اخر الروايات

رواية حصنك الغائب الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم دفنا عمر

رواية حصنك الغائب الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم دفنا عمر


الفصل الرابع والعشرون
_____________

+


تركته راكضة حافية القدمين بتلقائية أكسبتها براءة أذابته وأجبرت عيناه على التعلق بأثرها حتى اختفت عن دائرة بصره.. ابتسم ولا يعرف لما كذب وخدعها بشأن حقيقته.. ربما أراد التسلية البريئة الخالية من أي سوء بالطبع.. فقط دعابة ثقيلة وسيخبرها بطريقةٍ ما من يكون!  تحرك ليذهب لصديقه مشتاقا للعودة ثانيا ليعلم ماذا تريد منه تلك الملاك؟ 

+


بعد أن تبادل عامر الترحيب مع الجميع وبارك لهم، استأذن دقائق وعاد ينتظرها بتلك الزاوية كما أخبرته، وبعد لحظات وجدها تتهادى إليه بخطوات أكثر راحة وثبات بعد أن ارتدت حذاء جديد.. حاملة بكفيها حقائب بلاستيكية.. دنت منه وهتفت:  كويس انك جيت بسرعة.. ثم تلفت حولها بحذر وقالت:  خد الحاجات دي لأخواتك وانت مروح! 

+


عقد حاجبيه متساءل:  حاجات ايه؟
ورافق سؤاله بنظرة فضولية داخل الأكياس فوجد بإحدى الحقائب طبق كبير يشف تحت غلافه قطع لحم تعلو حبات أرز مطهو.. وحقيبة أخرى تحوي وحدات متنوعة من الحلوى المغلفة للأطفال..!

+


فعاد يطالعها بنظرة مطولة وثاقبة أربكتها قليلا لتهتف بتلعثم طفيف: إيه بتبصلي كده ليه؟ مش بتقول اخواتك مش بياكلوا لحمة غير مرة في الشهر؟ دي حاجة بسيطة ليهم! 

+


تجرع ريقه لتبرز تفاحة آدم بعنقه وهمس وهو يحاول أن يُحجم نظرات إعجاب كي لا يُخجلها:  طب والحاجات الحلوة التانية؟! متعودين تجيبوها بالكمية دي؟

+


أجابت ببساطة: أيوة.. أخويا عابد بيجيبها دايما عشان مهند.. انا قلت أكيد عندك اخوات صغيرين هيفرحوا بيها..! 

+


عجز عن إيجاد ردًا يناسبها فصمت مكتفيًا بنظرة أكثر تمعن وإعجاب بها..فارتبكت ثانيا وهتفت:  طب عن إذن بقى وسلم على اخواتك! وغادرته شبه راكضة بخفة خطواتها گ الفراشة الملونة .. فظلت حدقتيه مآخوذة بفعلتها التي نمت عن قلب نقي لدرجة لم يصادفها قبلًا..وعاد يتشمم الأطعمة وقرر أن يذهب ويخبئها بحقيبة سيارته بعد أن نوى انه لن يتناول غدائه إلا منها..! 
_____________________

+


بينما هو منهمك بدراسة إحدى المشروعات بحاسوبه الخاص، سمع طرقًا على الباب!  صوب نظره تجاه الباب تزامنًا مع صوته:  اتفضل! 

+


فأطل عليه وجه رقيق مألوف لديه.. وصوتها الأنثوي المرح يصدح بجملتها القديمة (صباحك حليب يا باشمهندس! )

+


نهض وملامحه لانت ببشاشة وبدت معالم المفاجأة السارة على وجهه: أمونة؟! لا مش ممكن..!

+


اقبلت تصافحه بمزاح:  هي بشحمها لحمها..!
بادلها المصافحة ودعاها للجلوس:  الشركة كلها نورت يا أمونة.. يااااه أنا مجرد ما شوفتك افتكرت أيام الجامعة الجميلة والرحلات والهزار والنقاشات الكتير بنا.. عاملة إيه طمنيني عليكي! 

+


_ الحمد لله يا أحمد بخير وزي الفل.. وأنت اخبارك إيه؟
_ تمام والله ..يزيد قالي عن شغلك معانا الشركة وفرحت جدا وكنت منتظرك على كلامه أول الأسبوع الجاي، ماتوقعتش تيجي انهاردة..!

+



_ فعلا أنا قلت كده ليزيد لأن كان عندي مناسبة وخلصت، قلت بلاش كسل اعملكم زيارة وسألت عن يزيد لقيته مش موجود، وافتكرت انه قالي انك شغال معاه فسألت عن مكتبك وجيت! 

+


_ يزيد فعلا مش هنا.. هو المرة دي اللي عنده مناسبة عائلية..!
_ خير؟ هيتجوز ؟ 
_لأ.. بس في ناس جايين يطلبوا بلقيس بنت عمه انهادرة.. وانتي عارفة انه الكبير ووجوده مهم! 

+


زوت بين حاجبيها:  أنا معلوماتي ان يزيد كان خاطب بلقيس!  إيه بقى اللخبطة دي مش فاهمة! 

+


_ لا ده انتي فاتك كتير أوي والموضوع عايز قاعدة وقهوة.. التفاصيل محتاجة استفاضة! 

+


صفقت بمرح:  الله يعني في نميمة.. شكلنا هنرجع أصحاب انتيم تاني زي الجامعة! 
ضحك لها:  وانتي شكلك لسه فقرية ودمك خفيف.. عموما ياستي هخلص حاجة سريعة في ايدي ونلف في الشركة اعرفك على الأقسام كلها وتشوفي مكتبك فين.. واخدك ونتغدى برة واحكيلك.. انا كما عايز أسمع أخبارك انتي وخطيبك

+


_ خطيبي مين يا ابني ما خلاص طار..هو يزيد مش قالك؟ انا دلوقت سنجولة محترمة عقبال أمالتك! 

+


غمغم باندهاش:  سنجل؟ على أساس جوازك كان بعد التخرج فورا..! واضح ان الرغي بنا هيطول.. هطلبلك فنجان قهوة بدون سكر زي ما بتحبيه.. وقبل ما تشربيه اكون خلصت اللي في ايدي! 

+


_ أنت لسه فاكر اني بشربها بدون سكر! 

+


هتف بتلقائية:  زي ما فاكر إنك كنتي بتخافي من القطط وبتحبي الحلويات وبتشجعي فريق أي سي ميلانو وبتعشقي البنفسج بدرجاته! 

+


أهتزت أهدابها قليلا متعجبة تذكره تلك التفاصيل عنها.. والأغرب أنها كانت تجهل انه يعلم. معظمها.. لكنها نفضت كل هذا وقالت بذات المرح:  الله أكبر ذاكزتك فولاذية.. ده بابا نفسه مايعرفش عني التفاصيل دي! 

+


_ ده حسد بقى..!
_ وهنمسك الخشب يا باشا..! 
……… ..
بعد دقائق كانت تجلس أمامه بصمت ترتشف قهوتها منتظرة انتهاء عمله للذهاب معه والتجول بين اقسام. الشركة التي ستعمل بها..! 

+


______________________

+


في مطعم " الصحبة الطيبة"

+


أحمد:  والله المفروض عامر يعملي نسبة معاهم على الزباين اللي باجي بيها هنا.. "

+


هتفت وعيناها تدور حولها بانبهار:  
أنا تقريبا ماشوفتش مكان بالجمال ده.. انت كأنك بتتنقل لأجواء تانية تفصلك عن الخارج تماما.. شكرا يا أحمد على العزومة دي..!

+


_ شكرا ايه بلاش عبط..ها أحكيلي بقى اللي عندك! 
_ لا مش قبل ما اسمعك.. ازاي يزيد ساب بلقيس ده كان بيحبها اوي! 

+


حنى أحمد كتفيه للأمام وعقد ساعديه على الطاولة مجيبا: 
هحكيلك ياستي باختصار اللي اعرفه.. 
وسرد عليها كل التفاصيل لتهتف بعدها بذهول:  معقولة؟ كل ده حصل
_ أيوة ومن وقتها كلامها شحيح شوية  بس حاليا اتحسنت واهي هتتخطب.. ربنا يوفقها ويعوض يزيد هو كمان! 

+



        

          

                
هزت رأسها وهي تؤمن بالدعاء:  اللهم امين.. سبحان الله النصيب غلاب.. هما مش لبعض من الأول..! 
أحمد:  عندك حق.. ها.. دورك بقى تحكيلي ليه سبتي خطيبك! 

+


تنهدت قبل تقول:  نصيب يا أحمد.. رغم انك عارف ان كان في بنا عاطفة متبادلة! 

+


_ فعلا عشان كده استغربت إنكم مش كملتوا سوا..! 

+


_ عادي بتحصل في أحسن العائلات! 
_ لو مش يضايقك إيه هو السبب! 

+


تنهدت قبل أن تتمتم: لا ابدا مش هتضايق.. زي ما انت عارف ان خطوبتنا كانت سريعه فقط أربع شهور على أساس هو جاهز ماديا وجوازنا مافيهوش عقبات ..بس مع الوقت ابتديت احس ان في حاجه في علاقتنا ناقصه ومش مرتاحة.. ومع الوقت قدرت أفهم المشكلة فين.. الأهتمام بالتفاصيل! 
ضم حاجبيه:  ازاي؟

+


استطردت:  في واحده يا أحمد بيفرق معاها تفاصيل صغيرة.. تفاصيل ممكن تطلعها في السما من السعاده أو تنزلها الارض من التعاسة.. أول عيد ميلاد ليا رسمت في خيالي سيناريوهات كتير لشكل الهديا اللي هيجبهالي وازاي هيقدمها وهيقولي إيه!  بس اليوم. عدى وجت الساعة 12 وانا منتظراه.. كل اللي حواليا هداني وعايدني إلا هو.. حتى ما فكرش يتصل.. أحبطت ونمت زعلانة إن خطيبي مش اهتم بيا.. بس قلت عادي بلاش ابقى تافهة.. يجوز نسي اليوم وهيفتكر بعدين.. بس ماحصلش.. المهم عدى عيد ميلادي بدون اهتمام منه.. سكت وقلت بعدين هيفتكر لما اعرفه ان بحب احتفل بيه.. جه عيد ميلاده وعملته مفاجأة بسطته اوي وحسيته كان سعيد جدا بيها.. واتفائلت ان جزئية عدم. اهتمامه بالتفاصيل دي هتقل مع الوقت.. وجه بعدها الفلانتاين.. ثم ضحكت بمزاح:  وده بالذات بقى موسم الدلع كله بتاع البنات المخطوبات اللي ممكن تعيش على هداياه ودباديبه عمر بحاله بتفتكر تفاصيله.. بس للأسف حتى تليفون معملوش.. وقتها بقيت غصب عني اتخيل حياتنا واحنا زوجين حسيت بنفور غريب سيطر عليا.. بس سكت وقلت في واحده تسيب خطيبها عشان اسباب تافهة زي دي؟ بس اللي اكتشفته يا احمد انها مش تافهة.. بخل المشاعر والأهتمام حتى بكلمة دافية عمره ما كان هين عند الست.. خصوصا لو مافيش عذر.. حياة. زي دي هتكون جافة.. أرضها هتتشقق وتشيخ بدري.. وأنا مش عايزة الحياة دي! 

+


ثم هتفت مع لمحة شرود: 
ولما اتشجعت وأخدت قراري اتقابل بمنتهى القسوة والاستهتار بمشاعري.. عشان كده بعدت وجيت القاهرة لعمي ارتاح نفسيا.. ثم عادت عيناها تبرق وهي تقول بصوت تحرر من مشاعره السلبية:  بس تعرف بقى.. والله انا دلوقت مبسوطة جدا.. أنا بحبني وبقدرني وبهتم بيا.. ليه انتظر الأهتمام من حد…؟!

+


ظل على صمته مستقبلا مشاعرها بصبر.. فهتفت: 
_ أكيد بتقول في بالك دلوقت أمونة بنت تافهة وأسباب اتفهة منها..!  

+


تمتم بصدق:  بالعكس.. أنا متفهم ومقدر جدا أسبابك وشايفها منطقية ومش هينة.. الأهتمام منحة وعمره ما كان طلب! 

+



        
          

                
" الأهتمام منحة وعمره ما كان طلب! "

+


رنت جملته بصدى غريب داخلها.. نعم هو تماما ما تؤمن به.. استجداء الاهتمام يفقده لذته ودفئه..! 

+


_ عموما إنك ماتمشيش خطوة غير وانتي مقتنعة ومرتاحة ده شيء يستحق الإعجاب.. لعلمك ياما حياة ناس بتكون تعيسة بسبب قرار مقدروش ياخدوا في وقته الصح.. عشان كده أنا بحييكي على وضوحك مع نفسك! 

+


أومأت برأسها مبتسمة.. وجاء دورها لتسمع منه المزيد لينتهي لقائهما الأول بكثير من الألفة التي عادت بينهما.. وطيف صداقة قديمة ينهض من رقاده بعد ثبات!
___________________

+


ابتعدت قليلا عن صخب الاحتفال العائلي، يؤلمها نغزات بجانب رأسها.. كانت تود لو لم تأتي لشحوب وجهها وتضخم جانبه بعض الشيء.. لكن جوري اقنعتها ان وجهها أكثر راحة ويجب ان تشارك معهم..ربما لا تود رؤية حسرته بمراسم خطبتها مع أخر..كم تمنت أن تكون لديها قدرة خارقة علي قراءة حديث الشفاه عن بعد.. ماذا كان يقول لها يا تُرى قبل أن يأخذها لمجلس الرجال؟ كانت ملامحه تتقلب بانفعالات مختلفة..لكنها لن تنكر ابتسامته الهادئة حين ارتدت بلقيس خاتمها.. هل صار لا يتأثر بها ولم تعد تشغله؟ لا تدري ولا دليل لديها يريح هذا القلب بين جنباتها..! 

+


يزيد بعد أن لمح تنحيها عن الجميع:  عطر؟ إنتي واقفة هنا لوحدك ليه؟!

+


التفت له:ابدا بس مصدعة من تعب أسناني بفكر امشي لأن مش مركزة في حاجة..ثم استطردت: لولا إلحاح جوري ماكنتش جيت! 

+


لاحظ ذبولها فقال:  ألف سلامة عليكي، طب تعالي اوصلك، الأحتفال اصلا على وشك ينتهى! 

+


_ لا مافيش داعي توصلني، أنا هكلم ياسين يجي معايا و…… 
قاطعها:  ياسين خرج مع عابد معرفش راحوا فين، وانتي عارفة اما الأتنين يتلموا على بعض بيسرحوا مع نفسهم..!

+


لمحتهما جوري فاقتربت وما أن دنت حتي تسائلت: 
إيه مالكم واقفين بعيد كده ليه؟ في حاجة؟

+


يزيد:  بنت خالتك تعبانة ولسه كنت بقول أوصلها، 
عطر بحرج: أنا فعلا همشي بس لوحدي مش لازم تعطل نفسك وتوصلني! 

+


جوري مستغلة اختلاق فرصة جديدة لهما:  ازاي يعني تمشي لوحدك.. مايصحش طبعا.. خلي آبيه يوصلك لأن فعلا شكلك باين عليه، وأنا هعرف خالتو وعمو انك مشيني مع يزيد وسبقتيهم على البيت! 

+


لم تجد سبيل سوى الرضوخ والتعب والضيق ينالا منها..! 
…………… ..

+


في السيارة! 

+


مالت رأسها قليلا على حافة مقعدها شاردة بالطريق، فبصر عن قرب شحوبها والدكنة التي استدارت بها عيناها.. تبدو متعبة بحق.. فلا ألم يضاهي هذا الوجع وهو يعلم، همس وعيناه تعود لمتابعة الطريق أمامه: 
_ كان لازم تعالجي أسنانك من بدري ياعطر..مش تسيبي نفسك للدرجة دي.. انتي فعلا وشك شاحب والسواد اللي تحت عنيكي زاد! 

+



        
          

                
أختار أسوء وقت لينتقد شحوب وجهها.. هي بحالة انعدام ثقة بذاتها وشعور شديد السوء بأنها ليست جميلة اليوم خاصتًا بعد رؤية تألق بلقيس وهالة جمالها الذي يأسر الجميع دون مبالغة.. بالطبع قارن بينها فخسرت هي! 

+


ودون وعي أجابته بفظاظة:  عارفة إني تعبانة مش محتاجة ذكاء على فكرة! 

+


أوقف السيارة ثم.رمقها بنظرة مبهمة وتمتم:  مالك متعصبة ليه؟ في حاجة مضايقاكي؟ 

+


لم تتخلى عن حدتها وهي تجيب:  لأ.. ولو سمحت وصلني.. ولا اقولك….. 

+


وقارنت قولها بمغادرتها السيارة وصفع بابها بعصبية انتقلت إليه وهو يستمع لها:  أحسن حاجة. اخد تاكي وامشي لوحدي ماتعطلش نفسك معايا..! 

+


غادر مقعد القيادة ووقف جوارها وهو يزفر بحنق: 
على فكرة انتي غبية يا عطر..! مافيش أي سبب لعصبيتك وقلة ذوقك معايا.. دي طريقة تكلميني بيها؟ ده أسلوب؟ ولما ازعلك ولا اسيبك وامشي محدش يلومني! 

+


التفت له گ الإعصار ليتفاجأ بدموعها: 
محدش هيلومك ياباشمهندس.. اتفضل امشي وانا هاخد تاكس انا مش صغيرة وهتوه.. ومن الأول ماطلبتش منك توصلني! 

+


هاله رؤية عبراتها.. لما أصابها هذا الهياج الغير مبرر؟.. أخذ نفسًا عميقًا ليهدأ ولمح في مرمى البصر عربة تبيع مشروب " حمص الشام" وانتبه أنه وقف بالقرب من الكورنيش.. فالتفت هاتفا: 

+


خليكي واقفة دقيقة وجاي! 

+


تركها وظلت هي بصمتها الكئيب وبقايا دموعها المتحجرة بمقلتاها غير منتبهة لاتجاه ذهابه شاردة يتلبسها مود الكآبة، وبعد قليل أتى إليها حاملًا كوباين من ذاك المشروب الساخن وسحب الدخان تتراقص فوقه دلالة على حرارته العالية! 

+


_ اتفضلي اشربي ده اهدي شوية! 

+


نقلت بصرها بينه وبين المشروب وشعرت بالخجل، رغم فظاظتها التي تعترف بها يحاول ملاطفتها بحنانه المعهود، فالتقطت كوبها وهمست بخجل ورأس مطرق:  أنا أسفة! 

+


تجاهل اعتذارها وراح يرتشف بحرص من مشروبه الساخن، فعادت قولها:  منا بقول أسفة! 

+


رمقها بنظرة جانبية وقال:  مش هقبل أسفك غير أما تقولي سببه! 

+


عادت تستند على جانب السيارة ملتزمة الصمت، فهمس ثانيا:  الموضوع مش بس أسنانك في حاجة. تاني مضايقاكي.. إيه هي؟ 

+


طلت مشيحة بوجهها ثم قالت:  مافيش يا يزيد.. قلة نوم مش أكتر! 

+


لم يقتنع هو يفهم طبيعتها ..هناك ما يؤرقها ولكن لن يلح عليها ربما لا تود أخباره، ساد بعض الصمت بينهما لا يقطعه سوى أصوات الملاعق وهي تلتقط حبات الحمص! 
فسمعها تهمس: بقالي كتير مش شربته.. شكرا..! 

+


فغمغم: خليت الراجل يزودلك الحمص بتاعه.. عارفك بتحبيه أكتر! 

+


_وانت بتحب المية بتاعته أكتر من الحمص
_ وخصوصا وهي مشطشطة زي دلوقت! 

+



        
          

                
ابتسمت وأشياء بعيدة تتراءى لعين خيالها: 
فاكر اما كنت اعمل مقلب في جوري واحطلها شطة كتير من غير ما تشوفتي واما تشرب ولسانها يولع وتعرف ان انا اللي عملت كده تصمم تضربني تاخد حقه! 

+


انتقلت إليه ابتسامة مماثلة مع نبرة أكثر ودًا: 
وأخوكي كان بيردها لعابد ويزودله ليمون وهو مش بيحبه.. وكان بياخد منه علقة محترمة! 

+


ضحكت حين تذكرت وقالت:  بس انت اللي مكانش حد بيتجرأ يهزر معاك كده

+


تمتم بغرور:  من يومي عندي هيبة يابنتي! 

+


_ فعلا!..طول عمرك مختلف عن أي حد" 

+


قالتها بنبرة صادقة بشعورها الحقيقي نحوه، فالتفت لها يطالعها بجبين مقطوب ونظرة مرتابة، فتداركت أمرها سريعا: عشان انت الكبير يعني"

+


ظل يرمقها بنظرة أكثر غموضا وسادت برهة صمت جديدة ثم أعاد تساؤله الأول وعيناه تنظر للأفق البعيد: مش هتقولي بردو سبب ضيقك؟

+


_  مافيش! 

+


ابتسم مغمغما:  تعرفي ان الأسطورة بتقول إن البنت اما تقول كلمة " مافيش" معناها إن في، بس مش عايزة تتكلم؟!

+


رمقته بنظرة خاوية:  يمكن! 
وعادت تشيح بوجهها فقال وهو يطالع وجنتها: 
الورم قرب يختفي، يومين وهتروحي تخلعي ضرسك عشان ترتاحي! 

+


_ لأ.. هخاف من الحقنة! 

+


ابتسم متذكرا فعلتها وكيف توارت خلفه گ العصفور المرتجف تستجدي أمانه بضعف أثار رجولته معها بشكل غريب ، فمرت بعين خيالها نفس الذكرى فتخضب وجهها بحمرة، وأشاحت ببصرها بعيدا، وتسائلت لتتخطى خجلها:  هو انا ليه مش فاكره حصل إيه بعد ما خرجنا من العيادة، وازي روحت معاكم؟! 

+


عادت تطالعه بتلقائية. متوقعة إجابة، فتفاجأت بنظرة غريبة بحدقتيه!  نظرة لم تفهمها.. هل حدث شيء لا تذكره! 

+


_بصراحة خرفتي! 

+


اتسعت عيناها خيفة بعد قوله" هل تفوهت بحماقة عن مشاعرها؟ تسائلت بفضول متناسية ألمها:  
خرفت ازاي؟ قلت أيه يعني؟

+


اجاب بخبث:  لو عرفتيني ايه مزعلك وخلاكي تتعصبي من شوية هقولك! 

+


هتفت بعناد:  مش قايلة! 
رفع كتفيه ببساطة:  وأنا كمان مش هقولك على قولتيه وعملتيه وانتي مش دارية! 

+


_عملته؟ أكتر من…… .
_ من إيه؟!

+


عاجلها بسؤاله، فاستطردت بحنق: 
ولا حاجة وخلاص مش عايزة أعرف عملت إيه!  

+


عاد يرمقها بنظرة مبهمة وشفتيه تميل بابتسامة طفيفة متخيلا رد فعلها إن علمت أنه حملها مضطرًا..وكيف تملمت على صدره وهي تظنه وسادتها، فهتفت بحنق: ممكن اعرف حضرتك مبتسم ليه؟ 
_ لأ، مش ممكن..!
_ خلاص ماشي بس خليك فاكر..وياريت بقى تتكرم عليا وتوصلني عشان اخد المسكن بتاعي ولا اخد تاكس؟! 

+



        
          

                
أجابها ببساطة:  ده سؤال بردو! 

+


خدي تاكس! 
_____________________

+


واقفا بشرفة غرفته شاردًا تلطم وجهه نسمات باردة، فلحقته دُرة بعد أن تلحفت بروب ثقيل، تتأمل حديقتها جواره تسائلت: 
مالك ياعاصم..حاساك قلقان من حاجة! 

+


تنهد مغمغمًا: في غير بلقيس اقلق عشانها

+


_ تقلق ليه؟ ما كل حاجة مشيت كويس وفاتحتها تمت على خير وظافر جاب شبكة كمان! 

+


_ ماهو ده اللي مستغربه.. المفروض ان الخطوبة مجرد اتفاق شكلي حفظا لكرامة بنتنا قصاد عيلتنا..لكن هو اهتم يجيب الخال والعم..ولما عرضت عليه اشتري الدبل لإنه مش مجبر يغرم حاجة والموضوع كله خطوبة مؤقتة.. رفض وقالي إني كده بهينه.. وسكت على أساس هيجيب دبلتين عاديين وخلاص، لكن انه يروح يشتري ليها خاتم ومحبس ألماظ ده اللي مش فاهمه، ليه بيتصرف على إنه خطيب بجد..!

+


هتفت بغموض: بس أنا فاهمة! 
التفت يرمقها بنظرة تنم عن تساؤله، فاستطردت: 

+


أوقات كتير أحنا مش بنفهم نفسنا يا عاصم.. ظافر بتحركه مشاعره زي ما هي..ولو ركزت في تصرفاته ونظراته ليها هتفهم..وفرحة بلقيس ووشها المنور وعنيها اللي بتضحك وكل لفتة منها بتفضح فرحتها ورضاها بردو هتفهم..!

+


افتكر كده يوم خطوبتها على يزيد كان شكلها ازاي؟ كنت حاسة انها معزومة وعايزة الليلة تخلص عشان تروح تنام من غير أي حماس لبنت بتتخطب.. لكن مع ظافر أما جه يمشي في أخر السهرة حسيتها هتبكي ومش عايزاه يسيبها! 

+


قال مكدبًا: لأ يا دُره بلاش نخدع نفسنا بأوهام عشان جاية على هوانا، بنتنا تعبانة وتعلقها به مرضي.. مش هقدر أبدا ابني على كلامك افتراض حقيقي واصدقه.. والموضوع من ناحيته شهامة وأخلاق عالية منه مش أكتر!  

+


_لأ. صدقني الحكاية اعمق من كده! ظافر عايز بنتنا بجد ياعاصم وهو نفسه يمكن لسه مش واصله الحقيقة دي بس أنا واثقة إن مع الوقت كل حاجة هتبان بشكل أوضح.. قلبي بيقولي كده وانت عارف قلبي عمره ماكدب عليا..! 

+


صمت وعاد ينظر أمامه بعين غائمة ثم قال: 
الله أعلم بس لحد ما الأيام ثتثبت كلامك..هعتبر كل ده مؤقت وههيأ نفسي لنهاية متوقعة.. أهم حاجة عندي بنتي تخف تماما وترجع ثقتها في الدنيا وتعرف تتعامل مع البشر.. عشان لما نسيبها في الدنيا نكون مطمنين..!

+


ربتت على كتفه ترتل بدعوات السلامة له ولابنتهما مستغيثة بحفظ من لا يغفل ولا ينام!
_____________________

+


قلق.. خوف.. ترقب..!

+


جميعها مطارق تدق بعقلها وتنغز قلبها  منذ لاحظت أهتمام عابد بابنة العم وتعلقه الواضح بالصغير وتوليه تقريبا أي شيء يمت لهما بصلة..كل ما يخصهما يصب عنده، هواجسها تتكتل بخيالها وتشكل لها صورا لا تريد رؤيتها مستقبلا.. هل لظنونها أساس أم تتوهم؟ تخاف أن يُبتلى أبنها الثاني بتجربة تعيسة مثل أخيه..في الماضي لم يُسمع لرأيها حين قالت أن بلقيس لا تناسب يزيد.. وقد كان ما كان وثبت صواب حدسها.. والآن إن تكررت نفس القصة مع أخيه لن تصمت تلك المرة.. فإن تولدت شرارة بينهما لن تقدر على إطفاءها.. عابد يستحق أرضًا لم يطأها غيره.. أما زمزم.. لا.. لن تسمح بالمأساة أن تتكرر.. فمازال يزيد يعاني إلى الآن من اختياره الخاطيء حين اتبع قلبه.. فماذا جنى؟ لن تترك عابد لهواه.. ستقف بوجه الجميع تلك المرة! 

+



        
          

                
هتف وهو يثني سجادة الصلاة: 
_ الحمد لله ربنا كرم بلقيس بشاب محترم ومن عيلة معروفة ربنا يسعدها.. ربنا يفرحنا ويطمنا على ولادنا احنا كمان.. كريمة؟ انتي معايا؟

+


انتفضت على صوته:  ها… معاك يا أدهم معاك! 
رمقها بطرف عينه:  معايا فين ده انا صليت وختمت الصلاة وبكلمك من الصبح وانتي في عالم تاني.. مالك يا كريمة بقالك يومين من وقت رجوعنا للمنصورة مش مركزة وعينيكي فيها كلام..! تحديد من ساعة عيد ميلاد مهند!  في حاجة حصلت معرفهاش!..

+


نظرت له وقد قررت ألا تبوح بشيء.. لعلها مجرد ظنون من صنع مخاوفها الخفية! 

+


أجلت صوتها وهتفت:  معلش يا أدهم انا فعلا بسرح كتير عشان فكري مشغول بولادنا..! 
_ مالهم ولادنا ما شاء الله كلهم يشرحوا القلب.. 
_ بس يزيد مش عاجبني حاله، أمتى هنطمن عليه مع بنت الحلال..خايفة يكون قلبه لسه متعلق ببنت عمه!  

+


_ أيه التخريف بتاعك ده؟ بلقيس خلاص اتخطبت لواحد تاني، ويزيد عاقل وفاهم إن النصيب انقطع! 
_ تفتكر؟
_ أكيد طبعا.. ماتقلقيش انتي بس وادعيله! 
هزت رأسها وتمتمت ببعض الدعوات. فتسائل: 
بس هو ده اللي كان مخليكي سرحانة؟
_ بصراحة في حاجة كمان.. عابد.. عايزة اجوزه يا أدهم.. مافيش شيء يمنعه ليه مش نفرح بيه؟
_ياريت.. أنا مستني يشاورلي على أي واحدة ويقولي اخطبهالي وانا اروح في ساعتها أخطبها.! 
_ هو لازم هو اللي يشاور؟ ليه مش نختار احنا بنت حلال عارفينها وعارفين أصلها.. المرة اللي فاتت سبنا يزيد يمشي ورى قلبه واديك عارف النتيجة.. خلينا المرة دي احنا اللي نختار ياأدهم..قول أه وليك عليا من بكره ادورله على ست البنات في المنصورة! 
_ المشكلة مش فيا.. دي حياته هو يا كريمة.. لو وافق انك تختاري عروسته اعتبريني موافق! 

+


أشرق وجهها:  بجد؟ خلاص انا هكلمه.. ولو طاوعني مش هيمر كام شهر غير وهو متجوز ومتهني! 

+


تمدد فوق فراشه وهو يتمتم:  ربنا يقدم اللي فيه الخير.. يلا بقي تعالي نامي عشان الصبح اروح اشوف اشغالي واطمن علي الأراضي! 

+


صعدت جواره وانتهزت الفرصة لتتسائل:  هو صحيح يا أدهم أخبار تشطيب ڤيلا أخوك محمد إيه؟ مش قربت تخلص؟
ابتسم بخبث:  ما انتي فاهمة اللي فيها.. لو عايزها تخلص كان زمانهم في بيتهم من زمان! 

+


تمتمت بحذر:  طب مش شايف ان من حقهم بردو يكونوا في بيتهم؟ الخصوصية مطلوبة يا أدهم!

+


رمقها بنظرة ثاقبة:  إنتي مضايقة منهم في حاجة يا كريمة؟ كأنك بتقوليلي خليهم يمشوا..! 

+


تداركت أمرها سريعا:  لا والله ما اقصد.. انا بس حطيت نفسي مكانهم.. مهما كان الواحد بيرتاح في بيته.. لكن انا مش مضايقة بالعكس متونسة بوجودهم وخصوصا مهند.. بس… 

+


ظل على صمته ونظرته تحاصرها بترقب منتظرا ما تقول، فهتفت بتراجع: 
خلاص يا أدهم إنسى كلامي..اللي تشوفوا اعمله.. وانا مش مضايقة منهم خالص والله..!

+



        
          

                
أومأ برأسه مفترضا أنها لا تقصد ما فهمه، وراح يثرثر لها بأحاديث أخرى لم تكن هي تعي منها شيء وكل أفكارها منحصرة بفكرة وحيدة.. لابد من زواج عابد! ظلت الأفكار تدور برأسها بإلحاح كاد يصيبها بالدوار.. فاستسلمت للنوم بعض وقت ليس بقصير..!  
___________________

+


في اليوم التالي! 

+


ظافر: على فكره يا عامر كده الهزار هيقلب لسخافة وهيبقي شكلنا وحش مع البنت.. أنا هزرت معاك في الأول لأن بصراحة مقدرتش اقاوم وهي بتهزئك ومنكرش اني اتسليت.. بس انت بتتمادا وكملت كدبك لدرجة البنت بعتت أكل لاخواتك الخمستاشر يا مفتري! 

+


ضحك وهو يتذكر:  ده غير الحاجات الحلوة بتاعة الأطفال بصراحة البنت دي كوكتيل أول مرة اصادفه يا ظافر.. قد ما هي شرسة ومش بتسيب حقها، قد ما جواها رقة وحنان ورحمة مش طبيعين وانا اتماديت في كدبي لأن بجد كنت عايز استمتع بردود افعالها أكتر.. لكن والله مافي عندي نية سيئة.. بدليل اهو جبتلك الفلوس اللي حطيتها في جيبي من كام يوم وبقولك ضيفها في صندوق التبرعات عشان تاخد هي الثواب"

+


ظافر:  أهو موضوع الفلوس ده قصة تانية.. أنا توقعت يومها أما قالتلك تعالي ورايا إنها هتهزئك تاني على انفراد مش تحط فلوس في جيبك! وانت طبعا ماصدقت تعيش الدور وتتمسكن! 

+


عامر:  انا فضلت متنح بجد مش عارف اتكلم.. اتفاجئت بتصرفها جدا.. بس عجبتني! 
واستطرد:  عموما ماتقلقش هبقى اعرفها انا مين واعتذر منها

+


_ ماشي بس توقع بقى انها تنفجر في وشك مع وصلة تهزيئ محترمة. ويمكن المرة زي ترمي عليك مية نار مش عصير.

+


ضحك لمجرد التخيل:  وانا منتظر ومتحمس لرد فعلها من دلوقت ومستعد له.. وواصل: أنا سمعت من أحمد إنها هتشتغل معاهم شهرين الصيف هي وبنت خالتها 

+


ظافر:  لا دي معلومة معرفهاش بس مادام احمد قالها يبقي صحيحة..انت بتفكر في حاجة معينة؟

+


لالا دي مجرد معلومة ذكرتها ليك للعلم مش أكتر، المهم بقي قولي انت هتزور خطيبتك انهاردة؟

+


_ أيوة واستأذن والدها ونخرج شوية لأي مكان..

+


عامر:  تمام.. وانا موجود وهتابع كل حاجة ماتشلش هم! 

+


شكره ظافر وغادر وظل هو شاردا بطيف تلك الفراشة الملونة الشرسة الحانية وابتسم عندما تذكر تصرفاتها العفوية وهي تفترضه فقير يعول بمفرده عائلة كبيرة من الأشقاء غير والديه.. تنهد وهو يفكر كيف يخبرها وقبل كل هذا.. كيف يرد لها رقتها بما يليق ببراءتها؟! 

+


برق بعقله شيء ربما سينال به عفوها بعد أن تعلم مزحته السخيفة!  وابتسم وهو يتصور بعين خياله رد فعل تلك الرقيقة! 
________________________

+


( بلقيس قبل ما تواجه نفسها وتكشف عن النقطة اللي اسقططها عمدا عن الذاكرة واللي هي أساس العلة جواها.. لازم تواجهه الناس وتتخلى عن حذرها وخوفها المرضي منهم.. وده هيحصل عن طريقك يا ظافر لما تعرضها لاختبارات مدورسة بالتدريج هساعدك في أختيارها طبعا.. وانا واثق إنك هتقدر توصلها للحظة اللي تيجي فيها العيادة وتقرر تحكيلي كل حاجة! ولحظة وصولنا للمرحلة دي هنكون أتمينا علاجها بشكل نهائي.. وساعتها بس هقول انها اتعافت وبقيت مؤهلة لمواجهة عالمها من جديد..! )

+



        
          

                
يستند على حافة سور الحديقة شاردا بحديث الطبيب معه بشأن خطواته القادمة مع بلقيس.. وها هو ينتظر حضورها بعد أن استأذن أبيها بالتنزه معها بإحدى الأماكن العامة..ولم يخفى عنه قلقه المسطور بعيناه وهو يلبي طلبه بتردد، هو يتفهم حيرته وذبذبته بين المثول لنصائح طبيبها وبين خوفه لاصطحابها رغم علمه أنه يكرس لها حارس يتابعها بكل مكان! 

+


لهذا طلب محادثته قليلا قبل حضورها، وما أن سنحت الفرصة حتى تمتم: 
_ أنا عارف يا عاصم بيه ان حضرتك قلقان وليك حق مش تثق فيا بسهولة! بس أنا اعتقد إني لحد دلوقت قدمت اللي قدرت عليه وأثبتلك اني مش بهزر، أنا معاهد نفسي اعمل أي حاجة تساعد بنتك انها ترجع لطبيعتها؟ وخروجنا ده خطوة نصحنا بيها الطبيب عشان تبتدي تواجهة ناس تاني.. ومش عايز ده يحصل وانت خايف وقلقان.. أوعدك اكون أمين عليها لئقصي درجة..! 

+


رغم صواب ما قاله ظافر بشأن قلقه لكن لن ينكر ايضا راحته وإعجابه بهذا الشاب الذي برهن بالكثير على أمانته وجديته وتقديره لظروف ابنته ومحاولته حفظ كرامته أمام الجميع بإحضار كبار عائلته وهديته القيمة لها، فهمس بامتنان: 

+


_ بصرف النظر عن قلقي اللي مش هقدر ابرره لأنه طبيعي مع أي أب.. بس انا بشكرك على كل حاجة.. وعلي فكرة انا بثق فيك بس خوفي من حاجة تانية خالص يمكن مش هقدر اقولها غير في أوانها.. وبشكرك كمان على هديتك الغالية لبنتي و…… .

+


قاطعه:  إنسى أمر هديتي لأنها مش كتير عليا ولا بلقيس اقل من انها تتهادى بيها..! 

+


برقت عين عاصم فخرا ورضا من جوابه وأثره القوي في نفسه! وبخضم حديثهما سمعوا صوت أقدامها تنقر على الدرج وهي تتهادى إليهما يتبعها دُره ، فاختلفت النظرات بينهما..نظرة عاصم التي صبت عليها سيل حنان ومحبة وهو يرى وجهها المشرق وابتسامتها التي لم تعد تفارق محياها

+


أما هو فسكن عينيه انبهار لا يقاومه رجل برفرفة تنورتها الناعمة وكنزتها الأنيقة المعقودة على خصرها وحقيبتها البسيطة..  ليتأكد له فكره انه يتأثر بها بشكل غريب.. أشاح بوجهه ليضبط انفعالاته، فاقتربت وهمست بعفويتها المعهودة:  أنا جيت! 

+


ضمها عاصم مجيبا: جيتي ونورتي ياقلب بابا.. يلا روحي مع ظافر وانبسطي وهستناكي لحد ما ترجعي! 

+


دُره:  خد بالك منها يا ظافر..! 
_ ماتقلقيش يا طنط، ثم دعاها أمامهما هاتفا برفق: 
يلا يا بلقيس! 
أومأت له بعد أن تبادلت مع والديها نظرات أوحت لها برضاهما، وذهبت بمصاحبته..! 
………………………… 

+


_ تحبي تروحي فين يا بلقيس؟! 
همس لها بعد أن استقلت السيارة جواره! 
فهتفت بعد تردد:  المطعم! 
_ معقولة مش زهقتي منه؟ في أماكن تانية ممكن تتبسطي فيها..! 
هزت رأسها برفض، فعاد هامسًا:
_ ليه بتحبي المطعم؟

+


جاء صوتها بعيدا بغمغمة هامسة كأن تحدث ذاتها:  عشان محدش هيأذيني فيه! 
لم يعد يتعجب ردها، هي تفضل مطعمه لأنه يخصه، هو محور أمانها بشكل غير طبيعي، ولأنه أكثر في البحث والقراءة بحالتها بجانب أحاديثه مع الطبيب.. صار لديه حصيلة لا بأس بها بطريقة للتعامل معها، لذا ألقى عليها سؤال مباشر:  
_ مين عايز يأذيكي؟ 

+



        
          

                
زاغت عيناها وهي تتجرع ريقها كما لاحظ فرك أناملها بشكل يوحي بتوترها، ولم يتوقع إجابة هو يعلم أنها لن تكون سلسة بكل شيء، لكنه أرد فقط بعثرة خباياها واستحضارها من قبو عقلها  لتطفو على سطح أفكارها گ خطوة أولى للمواجهة، فإن ظلت تتناسى عمدا مخاوفها لن تشفى منها..! 

+


_ أنا هختارلك مكان على ذوقي! 

+


هزت رأسها بصمت وهي تطالع الطريق عبر نافذتها
فحاول جذبها بثرثرته عن نفسه حتى وصلوا لإحدى المولات فقال:  انا جبتك هنا لسببين.. أولهم أني هشتري حاجة ليكي وعايزك تشوفيها.. وكمان هنلاقي مكان حلو نقعد فيه وواثق انه هيعجبك! 

+


تبعته ومازلت تلتزم الصمت إلى أن عبر بها لإحدي متاجر الذهب وبعد حديث جانبي قصير مع أحدهم أخد منه شيء مغلف دسه بجيبه ثم غادر المتجر وراح يتجول معها وسط الزحام متعمدا رغم انكماشها وتوترها الواضح وهي تتجنب الاصطدام بالجميع ورغم البراح الذي يحوط خطوتها، تكاد تلتصق به گ الطفلة الخائفة لمجرد مرور العابرين جوارها.. تجاهل حالتها وهو يحدثها ويشير على المعروضات المتنوعة المتوارية خلف ألواح زجاج المحلات ويتنقل بها بين المتاجر..! 

+


كان هذا أول اختبار حقيقي لها معه.. أن تعتاد التواجد بين الأغراب.. العالم أكبر بكثير من عائلتها وأبويها.. والأشخاص ليسوا جميعهم لصوص حقائب أو متحرشين گذاك الوغد الذي تجرأ عليها في ساحة مطعمه، يجب عليها الإدراك أنها لديها مخالب قوية لردع أمثاله خاصتا أنها فعلتها من قبل.. لما تتمسك بعباءة الخوف وهي تمتلك قوة تذبح من يحاول لمسها.. وهذا دوره ليجعلها تعي كل هذا..!  
………….. … .

+


_ في حاجة شوفتيها وعجبتك اجيبهالك؟ 

+


_ عايزة امشي! 

+


هكذا أجابته وهي تتجنب النظر حولها، فهمس برقة وقلبه يشفق عليها لكن لا مفر: 
_ كده بردو؟ وأنا اللي قلت هتحبي نفضل سوا أكتر من كده؟ وبعدين مش عايزة تعرفي انا اشتريت إيه من شوية؟

+


رمقته بنظرة عابسة تنبع من خوفها، فقال وهو يشير لها بإحدى الزوايا:  عارفة الكافيه اللي هناك ده؟ هنروح نقعد فيه ونشرب حاجة! 

+


وصل بها حيث أشار  وتشاركا طاولة صغيرة مزينة بشرش أنيق يتوسطه فاظة صغيرة، بعد أن أختار لهما مشروب مناسب، عاد ليهمس لها بنبرة هادئة وعيناه تبثها الدفء بعد أن استاء لنظراتها الخائفة:  خلاص اهدي خايفة من إيه؟ شايفة ازاي كل الناس ماشية طبيعي بيضحكوا ويهزروا.. في حد أذاكي منهم؟ 
نفت بإيماءة صامتة، فاستطرد وهو يجلب ما في جيبه، ووضعه أمامها قائلا: سوفتي بقى الناس مش تخوف، يلا شوفي هديتي افتحيها وقولي رأيك! 

+


فعلت لتجد داخل الصندوق الصغير خاتم بتصميم شديد الرقة ابتسمت وبتلقائية ادخلته بأصبعها وراحت تشاهده وعيناها تبرق إعجابا..! 

+


فهمس: عجبك؟
_ جدا..! 
صمت برهة ثم همس ثانيا: فهمتي معناه إيه؟
_ لأ..! 
جاءت إجابتها قاطعة فقال وهو يطالعه بكفها: 
_ ده أول حرف من أسمك..وجمبه دمعة عين! 

+



        
          

                
نظرت له بعد أن اشتعل بشمسيها الفضول! 

+


فلبث يتأملها برهة ثم قال بنبرة عميقة:  دي الدمعة اللي متحجرة جواكي ولسه ما نزلتش على خدك.. ده القيد اللي لسه مكتفك ومانعك تواجهي الدنيا.. الدموع مش بس بتعبر عن البكى.. لأ.. الدموع ثورة قد ما بتجهد مشاعرنا قد ما بنرتاح بعدها لأننا اتخلصنا من لغم مدفون في أعماق أرواحنا ممكن يدمرنا لو فضلنا ساكتين عليه..! 
الدموع بحر ممكن يغرقنا لو ثقلنا بهمومنا، لكن لو اتخلصنا منها هنحس اننا قادرين نسبح ونتخطاه..وأنتي يابلقيس اللي هتحددي نوع تجربتك هتكون إيه!  غرق!  ولا نجاة؟ وأنا قد ما اقدر هساعدك..وأكيد مش هسمحلك تغرقي! 

+


ظلت تطالعه بتيه وعقلها يغوص بكلماته وأشياء تهاجم عقلها وتقاومها، فعاد يستأنف بعد برهة صمت:  انتي لحد دلوقت بتتجاهلي الدمعة دي وحابساها ومحبوسة معاها.. وأنا اوعدك اني هحررك منها ومن خوفك..عشان كده قصدت اصمملك الخاتم ده ورسمته بإحساسي وفضلت اقدمه ليكي بعيد عن الشبكة واحنا لوحدينا.. ياترى فهمتى كلامي؟ 

+


ألتمعت مقلتاها بضوء لا يعرف إن كانت دمعة تعافر لاغتيالها بعد كلماته أم شيء أخر.. حقيقتًا لا يفهم.. لأول مرة يحتار بقراءة عيناها..لكن هو يعلم أن المقاومة داخلها ستتضائل مع مرور الوقت.. يومًا ما ستبوح له باكية عن كل ما عانته وعاشته.. ستتساقط حروف تجربتها المؤلمة لتتراص فوق سطور صفحة سوداء سيحرقها بعدها ولن يبقى منها سوى رماد ستُطيح به رياح  قوتها ..لتعتليه من جديد ساحقة كل مخاوفها، لافظة كل أصفادها التي تكبلها..! 
_______________________

+


تتجنبه منذ أيام وملامحها غاضبة.. أحيانا يتعجب مزاجها المتقلب لكن زوجة شقيقه أيهم أخبرته انها أعراض تصاحب الحمل ولا يقلق..فعلاقة رودى وميرا أصبحت وطيدة للغاية.. هل هي من زرعت بعقل زوجته فكرة السفر؟ أم أخيه؟ 
لا يهم من.. الأهم انه لا يريد الانصياع لرغبتها والابتعاد عن بلده.. ألا تكفي غربة روحه الضائعة إلى الآن ليزيد على كاهله غربة أخرى! 

+


_ عملتلك العصير يا رائد! 

+


هكذا وضعت أمامه كاسة العصير وهي تهمس باقتضاب عابس وهمت بالابتعاد ثانيا، فجذبها لصدره وداعبها: هتفضلي زعلانة كتير؟
حاولت التملص من بين ذراعيه: مش زعلانة.. وسبني عشان هروح انام شوية حاسة ضهري تاعبني! 

+


منعها ثانيا من الذهاب وطالعها برهة ثم نهض بها لغرفتها وجعلها تسترخي بوصع مقلوب ليدلك ظهرها بنعومة وهو يغمغم بخبث:  طب مش تقولي من الصبح إن ضهرك وجعك كنت عملتلك مساج سحري بإيدي! 

+


لم تكن بمزاج يسمح لها بتقبل ملاطفته فعدلت وضع نومتها هاتفة بعبوس:  أنا تعبانة فعلا يا رائد وعايزة انام لو سمحت! 

+


زفر بضيق وظل يرمقها لحظات، ثم لانت ملامحه مرة أخرى ودنى منها واحتجزها بين ذراعيه:  ماينفعش تفضلي زعلانة كده.. ده حتى غلط على اللي في بطنك! 

+



        
          

                
التفت له بحدة:  هو ده كل اللي يهمك؟ يعني اللي في بطني أهم مني يا رائد؟؟؟ وانا ماليش لازمة عندك؟؟؟

+


للمرة الألف يحاول تحجيم غضبه حتى لا تفلت أعصابه ويثور عليها فهتف برفق: هو في فرق بينك وبين ابننا؟ انتم الأتنين أغلى ما عندي يا رودي! 

+


اشاحت بوجهها وعيناها مغرورقة، فأدارها إليه وأنامله تقبض على ذقنها:  كل ده عشان رافض فكرة سفرنا؟ أنا مش فاهم يا رودي إيه طلع فكرة السفر في دماغك ومتعلقة بيه زي العيال!

+


هتفت مدافعة: وإيه المشكلة مادام أخوك دعاك كذا مرة وهيوفرلك هناك مستقبل افضل.. واهو يبقي لينا عيلة كبيرة تعوضنا وتستقبل ابننا معانا.. عشان. خاطري وافق يا رائد هو احنا لينا مين هنا قولي.. مامتك الله يرحمها.. وبابا كمان اتوفى من سنة ونص.. وأمي عايشة مع أخواتي في ملكوت لوحدها بتنسى تسأل عليا أصلا من مشاغلها معاهم.. وأنا أهو معاك وخلاص كل واحد بقى له حياته! وانا نفسي اعيش برة مصر.. حققلي حلمي يا رائد اني اعيش برة واشوف الدنيا عشان خاطري.. وكل شيء في ايدنا لو مش اتوفقنا نرجع تاني! 

+


_ نرجع فين ده انتي حتى بيتنا عايزة تبيعيه! 

+


صمتت برهة ثم غمغمت بنبرة لمس فيها أمنية بعيدة:  
كل واحدة بتحلم تختار بيتها وتعمل كل حاجة فيه على ذوقها.. لكن احنا اتجوزنا في بيت مامتك الله يرحمها.. بنفس ذوقها وما اتغيرش حاجة غير ديكور أوضتنا .. وانا ما اعترضتش.. بس دلوقت ليه مش نبتدي كل حاجة من الأول يا رائد؟ لما نسافر ونعمل مستقبل حلو لولادنا ونرجع هنشتري بيت جديد في مكان جديد وكل حاجة هتكون مختلفة.. وبعدين تمنه هيفرق معانا لأن هنحتاح فلوس نشتري بيها هناك بيت.. وإن كان أخوك " أيهم" هيوفرلك شغل كويس مش معناه انك هتعيش في ترف على طول!  لازم نصرف بمستوى معين لحد ما نستقر.. يبقى إيه المشكلة اما نبيعه وانت واخوك تتقاسموا فيه؟ خصوصا لما فهمت من مراته إنه موافق على بيع البيت! 

+


_ بس يا رودي…… 

+


قاطعته:  عارفة هتقول أيه.. ذكرايات مامتك الله يرحمها.. بس بالعقل كده.. والدتك مش موجودة، هي دلوقت بإذن الله في الجنة.. البيت هيرجعها مثلا؟ هتفضل في قلوبنا مش في حيطان بيت هنسيبه مهجور..! 

+


شعر بتشوش وتأثير كلماتها يزداد وينفذ لعقله، ثم غمغم بشرود طفيف:  طب مش يمكن لما افضل هنا…… 

+


قاطعته:  هيحصل إيه؟ يمكن تفتكر ماضيك.. يعني انت لسه حاسس بالنقص؟ مش قولت ان مش هتفكر فيه تاني وانك اكتفيت بالحاضر معايا ومبسوط وراضي.. ولا كنت بتكدب عليا يا رائد؟ 

+


قالتها وابتعدت عنه بحزن وعادت تقول: 
خلاص يا رائد إنسى مش هضغط عليك أكتر من كده.. اللي يريحك اعمله.. ومهما كان قرارك انا راضية! 

+


لم يتحمل إحباطها ونبرتها الحزينة، فجذبها قبل أن تبتعد وغمسها داخل صدره ولثم رأسها وازداد بضمتها إليه هاتفا:  خلاص ياحبيبتي.. اللي انتي عايزاه هعمله مادام هتكوني مبسوطة..  سيبيني ارتب الدنيا مع  أخويا و……… 

+



        
          

                
عانقته وهي تهلل بحماس: بجد ياحبيبي؟ أنا بحبك أوي أوي أوي، وأيهم مستنينا من دلوقت.. هو قالي كده.. ماعلينا غير نحجز تذكرة، والفيلا المشتري بتاعها جاهز ومنتظر كلمة مننا ..!

+


رمقها بريبة: إمتى لقيتي مشتري بالسرعة دي؟
_ عن طريق البواب ياحبيبي.. مجرد ما عرفته جابلي أكتر من مشتري بكذا سعر.. ومتنساش إنه هينوبه عمولة تخليه مش ينام قبل ما يوفرلي طلبي! 

+


صمت يتأملها بعد أن تبدل حالها للنقيض بابتسامتها وعيناها تلمح بالحياة، فعبثت أنامله برباط مئزرها البيتي وشرع بفك عقدته وهمس برقة: طب أنا صالحتك وخلاص هنفذلك طلبك.. صالحيني انتي كمان لأنك عاقبتيني كام يوم ببعدك بسبب زعلك! 

+


منحته نظرة تعرف أنها تذيبه هامسة بإغواء: 
حد يعاقب حبيبه وروحه.. قارنت همسها بلمسات أشعلته وأججت رغبته فيها فتجاوب معها وراح ينهل من رحيقها وهي تبادله جنون عاطفته حتى غرقا بلقاء حميمي أخمدت به كل أثر للرفض، ولم يبقي داخله سوى هدف محدد..!

+


إسعاد حبيبته وزوجته.. وأم طفله!
وتحقيق كل ما تتمناه حتى لو تعارض مع رغبته
يكفي أن يتنعم بقربها الذي صار إدمانه وملاذه الوحيد..! 
____________________

+


في المنصورة! 

+


تراقب مهند وعابد يهزه برفق فوق الأرجوحة في الحديقة، كم يتفانى ابن العم برعاية صغيرها وكأنه يملأ المساحة الفارغة في نفسه لأبيه زياد.. ولا تنكر أنها تأثرت بلفتة عابد الرائعة بوضع صورة له هو وابنهما في قالب التورتة.. شعرت انه تواجد بشكل ما.. نظرته الدافئة حتي وهي بصورة مركبة لمستها.. هي نظرته ذاتها لم تتغير..!

+


تنهدت زافرة وجع اشتياقها إليه.. ثم اتسعت عيناها بغتة بعد أن عبر لأذنيها نداء الصغير!  

+


" بابا آبد"

+


عفوية نداءه لعابد بهذا اللقب جعلها تنظر متفاجئة، بينما الأول يحدق  بذهول وهو يسمع ما أطلقه مهند! وداخله صدى عبارات تتساءل: 

+


هل ناداه " بابا' ؟ هكذ صار يشعر به ويراه؟ لم يطلبها منه أو يتوقعها الآن.. نعم خطط أن يسعى لينال تلك المكانة داخله مستقبلا بمحبته وعاطفته التي لا يتصنعها معه.. ولكن لأن الأطفال سفراء الملائكة.. وصلت مشاعره بسلاسة للصغير، فكافأه بهذا اللقب وتلك العطية التي جعلته يجثو على ركبتيه ويضمه عاجزًا أن سرد كلمة تصف مشاعره وفرحته تلك اللحظة! 

+


أما هي.. فظلت قدماها متيبسة والمشاعر تتصارع داخلها ما بين ضيق وغيرة، ونفور..كلها أحاسيس اجتاحتها..كيف يلقب صغيرها كلمة بابا لأحد غير زياد؟! حبيبها وزوجها الذي لم يمت بقلبها..وكأنه ليس هذا المحبوس بقيد برواز يجاور فراشها.. كل يوم تخبره كيف ستزرع حبه بقلب صغيرهما..وتجعله يلفظ أسمه ولقبه ويعتاده ليترسخ بذاكرته أن كلمة " بابا" لن تقترن سوى بحروف أسمه هو فقط..! 

+



        
          

                
كيف ضاع تلقينها له مرارا وتكرارا بجملة " بابا زياد" هباءً منثورًا هكذا؟!!! محاولاتها تبخرت، وفاز عابد باللقب بعقل صغيرها..!  

+


_ سمعتي قالي إيه يا زمزم؟ أنا مش مصدق ان ده إحساسه بيا.. وانه………. 

+


_ مش فاهم! 

+


قالتها بحزم أرادت به طمس الكلمة ..وربما قرار.. قرار ستعمل على تنفيذه بكل قوتها.. عابد لن يأخذ مكان زياد بقلب الصغير..!

+


لأول مرة يلاحظ جمودها وقساوة نظرتها..ويقرأ علامات الرفض تغزو مقلتيها بقوة..رفض تجسد لفعلا وهي تنزع الصغير من قلب الأرجوحة غير عابئة بتذمره الباكي.. احتضنته واستدارت لتبتعد وربما لتهرب من حصار نظرات عابد المتسائلة.. وهي ليست بحالة تسمح لها بمنح أية إجابات! 

+


_ للدرجة دي اضايقتي انه قالي بابا؟
_ أيوة! 

+


لفظتها قاطعة دون تجميل غير مهتمة لفظاظتها التي لم تتصف بها يومًا.. فاقترب خطوتين ليقف أمامها مستطردا: ليه؟ 
سؤاله كلمة.. وإجابته عشرات الكلمات.. وهي غير مستعدة الآن..! 
فواصل: لو ماكنش حسها.. عمره ما كان قالهالي! هتحاسبيه على مشاعر بريئة يا زمزم؟ 
_ هعلمه مش هحاسبه! 
_ هتعلميه أيه يازمزم؟! هتقوليله عابد مابيحبكش؟ عابد وحش مايستاهلش تحبه؟ هتشوهي صورتي في عينه؟ 

+


عتابه أثار الدمع بعيناها..كيف لها أن تُجرم بحق عابد وهي ترى كيف يحب صغيرها.. لكن عنادها أطلق سياجه حولها  وكبل عقلها ثانيا فهزت رأسها بقوة وهي تقول: 
_ هقوله مين السبب في وجودك بعد ربنا.. هقوله زياد هو بابا الوحيد اللي لازم تعرفه! 

+


_ زياد مات يا زمزم! 

+


أراد صفعها بالحقيقة حتى إن بدت قاسية، فتشبثت بأذيال أوهامها بوجوده، وهدرت بقوة:  زياد عايش جوايا وعمره ما هيموت ابدا..! 

+


_بس ده طفل، عايزة تكبتي احتياجة وتختزليه جوه صورة في برواز؟ عايزة تقولي لطفل كلم صورة مش هتنطق وقول بابا؟ ناقص تكدبي عليه وتقوليلو انه هيرد عليك!  حرام عليكي تعملي كده.. سيبي يمشي ورى إحساسه.. زياد هيفضل أبوه.. بس مش هيقدر يضمه لما يحتاجه.. بكره يعرف الفرق لوحده، لما يكبر ويكون قادر يفهم! 

+


_ لازم يفهم من دلوقت..!

+


هدرت بقوة علها تُخرس صوت أخر داخلها.. صوت يكذبها.. يلومها.. يعذبها..! ثم رحلت من أمامه.. 
وتركته ينظر لأثرها بحزن.. فالآن أيقين أكثر من زي قبل أن طريقه معها طويل..قارورته محبوسة بقصر من الأوهام أبوبه موصده، وعليه أن يحارب داخلها شبح زياد الكاذب، ويقاتله بسهام وجوده وواقع عشقه الذي أصبح لا حيلة له فيه ولا مجال لتكذيبه.. سيحررها وينسف أصفادها.. لأنه يعشق.. وكل شيء في العشق ..مباح! 
____________________

+


جوري: صباح الخير ياعطر عاملة إيه انهاردة بعد ما خلعتي ضرسك؟
_ الحمد لله بقيت تمام، بإذن الله بكره هروح الشركة ابدأ تدريب، وانتي هتشتغلي معانا في المحاسبة؟
_ أيوة أمال هقعد اعمل ايه، أهو نكون في مكان واحد كلنا..
عطر:  عندك حق، عشان حتى تتسلي وتساعدي ياسين! 
_إن شاء الله.. ثم جلست جوارها على الفراش بأرياحية هاتفة:  صحيح تعالي نتفرج على الفيديوهات اللي صورتها في خطوبة بلقيس! 

+



        
          

                
أومأت لها بالقبول وراحت تتابع معها وما أن عبر وجهها بإحدى اللقطات حتي هتفت بحنق:  شايفة منظري كان عامل ازاي.. كنت زي العفريتة ازاي تصوريني كده؟
_ والله انتي هبلة.. فين العفريتة دي ده انتي كنتي قمر رغم ان خدك كان متضخم شوية.. بس كان يبان انك تختوخة مش أكتر.
حدجتها عطر بغيظ، فتقلصت ملامح الأخرى بغتة هاتفة: 
بت ياعطر بطني وجعتني فجأة شكلي داخلة على دور أسهال ولا إيه..!
_ أحسن! 
جوري بحنق: أحسن في عينك.. هروح بيت الراحة أفك نفسي وارجعلك.. وقفي الفيديوهات لحد ما اجي اياك تتفرجي من غيري يا قردة! 

+


وهرولت لدورة المياة، فراود عطر فكرة تصفح الصور لتلغي كل صورها الشاحبة قبل أن تأتي جوري، وبالفعل راحت تستعرض صور الاحتفال وكلما أتت صورته تتلكأ عليها وتتشربها بهيام.. كم كان وسيما وحضوره طاغي ولا يشبهه أحدًا..وبغتة تسمرت عينيها واتسعت لأخرهما وهي تطالع أمامها صورة ويزيد يحملها بين ذراعيه!

+


كيف ومتى حملها؟
__________________

+


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close