رواية حصنك الغائب الفصل العشرين 20 بقلم دفنا عمر
الفصل العشرون!
-----------
+
انتهى لقائهما وحان وقت إيصالها إلى البيت، فترجل معها خارج المطعم بتلك الساحة الواسعة، ثم تذكر أنه لم يأخذ هاتفه، فقال:
_ استنيني هنا لحظة هجيب تليفوني واجي بسرعة!
+
أومأت له بهدوء ووقفت تنتظره متحاشية النظر للعابرين حولها.. تلتفت إلى حيث اختفى بين لحظة وأخرى.. وبدون أنذار وفي لمح البصر شق الأجواء ظهور دراجة بخارية سريعة اخترقت محيط بلقيس لتبعثر سكينتها ما أن امتدت ذراع " مُعتليها" الملثم بخوذته تتلمسها بانتهاك خاطف دون أي لحظة وقوف مواصلًا انطلاقه الناري گ سهم يشق الهواء من سرعته.. فانطلقت صرختها بأسم ظافر الذي هرول فور استنجادها به وصوته يطلق حولها سياج أمانه مرة أخرى وهو يقول: حصل إيه.. طب اهدي يابلقيس متخافيش.. اطمني أنا جمبك اهو.. مافيش حاجة هتأذيكي وأنا موجود"..!
+
كانت تخفي وجهها بين كفيها مرتجفة، ولحظات لذكرى سيئة تطرق رأسها گ مطارق حديدية، لكن دائمًا صوته المقترن بعبق الأمان يُخمد قوة تلك المطارق مهما حاصرتها.. تحررت من انكماشها وتشبثت بذراعه، ورغم حرجه من نظرات وهمهمة المحيطين لهما لكنه تفهم خوفها وواصل بصوت رخيم بلمحة دفء : متخافيش يا بلقيس.. أنا معرفش إيه حصل بس أنا أسف إني سبتك اللحظات دي لوحدك.. تعالي ندخل جوة لحد ماتهدي.. أطاعته دون أن تترك ذراعه، واستقرت بالزاوية الهادئة التي اعتاد يجالسها بها، وطلب لها مشروب يساعدها في هدوئها ولبث يحدثها ويطمئنها وعقله يتسائل بنفس الوقت ماذا حدث لتهتاج هكذا..! تذكر الكاميرات التي يضعها لتكشف له حيز الساحة الخارجية، فعزم على تفقدها ما أن تذهب بلقيس.. فلا مجال لتركها الآن..!
+
أما الحارس المكلف بحمايتها ما أن رصد ظافر يحوط ابنة السيد عاصم موفرًا لها الحماية المطلوبة..حتى انطلق خلف الدراجة متتبعًا ذاك المعتدي لإخضاعه لمحاسبة فورية.. لكن سرعته الجنونية وهو يتلوى بين فراغات السيارات گ دودة تهرب من مطارديها وتكدس الطريق والشاحنة التي عاقت طريقه.. كلها أسباب خدمت هروب الملثم بخوذته واختفى أثره وتبخر گ سحابة دخان!.. وفشل الحارس بملاحقته بعد أن صار سرابًا..!
_____________________
+
اصطحبها بعد وقت لمنزلها منتويًا إخبار أبيها ما حدث فمن حقه أن يعلم بأمر گ هذا.. أما والدتها " دُرة" لن يخبرها خوفًا من رد فعلها گ أم ربما لن تتحمل ما حدث لابنتها..وصل لمنزلها وعلم أن السيد عاصم بالخارج.. لا بأس سيهاتفه ويقابله أينما كان لكن المشكلة الآن تشبث بلقيس به بشكل يعرضه للحرج الشديد ووالدتها تحاول نزعها والأولى لا تستجيب وبالطبع لا تفهم الأم سبب لهذا التشبث!
+
لا مفر من علاج الأمر، فاستئذن السيدة بتهذيب: طيب ممكن بعد إذن حضرتك تسيبيني اكلمها دقيقتين؟
نقلت بصرها بينهما بتوجس وقلبها بنبئها بشيء حدث فترجمت توجسها بقولها: هو في إيه يا ابني؟ مالها بلقيس خايفة ليه كده؟ كانت خارجة كويسة؟
+
حاول بثها الطمأنينة: مافيش حاجة حضرتك، كان في زحمة أنهاردة وزباين كتير في المطعم وهي خافت من وقتها.. أنا بس هقولها كلمتين وهمشي!
+
أومأت برضوخ وتركت لهما مجالًا لمسافة محددة ليظلوا تحت بصرها محاولة استنباض أي شيء!
............... .
+
اشفق عليه من ارتجافتها التي استشعرها وعيناها متشبثة به قبل اناملها المتعلقة بكم قميصه گ طفلة تخاف الضياع، فغمغم برفق حاني تحكم بصوته:
+
_ بلقيس ممكن تسيبي إيدي عشان اعرف اكلمك؟ انا لسه واقف معاكي أهو متخافيش!
+
ترددت بضع ثواني ثم ارتخت اناملها وتركته فواصل حديثه براحة لاستجابتها:
+
_ انتي وعدتيني انك هتكوني قوية ومش هتخافي من حاجة، صح؟
نظرت له وكأنها تلوح بما حدث، فقال: اللي حصل ده موقف عابر.. حسب كلام الناس اللي شافوكي قالوا إنه حرامي حاول يسرق شنطتك وده موقف وارد بيحصل لأي حد..!
+
ارتعشت شفتاها وهمست بخفوت ودموعها تنهمر: لمسني!
+
انعقد حاجباه بتحفز وهو يعيد همسها: لمسك؟ إزاي؟
+
واصلت بارتجافة وعبرات متزايدة: مد إيده ولمسني
+
شعر بتخبط.. يخاف أن تكون الفتاة متوهمة بسبب حالتها المرضية! أي رواية يصدق أذًا؟ الرواد الذين شاهدوا الحدث أخبروه انه حاول سرقة حقيبتها.. أما هي تروي وجه أخر لما حدث.. ربما تسجيل الكاميرات سيكون هو الفيصل.. يجب أن يعود ليتفقدها ويتأكد بنفسه!..نظر لها وحاول بثها بعض الثقة: مهما كان اللي حصل أوعدك إني هعرفه وانه مش هيتكرر تاني..وانتي كمان يا بلقيس اوعديني ماتنعزليش عن الناس وتخافي من حد..اوعي تسيبي الضعف يبلع قوتك اللي مالهاش حدودا.. افضلي قولي إنك قوية ومش هتخافي..ردديها لحد ما تجبري عقلك يسمعها وحواسك تحسها..!
+
رمشت عيناها وسحابة عبراتها المتحجرة تتفتت لقطرات وهي تعاود همسها: لما تبعد هخاف!
+
توترت نظراته وتسارعت دقات قلبه وهي تعلن بهذا الضعف والبراءة احتياجها له.. ليتها تعي تأثير هذا عليه..الفتاة لا تستمد قوتها إلا من وجوده.. أي رابط هذا الذي نشأ داخلها تجاهه؟ روحها الهشة موصوله بحبل قوته وأمانه بشكل لم يصادفه قبلًا..كيف يتعامل معها ومئات الحدود تكبل هذا القرب الذي ترجوه.. لا يقدر على تركها.. ويعجز عن المكوث بنفس القدر! ..يظل بالنهاية غريب!
+
_ ماتمشيش!
+
وكأن ينقصه تشتت وحيرة لتُزيدها بهمستها ونظرتها المستجدية عدم رحيله! استنشق بعض الهواء بعمق واستجمع كل حكمته ورزانته ورفقه ليقول: أسمعيني كويس يا بلقيس.. عايزك تتعلمي حاجة مهمة أوي في حياتك! أوعي تستجدي الأمان غير من ربنا أولا ثم من نفسك.. وهقولهالك تاني وتالت لحد ما تفهميها.. انتي قوية لدرجة انتي لسه مش عارفاها..وعشان تزيد قوتك زودي ايمانك بالله واستعيني بيه، وقتها هيمدك بكل اللي انتي محتاجاه! صلي.. اسمعي قرءان حتى لو كان تركيزك ضايع، لازم في حاجة جواكي هتتفاعل وتتغير .. لكن أنا في النهاية شخص عادي ماليش سلطان عليكي ولا انا بملك قوة خارقة اساعدك بيها..تأثيري عليكي محدود وهينتهي دوري في وقت معين.. اللي حصل معاكي ممكن يتكرر.. لو كل مرة استسلمتي من غير ما تدافعي عن نفسك.. يبقي عمرك ما هتقدري تواجعي الدنيا تاني..!
+
لم تستوعب مما قال سوى أنه يمهد لغياب جديد استنبضت إشاراته بقوة..فتجمدت نظرتها وفقدت بريقها وصمتت.. فمضى بعد لحظات.. لم يعد وجوده لائق خاصتًا بغياب أبيها.. لكن شيء بنظراتها وهو يغادرها أوجعه.. كأنها تعاتبه وحدقتاها تتبع طيفه حتى اختفى لأخر مدى طاله بصرها ..خفوت بريق عيناها أصابه بالضيق..فاحتلت مرآة عينه إلى أن ابتعد من حيزها وذهب لعمله بذهنٍ شارد..!
_________________________
+
انتهى لتوه من اجتماع مع بعض العملاء الجدد.. وما أن مكث في مكتبه حتى اتصل بالحارس الشخصي لابنته ليطمئن.. وما أن علم ما حدث معها وكيف طارد ذاك الملثم ثم فقد أثره.. حتي هرع مستقلًا سيارته وقادها بسرعة جنونية ليصل إليها.. تلقفها بين ذراعيه بوجهٍ يتصبب عرقًا وهو يقول بصوت لاهث وعاطفة مختلطة برعب شديد: انتي بخير يا نور عيني.. متخافيش يابنتي انا معاكي.. محدش هيأذيكي ابدا.. متخافيش!
+
_ عاصم؟!!!
+
انتبه لنداء دُرة المتعجبة للهفته ومظهره الذي أوحى انه كان في سباق عدوٍ..وتسائلت بريبة واضحة:
مالك ياعاصم وسك مخطوف وعرقان بتلهث كأنك كنت بتجري.. خايف كده ليه؟ أنتو مالكو انهاردة؟ بلقيس جت مع ظافر وكانت بترتجف بس هو قالي المطعم كان زحمة وهي خافت.. طب وانت فيك إيه؟
+
أدرك عاصم مواراة ظافر لما حدث، فهدأ من وتيرة جزعه وقال بهدوء قدر استطاعته وهو يعتلي إحدى المقاعد: مافيش حاجة يا دُرة بس بصراحة غفلت وانا قاعد في مكتبي وحلمت حلم مش حلو وخوفت على بنتي فجيت جري اطمن عليها.. دي كل الحكاية!
+
ضيقت عيناها غير مصدقة، فتمتم ليشتت ذهنها:
أنا جعان جدا.. إيه رأيك نتغدى؟!
ظلت تخاصره بنظرة قَلِقة، فتمتم: ياحبيبتي مافيش حاجة قولتلك اللي حصل..معلش غصب عني بالغت في خوفي.. بس هحاول اتحكم في نفسي بعد كده..!
+
هزت رأسها وشيء داخلها غير مرتاح، لكنها تغاضت حين بصرتها أمامها بخير.. حسنًا ربما أصبحت تصيبها الوساوس دون سبب..! ذهبت وهي تقنع ذاتها أن لا شيء يخفى عليها..!
__________________
+
" يعني محدش قدر يحصله؟"
_ عيب يا تيماء هانم.. أنا جبت واحد شهرته الشبح.. محدش يقدر يحصله وينافسه في المراوغة والهروب.. في ثانية بيتبخر زي الهوا.. بس...... .
+
عقدت حاجبيها: بس إيه؟
_ في واحد بيحرس البنت ووقت اللي حصل جري ورى الشبح وطارده وحاول يقفشه بس معرفش!
+
غمغمت بشرود: بودي جارد!
_ بالظبط!
_ طب وحصل إيه بعد كده؟
+
لبث يُقر لها ردة فعل بلقيس كما شاهدها عن بعد:
+
البنت فضلت تصرخ وهي مرعوبة ونادت على واحد إسمه ظافر.. وأول ما وصلها احتمت فيه.. واضح انها بتطمنله وعارفاه.. وهو اخدها جوه المطعم تاني وبعد شوية وصلها بيتها ومشي!
+
هزت رأسها تحلل ما سمعته فواصل من على الطرف الأخر: اعتقد كده حضرتك اتأكدتي ان البنت لسه بحالتها ومافيش منها خطر..!
+
_تمام.. عموما اتأكد من مافيش أي خيط يوصل للشبح بتاعك!
الأخر بثقة: في حد يقدر يمسك شبح؟ اطمني حضرتك، الموتوسيكل بدون رقم ومسروق يعني لو حصل معجزة وحد وصله هيوصل لصاحبه الأصلي اللي مالوش أي علاقة بينا.. بس أنا بأكدلك إن محدش هيقدر يوصله ابدا.. إنسي!
+
هتفت بعد أن تسلل لها بعض الهدوء:
هنشوف.. و خليك زي ما انت راقبها بحذر أكتر.. وأي جديد عرفني بيه فورًا..!
+
أغلقت هاتفها وشردت ممعنة التفكير بما حصدته.. إذًا القطة مازالت وديعة ومقلمة الأظافر ولا تنذر بخطر كما كانت تظن..وربما عليها أن تتنفس الصعداء وتنظم احتفالًا يليق بقيمة ما حصدته..وربما بنعشها حمام دافيء الآن.. خلعت مئزرها القصير للغاية بطول غلالتها الرقيقة وتركته على حافة فراشها..وبعد دقائق كانت المياة الدافئة المعبقة برائحة الورد تغمر جسدها، فطغى الاسترخاء عليها وأغمضت عيناها منتشية.. فكل الخيوط إلى الآن تتراقص بين أناملها.. هي المتحكم الوحيد بما يدور حولها.. هل هناك أفضل من هذا؟؟
__________________
+
جوري: أنا هروح بكره الصبح لعمو عاصم عشان اشوف بلقيس يا آبيه واطمن عليها..!
ابتسم يزيد: ماشي يا حبيبتي، عطر هتروح معاكي؟
_ أيوة هتيجي معايا تشوفها، وسينو هيوصلنا.. هتيجي معانا؟
+
_ لا مش هقدر عندي شغل كتير برة الشركة، هزور مواقع وهقابل عميل مهم.. تقريبا هفضى على النوم.. وهستناكي ياسين هيوصلك عندي!
_ الله يعينك يا آبيه.. تمام اتفقنا..!
ثم تذكرت شيئًا فقالت: تعرف عمو عاصم كان عايزني اقعد عنده؟ بس انا قولتله اني حابة ابقي معاك عشان انت واحشني!
+
_ انا كمان كنت هزعل لو سبتيني.. احمد صاحبي أصلا رغم انه كان قاعد معايا، بس من نفسه رجع بيته وهيرجع تاني اما تسافري ..!
مزحت جوري: أيوة كده.. ماهو الأسطورة بتقول إن جت الست ..يغور الراجل.
+
ضحك يزيد وحجز رأسها تحت إبطه كم يفعل معها دائما وقال: إنتي مصيبة اقسم بالله.. تعالي يلا نفرقع حبة فشار في المطبخ ونشوف فيلم سوا قبل ما انام!
حوري بتصفيق حماسي: أيوة بقى.. أحبك وانت فرفوش يا زيدو.
_ ماشي يا زئردة.. بس اجنبي.. العبط اللي بتتفرجي عليه ده ماليش فيه.. مش ناقص شلل!
+
_ أي حاجة معاك حلوة.
____________________
+
عبير: أنا محرجة أوي يا محمد.. طولنا عند اخوك.. إمتى هنروح بيتنا؟
محمد: والله ياعبير انا كل أما اعدي على الفيلا ألاقيهم لسه بيشتغلوا.. بس حاسس تقدمهم في الشغل زي الضفدعة فعلا
+
_ طب ما تجيب عمال تاني..خلينا نتنقل بيتنا قريب
_ لا ياعبير أدهم يزعل لأن هو اللي متفق معاهم ومتولي متابعتهم.. احسن يفتكر اني بعدل عليه. وبعدين هو في حاجة حصلت مضايقاكي هنا؟
+
_ لا والله بالعكس كريمة ذوق وشايلانا على كفوف الراحة.. بس بردو أكيد في تأيد للحرية، زمزم مثلا طول الوقت بإسدال أو لبس فضفاض.. لأنها بتجري ورى مهند طول اليوم ماتقدرش تلزم مكانها وتلبس اللي يعجبها
+
_ طيب خلاص هكلم أدهم كده بشكل غير مباشر واقوله ان العمال شغلهم بطيء! واستطرد: هو محمود مسافر بكرة الساحل مع أصحابه؟
_ أيوة.. ما انت عارف كان متعرف عليهم من واحنا في أوكرانيا.. وهما كمان نزلوا مصر واتفقوا يتجمعوا في شاليه صاحبهم
_ ومالو خليه يغير جو قبل ما ينغمس في شغله بعد كده
+
_ إن شاء الله طب هسيبك واروح اشوف هوندا واجيلك
+
محمد: هاتيه معاكي انيمه في حضني.. وحشني!
هتفت بابتسامة: حاضر هجيبهولك معايا..!
____________________________
+
"أنا غلطان اني عرفتك السر ده"
تحاول السيطرة على ضحكها وتعجز.. كلما تذكرت اعترافه الخطير انه يعرقل مع العمال في الخفاء تشطيبات ڤيلا شقيقه محمد كلما علت وتيرة الضحك.. فهتف بحنق:
+
كريمة.. هتبطلي ضحك ولا انزل واسيبك؟
سعلت قليلا ثم تمسكت بساعده متمتمة: غصب عني مش عارفة ابطل ضحك.. والله زمان يا دومي فكرتني بشقاوتك وانت لسه شباب!
استنكر جملتها: إيه لسه شباب دي! أنا شباب ياختي وزي الفل.. انتي اللي عجزتي وشعرك ابيض!
+
شعرت بضيق حقيقي وهي تجيبه: بقى كده يا أدهم؟ أنا شعري ابيض؟ ماشي!
لحقها قبل أن تغادر عابسة وقال بمزاح: بهزر معاكي يا ام يزيد.. ما انتي عمالة تضحكي من وقت ماعرفتك اني بأخر شغل العمال.. ثم فك عقدة شعرها وتشممه هاتفا: ده ريحته مانجة؟ هو ذارعين مانجة السنادي ولا إيه؟
+
ظلت على عبوسها فواصل: ده لونه جميل أوي..احمر زي لون القديرة نبيلة عبيد
هتفت بتحذير مضحك: لو قولت شعري ابيض تاني مش هسامحك!
2
ضحك وهو يضمها ثم همس بجدية: هتفضلي في عيني البنت الحلوة اللي هتجنن واخدها في شبابي.. مهما كبرنا مش هتتغيري في عيني يا كريمة!
همست وهي تربت على صدره: وانت الغالي اللي باستودعه كل شروقه عند ربنا عشان يحفظك ليا انت وولادنا يا أدهم! ثم غمزته قائلة: ياشيخ الشباب!
وعادت تضحك وهي تتذكر حيلته لتأخير تشطيب فيلا شقيقه.. فصفق كفيه بقلة حيلة: بردو أنا الغلطان اللي حكيتلك على سري!
_______________________
+
وجهها شاحب منذ أيام.. تتقيء كثيرًا..وأصبحت تتحسس من الروائح.. لا يفهم. ما بها.. لكن يشوب روحه القلق عليها..!
+
_ انتي مش طبيعية. يا رودي.. مالك بس؟!
تمتمت بوهن واضح: مش عارفة يا رائد حاسة اني...... ..
لم تكمل جملتها وهي تهرول على حمام غرفتها لتفرغ ما في معدتها بصوت ينم. عن ألمها وهي تعاني من هذا الفعل المتكرر.. فتبعها وهو يحوط خصرها بذراعه ويرفع شعرها حتى لا يتدلى ويبتل من صنبور المياة ثم حملها وأرقدها على فراشها متمتما بحزم:
المرة دي هطلب الدكتور ومش هسمع كلامك!
لم. تجيبه وجفناها بتثاقلان بنعاس أصبح يلازمها طوال الوقت، مستسلمة لقراره بإحضار طبيب!
.................. .
+
" ألف مبروك يا سيد رائد"
بدا على تقاسيم وجه الغباء وهو بجيب الطبيب:
مبروك على إيه يا دكتور مش فاهم؟!
+
عدل الطبيب منطاره وهو يبتسم بمشاكسة:
يعني اما يكون اتنين متجوزين جديد والزوجة تتعب بأعراض محددة.. والدكتور يبارك لزوجها.. تفتكر هيكون السبب إيه؟
+
مازالت معالم الغباء تحتله وهو يردد: مش عارف!
ابتسم الطبيب مرة أخرى وقال: المدام بتاعتك حامل ياسيد رائد.. ألف مبروك.. وناوله ورقة بيضاء تحوي أسماء أدوية بخط لا يفهمه سوى متخصص:
دي فيتامينات ومثبت حمل، لازم يتاخدو بانتظام، خصوصا انها ضعيفة اصلا.. صحتها دلوقت مهمة. جدا.. وكمان حالتها النفسية لازم تكون مستقرة!
+
أوصل الطبيب لباب المغادرة وعاد لزوجته ومازال مذهولا.. رودي حامل؟ سيصبح أبًا لطفل صغير؟ هل تتكون لديه عائلة الآن؟!
عبر لغرفتها فوجدها تبكي خافية وجهها بين ذراعيها التي تحوط ركبتيها المثنية أسفلها.. فاقترب منها وقد بدأ استيعابه أن التي أمامه حققت له شيء لم يكن يتوقعه بتلك السرعة.. لكن هاهي البشرى تأتيه بوجهها البشوش.. رودي حامل.. وهو. سيصبح رب أسرة صغيرة ودافئة.. حتما فعل صوابا ما ليرزقه الله بتلك الهدية!
+
فك انعقاد ذراعيها وضمها إليه برفق وهو يقبلها وقد بدأت دموعه هو الأخر تختلط بدموعها ليصنعا ذكرى عجيبة سيذكرانها فيما بعد.. والكلمات تنضب ويحل محلها العناق لينسج حروفهما الضائعة بحلوقهما.. وقلوبهما ترفرف بسعادة والضحكات تستطع مع البكاء ليبدوا لمن يراهما.. مجرد مختلان عقليًا من شدة الفرح!
_______________________
+
للمرة العاشرة يتابع عن كثب مقطع الفيديو الذي سجل ما حدث بالساحة الخارجية لمطعمه.. الملثم كان يقف متواريا بزاويا غير واضحة كليًا..كأنه ينتظر أحدًا..وتحرك فور تركه لبلقيس بمفردها تنتظره.. والذي أشعل نيرانه واستفر حميته.. تيقنه أن ذاك القذر تعمد حقًا لمسها بسرعة خاطفة..كان متحرشًا ولم تتوهم بلقيس.. لم يحاول سرقة حقيبتها أو سلسالها الذهبي المتدلي من عنقها.. لو كان سارق كان التقط إحداهما.. لكنه انتظرها ليتحرش بها هي تحديدًا..هل يعرفها؟ مسح بكفيه على جانبي وجهه شاعرًا بتشتت وغموض مُقلق في الأمر.. ويجب عليه محادثة السيد عاصم!
+
( إيه اللي حصل ده يا ظافر؟ )
+
ما أن خطر على باله حتى وجده أمامه وعلى وجهه كل علامات الفزع..فقال بدهشة:
_ عاصم بيه؟ كنت لسه هتصل بيك عشان اجيلك و...... ثم صمت متعجبًا وتسائل:
بس حضرتك عرفت منين؟
جلس عاصم وهو يغمغم: كل خطوة لبنتي برة بيتي أنا عالم بيها.. أمال فاكرني هسيبها تخرج لوحدها من غير حماية يا ظافر؟
+
_ قصد حضرتك انك بتراقبها؟
_ بحميها مش براقبها.. استعنت بأحد رجال الحراسة.. مهمته يتابعها مجرد ما تخرج من بيتي لحد ما ترجع تاني.. بحاول اعطيها الحرية بس وهي تحت عيني!
+
ضوت عين ظافر بإعجاب لحكمته ودهائه.. كان يعتقده حسن الظن بشكل أثار حفيظته سرًا.. لكنه الآن يفتخر لتصرفه.. فلا يجوز منح الثقة لأحد خاصتًا بظروف ابنته!
+
_ الحارس معرفش يوصل للحيوان اللي اتعرض لبنتي
وقدر يهرب منه!
_ واضح إنه حد محترف.. طريقه تحرشه وهروبه بيدل إن.........
قاطعه عاصم بفزع: تحرش؟؟؟ هو كان تحرش ولا سرقة؟
+
أعاد ظافر تشغيل مقطع الفيديو أمامه.. فانتقل لعاصم نفس الشعور وهو يقول: ابن ال...... ده فعلا تحرش.. بس ليه وهو مين القذر ده وعايز من بنتي أيه؟
_ ده اللي كنت بفكر فيه قبل ما تيجي حضرتك! أنا حاسس إن في حاجة تخص بلقيس إحنا مانعرفهاش!
+
تنهد عاصم: يابني احنا مانعرفش حاجة أصلا..المكان اللي بلقيس كانت فيه راحته ليه ومع مين وحصل أيه هناك.. ومين دبر المكيدة دي ليها.. كل ده عمرنا ما هنعرفه غير لو هي اتكلمت.. وهي دلوقت بقيت. ضعيفة وبتخاف من كل حاجة.. أنا سبتها في البيت منطوية مش بتتكلم عينيها فيها خوف.. والمشكلة مقدرتش أحكي لدُرة حاجة هي مش ناقصة..!
+
استطرد وهو ينهض: بس أنا مش هسمخ إن ده بتكرر تاني.. ولا هخليها تخرج لوحدها أبدا ..لحد ما تتكلم واعرف كل حاجة مش هطمن عليها غير معايا..!
+
اعتذر ظافر: أنا أسف يا عاصم بيه لأن اللي حصلها حصل وهي معايا سامحني!
_ ما تعتذرش يا ابني انت مالكش ذنب.. ده نصيب.. بس قسمًا بربي لو حد عايز يأذيها ما هرحمه.. لو في احتمال واحد في الألف إن حد راصدها لأي سبب.. أنا هكون صاحي ومش هيعدي من تحت ايدي.. أنا صحيح بقيت راجل عجوز.. بس عشان بنتي هكون أشرس مخلوق في الدنيا..!
+
ربت ظافر على كتفه: متخافش حضرتك مافيش حاجة هتأذيها ابدا.. وكويس انك معين حارس ليها وهي مش بتروح لمكان غير هنا..!
+
_ حتى هنا مش هتيجي تاني.. ماهو مش حل إني اسيبها كل يوم تجيلك والناس مش بترحم ولا بتقدر ولا فاهم إنها تعبانة.. وانا مش هسيب بنتي للقيل والقال..!
+
أعتراه ضيق لأنه لن يراها أتية إليه مرة أخرى، ولن يقدر على البوح برغبته الغير مبررة أو مفهومة.. لم يعد هناك سبب لتأتي!
+
_هستأذنك دلوقت وشكرا لمساعدتك وتعبك معانا..!
_ ما تقولش كده يا عاصم. بيه وأنا تحت أمرك في أي وقت تحتاجني فيه!
______________________
+
لم يحتاج أبيها منعها من الخروج كما انتوى، هي من عزفت عنه برغبتها، انعزلت بنفس حالتها الأولى.. فقدت شهيتها ولم تعد السكينة تحوطها وهي تسير إليه تلك الخطوات .. السيئون بهذا العالم مازالوا يلاحقوها.. لما لا يأتي منقذها إليها؟؟؟ ألا يشعر أنها تحتاجه؟ أصبحت تنام كثيرا لتستدعيه بأحلامها..!
+
لن يْبدد برد خوفها إلا دفء أمانه حين يغدو غائبها حاضرًا..!
+
___________________
+
" طبيعي حالة بلقيس ترجع خطوة لورى يا سيد عاصم بعد الحادث العارض اللي حصل ورسخ في ذهنها إن حتى الطريق لظافر گ حصن آمن ليها فقد صفته.. مبقاش آمن!
+
_ طب والحل يا دكتور؟ وجود ظافر باستمرار ده مش مريحني في النهاية هو حد غريب عنها وانا مش قادر اكيف نفسي على كده.. انا حاسس ان شوية التحسن اللي حصل معاها فعلا راحوا.. ورجعت تاني تنطوي وعينيها ماليها الخوف والحزن!"
+
الطبيب بمهنية بحتة:
_ شوف يا سيد عاصم لازم تفهم إن علاج بلقيس مرتبط بشكل قاطع بوجود ظافر حواليها بشكل مستمر..ولحد دلوقت احنا ماوصلناش معاها لتقدم حقيقي، كلها ردود أفعال بسيطة راحت لما اتعرضت لموقف عابر وارد يحصلها كتير مستقبلا.. بلقيس لازم تخرج الي جواها وتواجهه نفسها بيه وتتكلم وتحكي اللي حصل معاها ونفهم لأي درجة اتأذت..ولو الحادث العابر ده مقصود يبقي في حد لسه هيحاول يستغل ضعفها ويأذيها تاني لسبب مجهول لينا! والوحيدة اللي تقدر تكشفه هي بلقيس، بس بحالتها دي للأسف مش هنوصل لحاجة!
+
ازداد خوفه وإحباطه ويأسه وهو يغمغم بحزن: طب اعمل أيه يا دكتور.. ازاي احمي بنتي لو حد لسه عايز يأذيها فعلا..! أتصرف ازاي قولي!
+
_الأول انت اقتنعت بضرورة وجود ظافر في الصورة بشكل دايم ولا لأ؟
+
أطرق رأسه وصمت برهة، ثم قال: لله الأمر من قبل ومن بعد.. هعمل إيه.. مجبر اقتنع! بس ازاي هيتواجد دايما ده في النهاية مالوش صفة قدام الناس!
+
_ أنا عندي حل..!
_إيه هو؟
_ هتعرف.. بس لازم الطرف التاني يحضر الحوار معانا ويوافق على اقتراحي!
وواصل وهو يلتقط هاتفه: هكلمه يجي!
+
وبالفعل هاتف الطبيب ظافر وطلب حضوره، فلم يخذله الأخير ووعد بالمجيء العاجل!
...................
+
بعد وقت قصير حضر ظافر وشارك الطبيب والسيد عاصم جلستهما، فبدأ الأول بالحديث قائلا :
+
_ كنا لسه بنتناقش أنا وسيد عاصم في تراجع حالة بلقيس بعد أخر موقف وانطوائها وحزنها.. وان غيابك أثر عليها سلبيًا.. ووجودك بقى مرتبط بشكل قاطع بتقدم علاجها..!
+
نكس رأسه بضيق لمعرفة ما تحياه الآن ولم يجد ما يعلق به، فصمت مستمعًا لما سيجود به طبيبها، فواصل الأخير حديثه: دلوقتي احنا مجبرين نخلق شكل اجتماعي لوجودك عشان تقدر تساعد بلقيس بدون ماتتأذي بالقيل والقال في محيطها بين الناس..والحل الوحيد في نظري هو إبرام ارتباط وهمي بينكم بإطار خطوبة تسمح ليك بالتواجد معاها طبيعي أغلب الوقت!
+
صاح عاصم باعتراض فوري:
_ إيه اللي حضرتك بتقوله ده يا دكتور؟ أنا مش موافق على الكلام ده.. أولا بنتي مريضة وغير مؤهلة لاستيعاب علاقة زي دي.. وبعدين أنا مش عشان اعالجها من من حالة نفسية أدخلها في ارتباط لا يليق بيها وقبل ما تفهموني غلط، مقصدش ناحية مادية إطلاقا.. لكن اقصد كرامة بنتي اللي المفروض ترتبط بحد يحبها وعايزها وهي كمان تحبه.. مش عطف أو شفقة من حد! وأكيد حضرتك عارف ان تعلق بلقيس بظافر غير حقيقي.. مجرد عرض مرضي مؤقت.. يبقي ازاي اوافق على كده؟!!!!
+
الطبيب: ومين قالك أنها مش مستوعبة؟ بلقيس مش مدركة لحاجة حواليها دلوقت قد وجود ظافر، بدليل كل تقدم واستجابة حصلت معاها كانت بسبب ادراكها لوجوده..!
+
بدء على عاصم عدم اقتناعه بما قيل وهم بالرد، فقاطعه ظافر بحزم: إسمحلي بكلمتين يا عاصم بيه قبل ما تقول أي حاجة.. لأن في نقاط لازم اوضحها بنفسي!
+
راق للطبيب تدخله فقطعا ستحمل كلماته الكثير مما سيقنع الأب بتقبل الأمر.. ولن ينكر لهفته الخيفة لما سيقول!
+
_ أولا يا سيد عاصم أنا فهمت قصد حضرتك من قبل ما تفسره.. وعارف ان تعلق الأنسة بلقيس بيا مش حقيقي وأنه نتاج تواجدي قدرًا معاها في موقف صعب مر عليها..وفاهم خوفك إنها تكون مش مستوعبة معني خطوة زي دي..! بس انا من رآي الطبيب أنها هتكون فاهمة كويس!
+
وصمت يستجمع كلماته ليعلن أسرع قرار اتخذه بحياته إلى الآن.. لكنه ليس مجرد قرار بقدر ما هو طوق نجاة لإنسانة ضعيفة تحتاج قوته لتنجو من هوة خوف وعزلة تبتلع أيامها وسلامها، وهو ما خذل أحدًا لجأ إليه قط.. ويفهم شعور أبيها والحرج الذي يصيب مثله.. لذا قراره هو إنقاذ لكرامة رجل يحترمه وغدى له في نفسه مكانة خاصة! وإنقاذ لمستقبل فتاة ربما مازال الخطر يحوم حولها ولا يدري أحد مصدره.. لذا.. أجلى صوته من أي لقايا لتردد داخله وقال بثقة:
+
_بصرف النظر عن أي كلام أو مبرر اتقال على لسان الدكتور بشأن حالتها.. فأنا يشرفني اطب إيد بنتك يا سيد عاصم..! ومش شفقة قد ما هو إحساس بالمسؤلية اللي عمري ما هربت منها واللي فاهم حدودها كويس.. ويشهد ربنا إني هكون أهل للثقة.. وهبذل كل جهدي لتعافي بنتك ورجوعها لحياتها تاني.. واوعدك إني في اللحظة المناسبة هنسحب من غير ما اسبب أي ضرر نفسي ليها.. وانا عارف وقتها هعمل ده ازاي!
1
ذهول ودهشة نُقشت خطوطهما على وجه أبيها وهو يسمع ما قاله ظافر بمشاعر شتى ولم يعد يدري لأيهما ينتصر.. هل إعجاب بشهامة ذاك اليافع؟ أم رضا بكلمات حقًا حفظت كرامته وكرامة ابنته وهو يتلقى من فمه عرضه للارتباط ببلقيس.. أم شعور أخر يكذبه العقل المنطق.. وترجحه بشدة قوانين قلب لها سلطانها على صاحبها.. لا يدري ماذا يقول.. حقًا عجز لسانه عن إطلاق حرفٍ واحد برفض أو قبول!
+
" أظن كده اتحلت يا سيد عاصم! "
+
قطع الطبيب سيل أفكاره المشتتة وهو يواصل:
+
طلب ظافر حفظ كرامة بنتك.. ووعده انه ينسحب في الوقت المناسب بدون ضرر ده شيء مطمئن.. وأنا متأكد يا سيد عاصم إن بنتك لما ترجع مش هتكون البنت الضعيفة اللي تتهد بسهولة من أي حاجة بعد كده.. بالعكس هتكتسب قوة كبيرة من محنتها ومافيش حاجة هتأثر فيها بعد كده.. وهو ده اللي لازم توصله بمساعدتنا.. واعتقد دلوقت انتم محتاجين تتكلموا على انفراد بشكل مفصل أكتر، واتمنى تاخد قرار سريع هيصب في الأخر في مصلحة علاج بلقيس..!
+
انتهى الطبيب من حديثه ثم استرخى على ظهر مقعده وزجاج نظارته أخفى نظرات أخرى ثاقبة وهو يقيم ببصيرته الأبعد من بصره موقف ظافر بشكل أكثر عمقًا من ظاهره المدموغ بشهامة وأخلاق فرسان.. فمن خلال مهنته وإلمامه بخبايا نفوس من عالجهم تعلم شيئًا..لا يوجد مصادفة! كل أمورنا مقدرة بعلم العليم.. ومعلقة بيد الرحمن گ أطراف خيوط رفيعة يحركها كما يشاء.. يقلب القلوب ويزرع بذور الكره والمحبة بنفس القدر..! وربما لا يدري ظافر نفسه حقيقة ما يحدث.. لكن قارب الحياة مليء بالمفاجأت.. ويومًا ما عندما يجالس أحفاده سيكون الراوي لقصة كان عنوان صفحاتها الشهامة..أما داخل الصفحات اختبأت سطور أخري ومعاني أكثر عمقًا..!
________________________
+
" مش شايف إنك مثالي شوية في قرارك وعرضك يا ظافر؟!"
+
تلقى الأخير كلماته بهدوء قائلا:
أنا مش شايف مثالية في الموضوع.. في إنسانة محتاحة مساعدتي وانا مستحيل اتردد في المساعدة ابدا.. لو الطبيب شايف ان وجودي جزء في علاجها معنديش مانع مهما كانت صورة تواجدي..!
+
شمله عاصم بنظرة أكثر عمقًا وقال: طب لو فرضنا اني اقتنعت.. أهلك هتقولهم أيه؟ بلقيس مش بتتصرف بشكل طبيعي وانت فاهم قصدي!
+
شيء داخله اطمأن عندما تطرق الرجل لصيغة تفاهم وايجاد شكل لتلك العلاقة اذا هو يوافق ضمنيا.. وهذا أسعده.. ولن يتسائل عن سببا لذلك.. فالكثير في نفسه لا يفهمه منذ ظهور تلك الفتاة بعالمه..!
+
_ أنا والدي متوفي.. ووالدتي ربنا يبارك في عمرها موجودة وليا اخت واحدة اسمها إيلاف.. وانا عارف هقول بدون ما اظهر السبب الحقيقي للخطوبة.. حالة بلقيس مش من حق أي حد يعرفها.. وبطلب من حضرتك تتصرف بالمثل!
_ إزاي؟
اجاب تساؤل عاصم: يعني لما حضرتك تقدمني لعيللتك.. قدمتي زي اي عريس طالب يناسبكم..بدون التطرق لاقتراح الطبيب بالخطوة دي!
1
أدرك عاصم محاولة الشاب لحفظ كرامتها أمام الجميع! وهذا ملأه إعجاب بظافر وامتنان ناحيته.. ربما أصبحت شهامة گ تلك نادرة بهذا الزمان.. منذ قليل أظهر خوفه من أي تبعات نفسية لخطبهما المزيفة.. لكن الآن وبعد حديث ظافر صار مطمئنا له.. هذا الشاب لن يتسبب بجرح ابنته.. ومن يدري ربما كان درب سعادتها الذي ستسلكه يومًا..من يدري؟!!!!
____________________
+
إنتي أقوي من ما بتظني بكتير.. أكسري عزلتك واخرجي للنور تاني.. ماتداريش جوة عتمة انتي اللي فرضاها على نفسك..الحياة جميلة ولازم تعيشيها زي ما تستحقي..وجمالك مش ذنب عشان تكفري عنه وتقتليه وتضيعيه.. بالعكس جمالك منحة من ربنا محتاج تصونيها صح وتشكريه عليها..!
+
جالسة مقابل المرآة عيناه شاخصة تنظر لشعرها الذي استطال قليلا بشرود..مستحضرة كلماته بحجرات عقلها وبدأ يُغرس فيها اعتقاد جديد.. جمالها ليس ذنبًا..بل نعمة تستحق الشكر.. هكذا قال منقذها الغائب منذ أيام..!
+
_ بتعملي إيه يا روح ماما؟
+
حادت عيناها لوالدتها المنعكس وجهها بالمرآة، والتقطت الفرشاه هامسة: عايزة اسرح شعري!
+
رغم ان همساتها لم تعد جديدة.. لكن كلما تحدثت بلقيس كلما رفرف قلبها بسعادة.. صغيرتها باتت تتحدث حتى لو باقتضاب.. دنت منها واحتضنتها وهي تقبل قمة رأسها من الخلف هاتفة:
من عيني يا قلب ماما.. هعملك تسريحة حلوة أوي هتعجبك.. وبدأت تغوص بأناملها بخصلات صغيرتها وهي تقول: تعرفي يا بلقيس وانا اصغر منك بشوية كنت احب اسيب شعري الطويل لجدتك تضفره زي السنابل..كانت بتعملها حلو أوي.. عندي صور كتير وانا بالصفيرة ده..
أبتسمت لها بلقيس فاستطردت دُرة:
عارفة كمان جدتك كانت بتعمل إيه؟
تعلقت عيناها بها بصمت منتظرة ما ستقوله بعد إيماءة بسيطة: كانت بتغنيلي.. صوتها كان حلو.. زي ما هي كانت حلوة.. إنتي بتشبيهي جدتك أكتر مني.. نفس سحرها وجمالها..!
إيه رأيك اغنيلك؟ منحتها إيماءة أخرى مشجعة، فانطلقت دُرة تعزف بصوتها الشجي نغمات خافتة.. حانية.. ناعمة.. وعيناها تطوف على وجه ابنتها بفيض غزير من حبها الفطري لوحيدتها.. ولم تدري أن خيط من العبرات سال ببطء على وجنتها.. فنهضت بلقيس والتفتت لها ومررت أناملها مجففة دموع والدتها بنعومة.. ثم اختبئت بين ذراعيها وعانقت خصرها بقوة.. فبادلتها الأخيرة عناقها الصامت وظلا هكذا.. ولم يعيوا لمن كان يراقبهما من خلال باب غرفتها المنفرج، وقلبه يشاطر دُرته وملكة أبيها نفس الدفء والمحبة!
____________________
+
" موضوع إيه اللي عايزني فيه يا عاصم.. خير؟"
+
_ خير يا أدهم ماتقلقش.. حابب بس تكون في الصورة معايا في القرار ده..!
_ قرار أيه؟
+
عزم عاصم على إخبار شقيقه بأخر تطورات بلقيس.. فلا يجوز إخفاء شيء عنه.. حتى يتثنى له مساعدته بتمرير هذا الأمر بين افراد العائلة.. خطبة بلقيس بحالتها تحتاج تمهيد أولا لذا فكر باقتراح تجمع عائلي ليتعارفوا بظافر گ خاطب محتمل لابنته..و أدهم فقط هو من شاركه ما دار بالخفاء!
+
_ انا مش مصدق كل اللي حكيته ده يا عاصم! يعني ظافر ده هو اللي انقذ بنتنا ونقلها مستشفى وبلقيس عرفته لما روحته مطعمه بالصدفة؟
_ ليك حق تستغرب بس ده اللي حصل.. وبنتي دلوقت متعلقة بيه بشكل مرضي لأنه هو اللي انقذها.. لدرجة مابيحصلش أي تقدم في حالتها غير بوجودة يا أدهم.. وانا مش عارف اعمل إيه.. ولما اقترح طبيبها ارتباط بخطوبة مزيفة عشان علاجها رفضت.. بس الحقيقة الشاب حفظ كرامتي انا وبنتي.. وطلب ايدها فعلا قصاد الدكتور.. وأنا خايف ارفض تفضل بلقيس زي ما هيه.. قولي لو مكاني كنت عملت إيه؟
+
ظل أدهم سابحًا بشرود طفيف وهو يقيم ما سمع بعقله ثم غمغم: بصراحة الحكاية تحير.. بس على كلامك الخطبة دي جزء من علاج بلقيس اللي مش بتتقدم غير معاه.. وتضامن الشاب وتفهمه للوضع وطلب ايدها منك ده تصرف شهم جدا.. وده يخلينا نثق فيه شوية..!
عاصم: يعني اوافق يا ادهم؟
+
تنهد الأخير متذكرًا يزيد وحزنه المحتمل لأمر گ هذا.. لكن داخله وجدها فرصة لبتر أي جذور لعشقه لبلقيس والتفاته لحياته مع أخرى.. وإن كانت خطبة بلقيس بذاك الشاب طريق لشفائها.. فهي ايضًا دواء لتعافي ولده.. حتي إن كان الدواء "مر" بحلقه.. لكن بالنهاية سيتعافى من حب لقيط لا يملك جذور تدعمه! ( اتكل على الله يا عاصم وأنا هساعدك)
جواب أدهم أثلج صدره فقال: وهتساعدني ازاي؟
+
_ أولا محدش هيعرف انها خطبة مزيفة ابدا غير محمد فقط.. لكن الولاد مش لازم يعرفوا عشان منظر بنت عمهم.. ثم غمغم بنبرة غامضة:
وبعدين محدش يعرف المخبي إيه.. يمكن الأمور تتغير!
عاصم بدون فهم: تتغير ازاي مش فاهم!
+
_ لا مش قصدي حاجة معينة.. المهم احنا لازم نمهد للموضوع بتعارف مبدئي بين ظافر والعيلة عشان يبان خطوبة طبيعية.. وانا عندي فكرة!
واستطرد: تستضيف الكل عندك هنا بحجة انك عايز تجمعنا وتعمل حفلة شواء مثلا.. وتعزم ظافر لأنه هو أصلا عميل عندك وبنفس الوقت مطعمه هينظم حفلتنا بما إنك بتشكر فيه من ناحية شغله يعني وجوده هيكون طبيعي!
+
عاصم باستحسان: فكرة هايلة يا أدهم!
وكده هيشوفو بنفسهم التقارب اللي بين بلقيس وظافر وده هيخلي إعلان الخطبة فيما بعد منطقي!
+
أدهم: بالظبط..جوري وعطر وياسين ويزيد طبعا كلهم هنا.. هكلم محمد يجي مع ولاده ومراته وانا هجيب كريمة وعابد.. بس يومين اظبط شغل المزرعة بحيث نغيب الأسبوع بدون ما حالنا يقف هناك!
_ خلاص انت حط محمد معانا في الصورة لأن كلامي معاه في التليفون صعب.. وبعد يومين منتظركم.. والفيلا واسعة وهتساع الكل إن شاء الله!
+
نهض أدهم عازمًا علي المغادرة: تمام أنا راجع المنصورة اظبط زي ما اتفقنا ومعادنا بعد يومين!
+
انتصب قُبالته عاصم وهو بتمتم بحرج:
أدهم.. أنا عارف إن الموضوع هيأذي مشاعر يزيد بس… ..
قاطعه الأخير: بالعكس ياعاصم.. كده افضل عشان أي أمل جواه يتبتر ويرتاح.. أنا صحيح كان منى عيني ولادنا يرتبطوا.. بس مش كل اللي بتمناه ممكن.. والغيب ليهم محدش يعرفه.. خلينا نخلص من القصة دي.. عشان. كده بأكد عليك يزيد لازم يصدق انه ارتباط بجد مش مزيف!
+
هز عاصم رأسه قائلا: الكل هيصدق مش بس يزيد.. لو شوفت تصرفات بلقيس بوجود ظافر هتفهمني..!
_ ربنا كريم يا أخويا.. عموما انا ماشي وانت ماتحملش هم.. كل حاجة هتبقي كويسة وفي صالح عيالنا ان شاء الله!
________________
في المنصورة!
+
_ عبير أنا خارج شوية مع أدهم عشان عايزني في موضوع مهم..عايزة حاجة؟
_ لا ياحبيبي بالسلامة.. وانا هروح لكريمة، بتقول فدوة جاية وهنقعد كلنا نرغي شوية على ماتيجوا..!
_ خلاص ماشي.. يلا سلام!
______________________
+
تقابل محمد وأدهم في استراحة المزرعة بعيد عن أعين الجميع.. وراح الأخير يقص كل ما لديه عن حالة بلقيس وحتمية خطبتها للمدعو ظافر وضرورة كتمان الأمر عن الحميع عدا ثلاثتهم!
+
محمد: سبحان الله.. صدف غريبة جدا اللي حكيته ده
أدهم: غريبة بس حقيقة.. الولد ده هو بس اللي بلقيس بتستجيب في وجوده.. وقربهم بخطبة هيفيد في علاجها جدا.. وانا شجعت عاصم لأن ده في النهاية جزء من علاج ولازم نتقبله!
+
_ عندك حق..وأي خطوة هتساهم في علاج بنت اخويا انا معاها.. وعجبني اقتراحك.. أصلا عبير والله من كام يوم طلبت مني ننزل نشوفهم لأنها متواصلة مه دُرة ووعدتها بزيارة..!
_ ماهو عشان كده انا وانت وعابد هنظبط الشغل هنا وننزل أسبوع.. وربنا ييسر الأمور بعد كده!
+
طرق أحدهم على باب الاستراحة، فصاح أدهم:
أتفضل! ( ظهر عابد حاملا مهند وهو بقول) سألت عليكم وعرفت انكم هنا.. بصراحة لقيت التجمع في الفيلا كله حريمي.. طنط عبير مع ماما وخالتو فدوة وزمزم، فأخدت مهند لاعبتوا على المرجيحة شوية وبعدين جيتلكم!
+
برقت عين محمد ولوح بيده: حبيب جدو وحشتني!
سبقه أدهم وهو يلتقط الصغير: لا سيبهولي انا اشبع منه الأول، ماشوفتوش بقالي كتير!
+
مكث ثلاثتهم يداعبو الصغير.. واختلق أدهم فرصة لإخبار عابد بتجمعهم عند العم عاصم دون إخباره بحقيقة الأمر، فتحمس الأول وعزم على ترتيب الأمور معهما لقضاء تلك العطلة كما يجب!
_____________________
+
ماذا سيحدث بتلك العطلة المرتقبة لعائلة عاصم؟
وما هو رد فعل يزيد تجاه تلك الخطبة؟
وكيف سيخبر ظافر والدته وهل ستقبل؟ أم سترفض؟
_ _____________________
+