اخر الروايات

رواية حصنك الغائب الفصل الثاني والعشرين 22 بقلم دفنا عمر

رواية حصنك الغائب الفصل الثاني والعشرين 22 بقلم دفنا عمر


الفصل الثاني والعشرون! 
------------
تتوسط إطار نافذتها متكئة بساعديها المعقودة متطلعه خارجها بملامح مبهمة شاردة عن خطوات ذاك الذي دنى منها بخفة وأحاط خصرها بتملك محتويًا انتفاضة جسدها الذي تباغت بلمسته، فاستدارت له بعد أن وئدت بملامحها التجهم وطغى على تقاسيمها ابتسامة مشرقة، ليقول لها بنبرة مشبعة بعتابه : بقيتي تسرحي كتير ومش بتهتمي بيا خالص ونسيتيني يا رودي! 

+


جادت عليه بنظرة حانية وهي تحيط وجه براحتيها: أنسى روحي ولا انساك يا رائد! 

+


توهجت عيناه القاتمة وهي تعود لتصب على مسامعه حروف تقطر عشقا، فأراد المزيد من دلالها: 
لأ نسيتي.. فين. عصير كل يوم اللي بتعمليه بإيدك عشاني؟ ثم توهجت عيناه المصوبة لشفتيها مغمغما بصوت يذيبها: وحشني طعمه! 

+


ضحكت لتُدحر أخر مقاومته لنيل قبلة منها.. وما أن نالها حتى عاد يلومها بنبرة أرق: 
أنا بعاتبك بجد.. بقالك كام يوم بتسرحي كتير ومش بتهتمي بيا ولا حتي بنفسك وأكلك.. ثم منحها نظرة ثاقبة: مخبية عني حاجة ياحبيبتي؟

+


" حبيبتي " 

+


كم صبرت وتحملت وفعلت وضحت لأجل أن تسمع منه تلك الكلمة التي يقولها الآن.. ويعيدها كل وقت! يقولها بصدق بقدر ما يطمئنها بقدر ما تخاف.. تخاف فقدانه لأي سبب مجهول.. وماضيه هو أكثر ما تخافه.. ماذا لو عادت له ذاكرته ولفظها من عالمه.. هي لم تكن حبيبته حينها.. كانت مجرد جارة وصديقة فقط.. لكنها الآن نالته.. بل الأكثر تحمل في أحشائها روحه وبصمته التي ستدب فيها الحياة بعد أشهر معدودة.. كيف تتجاهل احتمال ان تستيقظ يوما وتجده تذكر كل شيء ما عاداها هي.. كيف! 

+


_ شوفتي! حتى وأنا واقف معاكي شاردة! 

+


قاطع أفكارها الخرساء صوت عتابه من جديد، فأحاطت وجهه مرة أخرى وهي تقول ببعض ما يؤرقها بتشوش واضح: أعذرني يا رائد.. أنا كل ليلة بحلم إنك افتكرت كل حاجة في ماضيك إلا أنا.. يمكن عشان أنا في ماضيك كنت شيء مهمل عمرك ما حبتني! خايفة تبعد عني ومعرفش ليه بقيت احس بكده وغصب عني تعبانة نفسيا صدقني انا مش فاهمة إيه اللي بمر بيه ده يجوز أكتئاب حمل؟ مع إن المفروض...... .

+


وصمتت تتجرع ريقها بعد وصلة انفعال بوحها له، وواصلت بنبرة أهدأ وإن كانت أكثر حزنًا: مع إني المفروض مش اخاف..بعد ما بقيت مراتك وأم ابنك او بنتك اللي جايين.. حقيقي مش قادرة احدد سبب .. يمكن عشان بقيت احبك أكتر.. بخاف أكتر؟ 

+


أنصت لها صامتًا حتى انتهت من بوح كل ما يؤرقها ثم تدفق من ليل عيناه سيل دافيء تسرب منه إليها ثم أقترب منها آخذًا دوره ببثها الآمان من هواجس فقده:

+


_ لو عندي ألف ماضي.. مش هنسى لحظة عشتها معاكي.. ولو عمري اللي فات كله وذكرياتي تمنهم اتحرم منك أو انساكي مش عايزهم.. ولا عايز افتكرهم..!

+


" إنتَ عمري اللي ابتدى بنورك صباحه"

+


ضحكت رغم دموعها الغزيرة المُسالة حين ذكر لها كلمات أغنيتها المفضلة لأم كلثوم! 
ضمته بقوة عشقها له وفرحتها بما قال.. التصقت به حتى امتص صدره عبرات وجهها ثم رفعت عيناها له بنبرة إغواء لا يقاومها رجل مثله: هروح اعملك العصير يا قلب رودي! 
حاولت أن تبتعد عنه فازداد بها التصاقًا هامسًا مع لمساته الجريئة التي اشتعلت جذوتها: 
في حاجة أهم من العصير دلوقت! 

+




                
وكادت أن تنطق.. فماتت الحروف على شفتيها المحتلة بأسراب عاطفته التي التهمتها..! 
________________________

1


بتكتم شديد تابع عابد كل تجهيزات حفل عيد الميلاد مع عامر وظافر في مطعمه المميز وأطمأن أن كل شيء كما يجب.. ولم يبقى سوى اصطحاب الصغير ليبتاع له شيء مناسب في الخفاء دون علم أحد وبالأخص زمزم بالطبع..!

+


............ .

+


أنتهى من أختيار طقم مناسب للصغير وكان على وشك مغادرة المول لكن استوقفه رداء نسائي شديد الرقة لفت نظره.. لا يعرف لما تجسد لعيناه فيه زمزم وهو يتخيلها مكان المانيكان المجسم..خاصتًا أن لونه وتصميمه يشبه ما أختار لنفسه وللصغير.. لما لا يقتسموا نفس اللون؟! لبث يتأمله ببعض الشرود الذي قاطعته الفتاة البائعة: 

+


_ حضرتك تؤمر بشيء معين؟.. الاستايل ده أحدث التصميمات اللي وصلتنا واهنيك على أختياره وعلى فكره جميع مقاساته متوفرة لو تحب ممكن اساعدك! 

+


نظر لها بتردد هاتفا: هو فعلا عاجبني ذوقه جدا بس مش متأكد من المقاس اخاف يطلع مش مظبوط..! 

+


_ لو مش مظبوط تقدر حضرتك تيجي تبدله بمقاس مناسب عادي جدا..! 

+


جال بعقله فكرة أنسب فقال للفتاة: طب عن إذنك دقيقة وراجع! 
.......... 

+


_ السلام عليكم ياطنط! 

+


عبير: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ياعابد إيه الأخبار قربت تيجي انت وهوندا؟ معرفش اخدت الشقي ده فين يارب يكون مش جننك! 
حمحم ببعض التوتر والحرج :لا ماتقلقيش كله تمام بس الحقيقة انا كنت بتمشى في مول وبشتري حاجات ليا، شوفت طقم حلو أوي هيناسب زمزم عشان حفلة الليلة زي ما حضرتك عارفة.. فقلت اسألك بتلبس مقاس إيه وكده؟

+


زوت بين حاجبيها بتعجب: 

+


_قصدك هتشتري طقم لزمزم تحضر بيه؟؟ طب ليه يابني مافيش داعي خالص ماتتعبش نفسك.. كفاية الحفل نفسه كتر خيرك.. زمزم عندها كتير..! 

+


_ أولا مافيش تعب ولا حاجة.. وثانيا مش قاصد أشتري ليها حاجة مخصوص ده انا بس شوفته صدفة وعجبني واعتقد انه هيكون حلو عليها ..وكمان هيكون نفس لون بدلة مهند وده هيبقي ظريف.. قوليلي بس مقاسها..!
_ كمان جبت لمهند.. والله يا ابني كتير كده! 
_مافيش حاجة تكتر على هوندا.. وعايز منك خدمة! 
_ إيه هي؟
_ بلاش حضرتك تقولي اني اشتريت ليها ولمهند.. قولي انه انتي.. وضروري تلبسه الليلة ..ممكن ؟

+


شعور خفي داخلها عصى عليها تجاهله أن ابن العم يُكن الكثير لابنته.. اهتمامه يثير بها ظنون بعينها.. هل ما تظنه حقيقة أم أن أمومتها التي ترجو لابنتها نفحة سعادة تعوضها ما فات هي ما تتوهم ذلك؟ عابد وزمزم؟ أمعقول أن يكون هو تعويض لابنتها؟ 

+


اتسعت ابتسامة أمل ملأت كل وجهها، ثم أجابته: 

+


حاضر ياعابد مادام ده طلبك هنفذه.. وبجد شكرا لأهتمامك ببنت عمك وابنها.. ربنا يبارك فيك ويفرح قلبك باللي يشتهيه في الدنيا..! 
.............. 
أغلق معها ودعوتها الأخير صداها يجول بعقله! 

+



        

          

                
" يفرح قلبك باللي تشتهيه في الدنيا"

+


هو يعلم ما يريد .. الصورة لم تعد مغبرة بتردده.. بل صارت جلية.. واضحة گ ضوء الشمس.. هو يتمناها.. هو يريدها.. هو يشتهيها.. هو يتمنى أقتسام أيامه معها هي والصغير الذي أضحى له گ ولد من صلبه وأدمن حتى رائحته.. ولا يبالغ حين يقول أن ضحكته البريئة مصدر سعادته بشكل يتعجبه هو ذاته..! كما يعلم من سيجابه لأجلها.. بل والأكثر من ذلك هو يقينه انه سيجابهها هي ذاتها ويحارب زهدها بجنسه بعد زياد.. لكن حلاوة وقوة ما يحياه يستحق المعافرة! 

+


_ آبد..! 

+


ناداه الصغير وكأنه يدعمه ويذكره بوجوده..فجثى عابد على ركبتيه وهو يشمله بنظرة حانية متمتما: 
_بتحب عابد يا هوندا..؟!

+


ابتسم له الأخير واختبأ بصدره بخجل مكررا أسمه..!
فحثه على كلمة ما وقال: قول عابد حبيبي! 

+


أطاعه الصغير بهمهمته الشهية: آبد... بيبي! 

+


فضحك بحنان وضمه ثم لثمه قائلا: أنا عارف إنك بتحبني ياهوندا.. ولما تكبر هكون فخور بيك عارف ليه؟ منحه الصغير نظرة صافية غير مدرك لشيء، فغمغم عابد: 
لأنك هتتربى في حضني وعلى ايدي زي ما بابا رباني.. أوعدك أكون أمين عليك... ..ثم صمت ليعود يقولها بصوت متهدج بمشاعره الدافئة.. وأمين عليها..! 
_______________________

+


تتأمل ما جلبته والدتها بإعجاب: إيه ده ياماما؟ إنتي اشتريتي الطقم الجامد ده إمتي؟ لأ وبلوازمة كمان وحاجة أخر دلع! 

+


عبير مبتسمة: مع كريمة مرات عمك..لما اشتريت بدلة لمهند. شوفته وعجبني بالحاجات اللي معاه فاشتريته عشانك وفرصة تخرجي بيه في عزومة العشا بتاعة عابد الليلة! 

+


_ بس أنا حضرت طقم تاني خالص.. ممكن البس ده وقت تاني"
_ لأ.. هتلبسي اللي اشتريته.. وبطلي جدال بقى خليني اروح اجهز مهند في أوضتي أنا وابوكي! 

+


وهمت بالرحيل ثم وقف لتستدير لها وترمقها بنظرة غير مفهومة توازي غموض طلبها: الطقم معاه لون روچ حلو أوي.. حطي منه يا زمزم! 

+


زوت بين حاجبيها: روچ؟؟؟ عايزاني احط روچ يا ماما؟ ما انتي عارفة اني من وقت ما اتوفى زياد وأنا

+


صمتت وغيمة حزن اكتسحت عيناها وواصلت: مش كفاية يا ماما بقيت البس ألوان.. لولا إلحاحكم إنتي وبابا إني اغيره وشفقتي على ابني إنه يشوفني دايما بالأسود كنت.... 

+


قاطعتها والدتها وهي تتقدم منها متملكة كتفيها بكفها مصوبة لها نظرة قوية بقوة صوتها وهي تحدثها: 

+


_كنتي إيه؟ يابنتي أنتي لسه ولا عيشتي ولا دوقتي حلاوة الدنيا..وطول ما انا عايشة مش هسمحلك أبدا تدفني شبابك وتضيعيه في الحزن.. إنتي لازم تعيشي صح عشان تعرفي تربي ابنك صح.. اللي مات مش هننساه لأنه مش هينفع يتنسى.. بس اللي عايش لازم يفهم ويقدر منحة الحياة اللي ربنا عطاها له..ولو في يوم من الأيام الدنيا كافأتك بمنحة تاني أوعي ترفضيها.. افرحي ولوني حياتك كلها مش بس لبسك يا زمزم.. الدنيا تستحق تتعاش لأنها حلوة.. حلوة بجد! 

+



        
          

                
انتهت من حديثها ثم قبلت مابين عيناها بحنان خدر صغيرتها التي تابعت رحيلها بعين شاخصة وعقل شارد.. هي تعلم ان استجابة زمزم لخوض تجربة أخرى لن يأتي دفعة واحدة.. لذا أرادت أن تبذر بذرة الأمل داخلها لتترسخ وتنموا مع الوقت.. وحين تتشعب جذوع مشاعرها وعواطفها.. حينها فقط ستنفرج أبواب قلبها على مصراعيها لتطل الورود على عالمها الجديد وتعيش حظها القادم مع من ينتظر طلتها من نافذة قلبه..! 
__________________

+


مع سماع كعب حذائها الذي يعزف بنقراته المنتظمة على الدرج وهي تهبط عليه، رفع عيناه التي برقت إعجابًا مستقبلا صفاء وجهها دون أصباغ، وطلتها التي تزينت بما انتقاه لها سرًا استأمن عليه والدتها.. نشوة غريبة أحتلت أوردته وشيء من اختياره يحتضن جسدها الرقيق..گ أول أمنياته تتحقق وليس أخرها.. فقائمة الأمنيات عامرة بما يشتهيه من تلك العابثة التي عبثت بقلبه وطوته بكفها دون أن تدري أنه صار معها.. سرقته دون سابق إصرار والترصد منه هو.. ويعترف بذلك! 

+


_فين الباقي ياعابد؟ أنا خلاص جاهزة! 

+


همست له ببساطة أخرجته من دفء أفكاره وأعادته لرزانته، هاتفا ببحة صوت خالية من تأثيرها: 
مستنيين بره.. انتي وطنط دُرة وبلقيس اللي فاضلين! 
_ معلش أنا فعلا اتأخرت.. أخدني الكلام مع طنط وبلقيس، لعلمك جهزت أصلا في عشر دقايق بس.. لكن جوري أخدت ساعتين بتجهز بنت الإيه.. بتهتم بكل التفاصيل! 

+


ابتسم وهو يخطو معاها للساحة الخارجية: دي كده اختصرت..!

+


_ كمان؟! لا ده انا يتعملي تمثال والله 
_ تستحقي! 

+


خانته همسة دافئة أخري، رمقته بتعجب، فتدارك الأمر وضللها بمزاحه: قصدي تستحقي تدخلي موسوعة جينيس لو فعلا أخدتي عشر دقايق بس، ورغم كده طلعتي.... 
وكادت عيناه أن تخونة گ صوته وتشي بإعجاب صريح، لكنه أيضا تدارك نفسه بمزاح: طلعتي مش بطالة.. بنت ناس يعني! 

+


ضحكت غافلة عن حقيقة إعجابه: طب والله كتر خيرك يا استاذ عابد! ثم واصلت بفضول وصوت خافت: 

+


طب بقولك إيه يا ابن عمي.. هو في حاجة بتتطبخ من ورانا؟..حاسة الموضوع مش مجرد عشا.. لأ وتصور ماما جابلتي الطقم ده وصممت البسه وانا أصلا كنت مختارة حاجة أبسط بكتير! 
_ عجبك؟ 

+


تسائل وهو يتأملها، فأجابت وعيناها تجهل ما في طيات سؤاله: حلو جداااا طبعا..بصراحة ذوقها روعة.. وكمان جابت معاه كل لوازمه حتى النضارة.. ثم ضحكت وهي تمازحه: قلب الأم بقى! 

+


بادلها ضحكة قصيرة تسائل بعدها: فين صاحبي الصغير ؟ 

+


_مع بابا وماما من الصبح، الندل مش فكر يسأل عني طول اليوم لدرجة انه وحشني.. انت اخدته الصبح معرفش فين وبقيت اليوم مع جده وجدته..! 

+


قبل أن يجيبها لمح الصغير يتأرجح بين الجد والجدة اللذان يقبضان على كفيه وهو يضحك بتلك الأرجوحة بفعل رفعهما لجسده من فوق الأرض، لمعت عيناه بحنان لا يصطنعه قائلا: صاحبي أهو! 

+



        
          

                
التفتت ولأول مرة ترى ما ارتداه صغيرها.. بدلة جديدة وجميلة ابتاعتها والدتها له كما أخبرتها في الصباح.. ومضت عيناها بحنان شديد: 

+


_ بسم الله ما شاء الله ..شايف صاحبك وطعامته في الطقم اللي اشتريته ماما ياعابد..!
ابتسم وغمغم : ربنا يحميه! زي السكر..! 

+


غامت عيناها وشردت بالصغير وهمست دون وعي: تعرف إن بعد الساعة 12 بالليل هيكون تم سنتين! 

+


تفاجأ بما قالت فتسائل بحذر: بجد؟! طب ليه مافكرتيش تحتفلي بالمناسبة دي معانا؟

+


أظلم لون عيناها بحزن لذكرى زوجها: 

+


مش قادرة احتفل ولا افرح بالمناسبة دي وزياد مش معايا..ازاي اقف في عيد ميلاد ابننا لوحدي أنا لسه مش عارفة اتخطى الحقيقة دي ياعابد..! أنا بكلم صورته كل ليلة. وبفضل احكيله على كل حركة جديدة بيعملها مهند عشان احس انه مشاركني كل حاجة! 

+


أهتزت حدقتاه بغيرة حارقة لا يملك ردعها داخله وهو يستمع لما تهمس به أمامه.. وفائها لذكرى زوجها الراحل بقدر ما يثير إعجابه..بقدر ما يؤلم بصدره..!

+


لكن لا مفر من مؤازرتها.. ويكفي أنها تشاركه ما بصدرها.. هي إشارة لها دلالتها الجيدة في نفسه..!

+


أجلى صوته من تأثير أفكاره وقال: 
_ بس انتي مش لوحدك يا زمزم.. كلنا حواليكي.. وقبلنا والدك ووالدتك واخوكي! 

+


_ محدش ينفع يسد مكان زياد ولا يملى فراغه..

+


_ وذنبه أيه مهند تحرميه من احتفال الكل بيوم عيد ميلاده؟

+


التفتت له وشعر للحظات أنها مغيبة: وانا كان ذنبي ايه اتحرم منه بدري كده..! مهند لسه مش فاهم.. لما يكبر يبقى يقرر يحتفل بعيد ميلاده أو لأ..! 

+


نظر لها بغموض مع همسته: في حاجات يازمزم لو عدى أوانها من غير ما نفرح بيها ونعيشها صح.. بتموت بهجتها..! أول كل حاجة لمهند سواء كلمة أو خطوة أو سنة عدت من عمره..من حقه يدوق فرحتها ويحتفظ بذكراها.! لما يكبر مش هيقدر يعوضها..! 

+


ظلت تنظر لطفلها شاخصة البصر بصمت تراقب ضحكاته مع مداعبات الجميع له.. هي تعلم أنها تظلمه وتحرمه من فرحة الأحتفال بيوم مولده لكن ماذا تفعل.. لا تستطيع أن تطفيء الشموع دونه..وتزيد عتمة قلبها بظلمة إشتياق قاسية وصدمة جديدة..بعد أن اعتادت التصديق انه لم يعد قادر على احتلال فراغات أناملها بكفه! 

+


_ يلا يا زمزم الكل اتجمع وخلاص ماشيين..!

+


انتشلها صوت عابد من شرودها، فانصاعت وراءه متجهة لوالديها وعقلها مشوش بعد حديثه معها..! 

+


**************************

+


وصلت سيارة عابد لساحة المطعم.. وفجأة وجدت زمزم من يعصب عيناها من الخلف فهتفت: إيه ده في ايه بتغميني ليه يا بابا انا مش فاهمة حاجة !

+



        
          

                
_ هتعرفي دلوقت، وبمساعدة والدها خطت على الأرض بحذر ثم أوقفها وبدأ بإزالة عصبة عيناها.. فرمشت قليلا لتستقبل ضوء مبهر غشا مقلتيها التي اتسعت لأخرهما وهي تنظر أمامها لمدخل مزين بالبالونات وأقبَل عليها شخصيات كرتونية ضخمة أمسك أحدهم يدها بكفه الضخم المبطن.. وأخر أمسك بيد مهند ليدلفا سويا عبر هذا المدخل المزين.. للتفاجأ بطاولة مستطيلة يكسيها مفرش جذاب.. منثور عليها أطباق متراصة بحرفية.. وبالمنتصف قالب مغلف..أوقفتها الشخصية الكرتونية هي ومهند وأحاطتهما جميع العائلة.. وأطفال الرواد أيضا گ نوع من المشاركة.. ثم اقترب عابد ونزع غطاء القالب ليكشف ما خفى أسفله.. لتتجدد دهشتها التي امتزجت بتأثر دفع العبرات بغزارة لتغتال مقلتاها وهي ترى صورة زوجها زياد جوار مهند يتوسطان القالب! 

+


صدحت همهمات المحيطين بانبهار ..أما عابد فاقترب منها وهمس لها: مين قالك إن زياد مش هيكون بيحتفل مع ابنه.. زياد مافيش حاجة ممكن تمحي وجوده يازمزم.. عشان كده مش لازم تحرمي ابنك من الفرحة اللي انتي شايفاها دلوقت على ملامحه! 

+


حادت ببصرها لطفلها الصغير فوجدت عيناه تلمع بسعادة للأجواء حوله والصغار يحاوطونه بصخب محبب وفرحة صادقة.. ثم صوبت نظرها لصورة زوجها الراحل وطفلها، فازدادت عبراتها دون إرادة! وشعرت أنه يشاركها حقا تلك اللحظة! 

+


فعادت تنظر لعابد وهي تهمس بنبرة تشبعت بامتنانها: أنا مش عارفة أقولك ايه يا عابد.. حقيقي مافيش كلمة توفيك حقك! 

+


هتف ببساطة: بلاش عبط مافيش بنا الكلام ده.. ثم رمق مهند بنظرة اشتعلت بدفئها: مهند ابني يا زمزم! أنا بعتبره كده! 

+


جففت وجهها متمتمة بصوت مازالت تخنقه العبرات: أكيد طبعا يا ابن عمي! 

+


وبعد لحظات صدح صوت الشخصية الكرتونية التي كانت هي عامر نفسه ولا يدري أحد سوى ظافر: عايزين الباشا مهند يتفضل معانا عشان نعمله كام صورة مع الأطفال وشخصيات الكرتون والتورتة قبل ما تتنسف ياجماعة! 

+


ضحك جميعهم ثم أخذ عامر الصغير ليلتقط له صور مميزة ومحترفة گ ذكرى له فيما بعد..!
ثم صاح مرة أخرى: 
يلا بقى يا ولاد انضموا على بعض حوالين مهند وعايزكم تغنوا بشكل جميل زي ما علمتكم عشان تاخدو بالونات جميلة عليها أساميكم زي ما اتفقنا..! 

+


تحمس الصغار وصدح غنائهم هم وباقي الحضور بلحن أغنية عيد الميلاد ثم انحنت زمزم باللحظة المناسبة تساعد صغيرها بالنفث بقوة لإطفاء الشمعتين ليتعالى التصفيق وتوالى المباركات والهدايا على صغيرها الذي لا تهدأ ضحكاته لتطرب قلبها وتجدد بها الحياة.!

+


********************
الجميلة غاضبة! 

+


هذا ما لاحظه وهو يراها جالسة بزاوية ما تراقبه دون أن تحاول الذهاب إليه.. عيناها فاقدة لبريقهما المعهود، لم تنسى أنه قسى عليها في المرة الأخيرة.. وتعاقبه بنظراتها المعاتبة بصمت وتجنبها ملاحقته كما تفعل.. الأميرة النائمة كما يسميها بينه وبين ذاته، القابعة بحصنه وتحسبه ملاذها.. غاضبة ويجب عليه إصلاح ما أفسده دون قصد.. ولا بأس في أظهار اعتذاره بشكل يليق بمن ينوي خطبتها قريبا.. !
............... ..

+



        
          

                
ربت صغير على كفها برقة لتنتبه له، ووجدته يمد لها وردة حمراء وهو يقول بخفوت حذر: اتفضلى يا طنط! 

+


تناولتها منه دون فهم، ولمحت ورقة صغيرة ملتصقة بها مخطوط عليها " أسف"

+


فهمس الصغير في أذنيها بنفس الحذر كما تلقاه من راسل الوردة : دي من عمو اللي هناك ده! 

+


تتبعت حدقتاها أين تشير عين الصغير، فرآت ظافر يبتسم لها بنظرة تشى باعتذاره الذي قرأته قبل لحظات، فتبتسمت له وعادت تنظر لهديته بنظرة تألقت گ عهدها وأحتضنتها أكثر بأناملها.. ثم خبأتها بحقيبتها وكأنها تخفيه هو ذاته عن العيون! 

+


تنهد ظافر بارتياح عندما التقطت عيناه وهج العسل يضيء بمقلتيها من جديد فمحى كل حزن سكن بها..وأخيرا نجح في نيل ابتسامتها مرة أخرى.. وبعفوية شديدة گ عادتها تركت مقعدها واقتربت منه حتى وقفت أمامه هامسة: شكرا..! 

+


لم يتوتر أو يتجاهلها گ المرة السابقة.. بل استقبل همستها بابتسامة اصطبغت بحنانه الذي لا يملك وئده في حضرتها..كما أنه تعمد إبراز جانب من الألفة بينهما لغرضٍ ما في نفسه ..وابتسم لها هامسًا: العفو..المهم إنك خلاص مش زعلانة مني صح؟
هزت رأسها بتأكيد، فتسائل:.طيب أكلتي من التورتة بتاعة مهند؟ 
مطت شفتيها بشكل طفولي: لأ ..كلها كريمة، بحب الشيكولاتة وبس..! 

+


ضحك بخفوت ضحكة قصيرة وقال: بس كده؟ ولا يهمك هعملك بنفسي أحلى طبق شيكولاتة! 

+


اتسعت ابتسامتها لسخاء عرضه المبطن باهتمامه الذي يجاهر به للمرة الأولى وتمتمت: ماشي! 

+


بالفعل غاب قليلا تحت أنظار الجميع، ثم عاد حاملا لها طبق به ما تشتهيه، فتناولته وشرعت تأكل منه بشهية واضحة بعد أن كانت مفقودة لديها..! 

1


تابعت أحداق عائلتها ما يحدث مابين دهشة الفتايات، ويزيد الذي اكتست نظراته بجمود ولا مبالاة وإن لفحته غيرته المعهوده فهي بالنهاية ابنة العم.. لكن لن يعبر عن شيء فأبيها كفيل بها..أما العم محمد فراح يحلل كل تصرفات ظافر بنظرات ثاقبة و مختلفة مغمغما بذاته: والله شكل التمثيل هيقلب جد.. أو بالأحرى مافيش تمثيل أصلا..! 

+


أما عابد فكان أكثرهم حنقًا ولا يفهم سبب ما يحدث والذي أثار دهشته وربما حفيطته، هدوء العم عاصم رغم مراقبته لأرياحية بلقيس مع ذاك الشاب.. أما يزيد فأيضًا سكونه مريب.. يعجز عن تفسير نظرات أخيه الغامضة..هل ما يسكن عيناه الآن حزن أم استسلام؟ لا يفهم شيء!
لكنه بطبيعته الغيورة أيضًا تجاه أي غريب توجه لبلقيس وأخذها من يدها وأجلسها جوار والدتها وهو يقول بعبوس آمر: 
خليكي هنا يابلقيس لما تحتاجي حاجة اطلبيها مننا.. فاهمة..؟! 

+


هتفت دُرة بتفهم لغيرة عابد گ ابن عم: ما يحرمنيش منك ياعبودي، ثم مازحته: يسلملي الحمش أبو دم حامي! 

+


مال هامسا ليجاري مزاحها رغم حنقه الخفي: طب ياريت تخلي بنتك تتكن جمبك شوية عشان عبودك ممكن يقلب، لأن بصراحة يا فيرجينيا.. أنا مابقيتش فاهمكم خصوصا عمي عاصم.. وبعدين هو الأخ ظافر ده من العيلة وكان تايه ولقيناه فجأة؟؟؟ انا معرفش إيه التباسط الغريب ده؟ وبعدين منا عملتلها طبق حلويات ومارضيتش تاكل منه.. إشمعنى بقى؟ هو طبقي كان فيه كخة.

+



        
          

                
ضحكت بخفوت: يخرب عقلك ضحكتني يا بودي.. عموما كله هيتفسر قريب ماتستعجلش يا عبودي! 

+


رفع حاجبيه بتعجب: يعني الموضوع في كلام يتفسر بقى؟!!! طب ما ترسيني على الدور يا فيريجينا ده انا عبودك بردو..! 

+


ضحكت ثانيا: بس يا ولد ماتحاولش تأثر عليا اكمني بحبك وبعزك.. عمك هيعرفك كل حاجة بنفسه! 

+


_ ماشي يا جميلة الجميلات..بس بقولها تاني، خلي بنتك جمبك عشان السهرة دي تعدي على خير..! 
_ خلاص ياسيدي اهي جمبي اهي
ثم همست بمكر: روح انت بقى شوف فيرجينيا بتاعتك احسن تتخطف منك! 

+


قطب جبينه بريبة: تقصدي إيه يا مرات عمي؟
ضحكت له: إيه الأدب ده دلوقت بقيت مرات عمك؟ ولا حاجة ياعبودي..ماتحطش في بالك! 
_________________________

+


رغم انه يود أن تلاحظ عائلته ميل ابنته لظافر تمهيدا لخطبتهما، لكنه استاء مما رآى وهم بطلب انفراده به وتوبيخه، لكن سبقه الأخر بنفس الطلب، فانفردا بإحدى الزوايا الهادئة، وقال عاصم: قبل أي كلام ممكن افهم إيه سبب تصرفك ده قصاد الناس انك تبعت وردة لبلقيس مع طفل صغير؟ مش شايف إنك اتعمدت تجاهر بتأثيرك عليها؟ بتستغل سيطرتك على بنتي مثلا؟؟؟ 

+


ظافر دون إنكار أو مراوغة: مش هنكر كلامك، أنا فعلا اتعمدت اوضح ده لسببين.. أولا لأني اتعاملت معاها بفظاظة أخر مرة وكانت زعلانة وبتتجنبني.. واعتقد ده مش في مصلحة علاجها المفروض انه مش تخاف وتنفر مني.. وتاني سبب حبيت عيلة حضرتك يشوفو إن في درجة من التألف بنا عشان لما أجي اطلبها بعد كده محدش يستغرب طلبي رغم حالتها.. يعني نيتي مافيهاش أي سوء! 

+


لبث يحدجه بنظرة ثاقبة والعقل يرجح كفة تصرفه، وبعد برهة صمت: ولو ان الموقف بردو مضايقني بس خلينا نتخطى النقطة دي ..وقول كنت عايز تكلمني في إيه؟

+


_بصراحة كنت عايز استأذن حضرتك إنك تسمحلي اتكلم مع بلقيس واعرض عليها موضوع الخطوبة بنفسي؟ 
_ ليه يعني؟ وبعدين مش اما يحصل خطوة مبدئية. وتيجي بأهلك وكده! 

+


ظافر بتوضيح: حضرتك انا خلاص كلمت والدتي لأن رأيها كان الأهم عندي.. وفاضل بس عمي وخالي لأنهم هايجوا معايا، عشان نمشي بشكل رسمي زي ما اتفقنا.. وبما إن بلقيس بتستقبل مني الكلام بشكل مختلف.. الأفضل انا اعرفها بنفسي وأهيئها لخطوة زي دي قبل ما تشوفها والدتي لأن عايز المقابلة تكون في صالحها.. فلو مش عندك مانع خليني اكلمها نفسي.. لأن مافيش فرصة تاني اتكلم معاها قبل ما اجي أزوركم في البيت..! 

+


صمت عاصم ممعنًا التفكير بطلب ظافر.. هل يسمح له أن يحادثها هو بهذا الأمر أولا؟ شيء داخله لا يتقبل هذا القرب ومازالت الأمور غير واضحة.. لكن هو يعلم انه محق.. استيعابها له مختلف.. أردف بتسليم للأمر: ماشي هجيبها وشوف هتبلغها ازاي! 
__________________________

+


تلطخ رداء فتاة أنيقة خارج بيتها يُعد مأزق كبير.. حتى لو كانت اللطخة بقعة شيكولاتة تعشقها.. عشقها لحلواها لن يغفره ردائها الزاهي بخضاره حين يغدو متسخًا..!

+



        
          

                
توجهت جوري بخطوات سريعة تبحث عن مكان خاص لتغمر البقعة بالماء قبل أن تلتصق كريمة الشيكولاتة الداكنة بها أكثر.. هاهي وصلت لمبتغاها..ولجت داخل دورة مياة وفتحت الصنبور وشرعت بتنظيف البقعة بقدر استطاعتها، وغادرت مسرعة لتلحق بعائلتها في الخارج! 

+


بينما هي مطرَقةُ الرأس للحظات تجفف أناملها المبتلة بمحرمة ورقية.. اصطدمت بشيء أو كائن صلب.. وسُكب على رأسها سائل برائحة البرتقال فشهقت ثم رفعت عيناها وهي تتآوه من أثر اصطدامها واشمئزازها مما سكب عليها، فوجدت أمامها رجل بدا ضخمًا إذا ما قُورن بجسدها النحيل وقامتها القصيرة بعض الشيء..!

+


_ أنا أسف يا انسة والله ما شوفتك! حقيقي أسف

+


لم يشفع له اعتذاره الصريح فاشتعلت عيناها وانطلقت جوري بوصلة توبيخ حانقة: 
_ ليه؟ أعمى؟ توقع علي راسي وهدومي عصير وتقول أسف، طب اتصرف ازاي دلوقت بعد مابقيت ملذقة كده.. هروح بيتي ازاي؟؟ لو عينيك دي مش بتشوف بيها روح اتعالج يا أخي! 

+


قست نظراته وصاح بصرامة: أحترمي نفسك يا قزمة انتي، انا خبطت فيكي ووقعت العصير غصب عني واعتذرت.. لكن تقلي أدبك في الكلام وتطولي لسانك مش هسكتلك وهعرفِك مقامك! 

+


وبتلقائية لا تقصدها وقفت متخصرة مردفة بتهكم: 
تعرف مين مقامها يا قليل الأدب أنت؟ طب وريني كده هتعملي أيه عشان أنا اللي اعرفَك مقامك! 

+


لطمة مياة باردة دُفعت بوجهها كان رده عليها، بعد أن التقط كوب مياة مر به جوارهما أحد العاملين بالمطعم وهو بطريقه للمطبخ القريب.. لتشهق جوري مرة أخرى وعيناها متسعة بذهول.. ليعاجلها بابتسامة ساخرة تشبه صوته: أديني وريتك ولو طولتي لسانك بكلمة زيادة هاخدك وانتي زي الفارة المبلولة كده أرميكي في حلة الشوربة! 

+


وابتعد عنها ومازالت مذهولة وفمها منفرج ببلاهة لا تصدق ما حدث، فعاد للخلف خطواتين، وهمس بأذنيها بتهكم: واقفلي بقك يا قزمة! 
_________________

+


زمزم بعد أن لمحت جوري أتية مبتلة ووجهها باكي: 
إيه اللي حصل ده مالك ياحبيبتي مين غرقك كده؟

+


جاء صوتها باكي گ طفلة تعرضت لمزاح ثقيل من طفل سمج: وربنا لاوريه.. بس اعرف هو مين ابن ال...... 

+


زمزم: طب اهدي بس وفهميني هو مين ده؟ انتي كنتي فين أصلا؟

+


_ كنت بتهبب اغسل مكان الشيكولاتة اللي وقعت عليا وأنا بلاعب مهند، وبعد ماغسلتها وخارجة من الحمام خبط فيه توور مش بني آدم ووقع عليا عصير وبقيت كلي ملذقة وانتي عارفة ازاي بقرف من كده، وأما هزأته رماني بمية ساقعة ابن اللذينا وغرقني 

+


لم تستطع زمزم المقاومة فانفجرت ضاحكة رغما عنها، فرمقتها جوري بحنق: انتي بتضحكي؟ هي ناقصاكي بدال ما تقولي اعمل إيه في منظري ده! 

+


حاولت التماسك رغم صعوبته أمام مظهر جوري وهتفت: مش قصدي والله بس بصراحة طريقتك وانتي بتحكي مع شكلك ضحكوني، عموما تعالي نقعد في عربية بابا عشان محدش يشوفك واما نروح غيري هدومك هتعملي إيه.. أهو موقف وعدى ماتزعليش! 

+



        
          

                
جوري بحنق: موقف وعدى؟ وديني ما هسيب حقي أنا هعرفه مقامه وهخليه يندم.

+


زمزم كاتمتة ضحكتها حتى لا تشعل غضب تلك النارية أكثر: خلاص بقى ماتزعليش.. وبعدين نبقى نشوف هنعمل إيه.. يلا بقي عشان...... 

+


بترت عبارتها وهي تتجبب بكفها رذاذ "عطسة" جوري بصوت مضحك وهي تقول: شوفتي؟ جالي برد بسببه هنخرج ازاي بكرة النادي زي ما اتفقنا ..البرد بيطول معايا ومش بحب أنام في السرير.

+


زمزم ومازالت تجاهد بوأد ضحكتها: لا متخافيش أنا معايا علاج برد مفعوله رهيب.. نروح البيت وتاخدي قرص مع حاجة سخنة وتنامي والصبح هتبقي زي الفل.. يلا بس نطلع نستاهم العربية! 

+


واصطحبتها بعد أن أخذت مفتاح سيارة أبيها ينتظروا بالخارج! 
______________________

+


انضمت إليهما بلقيس بعد أن أحضرها أبيها الذي تركهما لكن عيناه مصوبة عليهما بترقب.. فتنحنح ظافر وحدثها برفق: ازيك يابلقيس عاملة إيه ؟
ردت برقة: كويسة! 
فهمس متسائلا: إنتي بجد كنتي زعلانة مني ؟
هزت رأسها بإجاب، فقال: ودلوقت زعلانة بردو؟
أومأت له ثانيا بصمت وهي مبتسمة، فعاتبها برفق: 
هنرجع تاني نهز راسنا.. لما اسألك سؤال سمعيني صوتك! 
فأطاعته ببراءة: حاضر
ابتسم لبراءتها التي باتت تأسره بشكل لا يملك مقاومته، وواصل قوله: تحبي نفضل نتقابل على طول وتشوفيني كل يوم؟
هتفت بحماس: أيوة! 
_طب إيه رأيك لو قولتلك ان في طريقة تخلينا مع بعض على طول.. هتوافقي عليها؟
أقرت بنفس الكلمة والحماس: أيوة

+


أخذ نفسا عميقا ثم هتف لها: أنا هاجي أنا وخالي وعمي عشان نطلب ايدك من بابا.. ووالدتي هتيجي معايا تشوفك.. وعايزك لما هي تسألك أي سؤال ردي عليها مش بس تهزي راسك وتسكتي اتكلمي معاها يابلقيس عشان ماتقولش انك تعبانة.. عايز ماما تنبهر بيكي لما تشوفك.. اتفقنا؟ 

+


ظلت تنظر له دون حديث، فأعاد همسه: 
انتي فهمتي كلامي يابلقيس؟ يعني مستوعبة الخطوة دي؟

+


أومأت له بصمت فلاحقها بإلحاح مغموس بلهفة صادقة: اتكلمي وقولي إيه اللي فهمتيه من كلامي؟

+


غمرته بنظرة تألق فيها لون العسل فغرق هو بحلاوته گ أنه مخدر للحظات ثم بثته همسًا معبأ بعبق براءتها فانهار ما تبقى من ثباته وهي تقول: 

+


_ هلبس دبلة عليها أسمك.! 

+


هكذا أجابته ببساطة مهلكة.. وببراءة تحاكي براءة طفل يبوح بمشاعره دون تفكير أو خبث.. دون خوف.. دون خجل.. فقط هو الصدق ما يرافق صوتها.. ذهب عيناها تلألأ بضوء نفذ لقلبه فعبث بدقاته وأصابها بالصخب.. 
كان يظن أنه هو من يسيطر عليها.. أما الحقيقة غير ذلك.. هي من تأسره وتعتقله وتحيطه بأصفاد كثيرة، وكلما حاول التحرر غاص بقيدها أكثر.. والغريب أنها لا تبذل جهدًا يُذكر ولا تحيك الخطط لأسره.. يكفي ان تتحدث بتلك النبرة والبراءة والعفوية.. ليتهز عرش ثباته وتسقط دروع مقاومته..أصبح على يقين أن لقائهما ليس صدفة..وأن ألواح أقدارهما خُط عليها سطور قصتهما منذ زمن.. فلتكتب يد القدر عنوان سطورهما كما تشاء.. ويدبر أمرهما الرحمن بما يراه خيرًا..!
______________________

+



        
          

                
بعد انتهاء الحفل! 

+


ظافر بضجر: أنا مش فاهم أنت بتضحك علي إيه من الصبح؟ بس عموما اما حضرتك تخلص وصلة الضحك ابقي عرفني لأن عايز اتكلم معاك جد شوية! 

+


عامر بعد أن هدأت ضحكاته: خلاص ياعم هسكت، أصل كل أما افتكر البنت اللي وقعت عليها العصير ومنظرها الأهبل وهي مبلولة وعايزة تشتمني ومش عارفة أضحك.. رغم ان وشها رقيق وصغنونة كده وقطة في نفسها بس لسانها مبرد ياجدع.. بس أخوك ظبطها.. أنا كنت هجيبلها شلل وهي واقفة تبصلي بذهول! 

+


ذم بين حاجبيه: مين دي ياعامر؟ حد من عيلة عاصم بيه؟
هز أكتافه ببساطة : معرفش هي كانت معاهم بس معرفش تبقى مين، لكن أيًا من كانت أنا علمتها الأدب!
واستطرد بجدية: سيبك بقى من كل ده وقولي عايز تكلمني في إيه؟

+


_ بدون لف ودوران كده.. صاحبك ناوي يخطب بعد يومين! 

+


رفع حاجبيه بدهشة: تخطب؟؟؟ وبعد يومين؟؟ إمتى حصل الكلام ده من ورايا.. أنا عمري ما شوفتك بتكلم حد..؟!

+


_ انت ليه محسسني إني كنت راهب، عادي النصيب جه ولقيت بنت كويسة! 
_ ودي تبقى مين صاحبة الصون والعفاف؟

+


بعد تردد طفيف تمتم: بلقيس! 

+


عامر معيدا نطق الإسم: بلقيس؟ بلقيس مين؟
_ بنت السيد عاصم.. اللي بتيجي معاه دايما..! 

+


اكتست نظرات عامر ببعض الاستنكار: أزاي يا ظافر؟ البنت حسب كلامك مريضة و...... .

+


قاطعه بحده: هي مش مريضة يا عامر.. شوية تعب نفسي وهيروحوا لحالهم! 

+


عامر بهدوء: علي فكرة أنا مش قصدي حاجة وحشة.. والبنت من عيلة تشرف وكمان جميلة جدا و

+


رمقه ظافر بتحذير لمدحه جمالها، فأسرع الأخير بتوضيح: ياعم ده مجرد وصف والله مالك هتحرقني بنظراتك. أنا كل الحكاية مستغرب إنك امتي اخدت القرار ده وبالسرعة دي! وهل عندك استعداد تتقبل حالتها لحد ما تتعافى؟ 

+


_ أولا حالتها بالنسبالي مش مشكلة وعارف هتعامل ازاي.. وثانيا الموضوع شاغلني من فترة .. كنت بفكر فيها بجدية واخيرا قررت وكلمت ماما وتقريبا موافقة، وفاضل عمي وخالي اعرفهم وهنروح نخطبها ونلبس دبل! 

+


_ دبل؟ ده انت مجهز كل حاجة وواضح انك. مستعجل! 

+


_ وإيه لازمة التباطؤ.. الماديات تمام والعيلة معروفة مش محتاح حتى اسأل عنهم والبنت مؤدبة وكويسة ليه التأجيل؟

+


شعر عامر برغبة صديقه الصادقة وحماسه للأمر فقال: على كل حال مادام اخدت القرار والخطوة.. ألف مليون مبروك.. ربنا يرزقك السعادة وليك عندي احتفال خاص على شرفك

+


_ الله يبارك فيك ياعامر.. عموما أنا عرفتك عشان تعمل حسابك وتيجي معايا..!

+


_ أيوة بس ده لقاء عائلي هاجي معاك اعمل أيه؟
ظافر بلوم: على أساس إنك غريب ياعامر؟ أنت اخويا.. ولما انت كمان تنوي تخطب مستقبلا أنا هاجي معاك من غير ماتطلب! 

+



        
          

                
ربت عامر على كتفه بمحبة: طبعا أخويا واكتر.. خلاص هستعد من دلوقت.. وألف مبروك مرة تانية يا سيد الشباب..!
_________________________

+


بعد العودة من سهرة عيد الميلاد! 

+


_ يلا يا هوندا أغيرلك هدومك عشان تعبانة وعايزة انام
محمد: اما تخلصي مهند هاتيه ينام معايا
_ حاضر يابابا.. 
عبير: بكره بقى نبقي نفتحله الهدايا بتاعته.. ما شاء الله جاله حاجات جميلة.. واصلت: شوفتي بقى يا زمزم عابد فرح مهند ازاي.. عيد الميلاد فاجيء الكل

+


زمزم وهي تنزع ملابسه لتحممه قبل نومه: عندك حق يا ماما وأنا شكرت عابد على اللي عمله.. ورغم اني ماكنتش حابة احتفل.. بس حقيقي فرحة ابني انهاردة خلتني اعيد تفكير في قراري

+


محمد: بس تصوروا لاحظت حاجة غرببة.. انتي وعابد ومهند كنتم لابسين نفس الألوان والأستايل تقريبا..!

+


عبير: اللي يشوفهم من بعيد يقول عيلة! 

+


عقدت زمزم حاجبيها: انتي بتقولي إيه يا ماما عيلة إيه؟! دي مجرد صدفة.. أصلا حضرتك اللي جبتي هدومي أنا ومهند.. عابد طبعا مالوش علاقة بينا..ومكناش نعرف هيلبس إي! 

+


لا تعرف لما تحدثت بحدة لتنفي مجرد افتراض أو معنى لكلمة عابرة.. عيلة؟ وعابد؟...لا.. لن تصير هي وابنها جزءً من أحد.. هما كيان منفصل ووحيد ولن يضم إليهم غريب! 

+


_ مالك يازمزم اتعصبتي كده ليه على ماما؟
_ أسفة. يا بابا مش قصدي اتعصب.. يجوز عشان تعبانة من الوقفة.. اسفة يا ماما مش قصدي! 

+


اقتربت عبير وربتت على وجنتها: ولا يهمك حبيبتي عارفة.. هاتي مهند عندي انا هحميه وانيمه.. وارتاحي انتي.. لأني هسهر شوية! 
___________________

+


بعد أن غفى مهند هتفت عبير: 
بقولك ايه يامحمد، كنت حابة اقولك حاجة مهمة
_ خير ياعبير
_عارف طقم زمزم ومهند اللي حضروا بيه عيد الميلاد؟ 
عابد اللي اشتراه! 

+


هتف بتعجب: عابد؟! ازاي وليه؟
_ هو اتصل الصبح واستأذن انه يشتري حاجة لزمزم شافها وعجبته ووطلب مقاسها.. وحلفني مش اعرفها.. وانا كدبت وقلت ليها إني اشتريتهم.. وقلت مافيهاش حاجة.. ابن عمها وبيهاديها

+


صمت برهة يفكر فاستطردت عبير: تعرف! جوايا إحساس بيقولي ان عابد عينه من زمزم يامحمد.. لو ركزت في نظراته انهاردة هتعذرني وتتأكد

+


همس بعين شاخصة: ومين قالك اني مش واخد بالي
تعجبت: بجد؟ يعني ملاحظ؟ طيب وأيه رأيك
_ في إيه ياعبير ده مجرد افتراض وانعكاس لرغبة في عقلنا مش أكتر وكل ده مالوش أساس واضح! 
_ لأ غلطان.. ابن اخوك بيهتم جدااا بيها وبمهند.. بيحبه ومش بيسيبه تقريبا.. وقلبي بيقولي ان سعادة بنتنا معاه يا محمد.. لو فرضنا انه طلبها منك هتوافق؟

+


ضحك بتهكم: أوافق؟ ده امنية عندي ان ابن اخويا ياخد بنتي.. بس السؤال الصح.. بنتك نفسها هتوافقك؟ اظن انتي عارفة كويس دماغها.. ده مجرد تلميح لما قلتي انهم زي العيلة اضايقت! 

+



        
          

                
عبير: وهو يعني خلاص لو حصل هتتجوز الصبح.. كله هايجي بالتدريج.. وانا مش هسيبها لدماغها عند اللزوم هفوفها لروحها.. ثم استطردت بنبرة يشوبها القلق: 
بس عارف يامحمد المشكلة في مين كمان؟
_ مين؟
_ كريمة! 
_ مرات اخويا؟ بس دي بتحب زمزم جدا
_ أيوة بس بتحب ابنها أكتر.. وزي أي أم مش هتفضل ابنها ياخد واحدة سبق ليها الجواز وبعيل! 

+


محمد باستنكار: بتتكلمي كأنه ذنب بنتنا؟
_ يامحمد افهمني.. انا بكلمك بمنطق كريمة گ أم لعابد.. مش كريمة اللطيفة اللي بتحبنا.. هنا الموضوع هيفرق

+


تنهد بعمق وغمغم: سيبي كل حاجة لوقتها ياعبير.. محدش عارف بكره هيحصل إيه.. اطفي النور يلا وتعالي نامي.. احنا تعبنا أوي من الوقفة في عيد الميلاد! 

+


اطاعته وتمددت جواره.. وكلاً منهما شارد بأفكاره.. ورغم صمتهما.. تسائلت دواخلهم الأسئلة ذاتها"

+


إن أعلن عابد عن رغبته بزمزم.. هل ستوافق؟ 
وماذا سيكون رد فعل كريمة؟
_______________

+


في اليوم التالي! 

+


جوري وهي تتعمد أن يسمعها يزيد المهمك بمشاهدة شيء في حاسوبه: مسكينة يا بنت خالتي.. ازاي قادرة تتحملي الوجع ده؟
هتف بانتباه: مالها عطر يا جوري؟ هي تعبانة؟
_ أيوة يا آبيه.. أسنانها هموتها من امبارح عشان كده مش حضرت عيد ميلاد مهند.. والغبية رافضة تروح للدكتور لأنها جبانة.. ومحدش عارف يقنعها ولا خالتو ولا عمو ولا ياسين

+


_ أزاي يعني ترفض؟ هو وجع الأسنان يتسكت عليه.. قومي نروحلها وانا هاخدها للدكتور بالعافية! 

+


انتفضت جوري بحماس: دقيقتين واكون جاهزة! 
___________

+


تحت بناية عمة عطر تمتمت الأخيرة بأعياء واضح: 
_ حرام عليكي ياجوري انا تعبانة اوي وعايزة اعيط.. ياسين قبل ما يخرج حاول معايا ومش رضيت أخرج معاه.. وانتي صممتي البس وانزل معاكي.. والله ما عارفة لبست ازاي! 

+


جوري وهي تربت على ظهرها بحنان: 
ألف سلامة ياحبيبتي معلش عارفة انك تعبانة عشان كده كان لازم اخليكي تنزلي.. ثم أشارت لسيارة أخيها: آبيه يزيد مستنينا في العربية أهو

+


انتبهت بغتة وهي تنظر له خلف زجاج نافذة السيارة هاتفة بحنق: الله يخربيت الغباء.. جايبة. يزيد معاكي ليه.. انتي مش شايفة منظري الزبالة.. ده انا خدي الشمال كله وارم زي واحدة جوزها مصبحها بعالقة

+


ضحكت جوري بسماجة: أحسن خليه يشوف العار اللي انتي فيه

+


حدجتها عطر بنظرة نارية، وعجزت عن الرد بعد أن اقترب منهما يزيد وهو يرمقها بنظرة فاحصة وقد رآى انتفاخ جانب وجهها الأيسر وهالات سوداء حول عيناها نمت عن عدم نوم مريح، وتمتم: إزيك ياعطر ألف سلامة! 

+


حاولت ألا تظهر ألمها وقالت بتماسك زائف: الله يسلمك! 

+


_ طب يلا اركبوا عشان نمشي! 
عطر: نمشي فين؟؟
جوري: مشوار مهم ياحبيبتي.. اركبي من سكات وريحي نفسك من الكلام شوية! 

+



        
          

                
نظرت لها عطر بطرف عيناها نظرة مريبة، واستقلت السيارة جوار يزيد بعد أن أقحمتها جوري بغتة دون ترك أي فرصة للأعتراض.. وليتها تعلم كم توعدت لها بالشر في الخفاء حين تتعافى! 
............

+


هتفت جوري بينما يزيد يقود السيارة : ماتشغلنا أغنية فرفشة كده يا آبيه تسلينا في الطريق! 
_ أغنية إيه بالظبط؟
جوري: بنت الجيران بتاعة المهرجانات 
يزيد: بنت الجيران إيه دي قلة أدب مش أغنية. أختاري حاجة تتسمع 
جوري: ماشي..خلاص أنزل بأغنية ضحكت للأسطورة عمر دياب

+


هز رأسه مبتسما: أيوة كده عمرو يتسمع! 

+


وانبعثت الأغنية بمسيقاها المميزة.. وراحت جوري بالخلف ترقص بذراعيها وأكتافها وهي تردد الكلمات بشكل مضحك أجبر عطر التي لبثت صامتة برهة من الألم أن تضحك.. فأشارت لها جوري سريعا وبنفس الوقت تنظر لأخيها في مرآة السيارة وهي تغني قائلة: 

+


" ضحكت.. يعني قلبها مال.. وخلاص الفرق ما بينا اتشال.. يلا ياقلبي روحلها يلا.. قولها كل اللي بيتقال.."

+


ثم تحمست وهي تردد باقي الأغنية لأخيها وگأنها تخبره بشي مبطن وراء هذا الأداء: 

+


" مستني أيه بعد الضحكة.. دي الضحكة فاتحالك سكة.."

2


ضحك يزيد لتعبيرات وجهها الطفولية ورقصها المبهج بذراعيها مقلدة رقصات الشباب، ثم انتشلته آهة عطر وهي تمسك يسار خدها، فأوقف الأغنية هاتفا بقلق: مالك ياعطر! 
_ مافيش حاجة! 

+


جوري: دي بتكابر يا آبيه.. وجع سنانها مبهدلها.. مش شايف خدها عامل ازاي؟ دي كأنها حاشرة رغيف حواوشي في بقها

+


رمقتها عطر بحنق دون حديث، فقال يزيد: 
معلش ياعطر استحملي خلاص وصلنا للدكتور! 
عطر بتوجس: دكتور لمين؟
_ ليكي طبعا
_ بس انا مش عايزة اروح للدكتور.. أنا هبقي كويسة لوحدي
تجاهلها يزيد هاتفا: أنزلوا يلا اطلعوا للدكتور وانا هركن العربية وبسرعة واحصلكم! 
..................... 
بعد انتظار قصير هتفت جوري بإلحاح: عشان خاطري يا آبيه هنزل اجيب حاجة من تحت وانتم ادخلوا للدكتور وانا وهحصلكم..!
يزيد: يابنتي قولتلك اصبري نخلص وننزل سوا وأوديكي أي مكان انتي عايزاه
_ لأ مش مستاهلة والله.. دقايق وهكون عندك هتطلع تلاقيني مستنياكم هنا..!
اضطر للموافقة ودلف هو مع العطر التي تتابع حديثهما بألم واضح! 
................. 
الطبيب: أفتحي بقك جامد يا أنسة لو سمحت! 
عطر بحرج أن تفعل هذا بحضور يزيد: مش قادرة من الوجع! 
_ منا عارف ان في وجع.. ورم خدك باين.. ولازم افحصه عشان اعرف هتحتاجي إيه؟
استجابت وفتحت فمها قليلا، فهتف طبيب: يا أنسة أنا بجد مش هعرف اكمل كشف كده..!
هتفت بألم: طب اعملك إيه يعني.. وبعدين أوعي تديني حقن والله اصوت والم الدنيا عليكم!

+


حك يزيد أرنبة أنفه وهو بقاوم ضحكة، وقال كي يستفزها: على فكرة الخوف ده للأطفال ياعطر واخدة بالك انتي..!
همست بغيظ: أنا مش طفلة يا يزيد! 
_ خلاص يبقي تسمعي كلام الدكتور خلينا نخلص ونمشي! 

+


صمتت قليلا ثم قالت ببعض الخجل: طب بص الناحية التانية

+


فابتسم مراعيًا خجلها، وأدار وجهه لزاوية معاكسة: أهو ياستي مش شايفك خالص.. يلا بقى انجزي..!

+


استأنف الطبيب عمله وهو يتفحص فمها المضيء بعد أن سلط عليه ضوء كشاف ساطع.. وهي تحاول بألم أن تطيعه حتي ينتهي من فحصها..ولم تدري أن يزيد يراها بالفعل من خلال برواز أمامه يتوسط الحائط، يحوي إطاره مرآة عليها بعض الآيات القرآنية.. ابتسم وهو يتأملها وهي تعاند الطبيب بغلق فمها ثم تعاود الأنصياع خوفا من أن بنتبه هو ويتهمها أنها طفلة! ولا يعلم لما يُحنقها أن يراها طفلة وهذا اجمل ما فيها، طفولتها تؤثر عليه.. وبالوقت ذاته لا يتجاهل ابدا أنوثتها لكنه إن عاملها بها سيُفرض عليه حدود كثيرة تمنعه من التباسط معها.. وهو لا يريد عائق بينهما.. يريد تلك البساطة وهذا الود والأرياحية..! 

+


_ عندها "خراج" كبير جدا هو السبب في الورم ده.. وهضطر دلوقتي اتعامل معاه بشكل فوري.. لأنه عمل صديد هيأذيها.. وبعدها تيجي مرحلة المضاد الحيوي ثم الخلع..!

+


استدار يزيد هاتفا بحزم: أعمل اللازم يادكتور! 
فعبأ الطبيب محقن به مخدر ما أن رآته عطر، حتى انتفضت من مقعدها المخصص للكشف وتوارت خلف يزيد متشبثة بقماش چاكيته محتمية به: بلاش حقن الله يخليك، قوله بلاش يا يزيد عشان خاطري! 

+


رغم عفوية تصرفها لم يكن كذلك بالنسبة له.. رجفة حمية رجولية أصابته..لأول مرة يحتمي به أحد بتلك الطريقة..شيئًا بعفوبتها لمس قلبه.. شيء استفز حنان داخله يفوق طبيعته معها وهو يستدير لها رامقا إياها بنظرة دافئة لم يعيها وهو يهمس: 

+


متخافيش ياعطر..اطمني أنا معاكي مافيش حاجة هتوجعك! 

+


رمقته بنظرة مطولة ولوهلة تناست ألمها وهي تغوص بعيناه وصدى كلماته يتردد داخلها بدفء وصلها بقوة وهو يطمئنها.. لا تعرف كيف صعدت ثانيًا لمقعد الكشف وتركت الطبيب يفعل ما يريد ومازالت عيناها متعلقة به.. أما الطبيب فحاول أن يلهيها عن المحقن فراح يثرثر لها عن موقف ما لطفل مريض حتى انتهى من عمله الذي للغريب لم تشعر به.. 
من كان أكثر تأثيرًا عليها؟ 
حقنة المخدر..؟!
أم نظرات يزيد الدافئة لها.. ؟!
___________________

+


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close