اخر الروايات

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم نرمين نحمد الله

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم نرمين نحمد الله


*****


+



الفصل الحادي والعشرون:


+



كانت تبكي علي فراشها فتقدمت نحوها لتحتضنها بصمت دون كلمات...

استجابت ساري لدفء حضنها للحظات ثم همست بخفوت:

_هل ستلومينني أنتِ الأخري يا جوري؟!!

شددت جوري من ضمّتها الحانية لها وهي تهمس بحنان ممتزج بشفقتها:

_لو لامتكِ الدنيا كلها...أنا لن أفعل...أنا أشعر بكِ يا حبيبتي...تماماً كما أشعر بآسيا رغم بعادها...كلنا لاحقتنا لعنة الجواري...لكن مصائرنا اختلفت باختلاف طبائعنا...

رفعت ساري إليها رأسها لتهمس بألم:

_أنا الوحيدة التي كنتُ راضية بقسمة جدي بشأني...فما الذي حدث؟!!!

ربتت جوري علي ظهرها وهي تهمس بإشفاق:

_صراع قلبكِ وعقلكِ الذي لا يهدأ!!

هزت ساري رأسها ثم تأوهت بقوة...

لتهمس بعد لحظات وسط دموعها:

_أقسي ما يعذبني معه أنني لا أتصور حياتي دونه...ولا أتقبلها معه...!!!هو سيد قلبي وعدو عقلي...فماذا عساني فاعلة معه؟!!!

تنهدت جوري بحرارة وهي عاجزة عن الرد...

هي تدرك حيرة شقيقتها جيداً...

ما تعرضت له ساري ليس هيناً ولولا قوتها الحقيقية لما تجاوزته لأيام...

هي لا تلومها علي قرارها بالابتعاد...

ومع هذا تشفق عليها وعلي حذيفة...

نعم...

حذيفة تغير بشهادة الجميع...

حبه لساري غيّره...

لكن حبه سئ الحظ مثله...

تعثّر بماضيه الأسود ليقع علي ظهره ولا تظنه سيقوم من جديد بسهولة...!!!!

فبماذا تنصحها وهي نفسها حائرة مثلها؟!!!!


+



قطعت ساري أفكارها لتمسح دموعها هامسة لتغير الموضوع:

_أليس هناك أخباراً عن آسيا؟!! 

زفرت جوري بخفوت وهي تهمس بأسي:

_الشئ الوحيد المبشر في الأمر هو أن جدي أوكل الأمر لحمزة العاقل...فيما عدا ذلك قلبي يرتجف رعباً من توقع مصيرها بين جسار القاصم وانتقام عائلة النجدي !!

أسندت ساري رأسها علي ظهر الفراش وهي تهمس بشرود:

_لو لم يستطع حمزة تدارك الأمور بحكمة فستعود الحرب بين العائلتين...ولن ينجو من بطشها أحد...

هزت جوري رأسها بموافقة...

ثم ربتت علي كفها هامسة بابتسامة حنون:

_لا أدري لماذا أشعر أن القدر يدخر لنا بعد كل هذه الغيوم أمطاراً من سعادة...

ابتسمت ساري بألم وهي تهمس بتهكم مرير:

_هل تظنين هذا حقاً؟!!!

اقتربت منها جوري لتضمها من جديد هامسة بمواساة:

_يوماً ما ستعرف السعادة طريقها لبنات فريدة ...وظني أنه قريب...

دفنت ساري وجهها في صدر شقيقتها وهي تتمني لو تملك ذرة من هذا الأمل...

قلبها الذي يترنح الآن مذبوحاً بطعناته لا يري لوناً للغد سوي الأسود الحالك...

وروحها تختنق بدخان يأسها وخوفها من جحيم أيامها بعده...

لكن عقلها لا يزال يزعم أنها علي صواب...

وأن خسارة  العمر لن تفوقها أي خسارة...

فهل تراها تكسب عمرها عندما تخسر حبه؟!!!

===================================================

_سافر؟!!!وتوثيق الطلاق؟!!!

هتف بها قاسم النجدي بحدة عندما أخبره حذيفة بسفر عمار لعملٍ طارئٍ كما زعم....

فأطرق حذيفة برأسه ليقول بهدوء يخفي غليان صدره:

_أنا سأرحل الآن يا جدي...لا تغضب مني أرجوك...أنا أتقبل عقابك...لكنني لن أتقبل غضبك...


+




                

أشاح قاسم النجدي بوجهه...

ثم أشار له بيده أن ينصرف...


+



غادر حذيفة غرفته فتلقته راجية بين ذراعيها هاتفة بصوت باكٍ:

_أين ستذهب يا بني....جرحك لازال يحتاج للعناية...

قبل حذيفة رأسها ثم قال بتماسك:

_أنا الآن بخير سأنتقل لمنزلكِ القديم في(..... ) !!بعيداً عن ممتلكات النجدي كلها....وسأبحث عن عمل جديد...لا تقلقي يا أمي ...

شهقت بعنف وهي تهتف بجزع:

_لكنه منزلٌ قديم يا بنيّ ومهجورٌ أيضاً..ليس من مقامك...

ابتسم في مرارة وهو يشيح بوجهه هامساً:

_لم يعد لي مقام يا أمي...أنا الآن أبدأ من الصفر....


+



هزت راجية رأسها وهي تقول بعتاب:

_لماذا عصيت جدك يا حذيفة؟!!! لماذا فعلتها؟!!!

أطرق برأسه للحظات يتمالك عواطفه....

ثم قال باقتضاب:

_لا أريد الحديث عن هذا الأمر يا أمي...


+



قالها ثم انحني علي كفها يقبله...

قبل أن يتوجه نحو شقة فريدة...

رن الجرس ففتحت له فريدة الباب ترمقه بنظرات حنون كعادتها...

فابتسم بضعف ليهمس بخفوت:

_أنا آسف يا عمتي...وعدتكِ ألا أخذلكِ...لكنني فعلتها...سامحيني...

ضمته فريدة إلي صدرها بحنان وهي تربت علي ظهره....

ثم همست بخفوت:

_لا يا حذيفة...أنت لم تخذلني...علي العكس...أنا أعرف أنك تغيرت...

رفع إليها وجهاً ممتناً فربتت علي كتفه تقول بحنانها البائس:

_اعتنِ بنفسك يا بني...


+



أومأ برأسه إيجاباً ثم قال لها بصلابة:

_أخبري ساري أنني أنتظرها بسيارتي كي نذهب لإنهاء هذا الأمر...

تنهدت فريدة في حرارة...

ثم أومأت برأسها وهي تربت علي كتفه في مواساة...

كم تتمني لو ترجوه ألا يفعلها...

لكنها تعلم عناد ساري المشتعل...

وعناد حذيفة الذي لا يقل عنه اشتعالاً!!!!


+



انتظرها في سيارته وقد ترك لها مقعد القيادة...

حتي جاءت لتركب جواره ...

ظلت ساكنة للحظات تنظر للطريق أمامها في شرود...

ثم سألته دون أن تنظر إليه:

_لماذا تركت لي مقعد القيادة؟!!! هل جرحك يؤلمك إلي هذا الحد؟!!!


+



لم ينظر إليها هو الآخر وهو يقول ببرود:

_جرحي لا يؤلمني يا ابنة عمي...لكنني تركت لك القيادة في هذا الأمر من أوله لآخره...تتصرفين فيه كما تشائين...


+



وخزت عبارته قلبها وهي تشعر ببعض الضعف...

لكنها تشبثت بحكم عقلها الذي أيد قرارها بالانفصال عنه....

وتجاهلت -عامدة-توسل قلبها الذي كان يئن بين ضلوعها...


+



ابنة عمي؟!!!!

حذيفة لم يدعُها هكذا أبداً....

في صغرها كان يدعوها "سوسو" لتدليلها...

وعندما كبرا كان يناديها باسمها...

وبعدما اعترف لها بحبه كان يدعوها "حبيبتي"...

والآن...راح كل هذا...

الآن يدعوها "ابنة عمي"...وكأن هذا فقط ما صار بينهما!!!!


+



تمالكت دموعها بصعوبة...

وهي تسأله ببرود تدعيه:

_لماذا طلبت أن آتي معك؟!! لماذا لم ترسل لي وثيقة الطلاق فحسب؟!!


+



ظل وجهه علي جموده للحظات...

ثم قال بنفس اللهجة الثلجية ودون أن ينظر إليها أيضاً:

_قلت لكِ أنني أردتُكِ أن تشعري أنكِ من تقودين الأمور ...وليس أنا...أنتِ التي ستقود بنا السيارة نحو مكتب المأذون...وأنتِ التي ستطلب منه أن يوثق إجراءات الطلاق...وأنتِ التي ستتسلمين الوثيقة بنفسك لتعودي بها إلي منزلك...


+




        


          


                

التفتت إليه بحدة وقد ذاب برودها لتهتف بانفعال:

_هل تظن أنني سأندم؟!!! تظن أنك ستكسرني بهذا؟!!!


+



لم يلتفت إليها رغم انفعالها بل ظل علي بروده وهو يقول:

_بل أحرركِ من قيدكِ أيتها الجارية...الآن تتحرر ساري النجدي من رِقّها الذي طالما أغضبها...الآن تملك حق الاختيار الذي نزعوه منها...الآن تقود حياتها بنفسها كما ستقود هذه السيارة نحو طريق خلاصها من قيود ماضيها كلها...الآن تتخلصين من حذيفة الفاسد الذي كان وصمة عار في جبينك...وتبدئين حياتكِ نقية طاهرة كما تستحقين...


+



ازدردت ريقها ببطء وهي تتأمل جانب وجهه في صدمة...

هذا بالفعل ما كان يدور برأسها طيلة هذه الأيام...

حذيفة نطق ببساطة كل ما عجزت هي عن البوح به لأحد...

لقد عرّي الحقيقة التي طالما حاولت سترها...

عرّاها بمنتهي الوضوح فلم يعد هناك مجال للتواري والتخفي!!!


+



تناول مفاتيحه من جيب قميصه ثم ناولها لها ولازال لا ينظر إليها...

فأخذتها منه لتشغل السيارة بشرود وهي تسأله:

_العنوان؟!!


+



ذكر لها العنوان باقتضاب فأومأت برأسها وقد بدأت السيارة في التحرك...


+



ظلا صامتين طوال الطريق ...

ذاك الصمت الصاخب الذي هو أكثر ضجيجاً من الكلام...

صمتٌ ينعي حباً عمره سنوات...

تقريباً عمره من عمرها هي!!!!


+



أوقفت السيارة في مكانها ....

ثم التفتت نحو جانب وجهه الذي ظل علي جموده...

لتهمس بصوت خفيض جداً...

يكاد لا يُسمع:

_هيا بنا!


+



أطرق برأسه ثم مد لها ظاهر كفه دون أن ينظر إليها قائلاً بنفس الصوت الذي يقطر ثلجاً:

_انزعي عني دبلتي بنفسك...


+



خفق قلبها بقوة لعبارته بل كاد يتوقف ألماً...

لكن عقلها كان يدحر عاطفتها بقوة حديدية...

يدعمها في موقفها...

ويساندها في قرارها الذي اتخذته ....!!!!


+



ومع هذا ارتجفت أناملها بشدة وهي تتناول كفه ببطء تنزع منه دبلته...

وكأنها تنتزع معها روحها...

جسدها كله كان يرتعش بانفعال تجاهد ألا تظهره...

وهي تحاول إظهار تماسكها لأبعد حد...

لكن أناملها توقفت عندما وصلت الدبلة لمنتصف إصبعه...

لتجد نفسها دون وعي تحتضن كفه بكفيها متشبثة به بقوة...!!!


+



اختلس نظرة جانبية إليها لكنه لم يبدِ أي انفعال...

بل تركهها تختار قرارها كما شاءت...

تماماً كما أخبرها...


+



ظلت تحتضن كفه براحتيها للحظات...

كان جسدها كله ينتفض فيها كطير ذبيح....

حتي استعادت قوتها بعد فترة...

لتترك كفه ببطء...

ببطء شديد ...وكأن أناملها تعاندها....

ثم أخذت نفساً عميقاً لتكمل ما كانت تفعله بحركة آلية....!!!!


+



عضت علي شفتيها بقوة وقد خذلها خيط رفيع من الدموع سال علي طرف عينها...

لكنها عادت تأخذ نفساً عميقاً  تتمالك به قوتها...

وهي تضع له الدبلة في كفه ثم تشيح بوجهها مخفية دموعها...


+




        

          


                

قبض بكفه علي دبلتها للحظات لم يبدُ فيه علي وجهه أي انفعال...

رغم أنه كان يشعر وقتها أن روحه تتمزق....

لم يتخيل أن تفعلها رغم كل شئ....!!!

لكن ...لا بأس...

لقد رأي منها الكثير من المفاجآت في الفترة الأخيرة...

وسيضيف هذه إلي القائمة...!!


+



وضع دبلته بخفة في جيب قميصه...

ثم فتح باب السيارة ليترجل منها...

فترجلت بدورها لتسير جواره حتي وصلا إلي مكتب المأذون...

هنا ...

نظر هو إليها لأول مرة منذ خرجا ...

نظرته كانت عميقة أخاذةً لأبعد حد...

لا تذكر أنها قد رأت عينيه صافيتين كهذه اللحظة...

وكأن القدر اختار هذه النظرة لتكون ملائمة للوداع...!!!


+



نظرة حملت عتابه كلها مشبعاً بكبرياء حذيفة النجدي الذي تعرفه....

لكنه كان هذه المرة مصبوغاً بعاطفته التي لم تستمتع بها إلا قليلاً...

خفض بصره عنها ثم أشاح بوجهه ليقول ببرود:

_أخبريه عمّ تريدين...وأنا سأنفذ ما يقول...


+



تقدمت ساري نحو الرجل الذي نظر إليهما بفضول...

ثم نظرت خلف ظهرها إلي حذيفة الذي كان واقفاً مطرقاً برأسه لا ينظر حتي إليها...

لتعود بعدها ببصرها إلي الرجل قائلة وقد حسمت أمرها:

_نريد توثيق قسيمة طلاق!!

==================================================================

_بلال!!

هتفت بها رقية بلهفة وهي تفتح له باب شقة ياسين لترتمي في حضنه هاتفة بانفعال:

_كنت أحتاجك يا أخي...

ثم تهدج صوتها مردفة:

_عاصم الهاشمي تركنا يا بلال....

قالتها وقد عادت دموعها تغلبها من جديد بين ذراعيه...

فضمها إليه وهو يقبل رأسها بقوة...

هذه هي المرة الأولي التي تري فيها بلال بعد وفاة والدهما...

وكم كانت تحتاج إلي هذا....

ضمها بلال إليه بقوة أكثر وهو يقول بحنان لا يخلو من أسف:

_سامحيني يا رقية...رغماً عني...كنت ممنوعاً من العودة إلي مصر كما تعلمين...حياتي كانت في خطر ...ولولا هذا لكنتُ معكِ أنتِ وأمي...


+



ظلت بين ذراعيه للحظات تتنعم بحنانه الصافي...

بلال ليس مجرد أخ...

لكنها تشعر أنه ابنها وصديقها كذلك...

إنها تشعر أنه النسخة المصغرة من عاصم الهاشمي...

بحنانه الطاغي...وقوة شخصيته التي لا تقهر ولا تطغي...

بل تسند و تؤازر!!!!


+



وبعدها بدقائق...

كانت قد تمالكت قوتها من جديد...

فجلس جوارها علي الأريكة يربت علي ركبتها ثم سألها باهتمام:

_هل وصلت التحريات لقاتل والدي؟!!

هزت رأسها نفياً وهي تهمس بأسف :

لا...ليس بعد...لكن الأمر له أبعاده السياسية كما تعلم...

أومأ برأسه في حزن....ثم ابتسم ابتسامة باهتة وهو يسألها بحنان:

_كيف حالكِ مع ياسين؟!!

ابتسمت في خجل وهي تهمس بصدق شعر هو به:

_سعيدة يا بلال....سعيدة جداً...

ابتسم بدوره وهو يقول بوقاره الذي لا يلائم سنه الصغير:

_الرجل الذي يجعل رقية الهاشمي نفسها تشعر بالخجل عند ذكر اسمه....هو رجل مميز حتماً...


+



ضحكت ضحكة قصيرة ثم همست بشرود:

_ياسين رجل رائع...لكنه مكبل بقيود عائلته...لن تتخيل حجم المآسي التي شهدتها هذه العائلة في هذه الفترة القصيرة...

عقد حاجبيه بتساؤل...

فاندفعت تحكي له كل شئ...

حتي انتهت بحادث حذيفة وساري...

ووقوفه أمام جده ليطلقها ضد رغبة الأخير...


+




        

          


                

اتسعت عينا بلال بصدمة وهو يهتف :

_حذيفة طلقها؟!!!

أومأت برأسها إيجاباً وهي تردف:

_لقد رأيته من الشرفة يخرج معها منذ قليل...لاريب أنه ذهب معها لتوثيق الطلاق...ورغم أن الجميع يرونه مخطئاً لأنه تحدي جده وطلقها...لكنني احترمته كثيراً عندما فعلها...هو كان يعلم أن ساري لا تريده ورجولته لم تسمح له أن يمضي في زواجه منها رغماً عنها...حذيفة كسر حاجز الخوف من قاسم النجدي وأوامره التي لا ترد...وحرر نفسه وساري من زيجة كانت ستفشل حتماً...


+



ازدرد بلال ريقه ببطء وهو يسألها بحذر:

_ساري سعيدة بهذا الطلاق؟!!

تنهدت رقية بحرارة ثم قالت بشرود:

_ساري شخصيتها محيرة...رغم أنني لم أتحدث معها كثيراً لكنني كنت أشعر أنها تحبه...شئ ما في نظراتها التي كانت دوماً متعلقة به أينما ذهب...لكن هذا الحادث الصعب الذي تعرضت له بسببه جعلها تغلق كل الأبواب في وجهه فجأة...وهذا ما صدمني...لو كانت أحبته حقاً لالتمست له عذراً...خاصة والجميع يشهدون أنه حقاً تغير بعد ارتباطه بها....لكنها بدت وكأنها كانت تنتظر أي ذريعة لتتخلص من هذه الزيجة...


+



أطرق بلال برأسه في حيرة...

لم يكن يتوقع هذا أبداً..

لقد كان يخشي عودته إلي مصر خوفاً من أن يراها بنفسه تُزفّ إلي رجلٍ غيره...

لكنه اضطر للعودة كي يكون جوار والدته وشقيقته بعد وفاة عاصم الهاشمي...

لم يكن يعلم أن القدر يدخر له هذه المفاجأة...

ساري الآن صارت حرة...

ويمكنه أن يحلم بها من جديد....!!!

تأملت رقية شروده بدهشة للحظات...

قبل أن تتسع عيناها في إدراك...

يا إلهي!!!

كيف غفلت عن هذا؟!!!

بلال كان يريد خطبة ساري من قبل...

فهل هذا هو سر شروده؟!!!

هل يريد تكرار عرضه من جديد؟!!!


+



ربتت علي كفه وهي تقول بحنان صادق:

_لازلت تريدها يا بلال؟!!

أشاح بوجهه ليقول بهدوئه المعتاد:

_هذا ليس أوان الحديث عن هذا يا رقية؟!!! عندما أشعر أنها قد تجاوزت محنتها فربما أحاول معها من جديد...


+



ابتسمت وهي تقول بأمل :

_أنت تستحق كل الخير يا أخي!!

==================================================================

كانت تستقل سيارته عائدة بها إلي منزل العائلة الكبير بعدما أنهيا توثيق الطلاق....

لم يتحدث إليها بكلمة واحدة بعدما خرجا من مكتب المأذون...

لكنه أعطاها مفاتيح سيارته عندما وصلا إليها ثم قال لها ببرود:

_أعطِها لجدي...لم تعد لي!!


+



تناولتها منه وهي تشعر أن عبارته لا يقصد بها السيارة فحسب...

لكنه يقصدها هي الأخري...

ساري لم تعد لحذيفة؟!!!!

وهي التي كانت تعتبر زواجه منها من المسلمات....

ويبدو أنه قرأ أفكارها فقد عقد ساعديه أمام صدره ليقول بنفس البرود الساخر:

_أنتِ كنتِ علي حق عندما كنتِ تنصحينني ألا أتعجل...لأنني لا أدري ما الذي سيحمله لنا الغد!!!!


+



كان هذا آخر ما قاله لها قبل أن يردف ببرود لم ينجح في ستر ألمه هذه المرة:

_وداعاً يا ابنة عمي!!


+




        

          


                

سالت دموعها علي خديها وهي تتذكر وداعه المقتضب...

والذي لم تتفوه هي فيه بكلمة واحدة...

كل كلماتها وقفت حداداً علي هذا الحب الذي لن يري النور بعد...

فقد دُفن في كهوفٍ عميقة...

 ظلمتها أقوي من أن تنكشف!!!


+



أوقفت سيارته تحت منزل العائلة ثم مسحت دموعها بسرعة...

ظلت في مكانها لدقائق تحاول استعادة تماسكها...

ثم ترجلت منها لتتوجه نحو المنزل...

كل خطوة كانت تخطوها كانت تحمل لها ذكري معه هنا...

رحيق ذكرياته الثرية معها يملأ كل الأركان...

باب المنزل...ودرجات السلم...

كل درجة هنا تكاد تكون شاهدة علي لحظة مرت بها معه...

وقفت مكانها علي السلم تستند لسوره وهي تشعر بالدوار...

دوار مشاعرها يكاد يكون أشد عصفاً من دوار رأسها...

لقد فعلتِها يا ساري أخيراً...

فككتِ طلاسم سحره من علي جدران حياتك...

حتي لو بقيت تعاويذ عشقه تسيطر علي قلبك...

لكنكِ تحررتِ وكفي!!!

هذا ما كانت تحدثها به نفسها...

لكن قلبها كان له رأي آخر....

كانت تشعر به مزوياً في ركن قصيٍ من ضلوعها يبكي كطفل فقد والديه...

وضعت كفها علي صدرها وقد صارت عاجزة عن التظاهر بالتماسك...

بل عاجزة حتي عن الوقوف...


+



فتهاوت مكانها جالسة علي إحدي درجات السلم...

تحيط رأسها بذراعيها وتبكي بحرقة...

تباً لك يا حذيفة...

بل تباً لي أنا...!!!!

أنا التي لازلت عاجزة عن اقتلاع حبك من جذوره...

رغم كل الفرص التي منحها لي القدر!!!


+



_ساري!!

شهقت بعنف وهي ترفع وجهها المبلل بدموعها نحوه عندما سمعت نداءه...

فقامت لتقف وهي تمسح دموعها بسرعة قائلة بصوت متقطع لم يخفِ دهشتها:

_حمداً لله علي سلامتك يا بلال ...متي عدت؟!!


+



رمقها بنظرة مشفقة وهو يقول بأسف حقيقي:

_أنا آسف حقاً علي ما حدث....

كان قد خرج -لتوه-من شقة رقية هابطاً الدرج...

عندما فوجئ بها جالسة هكذا تبكي علي السلم...

حدثته نفسه أن يعود للأعلي حتي لا يحرجها وجوده ورؤيته لها هكذا....

لكنه وجد نفسه يتجه بلا وعي نحوها...

وكأنما كانت لخطواته إرادتها المستقلة...

حتي وجد نفسه أمامها فلم يشعر إلا وهو يهمس باسمها الذي اشتاقه...

تماماً كما اشتاقها!!!

قرأت أسفه الصادق بعينيه فأطرقت برأسها لتهمس بتماسك لم يخدعه:

_لا بأس يا بلال...كل شئ سيمضي ...بحلوه ومرّه...عمرنا كله سيمضي شئنا أم أبينا...


+



تنهد في حرارة يرمق قسماتها التي رسم اليأس عليها ألف خط...

ورفع الحزن رايته علي أراضيها بملكية لا تقبل الجدل...

يبدو أن ساري لن تنسي جرحها هذا بسهولة...

فقط لو تمنحه فرصة ليكون معها...

هو واثقٌ أن حبه قادر علي مداواة أسقام روحها كلها...

فقط لو تقبل هي...

لو تقبل...!!!!

========================================================================

_لماذا عدتَ باكراً؟!!

هتفت بها رقية وهي تري ياسين الذي دخل عليها بوجه شارد...

فابتسم بشحوب هامساً بصوت متعَب:

_لقد خرجت من الشركة باكراً...مررتُ علي حذيفة كي أطمئن عليه في منزل والدتي القديم....ثم التقيت ب...حمزة..!!


+




        

          


                

تهدج صوته وهو ينطق اسم حمزة فانتفض قلبها بين ضلوعها...

لقاء حمزة بياسين الآن لن يكون له شأن سوي بآسيا...

آسيا التي آن الأوان أن يحسموا أمرهم بشأنها ...

ذاك الذي تأخر بسبب مرض الجد وانتظاره لعودة حمزة ثم حادث حذيفة وساري بعد هذا...

والآن تأتي لحظة المواجهة...

تري ماذا سيحدث؟!!!


+



اقتربت منه لتضع كفها علي صدره هامسة بتوجس:

_ماذا قرر حمزة؟!!


+



تنهد ياسين قائلاً:

_سنذهب إليها أنا وهو فقط...عمار مسافر...وحذيفة عصبي المزاج وقد يفسد الأمر بتهوره...

هزت رأسها وهي تقول برهبة:

_عين العقل يا ياسين!!! وأنا سأقوم باتصالاتي لأضمن لكما تغطية أمنية مناسبة دون تدخل مباشر إلا لو قرر هذا الرجل اللجوء للقوة...لا تقلق...أصدقاء أبي سيفيدوننا كثيراً في هذا الأمر...


+



أومأ برأسه إيجاباً في شرود...

فأحاطت وجنته براحتها تسأله بقلق:

_فيمَ أنت شارد؟!!


+



هز رأسه قائلاً بحيرة تمتزج بترقبه:

_لا أدري كيف سينتهي هذا الأمر...وما الذي جعل آسيا تذهب إلي هناك؟!!!وهل سنتمكن من إعادتها هنا أم لا؟!!! ولو عادت....


+



قطع عبارته وهو يخشي إكمالها...

فنظرت لعمق عينيه وهي تسأله بقوتها التي لم تخذلها في هذه اللحظة:

_لماذا تخشي عودتها؟!!


+



هرب بعينيه من عينيها فهمست برجاء لا يخلو من عزة:

_ياسين...أجبني...لماذا تخشي عودتها؟!!


+



أغمض عينيه بقوة يخفي عنها حديثهما...

فمررت أناملها علي عينيه المغمضتين برقة...

حتي فتحهما ....لتهمس هي بعدها بنفس اللهجة:

_أنت تخشي أن يجبرك جدها علي الزواج منها بعد ما حدث...تكفيراً عن خطئه في حقها يوم هربت لأجلك أنت...

اتسعت عيناه في صدمة للحظة...فقد كان هذا ما يدور بذهنه فعلاً...

خاصة وقد لمّح به حمزة له من قبل ظناً منه أنه لا يزال يحبها....

وهو يكاد يقسم أن هذا ما سيفكر به  قاسم النجدي كذلك لو عادت آسيا ...

خاصة بعد وفاة عاصم الهاشمي الذي كان يخشي نفوذه...

لكنه لن يسمح بهذا أبداً....

لو كان جده يظن أنه سيستضعف رقية بعد وفاة والدها فهو واهم...!!!

لهذا أمسك كتفيها يهزهما هاتفاً بقوة لم تسمعه يتحدث بمثلها قَط:

_ماذا تقولين يا رقية؟!!! والله لو وقفت الدنيا كلها خلفي تدفعني للزواج من غيركِ لما فعلتُها أبداً...إذا كان حذيفة قد كسر قوانين العائلة ووقف في وجه جدي ليطلق ساري علي عكس رغبته...فأنا أولي أن أفعلها لأجل رقية الهاشمي...


+



دمعت عيناها رغماً عنها وهي تسمع هذا منه بهذا الصدق وبهذه الحرارة...

فضمها لصدره بقوة وهو يقول بنفس النبرة:

_الآن فقط أدركتُ أن ما بيني وبينها لم يكن حباً حقيقياً...لو كان كذلك لما كنتُ تخليتُ عنها بهذه البساطة وبهذا الضعف...ربما بررتُ لنفسي موقفي وقتَها بأنني مغلوبٌ علي أمري...وبأن جدي هو الحاكم الأول والأخير في هذه الحكاية...لكنني الآن أشعر...وأنتِ بين ذراعيّ هكذا...أنني قويٌ بحبك...وأنني لن أسمح لأي أحد بأن يقف في طريقنا...حتي لو اضطررتُ للوقوف في وجه قاسم النجدي نفسه...فسأفعلها...


5




        

          


                

ابتعدت عنه قليلاً لتنظر إليه بعمق....

وقد اختلطت دموعها بابتسامتها...

ثم تناولت كفه تحتضنه بكفها لترفعه نحو شفتيها تقبله ببطء هامسة :

_هذه هي قوة ياسين النجدي التي كنت أستشعرها خلف ستار حنانه...قوة تظهر لتقوي وتسند...لا لتقسو وتبطش....هذا هو ياسين الذي رآه قلبي منذ أول لقاء...

اقترب بوجهه من كفيهما المتعانقين أمام شفتيها...

ليقبل كفها هو الآخر هامساً بعشق لم يعد يقبل النقاش أو الجدل:

_لأجل سلطانتي رقية أفعلها...لأجلها أفعل أي شئ...

====================================================================

_صباح الخير يا صغيرتي!


2



هتف بها جسار بمرح يمتزج بحنانه وهو يقبل جبينها ...

فقامت من نومتها لتهمس بخجل :

_صباح الخير يا جسار...

نظر إليها بحنان لم يعد يفارق عينيه نحوها ...

ثم سألها برفق:

_هل أطلب منهم أن يحضروا لك الفطور؟!!

هزت رأسها نفياً وهي تقول برجاء:

_أنا أصبحت بخير حال...سأصوم اليوم...


+



عقد حاجبيه باعتراض...فقالت بنبرة متوسلة:

_لقد تسحرتُ جيداً بالأمس...أريد أن أصوم اليوم...كفاني تكاسلاً...

ربت علي كفها قائلاً برفق:

_ليس تكاسلاً يا صغيرتي...أنتِ مريضة...

هزت رأسها نفياً لتقول بعناد غريب عليها:

_كنت...كنت مريضة...والآن لم أعد...سأصوم يا جسار.


+



ظل يتأملها للحظات...ثم ابتسم ابتسامة خفيفة وهو يرفع أحد حاجبيه قائلاً:

_ألم أقل لكِ أنكِ تغيرتِ؟!!!

ابتسمت بدورها دون أن ترد...

فعاد يربت علي كفها قائلاً بحنان:

_حسناً...صغيرتي العزيزة ستصوم اليوم لكنها ستفطر إذا أحست بالتعب...


+



أومأت برأسها إيجاباً...

ثم منحته ابتسامة ممتنة....

لتغادر بعدها الفراش ثم تتوضأ فتصلي...


+



مد لها كفه عندما انتهت فتشبثت به حتي قامت لتقف قبالته قائلة بتردد:

_افتقدتُ ياسين وجسار...لكن لو كنت لا تزال تخشي علي ياسين من العدوي...فدعني فقط أمتطي جسار لبضع دقائق...لقد سئمت الرقاد في الفراش...

أومأ برأسه قائلاً بحزم رفيق:

_حسناً...لكن ارتدي ملابس ثقيلة...فالجو صار بارداً نوعاً...


+



وبعدها بقليل...

كانت معه أمام اسطبل الخيول...

تطلعت للمنظر الخلاب حولها للمساحات الشاسعة الخضراء....

والتي تعانق السماء علي مد البصر...

فتبدو السحب البيضاء بلونها الشاهق كشهود عيان علي هذا العناق الفريد...!!!!

نسمات من الهواء داعبت وجهها فسعلت بقوة...

أحاط كتفيها بذراعه ثم غمغم بقلق:

_أرأيتِ أنكِ لازلتِ مريضة...سنعود للغرفة حالاً...

أمسكت كفه بقوة بعدما هدأ سعالها لتهمس برجاء:

_أنا بخير يا جسار...وسعيدة جداً بهذا المنظر...دعني أمتطي جسار قليلاً...بضع دقائق فقط...وأعدك أن ألزم فراشي بعدها...


+



تنهد في استسلام...

ثم تركها ليحضر الحصان جسار من الداخل...

وما إن رأته آسيا حتي اندفعت نحوه تمسد عنقه هامسة جوار أذنه:

_افتقدتك يا جسار...افتقدتك حقاً....


+




        

          


                

صهل الحصان صهيلاً عاليا وكأنه يجيبها بافتقاده لها هو الآخر...

فربت جسار علي ظهره وهو يقول لها بحنان:

_جسار يعبر عن اشتياقه لساحرته الصغيرة...


+



ضحكت بمرح ضحكة صافية....

فقال لها بإعجاب لم تخطئه عيناها:

_ضحكتكِ تشبهكِ يا صغيرتي...نقية وبريئة ...لكنها لا تخلو من شقاوة محببة....

ابتسمت في خجل وهي تطرق برأسها...

بينما كان قلبها يصدر صوتاً كقرع الطبول...

لا تدري سر هذا الإحساس الذي يسكنها الآن...

إنها تشعر وكأنها تريد الطيران...

تريد التحليق عالياً في هذه السماء الواسعة...

أو العدو دون توقف في هذه المروج الخضراء....

تريد استنشاق كل هذا النسيم الذي يداعب وجهها...

وتريد احتضان الزهور في هذه الحديقة القريبة...


+



طاقة هائلة من الحب تملؤها الآن قوة وانطلاقاً...

تجعلها تشعر أنها لا تمشي علي الأرض...

بل وكأنها طفلة طائرة متشبثة بخيوط وهمية من البالونات الملونة...!!!!


+



قطع هو أفكارها عندما لوح بسبابته هاتفاً:

_بضع دقائق فقط...

أومأت برأسها في طاعة...

لتفاجأ به يتقدم نحوها ليرفعها من خصرها حتي اعتلت ظهر الحصان ...

ثم اعتلاه بخفة هو الآخر حتي ركب خلفها ثم تناول سير اللجام بسيطرة ليسير به بسرعة معقولة...


+



شعرت ساعتها بالاضطراب وهي تشعر به قريباً هكذا...

يحاوطها بذراعيه الممسكين للجام الحصان....

إنها المرة الأولي التي يمتطيه معها....

فكل مرة كانت تفعلها وحدها....لكن يبدو أنه قلقٌ عليها هذه المرة....

التفتت نحوه لتهمس بامتنان :

_شكراً يا جسار....أنا...


+



تجمدت كلماتها علي شفتيها عندما التقت عيناهما بهذا القرب...

نظراته كانت تفضح عاطفة عجز هو أن يخفيها...

وعجزت هي عن تصديقها...

لا...لا تريد أن تجرب جرحاً جديداً...

جسار لن يكون يوماً لها...

جسار سيبقي ملكاً لسمية...

بل من يدري...؟!!!

ربما لو شعر بعاطفة ما نحوها فسيقسو عليها كما فعل من قبل...!!!


+



دمعت عيناها بقوة وقد عاد الخوف يسكن مقلتيها ...

فعادت بوجهها للأمام دون أن تكمل عبارتها...

فيما عقد هو حاجبيه بشدة عندما لاحظ تغير ملامحها...

فأمسك السير بيد واحدة ليضم خصرها إليه بالآخر هامساً بقلق:

_ما الأمر يا آسيا؟!! لماذا هذه الدموع الآن؟!!


+



هزت رأسها بلا معني دون أن تلتفت نحوه...

فاحترم صمتها لدقائق...

قبل أن يربت علي كتفها قائلاً بحزم:

_يكفي هذا اليوم...كي لا تتعبي...


+



أوقف الحصان ليترجل من علي ظهره...

ثم حملها من خصرها لينزلها جواره...

ولازالت عاجزة عن مواجهته بعينيها...


+



أعاد الحصان مكانه بالداخل ثم عاد معها لغرفته...

ولم يكد يغلق الباب حتي توجه نحوها ليمسك كتفيها قائلاً بحزم:

_ما الأمر يا آسيا؟!!

أطرقت برأسها وهي تشعر بقوتها -المستحدثة -تنسحب منها...

وهو ما شعر به جسار أيضاً...

فضمها إليه برفق معيداً سؤاله بنبرة أرق:

_ما الأمر يا صغيرتي؟!!


+




        

          


                

رفعت إليه عينين دامعتين ...

فمنحها نظرة مشجعة وهو يومئ برأسه...

ارتجفت شفتاها وهي تهمس بخفوت:

_أخاف أن تكرهني لو اقتربت أكثر...

عقد حاجبيه بتساؤل مستنكر فأردفت بخفوت وهي تغمض عينيها :

_سمية!


+



تنهد في حرارة وقد فهم مقصدها ليشيح بوجهه بعيداً...

فيما استعادت هي بعض قوتها وهي تقول بحسم:

_يوماً ما سأغادر هذا المكان...وقلبي يخبرني أنه ليس ببعيد...لا أريد أن أكون بعينيك مجرد طعنة غادرة في إخلاصك لها...أريد أن أرحل من هنا كما جئت...مجرد غريبة!!


+



التفت إليها بحدة ثم نظر إليها طويلاً....

ليهمس بعدها بعتاب:

_غريبة؟!

أطرقت برأسها دون أن ترد...

فضمها إليه أكثر وهو يكاد يخفي رأسها في صدره هامساً بحزن غلف صوته رغماً عنه:

_حتي لو رحلتِ عنا كما تقولين...سيبقي لكِ مكانٌ بيننا تعودين إليه متي شئتِ...أبداً لن تعودي غريبة بيننا يا آسيا...أبداً...

رفعت رأسها إليه لتلتقي عيناها بعينيه في حديث طويل...

قبل أن تهمس هي بعاطفة فاضت كالطوفان في عينيها:

_شكراً علي الأيام الرائعة التي قضيتها هنا معكم...


+



عقد حاجبيه بضيق وهو يتأمل ملامحها ليهتف بانفعال:

_لماذا تتحدثين هكذا وكأنه كلام وداع...؟!!!


+



أغمضت عينيها بقوة وهي عاجزة عن التفسير...

شئ ما بداخلها يخبرها أن رحيلها عن هنا قد اقترب...

ربما أقرب بكثير مما تتصور...

وهذا ما يقبض قلبها بقسوة...

فهي لا تريد الرحيل عنهم وكأن هذا المكان صار بيتها حقاً...

لكنها تعلم أنها لابد لها من الرحيل كي تستقيم الأمور...

وجودها هنا كان خطأً ربما سيدفع الجميع ثمنه غالياً...


+



قطعت أفكارها عندما شعرت بشفتيه يقبلان جبينها بعمق...

ففتحت عينيها لتلتقط عينيه المحدقتين فيها بقوة...

وكأنهما تتشبثان بملامحها ....

ليبتسم هو بعدها بحنانه المعهود وهو يعيد رأسها إلي صدره هامساً:

_لا تحملي هماً يا صغيرتي...أيام رائعة مرت بكِ هنا ...وأيام أروع تنتظرك...

==================================

طرقت فريدة باب غرفة حمزة ثم دخلت عندما سمعت إذنه بالدخول...

قام إليها واقفاً باحترام ليهتف بترحاب واضح:

_عمتي فريدة...تفضلي...


+



دخلت فريدة بابتسامتها الحنون ثم ربتت علي كتفه قائلة بطيبتها المعهودة:

_كيف حالك يا بني؟!!


+



أومأ برأسه قائلاً برفق حنون:

_بخير يا عمتي...كيف حالكِ أنت...أنا أعرف أن حملكِ ثقيل ...العائلة كلها تمر بظروف صعبة...لكنني واثق أن الله سييسر لنا الخير جميعاً...


+



أومأت برأسها إيجاباً ثم ازدردت ريقها ببطء وهي تغمغم برجاء:

_ماذا ستفعل مع آسيا؟!!لماذا لم تحضرها حتي الان...كنت أظنك ستحضرها منذ جئت...


+



أطرق حمزة برأسه للحظات ثم تنهد قائلاً:

_الأمر معقد جداً يا عمتي طالما نريد ألا تتأذي آسيا...فنحن لا نعلم وضعها الحقيقي هناك....جدي أوكل إليّ التصرف في الأمر وأنا سأحاول أن أجنح للسلم قدر المستطاع...لهذا سأصطحب معي ياسين ونذهب لذاك الرجل في مزرعته مع قوة من الشرطة لنتبين الأمر أولاً حتي لا نسئ الظن بهما....لو كان يريد أخذ ثأره بعد هذه السنوات فليأخذه مني أنا.....لكن لو كان حقاً قد اعتدي علي شرفنا...فحينها....


+




        

          


                

قطع عبارته عاجزاً عن إكمالها...

فانقبض قلب فريدة بعنف...

جسار القاصم وعمه كساب الذي قتل زوجها لن يفعلا الخير بابنتها أبداً...

ووجودها هناك طيلة هذه الفترة يعني أنها ذاقت من العذاب ما لا يمكنها تصوره...

والآن لو ثبت أن جسار هذا قد انتهك عرض العائلة فآسيا ستدفع الثمن معه....

دمعت عيناها وهي ترمقه بنظرات راجية...فربت حمزة علي كفها وهو يقول بمواساة:

_لا تستبقي الأمور يا عمتي...من يدري ما الذي تخبئه لنا الأيام؟!!!

=============

دخلت جوري إلي غرفتها وأغلقتها خلفها بالمفتاح...

ثم تناولت هاتفها لتتصل به أخيراً بعدما أحست بانشغال الجميع....

وصلها صوته الحبيب بعد أول رنة وكأنه كان ينتظرها هاتفاً بلهفة:

_جوريتي!!


+



ابتسمت وهي تتشبث بالهاتف هامسة باشتياق جارف:

_افتقدتك يا عمار...


+



لم تسمع له صوتاً بعدها للحظات طويلة....

فهمست بترقب:

_عمار!!


+



زفرات ملتهبة سمعتها علي الجانب الآخر من الاتصال ....

ثم جاءها صوته أخيراً مشبعاً بلهفته وهو يهتف بانفعال:

_لن أنتظر هذا الشهر يا جوري...أسبوعان كافيان...بل أسبوع واحد...

ابتسمت رغماً عنها ...

عندما أردف هو بنفس النبرة المنفعلة:

_بل الآن...سأعود الآن!!


+



ضحكت رغماً عنها فزاد غيظه أكثر وهو يهتف بسخط:

_تضحكين يا جوري؟!!! تضحكين وأنا هنا وحدي أت...

قطع عبارته ثم زفر في ضيق....


+



فهمست برقتها الفطرية:

_أكمل عبارتك أيها الفظ الغليظ الذي لا يجيد الغزل...أكمل عبارتك وأخبر جوريتك أنك تتعذب دونها...تكاد تذوب اشتياقاً إليها...دع عنك هذا القناع الخشن وأظهر لي روحك علي حقيقتها...أرق من قطرات الندي...وأنعم من بتلات الورد...


+



لم يرد عليها للحظات...

فقبلت الهاتف بصوت مسموع ...ثم همست بدلال تعرف تأثيره عليه:

_حبيبي يا عمار!!


+



تنهد في حرارة ثم تأوه قائلاً:

_آآآآه يا جوري...ماذا تفعلين بي؟!! 


+



تنهدت بدورها وهي تهمس بحرارة:

_بل ماذا فعلت أنت بي؟!!! كيف تغيرتَ هكذا وغيرتني معك؟!!! كيف جعلتني لا أقوي علي العيش لحظة بدونك وأنا التي كنت أخشي مجرد المرور جوارك...كيف عبثتَ كطفل شقيّ بأزرار روحي فأصبحت كالجهاز المعطل الذي لا يلتقط سوي موجات إرسالك...كيف صرتَ بهذه السرعة أقرب إليّ من خفقات قلبي...وأحبّ إليّ من روحي...؟!!!


+



صمت ثقيل ساد بينهما بعد همساتها الحارة...

حتي قطعه هو بسؤال لم تتوقعه أبداً:

_من كان هو يا جوري؟!!!


+



عقدت حاجبيها وهي تسأله بتوجس :

_من تعني؟!!


+



اشتعل صوته بلهيب غضبه وهو يهمس بحدة:

_ذاك الوغد الذي كنتِ ستفعلين فعلتكِ معه؟!!


+



شهقت بعنف ثم هتفت بألم وقد صدمها أنه لازال يفكر في هذا الأمر:

_يا إلهي!!! لماذا تذكر هذا الآن يا عمار؟!!! لماذا تعيد فتح دفاتر قديمة ستجرحنا معاً؟!!! لماذا؟!!!


+




        

          


                

هتف بسخط وقد روعه الألم الذي استشعره في صوتها:

_اعترفي لي إذن بكل شئ وسأغلق هذه الدفاتر للأبد....كيف تتصورين أن أصدق همساتك العاشقة هذا ولازال الشك يلعب بصدري تجاه هذا الأمر؟!!!


+



انتحبت بصوت مسموع وهي تشعر بالظلم...

عمار لا يصدق أنها تحبه بعد...

يريد اعترافها عما كان بينها وبين زياد...

لكنها لا تستطيع أن تخبره لأنها -ببساطة-لا تضمن ردة فعله...

عمار غضبه عاصف كبهر هائج وقد اختبرت ذلك من قبل ودفعت ثمنه غالياً...


+



وصلها هتافه الغاضب علي الهاتف :

_لماذا تبكين الآن؟!!! قولي الحقيقة التي تخفينها فحسب...


+



مسحت دموعها ثم همست بألم:

_لن أستطيع الاعتراف بهذا يا عمار...لأنني لا أضمن كيف ستتصرف...إذا أردتَ أن تصدق حبي فأعدك أنك لن تندم...وإذا أردتَ أن تظل علي شكّك فأعدك أن أبذل كل ما أستطيع حتي تصدقني...


+



لم يرد عليها سوي بزفرة حانقة...

فهمست بصوت مختنق:

_تصبح علي خير!!


+



أغلقت الاتصال بسرعة بعدها ليعاود هو الاتصال بها لمرات عديدة لكنها لم تجبه...

كانت تشعر بالمزيج من المشاعر هذه اللحظة...

ما بين شعورها بالذنب والترقب والخوف والندم....

وضعت كفها علي بطنها وهي تضغط علي شفتيها تحدث نفسها بألم:

_ماذا ستفعل إذن يا عمار لو علمتَ أنني لا أحمل طفلاً كما أخبرتك...؟!!!سامحني ...لقد فعلتها فقط لأستعيدك...


+



ظلت علي بكائها وتجاهلها لاتصالاته لما يقارب الساعة....

حتي وصلتها رسالته التي قرأت فيها غضبه واضحاً:

_ردي علي اتصالي وإلا سأعود حالاً وليكن ما يكون!!!


+



زفرت في يأس عندما عادت شاشة الهاتف تضئ برقمه...

ثم فتحت الاتصال ليأتيها صوته هاتفاً بلهفة أحرقتها:

_تبكين؟!!


+



ابتسمت رغم دموعها وهي تشعر بعاطفته تحتويها من جديد...

هذا هو عمار وهذا هو حبه الذي يطفئ بشلالاته نيران غضبه...

ليعود همسه الدافئ يداعب أذنها :

_لا تبكي أبداً وأنا بعيدٌ عنكِ...أنتِ لا تتصورين شعوري بالعجز وأنا غير قادر علي احتواء حزنكِ...اغضبي وابكي وتدللي كما تشائين عندما أكون معك...دعي خصامكِ لوقتٍ يمكنني فيه استرضاؤك بكل ما أملك...لكن لا تفعليها الآن...هل تفهمين؟!!!


+



تنهدت بقوة وهي تهمس بحرارة كادت تذيب قلبيهما معاً:

_أحبك يا عمار...والله أحبك....

=======================================================================

_أعطها لجدي...فلم تعد لي!!!

لم تعد لي...

لم تعد لي...


+



ظلت عبارته تتردد في أذنها وهي غارقة بين طوفان دموعها وذكرياتها معه....

رفعت كفها حيث إصبعها لازال يحتضن دبلته التي تعلم أنها لن تقوي علي خلعها...

إذا كانت قد استطاعت خلع دبلته من إصبعه كما طلب منها...

فلن تستطيع فعل المثل مع دبلتها...


+



تلفتت حولها في أركان غرفتها وهي تشعر بالحسرة...

أين تهرب منه وكل شبر في هذا المنزل...

بل كل خلية في جسدها تحمل منه وشماً ...

ظلت تنظر لباب الشرفة الذي أبقته مفتوحاً...

ولا تعرف السبب...


+




        

          


                

بل تعرفه...

شئ ما بداخلها يتمني لو يدخل منه كما كان يفعل في كل مرة يتشاجران فيها ليحدثها من جديد...

عضت علي شفتيها وهي تنتحب بقهر...

حذيفة لن يعود...

ليس فقط لحياتها...

لكن لبيت العائلة كله...!!!


+



احتضنت دميته وهي تشعر بأنها تختنق...

عقلها يخبرها أنها اختارت الصواب...

حذيفة لم يكن أبداً صالحاً لها...

خاصة بعدما كادت تفقد نفسها بسبب فساده!!!


+



لكن قلبها يذبحها بعتاب دقاته...

إنه حذيفة يا ساري...

حذيفة الذي تغير لأجلكِ أنت وحدك...

حذيفة الذي تعلمين أن روحكِ معلقة بروحه...

حذيفة الذي ستظلين تبكينه عمركِ كله!!!!


+



ظلت علي حالها ممزقة كعهدها بين أفكارها ومشاعرها...

حتي شعرت أن روحها تكاد تزهق من فرط البكاء...

لم تشعر بنفسها وهي تتناول هاتفها لتتصل برقمه...

مرات عديدة لكنه لم يرد...

ومع هذا كانت تشعر بالسكينة فقط لأنها تشعر أنه لازال هناك خيط بينهما...

ولو مجرد رنة هاتف!!!

حتي انقطع صوت الرنات أخيراً...

فتح هو الاتصال لكنه لم يرد...

أغمضت عينيها بقوة وهي لا تستطيع الكلام...

بل ولا تريده...

لماذا إذن هاتفته...؟!!!!

لأنها تريد الشعور بأنه معها!!!!

ولماذا إذن تركته يطلقها؟!!!

لأنها لا تريده أن يكون معها!!!!


+



غريب؟!!!

لا...ليس غريباً...

هذا هو ما يفعله بنا هذا النوع القاسي من الحب...

عندما يتناحر القلب والعقل علي حبيب لا يليق...

فيشدنا كل منهما في اتجاه مضاد...

حتي نشعر أننا نكاد نتمزق بينهما!!!


+



وعلي الجانب الآخر من الاتصال لم يكن هو أفضل منها حالاً...

صورتها لم تغادر رأسه منذ تركها...

لقد ذبحته اليوم بفعلتها التي لم يتصور أبداً أنها قادرة عليها...

اقتلعته من حياتها بإصرار...

بصعوبة نعم...هو يدرك مدي شدتها...

لكنها فعلتها في النهاية!!!


+



ومع شعوره المتعاظم بجرحها لكرامته...

لم يستطع منع نفسه من الرد علي اتصالها...

ليفاجئه صمتها الذي يوقن أنه يخفي الكثير من الدموع...


+



قبض كفه بقوة وهو يقاوم رغبته العارمة في ضمها لصدره الآن...

في مسح دموعها بشفتيه كما كان يحلو له أن يفعل كل مرة كانت تبكي فيها معه...

في مشاكستها واسترضاء غضبتها بمزاحه ككل مرة...

لكنه للأسف لم يعد يستطيع...

ساري لم تعد له...

ولم يعد لها...


+



ظلا علي صمتهما علي الهاتف لما يقارب نصف الساعة...

وكلاهما عاجز عن الكلام...

كبرياؤه يمنعه...!!!


+



حتي كانت هي أول من قطعه وهي تتذكر عبارته اليوم أنه سيترك لها القيادة...

فعلمت أنه لن يبدأ بالكلام حتي تبدأ هي...

ضغطت علي شفتيها بقوة ثم همست بخفوت :

_حذيفة!

_نعم!

همس بها بعد لحظة صمت أخري وهو يحاول الحفاظ علي بروده ...

فهمست بصوت متقطع وأنفاسها تكاد تكون زاهقة وسط دموعها المنهمرة:

_ابق معي علي الهاتف هذه الليلة فقط ....حتي أسقط في النوم...هذه الليلة بالذات أصعب ليلة مرت عليّ...أرجوك...تحملني الليلة فقط وأعدك ألا أزعجك بعدها...


+




        

          


                

عقد حاجبيه وهو يشعر بصدمة من كلماتها...

وكأن واحدة أخري هي التي تتكلم...!!!!!


+



أين ذهبت قوتها وصلابتها وقناع كبريائها...؟!!!

همساتها المختنقة تشعره أنها تتنفس بصعوبة...

يكاد يري دموعها المتساقطة عبر الهاتف...

آه منك يا ساري!!!

آه مما فعلتِه بنا!!!

كم زعمتِ أنني قد جرحتكِ...

والآن رددتِ لي الجرح مضاعفاً...

ما أقساكِ يا حنونة القلب...

وما أبعدكِ يا قريبة الروح...

وما أظلمكِ يا قاضيّ وجلادي!!!!


+



زفر بقوة بعد صمته الطويل ليهمس وقد لان صوته نوعاً:

_أنا معكِ ....لن أغلق الخط حتي تفعلي أنتِ...


+



استلقت علي ظهرها تحتضن دميته وهي تتشبث بالهاتف علي أذنها هامسة بما يشبه الهذيان:

_قلبي يؤلمني ...يؤلمني جداً ...أشعر أنه سيتوقف...ليته حقاً يتوقف كي ينتهي كل هذا العذاب...


+



أغمض عينيه بألم وهو عاجز عن الرد...

هو يعلم أكثر من أي أحد قسوة شعورها الآن...

ربما لأنه يجد في صدره مثله...

لقد فعلتها ساري وجعلته يعرف الحب الذي لم يختبره يوماً...

جعلته يتنعم في ظلال جنانه وبساتينه...

ثم نزعته بقسوة من كل هذا لتلقيه في سعير من حمم الألم...

وليته كان ألمه وحده...

بل ألمه بها هي الأخري...

هي التي يعلم أنها لازالت تتمزق بين قيود عقلها وجنون قلبها...

تتمزق وتمزقه معها!!!!!


+



عاد هذيانها يكوي روحه وهي تتمتم بلا وعي:

_غداً سأكون بخير...سأستيقظ من نومي ناسية كل شئ...وربما أرتدي ثوباً وردياً لأقنع نفسي أنني لازلت أنثي...سأمشط شعري وأرفعه كذيل حصان علي جانب رأسي كما تحبه...وستتهادي خطواتي بحذاء ذي كعب عالٍ بصوت يرن علي أرضية غرفتي يتوافق مع دقات قلبي الحالمة...والتي يعدها الغد بحلم جديد وحب جديد....


+



عقد حاجبيه بشدة وهو يخبط بكفه علي الفراش جواره...

لا يعرف بم يرد عليها...

لكن قلبه سقط بين قدميه وهو يسمع نحيبها الذي علا صوته كثيراً:

_كاذبة...أنا كاذبة...كاذبة يا حذيفة...أنا لن أكون أبداً بخير...قلبي لن يدق بعدك إلا ليبكيك...فأي غدٍ وأي حب ينتظرني وقد كنت أنت الغد وكنت أنت الحب؟!!!!


+



دمعت عيناه وهو يتمني الآن لحظة واحدة....

واحدة فقط...

يضمها بين ذراعيه يحتوي كل هذا الألم الذي يشعر به يخنقها ويخنقه معها....

لحظة واحدة تعود فيها كما كانت طوال عمرها قبل اليوم....

ملكه....له...باسمه...!!!

لحظة واحدة تضع فيها كفها علي صدره أمام قلبه...

لعلها تصدق أنه حقاً تغير لأجلها...

ولن يعود أبداً كما كان...

لحظة واحدة وليكن بعدها ما يكون!!!!!

 ازدرد ريقه ببطء وقد شق عليه الصمت أكثر فهمس بصعوبة:

_ساري...ستكونين بخير ...فقط اهدئي ونامي ...قد لا أدري ما الذي يحمله لكِ الغد...لكنني واثق أن القدر يدخر لقلبك الطيب ما يستحقه...


+



بدا له وكأنها لم تسمعه فقد عادت لهذيانها الذي يدرك مدي صدقه حتي وهي لا تتعمده .....

لتعود هي تهمس بمنتهي الألم:

_كل ما حولي يلومني يا حذيفة...دميتك التي في حضني وخاتمك الذي في إصبعي وذكراك التي صبغت الهواء حولي ...حتي نسائم الهواء في شرفتي..فماذا أفعل وأين أهرب...لا تظنني قد ندمت علي فعلتي...لقد استمعت لصوت عقلي أخيراً...لكنني فقط ....آآآآه......آآآآه....يا وجعي يا حذيفة...يا وجعي!!!


+




        

          


                

ظلت تتمتم بكلمتها الأخيرة مرات عديدة متتابعة....

حتي تلاشي صوتها تدريجياً....

وضع كفه علي عينيه يمنع نزول دمعه علي صفحة وجهه...

حذيفة النجدي لا يبكي...

ولو أنها ساري وحدها تستحق دموعه...

من سواها تستحقها؟!!!

تأوهاتها الحارة التي يبدو وكأن روحها تزهق معها تخترق قلبه كرماح مسمومة....

لكنه خالي اليدين معها...

ماذا عساه يفعل...

هو ترك لها الاختيار وهي اختارت!!!


+



ظلا علي صمتهما بعدها للحظات طويلة...

حتي تمالك نفسه ليهمس بخفوت:

_ساري...هل نمتِ؟!!


+



لم يصله ردها ومع هذا ظل متشبثاً بالهاتف لدقائق لم يدرِ عددها...

وكأنه يتشبث بها هي نفسها معه....

حتي وصله صوت فريدة الحزين تهمس بخفوت:

_ساري نامت أخيراً يا بني...لقد سمعت صوت بكائها وعلمت أنها تهاتفك ...وعندما طال صمتها دخلت لأطمئن عليها فوجدتها قد نامت وهي متشبثة بالهاتف...كعادتها  منذ صغرها تهرب بالنوم من حزنها...

ازدرد ريقه ببطء ثم قال لها بصوت مختنق:

_اعتني بها جيداً يا عمتي...سأهاتفكِ أنتِ غداً لأطمئن عليها....


+



أغلقت فريدة الاتصال معه ثم ربتت علي شعر ساري برفق حنون...

قلبها الذي تشبع من صدمات القدر ظل علي صموده هذه المرة أيضاً...

كل بنت من بناتها حكاية ألم وحدها...

ومع هذا هي تثق أن الله لن يخيب رجاءها فيهن...

لعلها مجرد مِحن لتصقل المعدن النفيس لكل واحدة منهن..

لكنها في النهاية ستضع قدميها علي طريق الصواب...

فبرغم كل شئ هي سعيدة لأن بناتها قد بدأن التحرر من قيد الجواري...

وهذا وحده بداية طريق!!!

=============================================================

أعادت آسيا الأريكة مكانها بعيداً عن الفراش....

ثم جلست عليه تلتقط أنفاسها اللاهثة عندما سمعت طرقاته علي الباب...

دخل مبتسماً يلقي السلام لكنه ما لبث أن عقد حاجبيه بشدة وهو يري الأريكة في مكانها القديم...

فهتف بضيق:

_لماذا فعلتِ هذا بنفسك؟!!! أنتِ لازلتِ مريضة...


+



قامت لتقف قبالته مبتسمة تقول بنبرتها القوية الجديدة:

_لم أعد مريضة...سأعود لغرفتي الآن...وأردت أن أترك الغرفة كما كانت قبل مجيئي..


+



هز رأسه بضيق وهو يفهم مغزي عبارتها الأخيرة...

آسيا شديدة الحساسية كما يبدو...

تخاف أن يسيئ معاملتها كما فعل من قبل لو أحس أنها قد أخذت مكان سمية...

لكن ما لا تعرفه أنه لا امرأة ستأخذ مكان سمية أبداً...

حتي لو اعترف لنفسه بمشاعر جديدة نحو آسيا...

مشاعر إعجاب حقيقية...

لكن سمية ستبقي لها مكانتها بقلبه دوماً!!!


+



عدلت حجابها علي رأسها ثم قالت برقة:

_تصبح علي خير يا جسار...آن لك أن تستريح من النوم علي الأريكة...شكراً علي اعتنائك بي...


+



قالتها ثم أعطته ظهرها لتنصرف...

لكنه أمسك ذراعها يستوقفها....

فالتفتت إليه ليقربها منه هامساً بحنان:

_أنا الذي أشكركِ علي اعتنائكِ بي وبالصغير طوال تلك الفترة...أنتِ هدية القدر لي يا آسيا...

ابتسمت في رقة تليق بها...

فربت علي وجنتها هامساً بحزم حنون:

_أنتِ لم تتعافيْ تماماً بعد...لهذا تدثري بغطائكِ جيداً...وأغلقي جميع النوافذ...


+



أومأت برأسها إيجاباً وقد اتسعت ابتسامتها الممتنة...

ظلت تنظر إليه تنتظر أن يفلت ذراعها  أو يرفع كفه من علي وجنتها لكنه لم يفعل...

بل بقيت نظراته متشبثة بنظراتها بما جعل شعورها نحوه يزداد يقيناً...

جسار بدأ الشعور بها كامرأة...

بعيداً عن آسيا الغريبة التي نبشت قبور الماضي وجرت قدميه للثأر القديم...

الآن تبصر نفسها بعينيه أميرة...

أميرة تستحق كل الدلال والاهتمام...

ومن يدري...ربما الحب!!!!


+



مدت أناملها ببطء تربت علي راحته المحتضنة لوجنتها ...

ثم همست بخجل :

_دعني أرحل الآن حتي تتمكن من النوم قليلاً قبل السحور.


+



تقدم منها خطوة ثم قبل جبينها بعمق هامساً:

_تصبحين علي خير.


+



ابتسمت بمزيج من الخجل والحب..

ثم لوحت له بكفها مودعة قبل أن تغادر الغرفة بخطوات خفيفة كالفراشة...

أو هكذا كان هو يراها!!!


+



بينما ذهبت هي إلي غرفتها ليتلقاها ياسين الصغير بعاصفة من الأحضان والقبل...

ضمته إلي صدرها بقوة ثم قضت معه ما يقارب الساعة تحكي له حكاياته المفضلة...

حتي غلبهما النوم...


+



لم تدرِ كم مضي من الوقت ...

لكنها استيقظت فجأة علي صوت سارينة الشرطة بالخارج...

شهقت بعنف وهي تنفض الغطاء عنها لتتوجه نحو باب الغرفة...

ولم تكد تفتحه حتي وجدت جسار أمامها ووجهه ينبض بالغضب...


+



ارتجف جسدها وهي تهمس بخوف:

_ما الأمر يا جسار؟!!!

بقي وجهه علي غضبه للحظات...

ثم لانت ملامحه وهو يسحبها بين ذراعيه ليضمها بقوة ...

ازدادت ارتجافة جسدها وهي تشعر أن الأمر ليس هيناً...

فربت علي ظهرها قائلاً:

_لا تخافي يا صغيرتي....لن يمسكِ سوء ما دام في صدري نفس يتردد...


+



رفعت رأسها إليه بتساؤل...

فأشاح بوجهه قائلاً بقسوة لم يتعمدها:

_أبناء عمومتكِ هنا علي باب المزرعة ...مع قوة من الشرطة يطلبون الإذن بالدخول...


1



انتهى الفصل


+




الثاني والعشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close