اخر الروايات

رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم سارة علي

رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم سارة علي 


                                          

في العشق أمامك خيارين لا ثالث لهما ...


+



إما النجاة بعيدا عمن تحب ، 


+



أو الغرق معه في دروب العشق المعقدة راضيا بما يغدقه عليك بحزنه قبل سعادته متقبلا مصيرك أيا كان مانحا دفة القيادة للقدر الذي سيحدد نهايتك في تلك الرحلة الطويلة ..! 



+



في العشق ..


+



نحن مجرد دمى تحركنا قلوبنا حيثما تشاء بينما تبقى النهاية مرهونة لقدرك ...!





+



في العشق ...


+



أنت تحارب دون وعي كامل ...


+



تحارب لدافع محدد لا يوجد غيره ...


+



تدافع لأجل من تحب ...


+



لأجل قلبك المتيم به ...



+



في العشق ..!


+



يمكننا جميعنا أن نتحول إلى حمقى ...!


+



يتحرك داخل ممر المشفى مقابل غرفة العمليات التي دلفت إليها قبل قليل بقلق شديد ...


+



لا يصدق كيف جرى ذلك ...


+



كيف صدمها دون أن ينتبه ..؟!


+



لم يتعرض يوما لحادث كهذا فهو منذ بداية تعلمه القيادة وكان حريصا للغاية في قيادته ملتزما بقواعد القيادة السليمة وقوانين الطريق ..!!


+



تنهد وهو يستند على الحائط بظهره مفكرا بأن الخطأ لم يكن منه هو ولكن هذا لن يخفف من ذنبه أبدا ...


+



فكر أن يتصل بأحدهم كشقيقته مثلا لكنه تراجع فهو لا يريد إثارة قلقها هي والبقية عليه ..!


+



مر الوقت بطيء بشكل مرهق للأعصاب بينما هو لم يتوقف لحظة واحدة عن الدعاء وداخله مرتعب من أن تفقد حياتها ويتحمل هو ذنبها حتى آخر العمر ...


+



وأخيرا غادر الطبيب يخبره بإبتسامة هادئة منحته راحة مبدئية عن حالتها الصحية حيث ستغادر غرفة العمليات بعدما تمت السيطرة على نزيف رأسها وستبقى في العناية المشددة تحت المراقبة لمدة أربعة وعشرين ساعة قبلما يتم نقلها إلى غرفة عادية مع إخباره إنها تعرضت للكسور في بعض أجزاء جسدها مما سيجعلها تحتاج وقتا طويلا قليلا للشفاء التام منها ...


+



تنهد براحة مفكرا إن حياتها ليست بخطر على الأقل بينما أتت الممرضة تؤكد عليه مجددا ضرورة التواصل مع عائلتها بعدما يتحدث مع الضابط الذي أتى لغرض التحقيق في الحادث ...


+



تذكر سريعا حقيبتها التي حملها له أحد الموجودين في الشارع وسارع يقذفها داخل السيارة مع بقية أغراضها بينما هو مشغول بها ليومأ برأسه مقررا الذهاب للتحدث مع الضابط أولا ثم أخذ حقيبتها والبحث عن رقم هاتف أو عنوان عائلتها ...!


+





                

***


+



تقدم صلاح نحو الحديقة ليجد نانسي تلعب بالكرة مع طفليها ...


+



إبتسم بحماس وهو يتقدم نحوهم عندما لاحظته نانسي فوجمت ملامحها تماما بشكل لاحظه هو لكنه تجاهلها وهو يهتف بمرح :-


+



" مرحبا ..."


+



توقفت كاميليا عن اللعب وهي ترمقه بنظرات مترقبة بينما كريم يقفز بالكرة بلا مبالاة ..


+



" أهلا ..."


+



قالتها نانسي بإقتضاب وهي تعقد ساعديها أمام صدرها بملامح متحفزة ليرتبك صلاح لا إراديا وهو يتسائل :-


+



" ماذا الآن ..؟!"


+



" إذهب من هنا ..."


+



قالتها بملامح جادة ليهتف مجددا بعدم إستيعاب :-


+



" عفوا ..! هل تمزحين معي ..؟!"


+



نهرته بضيق يتفاقم تدريجيا بسبب وجوده :-


+



" يكفي حقا يا صلاح .. أخبرتك مسبقا إنني لا أريدك أن تحوم حوليّ أنا وأطفالي ..."


+



" إنهم أطفالي أيضا ..."


+



قالها بإندفاع فمنحته نظرة ساخرة لتتجهم ملامحه وهو يضيف بتلكؤ :-


+



" حسنا لا ألومك على نظراتك هذه ولا على حديثك ولكن حاولي أن تفهميني ..."


+



قاطعته بنبرة منفعلة :-


+



" مالذي سأفهمه إن شاءالله ... ؟! إنك قررت فجأة أن تتقرب مني ومنهما ..."


+



قال مبررا :-


+



" أحاول التعرف عليهما ..."


+



صاحت بنفاذ صبر :-


+



" لماذا ..؟! ما السبب الذي دفعك فجأة لذلك ..؟!"


+



بهتت ملامحه بينما تضيف بثبات :-


+



" بالتأكيد هناك سبب وراء رغبتك هذه وإياك أن تكذب وتقول غير ذلك ..."


+



" إنهما طفلاي ..."


+



قالتها بتردد لتضحك بإستخفاف قبلما تأخذ نفسا عميقا كي تسيطر قليلا على أعصابها المحتدة ثم تهتف بجدية :-


+



" طفلاك بالإسم فقط ... طفلاك اللذان لا تدرك ملامحهما بشكل جيد بعد بسبب غيابك عنهما منذ ولادتهما  ... "


+



تجاهلت عبرات عينيها وهي تضيف بقوة لا تتمكن منها إلا فيما يخص طفليها :-


+




        


          


                

" طفلاك اللذان رفضتهما وكدت أن تتسبب بموتهما يا صلاح ..."


+



إبتلع ريقه بحسرة سيطرت عليه ولأول مرة يشعر بحجم الجرم الذي إقترفه سابقا ...


+



والأسوأ إنه لم يسعَ بعدها ليخفف من وطأة جرمه ..


+



" نانسي أنا ..."


+



صاحت بملامح محتقنة :-


+



" أنت ماذا ...؟! مالذي تغير ..؟! لمَ أصبحت تريد فجأة أن تقترب منهما ومني ..؟! "


+



ضحكت مرغمة وهي تضيف :-


+



" لأقل أنا السبب .. تحاول أن تخدع والدتك ... تدعي التغيير أمامها كي ترضى عنك وتعيد أموالك إليك ..."


+



" كلا ليس كذلك ..."


+



قالها بسرعة ينفي ما قالته وإن كانت أهدافه للقرب منها ليست نبيلة تماما كما تعتقد هي بالفعل  ...


+



صاحت بطريقة أجفلته :-


+



" لا تكذب ..."


+



أكملت غير منتبهة لفزع طفليها كذلك :-


+



" أنت مخادع ... فاسد ... ومهمل ... رفضتهما بكل قوة وفعلت كل شيء لتتخلص منهما والآن أتيت تريد وصالهما ووصالي أنا كذلك ..."


+



" أنت تبالغين يا نانسي كثيرا ..."


+



توقف لوهلة وهو يسمع صوت بكاء طفله الذي إنفجر باكيا بعدما لاحظ غضب والدته وصياحها فركضت نانسي سريعا نحوه تحمله بخوف وقلق تحاول تهدئته ليتأملها صلاح بحزن لا إرادي وملامح ولده الباكية والمحمرة بشدة جعلت قلبه ينتفض بألم حقيقي ...


+



شرد بها وهي تهدأ من روع الصغير الذي إستكان داخل أحضانها متمسكا بها وعبراته توقفت أخيرا عندما إنتفض مكانه بعدما ضربته حجارة صغيرة في منتصف بطنه ليجد طفلته تقف قباله تحملق به بعينين عاصفتين فنظر لها مدهوشا غير مصدقا ما فعلته قبلما تركض سريعا تحتمي بوالدتها هي الأخرى ...


+



تأمل نانسي التي تحمل طفلها بين أحضانها بينما طفلته تقف جانبها تعانق قدمها بحرص فإختلجت أنفاسه تماما والصورة أمامه بدت مكتملة وبأفضل شكل وهي خالية بدونه ..


+



تجاهل ذلك الوجع الذي لم يشعر به من قبل بينما يخطو نحوهما يهمس بوجه نانسي التي تماسكت بصلابة :-


+



" أنا آسف يا نانسي ... آسف حقا ..."


+



إنخفضت نانسي وهي تحمل معها طفلها  نحو صغيرتها تطمأنها ثم تتجه نحو صغيرها تضعه أرضا وتحثه على العودة للعب ...


+




        

          


                

إنتصبت في وقفتها مجددا تخبره بجدية :-


+



" ربما تراني أبالغ ولكنني أفعل ذلك لحماية طفليّ اللذين يمثلان أهم شيء لدي ..."


+



همس بصوت متحشرج :-


+



" ولكنني لا يمكن أن أؤذيهما أبدا ..."


+



عاتبته بنظراتها فقال بصدق :-


+



" ربما حاولت التخلص منهما قبل ولادتهما ولكنني لست سيئا لأؤذيهما مجددا ..."


+



" لنفترض إنك صادق ... وسمحت لك أن تقترب منهما وتمارس أبوتك معهما ... ماذا سيحدث بعد ..؟!"


+



ظهرت الحيرة على محياه فأكملت بثبات :-


+



" هل ستتحمل مسؤوليتهما حقا وتؤدي واجبك كأب على أكمل وجه ..؟! والأهم من ذلك يا صلاح ... "


+



توقفت تأخذ نفسا عميقا قبلما يخرج صوتها مشحونا :-


+



" هل ستبقى جانبهما طوال عمرك أم ستهرب بعد فترة قصيرة عندما تمل منهما ومن مسؤوليتهما الصعبة ..؟!"


+



صمت بملامح واجمة لتبتسم بمرارة وهي تخبره :-


+



" أنا لست مستعدة للمجازفة بمشاعرهما أبدا .. لست مستعدة لأجعلهما يشعران بوجودك ويتعلقان بك ثم يتفاجئان بغيابك عنهما بعد ذلك دون سبب وجيه ..."


+



عادت الدموع تملأ عينيها بينما تخبره بصعوبة :-


+



" من الأفضل أن يبقيا هكذا بدونك ولا يعرفانك ... هكذا أفضل من تعرفهما عليك وإعتيادهما على وجودك ثم يفتقدانك بعدها ..."


+



أشاح بوجهه بعيدا بينما تضيف هي بتعب :-


+



" هما الآن لا يعييان أي شيء مما يدور حولهما لكنهما سيكبران ويدركان ويتسائلان .. أنا حتى الآن لا أعرف كيف سأفسّر لهما مستقبلا سبب غيابك .. كيف سأشرح لهما ذلك ...؟! كيف سأجلعهما يتقبلان عدم وجود أب في حياتهما بل ويعتادان على ذلك دون أن تتأثر نفسيتهما ويعيشان معقديّن مع إنني أشك في ذلك ..."


+



أغمض عينيه بألم بينما إسترسلت هي :-


+



" وأنت بما تفعله تضاعف من سوء الوضع لإن إدراكهما غيابك عنهما منذ بداية وعيهما أفضل من رحيلك بعدما يرتبطان عاطفيا بك .."


+



سقطت دمعة قاسية من عينها سارعت تمسحها سريعا وهي تنهي حديثها بحسم :-


+



" إتركهما يا صلاح ... لا تؤذيهما بقرب مؤقت ... لا تدمر ما أحاول بنائه والتأقلم عليه بصعوبة ..."


+




        

          


                

تحركت بعدها إتجاه طفليها وهي ترسم إبتسامة رحبة فوق شفتيها يراقبها هو بعينين غائمتين بعبرات تشكلت بهما رغما عنه ...


+



أخذ نفسا عميقا ثم تحرك بوجه منخفض عائدا إلى الداخل عندما وجد إحدى الخادمات تركض نحوه وهي تحمل هاتفه تخبره سريعا :-


+



" إتصلوا بك ثمان مرات حتى الآن..."


+



عقد حاجبيه بحيرة وهو يتناول الهاتف يتأمل الرقم الغريب الذي عاد يتصل به ليجيبه على الفور فيأتيه صوت يتسائل :-


+



" هل حضرتك زوج السيدة ماذي أحمد نجيب ..؟!"


+



وجمت ملامحه وهو يردد بضيق :-


+



" نعم ، أنا زوج تلك المصيبة .. ما بها ..؟!"


+



" تعرضت لحادث وهي ترقد في المشفى ..."


+



تهلل وجهه وهو يتسائل بفرحة :-


+



" هل ماتت ..؟!"


+



هتف الضابط على الجانب الآخر :-


+



" قلت إنها ترقد في المشفى يا سيد ..."


+



ظهر الإحباط على محياه وهو يسأل :-


+



" وما المطلوب مني ..؟!"


+



هتف الضابط بعصبية خفيفة :-


+



" زوجتك في المشفى يا سيد ... تعال لتراها وتبقى معها ..."


+



ثم أغلق الهاتف في وجهه قبلما يبعث له رسالة تحمل عنوان المشفى مجددا كي يذهب إليها سريعا ...!


+



***

يجلس على الكنبة المقابلة لها يتأملها وهي نائمة بسلام فوق سرير المشفى بملامح شاحبة كليا يظهر الوهن عليها واضحا ...


+



كلما يتذكر ما حدث ليلة البارحة كلما يحمد ربه على نجاتها من موت محتوم كان سيحدث لولا مناجاتها للجميع سريعا بعدما قطعت معصمها بتلك القطعة الزجاجية ...


+



لولا إنها سارعت تطلب مساعدتهم لكانت الآن في عداد الأموات وكان هو سيعاني متجرعا مرارة رحيلها إلى الأبد ...


+



كان الوهن يسيطر عليه هو الآخر وما حدث الليلة السابقة يمر أمام عينيه مجددا بينما صدمته وهو يراها تسقط أرضا محتضنة معصمها المدمي بكفها الآخر تبكي برعب جعله يركض نحوها يحملها بين ذراعيه متجها بها بلهفة ورعب نحو أقرب مشفى ومن حسن حظه إن المشفى قريب للغاية من مكان قصرهم ليتم أخذها وتحضيرها قبل إدخالها إلى غرفة العمليات بعد معاناة حيث كانت تتمسك به بجزع ترفض أن تبتعد عنه تبكي داخل أحضانه بينما هو يهدهدها ويرجوها أن تدخل معهم كي ينقذوها حياتها ...


+




        

          


                

أغمض عينيه بألم وهو يتذكر صوتها الطفولي المتوسل :-


+



" لا أريد .. سأموت بين يديهم ..."


+



" على العكس ... هم سينقذونك وتعيشين بعدها ..."


+



كان يحدثها كطفلة صغيرة وهي كانت كذلك حقا ...


+



والده الذي صب لعناته عليه وكان على وشك أن يقتله إتخذ الصمت وهو يجلس جانبا مدهوشا بما يحدث وبمدى تمسك جيلان به بينما تضيف هي بتوسل باكي :-


+



" لا تتركني ... أرجوك ..."


+



شدد هو من عناقها داخل أحضانه وهو يخبرها :-


+



" لن أتركك .. صدقيني .. لكن يجب أن تدخلي إلى هناك ..."


+



أخبره الطبيب بضرورة الدخول بها إلى غرفة العمليات سريعا فقال فيصل مشيرا إلى الطبيب :-


+



" دعه يدخل معها من فضلك .. هي ترفض الدخول بدونه كما ترى ..."


+



قال مهند سريعا بلهفة :-


+



" سأدخل معها ..."


+



رفض الطبيب ذلك بإمتعاض جعل مهند يصرخ به عندما شعر بجيلان تفقد وعيها تدريجيا وآخر كلمة قالتها :-


+



" لا تتركني لوحدي هناك ..."


+



حينها أصر على الدخول خلفها بعدما حملوها بين ذراعيه وكاد أن يضرب الطبيب لولا وقوف فيصل حائلا بينهما قبلما يسمحان له بالدخول والوقوف جانبا يتابعها بقلب مفطور آلما ودموع للمرة الثانية تزور عينيه فقد كانت المرة الأولى عند فقدانه طفلته قبل ميلادها ..!


+



أفاق من أفكاره على صوت خطوات تتقدم نحوه فوجده والده الذي إتجه نحوها يتأملها بحرص يطمئن عليها قبلما يتقدم نحوه جالسا جانبه بصمت إمتد للحظات قبلما يخبره :-


+



" بعدما رأيت حالتها وما فعلته بنفسها كنت أنوي قتلك هذه المرة يا مهند ..."


+



بقي مهند محافظا على ملامحه الصامتة بنظرات حيادية رغم الوجع والقلق الذي ما زال ساكنا داخله منذ ما حدث قبل ساعات  بينما يضيف عابد بخفوت :-


+



" ولكن بعدما رأيتها هنا في المشفى وكيف تتمسك هي بك وترفض أن تبتعد عنك ..."


+



توقف مديرا وجهه نحوه مضيفا بحشرجة :-


+



" ورأيت كيف كنت منهارا لأجلها لدرجة بكائك الصامت على حالها أمامنا جميعا وأنت الذي لم تفعلها مطلقا بل كنت تتماسك في أسوأ الظروف وأكثرهم حزنا رافضا أن تظهر ولو القليل من ضعفك أو آلمك حال ذلك فهمت إن الرابط بينكما تعدى تلك المرحلة التي تسمح لي بالتدخل في علاقتكما بل ومحاسبتكما ..."


+




        

          


                

الرابط بينكما ..!! 


+



بدت كلمة رابط غريبة ولم يسبق أن خطرت على باله ...


+



عاد عابد ينظر نحو إبنة شقيقه التي لم تستيقظ بعد يضيف بنفس الحرص :-


+



" البارحة أدركت ما تعنيه جيلان لك ... أدركت كذلك إنها باتت تنتمي إليك بأي صفة كانت ... زوجة أو حتى إبنة عم .... "


+



تنهد بعمق ثم قال :-


+



"كما إنني أدرك جيدا إن بعدما حدث البارحة كلاكما تعرض لتغيير مهم داخله سيجعله شخصا مختلفا عما سبق ... تلك الحادثة مهما بلغت قساوتها ستحمل تأثيرا إيجابيا لكليكما ... وكأنها صفعة أيقظت كلاكما من غفوته التي طالت كثيرا وخاصة جيلان ... جيلان التي على ما يبدو إستوعبت أخيرا إن داخلها ما زال يتمسك بالحياة رافضا مغادرتها ..."


+



انتبه كلاهما على صوت همسها الضعيف فربت عابد فوق كتف ولده يخبره بثقة بالغة :-


+



" الآن أصبحت أثق بك تماما يا مهند .. الآن أنا أمنحك ثقتي الكاملة ليس بشأن جيلان فقط بل بشأنك أنت أيضا .. الآن فقط أنا متفائل بما يحمله المستقبل لي بخصوص كليكما ..."


+



نهض بعدها تاركا إياه وحيدا شاردا لوهلة في حديثه والذي على غير العادة تقبله ...


+



" مهند .."


+



همسها رغم خفوته الشديد للغاية وصل إليه فسارع يتقدم نحوها ينحني جوارها ممسكا بيدها هامسا بنفس الخفوت:-


+



" نعم يا جيلان ..."


+



أنينها الموجع آلمه بينما تهمس مجددا بملامح شاحبة وعينين ما زالتا مغمضين :-


+



" لا تتركني ... أرجوك ..."


2



عانق كفها بكفه بحرص بينما يخبرها بنبرة متحشرجة :-


+



" أنا هنا ... بجانبك ... ولن أتركك مهما حدث ..."


+



أنينها المتألم تكرر مجددا بينما بدأت ترمش بعينيها قبلما تفتحهما تدريجيا وبصعوبة ...


+



تنهد براحة حالما تقابلت عينيها بعينيه فإبتسم رغم تعبه الروحي قبل الجسدي وهو يخبرها :-


+



" أنت بخير يا جيلان ... الحمد لله على سلامتك ..."


+



أغمضت عينيها مجددا للحظات قبلما تبتلع ريقها ثم تفتحهما مجددا وهي تخبره بصوت ضعيف :-


+



" شكرا لك ..."


+



هم بالنهوض وهو يخبرها :-


+



" سأخبر الطبيب إنك إستيقظت ..."


+



سارعت تقبض على كفه مجددا تسأله بخوف بديهي :-


+




        

          


                

" هل ستتركني ..؟!"


+



" لحظات فقط كي أنادي الطبيب ليفحصك ويطمأنني عليكِ ..."


+



أضاف برفق وهو يربت على كفها :-


+



" لن أتأخر .. إطمئني ..."


+



هزت رأسها بتفهم بينما غادر هو سريعا يخبر الطبيب بإستيقاظها وكذلك عائلته ..!


+



***


+



بعدما غادر الطبيب تقدم نحوها مبتسما بسماحة غير مألوفة بالنسبة لها ...


+



تجاهلت أفكارها بينما يجلس هو جانبها لتخبره بصعوبة :-


+



" أريد ماء ..."


+



هتف سريعا :-


+



" لا يمكن أن تشربي الماء قبل مرور أربعة وعشرين ساعة ..."


+



" لكنني عطشة ..."


+



تمتمت بها بنبرة ضعيفة لتضيف والعبرات تتراكم داخل عينيها :-


+



" ويدي تؤلمني ..."


+



نهض سريعا يهتف بتوتر :-


+



" عطشة ويدك تؤلمك ..؟!! سأخبر الطبيب .."


+



ثم سارع يركض مجددا إلى الخارج يطلب من إحدى الممرضات أن تطلب من الطبيب المجيء فسألته الأخيرة عما يحدث ليخبرها إنها تتألم وتريد شرب الماء ...


+



إبتسمت الممرضة تطمأنه وهي تخبره إنها ستعطيها حقنة مسكنة ثم ترطب شفتيها ولسانها قليلا بالماء ...


+



إضطر مهند للصمت والإنتظار بينما تحركا سويا نحو جيلان ...!


+



***

فتحت عينيها بصعوبة بينما صوت شقيقتها يهمس لها بنبرة حانية تطلب منها الإستيقاظ وهي التي بقيت نائمة في سريرها منذ وصولها إلى المنزل بعدما حملها نادر إلى غرفتها وسارع يوقظها فتنتفض باكية بين ذراعية بإنهيار لم تره مسبقا ليسارع شقيقها ويطلب منها ومن والدتها مغادرتهما المكان مغلقا الباب في وجههما قبلما يخرج بعدها سريعا يجلب حقنة مهدئة يمنحها لها لتنام بعدها على الفور بينما يبقى هو جانبها لعدة ساعات رافضا أن يتركها لوحدها لتجده قد غفي بجسده فوق الكنبة التي كان يجلس عليها وشقيقتها ما زالت نائمة بعمق فتقرر إيقاظها بهدوء وهاهي قد إستيقظت أخيرا ...


+



أخذت أروى تنظر لها بصمت للحظات قبلما يظهر الهلع سريعا في عينيها فتهتف نرمين بقلق بديهي :-


+



" هل أنت بخير ..؟! "


+



ثم مدت كفّها تلمس وجهها لتنتفض أروى مبتعدة بوجهها عنها تجذب الغطاء ترفعه حتى ذقنها...


+




        

          


                

صاحت نرمين باسم شقيقها الذي إستيقظ من نومه فزعا يحاول إستيعاب ما يحدث قبلما ينهض من مكانه متجها نحو شقيقته جالسا جانبه يسألها برفق وهي التي بدأت دموعها تتساقط فوق وجنتيها بصمت :-


+



" هل أنت بخير ..؟! إطمئني يا أروى ... أنا هنا جانبك .. جميعنا هنا ..."


+



أشار إلى نرمين :-


+



" هاتي لها الماء ..."


+



نهضت نرمين بسرعة تصب القليل من المياه لها بيد مرتجفة بينما اندفعت والدتها إلى الداخل تصيح وهي تتقدم نحوها :-


+



" وأخيرا إستيقظتِ يا أروى ..."


+



ما إن رأت أروى والدتها حتى إنتفضت باكية بصوت مسموع وهي ترمي بجسدها بين ذراعي شقيقها لتتابع رحاب ما يحدث بعينين مصدومتين بينما بقيت نرمين جامدة مكانها وقدح الماء بيدها تتابع حالتها هذه بعبرات شقت طريقها فوق وجنتيها ....


+



تقدمت رحاب بخطوات حذرة نحو ابنتها قبلما تنحني قربها وهي التي ما زالت تبكي بين ذراعي نادر تهمس لها برجاء :-


+



" أروى حبيبتي ... إنظري إلي .. أنا أريد الإطمئنان عليكِ ..."


+



إرتفع صوت نحيبها بينما تقبض على قميص شقيقها بقوة أكبر تحرص أن تخفي وجهها تماما داخل أحضانه ...


+



طالعت رحاب ولدها بعينيها الهلعين تسأله برعب تمكن منها وأفكارها منذ البارحة تتجه لطريق واحد مهما حاول إبنها إنكاره :-


+



" ماذا يحدث يا نادر ...؟! ما بها شقيقتك ..؟!"


+



" إذهبي أنتِ الآن يا أمي .. أتوسل إليكِ أن تذهبي ..."


+



ذلك الرجاء والتوسل في عينيه جعلها تتأكد من شعورها فوقفت مكانها قبلما تتحرك إلى الخارج وهي مطرقة رأسها أرضا بخطوات آلية وعينين دامعتين هذه المرة بعدما تأكد حدسها وأدركت بإحساس الأم ضياع إبنتها ...


1



" هاتي الماء وغادري يا نرمين ...!"


+



قالها نادر بعصبية خفيفة لتسارع نرمين وتتجه نحوه بوجهها المغرق بالعبرات فيتناول القدح منها وهو يخبرها :-


+



" غادري من فضلك ..."


+



تحركت تغادر المكان تاركة إياه مع شقيقتها ليهمس نادر بحرص :-


+



" ماما ونرمين غادرتا الغرفة ولم يتبقَ أحد سواي ..."


+



أضاف وهو يربت فوق ظهرها بعناية :-


+



" تماسكي قليلا ... "


+



لحظات وإبتعدت ببطأ عنه بينما ما زالت حريصة ألا ترفع عينيها في وجهه ...


+




        

          


                

تنهد بصمت والوجع على حالها يفتك بروحه دون رحمة ناهيك عن وضعها الحالي والذي يجعله عاجزا عن التصرف ...


+



هو حتى لا يستطيع سؤالها عمن تسبب لها بذلك وإذا ما كانت تعرفه أو لا ... 


+



كيف يسألها وهي بهذه الحالة الصعبة والمؤلمة ...؟!


+



" إنظري إلي يا أروى ..."


+



قالها بثبات لتهز رأسها نفيا وهي تهمس بصوت مبحوح :-


+



" لا أستطيع ..."


+



سارع يقبض على ذقنها يرفع وجهها أمام وجهه يرتكز بعينيه أمام عينيها عن قصد وهو يهتف بصلابة :-


+



" لا تخفضي عينيك ... أنت لم تفعلي شيئا يجعلك تخفضين عينيك بهذا الشكل ... "


1



" أنت تعلم ما حدث ..."


+



همستها بصوت باكي ليقول بنفس الثبات :-


+



" أعلم وأقولها بوضوح ..  لست آثمة ولم تخطئِ بأي شيء لتفعلي ذلك ... "


+



أضاف بصوت متحشرج ودموعها تقتله :-


+



" إياك أن تفكري بهذه الطريقة يا أروى ... لا ذنب لك فيما حدث ... ما حدث لا يسيء لك ولا يقلل من شأنك ... "


+



هزت رأسها نفيا رافضة ما يقوله تخبره بأسى :-


+



" إنتهيت ..خسرت شرفي .. كرامتي ... أنا الآن بلا شرف و لا ..."


1



صاح بها يقاطعها رافضا ما تنعت به نفسها :-


+



" كلا يا أروى .. أنت لست كذلك ... ما حدث لا يسيء لك .. إن كان هناك شخص بلا شرف ولا كرامة فهو من تسبب لك بذلك أما أنت فستبقين أشرف وأنظف فتاة ولا يمكن لأي شخص أن يقلل من كرامتك ..."


1



حاوط وجنتيها بين كفيه يخبرها بحزم :-


+



" إياكِ أن تنسي هذا .. أنت أكثر الفتيات شرفا وعفة ... "


+



" ماما ... "


+



همست بها من بين أنفاسها المتلاحقة وهي تضيف :-


+



" فهمت كل شيء ولن تتحمل ..."


+



شهقت باكية مجددا ليجذبها نحو صدره من جديد يخبرها بتروي :-


+



" لا تقلقي عليها ... أنا معها ... "


+



أضاف بنبرة حانية :-


+



" أنت فقط حاولي أن تتماسكي قليلا ... كي لا تراكي بهذه الحالة على الأقل ..."


+



أضاف وهو ينظر نحوها بعدما أبعدها قليلا عنه :-


+



" تماسكي يا أروى .. إن لم يكن لأجلك فليكن لأجلها ..."


+




        

          


                

مسحت دموعها بأنامل مرتجفة وهي تومأ برأسها ليخبرها بحرص :-


+



" ما رأيك أن تنهضي وتأخذي حماما سريعا بينما أطلب أنا من الخادمة أن تعد لك الفطور ...؟!"


+



هزت رأسها بخضوع عندما نهض من مكانه يمد كفه لها لتتمسك بها وهي تنهض من فوق سريرها بصعوبة قبلما تتحرك معه متجهة نحو دورة المياه لتدلف إلى الداخل  بينما غادر هو بسرعة متجها إلى والدته ليطمئن عليها ...


1



***


+



أمام المرآة وقفت تطالع وجهها بملامحه المحطمة الباكية بمرارة قبلما تتحرك بسرعة مبتعدة من آمام المرآة تخلع عنها ملابسها بآلية ثم تقف بجسدها أسفل مياه الدوش الباردة تجاهد مع نفسها كي تنهي حمامها سريعا دون الشرود بأفكار لليلة البارحة وما حدث بها ...


+



غادرت الحمام بسرعة وهي تلف جسدها بالمنشفة فشعرت بجسدها يرتجف لا إراديا ما إن خطت أولى خطواتها خارج الحمام حيث غرفتها ...


+



تحركت بخطوات متباطئة نحو الخزانة مقررة أن تخرج ثوبا لها ترتديه عندما ظهر إنعكاس صورتها في المرآة الطويلة المقابلة للخزانة لتتأمل جسدها الملفوف بتلك المنشفة التي تظهر كتفيها العاريين وبداية نحرها وساقيها كذلك من ألأسفل ...


+



لحظات وصرخت بجزع وهي تنتفض بجسدها بعيدا عن تلك المرآة هاربة من إنعكاس صورة جسدها راكضة بلا وعي نحو الجانب الآخر من الغرفة قبلما تتعثر أثناء ركضها وتسقط أرضا فتنهار باكية بنحيب لا نهاية له  ...!


1



لسنوات كانت تتراقص بروحها الواهنة على أطراف الهاوية بينما هاجس السقوط فيها لم يرحمها يوما ..


1



تحقق هاجسها ...


+



سقطت في عمق الهاوية التي سارعت تبتلعها دون رحمة ...


+



سقطت سقوطا مدويا لا نجاة منه ...


+



***

أمام نافذة تطل على أحد أشهر شواطئ كندا  يقف حاملا بيده كأسا من مشروبه الكحولي المفضل يرتشفه بشرود ...


1



يفكر في حالها بعدما إستيقظت وأدركت ما أصابها على يده ...


+



يتخيل ردة فعلها وإنهيارها الحتمي وما يلي ذلك ...


+



يتوقع منها الكثير فهي بشخصيتها الضعيفة الهشة لن تتحمل صدمة كهذه ..


+



ربما ستحاول الإنتحار ..! 


+



هكذا فكر وهو يبتسم ساخرا بينما يخبر نفسه إنها أضعف من قدومها على خطوة شجاعة كهذه ...!


+



أضعف من أن تقدم على قتل نفسها ...


+



أضعف حتى من أن تعترف بما أصابها على يده ...


+




        

          


                

خلع التيشرت الذي كان يرتديه متجها نحو الحمام الملحق بجناحه الفخم ...


1



أخذ حماما منعشا ثم غادر بعدها متجها نحو ملابسه الرسمية الموضوعة فوق السرير فأخذ يرتديها قبلما يكمل إعداد نفسه متهيئا للذهاب إلى رئيس الشركة التنفيذية التي سيتعامل معها بمشروع ضخم للغاية يخطط له منذ مدة والذي يكون صديق مقرب له في ذات الوقت ..


+



غادر بعدها الفندق الذي إختار أن يسكن فيه بدلا من شقته على غير العادة ...



+



وصل إلى هناك بعد أقل من عشر دقائق حيث إختار فندقا قريبا من مقر الشركة ليعرف عن نفسه لموظفة الإستقبال التي سارعت ترحب به وتخبره عن الطابق الذي سيذهب إليه ..


+



جلس بعدها في غرفة الإستقبال ينتظر وصول صديقه وشريكه في العمل عندما طلت شابة في أواخر العشرينات ترتدي بذلة عمل رسمية أنيقة تبتسم بذات الرسمية وهي تتقدم نحوه مرحبة :-


+



" أهلا وسهلا سيد نضال ..."


+



كانت تتحدث بلهجتها الأم العربية لينهض رادا تحيتها بذات الرسمية :-


+



" أهلا بك ..."


+



" رانيا حمدي ... مديرة العلاقات العامة في الشركة ومديرة أعمال السيد سيمور  ... "


1



قالتها معرفة عن نفسها بذات الإبتسامة الرسمية والهدوء الممتلئ بثقة إكتسبتها نتاج سنوات عمل وخبرة جعلتها تلتقي بأهم وأكبر الشخصيات ورجال الأعمال في البلاد ومن مختلف الجنسيات ..


+



" أهلا بك .."


+



قالها بإقتضاب معتاد بينما أشارت هي له ليجلس مكانه مجددا :-


+



" تفضل .. السيد سيمور سيصل إلى مقر الشركة خلال عشر دقائق ..."


+



أومأ برأسه متفهما وهو يتخذ مكانه فوق الكنبة مجددا فجلست هي قباله واضعة قدما فوق الأخرى لتظهر ساقيها الرشيقين أسفل تلك التنورة الضيقة بلونها الكريمي والتي تنتهي أسفل ركبتيها بقليل ترتدي فوقها سترة من ذات اللون أسفلها قميص رمادي من الستان الناعم ...


+



كانت ذات ملامح متوسطة الجمال لكنها لطيفة على آية حال ..


+



ذات بشرة حنطية وعينين بنيتين براقتين مع خصلات بنية طويلة تتجاوز بطولها منتصف ظهرها ..


+



إطلالتها رسمية أنيقة كإبتسامتها بالضبط ...


+



تتحدث بلباقة وكلمات منتقاة بعناية ...


+



تبادل الحوار معها برسمية لا تخلو من الاقتضاب مفكرا  في مدى أهمية تلك الفتاة عند صديقه والذي طل بعد عشر دقائق كما أخبرته مرحبا به بحرارة ...


+




        

          


                

نهضت رانيا من مكانها تتابع ترحيب مديرها بصديقه بصمت وإبتسامة ثابتة عندما أشار سيمور إليها بعدها مرحبا :-


+



" كيف حالك يا رانيا ..؟!"


+



أجابته وهي تبتسم برسمية أقل مما كانت عليها :-


+



" بخير يا سيمور ... الحمد لله على سلامتك .. سعدنا كثيرا بعودتك ..."


+



هتف سيمور وهو يشير لها أن تتقدم ليحاوطها من كتفيها بذراعيه وهو يخبره :-


+



" إنها رانيا يا نضال .. أهم موظفة لدي في الشركة ... أعتمد عليها بكل شيء تقريبا ... "


+



أضاف وهو ينظر لها مبتسما :-


+



" كما إنها صديقتي المقربة كذلك ... "


+



ابتسمت رانيا بدورها بينما تمتم نضال بذات الإبتسامة الباردة :-


+



" سعدت بلقائك ..."


+



لم يغب عنها تلك الإبتسامة التي تولدت بعسرة فوق شفتيه فأخبرته وهي تعود إلى رسميتها :-


+



" وأنا سعدت كذلك بالتعرف على حضرتك ..."


+



تحرك بعدها ثلاثتهم إلى مكتب سيمور ليبدأ اجتماع أولي بينهم ليلاحظ نضال مهارة رانيا التي كانت تعمل بمهارة وتطرح مقترحات مميزة للغاية حتى إنها كانت تتولى إدارة الحوار معه بدلا عن سيمور الذي كان يكتفي بإدلاء قراره النهائي فيما يطرحه كليهما ....


+



إنتهى الاجتماع بنجاح وقد إتفقا على كافة الأمور بشكل جعل نضال يرتاح كثيرا فالمشروع بات مضمونا ...


+



" مشروب الإحتفال يا رانيا ..."


+



قالها سيمور مبتسما فتحركت الأخيرة تجهز المشروب لهما بينما سأله سيمور بإهتمام :-


+



" ما رأيك بها ..؟!"


+



هتف نصال ببرود :-


+



"'جيدة .."


+



قال سيمور ضاحكا :-


+



" بل ممتازة ... سأمنحها قريبا وبشكل رسمي إدارة فرع الشركة هنا ..." 


+



" هل تثق بها إلى هذا الحد ...؟!"


+



سأله نضال بإستغراب فقال سيمور بجدية :-


+



" أكثر مما تتصور ..."


+



تقدمت رانيا تمنح كليهما مشروبه فيخبرها سيمور بإهتمام :-


+



" هاتي العصير لك ..."


+



" هذا ما سأفعله ..."


+




        

          


                

قالتها بإبتسامة ودودة بينما قال سيمور مشيرا لنضال :-


+



" رانيا لا تتناول المشروبات الكحولية أبدا رغم إقامتها هنا منذ أعوام عديدة  ...."


+



عادت رانيا وهي تحمل معها كأسا من العصير لتتبادل الأحاديث معهم حتى غادر نضال بعدها لتبقى هي مع سيمور الذي سألها وهو يغمز لها :-


+



" ما رأيك به إذا ...؟!"


+



أخبرته وهي ترتشف آخر رشفة من كآسها :-


+



" مغرور كالطاووس ... "


+



ضحك بخفة فأضافت بآسف :-


+



" آسفة لقول هذا عن صديقك لكنه لا يطاق حقا .. أقسم لك إنني بالكاد تحملت وجوده الساعتين الفائتتين .. يتصرف كالروبوت وينظر إليّ بنظرات باردة تحمل إستهانة صريحة .."


1



تنهد يخبرها وهو يجلس على الكنبة بإهمال :-


+



" هكذا هو نضال ... كان وسيبقى هكذا ..."


+



فتحت أزرار سترتها قبلما تخلعها فيظهر قميصها بأكمامه القصيرة ليجذبها سيمور نحوه فتسقط فوقه فتجده يسارع  ويحتضنها بين ذراعيه مقبلا شفتيها بسرعة خاطفة ...


+



نهرته بخفة :-


+



" سيمور من فضلك ..."


+



" اشتقت لك ..."


+



إبتسمت وهي ترى شوقه لها صريحا في عينيه فأخبرته وهي تبتعد من بين أحضانه :- 


+



" لدينا الكثير من العمل ..."


+



ثم غمزت له بعينها وهي تضيف بمكر :-


+



" أما بقية الأمور فدعها للمساء في شقتنا ....!"


1



***


+



في المشفى ..


+



يجلس مهند كعادته جوارها بينما تطعمها توليب الحساء الساخن ...


+



" لا أريد المزيد .. شبعت ..."


+



قالتها جيلان لتوليب التي قالت برفض :-


+



" لم تتناولِ ربع الكمية حتى .. لن أتركك حتى تنهي الطبق ..."


+



" لا أستطيع يا تولاي .."


+



نظرت توليب نحو شقيقها تخبره بجدية :-


+



" تصرف يا مهند ..."


+



نهض مهند من مكانه لتراقبه جيلان بحذر وهو يقف أمام شقيقته يخبرها :-


+



" هاتيه وأنا سأتصرف ..."


1




        

          


                

منحته توليب الصحن وهي تبتسم له قبلما تتجه وتأخذ مكانها على الكنبة تراقب ما يحدث بسعادة ...


+



جلس مهند جانبها مقربا الملعقة من فمها يخبرها بجدية:-


+



" هيا يا جيلان ..."


+



برمت شفتيها تخبره برفض :-


+



" حقا شبعت يا مهند ..."


+



" لن أتركك حتى تنهيه ..."


+



" لكن ..."


+



" لا يوجد لكن ... فقدتِ الكثير من الدماء وتحتاجين إلى تغذية جيدة لتعويضها ..."


+



تجهمت ملامحها برفض فهتف بها بصرامة :-


+



" هيا جيلان .. توقفي عن عنادك وتناولي الملعقة .."


+



إضطرت أن تصغي إليه وتتناول الملعقة منه عندما سارع يضع الملعقة مجددا أمامها لتتناول الحساء مجددا فيبتسم وهو يخبرها :-


+



" شطورة يا جيلان ..."


+



عقدت حاجبيها تخبره بنزق :-


+



" لست طفلة يا مهند ..."


+



" بالنسبة لي أنت كذلك ..."


+



قالها بمكر لترفع حاجبها وهي تخبره ببرود :-


+



" لا تنسى ما فعلته هذه الطفلة طوال الفترة السابقة ..."


+



" وهل يمكنني نسيان ذلك ...؟!  أنوي تدوين جميع تصرفاتك الحمقاء السابقة وتسجيلها رسميا في سجل إنجازات أفراد العائلة ..."


+



ضحكت بمرح ليتنهد براحة وهو يرى إبتساماتها الصادقة ليقول بحزم مصطنع :-


+



" هيا نكمل الطعام ..."


+



عادت تبرم شفتيها ببؤس لينظر لها بتحذير أن ترفض ما يريده فتخضع له مجددا بينما يطعمها هو الحساء ورغم ذلك شعرت بسعادة خفية كونه يطعمها الحساء بنفسه ...


1



لحظات وطل فيصل مبتسما لهما قبلما ينظر لمهند بعدم تصديق وهو يردد :-


+



" ما هذا الذي تراه عيني ...؟!"


+



" إخرس يا هذا..."


+



قالها مهند دون أن يلتفت نحوه لترتفع ضحكات فيصل الذي قال له :-


+



" أحتاج أن أوثّق هذا الحدث التاريخيّ بصورة ..."


+



إلتفتت مهند نحوه يصيح بحدة :-


+



" إياك يا فيصل ..."


+



لكن فيصل سبقه  وإلتقط بالفعل صورة له وفيديو سريع  وهو يطعم جيلان ليحفظهما سريعا ثم يغمز له بمكر :-


+




        

          


                

" هذا الفيديو الثاني لك يا باشا .. بالطبع تتذكر الأول ..."


+



إحتقنت ملامح مهند بقوة وهو يعاود النظر نحو جيلان يسألها بحنق :-


+



" هل أعجبك ما حدث ..؟!"


+



هزت كتفيها تخبره بلا مبالاة :-


+



" أعجبني كثيرا .."


+



" تناولي الطعام هيا .."


+



قالها بحنق وهو يدس الملعقة داخل فمها بينما يراقبهما فيصل بإهتمام قبلما يلتفت بوجهه لشقيقته يغمز لها بخفة فتبتسم له بدورها وكلاهما يفكر بذات الطريقة ...


+



***


+



غادرت توليب الغرفة وهي تتحدث مع والدتها تطمئنها على جيلان حيث إضطرت زهرة أن تعود إلى القصر كي لا يبقى الأولاد لوحدهم ..


+



أنهت إتصالها سريعا بينما عابد يتقدم نحوها فتسارع تعانقه ثم تطمئنه على جيلان التي ستغادر المشفى مساء اليوم كما قرر الطبيب ... 


+



" الحمد لله ..."


+



قالها عابد براحة قبلما يهم بقول شيء ما لتوليب عندما طلت هالة مقبلة عليهما تتسائل بقلق وهي التي علمت بما حدث بالصدفة عندما إتصلت بها خالتها تسأل عنها كعادتها :-


+



" ما أخبار جيلان ...؟!"


+



قالت توليب بسرعة بعدما عانقتها :-


+



" لا تقلقي عليها .. إنها بخير .. باتت أفضل وستغادر المشفى اليوم ..."


+



عانقت عابد بعدها الذي سألها بإهتمام وهو يلاحظ شحوب ملامحها بقلق :-


+



" كيف حالك أنت يا هالة ...؟!"


+



" أنا بخير ..."


+



قالتها وهي تبتسم بتصنع قبلما تقول :-


+



" سأدخل إليها ..."


+



ثم سارعت تدلف إلى الداخل تطمئن على الصغيرة وتعانقها بحرص قبلما تعانق مهند الذي بدا وجهه مرهقا بشكل جعلها تشفق عليه حقا وعلى ما يبدو إن حادث جيلان آلمه كثيرا ...


+



جلست بعدها تتبادل الأحاديث معهم فأخذت تتفاعل مع أحاديث فيصل المرحة ومشاركة كلا من مهند وتوليب الحديث حيث أخذوا يتذكرون بعض الأحداث القديمة التي حدثت لهم في فترة الطفولة والمراهقة بينما تبتسم جيلان التي كانت تستمع لهم بحماس ويتابعهم عابد بإبتسامة حانية ..


+



كانت هالة تضحك بصدق لأول مرة منذ فترة طويلة وقد نجح هذا الجو بتخفيف حزنها وكآبتها التي تسيطر عليها منذ أيام وهي التي إلتزمت البقاء في الفندق منتظرة عودة شقيقتها مع راغب لتزف لهما ولبقية أفراد العائلة نبأ طلاقها ...!


+




        

          


                

تمنت لو تستطيع البقاء هنا حتى المساء ثم تعود إلى القصر معهم لكن الأجواء لا تساعد لذلك فهما منذ يومين تعرضا لصدمة حقيقة بالحادث الذي أصاب جيلان ...


+



كلما أرادت أن تخبرهما بما حدث يحدث شيئا يمنعها ..!!


+



تنهدت ببؤس عندما همست لها توليب بتردد :-


+



" سأنفصل عن إياس ..."


+



إلتفتت نحوها هالة بعينين مصدومتين لتومأ توليب برأسها وهي تخبرها بنبرة يائسة وعينين دامعتين :-


+



" حدث الكثير مما لا تعلمينه يا هالة .. كنت أحتاج أن أتحدث إليك ولكنني أدرك مدى صعوبة ما تمرين به ..."


+



" تولاي ..."


+



همست بها بهالة بنبرة حزينة وهي تقبض على كف صديقة عمرها لتمسح توليب على وجهها بكفها وهي تخبرها بثبات :-


+



" لكن لا تقلقي .. أصبحت أفضل الآن وسأنفصل عنه رسميا ... "


+



سارعت هالة تعانقها بحمية بينما عابد يراقب ما يحدث بقلق مفكرا في موقف ابنته عندما تعلم بما تعرض له خطيبها ...


+



أخذت هالة تتبادل الأحاديث بعدها مع فيصل الذي أخذ يخبرها عن مدى كآبة المنزل في ظل غياب كلا من راغب وهمسة وراجي وقبلهم هي عندما إندفعت زمرد تهتف بنبرة قلقة :-


2



" حبيبتي جيلان .. ما هذا الذي سمعته ..؟!"


+



نهض عابد من مكانه سريعا يستقبل شقيقته التي سارعت تتجه نحو جيلان تعانقها وتطمئن عليها بينما انتفضت هالة من مكانها سريعا تسحب حقيبتها معها لتهمس لها توليب :-


+



" إنتظري قليلا ولا تلفتي الأنظار ..."


+



اتجهت بعدها زمرد تعانق عابد قبلما تنظر إلى البقية لتحتد عينيها للحظة وهي تشاهدها أمامها فتهتف هالة ببرود وهي تتقدم نحو جيلان :-


+



" عليّ المغادرة الآن ..."


+



ثم قبلت جيلان من وجنتيها واتجهت تقبل مهند من وجنتيه هو الآخر قبلما تبتسم له بدعم ...


+



اتجهت بعدها نحو عابد تعانقه بمحبة وتتحمد له على سلامة غاليته ثم تودع كلا من فيصل وتوليب وتتحرك مغادرة المكان وهي محتفظة بذات الإبتسامة الباردة تراقبها زمرد بعينين مشتعلتين بينما يتابع عابد رحيلها متعجبا من فعلتها حيث تجاهلت وجود شقيقته بطريقة مثيرة للشك قبلما يجد كلا من مهند وتوليب يتبادلان النظرات الحذرة وفيصل يراقب ما يحدث بملامح واجمة ...


+



عاد بأنظاره نحو شقيقته التي إستعادت رباطة جأشها وهي تتقدم نحوه تسأله بجدية :-


+




        

          


                

" كيف تعرضت لهذا الحادث يا عابد ... ؟! أين كنتم جميعا ..؟!"


+



ليندمج عابد في حديثه معها متجاهلا أفكاره مؤقتا ..!


1



***


+



أغلقت الباب خلفها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة ...


+



ما حدث داخلا كان مرهقا لروحها ...


+



ليست المواجهة من كانت مرهقة بل ثباتها وحرصها على الظهور بملامح باردة شامخة أمام زمرد رغم هوان روحها هو ما كان متعبا للغاية وصعبا عليها ...


+



همت بالتحرك مغادرة المكان مفكرة إن ظهور زمرد جعل الأجواء خانقة وكريهة بشكل منفر للغاية ...


+



تحركت خطوتين لتتصنم مكانها وهي تجده قبالها يقف على مسافة بعيدة قليلا يتحدث عبر الهاتف ...


1



بقيت تتأمله بحقد يشتعل داخل عينيها ...


+



تتأمله كيف بقي كما هو بنفس ثباته وهيمنته بينما خسرت هي كل شيء بسببه هو ....


+



أنهى مكالمته وإلتفت بشكل تلقائي ليندهش من وجودها ...


+



تأملها بدهشة لحظية قبل أن تنحدر عيناه فوق جسدها الذي نحف بوضوح ثم عاد ينظر إلى ملامح وجهها التي بدت منهكة بشكل واضح وإن حاولت إخفاء ذلك من خلال مساحيق التجميل ..


+



لم يغب عنه ملامحها التي باتت باهتة بشكل غير معقول بل وعينيها اللتين فقدتا بريقهما الجذاب ...


+



حتى عظام وجهها برزت عن السابق بشكل جعلها تبدو وكأنها تعاني منذ مدة طويلة بشكل إنعكس كليا على ملامحها و روحها كذلك ...


+



لم تكن هالة التي عرفها طويلا ...


+



كانت أخرى بملامح مشابهة ولكن قد فقدت روحها بكل ما فيها من حيوية وإنطلاق ..


+



شمخت برأسها عن قصد وقد أدركت معنى ذلك الإستغراب الذي ظهر في عينيه لتتقدم نحوه قبلما تقف قباله تخبره ببرود :-


+



" أرى إنك ما زلت هنا ولم تسافر بعد ..."


+



هتف ببرود :-


+



" هل هناك أمر دولي يقضي بسفري خارجا ...؟!"


+



ضحكت بإستخفاف قبلما تخبره بصلابة :-


+



" بكل الأحوال عليك أن تفرح لأن عودتك أتت بثمارها ..."


+



عقد حاجبيه متسائلا بعدم فهم :-


+



" ماذا تقصدين ..؟!"


+



أخبرته بذقن مرفوع  ولا مبالاة مقصودة :-


+




        

          


                

" حصلت على ما تريد .. يمكنك أن ترتاح حاليا ..."


+



أضافت وهي ترمقه بعينين مشتعلتين :-


+



" دمرت كلينا وإنتصرت وحدك في النهاية كما أردت ووعدت ..."


+



" أصبحت تهذين مثل زوجك الأحمق .."


1



ضحكت ببرود يخفي وجعا طل من عينيها رغما عنها لتخبره بعد لحظات وهي تتوقف عن ضحكاتها :-


+



" ربما أهذي بالفعل ..."


+



أخذت نفسا عميقا ثم قالت بعدها بشراسة طلت من عينيها :-


+



" ولكن عليك أن تعلم بأنني طوال حياتي لم أندم على شيء بقدر ما ندمت على اليوم الذي سمحت به لنفسي أن أنجرف في تلك العلاقة معك ... "


2



رفعت كفّها المضموم أمامها تخبره بعنفوان :-


+



" لو بيدي لأخرجت قلبي من موضعه ومزقته إربا أربا كونه أحب شخص مثلك يوما ما ..شخص حاقد مريض ..."


+



صاحت معترضة عندما وجدته يعتصر ذراعها بقسوة وأنفاسه تهدر في وجهها :-


+



" إن كان هناك من عليه أن يفعل ذلك فسيكون أنا .. أنا الذي أحببت إنسانة مثلك ... إنسانة لا تستحق شيئا سوى النسيان ..."


+



ضحك بإستخفاف وهو يضيف :-


+



" من الواضح إن ذلك الأحمق تخلى عنك بدوره وإنت هنا لتفرغي غضبك منه وحزنك بي .. لا بأس .. هذا كان منطقي ... منطقي للغاية ..."


1



" إتركني ..."


+



همست بها بأنفاس متلاحقه بينما هو يشدد من قبضته ويسأل بقسوة متعمدة :-


+



" هل طلقك أم بعد ...؟! هل طردك من حياته دون رجعة ..؟!"


+



" إتركني أيها الحقير ..."


+



همست بها والعبرات ملأت عينيها ليخبرها بثبات :-


+



" فلتحصدي نتاج أفعالك يا هالة .. فلتفرحي بكبريائك الذي نصرته فوق كل شيء وخسرتِ كل شيء بسببه ..."


+



دفعها بعيدا يخبرها بعينين متحدتين :-


+



" أما بالنسبة لي فضعي برأسك إنني تجاوزتك تماما ... لست أنا من ينتظر امرأة إختارت غيري ...قريبا سأخطب ممن تليق بي وبإسمي ... ممن لا تحتاج أن تصطنع القوة والكبرياء كي تثبت لمن حولها إنها كذلك لإنها ولدت هكذا قوية وذكية وذات كبرياء وشموخ لا مثيل له بالفطرة ..!"


2



منحها نظرة أخيرة هازئة وهو يتحرك متجها إلى الغرفة التي تمكث بها ابنة خاله لتندفع هي راكضة خارج المكان ودموعها تنحدر فوق وجنتيها بغزارة ...


+




        

          


                

***





+



في أمريكا ...


+



تتأمل صورته على شاشة حاسوبها بملامح شجنة ... 


+



منذ معرفتها بذلك الحادث الذي تعرض له وما نتج عنه من إعاقة أصابت يده وهي تحيا بحزن سيطر عليها وتمكن منها رغما عنها ..


+



حزن جاهدت أن تخفيه عن والدتها التي فوجئت بكونها تدرك مشاعرها إتجاهه لكنها إلتزمت الصمت منتظرة اللحظة المناسبة التي ستعترف لها بما تشعر به لتنهار باكية حينها بين ذراعي والدتها وهي تحدثها عن مشاعرها التي تحركت اتجاهه دون إرادة منها ..


+



مشاعرها التي كانت من طرفها وحدها ...


+



تلك المشاعر التي كبرت معها وتمكنت منها فبات قلبها مأسورا به رغما عنها ...


+



هي التي أخفت مشاعرها داخلها وتحملت عذاب قلبها الذي يراه يذهب لأخرى غيرها متيم بها بوضوح غير قابل للشك ورغم ذلك تمنت له السعادة معها فيكفيها أن تراه سعيدا مع الفتاة التي إختارها قلبه لكن حتى هذا فقده بدوره ...


+



طلّق زوجته ...


+



علمت بذلك من والدتها ...


+



أدهشها الخبر بقدر ما أقلقها عليه ...


+



برمت شفتيها وترقرقت العبرات في عينيها ..


+



ألا يكفي ما عاشه خلال الفترة السابقة  ..؟!


+



ألا يكفي تلك الإعاقة التي تعرض لها ..؟!


+



والآن طلّق زوجته التي يحبها كثيرا ...


+



" مسكين حقا ..."


+



تمتمت بها بشفقة ومشاعر حزينة صادقة ..


+



هي حزينة لسماعها هذا الخبر كثيرا ...


+



هي حزينة لأجله ...


+



حزنها أدهش والدتها التي سألتها رغما عنها وهي التي توقعت ردة فعل مختلفة لتخبرها ببراءة عاشقة لا يهمها في دنيا العشق سوى سعادة معشوقها  :-


+



" نعم حزينة لأجله .. هو لا يستحق أن يخسر الفتاة التي يحبها .. هو يحبها كثيرا .. لقد رأيت بعيني كيف ينظر لها .. هو عاشقا لها .. حرام أن يخسر حب حياته ... حتى لو كنت أحبه ... هذه مشاعري لوحدي وهو ليس مسؤولا عنها .. لا يمكن أن أفرح بهذا الخبر بل على العكس أنا حزينة لما حدث ... حزينة لإنه حزين .. لإنه يعاني .. أنا أحبه بصمت منذ سنوات ومستعدة أن أبقى هكذا ويكفيني فقط أن أراه وهو سعيد مع الفتاة التي إختارها بقلبه .."


4




        

          


                

يومها عانقتها والدتها بحب وهي تخبرها عن فخرها بمدى نقائها وإن كانت داخلها تموت وجعا على ابنتها التي على ما يبدو مشاعرها لكرم أقوى مما تظن وليست فورة مشاعر مراهقة ستنتهي بسهولة حالما تنضج  ...!


+



تساقطت دموع حنين بغزارة وهي تلمس ملامح وجهه فوق الشاشة تهمس لنفسها بنبرة باكية متآلمة :-


+



" ليتني أستطيع الإتصال بك والإطمئنان عليك .. ليتني أستطيع رؤيتك .. ليتني أستطيع الوقوف جانبك ودعمك ومساندتك في مصابك .. لكن لا أستطيع .. لا أستطيع  أبدا .. أنا آسفة ..!"


+



بينما في مكان آخر وتحديدا في أحد النوادي الليلية يجلس هو يرتشف مشروبا كحوليا ...


+



ملامحه معتمة كعادتها قبلما تلتقط عيناه إحدى عاهرات المكان التي لاحظت نظراته المتمركزة عليها لتغمز له فيبتسم بخفة لها ...


+



تقدمت نحوه وجلست قربه عندما أشار إلى النادل يطلب منه أن يجلب مشروبا لها ...


+



تبادل الأحاديث السريعة معها بينما عينيه تتأملان جسدها الشبه عاري برغبة صريحة لتغمز له :-


+



" هل ننهض ..؟!"


+



" هيا ..."


+



قالها وهو ينهض من مكانه يجذب كفها بكف يده السليمة ويتحرك بها مغادرا المكان فتوقفه بعد لحظات وهي تخبره :-


+



" إنتظر لحظة .. أنا ثمني غالي ..."


+



سارع  يخرج محفظته من جيب بنطاله يسحب  منها رزمة مالية ويرميها عليها لتحمّلها من فوق الأرض سريعا وتضعها داخل حقيبتها وهي تخبره :-


+



" الآن يمكنك أن تفعل ما تريد ..."


+



ثم تقدمت نحوه تجذبه نحوها في عناق تجاوب هو معه لوهلة قبلما يسمعها تهمس :-


+



" ما بها يدك الأخرى ..؟!"


+



تجمد للحظة قبلما يدفعها بعيدا عنه يتأملها بعينين مشتعلتين لتهمس بتردد :-


+



" هل قلت شيئا خاطئا ...؟!"


+



لم ينتظر سماع المزيد منها بل سارع يتجه نحو الشارع يشير لأحدى سيارات الأجرة ليصعد بها ويطلب من السائق أن يأخذه حيث مكان شقته ..


+



وصل إلى هناك بعد حوالي نصف ساعة ليجد هايدي في وجهه تصيح بضيق :-


1



" أين كنت يا كرم ..؟! كنت سأموت من قلقي عليك ..."


1



تجاهلها وهو يدلف إلى الداخل راميا بجسده فوق الكنبة لتضيف بنفس الصياح :-


+



" لماذا لا تجيب ..؟! هل تعلم ما أصابني بسبب إختفائك المفاجئ ..؟! هل تعلم كم قلقت عليك ..؟!"


+



صاحت بصوت مرتفع أكثر وصمته يستفزها :-


+



" تحدث يا كرم ..."


+



" إخرجي ..."


+



قالها بثبات لتهتف بعدم إستيعاب :-


+



" ماذا قلت ..؟!"


+



نهض من مكانه يخبرها بصلابة :-


+



" إخرجي من هنا ولا تعودي مجددا ..."


+



" ماذا تقول يا كرم ..؟!"


+



" لا أريد رؤيتك مجددا يا هايدي ..."


+



قالها ببرود لتضحك بخفة :-


+



" أنت جننت حتما ..."


+



ودون مقدمات وجدته يندفع نحوها قابضا على شعرها بكفه يسحبها بكل قوته نحو الباب الذي كان ما زال مفتوحا ...


+



رماها خارج الشقة لتنهض من فوق أرضية المكان تطالعه بعدم تصديق تصرخ به :-


+



" ماذا جرى لك يا هذا ..؟!"


+



صاح بها أخيرا :-


+



" لا أريد رؤية وجهك مجددا يا هايدي ... إذا حاولت القدوم إلى هنا مجددا سأطردك بنفس الطريقة .. إخرجي من حياتي فيكفي ما تسببتِ به حتى الآن .. "


3



ثم أغلق الباب في وجهها تاركا إياها تتابعه بعينين مصدومتين ملأتهما العبرات ...!


1



يتبع في الجزء الثاني من الفصل 


+




                                    

يومان وهو في الحبس ...


+



يومان لم يذق فيهما طعم النوم والخوف ينهشه وضميره يؤنبه دون توقف ...


+



يخشى من سماع خبر يخط نهايته فإن مات الطفل إنتهت حياته كلها ..


+



ليس بسبب السجن فقط بل بسبب ضميره الذي لن يغفر له ذلك أبدا ..


+



ضميره الذي يجلده طوال اليومين السابقين دون رحمة ...


+



ضميره الذي لم يتركه ينام ولو لدقائق بينما الهواجس دمرته كليا ...


+



الآن سيغادر الحبس بشكل مؤقت بعدما تم دفع الكفالة المطلوبة ...


+



من المفترض أن يفرح لكنه لا يستطيع ..


+



لن يجرب طعم الفرح مجددا ما لم يشفَ الصغير ...


+



غادر المكان الذي قضي فيه اليومين السابقين بجانب محاميه ليجد بكر الصواف بنفسه ينتظره في سيارته في تصرف لا يصدر منه سوى لأجله ..


+



والدته تقف بجانب عمه تنتظر قدومه بلهفة وملامح وجهها المنهكة تشي بما عانته طوال اليومين السابقين ...


+



سار بخطواته اتجاههم بينما لم يغب عنه تلك الشماتة الخفية في عيني عمه وزوج والدته في ذات الوقت ..!


+



لكنه على غير العادة لم يأبه به ...


+



لم يكن في وضع يسمح له بأن يهتم بأي شيء ..


+



جل ما يشغل باله الصغير الذي يخشى بشدة من موته ..!


+



الصغير الذي بالكاد علم إنه ما زال حيا لكن وضعه خطير ...!


+



عانقته والدته بلهفة ودموعها تساقطت على وجنتيها بغزارة ...


+



أغمض عينيه المرهقتين بألم تمكن منه ...


+



لوهلة أراد أن يضمها بدوره لكنه لم يستطع فعل ذلك  ...


+



الحاجز الموجود داخله اتجاهها يقف حائلا بينهما محطما كل شيء رافضا وجودها قربه وفي محيطه ...


+



تقابلت عيناه بعيني عمه الباردتين فتمسك بنظراته الثابتة في وجهه مخفيا قدر الإمكان ضعفه وهوان روحه الذي تمكن منه طوال اليومين السابقين ..


+



لم يسمح له بأن يرى هزيمته أبدا ولو كله ذلك روحه ...


+



ابتعدت والدته عنه بعد لحظات تحاوط وجنتيه بكفيها تخبره من بين دموعها :-


+



" كدت أن أموت بسبب قلقي عليك ..."


+



" أنا بخير ..."


+




                  


                

قالها وهو يجاهد ليرسم إبتسامة باهتة فوق شفتيه عندما تحرك نحو جده الذي غادر السيارة حالما وصل إليهم ليعانقه إياس قبلما يقبل كفه بينما يخبره الجد مطمأنا إياه :-


+



" كل شيء سيكون بخير .. لا تقلق .."


+



سأل جده بأنفاس متصاعدة والخوف يتصاعد داخله :-


+



" كيف حال الصبي ..؟! ما زال حيا .. ؟! أليس كذلك ..؟!"


+



وقبلما يجيب الجد جاءه صوت عمه الهادئ بخبث خفي :-


+



" ما زال حيا ولكن وضعه خطير جدا .. ربما يموت في أي لحظة..."


+



صاحت ألفت بنبرة حادة :-


+



" لا تقل هذا .. سيصبح بخير بإذن الله .. "


+



" أقول هذا تحسبا للقادم وكي يكون مستعدا لأي خبر سيء ..."


+



تنهد إياس بتعب ثم قال متجاهلا حديثه :-


+



" يجب أن أذهب إليه حالا ..."


+



" إرتح أولا ..."


+



قالتها والدته وهي تتمسك بكفه برجاء ليهتف بجمود :-


+



" لن أرتاح حتى يشفى تماما ..."


+



وقبلما تتحدث والدته رآها تتقدم بسيارتها قبلما تهبط منها بملامح تائقة و هلعة بذات الوقت ...!


+



***


+



ما إن سمعت بما حدث معه من والدها حتى سارعت تذهب إليه ...


+



لم تفكر للحظة واحدة وهي تغادر القصر سريعا بينما تحادث والدته تعتذر لها عن عدم معرفتها بما حدث إلا في هذه اللحظة خاصة وقد تم التكتم على الخبر بنجاح بينما لم يجد والدها الفرصة لإخبارها بما حدث حتى إستقرت صحة جيلان وغادرت المشفى ...!


+



وهاهي دون تفكير أتت إليه غير مبالية بما حدث سابقا فهي ستقف جانبه في مصابه وتدعمه ريثما تستقر الأمور ويعود كل شيء لنصابه السابق ...!


+



" إياس ..."


+



قالتها بنبرة متلهفة وهي تتطلع لملامحه التي فقدت الحياة فبدت باهتة كئيبة بشكل غير مسبوق ...


+



لحيته التي نمت قليلا وعينيه الغائرتين ووجهه الشاحب ...


+



طالعا بعينيه بلهفة ما إن سمع صوتها ينادي بإسمه ...


+



طوقته لوهلة بعينيها تطمئن عليه بينما  تقدم هو خطوتين اتجاهها قبلما يتوقف يطالعها بنفس اللهفة المدججة بالخيبة والآلم .. 


+




        


          


                

لهفته الصادقة في عينيه جعلتها تسارع بالتقدم نحوه بخطوات راكضة لتعانقه دون أدنى تردد ...


+



سارع يحيطها بذراعيه بينما يغمض عينيه متمسكا بها وعبقها المختلف يمنحه سلاما يحتاجه بشدة ...


+



قربها يخفف من وطأة خوفه وغضبه من نفسه قبل أي شخص آخر ...


+



كان يعلم إنها ستأتي أو ربما كان يتمنى ذلك ...


+



لا الفرق ...


+



ما يهم إنها هنا ...


+



ما يهم إنها شعرت بمدى حاجته لوجودها ...!


+



هو الذي لم يكن يريد سواها ...!


+



كان يحتاج قربها هذا ...!


+



كان يحتاجها ...!


+



ابتعدت قليلا عنه تتأمله مجددا بينما ذراعيه ما زالتا تحاوطانها...


+



ود لو عانقها مجددا ...


+



قربها جل ما يريده ...


+



كانت تتأمله بعينين تكبتان عبراتها بصعوبة بينما همست بصوت خافت مرتجف :-


+



" أنت بخير ، أليس كذلك ...؟!"


+



أغمض عينيه لوهلة يأخذ نفسا عميقا قبلما يفتحهما مجددا فيهمس بنفس الخفوت :-


+



" لا أعلم ، ما أعلمه إنني لن أسامح نفسي أبدا ما لم ينجو الصغير سالما من هذا الحادث ...!"


+



وداخله كان يود لو يخبرها إنه تحسن بالفعل وبات أفضل عما سبق بقدومها لكن كبريائه وقف حاجزا بينه وبين رغبته بالبوح بذلك ...


+



" سيصبح بخير ..."


+



قالتها بيقين ليسألها بآمل :-


+



" هل تعتقدين ذلك ..؟!"


+



" توكل على الله ... ولا تيأس أبدا ..."


+



قالتها بثبات تسلحت به رغم قلقها قبلما تتحرك نحو والدته التي عانقتها سريعا وهي تهمس لها بإمتنان :-


+



" شكرا ..."


+



ابتعدت عنها توليب وهي تبتسم بصمت ثم سارعت تحيي الجد والعم وكذلك المحامي الذي تحرك بعدها مستئذنا مغادرا بينما سأل الجد :-


+



" هل ما زلت مصرا على الذهاب إلى المشفى أولا ..؟! يمكنك أن ترتاح قليلا قبل الذهاب إلى هناك ..."


+



" إتركوني على راحتي من فضلكم ..."


+



قالها بتعب لتقول توليب سريعا :-


+




        

          


                

" أنا سأذهب معه ..."


+



" لا داعي لذلك ..."


+



قالها بوجوم لتهتف بإصرار وهي تقبض على كفه :-


+



" بل سأذهب .. فأنا أريد الإطمئنان عليه كذلك .."


+



هتف عمه بملل :-


+



" لنذهب نحن إذا طالما خطيبته ستكون معه ..."


+



ابتسمت توليب لوالدته تخبرها بجدية :-


+



" سنذهب ونطمئن على الصغير ثم نعود إلى القصر بعدها ..."


+



" سأتصل بالسائق إذا ..."


+



قالتها ألفت وهي تهم بفتح حقيبتها لتقاطعها توليب سريعا دون أن يغب عنها جمود إياس المريب :-


+



" سنذهب بسيارتي ... "


+



اومأت ألفت برأسها متفهمة بينما منحتها توليب نظرة تطمئنها من خلالها لتتحرك ألفت داخل السيارة جالسة في المقعد الخلفي بجانب حماها بينما جلس زوجها في المقعد الأمامي بجانب السائق ليراقب إياس رحيلهم بملامح جامدة كليا قبلما يخبرها بهدوء :-


+



" لستِ مضطرة أن تذهبي معي يا توليب ..."


+



هتفت بجدية :-


+



" من قال إني مضطرة ..؟! أنا فقط أريد أن أكون معك وجانبك ..."


+



ثم أشارت بعينيها نحو السيارة :-


+



" هيا بنا ..."


+



تحركا سويا لتخبره مبتسمة :-


+



" إسمح لي بالقيادة فأنت مرهق للغاية ولا يمكن أن تقود في وضعك هذا .."


+



" معك حق ..."


+



قالها بإستسلام بدا غريبا عليه عندما جلس هو على الكرسي الأمامي وأخذت هي موقعها في كرسي السائق ثم شغلت سيارتها وأدارت مقودها متجهة إلى المشفى التي يرقد بها الصغير ...!


+



***


+



دلفا إلى المشفى سويا تمسك هي يده بحرص وتشعر بخوفه ورهبته مما ينتظره مهما حاول إخفاء ذلك ...


+



دلفا إلى المصعد سويا متجهين إلى الطابق الذي يوجد به الصغير بعدما عرفا رقم الطابق من أحد موظفين الإستعلامات ...


+



غادرا المصعد متجهين إلى مكان غرفة العناية المشددة حيث يرقد الصغير عندما توقف لوهلة على مسافة بعيدة قليلا بخشية تضاعف داخلة بقوة ..


+



شعر بكفها يضغط فوق كفه بينما تهمس له بنبرة داعمة :-


+



" هيا يا إياس ..."


+




        

          


                

تنهد بصمت ثم تحرك بخطوات مترددة عندما شعر الأب بهما فإنتفض من مكانه يهتف بنبرة حادة :-


+



" أفرجوا عنك إذا ..."


+



" مؤقتا وأتيت سريعا للإطمئنان عليه ..."


+



إندفع الأب يصرخ به بينما زوجته تتمسك به بخوف :-


+



" إبني سيموت بسببك ... "


+



" سأفعل المستحيل كي ينجو ..."


+



قالها إياس بأنفاس متصاعدة بينما إسترسل الأب بإنفعال ورؤية من تسبب بهذا الحادث لولده أججت مشاعر الغضب والخوف داخله :-


+



" ليكن بعلمك أنا لن أتنازل عن حق والدي .. إذا لم ينجُ ولدي سالما من هذا الحادث فنهايتك ستكون على يدي ..."


+



" سينجو بإذن الله ... نحن هنا فقط لنطمئن عليه .. إياس رفض حتى أن يعود إلى المنزل أولا قبلما يطمئن عليه ..."


+



قالها توليب بجدية ليعقب الأب ساخرا :-


+



" بل ليطمئن على نفسه فنجاة ولدي تعني نجاته والعكس صحيح ..."


+



أضاف بحدة :-


+



" ولكن قسما بربي لن تهمني لا أموالك ولا مكانتك إذا لم ينجُ ولدي ويعود لي سالما ..."


+



" وأنا أريد ذلك بشدة ..."


+



قالها إياس بنبرة متحشرجة وهو يضيف بصدق :-


+



" فأنا لن أسامح نفسي أبدا ما لم ينجُ بخير ..."


+



عادت الأم تجلس فوق أحد الكراسي مجددا تبكي بصمت عاجزة حتى عن التفوه بكلمة واحدة لتتقدم نحوها توليب سريعا وتجلس جانبها تحادثها وتحاول التهوين عليها بينما إختنقت أنفاس إياس داخل صدره وهو يرى دمار والديّ الطفل بعينيه فيهمس للرجل بنبرة يائسة :-


+



" أنا حقا لا أعرف ماذا أقول ... أنا آسف .. آسف حقا ..."


+



" لا تقل شيئا .. فقط عليك أن تعرف بأن عودتك إلى السجن قريبة جدا ... فأنا لن أتنازل عن حق ولدي مهما حدث ..."


+



" صدقتي لا يهمني الآن سوى سلامة ولدك ..."


+



وهو كان صادقا هذه المرة ففي هذه اللحظة هو لا يريد شيئا سوى نجاة الصبي وتحرره هو من ذنب رحيله الذي لن يغفره لنفسه مهما حدث ...!


+



اتجه بعدها نحو غرفة العناية يتأمل الصبي الصغير وهو محاط بالأجهزة من جميع النواحي فيتمزق قلبه آلما ويلعن نفسه مرارا  متمنيا لو كان هو بداله ...!


+




        

          


                

شعر بكفها تربت فوق كتفه بينما تخبره بخفوت حاني :-


+



" هون على نفسك .. والدته تقول إذا مرت الليلة بسلام فسوف يتجاوز مرحلة الخطر ..."


+



"يا رب ..."


+



قالها برجاء خافت لتهمس بجدية :-


+



" فقط تمسك بالدعاء ولا تيأس ..."


+



" لن أغفر لنفسي هذا الذنب أبدا .. سأعيش حياتي بأكملها مقيدا بذنب رحيله يا توليب .. سأفعل أي شيء كي يعيش .. فقط ليعيش ولا أريد شيئا آخر .."


+



طالعته بقهر ولأول مرة ترى جانبا مختلفا منه ...


+



كان يمتلك ضميرا حيا ...


+



ضميرا لا يفكر سوى بنجاة الطفل سالما وليحدث ما يحدث بعدها فجل ما يريده راحة ضميره ...


+



" كما أخبرتك قبل قليل .. توكل على الله وحاشاه أن يخذلك ..."


+



عاد يكرر مجددا بتوسل :-


+



" يارب يارب ..."


+



أراد بعدها أن يبقى أكثر لكن توليب أصرت عليه أن يغادران فوجودهما غير مرحب به من جانب الأب ...


+



كان يريد ألا يرحل حتى يطمئن عليه لكنه خضع لحديثها وغادر معها عائدا إلى القصر حيث وجد والدته وجده في إنتظاره ...


+



استقبلته والدته تعانقه مجددا بينما تخبره :-


+



" المحامي لديه أخبار جيدة ..."


+



أكمل الجد نيابة عنها :-


+



" حسب ما تبين فإن الحادث لم يكن خطأك يا إياس ... الصبي هرب من يد والدته وعبر إلى الشارع العام و ..."


+



صاح إياس بعدم تصديق :-


+



" مالذي تريد الوصول إليه يا جدي ...؟! هل ما تقوله سيلغي ذنبي في حقه ..؟! هل هذا يعني إنني لست مذنبا ولم أتحمل ذنب موته لا سامح الله ..؟!" 


+



اندفع الجد يهتف بثبات :-


+



" لا يمكن أن تلقي الذنب كاملا على كاهلك بينما الخطأ كان نتيجة إندفاع الطفل وإهمال والدته .."


+



" أنا من صدمته بسيارتي ..."


+



قالها إياس بذات الإنفعال وهو يضيف :-


+



" لا يهمني ما حدث قبل ذلك .. ما أعلمه إنني من صدمته وتسببت له بكل هذا ... "


+



أخذ نفسا عميقا ثم قال :-


+



" إسمعني يا جدي ... إياك أن تتصرف بأي شيء دون الرجوع إلي ..."


+




        

          


                

" أنا أتحدث بموجب القانون يا باشا .."


+



قالها بكر بصلابة ليهتف إياس ضاحكا بسخرية مريرة :-


+



" حتى لو برئني القانون فأنا لن أبرأ نفسي ما لم ينجو الطفل من هذه الحادثة سالما ..."


+



أضافت بتحذير :-


+



" وإياك يا جدي أن تقدم على أي خطوة دون علمي ... والأهم إنني لن أتحرك خطوة واحدة حتى أطمئن عليه ..."


+



" وماذا لو لم يتحسن خلال يومين ...؟! هل سنبقى مكاننا حتى تسجن لأعوام ..؟!" "حينها لن يكون هناك فرق فبكل الأحوال سأبقى مسجونا بسبب جرمي في حقه ...."


+



قالها بنبرة مشحونة قبلما يتحرك متجها إلى إلأعلى تلحقه توليب وهي تنادي عليه بينما بقيت ألفت مكانها تراقبه بعينين دامعين عندما قال الجد وهو يجلس فوق كرسيه بتعب :-


+



" إبنك جن تماما يا ألفت .. يتصرف بطريقة حمقاء ... بدلا من التفكير في حل لهذه المصيبة و ..."


+



قاطعته ألفت بآلم :-


+



" إبني يتصرف للمرة الأولى على فطرته يا عمي ..."


+



وجمت ملامح بكر بينما تضيف وعبراتها تشق طريقها فوق وجنتيها :-


+



" يتحرر من قناع التكبر واللا مبالاة الذي إرتداه لأعوام دون أن يعي ويتصرف على سجيته وطبيعته السابقة ..."


+



" توقفي عن هذا الهراء ..."


+



قالها بكر منفعلا وهو يضيف :-


+



" حياة ولدك في خطر ..."


+



" ومنذ متى لم تكن حياته في خطر يا عمي ..؟!"


+



سألته ألفت ببرود وهي تضيف :-


+



" من الأفضل أن تحرص بشكل جدي على حماية حياة الصغير فهناك من يترصد لإياس وربما سيسعى لإنهاء حياة الطفل المسكين كي ينتقم منه فهذا الحادث فرصة جيدة للتخلص منه ... فرصة لن يفوتها ولدك المبجل بسهولة ..."


+



تجاهلت سخط ملامحه وهي تتحرك مغادرة المكان تاركة إياه يفكر في حديثها رغما عنه وداخله يرفض تصديق أن يؤذي عارف إبن شقيقه ...!


+



***


+



جلست جانبه تخبره بنبرة رقيقة :-


+



" لا تغضب يا إياس .. جدك يخشى عليك ..."


+



" جدي لا يشعر بي .. لا يتفهم ما أشعر به حاليا ... يعتقد إن مشكلتي في السجن فقط ..."


+



أضاف ساخرا :-


+



" يبحث عن طريقة يحميني به من السجن ولا يبالي بحياة طفل على المحك وعائلة كاملة ستتحطم لو مات هذا الطفل ... بسببي ..."


+




        

          


                

" بالطبع الآمر ليس كذلك ..."


+



قالتها تحاول التهوين عليه ليهتف رافضا الخوض في جدال لا يمتلك رغبة فيه :-


+



" هذا ليس مهما بكل الأحوال ..."


+



أضاف وهو ينهض من مكانه :-


+



" أحتاج إلى حمام طويل ..."


+



نهضت بدورها تخبره :-


+



" وأنا سأطلب تجهيز الطعام لك ..."


+



" لا رغبة لدي ... لا داعي أن تتعبي نفسك ..."


+



" لا يمكن يا إياس .. يجب أن تتناول شيئا ..."


+



هم بالرفض لتسارع تقبض على كفه ترجوه بعينيها :-


+



" لا تعاند من فضلك .."


+



تنهد مرغما :-


+



" حسنا .. كما تريدين ..."


+



ابتسمت بعذوبة :-


+



" إذهب وخذ حمامك بينما سأجهز الطعام بنفسي لك ..."


+



تابعها وهي تغادر الجناح بعينيه ليتنهد بصوت مسموع مفكرا إن وجودها حوله يخفف عنه الكثير ...!


+



***


+



وقفت توليب بجانب سلوى  التي سارعت تسخن الطعام الذي يحبه والذي أعدته مبكرا بعدما أخبرتها ألفت بخروجه اليوم ...


+



" هل تحتاجين إلى مساعدة ..؟!"


+



سألتها توليب بهدوء لتهتف المرآة سريعا :-


+



" أشكرك يا هانم ... إذهبي أنتِ وإرتاحي ونحن هنا سنجهز كل شيء ..."


+



ابتسمت توليب بعفوية للخادمات الشابات اللواتي يراقبنها بحذر قبلما تخبر سلوى بجدية  :-


+



" أنت مربية إياس التي تعتبرينه بمثابة ابن لك وتتعاملين معه على هذا الأساس لذا لا داعي لإستخدام كلمة هانم .. ناديني توليب فقط كما تناديه ..."


+



تنهدت سلوى قبلما تلتفت نحوها تخبره مبتسمة بحنو :-


+



" العين لا تعلو عن الحاجب يا إبنتي ..."


+



قالت توليب سريعا :-


+



" ها أنتِ قلتها بنفسك .. إبنتي ... أنا بمثابة إبنتك أم لا تريدين ذلك ..."


+



" العفو يا هانم .."


+



قالتها سلوى بسرعة لتهتف توليب وهي تمسك كفها :-


+




        

          


                

" توقفي عن كلمة هانم فأنا لا أحبها .."


+



تنهدت سلوى ثم قالت :-


+



" أنت لطيفة للغاية كما خمنت عندما رأيتك في المرات القليلة السابقة ..."


+



ابتسمت توليب ثم شكرتها برقة عندما أضافت سلوى بتردد :-


+



" دائماً ما كنت أدعو له بفتاة جميلة ولطيفة مثلك ... إياس يحتاج لإمرأة تخفف من حدة عالمه وقسوته ..."


+



" منذ متى وأنت مربيته ...؟! منذ ولادته ..؟!"


+



سألتها توليب بإهتمام لتخبرها سلوى بجدية :-


+



" كلا ، أتيت إلى هنا عندما كان في الخامسة من عمره ..وثقت بي ألفت هانم فأصبحت الوحيدة التي تأتمنها عليه وتدريجيا توطدت علاقتنا ... إياس هو إبني الذي لم أنجبه ..."


+



" هذا رائع ..."


+



قالتها توليب بصدق مضيفة :-


+



" صحيح إياس لم يحدثني عنك كثيرا لكن في المرات القليلة التي تحدث بها عنك جعلني أفهم مدى أهميتك بالنسبة له ومدى مكانتك عنده .."


+



ربتت سلوى على كفها وهي تخبره برجاء :-


+



" فقط لتمر هذه الأزمة على خير ويتجاوزها إياس سالما ..."


+



أضافت بحزن :-


+



" ما حدث ليس سهلا بالنسبة له ... "


+



" هو حزين للغاية وضميره يؤنبه كثيرا ..."


+



قالتها توليب بخفوت لتبتسم سلوى بآسف :-


+



" لن يرتاح حتى تستقر حالة الطفل المسكين .. "


+



" سوف تستقر بإذن الله ..."


+



قالتها توليب بتمني بينما قالت سلوى وهي تتحرك نحو الطاولة :-


+



" سأصب الطعام له ... "


+



تحركت توليب جانبها مصرة على مساعدتها وقد شعرت بالألفة سريعا مع تلك المرأة اللطيفة المحبة ..!


+



***


+



دلفت إلى الداخل وهي تحمل الصينية بعدما فتحت الخادمة لها الباب ورحلت ...


+



ما إن تقدمت إلى الداخل خطوتين حتى شهقت لا إراديا وهي تراه يقف قبالها بجسده الذي لا يستره سوى منشفة ...!


+



ابتسم مرغما رغم تعبه بينما إستدارت هي توليه ظهرها ليخبرها بخفة :-


+



" دقيقة ..."


+




        

          


                

ثم جذب الملابس البيتية الموضوعة فوق السرير ودلف إلى الحمام مجددا لتتنهد براحة قبلما تستدير متجهة نحو الكنبة تضع الطعام فوق الطاولة المقابلة لها ثم تتحرك مغلقة باب الجناح وعائدة  تأخذ مكانها فوق الكنبة بوجنتين متوردتين ...


+



غادر الحمام بعد لحظات ليبتسم بخفة وهو يلاحظ تورد وجنتيها بينما أخبرته هي بتلكؤ :-


+



" الخالة سلوى جهزت هذا الطعام لك منذ الصباح الباكر .."


+



" الخالة سلوى ...!"


+



قالها بإستغراب لتخبره بخجل :-


+



" ألم تخبرني مسبقا إنها بمثابة والدتك ... ؟! لذا سأناديها خالة سلوى ..."


+



" عظيم ..."


+



قالها بجدية بينما تأمل هو الطعام بلا شهية لتهتف بسرعة وهي تسحب الملعقة وتضعها في كفه :-


+



" تناول الطعام يا إياس حتى لو كانت شهيتك معدومة ... أرجوك ..."


+



تنهد مستسلما قبلما يرغم نفسه على تناول الطعام ...


+



بالكاد تناول القليل قبلما يخبرها عن رغبته باللجوء للنوم فتفهمت ذلك وأخبرته إنها ستذهب وتطمئن على والدته ثم تغادر بعدها وتعود مساءا ليكون إستيقظ حينها ...


+



ما إن غادرت جناحه وجدت رأفت في وجهها الذي إبتسم بخفة يسأل :-


+



" كيف حال إبن العم ..؟!"


+



" بخير ..."


+



شمخت برأسها وهمت بالتحرك عندما وجدته يقبض على ذراعها بكفه يخبرها بثبات :-


+



" من الأفضل أن تنفصلي عنه فمجرم وخريج  سجون  مثله لن يليق بك ..."


+



إحتدت ملامحها بشكل غير متوقع  بينما نزعت ذراعها من قبضته وهي تصيح به محذرة :-


+



" إياك أن تكررها مجددا وتلمسني دون إذني ، هل فهمت ...؟!"


+



أضافت بنبرة تهديد وعيناها تلمعان بوعيد :-


+



" وإياك أن تتحدث عن زوجي بهذه الطريقة ...أنا لا أسمح بذلك ..."


+



" زوجك ...!!"


+



رددها بتهكم لتهز رأسها وهي تخبره بثبات :-


+



" نعم زوجي ... "


+



أضافت ببرود متعمد :-


+



" والآن عن إذنك ... سأطمئن على حماتي قبل رحيلي ..."


+




        

          


                

" ستندمين يا توليب .. ستندمين كثيرا .."


+



قالها بجدية لتجابهه بصلابة لم يكن يعلم إنها تمتلكها :-


+



" وأنت ستندم كثيرا إذا كررت أفعالك السخيفة هذه وتجاوزت حدودك معي ..."


+



تحركت بعدها تغادر المكان متجهة إلى حماتها تاركة إياه يتابعها بملامح جامدة وحقده يتنامى بعدما رأى دفاعها الشديد عنه ...


+



***


+



دلفت إلى الجناح مجددا لتطمئن عليه قبلما تغادر بعدما قضت القليل من الوقت مع حماتها ..


+



تحركت إلى الداخل بحذر قبلما تتوقف قربه فتلاحظ توتر ملامح وجهه وهمسه الخافت ..


+



كان جسده يتصبب عرقه ويرتجف تماما بينما صوته يهمس بخوف ورجاء :-


+



" لا تمت . أرجوك .. لا تذهب .. "


+



يكرر كلماته بهذيان جعلها تسارع وتجلس قربه تهز كتفه بحذر وهي تنادي عليه ...


+



لحظات وإنتفض من نومه بأنفاس لاهثة وعينين حمراوين لتهتف بسرعة وهي تحاوط وجهه بكفيها:-


+



" لا تقلق .. مجرد كابوس ... كل شيء بخير ..."


+



أغمض عينيه مرددا بإنهاك :-


+



" أنا متعب .. متعب كثيرا ..."


+



فتح عينيه بعدها فرأى عينيها تطالعانه بقلق مدموج بعاطفة صادقة ..


+



رأى الحب في عينيها ..


+



رأى الخوف عليه والقلق لأجله ...


+



ودون مقدمات سارع يعانقها ينال من تلك العاطفة التي يحتاجها الآن أكثر من أي وقت ..


+



ينال دفئها وحنوها ورعايتها ...


+



أغمض عينيه قبلما يطلق تنهيدة مرتاحة ووجودها بين ذراعيه يمنحه الآمان ..


+



" أنا معك ... كل شيء سيكون بخير .. لا تقلق ..."


+



همسهما الرقيق يهون عليه حاله بشكل عجيب ...


+



نبرتها الدافئة تمحنه سلاما وطمأنينة لم يشعر بها منذ أعوام ...


+



إبتعد عنها قليلا يتأمل ملامحها الرقيقة بتشبث ..


+



كان يتشبث بها وبقربها منه ...


+



بعفوية مال نحوها يتنفس عطرها الناعم وقربها يمنح روحه الثائرة بمخاوف لا نهاية لها هدوءا تحتاجه ...


+




        

          


                

وفي تلك اللحظة أدرك الحقيقة المرّة ...!


+



هو رغما عنه أحبها ...


+



تعلق قلبه بها وهذا ما لم يكن يريده أبدا ...!


+



***

منذ عودتهما وهي تحتضن صغارها وتتحدث معهم بلهفة بينما يجلس هو بجانب والده يراقبهم مبتسما قبلما يعاود تبادل الحديث معه بخصوص جيلان وما أصابها أثناء فترة سفرهما ...


+



أشار بعدها إلى زوجته :-


+



" هل نذهب ونطمئن على جيلان ...؟!"


+



" نعم لنذهب ..."


+



قالتها وهي تنهض من مكانها بعدما وضعت إبراهيم بين أحضان جدته بينما صاح نزار معترضا :-


+



" نريد الهدايا ..."


+



قال راغب وهو يعبث بشعره :-


+



" لقد جلبنا الكثير من الهدايا لكم ... ستجدونها في حقيبة خاصة موضوعة في جناحكم ..."


+



قالت همسة بتحذير :-


+



" سنفتحها سويا ... حسنا ..." 


+



برم نزار شفتيه مرددا بضيق :-


+



" أريد رؤية الهدايا حالا ..."


+



بينما أخبره سيف بوجوم :-


+



" ستراها يا نزار .. لن تطير الهدايا .. إطمئن ..."


+



عبست ملامح الصغير بينما تراقبهما جدتهما بحنو وهي تحمل شقيقهما الأصغر قبلما تشير إلى عابد بعينيها :-


+



" سيف نسخة أبيه ..."


+



ابتسم عابد يوافقها الرأي وهو يضيف :-


+



" عكس نزار تماما ... "


+



لحظات ووجدا هالة تدلف إلى الداخل لتنهض زهرة سريعا تعانقها بمحبة فتبادلها هالة عناقها بلهفة شعرت بها زهرة التي سألتها وهي تنظر إليها بحذر :-


+



" هل أنت بخير يا هالة ..؟!"


+



إبتسمت هالة مرغمة وهي تومأ برأسها قبلما تتجه نحو عابد تعانقه ليقابلها بلطفه المعتاد ثم تتناول الصغير إبراهيم وتقبله بحنو قبلما تتجه به نحو شقيقيه  اللذين استقبلناها بسعادة فتجلس بينهما تتبادل الأحاديث والضحكات معهما وهذا الجو العائلي إفتقدته بشدة خلال الفترة السابقة لكنها ستعود إليه مجددا ...


+



***


+



عادا كلا من راغب وهمسة إليهم لتتقدم همسة بسعادة نحو شقيقتها التي عانقتها بشوق جارف هي الأخرى وحاجتها لوجودها جانبها بلغت ذروتها ...


+




        

          


                

تمسكت هالة بشقيقتها بشكل آثار ريبة الأخيرة وشكوك راغب الذي تأكد من حدسه بوجود خطب ما ...


+



أبعدتها همسة قليلا من بين أحضانها تسألها برفق :-


+



" ماذا حدث يا هالة ..؟! لا تبدين بخير ..."


+



ثواني قليلة وملأت الدموع عيني هالة قبلما تنفجر في بكاء مرير فوق صدر شقيقتها التي تجمدت لوهلة غير مستوعبة ردة فعلها قبلما تسارع تعانقها و تحتويها بين ذراعيها ..


+



***


+



" إهدئي حبيبتي .. إهدئي أرجوك ..."


+



قالتها همسة وهي تربت فوق ظهر شقيقتها التي تبكي بين أحضانها ...


+



خالتها تجلس جانبها تتابعها بقهر بينما راغب يقف أمامهما بملامح جامدة رغم القلق الذي ينهشه عليها ...


+



عابد يتابع ما يحدث بقلة حيلة والصغار يتابعون نحيبها بحزن عندما إبتعدت هالة من بين أحضان شقيقتها أخيرا وهي تمسح عبراتها بأناملها سريعا ..


+



أتى سيف يحمل الماء البارد لها لتتناوله منه وهي تبتسم له بصعوبة قبلما ترتشف القليل من المياه الباردة ثم تقول بخفوت :-


+



" أنا آسفة ..."


+



" ما مناسبة الإعتذار الآن ..؟!"


+



قالها راغب بجدية بينما هتفت زهرة وهي تربت فوق كتفها :-


+



" فقط أخبرينا مالذي حدث ..؟!"


+



نقلت هالة بصرها بين شقيقتها وراغب قبلما تهمس بآلم :-


+



" تطلقت ... "


+



حل الصمت عليهم بينما عادت هي تبكي بين أحضان شقيقتها ...


+



تنهد راغب بعدها وهو يسير نحو والدته لتفسح له مجالا ليجلس جانبها ويتحدث معها بينما جذبت زهرة الصغار ترحل بهم يتبعها زوجها الذي ربت على كتفها يخبرها بحنو :-


+



" لا بأس يا إبنتي .. كل شيء سيمر .. "


+



عادت تكفكف دموعها بينما تجلس بين شقيقتها وراغب الذي سألها بحرص :-


+



" ماذا حدث بالضبط يا هالة ..؟!"


+



أجابت بصوت مرتجف :-


+



"لا يريدني ..."


+



" ماذا يعني لا يريدك ..؟! ماذا حدث فجأة ..؟!"


+



سألتها همسة بإنفعال تمكن منها ليهتف راغب بتنبيه :-


+



" على مهلك يا همسة ..."


+




        

          


                

أضاف بجدية :-


+



" إهدئي يا هالة أولا ولنفهم بعدها مالذي حدث ...!!"


+



قالت هالة :-


+



" انتهى يا راغب .. تطلقنا منذ أيام وأنا لم أخبر أحدا ... إنتظرت عودتكما ..."


+



" هل عودتكما مستحيلة ..؟!"


+



سألها بتروي لتنظر نحوه بعينين منكسرتين جعلت غضبه يتصاعد بينما تخبره هي بخفوت :-


+



" إنتهينا ... لا رجعة لنا ..."


+



قبض على كتفها يسألها بحرص :-


+



" هل أذاكِ ...؟!"


+



توترت ملامحها لوهلة قبلما تهمس :-


+



" كلا ، هو فقط لم يعد يريدني ..."


+



أضافت بصعوبة :-


+



" وأنا كذلك لم أعد أريده ... "


+



" إذا فعل أي شيء لك ..."


+



قاطعته بسرعة :-


+



" كلا ، لم يفعل أي شيء ..."


+



أخذت نفسا عميقا ثم بررت له :-


+



" الحادث وتلك الإعاقة دمرته كليا .. بات لا يريد أي أحد حتى عائلته ..."


+



تراكمت الدموع داخل عينيها مضيفة :-


+



" حاولت أن أصلح بيننا دون فائدة .. "


+



طالعها راغب بشك قبلما يهتف بجدية :-


+



" لا بأس ... هو الخاسر ..."


+



أضاف وهو يحاوط كتفيها بكفيه يضغط عليهما بدعم :-


+



" لا تحزني ... كانت تجربة وإنتهت ..."


+



أضاف بجدية :-


+



" وأنا سأتحدث مع المحامي بشأن بقية الأمور .."


+



قالت سريعا :-


+



" لا داعي لذلك ... أنا تصرفت وتحدثت مع محامي لتوثيق الطلاق رسميا .. "


+



أضافت بحذر :-


+



" تنازلت عن جميع حقوقي ..."


+



نظر راغب إلى زوجته بملامحها التي إنطفئت كليا ليتنهد مرددا رغم عدم إقتناعه بما يحدث :-


+



" كما تريدين .. "


+



أضاف بجدية :-


+



" ما رأيك أن ترتاحي في جناحك قليلا قبل المساء ..؟!" 


+



تمتمت بخفوت :-


+




        

          


                

" أحتاج ذلك كثيرا ..."


+



ثم نهضت من مكانها وتحركت مغادرة المكان تتبعها شقيقتها بعينيها اللتين تشكلت الدموع فيهما لتجده يقبض على كفها وهو يهمس إسمها بخفوت فتنظر له بعينيها الدامعتين قبلما تحط برأسها فوق صدره تبكي بحزن على حال شقيقتها التي تطلقت بعد مدة قصيرة للغاية من زواجها ..!


+



***


+



غادر سيارته متجها إلى داخل المزرعة التي تمكث بها جدته للقاء العروس المرشحة من طرفها ...


+



إستقبلته الخادمة مرحبة به وهي تخبره بوجود الجميع في صالة الجلوس وعلى رأسهم والديه وشقيقته ...


+



إبتسم بسخرية وهو يتحرك إلى الداخل مفكرا إن والدته أتت بالطبع فهذه العروس راقتها قبلما تراها حتى بل وتشكل داخلها آملا بشأنها خاصة بعدما وافق على التعرف عليها ...!


+



" مساء الخير ..."


+



قالها وهو يتقدم إلى الداخل لتهتف الجدة بحماس :-


+



" ها قد وصل آثير أخيرا ..."


+



سارع ينحني نحوها يقبل كفها بإحترام قبلما ينتصب في وقفته فتتجمد ملامحه لوهلة وهو يراها مجددا أمامه بينما تطالعه هي بثبات لا يخلو من البرود ...


+



عرفها على الفور بينما على ما يبدو هي تعرف بوجوده بشكل مسبق ...


+



كانت ذات وجه فاتن مميز يصعب نسيانه ...


+



كانت هي نفسها الفاتنة التي رآها في الطائرة ..


+



نارا عمران ... 


1



***


+



إتجه نحو سيادة السفير محمد عمران الذي رحب به بحرارة قبلما يتجه نحو والدتها نجلاء هانم التي رحبت به بدورها ولم يغب عنه الشبه الواضح بينها وبين ابنتها ..


+



وأخيرا جاء دورها لترفع عينيها الباردتين نحوه قبلما تنهض من مكانها ببطأ ليمد كفه نحوها فتضع كفها داخله وهي ترد تحيته بإقتضاب  :-


+



" أهلا بك ..."


+



" نارا إبنة سيادة السفير محمد باشا عمران ... هي الأخرى تعمل في الخارجية يا أثير ..."


+



قالتها الجدة فريدة بحماس عندما إتخذ أثير مكانه بجانب جدته ليتفاجئ بها تخبرهم بهدوء :-


+



" إلتقينا منذ مدة قصيرة ..."


+



" حقا ..؟! أين ..؟!"


+



سألت زمرد بإهتمام بينما أجابت نارا بإبتسامة باردة :-


+



" في السفارة السويسرية ... كان لدي عمل هناك ..."


+




        

          


                

تطلعت زمرد نحو أثير بسعادة لاحظها  هو بسرعة بينما كان حاتم يبتسم بدبلوماسية وداخله غير راضيا عما يحدث فولده ما زال غير مستعدا لدخول علاقة جديدة وإن كانت الفتاة مختلفة كليا وملفتة بشكل خاص ولكن هذا من وجهة نظره ليس كافيا ...


+



إستمرت الأحاديث المعتادة بينهم قبلما ينهضهوا بعدها لتناول العشاء الذي إختارت الجدة أن يكون في الحديقة الخارجية الواسعة المطلة على غابات تمتد إلى ما لا نهاية ...


+



أخذ كلا مكانه وقد إختارت الجدة مقعدا له مقابلا لمقعدها ...


+



تبادل الأحاديث مع والدها بلباقة وإندمجت والدته مع والدتها بينما تتابع سولاف ما يحدث بملل وإن راقتها العروس المرشحة قليلا بينما هي تتابع ما يحدث ببرود وبالكاد تمنح أجوبة مقتضبة عندما يتم سؤالها عن شيء ما ...


+



مر العشاء سلسا على الجميع عداها هي عندما وجد أثير نفسه مرغما على مرافقتها إلى إسطبل الأحصنة بأمر من الجدة ..!


+



***



+



كان يسير جانبها متجها إلى الإسطبل عندما وجدها تهتف بإستخفاف :-


+



" لم أكن أتوقع أبدا أن يلجأ شاب مثلك لهذا النوع من الزيجات ...!!"


+



توقف مكانه قبلما يستدير نحوها مرددا بدهشة لحظية :-


+



" عفوا ...!"


+



" عروس تأتي بها جدتك أو والدتك لتقيمها وتدلي رأيك بها ..."


+



أوقفها بجدية :-


+



" إنتظري لحظة ... من قال ذلك ..؟!"


+



" لا تقل لي إنك لا تدرك سبب وجودي هنا ...؟!"


+



سألته بسخرية باردة ليرفع حاجبه يسألها بدوره :-


+



" وماذا عنكِ ..؟! هل وجودك هنا يعني إنك لا تمانعين الزواج بهذه الطريقة ..؟!"


+



" بالطبع لا .."


+



هتفت بها سريعا وهي تضيف بعنفوان :-


+



" أنا فقط أتيت هنا لأجل والدتي ..."


+



" مجبرة يعني ...؟!!"


+



قالها بخفة لتهتف معترضة :-


+



" لست مجبرة .. كان يمكنني عدم المجيء ولكنني أسايرهم فقط ..."


+



" المسايرة تجدي نفعا أحيانا ..."


+



قالها بخفة لترفع حاجبها تخبره ببرود :-


+



" نعم ، خاصة إذا كان القرار قراري في النهاية .. ما المانع إن سايرتهم قليلا طالما سيحدث ما أريده في النهاية ...؟!"


+



" معك حق ... وأنا كذلك لا أمانع المسايرة .. طالما القرار قراري ..."


+



أضاف وهو يسير جانبها مجددا :-


+



" تفكيرك سياسي حقا ..."


+



ضحكت بمرونة وهي تخبره :-


+



" ذلك مطلوب للنجاح في مهنتي مستقبلا ..."


+



دلفا بعدها إلى الإسطبل لتهتف بحماس :-


+



" أحب الخيول كثيرا ..."


+



أضافت وهي تتقدم نحو أحد الخيول الذي كان ذو لون أسود جذاب فأخبرها مبتسما والحصان يصهل بقوة حالما رآه :-


+



" إنه حصاني المفضل ..."


+



" إنه رائع ..."


+



قالتها وهي تبتسم للفرس بطريقة فاجئته ...


+



إبتسامتها منحتها فتنة مضاعفة ...


2



هي أساسا فاتنة بشكل غير معقول ...


+



لا يتذكر إنه رأى أنثى بمثل فتنتها من قبل ..!!


+



يكاد يقسم إنها أجمل فتاة رآتها عيناه ...


+



تنهد مفكرا إنه لو كان رآها قبلما يرى الأخرى وتحتل قلبه لأغرم بها لا محالة لكن قلبه مقيد بأخرى كانت وستظل الأولوية لها في قلبه ومشاعره ...


+



تحركا بعدها عائدين إلى العائلة قبلما تنتهي السهرة أخيرا ليقرر هو الذهاب إلى صديقه عادل حيث سيسهر معه في أحد المقاهي المفضلة لهما ..


+



قضيا السهرة سويا حتى ساعات الفجر الأولى عندما غادر بعدها متجها إلى شقته مقررا أن يبقى هناك لبضعة أيام هربا من أسئلة والدته وكذلك جدته ...


+



هبط من سيارته هاما بالتوجه إلى داخل العمارة عندما صدح صوتا عاليا ينادي بإسمه ..


+



" أثير باشا ..."


+



إلتفت حيث مصدر الصوت ليجد شخصا ملثما يقف قباله وفي يده سكينا حادة ...


+



كاد أن يتقدم نحوه بقوة مستعدا لعراك غير مباليا بتلك السكين التي يحملها  عندما فوجئ بشخص ما يكتفه من الخلف بينما الآخر يتقدم نحوه وسكينه تخترق جسده دون رحمة ..!


2



انتهى الفصل


+



الثاني والعشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close