اخر الروايات

رواية عزف السواقي الفصل التاسع عشر 19 بقلم عائشة حسين

رواية عزف السواقي الفصل التاسع عشر 19 بقلم عائشة حسين 


                                    

♡الـــــتـــــاســــع عــــــــشـــــــر♡


+



اللهُمَّ وجّهنا لما خلقتنا له، واصرفنا عمّا نهيتنا عنه، ولا تشغلنا بما تكفلت لنا به،

اللهُمَّ اجعلنا من جند الخير،

دُلنا عليك، أرشِدنا إليك، علّمنا منك، فهمنا عنك، واعِذنا من مُضلات الفتن ما أحييتنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سألها مؤمن وهو يراقب تحركتها في المكان بعشوائية وعصبية غريبة على طبعها الهاديء «هدى بجالك يومين يعني مروحتيش بيت أبوكي تساعدي أمك؟» 

تحركت متظاهرة بالإنشغال عن سؤاله رامية له لامبالاة متعمدة وهي تجيبه «عادي تعبانة وآيات جاعدة» 

قطب مستفسرًا منها وهو يحرك نظراته معها في المطبخ «حتى فوجود آيات بتروحي لإنها مبتساعدش أمها ولا بتهتم» 

قلّبت الطعام ضائقة بأسئلته الكثيرة ومحاصرته لها وهي بهذا المزاج السيء، لكنها سيطرت على انفعالها وأجابته برفق يزين كلماتها معه  «خليها تتعود هي خلاص جاعدة معاهم علطول وأنا مبجتش فاضية ولا جادرة» 

هز رأسه باستحسان للقول رغم عدم اقتناعه، لكنه راضيًا عن عدم ذهابها في وجود ابن عمتها هذا الذي لا يرتاح له ولا يستسيغ وجوده كل تلك المدة. 

سألها من جديد وهو ينظر لما صنعته من مخبوزات «الناس الي طلبوا الحاجة دي مش جايين يا خدوها؟» 

جلست أخيرًا جواره تشاركه الحيرة والتساؤل بإرهاق شديد وأفكار اقتاتت على ضعفها ووهنها «والله ما أعرف يا مؤمن اتأخروا وخايفة ميجوش وتعبي يروح، والحاجة تبوظ وأخسر تكاليفها» 

ابتسم قائلًا وهو يفرد ذراعه خلف ظهرها ويضمها لصدره بحنو «اطمني دلوقت ييجوا» 

أراحت رأسها المتعب على صدره هامسةً براحة كبيرة تسربت إليها من خلاله «لما بتحضني كده يا مؤمن بحس كل حاجة بخير ومفيش حاجة تستحق أزعل عليها ولا عشانها» 

مازحها قائلًا بمودة ولطف «مش تجولي وأنا مطلعكيش من حضني» 

ضحكت مبادلةً له مزاحه بمرح  «بتتلكك؟» 

شاكسها بحنو وهو يقبل رأسها «مفيش أحلى من كِده تلاكيك والله أنتِ تؤمري» 

ضربت على صدره بقبضتها في عتاب تقبله وضحك قبل أن يرن هاتفها البعيد فتنهض تاركةً حضنه متمنية «يارب يكون أصحاب الحاجة» 

ابتسم مطمئنًا لها يربت على وهنها بقوته وصبره «هيكونوا هما إن شاء الله» 

تحركت تجاه الهاتف قارئة الاسم المُضيء قائلة بإحباط «دي أمي» 

أجابت فورًا عليها وقبل أن تتفوه بالسلام عاجلتها والدتها بما جعلها تنتفض وتسأل بفزع «متى حصل دِه؟  وليه؟» 

حين أجابتها والدتها قالت بحزن «ماشي يا أما أنا جاية» 

سألها مؤمن بقلق بعدما أنهت الاتصال وأعادت الهاتف لمكانه «في إيه يا هدى؟» 

وضعت كفها على جبهتها قائلة بحزن «أبوي شاف آيات واجفة مع رؤوف فضربها جوي وكسرلها صباعها » 

استنكر مؤمن الفعل بضيق «لا حول ولاقوة الا بالله ليه كده بس؟» 

زفرت هدى قائلة بصوت متهدج «أنا تعبت والله من الي بيحصل دِه، أمي بتجول كانت ريحاله عشان يرجعها» 

سألها مؤمن باهتمام «ورؤوف كان رده إيه؟» 

تنهدت قائلة بحزن وعجز عن فهم ما يحدث حولها «والله ما عارفة هروح وأشوف» 

أشار لها مؤمن وهو ينهض متعكزًا «طيب روحي وطمنيني» 

قالت بعصبية  وإصرار ملأ نبرتها «مش هروح من غيرك يا مؤمن هنروح ونرجع مع بعض» 

ابتسم قائلًا وهو يخطو ناحيتها «لاه روحي أنتِ» قالت بحدة أزعجته «لاه زي ما جولت يا أما مش هتحرك من هِنا» 

عاتبها باستقراء لملامحها الغاضبة «ليه تنشيف الدماغ دِه؟» 

هتفت في إصرار غليظ وعناد «هو كِده» 

ابتسم قائلًا بحنو رغم تعجبه الشديد من موقفها وإصرارها «ماشي يلا طيب البسي عبايتك وصحي عبد الله» 

مالت ولثمت خده برقة قائلة في حماس «ماشي ربنا ما يحرمني منك أبدًا يارب» 

ابتسم لها ممتنًا يبادلها مودتها بأكثر منها «ولا منك يا غالية» 

غادرت بسرعة تفعل ما أمرها به وتركته يفكر فيما يحدث والتغيرات التي طرأت على أسلوب حياتها وموضوع طلاق آيات الذي لا يقف عند حدّ معين ولا ينتهي العبث فيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

«بــمـــنـــزل آل حـفـــناوي» 


1




لا يعرف كيف يصف شعوره اللحظة وهو يضع كفه بكف مرتضى قابضًا عليها بقوة وتاركًا نظراته الداكنة بعيني مرتضى عنوة وتجبر، حتى كلما أشاح مرتضى عنه  متفاديًا قسوة نظراته وتوعداتها الخفية، طارده رؤوف حتى اصطاد كبرياؤه من قلب نظراته ككبش ثمين وتفاخر به ، كان ينطق خلف المأذون بقوة يعلن بارتفاع صوته انتصاره وأحقيته بها، يؤكد لها وله وللموجودين أنه مع آخر  كلمة أصبحت تخصه هو وله وحده.

رغم كل شيء بداخله كان قلبه يستعجل اللحظة ويتوق  إليها بشدة، برغبة لا يستطيع السيطرة عليها في الانتهاء سريعًا وإن كانت داخله أيضًا أمنية لو كان الأمر عاديًا ولم تكن هي ابنة مرتضى أمنية تلفظ أنفاسها الأخيرة لكن لا بأس النتيجة واحدة والنهاية محتومة هي له. 

رقصت أمنية أخرى الآن على السطح أمنية تمناها يوم حملها بين ذراعيه منقذًا أن يرتبط اسمها باسمه وتشاطره الأيام والليالي والحديث، نساها ولم يدر أنها نائمة داخله تنتظر الفرصة لتعلن عن وجودها. 

استرد وعيه حين أعلن المأذون انتهاؤه، تنهد بارتياح بينما كان الجميع في حالة حداد، عدنان صامت لا تروقه تلك المصاهرة ولا يرضى بما يحدث لتلك الفتاة لكنه لا يملك أمام عناد ولده وإصراره إلا الرضوخ والاستسلام ولأن في طيات الأمر سرًا تبوح به نظرات ابنه وقت صفاء نفسه.

 أما جدته فتبكي بكاءً مرًا رافضة قبولها في المنزل راغبة في نهش مرتضى بأظافرها وأكل لحمه حيًا ، وحدها نجاة صامتة بحزن وقور.

 أما سماسم فلم تترك فراشها منذ مجيء غزل، أصابتها علّة الذكريات بالألم وأرقدتها، جردتها من قوتها فآثرت  الاختباء وحدها بمعاناة فتح رؤوف بابها،حين سمعت صيحة مرتضى ارتعدت بخوف لم تعرف أنه مازال داخلها كاللعنة القديمة إلا حين سمعته ثانية، مرّ شريط العمر أمامها فبكت بصمت، رفعت كفها تريد الاتصال بولدها وطلبه للاحتماء به وخلفه لكنها جبُنت  وضعفت لا تريد له أن يراه ولا يراها بحالتها وضعفها أمام صوت مرتضى المنفر الذي يبث في خلاياها الرعب ،مازال جسدها يحمل علامات كفه وصوته يصرخ داخلها بأنها قبيحة وبائسة، منفّرة، لا يطيقها ولا يعرف كيف يتخلص منها. 

سنوات تكتم كل بشاعته داخلها محتفظةً  بها بين جدرانها، لا تفضح ولا تكشف عورة أخلاقه، تتحمل بجلد وتتصبر ببقايا يقين حتى جاءت الطامة الكبرى وحدث ما حدث، استيقظت ليلًا لتجده يسرق ذهبها ويخبيء قسيمة زواجهما في حقيبة صغيرة مع كل ما خف وزنه وثقل ثمنه، صاحت متهمة لاعنة فقابل اتهامها  بالنكران ووابل من الغضب والحقد، اتخذ من جسدها منفسًا لحقده وغضبه وكراهيته، ضربها بشدة حتى خارت قواها، ثم تركها وسارع للدرج فلحقت به وأمسكت بذراعه رافضة هروبه، فدفعها بقوة؛ لتسقط من فوق الدرج متدحرجة … 

صرخت بقوة مستعيدة الشعور ليلتها وألمها وكيف ركلها قبل أن يهرب بعدما أسقط الأوراق وبعض المشغولات الذهبية، ليلتها و ببقايا  وعي وضعت كفها على بطنها المنتفخ تناجي سرًا أن يحفظ أملها قبل أن تفقد وعيها.

استودعت جنينها لله  وسلمته كل أمرها ومظلمتها  . 

بالأسفل دخل طاهر المنزل راميًا السلام ونظراته تركض فوق الوجوه حتى استقرت فوق وجه يعرفه ورآه في المشفى يومًا، سقط قلبه في أحشائه من هول الفكرة المروّعة التي طرحها عقله ومن الافتراض الذي يمزقه الآن. 

سأل متجاهلًا كل شيء يبعثر أفكاره ويشتته عن هدفه «المأذون هنا ليه يا رؤوف؟» 

ضيّق مرتضى نظراته فوق وجه طاهر منتظرًا باهتمام التالي… 

أجابه رؤوف بهدوء محذرًا بنظراته من التمادي أمام الموجودين «الي جولتلك عليه يا طاهر» 

انتبه مرتضى للتوتر السائد والذي يعني الخلاف بينهما، تذكر الوجه الذي رآه يزور فتاته وربط بينه وبين الاسم الذي قالته غزل فتشتت أكثر، هل هذا ابنه حقًا؟ 

زفر طاهر بيأس وإحباط شديد قبل أن يستدير للمغادرة لكن رؤوف فعل  ما خشاه طاهر، نادى عليه «مش هتسلّم على أبوك يا طاهر؟» 

أجابه طاهر دون أن يستدير له مرةً أخرى «الي أعرفه إن أبوي مات» 

ابتسم رؤوف قبل أن يطلب من والده الذهاب بالدفتر لغزل القابعة بالمندرة بصحبة والدته، طرق الباب ففهمت غزل ونهضت بثبات رغم رفض نجاة «استني يا بتي» منذ سمعت صوت المأذون وهي تنتظر تلك اللحظة

قالت بكبرياء وابتسامة لطيفة رسمتها بدقة  «لا يا طنط أنا طالعة» 

تحركت ناحية الباب فتحته وخرجت منه مبتسمة في وجه عدنان بثبات تعجب له «أنا جاية حضرتك أمضي مفيش داعي تتعب نفسك» 

ابتسم ونظراته تلمع بإعجاب، قادها حيث المجلس فخطت متهادية بدلالٍ وكبرياء عجز عن وصفه وهو يراها قادمة بكل هذا الشموخ، تبتسم وكأنها المنتصرة الفائزة وما فعله معها لم يكن شيئًا يذكر أو يستحق الوقوف عليه. 

هو فقط أداة القدر لتغيير مسار الرحلة والبدء من جديد. 

خصته بنظرة فريدة متحدية ولامعة تسحبه بها وتقوده حيث تريد لنظراته أن تقف وتراقب، نظرت للقلم المترنح بين أنامله وطلبت بابتسامة «القلم يا متر» 

منحها إياه بصمت مكتفيًا بمجابهة نظراتها المتحدية، يخفي ابتسامته ويواري إعجابه خلف نظرة واثقة

بسخرية وجّهت حديثها لمرتضى منتقمة منه «بابا متنساش تكتب اسمك صح مش ناقصين كمان المتر يرفع علينا قضية تزوير» 

جز على أسنانه بغيظٍ وحنق ابتسمت له أكثر وبعدها نظرت للدفتر بين كفي عدنان، بسملت وكتبت اسمها في بطء مثير لأعصاب الجميع، صاح مرتضى «ما تخلصي» 

رفعت نظراتها إليه قائلة بفظاظة شابها التهكم«بنقشه على جبين أيامك يا مرتضى» 

سبها ولعنها علنيًا فابتلعت الإهانة بسخرية مضاعفة وركلتها بابتسامتها الساخرة ، مما جعل رؤوف يحذره من التمادي أكثر «حاسب هي مش بتك دلوك» غمغم مرتضى لاعنًا وبعدها صمت. 

رفعت كفها عن الدفتر تقرأ مجددًا ثم أسقطت القلم من بين أناملها معلنةً بفعلتها استسلامها التام لما هو قادم وقبولها حياتها الجديدة ثم نظرت لرؤوف مُعاتبة «محدش هيزغرتلي  عندكم ولا إيه يا متر؟» 

ختمت قولها ببسمة متهكمة بادلها لها رؤوف بمثلها لكنها مُربكة وداخله يقين  أن القادم معها لذيذ ومسلي. 

صرف الموجودين بأدب وبقيّ مرتضى الذي حين قرر الهرب صاح فيه بتهكم«ما لسه بدري يا حمايا » 

قال مرتضى من بين أسنانه بغلّ «مخلصتش يا واد الحفناوي» 

أكّد رؤوف بضحكة مستفزة له «صُح يا حمايا مخلصتش» 

غادر مرتضى ضاربًا الباب خلفه بقوة.. بينما عاد رؤوف ليجلس جوار والده محنيًا جزعه للأمام بتعب، رفع عدنان كفه ومسح على ظهره معاتبًا «يا ولدي سيبها لربك محدش هيتعب غيرك» 

أجابه رؤوف بوهن «القصاص يا أبوي» 

أجابه والده بيقين «مش هيفلت بعملته خدتها أنت حقك منه ولا حتى سبته للي خلقك، والبنية الي ربطتها بيك ذنبها إيه بتحاسبها على الي ملهاش فيه ليه» 

رفع نظراته الغائمة بشتى المشاعر قائلًا باختصار «نصيب» 

حبس الكلام داخله والتوضيح ففهم والده وتنهد قائلًا وهو ينهض مبتسمًا«هنشوف النصيب هيودينا لفين» 

رفع رأسه على نداء والدته «رؤوف غزل عيزاك يا ولدي» 

ربت عدنان على ظهره مشجعًا بضحكة «روح شوف نصيبك يا متر» 

تحرك والده مغادرًا للأعلى بصحبة زوجته التي تركتهما على راحتهما لكنها قبل أن ترحل أوصته بها «بالراحة يا ولدي متجيش عليها دي غلبانة» 

أومأ رؤوف بتفهم قبل أن يدخل المندرة الصغيرة للحديث معها. 

دخل المندرة متحفز الملامح يربط كفيه خلف ظهره، شامخًا كالجبل فاعتدلت واقفة تناطح شموخه وكبريائه بآخر  لن تتنازل عنه ثم نظرت لعينيه قائلة «كنت عيزاك فموضوع» 

قال بجمود وهو ينظر إليها بغطرسة «اتفضلي» 

انتزعت نظراتها من وجهه وأسقطتها أرضًا مُفكرة قبل أن تلملم بقايا شجاعتها وقوتها قائلة «بخصوص جوازنا» 

استشف التالي من توترها وارتباكها لكنه انتظر أن تخبره هي بما تريده «اتكلمي» 

بللت شفتيها وقالت وهي تخفض بصرها أرضًا في حرج «جوازنا مجرد ورقة ؟» 

قال بمراوغة ماكرة وتسلية «دا سؤال ولا إقرار مش فاهم؟»

رفعت نظراتها المهتزة تمنحه بلاهة ملامحها، وأد ابتسامته وانتظر برفق وصبر قولها  الذي جاء سريعًا في هروب وارتباك لم يدعها تفكر فيما ألقته «هتفرق؟» 

مال فمه بشبه ابتسامة قبل أن يخبرها بمكر مستفزًا لها «لو إقرار فأنت متحددليش أعمل إيه..» 

رفعت له نظرات مذعورة ود لو ضحك حين رآها لكنه تماسك وتابع «لو سؤال فأنا لسه محددتش إجابته برضك» 

زمت شفتيها برفضٍ وغير رضا، قبل أن تنفى بعصبية أن يكون سؤالًا منها «دا إقرار حضرتك أكتر من ورقة تمكنك من أبويا وإني أفضل هِنا مع أخويا مفيش» 

أغاظته بقولها وتمنى لو تهكم من قولها صراحةً ودون حرج لكنه غمغم «طيب وريني هتشوفيه كيف أخوكي» 

رمقها بنظرة متعالية مستنكرة قبل أن يفك كفيه ويعيدهما جواره ويخبرها بحدّة تمكن منها الغيظ «أنتِ متجوليليش أعمل إيه ومعملش إيه يا بت مرتضى» 

رمقته بحدة ونظرات مشتعلة حانقة قبل أن تستفسر «يعني إيه؟  متفقناش على حاجة زي كدا؟» 

قال ببرود وابتسامة مغيظة «احنا متفجناش على حاجة أصلا يا بشمهندسة أكتر من إنك هتكوني بدل صفوة» 

ابتلعت ريقها وطالعته بنظرة مهتزة حائرة «أنت أكيد مش هتقبل على نفسك حاجة زي كده أو إنك تغصبني على حاجة» 

بح صوتها وضعف وهي تتوسله بنظراتها المقيمة فوق ملامحه مترقبة. 

شعر بالشفقة تجاهها وهي بتلك الحالة من الخوف مما جعل شعورًا جديدًا بالرغبة في ضمها وطمأنتها يتسلل إلى صدره ويتضخم مانعًا ومقيدًا كلماته السخيفة من الخروج الآن،  زفر بقوة قائلًا بخبث«لاه مش هقبل يا بشمهندسة وهتفضلي ضيفة هِنا لغاية ما يأذن ربنا» تنهدت براحة قبل أن تمنحه نظرة امتنان وشكر حملها في قلبه وغادر بتأثيرها. 

******

ثلاثة أيام ظهرت فيهما قوية وثابته لا تحركها نظرات ولا تؤثر فيها كلمات تتجاهل بترفع وتتابع أيامها بكبرياء يتجدد ولا يختفي... يتابعها بصمت ويسمع حكايا والدته عنها بدهشة امتزجت بالإشفاق، أحيانا يخشى عليها من تلك القوة التي ستنهار قريبًا لأتفه الأسباب.. وأحيانًا لا يملك إلا أن يدع نظراته تُلقي عليها تحية إعجاب ومحبة، حتى حدث ما توقعه... في ليلة من الليالي التي قلّ فيها النوم وأصبح فيها السهاد زائرًا ثقيلًا، مرّ من أمام المندرة الماكثة فيها وكان كثيرًا ما يفعل ذلك منذ أقامت بها. 

سمع همهماتها ومن بعدها بكائها الحاد والذي تحول لصراخ ثم هذيان ونداء لوالدتها... وقف مكانه متجمدًا لا يعرف ماذا يفعل؟ 

يقتحم الحجرة ويضمها لصدره أم يستنجد بوالدته أو طاهر ، لم يجد الاستنجاد بطاهر حلًا صائبًا ولا يعرف السبب وضيق القلب من الفكرة المقدمة من عقله ، تشتتت أفكاره وغلبه أمره فنازع بضياع حتى اهتدى للحل الأفضل، سيأتي بوالدته. 

بالداخل كتبت هي فوق أوراقها «بس كنت عايزة أقولك إن دا أكتر وقت محتاجة فيه بيتكم وقاسم وحكاياتك الي بتطمني وصوتك الي بيطرد الخوف من قلبي،دلوقت كل خوف الدنيا اتجمع فقلبي أطرده إزاي؟» 

 ترنح القلم بين أناملها فتركته يستلقي فوق أرض أوراقها ووضعت جواره خدها ينام في هدوء فوق أحباره، تذكرت بعض الكلمات التي كان يغنيها وينشد بها، لم يكن ما حفظته منها كثير بل قليل وعشوائي غير منظم ومبعثر جادت بها ذاكرتها عليها في شفقة، منحتها لها لتسد بها جوعها له، قليلة تكفيها كزادًا دون اشتهاء أو طمع ، رددتها بصوت مبحوح فقد حيويته وداسته أقدام النحيب فخرج مهزوزًا وخافت، كلما رددت كلمة اختلج قلبها بكل شعور حلو وسقطت دموعها فوق الكلمات ربما شوشتها لكن لا بأس يكفيها ما تحسه ، كأن قلبها تحوّل لسماء بعد المطر تغازل قوس قزح. 

ثم أمسكت بالقلم مرة أخرى وكتبت كأنما تحدثه وتحكي له 

«عشت عمري كله لوحدي وأول مرة أخاف من الوحدة كأنك ببيتك وابنك كنت عالم بحاله» 

كتبتها فوق الورقة بأنامل مرتعشة، ثم نظرت لحروفها  كأنها طلاسم، قرأتها كثيرًا متمنية أن تتحول لتعويذة سحرية ويخرج المارد فيسألها ماذا تريد فتتوسله أن يأتي لها بهم أو يأخذها هي هناك حيث لا خوف ولا جزع، أمان يتسرب في الأوردة 

كررت الكلمات كثيرًا وجسدها يهتز مستحضرًا الألم حتى أيقنت أنها تهذي، تسير في دروب الجنون... فكرمشت الورقة وألقتها أسفل الفراش باكية بقوة، صارخة حيث لا قوة تتكيء عليها ولا أمل ينير العتمة ولا سبيل للراحة... تستنجد بلا شيء، هي فقط تريد الراحة أن يعيدها أحدهم لنفسها القديمة. 

دخلت نجاة راكضة وخلفها هو، ضمتها مهدئة ووقف هو يتابع بألم وحسرة، يراها ولا تراه هي في عالمها الخاص تصارع أفكارًا على هيئة أشباح..

انحنى يلملم الأوراق  المُلقاة أسفل الفراش وبعدها خرج؛ ليمنحها الحرية والراحة.. 

**

في الصباح داخل المندرة سأله طاهر من بين أسنانه بغضب مكتوم وسخرية مكتظة في حروفه «وهتجعد فين يا رؤوف؟  هتجعدها فشقة آيات؟» 

تفادى رؤوف سهام سخريته وأجابه بلا مبالاة يجيدها ويتخذها درعًا يقيه الهجمات 

«لا هتطلع معايا في أوضتي؟» 

تعجب طاهر رغم استنكاره «الي على السطح؟» 

أجاب رؤوف بابتسامة هادئة منمقة كخط جميل «أيوة في مانع يا أستاذ طاهر؟  » 

قطب طاهر مصارحًا له «ليه السطح؟  من متى وأنت بتحب حد يشاركك فيه؟» 

ضيّق رؤوف عينيه على وجه طاهر قبل أن يجيبه «مفيش مكان غير كدا؟  والحقيقة أختك يليق بيها السطح» 

اتبع كلماته بإمضاء ساخر، ابتسامة شتت طاهر فلم يعرف أكانت كلماته مدحًا أم ذمًا. 

قال طاهر بغيظ «المكان مش جاهز للمعيشة يا رؤوف» 

تأفف رؤوف من أسئلته ومحاصرته قائلًا بإنزعاج وغضب يلاحق الكلمات بعصاه «مين قالك؟  المكان يليج ببت أبوك يا واد عمتي؟» 

اتسعت ابتسامة رؤوف فجز طاهر على أسنانه بغضب مكتوم، بينما أردف رؤوف «دي مرتي متخافش هتتعامل زين جوي وليها زي ما كان لآيات» 

رماه طاهر بنظرة حادة قبل أن يخبره «هروح اطلعها فوق» 

أوقفه رؤوف بإعتراضه الحاد بعدما تجمدت قسمات وجهه ولاح في نظراته الغضب «أنت عارف محدش بيطلع فوق غيري» 

وقف طاهر متصلبًا ضائق الصدر يتمنى لكم رؤوف لكن الآخر أجاب «هطلعها أنا» 

تأفف طاهر بصوت مسموع مستنكرًا القول والفعل قبل أن يهتف «لما أعوز أكلمها، أشوفها يا بني آدم» 

قال رؤوف مستفزًا له «مش هتعوز هي دلوك عروسة معاها شهر متطلعش من أوضتها» 

انفلت غضبه من زمام تعقله وصبره، لكم رؤوف على فكه ثم وقف يلهث بإنفعال حاد وغيظ شديد، أما رؤوف فحرك فكه وهو يمسك بذقنه مصوبًا تجاه طاهر نظرات مستهجنة مستهينة، وعتب قاسي انبثق من نظراته لم يستطع إخفاؤه مدرج بلون اللوم القاتم. أخفض طاهر نظراته وانسحب لا يعرف كيف فعلها. 

جلس رؤوف ضامًا شفتيه في بؤس يتحرى مواضع الأمان والرضا في قلبه، يلتمس لفعلته ألف عذر فهو من دفعه ليفعل، لكن سؤال آخر قفز يزعجه ويملأ خواطره بالخبث «هل أحب طاهر غزل؟» 

جلس طاهر أمام المنزل بصمت ينظر لقبضته بعتب يزجر النفس ويهيئها لمحرقة الندم العظمى، ماذا فعل بحق الله؟  هل ضرب أخاه الكبير وسنده؟  كيف تجرأ عليه لهذا الحد وأي مشاعر خبيثة دفعته ليفعل. 

في حالته لم يبحث عن مبرر يريح به ضميره بل لام نفسه بشدة وعاتبها أشد العتاب واللوم مهما حدث سيظل رؤوف له مكانته الخاصة. 

من يستحق اللعن حقًا هو أبيه الرجل الفاسد وسبب مصائبه وبلاويه، تحرك للداخل باحثًا عنه ليعتذر لكنه لم يجده سأل نجاة فأخبرته أنه أخذ ونس ورحل من باب الحظيرة الخلفي، تنهد طاهر بحزن قبل أن يستعيد رباطة جأشه ويستعد لمواجهة متأخرة. 

 صمدت غزل بالمندرة  كأن شيئًا لم يحدث، اختلت بنفسها وأفكارها في هدوء، اعتادت منذ زمن أن تنعزل كلما داهمتها المصائب، ترمم نفسها بنفسها وتعيد بناء ما انهدم بصلابة، تصنع لنفسها طريقًا تعبر منه للأمل ، حياة جديدة وبلد جديدة وأشخاص جدد عليها أن تتقبل كل ذلك وتصنع منه عالمًا خاص يمكنها العيش فيه. 

زفرت بملل فكل ما تحتاجه فقط هو التقبل، الاعتياد.. وبعضًا من النسيان. 

تناولت القليل من الطعام الذي جاءت به نجاة ثم أبعدته. 

ابتسمت متذكرة طاهر، يختبيء وهي كذلك لا يتقابلا ولا يتفقا على لقاء،خاصمتهما الصدف وأعرضت عنهما في حزن . 

طُرق الباب فاعتدلت مستعدة لاستقبال الطارق «اتفضل» 

قالتها وعلّقت نظراتها على باب الحجرة مترقبة الزائر والذي لم يكن إلا الصديق صاحب القلب الماسي، استقبلته بابتسامة جذابة ونظرة حنون ضحكت ضحكة مكتومة وهي تراه يحمحم بخجلٍ وحرج وهو يخطو ناحيتها.. 

وقفت أمامه قائلة بعفوية «وحشتني يا صعيدي» 

رفع لها نظرات مرتبكة حائرة قبل أن يبتسم لها ويتحرر من قيوده متأملًا لها بحنو، حين اطمئن بادلها القول ببعض الخجل «وأنتِ كمان» 

ابتسمت ابتسامة واسعة وقالت بمزاح ومشاكسة «والله وجاتلي فرصتي يا طاهر بقيت أختك الكبيرة وهطلّع عينك» 

ابتسم دامع العينين يؤكد بهزة رأس «صُح جيت تحت ضرسك أنا خلاص يا هندسة» 

أدمعت مثله برقة وهي تطارد نظراته المشتتة محاولة القبض عليها ليتابع طاهر بما يشبه الهذيان « ودِه كمان دليل أن مرتضى خان أمي يا هندسة إنك أكبر مني» 

لم تتحمل ما اعتراه اللحظة ولا هذيانه وعدم ثباته، تشتته وضياعه فاقتربت مُطلقةً اسمه في مواساة ورفض  «طاهر» 

أسقط رأسه على صدره يكتم حزنه ويواري عنها ضياعه مما دفعها لأن تقترب وتمسك بكتفيه قائلة «ارفع رأسك يا طاهر ومتحنيهاش لأي سبب» 

رفع لها رأسه وعينيه المغرورقة بالدموع فابتسمت معاتبة بمزاح «والله هي دي المقابلة بعد ما طلعنا أخوات» 

همس بحزنٍ مستسمحًا لها يطلب غفران قلبها «أنا آسف  يا غزل مجدرتش أمنع حاجة ولا عرفت أحميكي ولا أرجعك » 

أشفقت عليه وعلى حاله، سحبته ليجلس ثم ضمت كفيه قائلة بقوة وثبات «اهدأ مفيش أي حاجة أنا تمام والله» 

عاتبها بلطف وهو ينظر لعينيها مندهشًا من صمودها وقوتها «ليه مرفضتيش؟  ليه ممشتيش وسيبتي كل حاجة ورجعتي؟» 

ابتسمت هامسةً بوجع «متعودتش أهرب يا طاهر اتعودت أواجه كل حاجة للأسف مرتضى مكانش هيدفع لوحده كلنا هندفع ديونه النهاردة أو بكره والله أعلم لسه مخبي إيه؟» 

هز رأسه غير مقتنعًا يضع اللوم بحدة على رؤوف «رؤوف مكانش لازم....» 

قاطعته مهونة عليه بالتماسها العذر لأخيه «رؤوف مظلوم زيي وزيك يا طاهر متجيش عليه غصب عنه أكيد لو فكرت هتلاقي إنه أكترنا أذى، أنت مرتضى بعده مأثرش فيك بالعكس اتربيت أحسن تربية فبيت كله حب ووالدتك ربنا نجاها لكن رؤوف شاف قدام عينيه وعاش لحظات مرعبة وطلع بمرض وذكريات وحشة متحملوش فوق طاقته» 

نظر إليها لا يصدق قولها فابتسمت ممازحة له بمرح «كنت بتتمنى أجي أزورك دلوقت هعيش معاك وهتفسحني بقا براحتك» منحها نظراته فغمزت له بمشاكسة وهي تضحك برقة قائلة «ومش هتضطر تغض بصرك» 

ابتسم بخجل وحرج وتابع متجاهلًا قولها «أنا خايف عليكي» 

ضربته بخفة على رأسه قائلة «يا ابني أنا جامدة ثق فيا بس أنت، مفيش حاجة تهزني ولا رؤوف ولا عشرة» 

سلب ضحكة من بين الحسرة والوجع وقال «أنتِ عارفة إن رؤوف هو الي كلمتك عنه كتير واتمنيتك ليه» 

ابتسمت هامسة بتعجب مرح تغطي به على وجعها وتواسي به قلبه البريء  «سبحان الله وأديني لبست شكلك فيك لله يا واد يا طاهر» 

قال واعدًا لها بصدق «هفضل معاكي هِنا مش هرجع» 

قالت متظاهرة بالحماس «حلو جدًا هنخربها يعني» 

قال موضحًا بحرج وأسف «هيتلعن سلسفيلنا احنا الاتنين الأيام الجاية فاجمدي» 

ضحكت برقة قائلة «حلو جو الساسبينس دا» ثم تابعت بتفاخر وهي ترفع رأسها بكبرياء «ولا يهمنا يا ابني هي الشتيمة بتلزق» 

ضحك فضحكت مثله متابعة له بنظراتها الدافئة حين توقف صامتًا تابعت مواساته برقة «متقلقش والله يا طاهر ولا تخاف عليا هبقى بخير والله الناس الي ربتك عمرها ما تأذي وحتى لو حصل مش هيستمر» 

رفع رأسه وسألها بتأثر «إنتِ كيف حلوة كِده يا غزل؟  طب أنا ربوني هما وأنتِ كيف رباية مرتضى؟» 

مازحته أولًا «بتعاكسني أوكيه » ثم استردت تأثرها وحزنها من خزانة النفس ووضحت «مين قالك مرتضى رباني أنا طول الوقت كنت لوحدي قعدت عشر سنين في الخليج وبعدها نزلت كملت هنا لوحدي وهما فضلوا هناك كل الي يربطني بيهم مكالمة كل أسبوع» 

مازحها هو تلك المرة يمسح على وجعها وحزنها «ضاعت فرصتي وطلعنا أخوات» 

ضحكت قائلة بمشاعر صادقة «الي بينا يا طاهر أكبر من فرصة ضاعت ولا إننا أخوات» 

أكد بهزة رأس ولقاءاتهم تتبادر لذهنه «صح يا هندسة » ثم وعدها وهو ينظر لعينيها مؤكدًا «مش هسيبك تاني يوم واحد  يا هندسة مبجتيش لوحدك خلاص وهقرفك اتصالات ورسايل» 

ضحكت قائلة بحماس «تمام أووي بالمناسبة أنا عايزة تليفون ولازم حضرتك تجبهولي» 

قطب مستفسرًا «فين تليفونك أنا كلمتك كتير »ضربت جبهتها قائلة بأسف «أنا حصلي حاجات غريبة والله» 

تنهدت متأثرة بما تذكرته وهمست بهيام «وجميلة أووي يا طاهر» 

استفسر مستنكرًا «دا إيه إن شاء الله؟» 

لمعت عيناها وبادرت قائلة بحماس «هحكي....» 

دقات الباب قطعت كلماتها فسحبت كفها ووجهت نظراتها للباب كما فعل هو. أجاب «مين» 

ناداه ببعض الضيق والغيظ «طاهر» 

نهض طاهر قائلًا «دا رؤوف» 

تقدم طاهر وفتح الباب مُجيبًا له، رمى رؤوف نظراته داخل الحجرة مفتشًا عنها حتى وجدها والتقت النظرات، أشاحت في خجل فسحب نظراته ومنح طاهر ما بيده قائلًا «تليفون بشريحة جديدة لأختك» 

قال طاهر ممازحًا وهو يقلّب الهاتف بين كفيه «متفوتكش حاجة يا متر» 

قال وهو يسرق منها نظرات جانبية «مش عايز حاجة من فلوس مرتضى فبيتي حتى لو كانت فلوسي في الأصل بس متعاصة دم» 

زفرت بغيظ وحنق من قوله قبل أن تنهض واقفة بتحفز وتقترب من طاهر مواجهةً لهذا المتعجرف، ابتسم ابتسامة جانبية حين نال ثورتها وصمت، بينما كتفت هي ذراعيها أمام صدرها وأوضحت «اطمن يا متر أنا حتى الساعة الي لبساها مش من فلوس مرتضى لا هو صرف عليا ولا أنا عمري اعتمدت عليه فحاجة» 

أدار لها طاهر رأسه واستفسر بعفوية «كيف يعني أمال سرقاها يا هندسة؟» 

كتمت ابتسامتها وضربته بقبضتها على كتفه محذرة له «اسكت» 

عض الواقف أمامها باطن شفتيه في غيظ شديد وحنق قبل  ان يسخر منها بفظاظة «فزورة دي يا بشمهندسة؟» 

تأففت موضحة له «لا بس طول عمري بشتغل وأصرف على نفسي ومكنتش بطلب منه حاجة أنا بحب حاجتي الي تعبانة ففلوسها» 

لمعت نظراته بإعجاب واضح خبأه بسرعة وتابع استدارة طاهر وإشادته بقولها وإعجابه وهو يضرب كفه بكفها قائلًا «جدعة يا هندسة» 

رمشت بعينيها شاكرة في وداعة ولطافة «شكرًا يا طاهر» 

كتم رؤوف غضبه مما يحدث وذلك الشعور الذي اشتعل داخل قلبه كالجمر ولا يعرف له هوية أو مسمى.. استدار له طاهر عائدًا بوجهه له يمازحه بغمزة «أظن كده كلامها أقوى من  dna يا متر؟» 

حرر رؤوف ابتسامته أخيرًا واستدار مغادرًا، بينما قال طاهر من خلفه «أحدث حاجة دِه يا متر صح؟  ميصحش حرم رؤوف الحفناوي تمسك أي حاجة» 

تجاهل رؤوف قوله ولم يعلّق فقط تاركًا ابتسامته تتسع شيئًا فشيء. 

عاد طاهر بالهاتف وفتحه فعارضت هي «سيبه مش عيزاه» 

رفض قولها بإستياء «خديه وأنتِ ساكته عيزاه يولع فينا» 

ضحكت على قوله قائلة باستسلام «ماشي عشان خاطرك بس» 

ابتسم لها طاهر بامتنان قبل أن يبدأ في فتح الهاتف وتهيئته للعمل وهما يتبادلان الثرثرة والمزاح. 

***“

هتف حامد ساخرًا يقلد صديقه وهو منشغل بإعداد طعام الغذاء  وتجهيزه «إيه جابك مش عملت فيها يوسف وهبي آخر  مرة وفضلت تجول هتندم » 

جلس زين فوق صخرة جانبية قائلًا بامتعاض «حطلي كوباية شاي على الكنون وأنت ساكت» 

ابتسم حامد تاركًا ما بيده وبدأ في صنع الشاي فهتف زين مستفسرًا «قاعد يعني؟» 

أجابه حامد وهو ينظر للفضاء الواسع أمامه «عادي» 

صاح زين ساخرًا منه بضحكة عابثة «الحب للشجعان يا أبو قاسم أما الجبناء فبيقعدوا يعملوا شاي عالكنون ويندبوا حظهم» 

رماه حامد بنظرة ساخطة قبل أن يتناول أقرب شيء لكفه ورماه به هاتفًا بغيظ «اسكت» 

تناول زين الجزرة وقضمها قائلًا بنظراته المستفزة وضحكته العابثة «اعمل شاي وأطبخ يا فقري أنت مش وش حب ودلع» 

تأفف حامد منزعجًا من صياح صديقه واستفزازه المستمر له لكنّ زين تابع «قاسم فين؟» 

سكب حامد له الشاي في كوب زجاجي ومنحه له قائلًا «سيب قاسم الله يهديك مش ناقصك» 

أجابه زين وهو يرتشف من الكوب «عايز  أخده معايا يومين يلعب مع العيال ويتونس بيهم» 

تنهد حامد قائلًا «مش هيرضى» 

قال زين بثقة «ناديه بس أنت وهقنعه» 

أجابه حامد وهو يرصف الطريق بنظراته الحزينة «عند عمته مرجعش» 

هز زين رأسه قائلًا «الواد دا بيفهم والله وأبوه لا» 

هتف حامد باستياء شديد من كلماته وجلده المستمر له «مش هنخلص عاد!» 

ارتشف زين من كوب الشاي قائلًا بتأكيد «مش هنخلص غير لما عقلك يرجعلك» 

ثم حاول إقناعه بجدية تناقض ما نطق به «يا غبي كفاية هتقولها يخربيت أبوكي علطول بدون فواصل أنا كنت بلف وأقول يخربيت خالك أنت جيالك مظبوطة» 

أمسك حامد بجزرة أخرى ورماه بها  لاعنًا له ينهاه بغضب «ما تهدا شوية أنت جاي تنكد عليا ولا تطلعني من الي أنا فيه؟» 

أجاب زين من بين قهقهاته «لا أطلع عين أهلك وأندمك ليل نهار وقوم يلا هاتلي قاسم » 

لمحه حامد قادمًا من بعيد فتهلل وابتسم مستبشرًا «وشك حلو أهو طلع وجه» 

استقبله زين بقوله «تعالى يا واد يا قاسم أوعى تتنازل وتكلمه إلا لما يجبلك غزل» 

نظر قاسم لوالده بإشتياق ولهفة غير مستمع لكلمات زين، فلما أحس زين منه الرضوخ سحبه ناحيته قائلًا «متكلموش غير لما ينفذلك كل طلباتك» صرخ حامد بنفاذ صبر «جوم امشي الله لا يسيئك» 

قهقه زين قائلًا باستفزاز «لما أخلص الشاي وقاسم يجهز» 

تخلى قاسم عن صمته واستفسر «هنروح فين؟» 

مسح زين على رأسه قائلًا بحنو «هتيجي معاي خالتك مودة بتسأل عليك وعيزاك تيجي تجعد معانا يومين تلعب مع عيال عمك وتنبسط» 

نظر قاسم لوالده حائرًا فقال حامد «روح يا قاسم مع عمك غيّر جو شوية يا بابا » 

نطق قاسم ببراءة وعفوية «بس أنا مش عايز أسيبك» 

ابتسم حامد وفتح ذراعيه داعيًا له فركض الصغير ناحيته وتقبل عناقه بلهفة واشتياق، وزّع حامد قبلاته على وجهه ورأسه قائلًا «متزعلش مني» 

أجابه قاسم بحنان مماثل «مش زعلان منك يا أبوي خلاص» 

ربت حامد على كتفه قائلًا بمودة «روح مع عمك زين شوية» 

هز قاسم رأسه بالموافقة فقال زين يستعجله «يلا ادخل جهز حاجتك» 

ترك قاسم أحضان والده ودخل المنزل ليستعد ويلملم أغراضه وبعد قليل خرج ممسكًا بورقة مطوية مد كفه بها قائلًا «الورجة دي بتاعة غزل شكلها نسيتها» 

بسرعة سحبها زين من بين أنامله وفتحها قارئًا بلهفة و كلمات قاسم تزين خلفية اللحظة «كانت بتقرأها دايما وحطاها تحت المخدة، كانت بتجول هدية بتحبها وتحب صاحبها عشان طبطب على قلبها وهي حزينة» 

رفع زين رأسه من على الورقة قائلًا وهو ينظر لعيني صديقه المترقبة «دا خط المتر أنا متوهش عنه» 

تقدم حامد بلهفة سحب الورقة وقرأ ليتأكد مما قاله صديقه، لم يحتاج الأمر لكثير من دقة النظرات والتفحص ليدرك صدق قول صديقه، رفع نظراته لا يصدق ما رآه فوقف زين وربت على كتفه بصمت قبل أن يصرف قاسم قائلًا «سيب الورقة ويلا جهز نفسك بسرعة يا بابا» 

******

دخلت السطح متخطية السور الفاصل بين الدرج والسطح  الواسع وقفت في المنتصف متأملة المكان وهو خلفها يقف ممسكًا بحقيبتها ينتظر أن تنهي تأملها للمكان واستكشافها له.. استغل هو انشغالها بالمكان وانشغل هو بها وبتأملها عن قرب 

حمحم مستفسرًا باهتمام «عجبك المكان؟» 

أجابت بقلة حماس ولا مبالاة «عادي متفرقش» 

كتم عنها إحباطه وضيقه وسار للشقة الصغيرة متخطيًا لها، فتبعته في حرجٍ وخجل، فتح الباب ودخل مبسملًا وهي خلفه، نقّلت بصرها في المكان الصغير البسيط باهتمام مستشعرة الراحة فيه والسكينة مع أول خطواتها متذكرة منزل قاسم وبساطته، ابتسمت لأن بساطة المكان أحيت الذكرى من سُباتها الإجباري وأشعرتها بقليل من السعادة، استفسر وهو يراقب شرودها وابتسامتها «في حاجة؟» 

هزت كتفها وأجابته وحلاوة الذكرى تنعشها «لا مفيش» 

سار بالحقيبة ناحية حجرة جانبية على يمينه وضعها فيها وعاد شارحًا لها «الشقة فيها أوضتين الي فيها الشنطة بتاعتك ودي بتاعتي » أشار لحجرة أمامها فهزت رأسها بفهم معيدة النظر في المكان 

كان المطبخ على يمينهما بجوار حجرتها والحمام على يسار الحجرة، أما الناحية اليسرى من الشقة فبها حجرته المفتوحة على صالة صغير بسيطة يقفان فيها الآن بها نافذة تطلّ على الخارج محاطة بالورود 

قال وهو يتابعها باهتمام «المكان بسيط وكل حاجة فيه بسيطة بس لو تحبي تغيري فيه حاجة طول فترة اقامتك فيه أو تعدلي مفيش مانع» 

استفسرت وهي تخفض بصرها لسجاد الأرض البسيط «مش فاهمة يعني إيه فترة اقامتي فيه هو أنا ممكن مكان إقامتي يتغير؟» 

قال وهو يشيح برأسه خوفًا من أن تقبض عليه بجرم ابتسامته «ممكن يا بشمهندسة محدش عارف أنا بتفاجيء زيي زيك » 

قالت بإصرار على المعرفة وفك لغز كلماته  «مفهمتش»صمت فتابعت بغيظ 

«ومبحبش غير الكلام الواضح الصريح لو سمحت » 

تحرك ناحية حجرته قائلًا« كله هيبان يا بشمهندسة» 

زفرت قائلة بغيظ «تاني؟  هو إيه الي هيبان؟  هو أنتم ليه هنا بتقولوا كلام مش مفهوم ولا واضح هيحصل إيه لو الكلام كان مباشر» 

وقف أمامها مستفسر باقتضاب «مين كلنا» 

أجابت بعفوية وعدم انتباه «الخالة وعب.... 

انتبهت لما نطقت به فتوقفت متراجعة نادمة تخفض نظراتها في اعتذار وندم، لكنه تمسّك بما قالت وسأل «الخالة مين مش فاهم كملي» 

تأففت باحباط قبل أن تمسح وجهها وتغادر ناحية حجرتها قائلة «مفيش متركزش» 

هتف بضيق من طريقتها «ما تجفي وتتكلمي » 

تجاهلته بلا مبالاة وسألت وهي تمسك بمقبض باب الحجرة «الأوضة دي ليها مفتاح؟ ولو ليها فين؟» 

رفع حاجبه في استنكار لم ينطقه فأشاحت متوترة تبرر بإرتباك «إيه؟  أنا حرة وبعدين مش هعيش معاك فمكان لوحدنا كده» 

سخر من قولها بفظاظة وتهكم «اطمني إنسان الغاب طويل الناب مش هيجي جنبك والمفتاح من جوه» 

كتمت ابتسامتها وتوارت خلف الباب وهي تغلقه قائلة «ماشي»

أغلقت الباب جيدًا بالمفتاح فانسحب هو الآخر  لحجرته مغلقًا خلفه في غيظ منها. 

ارتمت فوق الفِراش الصغير البسيط مغمضة العينين في تعب، انكمشت فوقه مُفكرة قبل أن تعتدل وتقفز من فوق الفِراش بحماس تفتح حقيبتها الكبيرة 

ساحبة الشال الموضوع في أول الحقيبة وعادت للفِراش من جديد متدثرة به استنشقت رائحته فاسترخت وأغمضت عينيها مستسلمة للنوم في طمأنينة 

****

دخل طاهر المندرة حيث يمكث رؤوف، حمحم منبهًا لدخوله قبل أن يقف أمامه مبديًا الندم والحزن، قلّب رؤوف صفحات الملف الذي بين يديه وسأله بلا مبالاة وحزن سكن الأعماق «خير لسه في حاجة فنفسك يا أستاذ طاهر معملتهاش ولا كلمة مجولتهاش جاي تجولها» 

ابتلع طاهر ريقه واقترب معترفًا بخطأه معتذرًا عنه «أنا آسف  يا أخوي حقك عليا» 

أجابه رؤوف بلا مبالاة متعمدة «عادي»

اقترب منه طاهر وانحنى مقبلًا رأسه في تقدير «غلطت فحقك أنا آسف»

رفع رؤوف نظراته معاتبًا بوجع بعدما ترك الأوراق جانبًا  «بتمد يدك عليا يا طاهر ؟  يا خسارة العمر » 

أدمعت عينا طاهر بأسف قبل أن يُعلن ندمه على فعلته «تتجطع إن شاء الله لو اتمدت عليك تاني» 

غمغم رؤوف بالرفض لقوله لكنه احتفظ به ولم يسمعه إياه فلتمتد ولا يصيبه أذى أو مكروه. 

صمت رؤوف فتابع طاهر بصوت متهدج «دم مرتضى يا متر سامحني» قبض رؤوف على رسغه يوقف قوله ويحذره ألا يتمادى أكثر، ثم نهض واقفًا منتصبًا في صلابة يقحم كلماته في عقله «مرتضى مالوش فيك شبر وانسى» 

ابتسم طاهر بامتنان قبل أن يعانقه مُلقيًا الكثير من الاعتذارات «أنا أسف والله مش عارف عملتها كيف، غصب عني والله صعبانة عليا غزل» 

ربت رؤوف على ظهره مبادلًا له عناقه ثم أبعده عنه ناظرًا لعينيه يسأله «واثق فيا يا طاهر ولا لاه؟» 

صمت طاهر بعدم تركيز قبل أن يهز رأسه مؤكدًا «أكتر من ثقتي فنفسي يا أخوي، لو كنت اتعلمت حاجة كويسة في الدنيا فأنت الي علمتهاني» 

ابتسم رؤوف لقوله وهو يربت على كتفه ممتنًا لكلماته ثم هتف «خلاص متسألش يا طاهر وسيبها تمشي زي ما ربنا يريد»

ابتسم مستسلمًا رافعًا راياته قبل أن يسأله «خلاص يعني مسامح؟» 

أجابه رؤوف وهو يعاود الجلوس متأففًا «زنان يا طاهر» 

ضحك طاهر وانحنى مقبلًا رأسه مرةً أخرى  بتقدير ومودة صادقة  قبل أن ينسحب، وفي طريق رحيله استوقفه رؤوف قائلًا بمشاكسة «فوتهالك بمزاجي بس مش معناه مش هتخلص يا طاهر لاه هتخلص باتنين» 

ضحك طاهر موافقًا على قوله «ماشي لو يرضيك يا أخوي» 

خرج طاهر وترك رؤوف لعمله الذي توقف مرة أخرى على اتصال من مؤمن يخبره فيه أنه سوف يأتي لزيارته بعد قليل، تعجب رؤوف من تلك الزيارة المفاجأة لكنه رحب بمودة وأعلن له انتظاره له من اللحظة. 

بعد قليل استقبله رؤوف بمودة حقيقية أمام باب المندرة الخلفي، انضم له عدنان الذي هاتفه أيضًا مؤمن طالبًا منه حضور الجلسة.. 

جلس مؤمن معتذرًا عن الزيارة «آسف  يا متر جيت فوقت غير مناسب» 

ربت رؤوف على ركبته مبتسمًا متباسطًا معه في الحديث حتى لا يشعر بالحرج أكثر«ولا يهمك أنت أخويا يا مؤمن متجولش كده تيجي فأي وقت تشرف وتنور» 

ربت مؤمن على صدره شاكرًا ممتنًا  لمعاملته ومقابلته وبعد السؤال عن صحته وأحواله هتف في حرج وبمراعاة شديدة للموقف «الي جاي عشانه كان عايز ناس كبيرة بس جيت أنا» رحل عدنان  على نداء زوجته وعاد حاملًا صينية الضيافة وضعها وجلس جوار مؤمن يربت على كتفه قائلًا بتقدير «أنت بميت راجل كبير يا ولدي  ومقامك عالي اؤمرنا» 

ابتسم رؤوف مستحسنًا قول والده وأكد عليه «عيب يا مؤمن مقضية بإذن الله» 

ابتسم مؤمن في خجل من تلك المقابلة الودودة وحسن الاستقبال ثم قال بحذر «جاي بخصوص آيات» 

نظر رؤوف لوالده بصمت فتابع مؤمن «عارف إنك راجل واد أصول  وشهم يا متر وأنا جاي عشمان فشهامتك ومروءتك » 

عاتبه عدنان برفق «الموضوع دِه اتجفل يا ولدي بتفتحه ليه؟» 

أجابه مؤمن بحكمة «آيات غلطت وعملت عملة متتغفرش بس ندمت وعرفت غلطها، ليه متدوهاش فرصة تانية؟» 

تنهد رؤوف قائلًا باختصار موجز «عشان آيات خلّصت كل الفرص» 

قال مؤمن بحزن مستعطفًا له «اديهالها عشان خاطري أنا المرة دي» 

نظر رؤوف لوالده بصمتٍ وحرج لا يجد ما  يرد به على مؤمن الذي واصل الحديث «آيات بعد ما شافها أبوها معاك وجالتله جاية تعتذرلك ضربها لغاية ما وصلت للموت» 

حوقل عدنان بضيق بينما لم يظهر أي تأثر على ملامح رؤوف ولا أي تعاطف لكن مؤمن واصل «من يوم ما جولت لأبوها الي جولته وطلجتها وهو حابسها يضرب فيها» 

ظهر الضيق على ملامح رؤوف الذي أطرق بتفكير فقال عدنان «بس يا ولدي الي بتجوله دِه ميعمرش بيوت، هيرجعها ويتعس نفسه عشان أبوها بيضربها؟» 

أجاب مؤمن بحكمة «دي كانت مرته فيوم وبينهم سنين، ولجل خاطر العيش والملح ينجدها من أبوها أنتم عارفينه مخه على كده» 

بدا على رؤوف التفكير والشتات الواضح فقال والده وهو يربت على كتف مؤمن «مشبرتش العصير ليه يا ولدي أشرب» 

رفض مؤمن قائلًا «لاه لما تردوا عليَّ» 

عاتبه عدنان على قوله «الأمور متتاخدش كده يا ولدي» 

نظر مؤمن لرؤوف قائلًا «أنا جيت والله عشان عارف المتر وشهامته وجدعنته وإن ميرضيهوش الأذى لأي ست ما بال لو كانت فبيته وكلت وشربت معاه» 

ابتسم رؤوف مطمئنًا له يطلب مهلة للتفكير وعدم الضغط «سيبني أفكر يا مؤمن» ثم رفع له كوب العصير مُردفًا «اشرب وسيبها لربنا» 

بعد قليل رحل مؤمن وبقيّ رؤوف بصحبة والده الذي سأل «هتعمل إيه؟» 

فرك رؤوف وجهه بكفه يشاركه حيرته وتردده «والله ما عارف» 

مازحه عدنان بمرح «هتبجى جوز الاتنين» 

قال رؤوف ببؤس شديد «الجوازتين يسدوا النفس عن الدنيا» 

لامه والده بمكر «واه أمال أنا ليه حاسس التانية على هواك وهتبجى جوازة العمر» 

أشاح بعيدًا عن نظرات والده  في خجل، ناكرًا عليه قوله ينعي بتعاسة «قصدك هتجصف العمر بدري» 

نهض عدنان قائلًا «هنشوف يا متر جال بكره نجعد على الحيطة ونسمع الزيطة» 

ختم قوله بضحكة قبل أن يرحل ويتركه لأفكاره ونزاعاته. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثار فهد في غضب محطمًا كل شيء في طريقه، لم تفلح تهدئات والده ولا حتى توسلاته، بدا هائجًا خرج عن طور الوعي  والسيطرة يصرخ «أنا تعمل فيا كِده؟  أنا تتهمني وتبرأ الواد الي معاها» 

عاتبه والده بحنو وإشفاق «يا ابني طلعت من المصحة ليه حرام عليك؟ دا بدل ما تقعد وتتعالج وتخرج منها كويس» 

صاح بأعلى صوته وهو يضغط رأسه في ألم «أنا عايزة تخلعني؟  » 

أمسك والده بذراعه قائلًا بحسرة «اهدا وهنشوف حل» 

ابتعد يدور حول نفسه في الصالة صارخًا فيه «كلمت أخوه؟» 

أجابه والده هو يراقبه بحسرة شديدة «مبيردش» 

أمسك بالمزهرية ورماها أرضًا بقوة وهو يصيح بجنون وثورة «قولتلك هي والواد دا بينهم حاجة، وأخوه شكله عارف عشان كدا مبيردش» 

عارض والده قوله برزانة مشككًا في نواياه «مستحيل دول ناس محترمين وفيروز متعملش كدا» 

صرخ فهد وهو يُلقي بجسده المتعب فوق الأريكة «أهي الي متعملش كدا شهدت معاه وبرأته وقالت أنقذها ورفعت عليا قضية بتقرير طبي وهتنفذ تهديدها وتخلعني» 

جلس والده جواره محيطًا كتفيه ممسكًا به يطمئنه «يا ابني كل حاجة هتتحل أنا هتكلم معاها هي بس زعلانة عشان الي عملته فيها» 

سحب وسادة صغيره وعضها قائلًا «لا شكلها مربطة مع الواد ده وبتحبه ومتفقين» مسح والده فوق رأسه يهدأه بدموع الحسرة والحزن «هتصرّف وهرجعهالك» 

لكنه صاح متوعدًا بقسوة «والله لأقتلها واقتله والله ما هسيبه يتهنى بيها» 

ازدجره  والده بعنف يائسًا من إفهامه «يا ابني حرام عليك الي بتعمله فيا دا قولتلك متقربش منها تاني لغاية ما أشوف، هتضيّع نفسك وتضيعني معاك» 

بدا غير منتبهًا لكلمات والده ولا واعيًا لما يقسم به، في عالم خاص «والله هقتلهم» 

ختم قوله بتأوه ممزق وصيحة عالية شقت صدر والده قبل أن يسترخي جسده ويقفد الوعي. 

#انتهى 

مراجعة «منة أحمد» 

و إنَّ آلُقَلبَ لَيَطِيب بِڪثّرةِ آلُصلَآةِ علَى آلُحَبِيبِ المُصطّفَىٰ ﷺ

اكثرو من الصلاه على الحبيب المصطفى سيدنا محمدﷺ


2




العشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close