رواية حصنك الغائب الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم دفنا عمر
الفصل الواحد والعشرون!
________
+
هتف ياسين مازحًا وهو يستقبل في مكتبه الخاص ابن خالته عابد مصافحا: القاهرة ضلمت
الأخير بمرح: بوجودك ياصاحبي، عامل إيه ياض
_ ياض في عينك.. أنا استاذ ياسين وحسك عينك
تستهبل هنا في الشركة.. أنا ليا برستيجي بين الموظفين
أحمد متدخلا : برستيجك في خطر بوجود عبودي
عابد ببرود: فهمه يابشمهندس عرفه وضعه كويس.. آل برستيج آل ثم استطرد: أمال الكبير فين؟
أحمد: يزيد في موقع شغل وجاي بعد شوية..
+
ياسين: طب وبقيت الشعب فين؟
عابد: والدك وبابا وعمو محمد راحوا لعمو عاصم وشكلهم هيخرجو سوا ويرجعوا بالليل.. والسيدات الجميلات مع البنات زمزم والزئردة و القردة.. خدتهم طنط دُرة مع بلقيس للنادي.. تجمع حريمي يعني مالناش فيه.. وانا قلت اجيلكم على هنا نخرج ونهيص في أي مكان.. ماهو أكيد عايزين ترحبو بيا ك ضيف
+
أحمد: طبعا ياعبودي انت واحشني جداااا وهظبطلك خروجة حلوة على شرفك!
عابد: حبيبي يا بشمهندس!
ياسين: بس الليلة يزيد عازمنا على سينما وبعدها هيعشينا برة وهيروقنا علشانك يامعلم!
عابد: أخويا الغالي اللي مافيش منه اتنين حبيب هارتي!
+
أحمد مستأذنًا برحيله: طب يا رجالة هسيبكم بقى ترغوا سوا واروح مكتبي اشوف شغلي.. ونتقابل لما يجي يزيد، وحمد لله على السلامة مرة تانية ياعابد!
_ الله يسلمك يا ابو حميد.. كلك ذوق والله!
.......
بعد دقائق وياسين يرتشف فنجان قهوته:
قولي بقى ياسيدي خدمة إيه اللي عايزني اساعدك فيها؟
عابد: بصراحة عايز اعمل عيد ميلاد مفاجأة!
_ مفاجأة لمين؟
_ لزمزم.. ابنها مهند هيتم سنتين أخر الأسبوع.. وانا حابب قبل مانرجع المنصورة استغل التجمع ده ونحتفل هنا بس بدون ما حد يعرف.. أو هي تحديدا.. وعايز مكان مناسب فقلت انت ممكن تساعدني!
_ امممم والله فكرة الاحتفال هنا هيكون أحلى.. بس تعرف ياعابد مين هيفيدك اكتر في الحتة دي.. أحمد!
_ بجد؟! خلاص اكلمه يدلني على مكان مناسب.. كمان عايز يتعمل تورتة مميزة وبشكل معين!
+
ياسين: تمام، خلص قهوتك ويزيد خلاص اتصل وفاضله دقايق ويجي.. هنخرج كلنا ونتناقش مع احمد وواثق انه هو اللي هيخلص القصة دي زي ما انت عايز..!
__________________
+
واتته الفرصة لينظم تعارف غير رسمي بين ظافر وأشقاءه حين اصطحبهم لتناول غداء مميز.. وبالفعل انبهروا بالمكان گ عادة كل من تطأ قدمه هناك!
+
محمد باستحسان: ليك حق تراهن على المكان ده ياعاصم.. رائع
أدهم: فعلا نفس رأيي.. الأجواء فيه مختلفة..!
ناجي: واضح انه متعوب على المشروع ده مش مجرد مطعم وكافيه عادي..!
عاصم بثقة: فعلا يا ناجي ..معمول بحب وحماس واضح من تنظيمه..!
+
حضر بتلك اللحظة شابًا نحيفا ينتمي لفريق العاملين وهو يضع أمامهم أصناف متعددة وشهية.. وشرعوا ببدء الطعام والاستمتاع يتجلى على الجميع!فتحمس محمد قائلا: أنا لازم اجيب مراتي وبنتي وحفيدي هنا..!
أدهم مبتسما: وماله ياحبيبي انبسطوا احنا جايين نغير جو
عاصم: ماتقلقش انا عاملكم برنامج هيعجبكم للكام يوم اللي هتقضوهم معانا.!
+
بعد قليل أتى ظافر مرحبا:
+
_ أهلا بعاصم بيه وضيفوه.. اتمنى تكونوا انبسطوا معانا
محمد: بصراحة أنا مبهور بمشروعك.. وخصوصا الديكور المميز اللي ينقلك من مكان لمكان تاني خالص.. أجواء ساحرة ومريحة للأعصاب.. أهنيك يا ابني!
+
اشرق وجه ظافر لثناء العم وهتف بهذيب: شكراً لحضرتك جدا.. بينما تحدث أدهم: وانا متفق مع محمد.. أجواء تستحق الإعجاب.. ثم واصل بنظرة أكثر تفحصا: عاصم قالنا انك من المنصورة.. أبن مين هناك يا ظافر؟
همس الأخير: ناصف الشباسي الله يرحمه هو والدي.. والدتي كمان من المنصورة من عيلة الخوري! وخالي يبقى فوده الخوري اللي اترشح لمجلس الشعب من فترة مش بعيدة!
+
حك أدهم ذقنه وهو يمرر الأسم على ذاكرته مغمغما بتمعن: فودة الخوري؟ فقاطعه ناجي: انت معرفتوش يا أدهم؟ ده فودة نفسه اللي نعرفه! ثم حدث ظافر ليتأكد: حتى بالأمارة ابنه الكبير اسمه أيمن وفرحه كان قريب صح؟
+
_ أيوة فعلا ايمن ابن خالي اتجوز من فترة بسيطة!
+
ناجي بدهشة: ده انت طلعت مش غريب عننا بقى.. خالك معروف في المنصورة.. حقيقي ونعم الأصل"
+
ظافر مفتخرًا بسيرة الخال العطرة: شكرا لحضرتك.. انا كمان كلمته عن عاصم بيه وعرفه وشكر في عيلتكم جدا وقال انه عارفكم كويس!
+
أدهم: البلد صغيرة وكلنا عارفين بعض..! ثم تسائل: بس انت ازاي معرفتش فودة يا عاصم؟
+
عاصم بتعجب: أنا عارف فودة.. لكن ماكنتش اعرف انه خال ظافر.. هو قالي انه من عيلة الشباسي..!
ظافر: انا فعلا ماذكرتش لعاصم بيه حد من عيلة والدتي.. بس انا حقيقي فرحان بالصدفة دي واتشرفت بيكم!
+
تبادلو بعض العبارات المنمقة وتركهم ظافر، ثم نظر لهم عاصم نظرات ذات مغزى لشقيقيه.. أما ناجي فكان غافل عن حديث العيون غير مدرك لشيء.. وبعد قليل طلبو فاتورة وليمتهم ليسددوها قبل المغادرة.. فجاء الرد من ظافر حين أتاهم ثانيا
+
أنا من غير حاجة كنت ناوي ارحب بضيوفك اللي شرفوني للمرة الأولى يا عاصم بيه.. بس بعد المعرفة دي وبعد ما طلعنا ولاد بلد واحدة التحية بقيت واجب! واعتبروا الحساب وصل واتمنى تشرفوني مرة تانية!
+
لم يستطع أحد إثناء ظافر عن رفضه بتلقي أي نقود.. وما أن ذهب حتي هتف ناجي: ماشاء الله ..شاب ابن ناس فعلا.. ربنا يبارك لأهله فيه..!
+
أمن ثلاثتهم على دعائه.. ثم استأذنهم ناجي ذاهبا لأبويه وشقيقته ليطمئن عليهم متواعدين على لقائهم باليوم التالي بڤيلا عاصم!
+
بادلوه التحية وبعد رحيله.. هتف عاصم وهو بعد أن استقل مع أشقائه السيارة: ها ياجماعة إنطباعكم أيه عن الشاب ده؟
محمد: أنا غيابي مخليني خارج الخدمة من ناحية معلوماتي ومعرفتي بأهله.. بس الولد نفسه انا ارتاحت له جدا وشكله ابن ناس فعلا..!
+
عاصم وقد بدا متردد: مكدبش عليكم انا لحد دلوقت مش مقتنع بقصة الخطوبة المؤقتة دي..خايف بنتي تتأذي نفسيا من تعلقها الزيادة بيه.. أصلكم ماتعرفوش متعلقة بيه ازاي ..والدكتور بيأكد إن بنتي مش هترجع لطبيعتها الكاملة إلا بمساعدة ظافر..!
+
محمد: انا مش شايف فيها مشكلة يا عاصم.. مجرد ما بلقيس تخف تماما هي نفسها هتعرف ان تعلقها بيه كاذب ومشاعرها هتتوضح أكتر.. والولد بمنتهى الشهامة طلب ايدها منك وأعفاك من الحرج وهو متفهم لحالتها ووعدك انه هيجيب والدته وهيطلبها رسمي قصاد الكل.. ثم واصل: وبعدين من غير حاجة هي مش بعد الشر كانت ممكن تتخطب عادي وماتكملش لأي سبب؟ يعني موضوع فركشة الخطوبة فيما بعد بسيط!
+
رمق عاصم أدهم فوجد وجهه شارد متجهم، فقال: أدهم! ساكت ليه؟ عايز اعرف رأيك!
+
رغمًا عنه شرد بولده يزيد وراوده قلق مرتقب حين يعلم بخطبتها لأخر.. حتما سيتألم.. لكن لا مفر من هذا.. ربما يتألم اليوم.. لكن سيتعافى في الغد حين ينقطع أمله بها دون رجعة.. وعند هذه النقطة اشتعل عزمه وهو يجيب شقيقه بثقة:
+
أنا شايفه يشرف ياعاصم وحتى عيلته وجذوره عارفينها.. الولد له أصل عريق من الناحيتين! وابن الأصول مش هيسيء التصرف ابدا.. خصوصا ان مافيش حاجة أجبرته غير الانسانية والنخوة.. وصاحب الصفات دي ..مايتخفش منه!
+
أومأ برأسه براحة بعد حدثهما المشجع، فواصل أدهم:
+
انت مش قلت وليمة المشاوي بعد بكره مطعمه اللي هينظمها ويبعتها؟ أجاب عاصم بنعم، فاستطرد أدهم:
خلاص أعزمه زي ما قلت بحيث يحصل تعارف مبدئي بينه وبين الولاد..
+
محمد: أنا بأيد الفكرة جدا..!
+
عاصم: أنا عزمته بس هو اتنصل بلباقة وقال انه تجمع عائلي وهو مالوش مكان!
+
محمد: لا سيبهولي انا هات رقمه وهكلمه اخليه يجي ماتقلقش .. ويلا بقى نحصل الجماعة على النادي!
_______________
+
في المساء بعد السينما..!
ياسين: الفيلم بصراحة طلع روعة ويستاهل...!
احمد: أنا كمان استمتعت بيه جدا
عابد: ذوق الكبير لازم يبقى حلو
يزيد وهي يربت على كتف عابد: حبيبي يا عبودي الحمد لله إن الفيلم عجبكم!
+
احمد: تعالو بقى هعشيكم أنا في...... .
يزيد مقاطعا: لا يابشمهندس انا عرفتك إن الليلة كلها على حسابي.. يومك انت ابقي ظبط وحاسب براحتك!..
+
احمد: ماشي كلامك يا زيدو.. ثم التفت لعابد: إيه الموضوع اللي كنت عايز تكلمني فيه!
+
قص له عابد رغبته فهتف احمد بحماس: ده انت جيت في ملعبي.. شوف ياسيدي مطعم وكافيه الصحبة الطيبة والديكور الوهمي بتاعه هيناسب جدا عيد الميلاد.. وبما إن عامر صاحبي اوي هخليه يظبطك تزيين الجزء اللي هنعمل فيه الأحتفال.. والتورته اللي حاببها دي لعبة ظافر هو اللي هيعملك طلبك المميز.. ولا إيه يا يزيد..!
+
يزيد بتعابير محايدة: الحقيقة المكان بالفعل مميز في كل شيء وترشيحك له مناسب!
+
عابد: خلاص بكره نروح نتفق معاهم يا احمد.. بحيث قبل سفرنا المنصورة نعمل المناسبة دي واحنا مع بعض.. بس بقولكم ايه ده سر محدش هيعرفه من البنات بالذت جوري اللي مش هتسكت وهتسيحلي وتبوظ مفاجأتي!
+
ضحك يزيد: فعلا دي أذاعة لوحدها..!
ياسين: واختي كمان مش هتقصر
+
عابد: يبقي اتفقنا يا رجالة.. ونتقابل بكره!
+
ودعهم أحمد، ثم ذهب ياسين لمنزل الجد حيث تقيم باقي عائلته، وعابد صاحب يزيد لمنزله الخاص!
_________________
+
محيطها ممتليء بالجميع الذين غمروها باهتمامهم.. العم الغائب الذي بكى عندما احتضنها.. شعرت بدفء عبراته التي جففها سريعًا وهو يضحك مغمغما ببعض الكلمات.. جوري وخفة ظلها هي تحادثها، وزمزم الرقيقة وحديثها القريب للقلب، والتي تركت معها الصغير المشاكس مهند وكم هو لطيف وأحبت صحبته..أما عابد فقد خصها بسر لا يعلمه أحد.. هو يخطط لشيء ما.. وكم جميل أن تدرك أمرًا لا يدركه من حولك.. لكن كل هذه المشاعر بقدر ما أنعشتها وأسعدتها.. لا تساوي فرحتها برؤية غائبها اليوم.. فوالدها أخبرها ان ظافر سيأتي.. أخيرًا شعر بشوقها له أحدًا..!
+
_ عملتلك عصير فرش يا قلب ماما
التفت لوالدتها مبتسمة ومدت يدها لتأخذ كاستها، فقبلتها دُرة: يدوب اجهز أميرتي عشان الكل بيسأل عليكي تحت.. هعملك شعرك ونختار سوا طقم جميل!
+
همست لها: ظافر جه؟
برقت عين دُرة بحنان وفرحة گعادتها كلما تحدثت ابنتها، وأجابت: لسه ياحبيبتي في الطريق.. إنتي فرحانة انه جاي انهاردة؟
أومأت برأسها مبتسمة، فعادت درة تتسائل: بتحسي بإيه اما بتشوفي ظافر يا بلقيس؟
+
وميض سطع من حدقتيها العسلية وبعد صمت طفيف، اختزلت وشعورها بوجوده في كلمة واحدة: الأمان!
+
ضاقت عين دُرة بنظرة ثاقبة..فتعلق ابنتها بهذا الشاب عجيب، ويساورها خوف مُقبض لقلبها أن "ترتد " إليها مشاعرها البريئة تلك بجرح غائر ينخر قلبها.. بلحظة مواجهة أتية لا ريب فيها..فإن كان الشاب مشفقًا عليها ويساعدها من منطلق العطف.. فحين تتعافي سينعدم سبب وجوده ويتلاشى من عالمها كما أخترقه.. هل ستتحمل قارورتها الصغيرة؟
+
_ ينفع تعملي في شعري ضفيرة سنابل؟
انتفضت على صوت بلقيس، فدنت وغاصت اناملها بخصلاتها السوداء مردفة. بحنان: ينفع يا نور عيني، وفي تسريحة شوفتها ع النت هتنسب طول شعرك أكتر وتخليكي زي القمر..!
+
ابتسمت.. فهذا ما تريده.. أن تكون جميلة عندما يراها.. هو فقط من لا تخاف إظهار جمالها أمامه.. هو حارسها الأمين وفارسها المغوار..!
__________________
+
يعترف لنفسه أنه اشتاقها بعد غيابها بتلك الفترة.. ورغم حرجه لحضور تجمعهم الأسري لكن رغبته برؤيته طغت على كل شيء.. كما أن السيد عاصم أعلمه أنه تمهيد لتعارف بينه وبين أولاد عمومتها.. الأمور تمشي بإطار أكثر جدية.. فلا يعقل ان يظهر گ خطيب لها فجأة دون تعارف.. هذا لقاء منطقي..!
+
_ انت مش رايح شغلك انهاردة يا ظافر؟
+
رد تساؤل والدته بهدوء: عندي مقابلة مع ناس مهمة ياماما..!
حاصرته بنظرة متشككة وقالت: طب في حاجة تانية شاغلاك؟ شايفاك بقيت تسرح كتير الأيام دي؟
ثم همست بخبث عندما طرأ خاطر ما داخلها: لتكون بتحب يا ولد ومخبي على أمك!
+
ابتسم لها دون إجابة، فقالت بحماس: يعني تخميني صح؟ بتحب يا ظافر؟ يعني هتفرحني أخيرا وتقولي تعالي اخطبيلي يا ماما؟
+
تلاشت ابتسامته عندما تذكر أمر محادثتها بخطبته.. هل سينجح بإقناعها وتقبل الأتيان معه وطلب الفتاة؟ يريد مدخل جيد معها دون كشف أي حقائق تهدر كرامة الرجل وابنته..فلا يعقل ان يعلمها أن رغبته بخطبة الفتاة فقط لمساعدتها على التعافي.. هذا مهين ولن يرضاه لها حتى لو كان اقترانه بها عطف أو رأفة. بحالها.. شيء داخله ينفر لمجرد فكرة معرفة والدته بالأمر..!
+
_ أنت هترجع تسرح تاني.. هزعل لو كنت مخبي حاجة عني يا ظافر"
+
نفض شروده وقد عزم على مصارحتها الآن:
_ بصراحة يا ماما.. كلامك صح.. في حد شاغلني..وبدون لف ولا دوران أنا عايز اخطب بنت وكنت منتظر وقت مناسب عشان اعرفك..
+
أشرقت ملامحها وهي تقول: بتتكلم جد؟؟ هي مين ؟ وعمرها قد إيه وتعليمها أيه؟ وشوفتها فين وامتي؟ وعيلتها من فين و... ..
+
قاطعهاضاحكًا: حيلك عليا إيه يا ست الحبايب براحة عليا هجاوب كل ده ازاي!
_ مش مهم ازاي المهم تجاوب وبسرعة مش قادرة اصبر.. اسمها إيه وعندها كام سنة؟
+
_ بلقيس!
استشعرت بهمسته وهو بلفظ أسمها حنان غريب، فقالت هي الأخرى باستحسان: بلقيس؟ حلو الأسم! طب هي بنت مين؟!
+
استرسل بما لديه: بنت راجل أعمال محترم جدا وكبير عيلة معروفة في المنصورة.. وانا عميل عنده من فترة بستورد من شركته منتجات لمطعمي..!
_ وتعرفها من إمتي؟
+
غامت عيناه وشرد ورؤيتها الأولى تلوح لمخيلته وهي بحقيبة سيارة وهمسها الضيعف المستجدي بقوته يتردد بعقله، فقال هامسا: اتقابلنا أول مرة من سنتين.. وبعدها اختفت ورجعت ظهرت تاني!
_ ولما ظهرت حبيتها على طول ولا حصل أيه؟ عايزة تفاصيل!
+
_ مش عارف! ( لفظها بتيه لا يعلم بماذا بجيبها؟)
+
_ مش عارف حبيتها ازاي؟
+
تسائلت بريبة، فتدارك أمره سريعا: لا مقصدش كده يا أمي.. اقصد إنها لفتت نظري من أول ما شفتها بس ماكنتش اعرفها ولا قادر اترجم اللي جوايا.. لكن لما بالصدفة قابلتها تاني وعرفت انها بنت عاصم بيه، وحصل بنا مواقف معينة، اتأكدت انها بتمثلي حاجة كبيرة أوي..ولما حكمت حسابات العقل لقيتها مناسبة جدا من كل النواحي.. مستواها المادي والتعليمي لأنها خريحة تجارة إدرة اعمال و...... .
+
_ وإيه؟ كمل ياحبيبي!
+
تنهدت ظافر وهو يغمغم: وجميلة أوي يا ماما..!
+
_ معاك صورتها؟
تسائلت بلهفة، فقال: الحقيقة لأ.. بس!
تردد فهو لم يخبرها بالأهم إلى الآن، فحسته على المواصلة فتمتم: في حاجة أهم عايز اصارحك بيها يا ماما واتمنى تقدري وتفهميني!
+
كلماته أوجستها فهتفت: خير يا ابني قلقتني!
_ متخافيش يا أمي..بصي البنت ممتازة زي ما قلت بس هي اتعرضت لأزمة نفسية لأنها شافت حادث صعب من كام شهر وده خلاها منعزلة وقليلة الكلام شوية!
+
صمتت تحلل كلماته ثم تسائلت: مش فاهمة يعني هي تعبانة نفسيا وغير مؤهلة لارتباط؟ أمال بتكلمني عنها ليه من الصبح يا ظافر..!
+
عدل لها مفهومها قائلا: لا يا أمي مش زي مافهمتي هي كويسة جدا بس مش بتتكلم كتير غير معايا أنا.. بتطمن ليا أكتر من أي حد.. وعشان كده حبيت اخلي علاقتنا خطوبة رسمية توفر ليا حرية التواجد معاها طول الوقت.. يعني بمعنى أدق.. أنا حابب اقف معاها في ازمتها لحد ماتعدي منها وفي نفس الوقت احقق رغبتي في الارتباط بيها.. صمت متأملا ملامح والدته التي تجهمت عن ذي قبل، فقال: قولت إيه يا ماما؟ موافقة تيجي تخطيبها ليا وتفرحيني؟!
+
ظلت صامته وهي تخطو تجاه النافذة المشرعة تطالع خارحها بشرود.. ثم غمغمت بعد برهة: كلامك مش مريح يا ظافر.. في حاجة مش مظبوطة! لما هي تعبانة نفسيا عايز ترتبط بيها ليه دلوقت؟ وتعرف منين انها هتخف وإن مرضها النفسي مش هيأثر على سلوكها معاك مستقبلًا؟ مثلا تكون عصبية زيادة.. متهورة في بعض تصرفاتها.. تفكيرها مشوش ماتعرفش تاخد قررات مهمة في حياتها وأمور كتير ممكن تظهر مع الوقت في شخصيتها..!
ظل على صمته فالتفتت له هاتفة بنبرة أكثر حزمًا: البنات كتير يا ظافر ليه تجازف بواحدة احتمالية انها تكون مش مناسبة ليك عالية بدرجة تخوف!
+
يعلم أنه أثار قلقها بحديثه ولكن هذا أمر حتمي، كان لابد من إعلامها بجزء طفيف من الحقيقة حتى تتقبل تلعثمها وقلة حديثها حين يتقابلا..والآن عليه أن يبذل كل تأثيره على والدته لإقناعها بتقبل الفتاة..!
دنى منها وجذبها لتجلس فوق مقعد قريب ثم همس لها بنبرة رجاء منعكسة بحدقتاه وهو يطالعها:
+
_أسمعيني يا أمي.. لو هنوازن الموضوع بمنطق العقل.. كلامك صح يا ماما وفي مجازفة.. بس لو حكمنا القلب يبقي هنا الميزان هيختلف.. البنت مافيهاش حاجة تعيبها.. والمرض النفسي اللي عندها مؤقت وهي بالفعل اتعافت بنسبة كويسة من وقت ما بقيت موجود في حياتها.. هي بتثق فيا وبترتاحلي جدا يا أمي وطبيبها قال ان وجودي معاها هيفرق جدا في علاجها.. ضيفي بقى على الجزء الإنساني ده اني أصلا عايزها ومقتنع بيها.. وبعدين ده ارتباط مبدئي بدبلتين وتعارف بين العيلتين.. وانا اثق انك هتعجبي بيهم جدا.. والدها ومامتها وباقي اهلها ناس يشرفو.. أرجوكي حققيلي رغبتي يا أمي، دي أول مرة اطلب منك طلب واتمنى تحققيه.. عشان خاطري فرحيني وباركي الخطوة دي لأن من غير مباركتك مش هتتم وفي نفس الوقت انا مقدرش اتخلى عن بلقيس!
+
تنظر له بتشتت وعقلها غير متقبل لما يقول وأفكار سلبية تهاجم دواخلها.. ولكن قلبها يآبى خذلان نظرته المستجدية تلك وهي تراه يستعطف أمومتها لأول مرة بهذا القدر.. هل ولدها وقع بهوة الغرام لهذا الحد ليستعطفها هكذا؟! لا تعرف ما هو القرار الصائب الآن؟
+
_ ها يا ماما؟ قولتي إيه؟ هتفرحيني ولا هتكسري خاطري وتردي طلبي؟
تسائل بملامح مترقبة لما ستجود به، فصمتت برهة أخرى تحاكي عقلها.. ثم فاضت عيناها بعاطفة طاغية وهي تقول بقوة:
+
_ معاش ولا كان اللي يكسرلك خاطر وانا على وش الدنيا يا ظافر..!
لثم كفها بحب وعاد يطالعها، فواصلت:
أنا مش مقتنعة ومش مرتاحة، بس عشان خاطرك هفكر كويس وانت سبني يومين أصلي استخارة واشوف، ولو حصل ووافقت هيكون ارتباط مبدئي زي ما قلت.. وفي الفترة دي هختبرها واشوف هتناسبك گ زوجة ولا لأ.. واظن ده حقي يا ظافر اني اطمن من ناحية مرات ابني المستقبلية.. أنا ماحيلتيش غيرك انت واختك ومعنديش استعداد حد فيكم يختار غلط ويعيش تعيس.. ومادام عايز مباركتي.. يبقي اديني وقتي!
+
في الواقع لم يحلم ظافر بإنجاز أكثر من هذا..ويعلم أن بعد صلاتها ستأتيه بالموافقة المبدئية للخطبة..وتلك الفترة ستكون كافية لتتعافى بلقيس وتعود لطبيعتها.. وحينها سينتهي دوره ومسؤوليته تجاهها... .وتنتهي الخطبة المزعومة!
____________________
+
بينما هي تشارك الجميع الطاولة بحديقة المنزل وتسمع ثرثرة بنات العم ومزاحهم يعبء الأجواء حولها بالمرح.. كانت عيناها تراقب نقطةٍ ما سيظهر منها منقذها بأي لحظة.. كم تطوق لتتحكل برؤيته! وبعد لحظات قصيرة أطل عليها بقامته الفارعة الأنيقة ومحياه الوسيم، فنهضت بغتة وأحداق الجميع تتابعها بدهشة لنهوضها المباغت.. وما أن وصلت إليه حتى وقفت تطالعه مبتسمة.. أما هو فبعثرته طلتها الجذابة البريئة وهي تُقدم عليه گ المسحورة وعيناها تعتقله ببحر عسلها.. لكن شيء من الحرج الشديد اعتراه عندما لمح أحداق المحيطين مصوبة إليهما.. الأمر حتمًا يبدو مريب لكل راءي لهما.. أين السيد عاصم ينجده من هذا الموقف..!
+
_ يا أهلا باستاذ ظافر.. مبسوط جدا إنك شرفتنا..!
+
حمدًا لله.. إنه عابد.. ذاك الشاب اللطيف الذي أتاه بصحبة أحمد وياسين بالأمس مبرما معه اتفاق بتنظيم حفل عيد ميلاد مميز لطفل ذو عامين.. من الجيد انه أتى الآن.. فتمتم ظافر بود: أهلا بيك يا عابد والشرف ليا أنا..! ثم استطرد: أمال فين السيد عاصم!
+
وعلى ذكره صدح صوته مقبلا عليهما: موجود يا ظافر ومبسوط جدا إنك جيت.. ثم وجه أنظاره لعابد وقال: بس هو انت تعرف عابد؟
+
قال الأخير: أيوة ياعمي ياسين عزمني عنده امبارح.. وفي مصلحة كده بنا هقولك عليها بالليل..!
_ ماشي يا سيدي وعندي فضول اعرف المصلحة دي!
عموما خد ظافر معاك انت والشباب ورحبوا بضيفنا كويس.
عابد محدثا ظافر: أكيد ياعمي..تعالى نروح للشباب عشان عايز اقولك على فكرة بخصوص اتفاقنا لو قدرت تنفذها يبقى ممتاز..!
ظافر بثقة: تمام، و أي حاجة تخطر في بالك قولها.. بأمر الله اليوم هيكون مميز جدا وهنرفع راسك..!
+
غادر وتعمد ألا ينظر لتلك الواقفة تحاصره بنظراتها.. لكن قبل أن يتحرك فاجئته بهمسها: ظافر..!
+
تسمرت قدمه مع ندائها، بينما التفت إليها عابد يرمقها بدهشة وهو يقول للعم: هي بلقيس تعرف ظافر؟؟؟
+
عاصم: أيوة يا عابد، روحت بيها هي ودُرة كذا مرة عنده عشان كده عارفاه وعارفة أسمه!
+
لم تختفي دهشة عابد وتساؤله.. هل هذا يكفي وهي بحالتها المرضية تنطق إسم غريب بهذا الاستجداء وكأنها لا تريد ذهابه؟ يشعر بشيء غير مفهوم في الأمر!
جذب عاصم ابنته هاتفا: روحوا انتم وانا هاخدها للبنات!
لكنها فاجأتهم ثانيا وهي تتملص من ذراع أبيها وتتحرك لتقف جوار ظافر.. كأنها تعلن بطريقتها انتمائها إليه بشكل أذهل عابد الذي سريعا ما طفت غيرته الفطرية على السطح تجاه ابنة العم وقال وهو يعقد حاجبيه بعبوس: بلقيس.. مايصحش كده تعالي روحي للبنات!
لم تستجيب له ملتزمة بنفس وقفتها! فنظر عابد للعم فوجده يتبادل مع ظافر نظرات مبهمة، ثم حدث ابنته: تعالي يابلقيس عشان.........
+
بتر حديثه بذهول وهي تعبر عن اعتراضها بطريقة أكثر وضوحا، حيث تعلقت بذراعه هاتفة بعناد: مش همشي.. عايزة افضل معاه..!
+
تمنى ظافر لو لم يأتي.. فكم الأحداق المتسعة التي وجدها تراقب تشبثها به كاد يغرقه عرقا من فرط إحراجه.. ولم يجد بُدًا من إثنائها هو بنفسه حتى لو برزت لهما قوة سيطرته عليها واشتعلت جذوة ذهولهم أكثر..! وعلى الفور نزع ذراعه من قيد أناملها وهو يأمرها بجمود اضطر إليه إضطرارًا:
بلقيس سيبيني وروحي مع والدك لو سمحتي!
+
منحته نظرة حزينة مخذولة.. لما يبعدها هكذا.. ألا يعرف كم تشتاقه وكانت تنتظره؟ هل لا يحب رؤيتها؟ ازدادت حدة نظرتها مع سحابة دموع برقت بعيناها..فجذبها عاصم بقوة أكبر حتى ينهي هذا الموقف فلم تعترض تلك المرة منصاعة لأبيها وكأنها زهدت في من كانت تنتظره بلهفة أطفأها بفتور اهتمامه وجموده..!
___________________
+
زمزم ببلاهة: شوفتوا اللي انا شوفتوه يابنات؟ إيه اللي بلقيس عملته مع الراجل الغريب ده..؟
جوري بنفس الذهول: انا مش فاهمة حاجة.. وعابد شكله هيقلب وعينه بتطلع نار.. انا عارفة اخويا لما حاجة تضايقه!
شوفتي ياعطر اللي حصل؟
+
لم تشاركهم الأخيرة نفس زاوية اهتمامهم.. نظرها أنصب على شخص أخر يقف بعيدا يتابع ما حدث بخيبة أمل وحزن!
+
بعد لحظات أتاهم عاصم ببلقيس وأجلسها بينهم ثم استدعى دُرة من الداخل حيث كانت لتتابعها حتى لا يصدر منها تصرف اخر يشعل فضول الحاضرين..! يكفي هذا القدر.. الجميع لاحظ تعلقها به.. وهذا ما أراده لتكون خطوة خطبتها به مقبولة فيما بعد!
_____________________
+
منذ أن أخبره أبيه أن أحدهم يرغب في الاقتران ببلقيس..وأن العم عاصم نظم هذا التجمع للتعارف بينه وبين العائلة..وأصابته حالة من البلادة والجمود،
يظن أبيه انه لايعلم من يقصد؟".. يضحك داخله فلا أحد يعلم ما يعلمه هو.. مايحدث الآن هو ما تراءى له في حلمه وصار أمرًا مسلم به ومعاندته غباء وهو لم يتسم بالغباء يومًا..كما أكتفى واقعه معها من الألم.. وأخذ قراره أنه لن يهتم، سيتجاهل ألمه مهما استفحل وتعاظم.. سيتناساه ويؤمن أنه بلحظة ما سيزول إلى الأبد..بلقيس ملاذها هو ظافر..منقذها الذي تتجسد كل تعابير الحياة بوجهها حين تراه..كما هي الآن بذات اللحظة..مبتسمة وعسل عيناها يتألق وهي تخطو إليه فور حضوره گ المجذوبة التي لا ترى غيره بين الحاضرين!
+
أما تلك الفواحة التي مازالت تراقبه خلسه، فمن يقترب منها الآن سيشتم رائحة احتراقها وهي تفسر نظراته بحروف خُطت داخلها بماءٍ من نار ..مازال يعشق معذبته وينتظر ويترجى فيها أملًا..هذا فقط ماقرأته بتقطيبة جبينه ونظراته المشتعلة المغموسة بحزن شطر قلبها معه..! تجرعت ريقها وكسى نظرتها جمود وترجلت بعيدًا قاصدة الرحيل قبل أن تختنق بغيرتها عليه..!
__________________
+
أدرك خيبتها منه وغزا روحه ضيق شديد لتسببه بحزنها بعد أن لمح بريق العبرات يغلف نظرتها.. لكن ما العمل وأحداق المحيطين أحاطتهما بشكل أربكه بشده.. لا أحد يعلم سر تعلقها المريض به دون غيره..
كما لاحظ نظرات عابد التي فقدت مرحها فعلى ما يبدو أزعجه غموض الأمر ويتوقع سعيه لمعرف الكثير من السيد عاصم.. في الحقيقة لا يتعجب منه فأن كان في موضعه لثارت شكوكه وريبته لا محالة..!
+
أما من تحير منه أكثر بين الجميع، "يزيد" الذي حملت نظراته له غرابة شديد وكأنه يدرك كل شيء يخص يخوط سبب وجوده.. لمح مقلتاه غيرة لا تشبه غيرة شقيقه عابد.. بل امتزجت بغموض مع سحابة حزن حاول مواراتها ولم ينجح.. تذكر لحظتها حدته بأول لقاء ونزعه القاسي لبلقيس من خلف ظهره ثم نظراته العدائية فيما بعد وتجنبه الإتيان لمطعمه كما كان يفعل مع رفيقه أحمد أحيانًا..ثم ومض بذهنه فجأة موقف كان قد تناساه كليًا عندما سأله يزيد إن كان أضاع شيئًا يخصه..فأعلمه انه فقد معطفه وقنينة عبقه، تذكر كيف أُظلمت عيناه وبرزت عروق عنقه وبدا كأنه يبذل جهد خرافي ليتحكم بذاته ثم تركه دون كلمة واحدة.. ومن وقتها لم يأتي مع رفيقه ابدا وتجنبه تماما.. ما شأنه يا تُرى؟ هل من المعقول انه يدري حقيقة الأمر بينه وبين بلقيس؟!
+
_ ظافر تعالي عايزك في كلمتين!
انتشله صوت عاصم من شروده الصامت، وذهب ليجالس كبار العائلة داخل الفيلا بانعزال عن صخب الحديقة ومن بها..!
أول من تحدث معه كان السيد أدهم الذي قال:
بدون لف ودوران كده يا ابني.. عاصم عرفنا بطلبك بخصوص بنتنا بلقيس!
+
تبادل نظرات سريعة مع عاصم عله يستشف لأي مدى وصل بحديثه معهما، وتمنى ألا يكون كشف كل الأمر حفاظًا على كرامة الفتاة، فقال برغبة التأكيد: فعلا ويشرفني أكرر ليكم طلبي لإيد الأنسة بلقيس!
+
أدرك محمد وأخويه بوضوح حرص الشاب على إخفاء الغرض الحقيقي للخطبة.. هو بالفعل يحاول المحافظة على كرامتها هي وأبيها.. حقًا سلوك يستحق الإعجاب!
+
استطرد أدهم: لما عاصم عرفنا برغبتك استغربنا لأن!
قاطعه ظافر: عارف حضرتك هتقول إيه ومافيش داعي لاستغرابك.. الأنسة بلقيس تشرف أي حد وحالتها النفسية دي مؤقتة وهتنتهي قريب.. وانتم عيلة تشرف أي حد يناسبها!
+
( أحيانا يلفظ كلمات يتعجبها حين تمر بعقله.. لما هو حريص هكذا على عرض طلبه دون مصارحة محرجة ومؤلمة..ربما إدراكه صعوبة الأمر على نفوس من في موضعهم وشأنهم.. ويريد فقط التخفيف عنهم بإظهار حماس ورغبة قوية حتى وإن كانت كاذبة.. ولكن هل هي حقًا كاذبة؟ أم انعكاس لشيء في نفسه؟ لا يدري)
+
محمد: مادام كده والحمد لله في تفهم واضح وتقدير لحالة بنتنا من ناحيتك ورغبتك ان العلاقة تاخد شكل جدي.. يبقى اعتقد هننتظر أهلك يشرفونا..!
+
رمقه أدهم وعاصم اللذان تعجبا من أخيهم.. وقد اتفقوا على مصارحة كاملة مع ظافر وإخباره انهم يعلمون كل شيء.. لكن أسكتتهم نظرة ما من عين محمد فصمتا يترقبا ما يفعل فأكمل الأخير: بما إننا اتقابلنا قبل كده وعرفنا أصلك وطيب نسلك.. بإذن الله الأمور تمشي بشكل لائق.. وهيكون التعارف الأوضح بينك وبين باقي العيلة لما تيجي مع أهلك
+
ظافر على الفور: طيب يناسبكم أخر الأسبوع؟
عاصم بعد تبادل النظرات مع شقيقيه: تمام ياظافر.. هنتظرك أخر الأسبوع، وفرصة الكل موجود قبل ما يرجعوا المنصورة تاني!
+
_ خلاص اتفقنا.. وانا هكلم أهلي وبإذن الله خير..!
+
طرق ياسين الباب عليهم مقتحم خلوتهم وهو يقول:
يلا ياجماعة الأكل جلهز وكله منتطركم!
عاصم: يلا يا ظافر زمانك جوعت!
_ ياريت تعفيني أنا لازم امشي عشان.......
محمد مقاطعا: مافيش مشي قبل ما ناكل لقمة سوا.. يلا اتفضل!
+
رضخ بالأخير وإن كان يشعر بالتوتر لنظرات البعض.. لكن لا بأس فلينتظر دقائق أخري ثم يمضي..!
_________________
+
انفرد عاصم بمحمد دقائق قبل اللحاق بالجميع وقال:
انت ليه خلتنا مش نتكلم بوضوح أكتر مع ظافر انكم عارفين حقيقة الخطوبة؟
محمد: لأن لاحطته حريص جدا ان الموضوع يبان قصادنا انه رغبة حقيقية منه.. خلاص نحقق طلبه ونوهمه بكده.. هنخسر إيه.. ده غير ياعاصم أحنا مانعرفش الأمر ده هيرسى على أيه؟
_ تقصد إيه يعني؟
+
محمد: قصدي خلينا ماشيين إن الارتباط ده حقيقي لحد ما يحصل العكس.. حماس ظافر محسسني انه واخد الأمر بجدية مثيرة.. مش يمكن الولد فعلا عايز بلقيس بجد ياعاصم؟
استنكر الأخير: إزاي يعني وهو عارف حالتها؟ انا شايفه مجرد تصرف شهم منه بعد كلام الدكتور مش أكتر !
محمد: ماشي كله هيبان بعدين.. المهم نمشي عادي في الموضوع بافتراض انه حقيقي.. وخلي كل حاجة لوقتها
_ ماشي يا سيدي.. يلا بقى نحصل الجماعة!
__________________
+
لمحها وهي تغادر خلسة بشكل أوجسه فتابعها حتى صارت خارج حدود منزل العم عاصم، فناداها بقلق:
+
_ عطر!! انتي راحة فين دلوقت وسايبة الكل؟
التفتت له بجمود: هرجع عن تيتة وجدو..!
اقترب منها متعجبا: بس لسه بدري.. ده لسه حفلة المشاوي هتبدأ.. كلي لقمة وبعدين امشي!
_ لأ..!
لاحظ برود وعصبية طفيفة غلفت رفضها، فدنى اكثر مغمغما: مالك ياعطر.. في حاجة ضايقتك جوة؟؟؟
+
رمقته بنظرة مطولة دون حديث محتبسة داخلها عذابها لأجله.. ماذا تقول؟ والحَلقُ علق به كلمات خرساء لا ينبعث منها صوت ولن يجيد فهمها سوى عاشق بارع بفك طلاسمها..!
_ شكل الموضوع كبير..!
تمتم لها ثم تلفت يمين ويسار بضجر وعاد يغمغم: تعرفي.. أنا كمان عايز امشي.. مش حابب أكمل في التجمع ده.. إيه رأيك نروح انا وانتي ناكل ونشرب حاجة في أي مكان.. وبالمرة تحكيلي أيه مضايقك؟
+
_ وأنت كمان هتحكيلي اللي مضايقك؟!
همست متسائلة بخفوت، مكث صامتا لحظات ثم طالعها: أنا مابحبش احكي لحد اللي جوايا ياعطر.. لأنه مش هيستفيد حاجة اما يسمعها..!
_ بس انت هترتاح لما تتكلم يا يزيد!
_ لكن هتعب غيري بكلامي!
_ مين قالك؟ مش يمكن سكاتك هيتعبهم أكتر؟!
+
عادت تهمس له ومازال صوتها يفتقد لحماسته المعهوده بها، فعاد يرمقها بتروي،أحيانا يحتار بأمرها حين تنتقل من مزاحها الطفولي، لجديتها گ أنثى صارت تفرض وجودها شكلًا وموضوعًا..يلاحظ مظهرها المميز ورقته منذ أن أتت.!
ودون إدراك منه دارت عيناه على ما ترتديه..والذي مزج أناقتها بنعومة ناسبت نقائها وبراءتها مهما حاولت أن تظهر بعمرٍ أكبر.. مازال شيئًا من طفولتها عالق بوجهها الخالي من الأصباغ!
+
طال شروده وعيناه تتلكأ على تفاصيلها فشعرت بالخجل وهي تغمغم: طب أنا همشي!
+
أجلى صوته عندما فطن لشروده الغير لأئق، وقال بنبرة حاول ان تبدو مازحة: مافيش مشيان ياقردة، ياتدخلي جوه مع الكل.. ياتقبلي عزومتي ونتكلم شوية.. أنا أصلا بقالي كتير مش برغي معاكي.. حتى دراستك معرفش ماشية فيها ازاي!
+
_ دراستي تمام الحمد لله.. ما أنت عارف اني حابة الهندسة وداخلتها عن اقتناع!
_ عارف طبعا.. طب يلا تعالي نمشي بدال الوقفة دي، انا راكن عربيتي قدام شوية.. وهتصل بياسين اعرفه انك معايا وهوصلك بعدها لبيت جدك.. عشان محدش يقلق عليكي!
..................
عطر وقد تعدل مزاجها قليلا وهي تجالسه بإحدى المطاعم المتواضعة وتلوك بفمها قطعة خبز هاتفة بعد ابتلاعها: تصدق بالله! سندوتشات الفول والفلافل دي أحلى من المشاوي وفتحت نفسي أوي!
+
شاركها الحماس: أه والله ..أنا كمان باكل بشهية.. أظاهر المشكلة كانت في نوع الأكلة نفسها.. أو احنا اتنين فقر مالناش في المشاوي النصيب!
قبل أن تجيبه صدح رنين هاتفها، فقالت: ماما بتتصل بيا ثواني ارد..!
_ ازيك يا ماما.. عادي كنت زهقانة وعايزة اروح لجدو.. ( وعلى مايبدو تلقت توبيخ من والدتها فبدت محتنقة وهي تجيب) خلاص بقى يا ماما قولتلك كنت مخنوقة شوية وعايزة امشي إيه المشكلة يعن!
+
يزيد مقاطعا وهو يلوح لها أن تناوله الهاتف : هاتيها ياعطر أنا هكلمها..!
+
_ أيه يافدوة مالك.. أنا شوفتها وهي خارجة وانا اصلا كنت ماشي بردو.. ولقيتها حابة تروح لجدها فقلت اعزمها قبل ما اوصلها..بس بنتك فقرية طلبت تاكل فول وفلافل!
لا ماتقلقيش أكيد هوصلها هناك اطمني.. سلام!
+
أغلق الهاتف وهم بإعادته لها فاصطدمت عيناه بخلفية شاشته التي احتلها بوجهه.. أو بالأحرى أحتل نصفها مع شقيقها ياسين..! وحين أيقنت تحديقه بصورة هاتفها حاولت إخفاء ارتباكها بقوة جبارة هتفت: دي صورتك انت وسينو.. بعتهالي في مرة وعجبني شكله فيها وكنت هقصها واخليه في الخلفية لوحده..بس قلت حرام اخلي الصورة زي ما هي..!
+
حدجها بنظرة غامضة ثم أومأ وهو يعيد لها الهاتف:
لا عادي منا بحط صور اخواتي!
وواصل وهو ينهض: تعالي بقى نروح نشرب حاجة في مكان تاني لأن هنا أخرهم بيبسي وانتي مش بتحبيه..! وبعدها هاوصلك لبيت جدك.!
.....................
_ هتبتدي الشغل معانا إمتى؟
أجابت بعد أن أخذت رشفة قليلة من مشروب النسكافيه: أسبوع كده بعد ما بابا وماما يرجعوا المنصورة تاني!
أومأ لها: تمام مافيش مشكلة لسه أجازة الصيف أكتر من شهرين.. ودي فرصة هايلة تدربي نفسك عشان وقت التخرج تكون اخدتي حصيلة كويسة من خبرة الشغل.. أنا عايز مستقبلا شركتنا تكون في مكانة تانية ياعطر.. أحنا لسه في البداية!
+
انتقل إليها حماسه فقالت: أنا واثقة يا يزيد انك هتكبر الشركة وإسمها هيعلم في مجال الإنشاءت!
+
_ كلنا ياعطر مش أنا لوحدي.. احمد وياسين وانتي وأمونة وغير زمايل الجامعة اللي انضموا معانا من فترة وبيبذلوا مجهود حقيقي في شغلهم!
+
تبدلت ملامحها على ذكر أمونة وتذكرت كم تباسطت معه بالحديث حين التقاها تلك الليلة، فهتفت:
بس واضح إنك واخد على أمونة أوي.. أول مرة اشوفك بتهزر وتضحك مع بنت!
+
_ أولا أمونة صديقة غالية جدا من أيام الجامعة.. بنت جدعة أوي ومحترمة جداااا.. وبيعجبني نضوجها وتفكيرها.. دايما محددة هدفها وبتوصله.. كانت بتطلع بتقديرات عالية كل سنة.. وياما روحنا رحلات سوا أنا وهي واحمد واصدقاء تانيين معانا..وفعلا مبسوط انه هتشتغل معانا..
ثم تذكر شيء فهتف: على فكرة هي كمان قالتلي هتبدأ الشغل بعد أسبوع.. لأن عندها مناسبة عائلية ومشاوير تخص مناسبتهم..!
تسائلت بلفحة غيرة: هو انت متعود تكلمها دايما في التليفون؟
اجاب ببساطة: لأ ..أصلا لسه واخد رقم تليفونها.. ما انتي شوفتيني وانا بطلبه منها.. انا كلمتها عشان اعرف قرارها بخصوص شغلها معانا وكده..!
+
منحته ابتسامة صفراء: أيوة منا واخدة بالي!
واستطردت: طب مش هنمشي ولا إيه؟
_ أه طبعا هحاسب ونمشي على طول!
+
وقبل أن يطلب فاتورة الحساب، غمغم لها بحنان لا يتصنعه معها: أنا معرفش مهندستنا الحلوة كانت مضايقة ليه.. بس اعتقد انك بقيتي أحسن دلوقت.. صح ولا أنا غلطان؟
أومأت برأسها مع ابتسامة هادئة: الحمد لله يا يزيد بقيت افضل.. ثم تسائلت بحذر: طب وانت؟ كنت مضايق.. صح؟
هز رأسه وهو ينظر بعيدً وهتف بإقرار: صح!
_ ودلوقت؟
+
عاد بنظره إليها وقال بعفوية:
_ أكيد بقيت أحسن بعد ما اتكلمت معاكي الشوية دول! مش بقولك انك بتقدري تبدلي مزاجي بشكل غريب!
تفتت جدار تماسكها الزائف بعفويته المهلكة.. ليتها تبدل وجهة قلبة لها كما تتحكم بمزاجه كثا يزعم دائما
_________________
+
اصطف الجميع حول المائدة الشهية مطلقين همهمات استحسانهم للطعام.. وظافر يتلقى من حين لأخر مدح بما قدم مطعمه.. أما هي تقف بالصف المقابل له تحاول والدتها إطعامها فترفض..وسمعها تقول: ياحبيبتي ليه مش عايزة تاكلي بس.. الأكل كتير با بلقيس قولي عايزة أيه طيب!
+
ظلت مطرقة الرأس عابسة دون استجابة، فاسترق إليها نظرات متلصصة، ولاحظ حزنها وتعمدها إشاحة وجهها عنه.. يعلم انها غاضبه لحدته الطفيفة معها منذ وقت قصير.. ليته يستطيع التعامل معها بحرية وإطعامها بنفسه الآن..لكن كيف بوجود تلك الأحداق.. وجدها تغادر دون أن تمس الطعام واستأذنت والدتها لترحل بها لغرفتها.. أما هو فلم يأكل شيء هو الأخر.. شهيته مفقودة تماما.. حزنها أنتقل إليه بشكل غريب، فصمم على الرحيل.. ويأمل في المرة القادمة أن يختلف الأمر حين يعلم الحميع بطلبه لها، وحين تتم خطبتهما سيكون هو من يقف جانبها دون حرج.. ولن يجعلها غاضبة وحزينة كما هي الآن!
___________________
+
لجأت للنوم مرة أخرى ولم تشاركهم سهرتهم الليلية.. لاحظت دُرة تقلب مزاجها الذي كان العكس بأول اليوم.. لكن طمأنها عاصم انها بخير وتحتاج فقط الراحة لا أكثر.. لكن من يكذب قلب أم شعرت بأمر أخر أصاب صغيرتها.. لكنها مثلت التصديق وبعد مغادرة ياسين مع والديه لمنزل الجد، وخلدت عائلة محمد إلى النوم.. ذهبت هي لتحضنها وتنام جورها.. فضمتها بلقيس وغفت على صدرها وعقلها يجسده لها حتى غفت وسقطت في النوم!
+