اخر الروايات

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل العشرين 20 بقلم نرمين نحمد الله

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل العشرين 20 بقلم نرمين نحمد الله


                                    


*********


+



الفصل العشرون:


+



استيقظت من نومها لتجده ينظر إليها في هيام...

عيناه ترويان حكايا طويلة من غرامٍ صادق...

فابتسمت برقة وهي تهمس بصوت ناعس:

_حبيبي ياسين!!

مال علي وجهها يغمرها بقبلات ناعمة ...

فضحكت بخجل ثم ضمته إليه بذراعيها هامسة :

_هل استيقظت قبلي بكثير؟!


1



ضمها إليه هو الآخر وهو يتخلل شعرها بأنامله هامساً جوار أذنها:

_هذا هو سري الصغير معك...أنا أحب مراقبتكِ نائمة...ليس اليوم فقط...بل في كل يوم كنت تنامين فيه جواري وأنا عاجز حتي عن ملامستكِ...سلطانتي رقية جعلتني أقع في أسر حبها دون أن تحتاج سلاحاً....فقط قلبها الملكيّ كان يكفي كي أسقط أمامه كأسير حرب...


+



انطلقت منها ضحكة عالية حملت إليه سعادتها كاملة....

فاقترب بوجهه من وجهها يكاد يلاصقه وهو يهمس بحنانه المعهود:

_السلطانة رقية راضية عني؟!!


+



داعبت أنفه بأنفها وهي تهمس بسعادة خالصة لم تعرفها منذ زمن بعيد:

_تمام الرضا أيها السلطان ياسين!!!


+



ضحك بمرح هو الآخر ...

ليضمها إليه أكثر وهو يغرقها في طوفان عاطفة خاصة جرفتهما معاً....

ليزداد شعور كل منهما بأنه حقاً يعشق صاحبه...

عشقاً جارفاً بلا أول ولا آخر...

بلا قيود ولا سدود...

عشق لن يذوي ولن يموت...

لأنه بدأ بتصديق العقل قبل أن تنصاع له الروح...

ويذوب في نيرانه القلب....!!!


+



وبعدها بقليل...

قامت من جواره لتقول بلهفة:

_لقد سرقنا الوقت...لم يتبق سوي القليل علي آذان الفجر...


+



قام بدوره ليقول بمرح :

_لا تقلقي يا سلطانتي...السحور جاهز علي التسخين...أنا أعددته ...


+



أمسكت كفه وهي تتوجه معه نحو المطبخ حيث تعاونا في نقل الأطباق...

كادت تجلس علي كرسيها لكنه جذبها ليجلسها علي ساقيه هامساً بحنان أمام عينيها:

_حتي تأتينني بطفلة جميلة مثلك...سيكون هذا مكانكِ دوماً...


+



ابتسمت بخجل وهي تهمس باعتراض:

_لن تتمكن من الأكل هكذا....اتركني يا ياسين...


+



ضمها إليه أكثر...

ثم تأوه بقوة ليهمس بعدها بعاطفة أشعلتها:

_أتركك؟!!! ومن ذا يقوي علي ترككِ بعدما صرتِ بكل هذا القرب؟!!! أبداً لن أترككِ يا سلطانتي...


+



لا تدري لماذا دمعت عيناها وهي تسمع هذا منه....

رغم أنها تصدقه...

بكل جوارحها توقن بحبه...

لكن شيئاً ما يقبض قلبها...

ينزع منها سعادتها -الكاملة -بعاطفته...

ربما هو خوفها من عودة آسيا....

وربما هو شعورها بمرارة الفقد التي ذاقتها بعد رحيل عاصم الهاشمي...

وربما سبب آخر لا تعلمه...

لكنه يخدش روحها بقسوة ويحرمها تلذذها بقربه....


+



لمح الدموع في عينيها...

مع سؤالها الذي همست به في رجاء يتعارض وقوتها المعهودة:

_هل هذا وعدٌ  يا ياسين؟!!!


+




أحاط وجهها براحتيه ثم قبل جبينها بعمق...

ففتحت عينيها ثم عادت تسأله بنفس النبرة...

نظر إليها طويلاً...

ثم هز رأسه نفياً...

فاتسعت عيناها بصدمة...

ليهمس هو بعدها في حزم حنون:

_ليس وعداً يا رقية...ولا ميثاقاً...بل ولا حتي قسماً...الوعد يُخلَف...والميثاق يُكسر..والقسم يحنثون أحياناً به...لكنه هذا...


+



قالها وهو يضع كفها علي صدره...

ليردف بعدها بيقين وكأنه ينقش كلماته علي جدران معابدها....

:

_هذا القلب الذي لن تكذبكِ دقاته...ولن يخدعكِ نبضه...هذا القلب الذي صرتِ أنتِ حياته...ودونكِ يموت وأموت أنا معه...

أسندت رأسها علي صدره تضع أذنها علي قلبه وكأنها تجرب كلامه....

قلب ياسين صادقٌ مثله...

طالما وعدها فلن يخلف وعده....

ستكون حياته....كما هو حياتها....!!!!

ظلت هكذا علي صدره وهو يربت علي رأسها...

حتي سمعا صوت الأذان....

فانتفضت لتهز رأسها هامسة بأسف لا يخلو من مرح:

_ضاع السحور يا ياسين!!!

=======================================================================


+



فتح حذيفة عينيه فربتت راجية علي كتفه وهي تقول بحنان:

_أنت اليوم أفضل يا بني؟!!

أشاح حذيفة بوجهه وهو يشعر بالاختناق...

هذا هو يومه الثاني هنا وساري لم تقم بزيارته...

بل إنها حتي لم تهاتفه...

قلبه يخبره أن صمتها هذا وراؤه كارثة...

لهذا التفت نحو فريدة التي كانت جالسة بعيداً ترمقه بشفقة واضحة...

ثم همس بصوت متعب:

_أريد ساري يا عمتي.


+



تنهدت فريدة وهي تتبادل مع راجية نظرات غامضة...

فعاد يهمس بألم:

_هي غاضبة مني؟!!! صدقيني ما حدث كان رغماً عني...


+



قالت فريدة بحنانها المعتاد:

_أنا أعرف ذلك يا بني...لكن ساري لازالت في مرحلة صدمة...

تأوه بخفوت ثم عاد يهمس برجاء:

_دعيني أكلمها فقط ...أريد أن أسمع صوتها...

هزت فريدة رأسها في استسلام...

ثم تناولت هاتفها لتتصل بساري ...

أعطته الهاتف فتناوله بأنامل مرتجفة...

فتحت ساري الاتصال لتقول بلهفة:

_نعم يا أمي...حذيفة بخير؟!!


+



لم يصلها رد للحظات...

فعادت تهمس بقلق وقلبها يخفق بين ضلوعها بقوة :

_أرجوكِ يا أمي قولي أنه بخير...


+



صمت للحظات أخري وهو يستشعر قلقها الصادق عليه ليهمس بصوت ضعيف:

_مادمتِ قلقةً هكذا...فلماذا لم تأتِ لتطمئني بنفسك؟!!

وضعت كفها علي صدرها ودموعها تملأ عينيها بينما عجز لسانها عن الرد...

من كان يخبرها أنه سيأتي يوم يكون هو فيه في المشفي بينما هي ترفض رؤيته....؟!!!

من كان يخبرها أنها ستكون بكل هذه القسوة معه؟!!!

وبكل هذا التجاهل؟!!!

من كان يخبرها أن قلبها الذي فاض بحبه منذ وعت علي هذه الدنيا سيخذله في صراعه مع عقلها وكبريائها؟!!!!


+



تمالكت نفسها لتقول بصوت تصنعت بروده:

_لقد اطمأننتُ عليك ...الجميع يقولون أن جرحك سطحي وأنك ستعود للمنزل غداً...


+



أغمض عينيه في ألم...

صوتها رغم برودته يكوي صدره بسهام حارقة...!!!!

ساري لن تسامحه...

ستظل تجلده بهذا الذنب وربما أعدمت حبهما لأجله...!!!


+




        


          


                

همس بعد لحظات من الصمت والعتاب يحتوي همساته المختنقة:

_الجميع ؟! الجميع حولي عداكِ أنتِ !!!

سالت دموعها الحبيسة علي خديها وعبارته تصيب قلبها في الصميم...

لكنها تشبثت بآخر أسوار مقاومتها وهي تقول بنفس البرود:

_حمداً لله علي سلامتك ...اعتنِ بنفسك...


+



قالتها وأغلقت الاتصال بسرعة...

وقرارها الأخير الذي اتخذته يتملك رأسها أكثر...

غداً...عندما يعود لمنزل العائلة ستبلغه به...


+



وعلي سريره أغمض هو عينيه بحسرة...

لن يلومها رغم كل شئ ....

هو دوماً يخذلها...

إن لم يكن بإرادته فرغماً عنه...

حتي بعدما قرر أن يتغير ويرمي تاريخه الأسود كله خلف ظهره ليبدأ معها من جديد....

عادت ذنوب ماضيه تطارده لتقف حائلاً بينه وبينها...

وكأن القدر يعاقبه بقلبه...!!!

قلبه الذي طالما كفر بالحب والإخلاص...

والذي تغير بين يديها ليصير ناسكاً في محراب حبها...

الآن ...تطرده هي خارج أسوار مدينتها !!!!

==========================================================================

فتحت آسيا عينيها لتجده جوارها مشبكاً أنامله بأناملها...

ابتسمت بشحوب وهي تتأمل ملامحه المرهقة...

منذ سقطت ضحية هذا المرض وهي تجده هكذا كلما أفاقت من نومها ...

يحتضن أناملها بكفه وكأنه يخشي أن تضيع منه...

وصلها صوته الحنون يغازل أذنها بعاطفته:

_كيف حالكِ الآن؟!


+



اتسعت ابتسامتها وهي تومئ برأسها هامسة:

_الحمد لله.

قالتها وهي تحاول النهوض لكنه وضع كفه الحر علي كتفها هامساً:

_ابقيْ مستريحة!!


+



دارت بعينيها في الغرفة وهي تهمس بدهشة:

_لماذا أنا هنا؟!


+



ربت علي وجنتها برفق وهو يملأ عينيه من ملامحها هامساً بحنان:

_حتي أستطيع العناية بكِ ...

خفق قلبها بقوة لعبارته...

مضي وقت طويل...طويل جداً...

منذ شعرت بأن أحداً ما يهتم لأجلها...

وكم تحتاج هذا الشعور الآن...

وبالتحديد منه هو...

هو الذي تشعر أنها ...!!!!

هزت رأسها تحاول نفض هذه الفكرة عنها....

ثم همست بخجل وهي تسبل جفنيها بعيداً عن عينيه المتفحصتين:

_هل كنت مريضة إلي هذا الحد؟!!


1



عاد يربت علي وجنتها ثم أغمض عينيه ليقول بصوت متهدج:

_الحمد لله!


+



اتسعت عيناها بدهشة للحظة وهي تنتبه لنبرة صوته المتهدجة...

ثم توجهت ببصرها لكفه الذي يحتضن كفها بقوة...

ما باله جسار؟!!!

لماذا تشعر أنه تغير معها؟!!!

لا...ليس الأمر مجرد شفقة...

شئ ما في نظرة عينيه قد تغير...

شئ ما يتواري خلف ستار حنانه المعهود...

شئ يشبه ال....!!!!


+



عادت تهز رأسها وهي تؤنب نفسها بقوة...

حمقاء يا آسيا...

حمقاء كعادتك!!!

جسار لن يراكِ سوي مجرد واجب ثقيل...

وبقاؤكِ هنا لن يزيد عن كونه صنيع معروف...

بل...من يدري...؟!!!

ربما عندما تتعافين من مرضك وينتبه أنكِ قد دخلتِ غرفة سمية يعود لسابق عهده من القسوة معك...


+



قطعت أفكارها عندما سمعت صوت طرقات خافتة علي الباب...

بعدها دخل العم كساب مبتسماً يقول لها بأبوته الصادقة:

_إذن فقد أفاقت الغالية......حمداً لله علي سلامتكِ يا ابنتي.


1




        

          


                

ابتسمت آسيا في خجل وهي تحاول سحب كفها من كف جسار حياءً من عمه...

لكنه تشبث به وهو يومئ لها برأسه في إشارة موحية...

نظرت إليه في حيرة وهي عاجزة عن الفهم...

بينما نقل العم كساب بصره بينهما في رضا...

وهو يشعر بشرارات جديدة من المشاعر بينهما...

ثم قال لآسيا بمرح:

_لقد كتب لكِ عمر جديد كما قال الطبيب...استغليه إذن في بداية جديدة...وكفاكِ خوفاً وحزناً..


+



التفتت إليه آسيا تتفكر في كلماته...

إنها تشعر فعلاً أنها قد كتب لها عمر جديد...

شئ ما بنفسها قد تغير فجأة ولا تدري ما السبب...

لم تعد تشعر بنفس الحزن والألم الذي كان يخنق روحها قبل سقوطها تحت سطوة مرضها هذا...

بل -للعجب-تشعر برغبة هائلة في الحياة...

في المواجهة...

في الدفاع عن حقوقها ضد ظلم أي أحد...!!!!!

ما الذي غيرها هكذا؟!!!

لا تدري...

هل هو شعورها بأنها كان من الممكن أن تموت وأن الحياة أهدتها فرصة أخري لتغير مسارها...؟!!!

أم أنها ملت من طول ضعفها وانكسارها أمام صفعات القدر...؟!!!

أم هو إحساسها -الجديد-بالأمان مع جسار...

جسار الذي تشعر أنه سيكون سندها حقاً في كل معاركها القادمة؟!!!

أم هو قلبها الذي عاد ينبض بحب جديد يختلف تماماً عن حبها القديم لياسين...

حب يستحق أن تقوم من عثرتها لتدافع عنه؟!!!!


+



لا تعرف...

هي حقاً لا تعرف...

لكنها موقنة فقط من أنها تغيرت...

ستكون (آسيا)  جديدة أقوي كثيراً مما كانت...!!!!


+



لهذا ابتسمت ابتسامة جديدة عليها...

مزجت قوتها برقتها وهي تهمس بصلابة:

_معك حق يا عمي.

ثم التفتت لجسار لتهمس بنفس النبرة:

_يبدو أن فرسك الذي أرهقك ترويض ضعفها ستبدأ في الاستجابة ....

================================================================

وقف قاسم النجدي أمام صور أبنائه يتأملها بحزن قصم ظهره...

لقد تقطعت خيوط العائلة وانفلت الزمام من يده...

لم يعد يستطيع السيطرة علي الأمور التي خرجت من يده....

آسيا التي هربت بفعلتها ومن يدري ما الذي فعله بها جسار القاصم...

جوري التي آذاها عمار الذي اختاره لها بنفسه فكان بئس الاختيار...

وأخيراً ساري التي كادت تضيع وينتهك شرفها بسبب عبث حذيفة...!!!


+



لقد ظن أنه يمنحهن السعادة والأمان جوار أبناء عمومتهن...

لكنه الآن يشعر أنه -ربما-كان مخطئاً!!!

وشعوره بالذنب يتخلل أعماقه رغماً عنه!!!

ولعل هذا ما دفعه لإعادة حمزة من غربته...

ليفصل في شأن آسيا...

لو كان قد عالج الأمر بعقليته القديمة فربما كان ذهب إلي جسار هذا بقوة من عائلته وأشعلها حرباً جديدة بين العائلتين...

لكنه أمسك لجام غضبه هذه المرة خوفاً علي آسيا....

لعل حمزة يتمكن بفكره -المختلف-من حل الأمر بصورة أخري تضمن سلامتها...


+



قطعت أفكاره عندما سمع طرقات خافتة علي باب غرفته..

فتح الباب ليبدو وجه راجية تقول له بخفوت:

_لقد عاد حذيفة من المشفي...هو الآن بغرفته...


+



أومأ برأسه إيجاباً...

ثم ذهب إلي غرفة حذيفة بخطوات بطيئة...

جلس علي كرسيه أمام فراشه...

فرمقه حذيفة بنظرات مترقبة...

قبل أن يقول بألم:

_صدقني يا جدي أنا نادم حقاً علي كل الماضي...أنا تغيرت...ساري جعلتني أتغير...أنا أعرف أنها كادت تضيع بسببي...لكنني...


+




        

          


                

قاطعه قاسم بإشارة من كفه وهو يتفحص ملامحه بدقة...

هو يعرف أحفاده جيداً...

يحفظ تعابير وجوههم كخطوط كفه...

وهذا الرجل أمامه ليس كاذباً ولا مدّعياً...

بل إنه صادق!!!

نعم...حذيفة نادم حقاً...

بل إنه يكاد يقسم أنه تغير...

يبدو أنه كان يحتاج ل"قرصة أذنٍ" كهذه كي يفيق من غفلته....

كي يدرك قيمة جوهرة ك"ساري" لن يجد مثلها كثيراً...

لهذا سيمنحه فرصة جديدة معها...

هذا الألم الممزوج بندمه في عينيه يستحق أن يمنحه محاولة جديدة!!!!


+



طرقات رقيقة علي الباب جعلته يلتفت...

ثم يقول بصوته المسيطر والذي شابه الآن مسحة من حنان:

_تعالي يا ساري.


+



التفت حذيفة نحوها وهو يكاد يقوم من مكانه ليضمها لصدره...

فلا يسمح لها بالإفلات أبداً...

لو يعوضها بكل ما تطلب وما لا تطلب عن قسوة اللحظات التي عاشتها بسببه...

لو يظل يصرخ باعتذاراته وتوسلاته أن تسامحه...

لو يقسم لها بأغلظ الأيمان أنه تغير...

فقط لأجلها...

نعم...هي صنعت المعجزة...

هي جلت الصدأ عن معدنه...

وغسلت الوحل عن قلبه...

ليولد في حبها من جديد...

طاهراً نقياً كما يليق بها!!!


+



لكنها حتي لم تنظر إليه وهي تتوجه نحو جدها فتقبل يده كما العادة...

ثم تقول بحسم :

_أرجوك يا جدي...لي لديك مسألةٌ فلا تردني.

أومأ قاسم برأسه وهو يتأمل ملامحها بترقب...

فأخذت نفساً عميقاً ثم قالت بصلابة تدعيها ببراعة كعادتها:

_لا أريد هذه الزيجة....هذا رجل لا أئتمنه علي نفسي.


+



أغمض حذيفة عينيه بألم وعبارتها تخترق صدره كطلقة غادرة....

لن يكترث لجرحها لكرامته بهذه العبارة...

لكن ماذا عساه يفعل بقلبه الذي تفتت من قسوتها...؟!!!

لا تأتمنه علي نفسها؟!!!!

هل هذا حقاً ما تشعر به؟!!!!

لكن لماذا يتعجب وهي التي طالما أشعرته بهذا...

ساري تحبه لكنها لا تحترمه...

هو هينٌ في عينيها...

تراه مجرد رجل ضعيف...

هذه ليست أول إهاناتها...

لكنه سيجعلها الأخيرة!!!


+



أفاق من بركان أفكاره علي صوت قاسم النجدي الذي قال بجفاء:

_ماذا تعنين بهذا؟!!! ألم يكن هذا اختيارك؟!!! أنتِ الوحيدة التي منحتها حق الاختيار والآن تتراجعين ؟!!!


+



ضغطت علي شفتيها تقاوم رغبتها العارمة في البكاء ...

لا تصدق أنها هي تقف الآن في وجه النجدي الكبير تعارضه في زواجها من حذيفة...

حب قلبها الذي لن يعرف قبله ولا بعده...

لكن ما حيلتها...

لقد نفد صبرها كله...

لم تعد تحتمل زلاته وخطايا ماضيه....

لقد امتلأ الكأس عن آخره حتي فاض ليغرق روحها بطوفانٍ من الألم...

لهذا عادت تقول بتماسك مصطنع:

_أخطأتُ الاختيار يا جدي...كدتُ أضيع بسببه...فهل ترضاها لي؟!!


+



ضغطت علي شفتيها تقاوم رغبتها العارمة في البكاء ...

لا تصدق أنها هي تقف الآن في وجه النجدي الكبير تعارضه في زواجها من حذيفة...

حب قلبها الذي لن يعرف قبله ولا بعده...

لكن ما حيلتها...

لقد نفد صبرها كله...

لم تعد تحتمل زلاته وخطايا ماضيه....

لقد امتلأ الكأس عن آخره حتي فاض ليغرق روحها بطوفانٍ من الألم...

لهذا عادت تقول بتماسك مصطنع:

_أخطأتُ الاختيار يا جدي...كدتُ أضيع بسببه...فهل ترضاها لي؟!!


+




        

          


                

كان حذيفة لازال مغمضاً عينيه وكلماتها تجلده جلداً...

هل هذه التي كانت تقول أنها تراهن نفسها عليه وستربح رهانها؟!!!

هل هذه التي كانت تزعم أنها أحبته قبل أن تعرف حتي ما هو الحب؟!!!

هل هذه التي كانت تقول أنها أبداً ستكون له وليس لأي رجل آخر؟!!!

هل هذه حقاً ساري؟!!!!!


+



وصله صوت جده يهتف بحدة:

_انزعي من رأسكِ هذا الكلام الفارغ...حذيفة تغير...لن نجلده بخطايا ماضيه طوال عمره...هو يستحق فرصة أخيرة...


+



انتحبت ساري بقوة وهي تهتف برجاء:

_لا أريده يا جدي...أرجوك لا تجبرني...

قام النجدي الكبير من مكانه ليهتف بسخط:

_أنا الذي كنت أظنكِ أكثر أخواتكِ عقلاً...ماذا جري لكنّ يا بنات فريدة؟!!!


+



_ساري محقة يا جدي!

هتف بها حذيفة بصوته المنهك...

فالتفت إليه قاسم النجدي بغضب...فيما أطرقت ساري برأسها تخفي دموعها....

لكن حذيفة نظر إليها ثم قال بحزم :

_أنتِ طالق يا ساري!!


+



أغمضت عينيها بقوة لا تصدق أنه نطقها هكذا ببساطة....

لكن...ألم تكن هذه رغبتها؟!!!

ألم يكن هذا قرارها؟!!!

حسناً...هي ليست نادمة...

طالما استمعت لصوت قلبها معه فخذلها...

والآن حان الوقت لتستمع لصوت عقلها...

لعله لا يخذلها هو الآخر!!!!


+



بينما كان قاسم النجدي جوارها ينتفض غضباً وهو يهتف بحدة :

_هل تتحداني يا ولد؟!!! كيف تطلقها دون أن ترجع إليّ؟!!!! هل جننت؟!!! 


+



أطرق حذيفة برأسه وهو يقول بصوت ذبيح:

_حاشا لله يا جدي...لكنها حياتي أنا...وأنا أيضاً لم أعد...أريدها!!

تهدج صوته في كلمته الأخيرة وكأنه ينطقها خارج سلطان قلبه...

وقد كان هذا صحيحاً...

الآن هو يسبح ضد تيار قلبه الذي يعشقها...

وعقله الذي لم يتمنَ امرأة كما تمناها...

لكنه يفعلها ليس فقط لأجل كبريائه الذي طالما حذرها من أن تخدشه....

ولكن لأجلها هي أيضاً...

هي التي لا تستحق أن تعيش تجربة أخري كالتي عاشتها معه...

تقول أنها لم تعد تأتمنه علي نفسها...

والواقع أنها لم يعد يأتمن نفسه عليها أيضاً...!!!


+



هتف قاسم بوعيد صارم وهو يلوح بسبابته في وجهه:

_لم يجرؤ أحد قبلك علي مخالفة أمري علانية كما فعلت أنت...لهذا سيكون عقابك صارماً...عندما تستعيد عافيتك ستخرج من هذا البيت مع شقيقك البائس ولن تعود إليه أبداً ما دمتُ أنا علي قيد الحياة...وسأحرمك من كل قرش من مالي....ستبدأ من الصفر....هل تفهم؟!!!


+



قالها ثم أزاح ساري من طريقه بعنف...

فنظرت إلي ظهره المنصرف بذهول...

حذيفة تحدي قاسم النجدي علانية لأول مرة في تاريخ العائلة...

وخسر كل ما امتلكه يوماً...

قاسم النجدي سيطرده من بيته وتجارته...

حذيفة سيفقد كل شئ!!!


+



التفتت نحو وجهه الذي كان مطرقاً لتهمس بصدمة:

_لماذا فعلت هذا؟!

رفع وجهه لسقف الغرفة للحظات...

ثم قال ببرود يخفي جرحه:

_لقد حررتكِ من لعنة عمركِ كما كنتِ تقولين عني...الآن أرضيتُ كبرياءكِ وكبريائي معاً...غداً أغادر هذا المنزل للأبد ...

ثم التفت إليها ليقول بصوت خانه ليخرج مهزوزاً متألماً:

_غداً تصلكِ ورقة طلاقكِ يا ابنة عمي!!

======================================

كانت جالسة علي فراشها تعقد ساعديها علي صدرها وهي تشعر بالاستسلام...

لكنه ليس استسلام ضعف...

بل استسلام من علم أنه لا مفر من المواجهة ليسترد حقه المسلوب....

فإما عاد به ...وإما هلك دونه!!!!

فتح الباب فابتسمت برقة عندما تقدم نحوها ليشبك أنامله بأناملها كعادته مؤخراً قبل أن يقبل جبينها هامساً بحنان طاغٍ:

_كيف حالكِ الآن؟!!!


+




        

          


                

أسبلت جفنيها في حياء واضح وهي تومئ برأسها في إشارة مقتضبة....

فابتسم وهو يتناول صينية الطعام الموضوعة جوارها علي المائدة ليسألها برفق:

_لماذا لم تتناولي طعامكِ حتي الآن؟!!


+



مطت شفتيها بدلال لا تتكلفه وهي تهمس برقتها الفطرية:

_لا شهية لديّ يا جسار...أرجوك.

رمقها بنظرة عاتبة وهو يهمّ بإطعامها بنفسه....

لكنها أمسكت كفه تمنعه وهي تقول بقوة غريبة علي طبعها:


+



_لا يا جسار...من الآن فصاعداً أريد الاعتماد علي نفسي في كل شئ...سأكون قوية بما يكفي لتدبر أموري كلها...

ارتفع حاجباه في دهشة للحظة من التغير الذي استشعر أنه قد طرأ عليها...

لتمتزج بعدها بإعجابه الواضح في عينيه ....

ثم رفع كفها الممسك بكفه يقبله هامساً بإعجاب:

_رغم سعادتي بما تقولين....لكن اعتمادك علي نفسك شئ...وتدليلي لكِ شئٌ آخر...


+



ارتعش جسدها كله بتأثير قبلته لتحمر وجنتاها بشكل زادها فتنة...

أطرقت برأسها وهي تشعر باضطراب لذيذ...

فاتسعت ابتسامته وهو يقول لها بمرح لم يعرفه منذ زمن طويل:

_هيا تناولي طعامكِ بنفسكِ كما زعمتِ وإلا سأكرر عرضي السخي بإطعامك...


+



بدأت في تناول طعامها بخجل تحت نظراته التي كانت تحتضن ملامحها كلها...

لا يدري متي ولا كيف تعلق بها كل هذا القدر...

ولا يعرف مسمي لشعوره هذا نحوها...

لكن ما هو واثق به تماماً أنه كاد يجن عندما أحس أنه قد يفقدها...

وقد عادت إليه روحه حقاً عندما بدأت تستعيد عافيتها...


2



أنهت طعامها لتتناول دواءها بنفسها ...

ثم غمغمت بشرود:

_مللتُ دور المريضة هذا....اشتقت لممارسة الطب...

ضغط علي كفها بين راحتيه وهو يقول بحزم:

_عندما تنتهي هذه الأزمة وأطمئن عليكِ ....أعدكِ أن أكون معكِ علي هذا الطريق حتي تحققي حلمكِ كاملاً...

ابتسمت في امتنان ...

فاقترب بوجهه من وجهها يهمس بثقة :

_آسيا الطبيبة ستكون أشهر من نارٍ علي علم...

هزت رأسها وهي تسأله بشك يختلط بالرجاء:

هل تظن هذا حقاً؟!!!


+



ربت علي رأسها بحنان ثم نظر لعينيها هامساً بيقين:

_ومن أكثر قدرة علي مداواة الألم ممن عاشه ؟!!!لقد تعذبتِ كثيراً يا صغيرتي...لكن لعل هذا يصقل قلبكِ أكثر ليجعلكِ أكثر رحمة ...


+



أومأت برأسها إيجاباً ولازالت تحتجز عينيه بنظرات امتنانها....

ثم شردت ببصرها لتهمس بعاطفة:

_افتقدت ياسين!


+



عقد حاجبيه بغضب وقد تشنجت عضلة فكه...

ألازالت تفكر فيه...؟!!!

وكيف تجرؤ علي قولها هكذا ببساطة أمامه دون اعتبار لأنه الآن زوجها؟!!!

حتي لو كان زواجاً علي الورق...

لكن يحق له أن تحترمه علي الأقل...


+



التفتت إليه من شرودها ليروعها الغضب البادي علي وجهه...

فهتفت بجزع:

_ما الأمر يا جسار؟!!! ياسين بخير؟!!! أنا لم أرهُ منذ أفقت من مرضي...


+



اتسعت عيناه في إدراك للحظة وهو يشعر ببعض الحرج...

لقد كانت تقصد ياسين الصغير وليس ابن عمها هذا...

يالله!!!!

ألم تجد الحياة لابن عمها هذا سوي اسم كاسم ابنه...؟!!!

فيجد نفسه في كل مرة تنطق به يحترق غيرة ...

غيرة؟!!!

هل اعترف أخيراً أنها كذلك؟!!!


+




        

          


                

قطعت أفكاره عندما نفضت غطاءها لتقوم واقفة وهي تهتف بقلق:

_سأذهب لأطمئن عليه بنفسي.

التفت إليها من شروده ليجدها تضع كفها علي رأسها وهي تترنح مكانها...

فقام بدوره ليضمها إليه قائلاً بحنان:

_لا تخافي يا صغيرتي ..ياسين بخير...

رفعت رأسها إليه في تشكك وهي تهمس برجاء:

_حقاً؟!!!لماذا إذن كنت غاضباً هكذا عندما سألتك عنه؟!!


+



ضم رأسها إلي صدره  ليهمس جوار أذنها:

_كفاكِ قلقاً يا صغيرتي...أما اكتفيتِ من الترقب والخوف؟!!!

دفنت وجهها في صدره للحظات تتنعم بهذا الحنان الذي افتقدته منذ زمن بعيد...

هذا رجلٌ حضنه يحتكر حنان العالم وأمانه معاً...!!!

رفعت رأسها إليه وهي تهمس بصوتها العذب:

_لا تتصور كيف أشعر بالأمان عندما تدعوني "صغيرتي " هكذا...لم ينادِني بها أحد طوال عمري...أبي توفي وأنا صغيرة...وجدي كان يعتقد دوماً أن التدليل سيفسدنا...


4



خفق قلبه بقوة وهو يشعر بها الآن شعوراً مختلفاً...

بعيداً عن كونها أنثي فاتنة...أو امرأة حنون...

نعم...الآن يراها مجرد طفلة يتيمة فقدت الحنان عمرها كله...

وتشتاقه أرضها الظمأي إليه كي تنبت زروع الأمل بروحها من جديد...

ما أحوجها إليه...

وما أحوجه إليها!!!!

قبل جبينها بعمق ثم همس أمام عينيها:

_من الآن فصاعداً لن أدعوكِ إلا هكذا!!


+



اتسعت ابتسامتها مع حمرة خفيفة كست وجنتيها وهي تشعر أنها لم تكن يوماً أقرب إليه من الآن...

ليس فقط لجسدها الذي يختبئ بين ذراعيه...

ولكن لقلبها الذي تشعر أنه الآن يجاور قلبه...

شعور فريد بأنها صارت تحمل مكاناً خاصاً لديه...

رفعت عينيها إلي عينيه اللتين طوقتا ملامحها بحنان ثم همست بشرود:

_من كان يقول أن جسار القاصم الذي عشت عمري كله أخشي مجرد اسمه...سيكون يوماً هو أمان دنياي كلها؟!!


+



ارتفع حاجباه في تأثر للحظة...

ثم ضمها إليه أكثر وهو يربت علي ظهرها قائلاً :

_لا تخافي يا صغيرتي...جسار سيكون دوماً معك...حتي تصلي لبر الأمان...هذا هو وعدي لكِ!


+



====================================================================

_غداً تصلكِ ورقة طلاقكِ يا ابنة عمي!!


+



ظلت عبارته تدوي في أذنها وهي جالسة في غرفتها التي لا تدري كيف حملتها قدماها إليها...

لقد انتهي الأمر هكذا بسرعة لم تتخيلها...

الآن لم يعد حذيفة لها...

ولم تعد له!!!

لقد منحها حريتها من سجنه ....

لكنه دفع ثمن هذا غالياً!!!


+



هزت رأسها بصدمة وهي تسترجع كل ذكرياتها معه...

دميته الحبيبة...ولعبه معها صغاراً علي السطح...

لقطات سريعة من تاريخ طفولتهما المشترك...

كيف كان دوماً يغضبها ثم لا يقوي علي خصامها فيعود ويسترضيها...

كيف كبر وكبرت معه معاناتها بسببه...

ليبتعد عن الصورة التي رسمتها له...

ثم يعود ليقتحم حياتها بقناع جديد من سيطرته وقسوته...

حتي شعرت أنه حقاً تغير...

ابتسمت وسط دموعها وهي تتذكر تصريحه لها بحبه أول مرة...

قبلاته التي زرعت الورد علي بشرة وجهها وهو يبثها عاطفته...

كلمة "حبيبتي" التي كانت تذيب روحها عندما ينطقها...

ثوبه الوردي...

وحديثه الطويل معها في تلك الليلة في ذاك المطعم علي ضوء الشموع...

ضمته الحنون لها وهي تجلس جواره علي الأرجوحة....

وأخيراً جملته القاتلة التي جعلها القدر آخر جملة لهما قبل ذلك الحادث في تلك الليلة...

عندما ضمها إليه بقوة حتي تأوهت ثم قال:

_هذا لتعلمي أن الحضن وطن...لكنه يؤلمنا لو ضغط علينا أكثر!!


+




        

          


                

هل ضغطت عليه هي؟!!!

أم أن الظروف هي التي ضغطت عليهما معاً؟!!!!

هل ظلمته وجرحت كبرياءه كما يدعي؟!!!

أم أنها ذبحت نفسها قبل أن تذبحه؟!!!


+



اقتربت منها فريدة ببطء ثم وضعت كفها علي كتفها...

فارتمت في حضنها وهي تجهش بالبكاء...

ضمتها فريدة بحنان ...

ثم ربتت علي ظهرها وهي تهمس في عجز:

_تسرعتِ يا ساري هذه المرة...لم يكن هذا ظني في عقلك...


+



زاد نحيبها بين ذراعيها وهي تهتف بصوتها الباكي:

_لا تعاتبيني يا أمي أرجوكِ...كفاني ما أنا فيه!!!


+



تنهدت فريدة في حرارة وهي تشعر بجروح قلبها تزداد يوماً بعد يوم...

آسيا التي لا تعرف حتي الآن ماذا سيكون مصيرها...

تكاد ترجوهم أن يعيدوها لحضنها بأي طريقة...

لكن ما يطمئنها -نوعاً-أن حمزة بعقله الكبير سينقذ الوضع دون عنف!!!

وجويرية التي طلقها عمار حسب أوامر النجدي الكبير...

والآن ساري التي سعت لطلاقها بنفسها لتحدث هذه الفتنة في العائلة...

ويقف حذيفة في وجه قاسم النجدي هكذا علانية دون خوف!!!!


+



شعرت بقلبها يكاد يتمزق من هول ما يحمله من هموم...

فرفعت رأسها إلي السماء وهي تهمس بخشوع كعادتها:

_بناتي يا رب!!!

================================================================


+



خرجت جويرية من الشرفة في شقة جدها حيث كانت واقفة مع حمزة....

 لتلتقي عيناها بعيني عمار المشتعلتين بغضب....

ازدردت ريقها ببطء فاقترب منها هامساً بصوت جمدها رعباً:

_الحقي بي في شقتنا حالاً ...


+



أومأت برأسها إيجاباً فرمقها بنظرة حادة قبل أن يغادر شقة جده متجهاً لشقتهما...

تلفتت حولها في حذر تطمئن أن لا أحد يراها ثم تبعته إلي شقتهما حيث فتح لها الباب ليسحبها من من ذراعها بقوة هاتفاً بسخط:

_ماذا كنتِ تفعلين مع حمزة في الشرفة؟!!!


+



تأوهت بضعف ثم اقتربت منه لتضع كفها علي صدره هامسة بخوف:

_أرجوك يا عمار اهدأ...أنت تكاد تقتلني رعباً عندما تحدثني هكذا...

ضم قبضته بقوة محاولاً تمالك غضبه وهو يرفع رأسه لأعلي للحظات...

ثم عاد ينظر لوجهها الذي اصطبغ بخوفها فزفر بقوة ...

ليضمها بعدها لصدره قائلاً بغضب مكتوم:

_اتكلمي.


+



ابتسمت رغم خوفها وهي تثبت عينيها في عينيه هامسة برقة:

_هكذا دوماً أجد أماني في حضنك يا عمار...مهما كنت غاضباً مني فلن تؤذيني مادمت بين ذراعيك...

ذاب غضبه كله بلحظة وهو يشعر بعينيها حبيبتيه تروضان كل وحوش غلظته...

فألصق وجنته بوجنتها وهو يهمس بصدق:

_حتي لو لم تكوني بين ذراعيّ يا جوريتي...لا تظني أني قد أؤذيكِ يوماً...


+



مدت أناملها تداعب خصلات شعره من الخلف لتلصق وجهه بوجهها أكثر ....

ثم همست بحب:

_أحبك عندما تدعوني "جوريتي"....أشعر ساعتها أنني لك ...ملكك...وكم أحب أن أكون ملكك...

أغمض عينيه بقوة وهو يبتعد بوجهه عنها يحاول السيطرة علي مشاعره في هذه اللحظة...

فتطاولت علي أطراف أصابعها لتطبع قبلة علي وجنته...

لكنه تراجع برأسه ثم وضع سبابته علي شفتيها هامساً بحزم:

_أخبريني أولاً ماذا كنتِ تفعلين مع حمزة؟!!!


+




        

          


                

عضت علي شفتيها بارتباك ثم همست بتوتر:

_كنت أريد أن أعرف ماذا سيفعل بشأن آسيا.....كما أنني كنت أطلب منه أن يحدث جدي بشأننا...

عقد حاجبيه بغضب فأردفت باضطراب:

_لقد تأزمت الأمور كثيراً بعد أمر حذيفة وساري...جدي لم يحتمل صدمة أن يعارضه حذيفة...ظل يردد أن أحفاده يظنونه قد هرم ولم يعودوا طوع أمره حتي ارتفع ضغط دمه وسقط مغشياً عليه....لن يستطيع أحد أن يعارضه بعد ذلك خوفاً علي صحته...لهذا ذهبت إلي حمزة...أنا أعلم أن جدي يحمل له معزة خاصة وطلبت منه أن يتحدث معه بشأننا ....


+



هتف في وجهها بحدة:

_ماذا؟!!!هل فعلتِ هذا حقاً؟!!! هل عدمتِ زوجاً يدافع عنكِ حتي تذهبي لغيره كي يحل لك مشكلتك؟!!!


+



ارتجف جسدها بين ذراعيه وهي تهمس بندم:

_لم أفكر في الأمر هكذا صدقني...لقد أردت فقط أن تمر الأمور بسلام دون مشاكل...العائلة لا تحتمل المزيد من الأحزان...

أشاح بوجهه في غضب ...

فدفنت وجهها في صدره وهي تهمس بألم:

_سامحني يا عمار...أنا لم أقصد التقليل من شأنك...لكنني لا أريد أن يعاقبك جدي كحذيفة ويحرمك من كل شئ...

رفع ذقنها إليه ليقول بانفعال:

_لا أريد شيئاً إلا أنتِ...لا تعنيني كل أموال النجدي...

أومأت برأسها وهي تهمس بحزن:

_وأنا أيضاً...لكن المسألة لم تعد أموالاً فحسب...إنها صحة جدي أيضاً...لن أسامح نفسي لو كنت سبباً في أن يمسه سوء.


+



أطرق برأسه وقد هزمه منطقها...

ثم رفعه ليقول لها بيأس:

_جدي طلب مني توثيق الطلاق غداً مع حذيفة...

شهقت بعنف وهي تضع كفها علي شفتيها...

فربت علي وجنتها قائلاً برفق:

_لا تخافي...سأسافر غداً باكراً كي أتهرب من أمر توثيق الطلاق هذا ....سأدعي أنه سفر طارئ لأجل العمل...شهر علي الأكثر...وأعود بعدها لأفاتح جدي في الأمر بعدما يكون قد هدأ غضبه نوعاً...

أغمضت عينيها بألم وهي تهمس:

_شهر يا عمار؟!!! شهر بأكمله بدونك؟!!!


+



ضمها إليه بقوة وهو يدفن وجهه في تجويف رقبتها هامساً:

_لا تزيدي عذابي يا جوري...أنتِ تعلمين أنه لن يكون يسيراً عليّ.


+



دمعت عيناها وهي تضمه بكلي ذراعيها...

إنها الآن تدفع ثمن غبائها وتعنتها...

لو لم تكن أقدمت علي فعلتها الشنيعة بالهرب ما كان كل هذا حدث...

لكن من كان يخبرها وقتها أن عمار،سيكون يوماً هو نبض قلبها وحياته؟!!!!


+



أبعدها عنه أخيراً ليرفع وجهها إليه فيصدمه منظر الدموع في عينيها...

تنهد في حرارة ثم أحاط وجهها بكفيه ليقبل عينيها هامساً:

_لا تبكي يا جوري.....سأهاتفكِ كل يوم ...بل كل ساعة...لن أجعلكِ تشعري بغيابي أبداً...لكن لا تبكي...

أومأت برأسها إيجاباً وهي تحاول كتم دموعها...

فوضع سبابته علي شفتيها هامساً بسيطرة رجولية:

_والآن موعد هديتك المؤجلة!!


+



ابتسمت في خجل ثم تطاولت علي أطراف أصابعها من جديد لتقبل وجنته بعمق...

فضمها إليه أكثر ليرد لها هديتها أضعافاً مضاعفة....

================================================================

_ماذا تقول يا رياض؟!!!

هتفت بها صفية في سخط عندما علمت عن طلب حمزة الغريب لخطبة مارية....

لقد كانت تهيئ نفسها لأن تكون زوجة ابنها...

بل إنها بالفعل كانت تعتبرها كذلك!!!!

ولعل هذا أكثر ما كان يصبرها علي فراق العزيز زياد...

والآن تشعر أن كل آمالها قد ذهبت أدراج الرياح!!!!


+




        

          


                

قام رياض من علي كرسيه ليربت علي كتفها قائلاً بتعقل:

_مارية لم توافق بعد...صحيح أنني شعرت بميلها نحو حمزة هذا...لكنني لم أمنحه كلمة أخيرة...

تشبثت بكفه علي كتفها وهي تقول برجاء:

_لا تفعلها يا رياض...لن نجد عروساً لزياد أفضل من مارية...المسكين سافر بعد صدمته في تلك الفتاة التي كان يريد الهرب معها دون علم أهلها...ومن يدري ما الذي حدث بينهما كي تورثه كل هذا الحزن...زياد يستحق أن يفرح ونفرح معه....


1



عاد رياض يربت علي كتفها وهو يقول باستسلام:

_الكلمة الآن لمارية...ليس في أيدينا شئ...سأنام الآن حتي لا أتأخر علي عملي صباحاً...


+



قالها ثم توجه نحو فراشهما لينام تاركاً إياها غارقة في قلقها وشرودها....

وخارج غرفتهما استمعت مروة مصادفة لحديثهما....

فابتسمت بعبثها المعتاد...

ثم اندفعت كالصاروخ نحو مارية في غرفتهما تحتضنها قائلة بمرح صاخب:

_خاطبان في يوم واحد يا ست الحسن والجمال!!!! من حمزة هذا الذي يشاغلكِ أيتها الشقراء؟!!!


+



قرصتها مارية في وجنتها ثم قالت بخجل لتصرفها عن الحديث عن حمزة:

_من هذا الخاطب الثاني؟!!!

هزت مروة رأسها بمرح لتقول بنبرة ممطوطة كمن يقول سراً خطيراً:

_الخاطب الثاني منتدبٌ في بعثة الآن....يقولون أنه ابن عمك!!


+



شهقت مارية بعنف وهي تضع كفها علي شفتيها هاتفة بالانجليزية:

_أه!! يا إلهي!! زياد يريد الزواج مني؟!!!!


+



ضحكت مروة بمرح وهي تصفق بكفيها في جذل لتقول:

_أحبكِ عندما تنفعلين فتعودين لأصلكِ أيتها الأجنبية!!!


+



خبطتها مارية علي كتفها ثم قالت بعتاب حقيقي:


+



هذه الأشياء ليست للمزاح يا مروة...من أين جئتِ بحديثكِ هذا عن رغبة زياد في الزواج مني؟!!!

هزت مروة كتفيها ثم حكت لها تفاصيل ما دار بين رياض وصفية منذ قليل...

فزفرت مارية في ضيق وهي تقول لها بأسي:

_لم أكن أريد أن يسبب حبي لحمزة ضيقاً لأي أحد!!!


+



التمعت عينا مروة وهي تسألها بخبث:

_حبكِ لحمزة؟!!! ...ها قد اعترفتِ بالسر الذي كان يؤرقك طيلة هذه الأيام يا شقراء!!!


+



ابتسمت مارية رغماً عنها...

ثم احتضنت مروة وهي تتوجه معها نحو فراشهما...

لتروي لها قصتها مع حمزة منذ البداية...

لا تدري لماذا فعلتها...

لكنها كانت تحتاج لهذا الآن....

إنها تحتاج الآن  لأن تسترجع كل ذكري لها مع حمزة ...

لعلها تهدئ من قلقها نحو الغد الذي لا تعرف -بعد-كيف سيكون...

قصة الثأر هذه تكاد تقتلها رعباً...

وابنة عمه المفقودة التي يريدون تزويجها له تميتها غيرة....

وبينهما يكاد قلبها -العاشق-يميتها اشتياقاً....

اشتياق لهذا الرجل الذي يتغلغل حبه داخل مسام روحها يوماً بعد يوم....

وساعة بعد ساعة...

خاصة بعدما اعترف لها الليلة بحبه...

لتشعر أنها فجأة قد صارت ملكة هذا الكون...

وكيف لا...

وحمزة النجدي نفسه قد جاءها بقدميه يطلب يدها مصرحاً بحبٍ طالما حلمت به!!!!!


+




        

          


                

وفي غرفتها كانت صفية تنظر لجسد رياض الذي انتظمت أنفاسه في شرود...

وهي تشعر بضيق حقيقي...

لقد أحبت مارية حقاً...

وتمنتها عروساً لابنها من كل قلبها...

والآن يختفي كل هذا في غمضة عين!!!


+



جاءها خاطر مفاجئ جعلها تقوم من مكانها لتخرج بعيداً عن رياض...

لا....لم ينتهِ الأمر بعد....

لازال الأوان سانحاً للتغيير....

تناولت هاتفها لتتصل برقم دوليّ هو كل شاغلها الآن...

حتي وصلها صوت زياد الحبيب يهتف بلهفة:

_كيف حالكِ يا أمي؟!!!


+



صبغت صوتها بنبرة منهكة تعرف جيداً تأثيرها علي ابنها الوحيد....

ثم قالت بضعف مصطنع:

_مريضة للغاية يا زياد...عد في أول طائرة إلي هنا.!!!

===============================================================

طرق حمزة علي باب غرفة جده حتي سمع إذنه بالدخول....

توجه نحوه بسرعة ليجلس جواره علي طرف الفراش يرمقه بنظرات آسفة....

ثم تناول كفه مقبلاً له باحترام يمتزج بعاطفته....

عاطفة حارة حقيقية....

حمزة كان أكثر أحفاد النجدي حباً له...

ربما لأنه كان كذلك أكثر من فَهِمَه!!!!

ولهذا كان النجدي الكبير يكنّ له معزة خاصة....

وربما أيضاً لأنه قد حرم منه لسنوات طويلة...

هذا بالطبع بعيداً عن خوفه الدائم عليه بسبب قصة الثأر هذه!!!!


+



لهذا نظر إليه قاسم نظرة طويلة حملت النذر اليسير من الضعف الذي يشعر به الآن ثم قال ببطء:

_اصدقني القول يا حمزة...هل ضيعتُ أنا الأمانة؟!!


+



ربت حمزة علي كفه وهو يقول بحنانه المختلط بحزمه:

_أنت فعلتَ ما رأيتَه صواباً يا جدي...لكنك أغفلت جانباً هاماً...

قالها وهو يرمقه بنظرة استئذان وكأنه يخشي ما سيقوله بعدها...

فأومأ له قاسم برأسه في إشارة لأن يكمل حديثه...

فتنهد مردفاً:

_أغفلتَ الإرادة الحرة لكلٍ منا في أن يختار ويتحمل نتيجة اختياره...أنتَ أردتَ أن تمنحنا الأمان في كنف العائلة...أن تعطي لكل منا طوق النجاة الذي ينقذه من الغرق في هذه الحياة...لكن البعض نظر لطوق نجاته علي أنه حبل إعدامه...مجرد شعوره بالإجبار جعله كارهاً لحياته....لهذا حدث ما حدث...


+



أغمض قاسم عينيه بقوة فأردف حمزة بشرود:

_آسيا كرهت فرضي عليها كزوج فهربت كي تفر من أسرها...وجوري كرهت قيدها كذلك فسجنت،نفسها داخل فكرة واحدة...عمار الشبح المخيف...فكرة جعلتها تسئ إليه ويسئ إليها حتي انتهي بهما الأمر هكذا...وأخيراً ساري...ساري هي الأخري محبوسة في فكرة أنها مرغمةٌ علي الزواج من حذيفة...ورغم أنكم تقولون أنه تغير من أجلها...لكنها لازالت سجينة لفكرة مغروسة في عقلها ..أنه أبداً لن يتغير وأنه سيبقي سيئاً طوال عمره...لهذا لم تستطع تجاوز الأمر هذه المرة...اتخذتها ذريعة لتصدق أنه لا يليق بها وأنها ستضيع معه كي تهرب من فكرة أنها مجرد جارية تم تسليمها لسيدٍ فاسد...


+



فتح قاسم عينيه وهو يعيد التفكر في كلام حمزة الذي يشعر أنه مختلف...

رغم أنه لا يقتنع به تماماً...

لكن من يدري...

ربما كان حمزة مصيباً...

ربما يكون قد أخطأ عندما ربي أحفاده كما تربي هو...

ونسي أنهم خُلقوا لزمانٍ غير زمانه!!!


+




        

          


                

تنهد قاسم في حرارة وهو يقول بحسرة لم يعد يستطع إخفاءها:

_هل هرم جدك يا حمزة؟!!! هل صار عاجزاً عن حماية عائلته واتخاذ القرار الصحيح؟!!!


+



عاد حمزة يربت علي كفه وهو يقول بنفس الحنان الحازم:

_أبداً يا جدي...كل يوم يزيد في عمرك هو مكسب حقيقي لهذه العائلة...هذه العائلة التي أنت وتدها وسندها...لكنني فقط أرجوك أن ترخي اللجام قليلاً حول خيولك الجامحة...هل تفهمني يا جدي؟!!


+



أشاح قاسم بوجهه للحظات...

يتفكر في كلمات حمزة ...

ثم عاد يتوجه ببصره نحوه وقد عاد إليه حزمه مع سيطرة نبراته:

_ماذا ستفعل مع آسيا؟!!! لماذا تتلكأ في هذا الأمر؟!!! أريدها هنا اليوم قبل غد!


+



هز حمزة رأسه قائلاً بحيرة حقيقية:

_أنا لا أتلكأ يا جدي لكن حادث حذيفة وساري شغلنا جميعاً....ومع هذا أنا  لا أريد المزيد من العنف والدماء...قلبي يخبرني أن الأمر لن يُحل بهذه الطريقة...لو كان جسار هذا يريد انتقاماً رخيصاً لكان واجهنا بعد فعلته معها ...ما الذي جعله يصبر طيلة هذه الشهور؟!!!


+



عقد قاسم حاجبيه بغضب ثم هتف بانفعال:

_كفاك هراءً!!!! أمامك يومان فقط لتصطحب أبناء عمومتك مع بعض الرجال الثقات لتذهب لذاك الوغد في مزرعته وتنتزعها من هناك....


+



نظر إليه حمزة نظرة طويلة...

ثم قال بهدوء:

_اسمح لي يا جدي...أنت وكلتني في التصرف في هذا الأمر كما أري...آسيا هي عرضي أنا لأنها كان من المفترض أن تكون زوجتي الآن...فدعني -بعد إذنك- أدير الأمر كما أري...


+



أشاح قاسم بوجهه في غضب...

فصمت حمزة محترماً لغضبته التي يقدر أسبابها...

ليلتفت إليه النجدي الكبير بعد دقائق صمت طويلة ...

ثم يقول بصرامة:

_افعل ما تراه...عساك تثبت لي أن ثقتي فيك كانت في محلها!!!!

==============================================================

وقفت آسيا في نافذة غرفة بدر ترقب الغروب بشرود...

حتي أنها لم تنتبه لدخوله الغرفة...

وضع كفيه علي كتفيها فالتفتت إليه بابتسامة ما عادت تفارق وجهها...

أحاط وجنتها براحته ثم قال بحنان:

_أدام الله لكِ هذه الابتسامة...

اتسعت ابتسامتها الخجول ثم همست بشرود:

_لا أدري سر شعوري بهذه القوة الغريبة التي تملؤني...أنا الآن علي استعداد لمواجهة الجميع ...

عقد حاجبيه وهو يسألها بتوجس:

_ماذا تعنين؟!!

التفتت إليه لتقول بثبات أدهشه:

_أنا أفكر في العودة لعائلتي...سأواجههم جميعاً...وأعترف لهم بالحقيقة...

ضمها إليه بلا وعي وهو يقول بغضب مكتوم:

_إياكِ أن تفكري حتي في مغادرة هذه المزرعة الآن....لن أخاطر بأن أفقدك تحت أي ظروف...

رفعت رأسها إليه لتقول برجاء:

_افهمني يا جسار...أنا أريد إبعاد الخطر عنك وعن ياسين ...سأعود إليهم ولن يعرف أحد أنني كنت هنا...

هز رأسه وهو يقول بحدة:

_وزواجنا؟!!

أطرقت برأسها وهي تهمس بخفوت:

_سأحلك من هذا القيد الثقيل...

أشاح بوجهه وهو يزفر بضيق...

فأردفت بضراعة:

_لم أعد خائفة يا جسار...أنا هزمت خوفي وضعفي...سأواجه قدري وأدافع عن اختياري...وسأتقبل النتيجة مهمت كانت...ألم يكن هذا كلامك...

هز كتفيها وهو يقول بقوة:

_افعلي هذا وأنتِ معي...لن أسمح أن تغيبي عن عيني لحظة واحدة...

دمعت عيناها وهي تهمس بخفوت:

_أنا كنت فقط أريد...


+



قاطعها هاتفاً بعنف :

_لن أترككِ يا آسيا...علي الأقل حتي أصل بكِ لبر الأمان...


+



أطرقت برأسها وقد علمت أن النقاش في الأمر قد انتهي...

هو لن يسمح لها بالمغادرة...

جسار لا يقول الكلمة مرتين...!!!

بينما تنهد هو في حرارة...

ثم ضم رأسها لصدره قائلاً ليغير الموضوع:

_ألم تفتقدي جسار؟!!


+



كانت تعلم أنه يقصد حصانه...

ومع هذا شعرت بأن وجنتيها تحترقان خجلاً وهو يسألها هذا السؤال ورأسها علي صدره...

فابتعدت بوجهها قليلاً لتهمس بخفوت:

_بالطبع...لكن هل ستسمح لي بامتطائه...أنت لا تزال تمنعني حتي من الخروج لياسين...

مد أنامله ببطء يتلمس وجنتيها المشتعلتين بابتسامة حانية...

ثم قال بحنان:

_ليس بعد يا صغيرتي...بضعة أيام فقط حتي أطمئن عليكِ  تماماً...


+



رفعت إليه عينين راجيتين ثم همست بتردد:

_علي الأقل دعني أعد إلي غرفتي...أنا أشفق عليك من النوم علي الأريكة كل ليلة...صدقني أنا أصبحت بخير ...


+



تنهد في حرارة وهو يملأ عينيه من ملامحها الخلابة...

ماذا عساه يخبرها...؟!!!

أنه اعتاد وجودها هنا تحت عينيه...

أن يكون وجهها الفاتن أول ما تقع عليه عيناه عندما يصحو...

أن يشبك أنامله بأناملها -كعادته مؤخراً فيهدأ ضجيج قلبه الذي لازال يخشي أن يفقدها ...

بعدما عاش تلك اللحظات القاسية عندما سقطت مريضة بين ذراعيه....

أن يستيقظ من نومه بضع مرات في الليلة فقط كي يطمئن عليها ...

ويتأمل ملامحها النائمة المستكينة في سلام يتمني لو يدوم بعالمها...

نعم...هذا ما يؤرقه الآن بحق...

أن يضمن لها السلام في أيامها القادمة ...

وأن يحميها من سواد ماضيها المؤلم...


+



طال شروده في ملامحها فهمست بخجل:

_أرجوك يا جسار...أنا أثقلتُ عليك كثيراً في الفترة ال...


+



وضع أنامله علي شفتيها يقاطعها برفق هامساً بحزمه الحنون:

_مجرد وجودكِ في حياتي كان نعمة من القدر...والنعم لا تثقل سوي صدورنا من عظم الامتنان...

أطرقت برأسها للحظات تستجمع قوتها...

ثم قالت له بصلابة تتعارض مع ما يعرفه عن ضعفها المعهود:

_أنا أعرف أنه لولا ظروف مرضي لما سمحت لي أو لأي امرأة أخري بدخول غرفة سمية الغالية...وأنا أقدر هذا وأحترمه كثيراً...لكنني الآن صرت أفضل...ما عاد لبقائي هنا داعٍ...

ابتسم في إعجاب واضح وهو يتأمل ملامحها قوية الشكيمة بشكلها الجديد عليه...

لم تتلعثم أو ترتبك كعادتها...

بل كانت تتحدث بمنتهي القوة والصلابة...

امرأة تفهم من أمامها جيداً...

وتجيد التعبير عما تشعر به...

هذه هي آسيا الجديدة...

التي هو فخور بها ...فخور بقوتها التي بدأت تنجلي تحت قناع ضعفها المتشقق...

وبصلابتها التي تجعله مطمئناً علي غدها قبل حاضرها!!!


+



لهذا ربت علي وجنتها برفق وهو يهمس بحنان:

_تغيرتِ كثيراً يا صغيرتي...صرتِ تشبهين الخيل في كل شئ...قوتها...وجمالها...تفردها...وانطلاقها...

ابتسمت في سعادة لإطرائه...

وهي تشعر بحديثه يقوي عزيمتها أكثر...

نظرت إلي عينيه بامتنان يمتزج بعاطفتها...

فتنهد في حرارة ثم قال بحزمه الحنون:

_هذه الليلة فقط حتي تنتهي فترة تعاطيكِ للدواء...وبعدما أطمئن عليكِ يمكنكِ العودة لغرفتكِ...

===========================

انتهى الفصل






الحادي والعشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close