة ...


+



قلبها ينتفض بعنف داخل أضلعها والخوف ينهش روحها لدرجة جعلتها على وشك السقوط جزعا ...


+



إرتجفت أناملها بقوة بينما تتطلع إلى النتيجة التي بدأت في الظهور ...


+



جسدها يرتجف بالكامل وعبرات الخوف تملأ حدقتيها ...


+



الثواني تمر كالدهر والرعب يأكل روحها دون رحمة ..


+



ثواني أخرى وسقطت فوق الأرضية بشكل لا إرادي بينما عبراتها شقت طريقها فوق وجنتيها ...


+



رفعت وجهها نحو السقف وعبراتها تنهمر دون توقف قبلما تهمس بشفتين مرتجفتين تحمد ربها الذي إنقذها من مصيبة كانت ستنهي حياتها لا محالة بسببها  :-


+



" الحمد لله .. الحمد لله ..."



+



يتبع في الجزء الثالث من الفصل ..


+



  


+






                                    

الفصل الرابع والعشرون


+



( الجزء الثالث ) 



+



يمضي العمر بنا وتمر السنوات علينا ما بين شد وجذب ...


+



تتفاوت ما بين الفرح والحزن ،


+



السلام والحرب ، الراحة والتعب ، الطمأنينة والخوف ، الفوز والهزيمة ...!


+



نتخبط بين جنبات الحياة الواسعة ونقضي معظم سنوات عمرنا نبحث عن مرسى تستقر عنده أرواحنا ...


+



نتشبث بأي شيء يمكنه أن يمنحنا الهدوء والآمان ويحررنا من أوجاع تمكنت من قلوبنا وتسببت بهوانها ...!


+



ورغم كل هذا يبقى الماضي حيا داخلنا حتى لو تجاوزناه ووصلنا بأنفسنا إلى بر الآمان فالماضي يحفر ذكراه حية داخلنا ولا شيء مهما كان يستطيع ردمه دون رجعة ...!











+



تلاقت نظراتها مع نظراته فشعرت بقشعريرة غريبة تسيطر عليها ...


+



لم تتوقع أن تلتقيه مجددا ... !


+



لم يخطر على بالها يوما أن تراه خلال السنوات القليلة المتبقية لها ...!


+



لكنه ظهر مجددا ... 


+



" ماذا تفعل هنا ...؟!"


+



خرج سؤالها حادا قليلا ليهتف ببرود يمثل جزءا من شخصيته القوية الحازمة :-


+



" أنا أعمل في مشفاي الذي أصبحت أمتلك جزءا كبير من أسهمها ..."


+



وقبلما تتحدث مجددا أخبرها بغلظة :-


+



" وقبلما تذهب أفكارك لإتجاه يمكنني توقعه فأنا لم أكن أعلم بعملك هنا ... "


+



" حقا ..؟!"


+



تسائلت بنبرة غير مصدقة ليهتف بصدق :-


+



" حقا يا نغم ... لم يكن لدي علم بذلك ... فوجئت مثلك تماما عندما رأيتك الآن ..."


+



هتفت وما زالت ترفض التصديق :-


+



" لا أصدق إنها مجرد صدفة .."


+



"بلى صدقي .. فأنا لم أكن أعلم بعودتك إلى البلاد حتى ..."


+



طالعته بصمت بينما عاد هو يجلس فوق مكتبه يتأملها بذات البرود وهي بدورها تأملته ولم يغب عنها تلك التغيرات التي طرأت عليه حيث تحول من شاب يافع إلى رجل ناضج شديد الرجولة و الوسامة ....


+



رجل كان يوما زوجها الذي تحسده عليها جميع النساء حولها ...!


+



رجل كان ولا زال حلما لأي امرأة عداها هي ...!


+





                

تنهدت بصمت بينما سمعته يهتف بعملية :-


+



" لا تقلقي يا نغم ... وجودي هنا لن يؤثر عليك ولا على عملك ... ما بيننا إنتهى منذ سنوات طويلة وكلا منا ذهب في طريقه ... "


+



" صحيح ..."


+



هتفت بها بخفوت قبلما تسأله بتردد :-


+



" متى عدت إلى البلاد ولماذا ..؟!"


+



أجابها بهدوء :-


+



" عدت من فترة قصيرة ... بعد وفاة والدي أصرت والدتي على العودة فهي ملت من الغربة ... لذا عدنا جميعا وإستقرينا هنا بشكل دائم ..."


+



" البقاء لله ... لم أكن أعلم بوفاة والدك ..."


+



تمتمت بها بذات الخفوت ليخبرها :-


+



" شكرا يا نغم ..."


+



" يجب أن أذهب ..."


+



تمتمت بها وهي تهم بالخروج ليومأ برأسه بعدم إهتمام وهو يعاود جذب حاسوبه الألكتروني مكملا ما كان يفعله ...


+



ثواني ووجدها تعود إليه فظهر الضجر على ملامحه وهو يسأل :-


+



" هل هناك شيء آخر ..؟!"


+



تنهدت ثم هتفت بجدية :-


+



" أنت طردت أروى من العمل .."


+



لم يتذكر ذلك الموقف فهتف بتفكير :-


+



" عم تتحدثين ..؟!"


+



ثم قال بعدما تذكر تلك الطبيبة التي استفزته بأسلوبها المتعجرف مع المرضى :-


+



" نعم تذكرتها ..."


+



أضاف بجدية :-


+



" هي تستحق الطرد ..."


+



قالت مدافعة عنها :-


+



" أروى طبيبة ممتازة و ..."


+



قاطعها بثبات :-


+



" وبلا أخلاق ... "


+



هدرت بحدة :-


+



" لا أسمح لك ..."


+



" لا ترفعي صوتك ولا تنسي إنني مديرك ..."


+



صاح بها بنبرة محذرة وهو يضيف :-


+



" من تتحدث بتلك الطريقة مع رجل يكبرها سنا تكون عديمة الأخلاق ..."


+



عقدت ساعديها أمام صدرها وهي تهتف بتحدي :-


+



" أروى يجب أن تعود إلى عملها .... وأنت ..."


+




        


          


                

توقفت لوهلة ثم قالت :-


+



" لست صاحب القرار الوحيد ..."


+



" قراري إنتهي ... وليكن بعلمك أنا طلبت منها الإعتذار وهي رفضت مع إنها لو كانت إعتذرت لأنهيت المشكلة وعاد كل شيء إلى نصابه ..."


+



" ربما كان لديها ظروف و ..."


+



قالتها مدافعة عنها ليقاطعها مجددا :-


+



" هذه مبررات لا أهمية لها ... إنها طبيبة ومهنتها تحتم عليها أن تلتزم بقواعد ممنوع تخطيها ..."


+



" لم تتغير يا عمر ... "


+



قالت بوجوم ليخبرها بصلابة :-


+



" ولم سأفعل ...؟!"


+



لمعت عينيها ببريق قوة وهي تخبره بهيمنة :-


+



" بالمناسبة إن كنت أحد أصحاب المشفى فأنا بدوري يمكنك أن تعتبرني كذلك ..."


+



" عفوا ...!!"


+



هتف بها بإستغراب لتخبره بإبتسامة باردة :-


+



" أنا زوجة دكتور راجي الهاشمي أحد أكبر المساهمين في المشفى ..."


+



تراجع في جلسته إلى الخلف مسترخيا تماما وهو يردد :-


+



" هكذا إذا .. زوجته ... وتعتقدين إن ذلك يسمح لك بتجاوز حدودك وفرض آرائك على مدرائك ..."


+



" لم أقصد ذلك ..."


+



هتفت بها بضيق ثم قالت :-


+



" ما قصدته إنك لا تستطيع التعامل معي بهذا الإسلوب ... "


+



" لماذا ..؟! لأنك زوجة دكتور راجي ... أحد مالكي المشفى ... "


+



أكمل بسخرية :-


+



" هل علينا أن نعاملك بشكل خاص ومختلف عن بقية زملائك لأجل ذلك ..؟!"


+



شعرت بالحرج لوهلة قبلما تهتف بثبات :-


+



" كلا ، أنا لا أحب التمييز وأنت تعلم ..."


+



أضافت بثقة :-


+



" كما إنني لا أحتاج لأي معاملة خاصة فأنا طبيبة ماهرة جدا بشهادة الجميع وأخلاقي لا خلاف عليها ..."


+



" أعلم ذلك يا نغم ..."


+



قالها بخفوت لتهتف بتجهم :-


+



" جيد إنك تعلم ..."


+



" بيننا عشرة إمتدت لأعوام ..."


+




        

          


                

توترت ملامحها عند ذكره للسنوات التي جمعتهما فهزت رأسها موافقة قبلما تهتف وهي تغادر المكان :-


+



" عن إذنك ..."


+



غادرت غرفته بملامح مضطربة ورؤيته بعد كل هذه السنوات أزعجتها بشدة ...


+



لم تكن تريد رؤيته مجددا ربما لأن ظهوره بعد كل هذه السنوات أحيا ذكريات لا تود تذكرها ...


+



سنوات ولّت بحلوها ومرّها ...!


+



ولكن على ما يبدو إن الماضي لا ينتهي مهما حدث ويبقى ملاحقا لنا رغما عن كل شيء ...


+



تلاقت طرقها بطرق زوجها الذي إبتسم لها بدفئه المعتاد فتشكلت إبتسامة لا إرادية على ثغرها قبلما تتقدم نحوه بسرعة غير مفهومة وتعانقه بقوة مما جعله يحرك بصره في المكان حوله بإحراج متمنيا ألا يراهما أحد ...


+



" نحن في المشفى ..."


+



تمتم بها لتبتعد عنه بعد لحظات فيحاوطها بذراعيه وهو يسأل بحرص :-


+



" ماذا هناك ...؟! هل هناك مشكلة ...؟!"


+



أوقفته سريعا تنفي ظنونه :-


+



" كلا ، أنا فقط أردت معانقتك ..."


+



توقفت لثواني قبلما تهمس بصوت مبحوح :-


+



" أحبك ..."


+



كانت بحاجة شديدة لقولها والغريب إنها خرجت منها مختلفة هذه المرة تحمل ضعفا وتشبثا غريبا ...


+



إبتسم بهدوء وهو يهمس لها بصدق :-


+



" محظوظ أنا بك ..."


+



هتفت بمرح مفتعل :-


+



" كثيرا ... "


+



" تعالي نتناول فطورنا سويا ..."


+



قالها وهو يقبض على كفها لتسير جانبه متجاهلة أفكارها وتوترها بينما الآخر كان واقفا على مسافة بعيدة وقد رأى كل شيء حدث بينهما ليبتسم بتهكم بارد قبلما يتحرك متجها إلى مرضاه مؤديا عمله المعتاد ...


+



**


+



إستيقظت ماذي من نومها على صوت رنين هاتفها ..


+



تأففت بإنزعاج وهي تسحب الهاتف لترى إسم المتصل ...!


+



إنتفضت بسرعة وهي ترى إسمه يزين شاشة الهاتف وقد طار النوم من عينيها تماما ...


+



لمعت عينيها بقوة وهي تجيبه بصوت مبحوح :-


+



" صباح الخير ...."


+




        

          


                

أتاها صوته الهادئ :-


+



" صباح النور ..."


+



أضاف يتسائل بإهتمام :-


+



" هل أيقظتك من النوم ...؟!"


+



طالعت إنعكاس هيئتها في المرآة وهي تجيب :-


+



" كلا ، أنا مستيقظة منذ حوالي ساعة ..."


+



أبعدت اللحاف من فوقها ونهضت من فوق سريرها متجهة نحو النافذة المطلة على الشارع بينما تتحدث :-


+



" تفضل براء بك ....أسمعك .."


+



هتف بجدية :-


+



" بشأن العمل ... تحدثت مع شقيقتي وهي ستمنحك عملا في شركتها .."


+



طارت فرحتها بإتصاله لتهمس بإحباط خفي :-


+



" في شركتها هي ... على أساس إنني سأعمل معك ..."


+



رد بحيادية :-


+



" عملك معها أفضل ... مجال السياحة لن يناسبك كثيرا عكس مجال عمل يسرا ... "


+



تجهمت ملامحها بشدة فلم يكن هذا ما تريده بينما صدح صوته يتسائل :-


+



" أين ذهبت...؟!"


+



ردت ببرود :-


+



" معك ..."


+



أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :-


+



" يمكنك أن ترسل لي التفاصيل ..."


+



أخبرها بجدية :-


+



" سأرسل لك رقم هاتفها لتتواصلي معها ..."


+



" جيد ..."


+



تمتمت بها بإقتضاب ليهتف بهدوء :-


+



" حسنا ، مع السلامة ..."


+



ردت تحيته بخفوت قبلما تغلق الهاتف بملامح تشتعل غيظا ...


+



من أين أتت فكرة العمل لدى شقيقته ...؟!


+



وجدته يرسل رقم الهاتف إليها بعد لحظات ...


+



طالعته بوجوم قبلما تحسم أمرها وتتصل بها فهي بحاجة إلى عمل كما إن عملها مع شقيقته سيقرب المسافات بينهما كما تريد ...!


+



لم يغب عنها النبرة الباردة المتحفظة التي تحدثت بها شقيقته والتي طلبت منها أن تأتيها إلى الشركة لتشرح لها وظيفتها وما هو مطلوب منها ...


+



سارعت تأخذ حماما منعشا ثم ترتدي ملابسا أنيقة مكونة من فستان أسود اللون طويل قليلا ينتهي أسفل ركبتيها بقليل ذو أكمام طويلة شفافة .... 


+




        

          


                

رفعت شعرها عاليا بتسريحة أنيقة ووضعت مكياجا خفيفا ...


+



إرتدت حذاء ذو كعب عالي ثم عدلت هندامها وغادرت بعدها متجهة إلى الشركة ...!


+



تأملت مبنى الشركة الخارجي بإنبهار وزاد إنبهارها عندما دلفت إلى الداخل ورأت مدى فخامة الشركة بل وعدد الموظفين هناك ...


+



كل شيء كان يتسم بالرقي والفخامة كصاحبته ..!


+



إستقبلتها يسرا برسمية بالغة قبلما تتبادل الأحاديث معها متسائلة عن خبراتها وما تمتلكه من شهادات جامعية ليظهر الضيق صريحا على وجهها عندما أدركت سنها وعدم دراستها في الجامعة ...


+



ضيق سرعان ما وضعته جانبا وهي تفاجئها بقرارها :-


+



" ستعملين معي ... تحديدا مع طاقم السكرتاريين لدي ..."


+



هزت ماذي رأسها بتفهم بينما سارعت يسرا تتصل بسكرتيرتها الأساسية تطلب منها أن تأخذ ماذي وتعرفها على الشركة جيدا وتفاصيل العمل فهي ستباشر عملها منذ صباح الغد كما إنها ستكون المسؤولة عن متابعتها في بداية عملها حتى تجيد العمل بشكل جيد ...


+



بقيت لعدة ساعات مع تلك الفتاة حتى تمكن الإرهاق منها فغادرت عائدة إلى شقتها بعد العصر لتخلد إلى النوم مباشرة ...


+



إستيقظت مساءا بجسد مرهق قليلا فقررت أن تأخذ حماما دافئا يخفف من إرهاقها ....


+



غادرت الحمام بعدها بملامح عاد إليها بريقها لتقرر تنفيذ ما فكرت به حيث سارعت تتصل به فيجيبها بعد لحظات مرددا بصوته الهادئ :-


+



" أهلا ماذي ..."


+



" أهلا بك ..."


+



هتفت بها بنبرة رقيقة قبلما تضيف :-


+



" ذهبت إلى شركة شقيقتك ... سأبدأ عملي غدا ..."


+



" حقا ..؟! هذا خبر رائع ..."


+



قالها بجدية لتهتف بمرح مفتعل :-


+



" نعم خبر رائع ويستحق الإحتفال ..."


+



" بالتأكيد ..."


+



تمتم بها بهدوء لتسأل بتردد كاذب :-


+



" هل تشاركني هذا الإحتفال ...؟! فأنت تعلم إنني وحيدة و ..."


+



توقفت متعمدة ألا تكمل جملتها ليأتيها رده على الفور :-


+



" بالطبع يمكنني ...."


+



" هذا رائع ..."


+




        

          


                

قالتها بحماس ليخبرها إنهما سيلتقيان بعد ساعتين في أحد المطاعم الشهيرة ...!


+



سارعت تجهز نفسها وحرصت ألا تظهر بإطلالة مبالغ بها فإرتدت فستانا من الشيفون الأصفر ذو أكمام قصيرة قليلا ينتهي عند ركبتيها ...


+



سرحت شعرها وتركته على طبيعته مموجا بخصلاته السوداء الساحرة ...


+



إكتفت بوضع كحل أسوء يبرز زرقة عينيها وأحمر شفاه ذو لون زهري فاتح ...


+



ورغم بساطة مظهرها الغير معتادة بدت جميلة ومغرية كعادتها ..!


+



إتجهت بعدها إلى المكان المنشود لتجده قد وصل قبلها بالفعل ...


+



توقفت تتأمله على مسافة بعيدة قليلا ...


+



كان وسيما ذو ملامح سمحة ...


+



شعر بلون بني فاتح يميل للأشقر وعينيه خضراوين ولحية خفيفة ...


+



ملامحه هادئة وإبتسامته التي ظهرت أثناء حديثه مع النادل زادته وسامة ...


+



تحركت نحوه وهي ترسم إبتسامة رقيقة على ثغرها لينهض من مكانه يستقبلها ...


+



مدت كفها تمنحه تحية ليلتقط كفها وهو يرد لها تحيتها بذات الإبتسامة السمحة ... 


+



سحب لها كرسيا تجلس عليه بحركة أنيقة زادت من إعجابها به ثم جلس قبالها لتبتسم مفكرة إنه يختلف كليا عن شقيقته المتعجرفة ..


+



سألها عما تحب تناوله فطلبت أكلتها المفضلة وهو كذلك ...


+



أخذا يتبادلان الأحاديث المختلفة ...


+



في البداية تحدثوا عن عملها القادم ورأيها في شركة شقيقته ...


+



أخبرها عن شقيقته التي أسست عملها الخاص بنفسها ونجحت به فباتت سيدة أعمال ناجحة تنافس أهم رجال الأعمال في البلاد بل و وسعت نطاق عملها في ألمانيا التي قضيت بها عدة سنوات برفقة زوجها السابق ...


+



سألته بدورها عنه فأخبرها عن عمله في مجال السياحة وهو بدوره إختار أن يؤسس شركة منفصلة بعيدا عن شركة والده ومجال أعماله وإن كان والده ممول مشروعه وقتها لكنه إستطاع أن يثبت وجوده في المجال الذي يحبه ونجح فيه كثيرا ....


+



لم يكن هناك الكثير يتحدث عنه بخصوصه ...


+



علمت إنه أعزب ولم يسبق له الإرتباط قط ...


+



درس في الخارج وإكتسب خبرة هناك ..


+



كان رغم هدوئه مرحا طريفا وأحاديثه مسلية ...!


+




        

          


                

لم تشعر بالملل ولو للحظة ..


+



إنتهيا من تناول الطعام فطلب لها عصير منعش بينما طلب هو الشاي الذي يفضله بعد وجبة الطعام ...


+



قالت بعدما غادر النادل ليجلب لهما ما يريدانه :-


+



" هل يمكنني طلب شيء منك ...؟!"


+



" بالطبع... تفضلي ..."


+



قالها سريعا لتبتسم وهي تخبره :-


+



" أحتاج شقة صغيرة أنتقل إليها فأنا لا أريد البقاء في هذه الشقة أكثر ..."


+



أضافت عن قصد :-


+



" فهذه الشقة ملك لشقيق طليقي ... "


+



ظهر التعجب عليه وهو يسأل :-


+



" حقا ..؟! ظننتك إستأجرتها .."


+



هزت رأسها نفيا ثم قال :-


+



" دكتور شريف سمح لي بالبقاء فيها حتى أعمل وأستطيع إستئجار شقة لي ..."


+



تنهدت تضيف بخفوت :-


+



" لا أعرف كيف أرد هذا الجميل .... "


+



" يبدو إن عائلة زوجك محترمة للغاية ..."


+



" نعم إنهم كذلك ... "


+



أضافت مصطنعة التردد :-


+



" ساعدوني كثيرا وخاصة صلاح ..."


+



قال بتردد :-


+



" في الحقيقة أنا فوجئت بكونه زوجك فحسب علمي هو متزوج ..."


+



قاطعته :-


+



" نعم متزوج ولديه أطفال ..."


+



أضافت وهي تبتسم بخفة :-


+



" غريب،  أليس كذلك ..؟! يعني زواجي من رجل متزوج ولديه طفلين ..."


+



أومأ برأسه وهو يقول بصراحة :-


+



" في الحقيقة نعم ... يعني شابة جميلة مثلك تستحق أن ترتبط برجل أعزب تكون الأولى في حياته ..."


+



قالت بإبتسامة باهتة :-


+



" نعم تستحق ذلك بدلا من أن تسرق رجلا من زوجته ... بالتأكيد أنت الآن تراني بهذا الشكل كما يفعل الجميع ...."


+



" ليس كذلك بالطبع ولكن ..."


+



أوقفته فجأة قائلة :-


+



" سأخبرك شيئا .. زواجي منه لم يكن كما تعتقد ... كان زواجا لأسباب خاصة ..."


+



تنهدت ثم قالت ببؤس كاذب :-


+




        

          


                

" إضطررت لذلك ... للأسف ... "


+



أكملت وقد نجحت في تشكيل دموع عينيها :-


+



" لو لم أكن مضطرة ما كنت لأفعل ذلك .. أنا ألوم نفسي كثيرا ..."


+



قال بسرعة وهو يسحب منديلا ورقيا موضوع على الطاولة ويمنحه لها :-


+



" إهدئي من فضلك .. لم أقصد إحزانك ..."


+



قالت بخفوت بعدما أخذت المنديل وجففت عينيها :-


+



" أنت لا دخل لك ... "


+



أضافت بملامح واهنة :-


+



" هذا الحزن الذي تراه محفورا داخلي منذ سنوات ..."


+



طالعها بإهتمام لتضيف :-


+



" حزن لا نهاية له ..."


+



" لماذا تقولين هذا ...؟! ما زلت شابة صغيرة والحياة أمامك ..."


+



أوقفته بسخرية مريرة :-


+



" آية حياة .. حياتي التي أعيشها وحيدة بلا أحد ... أنا كنت ولا زلت وحيدة يا براء ...."


+



" ألا يوجد لديك أقارب أبدا ..؟!"


+



سألها بحذر لتهز رأسها نفيا ثم تخبره بآسف :-


+



" أنا يتيمة الأبوين منذ ولادتي .. لم يكن لدي سوى شقيقتي ستيلا و ..."


+



توقفت تمثل العجز عن قول المزيد ليهتف :-


+



" وماذا ..؟؟"


+



ثواني ووجد دموعها تنهمر فوق وجنتيها ليتوتر كليا قبلما ينهض ويجلس على الكرسي المجاور لها يهتف بقلق :-


+



" لا تبكي ... أنا آسف حقا لتطرقي لمواضيع تحزنك بهذا الشكل ..."


+



جذبت منديلا تمسح عبراتها بينما تخبره بصوت مبحوح :-


+



" أنت لا دخل لك ... هذا طبيعي فأنا لا يمر يوم عليّ دون أن أبكي ..."


+



أضاف بآسف مصطنع :-


+



" أعتذر لما حدث حقا .. أنا فقط فشلت في السيطرة على نفسي ... تذكرت ما حدث في الماضي وكعادتي إنفجرت في البكاء سريعا ..."


+



تنهدت مضيفة عن قصد :-


+



" في الحقيقة كنت أحتاج لشخص يسمعني ... شخص يمكنني أن أتحدث أمامه وأحرر وجعي الكامن داخلي منذ أعوام ... فأنا وحيدة ولا أحد معي يمكنني التحدث إليه وتفريغ أحزاني أمامه ..."


+



قال بجدية وتعاطف  :-


+



" أنا موجود ... يمكنني سماعك دائما ... " 


+




        

          


                

أضاف بإبتسامة هادئة :-


+



" يمكنك أن تعتبريني صديقك منذ هذه اللحظة ..."


+



سألته بلهفة :-


+



"حقا يا براء.."


+



أومأ برأسه :-


+



" حقا يا ماذي ..."


+



غادرا بعدها المطعم ليعود بها إلى شقتها عندما دعته ليتناول القهوة معها ..


+



أراد أن يرفض لكنه لم يفعل فهو أشفق عليها من وحدتها هذه ...


+



أعدت كوبين من القهوة ومنحته كوبه ليتناوله مرغما بسبب طعمها السيء ...


+



" الوحدة شيء صعب ..."


+



تمتمت بها بخفوت ثم إرتشفت القليل من قهوتها ليهتف براء بصدق :-


+



" هذا صحيح ..."


+



" كم عمرك ..؟!"


+



سألها بإهتمام لتسأل بمرح :-


+



" كم تعتقد ...؟! هل يمكنك التخمين ..؟!"


+



ظهر التفكير على ملامحه لوهلة قبلما يهتف متسائلا :-


+



" خمسة وعشرون أو أكبر بقليل ..."


+



ضحكت بخفة ثم قالت بعدما توقفت عن الضحك :-


+



" تسعة عشر عاما ..."


+



ظهرت الدهشة بوضوح على ملامحه لتهتف بذات الإبتسامة :-


+



" صدمة كبيرة ، أليس كذلك ...؟!"


+



أكملت عن قصد ببسمة واهنة :-


+



" ما عشته في حياتي كان كافيا ليضاعف عمري ..."


+



سأل بتردد :-


+



" مالذي حدث معك بالضبط ...؟!"


+



أضاف بسرعة :-


+



" بالطبع أنت حرة إذا لا ترغبي بالتحدث ..."


+



" بالطبع .."


+



قالتها بخفوت وهي تضيف بعدما نجحت في جعله يطرح سؤاله عليها :-


+



" سأخبرك رغم حساسية ما سأقوله لكنني حقا تعبت من الكتمان ...."


+



أضافت مصطنعة التوتر :-


+



" منذ ولادتي وأنا أعيش مع شقيقتي الكبرى والتي تكبرني بحوالي عشرين عاما ..."


+



طالعها بإهتمام فأضافت راسمة الآسف على ملامحها :-


+



" لكنها لم تكن تهتم بي ... لم تحن عليّ ولو مرة واحدة طوال وجودي معها .. كانت باردة للغاية ... كانت تمن عليّ بالأموال التي تمنحها لي .. ورغم ذلك إرتضيت بهذا الوضع وقلت لا بأس فعلى الأقل هي سمحت لي بالعيش معها بل وتمنحني أموالا كذلك تكفيني لشراء ما أحتاجه .."


+




        

          


                

أخذت نفسا عميقا ثم أضافت بقهر :-


+



" كانت حياتي تسير بنفس الوتيرة حتى تزوجت من ذلك الحقير ..."


+



توقفت تصطنع البكاء ليضع كوبه على الطاولة وينهض بسرعة جالسا جانبها يحاول تهدئتها ...


+



ربت على ظهرها وهو يردد :-


+



" إهدئي أرجوك .... أيا كان ما عشتيه فهو إنتهى ... "


+



كفكفت دموعها بأطراف أناملها وهي تخبره بحسرة :-


+



" نعم إنتهى ولكن آثره ما زال حيا وسيبقى ..."


+



تنهدت ثم أضافت بوجع :-


+



" بعدما فعله ذلك الحقير بي تدمر مستقبلي تماما وإضطررت لمغادرة البلاد بأكملها ... لولا مساعدة صلاح لي ما كنت لأهرب منه وأنقذ نفسي من سطوته عليّ ...."


+



أكملت عن قصد مدعية الإنفعال :-


+



" تخيل إنه تزوج بي فقط لإنقاذ سمعتي و شرفي الذي تم هدره على يد زوج أختي النذل ..."


+



" هل إعتدى عليك ..؟!"


+



سألها بصوت خافت لتهز رأسها ثم تنهار باكية مجددا ولكن هذه المرة فوق صدره ...


+



إرتبك كليا لكنه تماسك وهو يربت فوق ظهرها محاولا تهدئتها عندما قال:-


+



" من الجيد إن صلاح ظهر في طريقك ..؟!"


+



هتفت بعدما توقفت عن بكائها وإبتعدت من فوق صدره :-


+



" نعم ، إنه شخص رائع ... ساعدني كثيرا .. تزوج بي وأتى بي إلى هنا وسمح لي بالبقاء في منزله الوقت الذي أريده ..."


+



أضافت بآسف :-


+



" لكنه لم يخبرني إنه متزوج ولديه طفلين ... فوجئت بذلك وكان مبرره إن علاقته بزوجته سيئة وهما منفصلان منذ ولادة الطفلين ..."


+



أضافت مستمرة في تمثيليتها :-


+



" لكنني في النهاية تحدثت مع زوجته وأخبرتها الحقيقة ... أخبرتها عن سبب زواج صلاح مني ... لم أكن أريد التسبب في طلاقها بشكل رسمي ... ضميري لم يسمح لي بذلك ... أخبرتها الحقيقة كاملة ...."


+



إبتسم براء مرددا بهدوء :-


+



" هذا تصرف رائع ... أنت إنسانة نقية صادقة لديها ضمير .... رغم ما مررت به لكنك إضطررت أن تكشفي أسرارك لها فقط كي لا تتسببي بدمار زيجتهما .."


+



" لم يكن أمامي حل آخر يا براء ... من الأساس علاقتهما سيئة وزواجه مني ضاعف من سوء علاقتهما ... حرام بينهما طفلان جميلان لا ذنب لهما بكل هذه الخلافات ..."


+




        

          


                

قال بجدية :-


+



" من الآن فصاعدا سوف تنسين جل ما حدث ... إنسي كل شيء حدث سابقا ... هنا ستبدئين بداية جديدة ...."


+



" أعلم ..."


+



تمتمت بها بصوت مبحوح قبلما تضيف :-


+



" ولكنني أخشى من وحدتي هنا وأخشى أن تصل إليّ شقيقتي وزوجها ... ماذا سأفعل وقتها ..؟!"


+



هتف بصلابة سيطرت على ملامح وجهه وقوة سطعت من عينيه :-


+



" تأكدي إنه لا أحد يمكنه أن يصل إليكِ بوجودي ... أنا سأكون معك ... أخبريني فقط عن أي شيء تحتاجينه وستجديني عندك ... إطمئني ..."


+



كان يتحدث بقوة وهيمنة لا تشبه لطفه المعتاد الذي عرفته عليه ...


+



تأملته بإعجاب خفي قبلما تبتسم بنعومة :-


+



" أشكرك حقا يا براء ..."


+



بادلها إبتسامتها بأخرى قبلما يقول بخفة :-


+



" القهوة بردت .... "


+



نهضت من مكانها على الفور :-


+



" سأعد غيرها ..."


+



ثم توقفت للحظة وقالت :-


+



" هل أعد واحدة أخرى ...؟! أم أجلب عصيرا باردا لأن طعمها  سيء .."


+



حك ذقنه مرددا بتردد مفتعل :-


+



" في الحقيقة طعمها سيء للغاية ..."


+



ضحكت بمرح ثم قالت :-


+



" سأجلب عصيرا باردا ... "


+



أوقفها بسرعة :-


+



" كلا لا تجلبي ... سأغادر أساسا ... تأخرت كثيرا ..."


+



إبتسمت بهدوء :-


+



" كما تريد ..."


+



سارت معه حيث باب الشقة لتخبره برقة :-


+



" أشكرك حقا يا براء لأنك سمعتني وأعتذر إذا ما تسببت بإزعاجك لكنني كنت بحاجة لمن أفضفض له عما يعتمل داخلي ... أقسم لك إنني كنت سأموت كبتا وأنا أكتم هذا الحديث داخل صدري ..."


+



" لا تعتذري أبدا وكما أخبرتك أنا موجود دائما ..."


+



قالها بجدية قبلما يغادر تاركا إياه تطالع آثره بإبتسامة واسعة حتى أغلقت الباب خلفه وعادت إلى الداخل بملامح منتعشة كليا ...!


+



**


+



عادت يسرا إلى المنزل بعد يوم عمل شاق ...


+




        

          


                

فوجئت بوالدها ينتظرها بملامح متحفزة عندما هب من مكانه يصيح بها بنبرة جهورية :-


+



" مالذي فعلته يا هانم ..؟!"


+



" إهدأ يا سالم ..."


+



قالتها منيرة وهي تقبض على كفه تحاول تهدئته لكنه دفعها بعنف وهو يهدر :-


+



" كيف تجرؤين على ذلك ..؟!"


+



سألته بملامح منزعجة :-


+



" عم تتحدث ...؟! أنا لا أفهم ..."


+



" أتحدث عن تصرفك الأحمق مع جلال الراشد وزوجته ...."


+



قالها بأنفاس متصاعدة لتهتف ببرود :-


+



" فعلت ما يستحقانه ...."


+



" أنتِ دمرتنا يا هانم ... "


+



صاح والدها وهو يضيف بعصبية مخيفة :-


+



" بسببك جلال سينتقم مني في أعمالي ... أنتِ أسأتِ لسمعة زوجته .... هل تعين ذلك ...؟!"


+



" تلك الحقيرة تستحق ذلك ...."


+



صاحت بعناد وهي تضيف :-


+



" لا أحد يستطيع أن يختطف مني شيئا دون أن ينال جزاء فعلته ..."


+



قالت منيرة بضيق :-


+



" تصرفت بشكل خاطئ يا يسرا ... أنا لا أصدق ما فعلته ... فضحتِ الفتاة وليتها كانت فضائح صحيحة ..."


+



صاح والدها :-


+



" تتصرفين وكأنكِ لا تعرفين من هو طليقك وما يمكنه أن يفعله .... سينتقم منا جميعا بأسوأ الطرق الممكنة ..."


+



" أنا لا أصدق إنك تهابه ..."


+



صرخت بها بضيق وهي تضيف :-


+



" أنا فعلت ما يعيد لي حقي منهما ... وإن كان هو يعتقد إنني سأمرر خيانته لي ببساطة فسيكون أكبر غبي ..."


+



" لا يوجد غبي غيرك يا هانم ..."


+



قالها والدها بسخرية قاتمة لتصيح معترضة :-


+



" بابا من فضلك ..."


+



" إخرسي..."


+



صرخ بها لتحتقن ملامحها كليا وهي تردد :-


+



" من الأفضل ألا أبقى هنا لأنك على ما يبدو لا تنوي تفهم أسبابي .."


+



إندفعت بعدها بسرعة البرق صاعدة إلى جناحها ...


+




        

          


                

رمت حقيبتها بعنف فوق سريرها ثم اتجهت نحو الخزانة تسحب رداء نوم بينما خادمتها تجهز لها الحمام ...


+



بعدها إستلقت داخل مياه المغطس الدافئة مغمضة عينيها متجاهلة أفكارها مقررة أن تسترخي قدر المستطاع ....


+



مرت حوالي ساعة عندما نهضت من مكانها واتجهت تسحب منشفتها تلفها حول جسدها ...


+



غادرت جناحها لتجد هاتفها يرن برقم غريب أجابته فيأتيها صوته الذي تعرفه جيدا :-


+



" أنت تلعبين مع الشخص الخطأ يا هانم ... إنتظري ما سأفعله بك ... أما والدك الذي فشل في تربيتك فنال ضربته الأولى قبل قليل ... ضربة مبدئية تتبعها ضربات ستطيح به تماما وتنهيه دون رجعة ..."


1



أغلق الهاتف في وجهها لتحتل القتامة ملامحها فتصيح وهي ترمي الهاتف فوق السرير :-


+



" حقير ..."


+



رغم ما فعلته ورغم إنها لفقت على زوجته أفعال مشينة لا حقيقة لها إلا إنها لم تندم قط فتلك الحقيرة الوضيعة التي لا تساوي شيئا خطفت زوجها لذا فهي تستحق وجلال نفسه يستحق أن تتدمر سمعته وسمعة زوجته أم ولده ...


1



سارعت ترتدي قميص نومها عندما فوجئت بطرقات شديدة على باب الجناح ..


+



اتجهت تفتح الباب لتتفاجئ بإحدى الخادمات تخبرها بتوتر شديد :-


+



" سالم بك فقد وعيه يا هانم ...."


+



بسرعة شديدة ارتدت ملابسها وتحركت متجهة نحو والدها لتجد والدتها جانبه تبكي بينما تخبرها الخادمة إن الإسعاف في طريقها إليهم ...


+



" لن ننتظر الإسعاف ... سنأخذه إلى أقرب مشفى ..."


+



أخبرتها والدتها عن طبيبه الخاص والذي يعمل في إحدى المستشفيات الخاصة فطلبت منها يسرا أن تتصل به سريعا وتخبره بقدومها بينما حمل الحرس والدها ووضعوه في سيارتها من الخلف ...


+



في تلك الأثناء حاولت الإتصال ببراء لكنها وجدت هاتفه مغلقا ...


+



شتمت بصمت وهي تقود سيارتها متجهة إلى ذلك المشفى ووالدتها جانبها تبكي وتلقي نظرة بين الحين والآخر على زوجها الفاقد للوعي ...


+



تم إستقبالهم في المشفى من قبل الأطباء المختصين قبلما يطل طبيبه الشخصي ليتم إدخاله إلى غرفة الفحص فيبدأ الطبيب بالإجرائات المطلوبة ....


+



**


+



كادت أن تموت بسبب قلقها على والدها ...


+



جاورت والدتها تسألها بملامح جامدة رغم الخوف المشتعل داخلها :-


+



" ماذا حدث ...؟!"


+




        

          


                

ردت والدتها بصوتها الباكي :-


+



" المعمل إحترق بالكامل ..."


+



شهقت بصوت مكتوم بينما أضافت والدتها بصوت متحشرج :-


+



" ماذا كنت تتوقعين ..؟! إنه جلال الراشد يا يسرا ..."


+



أضافت والدتها من بين عبراتها :-


+



" أين شقيقك ...؟! "


+



هتفت بضيق خفي :-


+



" هاتفه مغلق ..."


+



ثم سارعت تنهض من مكانها عندما وجدت الطبيب يخرج إليهم لتصيح والدتها متسائلة :-


+



" دكتور شريف ...! كيف وضعه ..؟! طمأني من فضلك ..."


+



هتف شريف بنبرة عملية :-


+



" للأسف وضعه خطير ... أصيب بثلاث جلطات متتالية ...."


+



شهقت منيرة بعدم تصديق بينما شعرت يسرا بجسدها يفقد توازنه لكنها تماسكت قدر المستطاع عندما أضاف شريف :-


+



" سيتم نقله إلى العناية المشددة حاليا ... "


+



كان شريف طبيبه الشخصي المسؤول عن متابعة حالة قلبه العليل منذ أعوام ...


+



هتفت منيرة بتوسل باكي :-


+



" تصرف يا دكتور ... "


+



قال شريف بجدية :-


+



" من الواضح إنه تعرض لصدمة قوية لم يتحملها قلبه العليل .... "


+



سألت منيرة بخوف :-


+



" ماذا يعني ..؟! هل سيموت ..؟!"


+



صاحت يسرا بصوتها الحاد :-


+



" مالذي تقولينه يا ماما ... بابا سيعيش ويصبح بخير ..."


+



أضافت تهدر به :-


+



" تصرف يا دكتور ... أنقذه ... وإذا لا تستطيع إنقاذه أخبرنا كي نلجأ لطبيب آخر أو حتى نسافر به خارج البلاد ... "


+



" عفوا ...!"


+



تمتم بها غير مصدقا ما تتفوه به لتضيف بثبات :-


+



" بابا سيعيش ... هل فهمت ..؟!"


+



حاول قدر المستطاع أن يتماسك ولا تفلت أعصابه مراعيا وضعها النفسي وقلقها على ولدها فهتف بجمود :-


+



" الأعمار بيد الله يا هانم ... "


+



أضاف ببرود :-


+




        

          


                

" أنا طبيب والدك منذ أعوام ومنيرة هانم تعرفني جيدا ... والدك قلبه عليل منذ سنوات وأنا لطالما حذرته من المجهود المبالغ فيه ناهيك عن ضرورة عدم تعرضه لأي صدمات لن يتحملها قلبه ..."


+



إنقبض قلبها داخلها أكثر فصرخت :-


+



" لا يهمني ما قلته ... والدي يجب أن يعيش ..."


+



" لا تصرخي ..."


+



هدر بها بصوت خافت لكنه مهيب وهو يضيف بذات النبرة :-


+



" أنت هنا في مشفى ... عليك أن تراعي ذلك ..."


+



إشتعلت عينيها الخضراوين بقوة بينما أمسكت والدتها بكفها تخبرها برجاء :-


+



" يكفي يا يسرا ...  دكتور شريف ممتاز وأنا أثق به بشدة ...."


+



" حسنا ..."


+



قالتها ببرود وهي تضيف بعجرفة :-


+



" إن لم يستقر وضع والدي خلال ثلاثة أيام سأجلب طبيبا مختصا من لندن و ...."


+



أوقفها بحزم :-


+



" أنت تتجاوزين حدودك كثيرا يا مدام ... إذا لا يعجبك المشفى وأطباؤه تستطيعين المغادرة به حالا ..."


+



هتفت منيرة :-


+



" دكتور شريف أرجوك ... إنها متوترة ..."


+



صاحت يسرا معترضة بحدة :-


+



" ماما أرجوك ..."


+



لكن شريف أوقفها :-


+



" هذا ليس مبررا ... حضرتها تتحدث مع طبيب أخصائي يعالج عشرات المرضى يوميا ... لا يعجبها مشفانا فهي حرة ... عن إذنكما ..."


+



غادر بعدها تاركا إياها تشتعل غيظا لتجد والدتها تنظر لها بعتاب فتشيح وجهها بعيدا عنها وقلقها على والدها يؤلم قلبها وروحها بشدة ...


+



**


+



إبتسمت بهدوء للنادل الذي وضع طبقها أمامها ...


+



عادت بعدها ببصرها إتجاهه وهو الذي بدأ يتحدث عن تفاصيل الزفاف ...


+



يشاركها ما يفكر به و كيف يريد أن يكون حفل زفافهما ..


+



حماسه واضح رغم هدوءه في الحديث وذلك يسعدها بشدة ...


+



تناولت رشفة من حسائها ثم قالت :-


+



" ما رأيك أن نقيم حفل زفاف في مكان مفتوح يطل على البحر ..؟!"


+



وضع كأسه جانبا وهو يقول :-


+




        

          


                

" أفضل قاعة مغلقة فخمة في أشهر فنادق في البلاد .... "


+



اومأت برأسها دون تعقيب ليسأل بإهتمام :-


+



" كيف تريدينه أنتِ ...؟!"


+



إبتسمت تخبره برقة :-


+



" كنت أفكر في حفل زفاف مختلف قليلا ... طاولات موزعة فوق رمال الشاطئ ...أمواج البحر ورائنا ونسمات الهواء البارد تتطاير حولنا .. الموسيقى منتشرة في المكان فنرقص عليها طويلا قرب الموج ..."


+



مد كفه يقبض على كفها يخبره بهدوء :-


+



" تخيل رائع ولكن الأفضل أن نقيم حفلا فخما يليق بمكانتنا في المجتمع ..."


+



أضاف بجدية :-


+



" حفل زفاف ملكي لم يحدث مثله في البلاد أكملها ... سيكون حديث الموسم ..."


+



عيناه لمعتا بقوة وهو يكمل :-


+



" سنحرص على إنتقاء كل شيء بعناية فائقة ... سنستعين بطاقم أجنبي متخصص في حفلات الزفاف الفخمة ..."


+



هتفت بخفوت :-


+



" ألا تبالغ قليلا ...؟!"


+



قاطعها على الفور :-


+



" لا أبالغ أبدا .. أي رجل في مكانتي لن يقيم حفلا تقليديا ... ولا أعتقد ما أقوله غريبا أو مبالغا فيه بالنسبة لحفلات الزفاف التي حضرتها ..."


+



أضاف بمنطقية :-


+



" حفل زفاف شقيقك كان فخما للغاية و ..."


+



قاطعته بتروي :-


+



" أنت معك حق .. أنا فقط بطبيعتي أحب البساطة ..."


+



ربت على كفها يخبرها بحرص :-


+



" حبيبتي أنا أريد أن يبقى حفل زفافنا ذكرى مميزة لآخر العمر .... لذا كل شيء به يجب أن يكون مميزا ..."


+



" بكل الأحوال سيكون مميزا بالنسبة لنا لإنه اليوم الذي جمعنا سويا ..."


+



إبتسمت وهي تضيف بجدية :-


+



" ومع هذا ليكن كما تريد ... أي فندق تريد أن نقيم الحفل به ...؟!"


+



قال بجدية :-


+



" في الحقيقة لدي فكرة مختلفة قليلا ... لا أعلم إذا ما كانت تناسبك أولا ..."


+



طالعته بإهتمام ليضيف :-


+



" كنت أفكر أن نقيم حفل الزفاف في أحد المنتجعات الشهيرة في أوروبا .."


+




        

          


                

" أنت تمزح بالطبع ..."


+



تمتمت بها مذهولة ليهتف بوجوم :-


+



" كلا لا أمزح ..."


+



هتفت بهدوء :-


+



" هذا لا يمكن .. الجميع لديه أعمال ومسؤوليات لا يستطيعون تركها والسفر خارجا حتى لو لبضعة أيام ..."


+



أضافت بجدية :-


+



" الكثير لن يستطيع الحضور يا إياس ..."


+



" معك حق ..."


+



قالها بجدية وهو يضيف :-


+



" إذا لنختر أحد الفنادق الشهيرة لإقامة الحفل ..."


+



وبالفعل بدئا يبحثان بإهتمام حتى وقع آختيارهما على أحد الفنادق والذي يعتبر من أرقى الفنادق في البلاد ...


+



مرت الأيام وكلاهما مشغول بالتجهيز للحفل وخاصة توليب التي باتت لا تجد وقتا ترتاح فيه حتى ..


+



كان إياس حريصا أن يكون الحفل مختلفا ... حفل يكون حديث الموسم ...


+



تتحدث عنه الصحف والمجلات ...


+



قرر أن يجلب ثلاثة من أشهر المطربين العرب ....


+



أصر أن يكون الفستان من تصميم أشهر مصمم في العالم ...


+



بذخ بشكل بدا مبالغا فيه بالنسبة لتوليب التي تحب البساطة بطبعها ...


+



ذهبت معه إلى قصر العائلة حيث إختارت أثاث الجناح الذي سيضمهما سويا ...


+



كان معها في كل خطوة رغم أعماله الكثيرة وهذا أسعدها للغاية ...


+



والدتها بجانبها تساعدها في تجهيز أغراضها وشراء ما تحتاجه وحماتها كذلك والتي كانت تملك نفس حماس ولدها إتجاه الزفاف ...


+



جلسا سويا في أحد الأيام يتناولان الطعام ويتناقشان حول مكان شهر العسل ...


+



أخبرته بإبتسامة حالمة :-


+



" لنذهب إلى فرنسا .. مدينة العشاق ..."


+



" حسنا ..  ستكون وجهتنا فرنسا ثم إيطاليا والختام في سويسرا ..."


+



"أشعر بالحماس منذ الآن ..."


+



مد كفه يلمس كفها وهو يهمس بنبرة ذات مغزى :-


+



" ليس بقدري ..."


+



توردت ملامحها بينما أخبرها بجدية :-


+



" سأتحدث مع صديق أعرفه كي ينظم لنا برنامجا سياحيا فاخرا ...."


+




        

          


                

سألته بجدية :-


+



" كم ستكون المدة ..؟!"


+



" شهر كامل ...."


+



أضاف وهو يغمز لها :-


+



" أريد الإنفراد بك لوقت طويل  يا تولاي ..."


+



إبتسمت بخجل بينما يتأمل هو خجلها بعشق بات واضحا ...


+



عشق يتجاهل التفكير بأمره وما سيحمله له مستقبلا مقررا الإستمتاع بهذه اللحظات الجميلة في الوقت الحالي  ...


+



**


+



بعد مرور يومين ...


+



غادرت القصر حيث موعدها مع المصمم لتقيس فستان زفافها ...


+



تقدمت نحوه وهي تبتسم :-


+



" صباح الخير ..."


+



" صباح الورد ..."


+



ضحكت بنعومة ثم قالت :-


+



" هيا لنذهب ... لدي عمل طويل اليوم ..."


+



فتح لها باب السيارة ثم جاورها بعدها ووهو يسأل بإهتمام :-


+



" ماذا لديك بعد تجريب الفستان ..؟!"


+



أجابته :-


+



" كالعادة سأخرج مع ماما لإكمال مشترياتي .."


+



سألها بخبث :-


+



" هل إشتريت ما يكفيكِ من قمصان النوم ..؟!"


+



" إياس ..."


+



نهرته بضيق ليضحك بمرح ثم قال :-


+



" إختاري تصاميم ترضيني يا تولاي ..."


+



أضاف بوقاحة :-


+



" كلما كان فاضحا أكثر كلما نال إستحساني أكثر ..."


+



قالت بضيق وهي تكاد تذوب من شدة الخجل :-


+



" إذا لم تتوقف عن وقاحتك سأقفز من السيارة حالا ..."


+



" حسنا حسنا توقفت ..."


+



قالها وهو يكتم ضحكته بصعوبة قبلما يجدها بدورها تحاول كتم ضحكتها ليلتفتان اتجاه بعضيهما فيضحك كلاهما في نفس الوقت ...


+



جذبها نحو صدره مقبلا شعرها برقة فإستكانت بين ذراعيه بقلب يخفق بقوة وداخلها تتمنى أن تدوم هذه السعادة إلى الأبد ...


+



**


+



ما إن وصلا إلى المكان حتى وجدته مصرا أن يتواجد معها أثناء القياس بينما ترفض هي ذلك بشدة ...


+




        

          


                

" إبقى خارجا يا إياس أرجوك ..."


+



قالتها بتوسل ليهتف بثبات :-


+



" سأدخل معك وأرى الفستان و ..."


+



هتفت معترضة :-


+



" لماذا يعني ..؟! ألا تثق بذوقي ...؟!"


+



" أثق بالطبع ..."


+



" لماذا تريد الدخول معي إذا ..؟!"


+



" ولماذا ترفضين أنتِ ذلك إذا ..؟!"


+



تذمرت ملامحها لتخبره بتروي :-


+



" لا يمكن أن ترى الفستان قبل الزفاف  يا إياس ..."


+



هتف ببرود غير مباليا برفضها :-


+



" بل سأراه وسترتديه أمامي ..."


+



أضاف بجدية :-


+



" سأتأكد منه ..."


+



" هل ستفحص الفستان ..؟!"


+



سألت معترضة ليهتف ببساطة :-


+



" نعم كي أتأكد من كونه محتشما بشكل يرضيني ... "


+



ثم غمز لها بخفة :-


+



" أليس هذا أفضل من أن أراه يوم الحفل ولا يعجبني فأجبرك أن تخلعيه وترتدي أي شيء موجود أمامك ...؟!" 


+



تنهدت ثم قالت بتروي :-


+



" لا تراه يا إياس ... إنه فال سيء ..."


+



" ماذا ..؟!"


+



رددها مدهوشا لتخبره بنبرة جادة :-


+



" نعم ، ليس جيدا أن يرى العريس عروسه ترتدي فستان الزفاف قبل الحفل ..."


+



ضحك بعدم تصديق ثم قال :-


+



" هل تؤمنين بخرافات كهذه حقا ...؟!"


+



برمت شفتيها بحنق ليقرص أنفها وهو يهتف مشاكسا :-


+



" أنت أعقل من أن تصدقي خرافات حمقاء كهذا ..."


+



" أنت حر ولكن ضع في بالك إنك ستكون المسؤول عن أي مشكلة تحدث في الزفاف ..."


+



قالتها بضيق ليبتسم مرددا بسخرية  :-


+



" سأتحمل كامل المسؤولية وقتها .. إطمئني .."


+



إضطرت على مضض أن تجعله يدخل معها ...


+



كان ينتظرها خارجا بينما هي في غرفة القياس تساعدها إحدى موظفات المكان ...


+




        

          


                

جلس هو خارجا يقلب في المجلات التي تحوي على أحدث فساتين الزفاف لتقع عيناه على فستان زفاف ذو تصميم مذهل أعجبه بشدة ....


+



لحظات ووجدها تتقدم بفستانها الفخم  والذي لاق عليها بشكل مذهل ...


+



نهض من مكانه ببطأ يتأملها بإنبهار بينما سألته وهي تحاوط خصرها بكفيها :-


+



" كيف أبدو ..؟!"


+



" مذهلة ..."


+



تمتم بها بصوت أجش بينما تخبرها الفتاة :-


+



" ماشاءالله عليك ... أنت جميلة للغاية والفستان لاق بك كثيرا .."


+



شكرتها توليب بينما سألته بحاجب مرفوع :-


+



" هل يحتاج إلى آية تعديلات ..؟!"


+



تفحصها بعينيه فوجده محتشما كما يريد ليقول بجدية :-


+



" كلا إنه رائع ..."


+



أضاف وهو يحمل المجلة يخبرها :-


+



" ما رأيك أن ترتدي هذا الفستان معه ..؟!"


+



" أرتدي فستانين ..؟!"


+



تمتمت بها مستغربة ليقول ببساطة :-


+



" ما المشكلة في ذلك ..؟! هناك من يرتدين إثنين بل وثلاثة فساتين ..."


+



تأملت الفستان فوجدته رائعا بحق ينتمي لأحد الماركات العالمية المشهورة .. سعره خيالي لكنه رائع حقا ..


+



" ذوقك رائع يا إياس ..."


+



أشار إلى الفتاة سريعا:-


+



" نريد هذا الفستان أيضا .... "


+



ثم إتفقا على موعد وصوله وما غير ذلك عندما تحركت هي عائدة إلى غرفة القياس لتخلع فستانها بينما عاد هو إلى مكانه يقلب في المجال عندما وقعت عيناه على فستان زفاف رائع لكنه مفتوح بشكل فاضح لتلمع عيناه بمكر وهو يتخيله عليها فيقرر شراءه سرا حيث سترتديه له وحده بعدما ينتهي الزفاف الذي بات قريبا للغاية...


+



**


+



في العشق كان عاشقا مثاليا  ... 


+



عشقه كان مميزا ... 


+



عشقا لطيفا منبعا للسعادة ...


+



عشقا ملونا بألوان زاهية براقة ...


+



عشقا يتمناه الجميع ...


+



في العشق كان هو الطرف الأكثر حبا وعطاءا ...


+



في العشق كان مستعد أن يفني كل شيء لأجل معشوقته ...


+




        

          


                

في العشق تعرض لأول طعنة في حياته ...


+



في العشق جرب مشاعر قاسية لم يكن يعرفها من قبل ...


+



في العشق أدرك صعوبة شعور الوجع والخذلان ...


+



في العشق تحول من شاب يحيا دنياه بفرحة محلقا بين غيوم السماء طائرا بحرية لا مثيل لها إلى آخر مقيد بسلاسل عشق قتل روحه وحطم آماله ...


+



تمر الأيام قاسية عليه ...


+



يتماسك بثبات واهي رافضا أن ينهار حتى بينه وبين نفسه ...


+



يضغط على نفسه بشدة ...


+



يقسو عليها ...


+



يكرهها ...


+



يكره نفسه ...


+



يكره قلبه ومشاعره ...


+



يكره كل شيء ....


+



ألقى نظرة جانبية على حقيبته الضخمة ...


+



سيسافر ...


+



سيترك البلاد بأكملها ...


+



سيسافر دون رجعة ...


+



إتجه ببصره بعدها نحو يده المشلولة ...


+



تذكر حديث الطبيب معه عن إحتمالية شفائها وعودتها إلى طبيعتها ...


+



نسبة نجاح العملية لا تتجاوز الخمسون بالمئة ...


+



هل ستبقى يده مشلولة ..؟!


+



طعنات الحياة باتت فوق طاقة تحمله ورغم ذلك هو يصر على التماسك ...


+



يرفض الإنهيار ويخشاه في ذات الوقت ...


+



تحرك ساحبا هاتفه من جيبه ...


+



لم يخبر أحدا بقرار سفره ...


+



سيسافر بصمت دون أن يودع عائلته حتى ...


+



سيبلغهم بسفره قبل إقلاع طيارته بدقائق ..


+



لا يريدهم ..


+



ليس مستعدا لذلك مثلما ليس مستعدا لتوديعهم والإستماع لكلامهم وتوسلاتهم بالبقاء ...


+



هو إكتفى من الجميع ولم يعد يريد أي شخص حوله ...


+



سيبقى وحيدا بعد الآن ...


+



غادر شقته بمساعدة حارس العمارة ...


+



كانت هناك سيارة تنتظره إستئجرها لتقلّه إلى المطار ...


+




        

          


                

قبلما يغادر ألقى نظرة على ألبوم يحتفظ به منذ أعوام ...


+



ألبوم يجمع صورهما معا منذ بداية تعارفهما ...


+



كان حريصا أن يضع كل صورة جديدة تجمعهما مدونا عليها تاريخ الصورة والموقف الذي حدث وقتها ...


+



فتح الألبوم يقلب في صوره ...


+



يشعر بألم حاد في صدره بينما عبرات صامتة كست عيناه ...


+



كل لحظة جمعتهما ما زالت محفورة في ذاكرته وقلبه ...


+



كيف سيتخطى ..؟! 


+



كيف سينسى ...؟!


+



حقا لا يعلم ...


+



تجاهل تلك العبرات الخبيثة وهو يسحب القداحة جانبا ...


+



أشعلها وحرق الألبوم بالكامل ومعه كان يحترق قلبه وروحه ...


+



ذلك الألبوم كان آخر ما يجمعهما ...


+



الآن إنتهى كل شيء ...


+



لم يعد هناك شيء يخصهما ...


+



غادر بعدها شقته متجها إلى المطار ....


+



أرسل رسالة مختصرة لشقيقته الكبرى قبلما ينهض من مكانه متجها إلى الطائرة التي ستقلع بعد دقائق ...


+



جلس في كرسيه بعدما أغلق الهاتف ..


+



شرد بأفكاره حتى غفي دون أن يعني ..


+



في حلمه رآها ..


+



كانت تتقدم نحوه ...


+



تبتسم له بتلك الإبتسامة الآسرة التي تخطف روحه وتزلزل كيانه ... 


+



تأملها بعشق جارف بتلك الإطلالة المهلكة ...


+



فستانها بلونه الأحمر الذي لا يليق سوى عليها ... 


+



وصلت عنده ومالت نحوه ... 


+



إبتلع ريقه بصعوبة وعيناها تأسرانه كليا ..


+



ذلك الوهج الرمادي الذي يتألق بقوة  لا تليق بسواها ...


+



تنحدر عيناه نحو تفاصيل وجهها التي يحفظها عن ظهر قلب ..


+



ملامحها التي يعشقها ...


+



أنفها الدقيق ..


+



شفتاها الممتلئين قليلا مطليتين باللون الأحمر القاني ...


+



عاد مجددا نحو عينيها ..


+



عينيها وآه من عينيها ...


+




        

          


                

غرق بها حد الثمالة ...


+



غرق وهمسه آخر ما صدر منه بينما ذراعيه تتشبثان بها :-


1



" هالة ...!"


+



" أحبك ..."


+



نطقت بها بصوت آجش قبلما تميل أكثر نحوه مقبلة شفتيه برقة ...


+



إنتفض من  غفوته القصيرة على صوت المضيفة التي سألته عن نوع الطعام الذي يفضله ..


+



صرفها بإقتضاب بعدما أخبرها إنه لا يريد تناول أي شيء ...


+



إكفهرت ملامحه كليا وقلبه ما زال يخفق بعنف بسبب هذا الحلم ليعتصر قبضة كفه بقوة توازي قوة آلم قلبه المكوي بنار عشقها ....


+



**


+



في العشق كان عاشقا حد النخاع ...


+



عاشقا فقد معشوقته فجأة دون سبب وجيه ...


+



عاشقا إختار أن يحارب في سبيل عشقه بكافة الطرق المتاحة والغير متاحة ..


+



عاشق تجاهل الكثير وحارب أحيانا دون ضمير ...


+



عاشق إختار أن ينصر شيطانه في سبيل عشقه ...


+



عاشق خسر عشقا إستوطن كيانه فتحول إلى وحش يفترس كل من تسبب بخسارة هذا العشق ...


+



هو العاشق الذي دمره عشقه وحوله لشخص مختلف قاسي القلب ...


+



هو العاشق الذي خذله العشق فأراد أن ينتقم منه ويذبحه بذات السكين التي ذُبِح بها قلبه قبل أعوام ...



+



منذ ذلك الموقف ورفضها له بتلك الطريقة المهينة وهو يمكث في شقته ...


+



ما حدث كان متوقعا ....


+



كان لا بد أن ترفض خاصة وهي تدرك إن نواياه ليست سليمة وهي بالفعل كذلك ...


+



ربما تعجل في طلبه لكنه يعلم جيدا إنها لو وافقت لما كان  سيرحمها وقتها لكنها رفضت ....!


+



تمر الأيام وهو يخطط للقادم ...


+



قادم لم تعد تمثل هي أي شيء به ...


+



أضاع الكثير من عمره بسببها ...


+



آن الآوان ليتخطى الماضي ويبدأ من جديد ...


+



هو ليس ضعيفا ولن يسمح لعشق سام بتحطيمه ....


+



دلف إلى قصر العائلة بهندامه الأنيق لتستقبله والدته بسعادة ....


+




        

          


                

تعانقه بحب جارف بينما يتجاوب هو معها مرغما ...


+



شارك والديه طعام الغداء قبلما تجلس العائلة في صالة الجلوس ترتشف الشاي عندما هتف أخيرا :-


+



" هناك بعض القرارات إتخذتها يا بابا ..."


+



طالعه والده بإهتمام ليضع كوبه فوق الطاولة ثم يخبره بجدية :-


+



" لن أعود إلى سويسرا ..."


+



وجمت ملامح والده بعدم فهم بينما يضيف بثبات :-


+



" أريدك أن تمنحني إدارة شركات المجموعة ... "


+



" إدارة المجموعة مرة واحدة ..!!"


+



هتف بها حاتم مندهشا ليسأل أثير بخفة :-


+



" ماذا ..؟! ألا أستطيع إدارتها بشكل جيد ...؟!"


+



" أنت تديرها معي بالفعل وبكل الأحوال ستديرها وحدك يوما ما ... فهي لك أنت وشقيقتك ...."


+



أومأ برأسه متفهما وهو يقول بينما زمرد تتابع ما يحدث بإهتمام :-


+



" أنت تقضي أغلب وقتك في الوزارة والتي تأخذ معظم يومك ... برأيي سترتاح عندما تترك إدارة المجموعة لي وتتفرغ لعملك فيها ..."


+



" وماذا عن عملك في الخارجية ..؟!"


+



سأله والده بجدية ليجيب :-


+



" سآخذ إجازة الفترة القادمة ..."


+



أضاف بهيمنة :-


+



" كما إنني إتخذت قرارا آخرا ... سأرشح نفسي في الانتخابات القادمة بإذن الله ..."


+



" حقا يا أثير ..."


+



هتفت بها زمرد بفرحة ليهز رأسه مؤكدا حديثه بينما والده يتابع ما يحدث بصمت ليهتف أثير مشيرا له :-


+



" أتفهم دهشتك ولكنني بحاجة للتركيز على مستقبلي المهني والسياسي ... "


+



" أنا أدعمك يا أثير وأثق بقدرتك على النجاح في كلا الجانبين ..."


+



" كلامك هذا يسعدني يا بابا ... أعدك إنك ستفتخر كثيرا بكم الإنجازات التي سأحققها الفترة القادمة ..."


+



قالها بجدية بينما لمعت عينا زمرد بفرحة غامرة عندما أكمل أثير :-


+



" ما زال هناك شيئا أخيرا..."


+



طالعه كلا من والده ووالدته بترقب ليهتف بإقرار :-


+



" قررت أن أتزوج ..."


+




        

          


                

" ماذا ..؟! "


+



هتفت زمرد بعدم تصديق ليقول سريعا :-


+



" أفنان عمران ... تحدثي مع والدتها كي نذهب ونخطبها في أقرب فرصة ..."


+



" أنت لا تمزح ، أليس كذلك ...؟!"


+



سألته زمرد بحبور ليقول بجدية :-


+



" أبدا .. "


+



" لماذا العجلة يا أثير ..؟!"


+



سأله والده بهدوء ليخبره بجدية :-


+



" الزواج مهم بالنسبة لي  في الفترة القادمة وأنت تعلم ذلك جيدا .. إستقراري على المستوى الشخصي يضيف إليّ الكثير ..."


+



" أنت لا تعرف الفتاة جيدا ..."


1



قالها والده بمنطقية ليخبره :-


+



" سأعرفها جيدا خلال فترة الخطبة ... الفتاة جميلة ومناسبة للغاية ... كما إن مكانة والدها ستعزز من قوة موقفي في الانتخابات .. "


+



" ولا تنسى والدتها أيضا ... "


+



قالتها زمرد بجدية ليهتف أثير بحسم :-


+



" لقد فكرت كثيرا قبلما أتخذ قراري .. أفنان هي الفتاة المناسبة لتكون زوجتي وأم أطفالي .. هي تناسبني من جميع النواحي وتوازيني في كل شيء تقريبا ناهيك عن كونها جميلة ورقيقة ومحترمة وبها جميع المواصفات التي أحتاجها في زوجة المستقبل ..."


+



" ما زلت غير مقتنعا بقرارك هذا ..."


+



قالها حاتم بجدية ليخبره أثير بصدق :-


+



" صدقني القرار هذا ليس بدافع الهرب أبدا ... "


+



" إتركينا لوحدنا قليلا يا زمرد ..."


+



إحتقنت ملامح زمرد وهي تهدر :-


+



" هل تطردني يا حاتم ..؟"


+



تجاهل حاتم حديثها وهو يطلب منه النهوض والذهاب إلى المكتب لينفرد به فيسأله والده :-


+



" هل قرارك هذا بدافع الرد على هالة و ..."


+



قاطعه أثير :-


+



" كلا يا أبي .. أساسا هالة لن تهتم بخطبتي من عدمها ..."


+



تنهد مضيفا بجدية :-


+



" هالة إنتهت بالنسبة إلي ... باتت خارج حساباتي .... لم ولن يجمعني بها أي شيء كان بعد الآن ... أنا حاليا أفكر في مستقبلي ... "


+



" لست مجبرا على الزواج من فتاة رشحتها والدتك ... يمكنك أن تنتظر حتى تلتقي بمن تسرق قلبك ..."


+



تنهد ثم قال :-


+



" أنا أريد الزواج وتأسيس عائلة ..."


+



أضاف مبتسما :-


+



" أفنان جميلة ولطيفة ... ولا أحد يعلم ما سيحدث .. ربما تنجح في سرقة قلبي .. ربما سأقع في حبها ...."


+



" ما زلت غير مقتنعا ...."


+



" صدقني يا أبي ، أنا جاد في قراري ..."


+



قالها بثبات بينما إكتفى حاتم بالصمت قبلما يقضي الأيام التي تليها محاولا إقناعه بعدم الإستعجال بينما أثير مصرا على قراره ليحدث ما يريد ويتقدم لخطبة الفتاة في جلسة عائلية جمعت العائلتين ... حضر كلا من عابد وراغب الخطبة بعدما أجبر عابد ولده على ذلك وكذلك زهرة ومهند وصديقه عادل ...


+



كانت خطبة عائلية حضرها الكبار فقط ...


+



تأملها أثير وهي تطل عليه بفستان وردي أنيق يليق ببشرتها البيضاء وخصلات شعرها بلونها المائل للشقار ...


+



جاورته في وقفته بخجل شديد قبلما يقبض على كفها ويديرها قباله فيبتسم برزانة بينما رفعت هي عينيها العسليتين نحوه ليجذب الخاتم الماسي الذي تم تصميمه خصيصا لها ويضعه في بنصرها وألبسته بدورها حلقته الفضية ليرفع كفها يقبله ببطأ قبلما يتلقيان مباركة الجميع ...



1



انتهى الفصل 


+



أعتذر عن غيابي الفترة اللي فاتت


+



سبق ووضحت سبب غيابي بسبب مشاكل بفقراتي العنقية ورجعت وضحته هنا لمن لا تعلم سبب الغياب


+



باذن الله من الآن فصاعدا لدينا فصل مساء كل جمعة 


+



الفصل القادم يعتبر من أهم الفصول 👍


+



شكرا على تفهمكم ♥️


+




الخامس والعشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close