رواية عزف السواقي الفصل العشرين 20 بقلم عائشة حسين
♡الـــعــشـرون ♡
+
«نظراتها التي تسبح في الفضاء دومًا بحثًا عنه بيقين كانت نبراسًا تحمله إليه ليبصر وإن تعثرت خطاها»
+
♦♦✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿♦♦
+
دق على باب حجرتها مناديًا بعدما يئس من خروجها ومقابلتها وطال مكوثها وانعزالها ، نهضت متثائبة تتمطأ بكسل ناظرة حولها تستوعب مكان وجودها، حينما استردت وعيها وتتابعت أحداث الأيام المنصرمة في ذهنها قفزت مُجيبة «أيوة»
فتحت الباب تجيبه بتثاؤب ووعي مازال غائمًا بسحابات النوم «نعم»
تلكأت نظراته عند خصلاتها الظاهرة من تحت حجابها اكتشف لونهم فابتسم لنفسه بانتصار قبل أن يجلي صوته وينزع نظراته موضحًا «الوقت اتأخر ومطلعتيش شوفتي المطبخ محتاج حاجة ولا لاه أجبهالك»
تشعر تجاهه بألفة غريبة لم تعهدها من قبل، ألفة جعلتها ترفع نظراتها متأملة له لأول مرة،تستوعبه كما تستوعب كل شيء من حولها لا يشبه طاهر كثيرًا فلكل منهما ملامحه الخاصة المميزة وكلاهما يحمل قدرًا من الوسامة المحببة والنظرات التي تنشر الدفء والطمأنينة في النفس.
رفع حاجبه بتساؤل أعاق سير نظراتها فوق ملامحه فعادت أدراجها في خجل لطيف أحمرت له وجنتاها،أجابت بتوتر «تمام هشوف بس لو هكون عايزة حاجة هِنا هتبقى إذاعة قرآن كريم لو سمحت »
اندهش من طلبها لكنه تخطاه بابتسامة اختفت سريعًا وقال «المكان فيه إذاعة بره أنا بس الي طفيتها عشان لو مش متعودة متزعجكيش»
عادت نظراتها إليه متألقة بابتسامة دافئة وهي توضح برجاء عفوي «تمام ياريت تشغلها وتسيبها أنا بحبها»
هز رأسه وابتعد قائلًا في حزم «أنا مسافر مصر أمي هتيجي تشوف طلباتك مش مسموح تنزلي لو احتجتي حاجة اكتبيلي »
أجابته متعجبة تهز كتفها باستهجان «مش طاهر موجود خلاص »
جز على أسنانه يلعنهما معًا قبل أن يستدير متحفزًا يسألها بغيظ «وماله طاهر إن شاء الله؟»
تعجبت من هجومه عليها وحدّته فتغاضت عن كل ذلك واستفسرت باهتمام «مسموحله يطلع ولا أنا أنزله؟»
تفاقم غيظه منها فقال بعصبية متشفيًا فيها بنظراته «هاخده معايا مصر»
رفعت رأسها وقالت مشككة تعانده ثقةً في أخيها «طاهر مش هيسافر ويسبني لوحدي»
ضم قبضته مسيطرًا على انفعاله يجيبها من بين أسنانه في تحدي وإصرار«هاخده معايا غصب عنه»
أجابته بابتسامة واثقة مغيظة وهي تستعد لإغلاق الباب عليها من جديد «مش هيروح فحددلي أسهل أقابله ازاي»
غمغم بغضب وهو يركل كرسي عاق سيره «ماشي يا طاهر الكلب »
هبط للأسفل يرفع أكمام قميصه كما تعوّد، رمى السلام فردّ عليه الجميع عدا جدته التي نأت بنفسها مخاصمة له.
جلس جوار جدته راميًا مساء خاص يعنيها به في مودة «مساء الخير يا جدة» أشاحت مُعرضة في قسوة تنهد لها بحزن قبل أن يسحب كفها المتغضن عنوة ويقبله، سحبته دامعة بلومٍ وعتاب جعل عدنان يهتف مُلطفًا الجو «ما خلاص يا أرضينا جلبك أُبيض»
قالت بعصبية وصوت متهدج مكسور بالعتب والدهشة «بدل ما يجتله يتجوز بته، يجبهالنا هِنا جدام عنينا تفكرنا وتجلّب علينا المواجع»
ردّ غيبتها مدافعًا لأول مرة بحنو خصّ الغائبة به «غزل غير أبوها يا جدة، وأنا بعدتها عنكم خالص فوق»
أعادت أرضينا نظراتها الصارمة تنهره غير متقبلة «لتكون عشجانها يا واد؟»
هتف عدنان مدافعًا بحكمة وعدل «وماله يا أرضينا هو العشج حرام وبعدين البت باين عليها غلبانة غير أبوها»
ولولت أرضينا بحسرة مريرة «بووو، عليك يا حامد عليك، تعالى يا حفناوي شوف كلام ولدك وواد ولدك جابولي حيّة في البيت »
صمت رؤوف بحسرة وكدر قبل أن يوضح لها ما يرضيها «جعدتها هِنا كسرة لمناخير أبوها»
لكنها لم تتوقف ونهضت صائحة فيهما بغضب «معيزاش أشوفها جدامي غورها لأبوها وهاتلي حق ولدي منه.. نسيت وصية جدك خلاص وحرجة جلوبنا »
مسح رؤوف وجهه مستغفرًا ضائق الصدر فهتف والده بحزم «جوم يا ولدي شوف حالك مفيش فايدة»
صاحت أرضينا تشيّع ذهابه بالغضب «هتبعتر الدم يا واد، بكره تنسيك وتلهيك »
هتف عدنان معترضًا «يا أما بكفياكي وهمليه لحاله فيه الي مكفيه طول عمره مراضيكم سبيه يرضي نفسه مرة»
توقفت عند كلماته ، فسرتها بعصبية «يبجى صُح ولدك رايدها»
رأت سماسم تهبط الدرج فصاحت بصوت متهدج «تعالي يا نضري شوفي واد أخوكي وأخوكي تعالي اسمعي الهم التجيل ياريتني موت ولا سمعته ولا عشته»
زفر عدنان بحنق محوقلًا ضائق النفس قبل أن يرحل ويترك نجاة فريسة لاعتراض والدته.
جلس رؤوف في سيارته يتنهد بحزن ويفكر بتعسر،يمسح وجهه مستغفرًا حتى رنّ هاتفه وأخرجه من دائرة شروده،أجاب فورًا دون أن يقف عند اسم المتصل مفكرًا
«ازيك يا أبو عبدالله»
«تمام أنا موافق بس ليا شروط وصلهالها والله رضيت ترجع مرضيتش خلاص»
«تمام ههدأ وأكلمك تاني يا مؤمن سلام»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
♣بعد صلاة العصر ♣
وصل عدنان للأعلى حيث تمكث وحدها بأفكارها وحزنها تصنع من التعاسة لحنًا ببكائها المستمر ليلًا، صفق بكفيه مناديًا «يا بشمهندسة»
تعجبت من أن أحدًا يناديها في تلك البقعة المنعزلة ويهتم بوجودها من الأساس فمنذ أتت لا يفعل أحد ولا يتجرأ أحد منهم على اقتحام هذا المكان لا تعرف خوفًا منه أم زهدًا فيها.
خرجت مبتهجة لأن أحدًا تذكرها وقفت أمامه مُجيبة بابتسامة لطيفة«نعم يا عمو؟»
تخطى السور الصغير الفاصل بين الدرج والسطح هازًا رأسه بمتعة واستمتاع «حلوة عمو دي»
خطا ناحية الجلسة قائلًا «ازيك يا بشمهندسة عاملة إيه في المنفى؟»
أجابته شاكرة لطفه وسؤاله «الحمدلله يا عمو بخير» ثم علّقت بدهشة وهي تتبع سَيره«منفى؟»
جلس عدنان متربعًا واضعًا كتبه أمامه وهو يقول موضحًا لها سبب التسمية«مسميه منفى عشان جوزك بيجي يجعد فيه بالأيام ومحدش بيشوفه، يلا عقبال ما يتم الإفراج عنك»
ابتسمت هازةً رأسها بفهم فقال وهو يشير لها بكفه لتجلس «اجعدي يا بشمهندسة»
جلست على ركبتيها أمامه منتظرة بترقب فقال بتأفف «لاه ريحي رجليكي الجعدة هتطوّل»
ربعت ساقيها مبتسمة لتباسطه معها فقال وهو يرفع كتابه «نضارتي اتكسرت وأنا لازم أقرأ جزء مهم من الكتاب دِه جولت أجيلك تعملي فيا خير وتقرأيلي»
ابتسمت مُرحبة بطلبه سعيدة به «يا خبر يا عمو من عينيا»
غمغم عدنان متشفيًا في ولده« شكله هيبجا البقاء للأقوى يا متر يارب تكون منهم ولو إني أشك»
استفسرت وهي تأخذ الكتاب من بين أنامله «بتقول حاجة يا عمو؟»
نظر حوله قائلًا «اعمليلي شاي عالفحم»
نهضت بسرعة، سحبت الركوة وبدأت في صنع الشاي كما رأت رؤوف يفعل ثم قالت ببراءة «الحمدلله النا رمتطفتش»
ضحك عدنان قائلًا وهو يتابعها«جوزك مدمن شاي مشغول أو فاضي بيعمل ويشرب فناره عمرها ما تطفي»
ابتسمت دون تعليق فقال بمرح وهو ينظر للزرع «طاهر جالي إنك بتحبي الزرع وعندك مشتل ازرعيلي ورد عشان أدي كل يوم واحدة لنجاة»
ضحكت برقة، ضحكة جذابة رائعة فغمغم عدنان «كان الله في العون والله»
انتهت من صنع الشاي وجاءت به إليه تعرض على استحياء «تحب أزرع لحضرتك إيه تاني؟»
أجابها وهو يساعدها في تحلية الشاي «نعناع عشان الي زارعه جوزك مش عاجبني»
أجابت وهي تنظر حولها باحباط «هو نشف ودبل شكله مش مكانش بيهتم بيه»
رفع كوب الشاي لفمه قائلًا بمزاح ماكر «جاله الي يهتم بيه أنا مستبشر خير بالضحكة بتاعتك دي»
ابتسمت بأدب شاكرة له إطرائه«شكرًا لحضرتك»
تربعت جواره ممسكةً بالكتاب تقرأ عليه من أسطره وكلما أعجبته جملة علّق قائلًا «حطي خط»
حتى حلّ المساء فنهض قائلًا «يلا فتك بعافية»
توسلته بعبوس «خليك يا عمو»
أجابها وهو يمسك بكتبه «لاه يادوب اتعشى وأنام أصل احنا هِنا بنام بدري ونصحى بدري زي الفروج»
ابتسمت متفهمة مودعهّ بلطف ورقة،ارتدى خفه وانحنى يربت على كتفها مُصبرًا لها «المتر مش هيتأخر وهياجي ينكد عليكي مش هيبجا في ملل»
ضحكت بجذل على طريقته ومزاحه فأشار باصبعيه واثقًا «يومين مفيش غيرهم مش هيكتر تاني فمصر»
هزت رأسها والسخرية عالقة في نظراتها لم تُحسن فهم كلماته مما جعله يبتسم ويغادر تاركًا لها، ذهبت للمطبخ مُفتشة عن طعام فوجدت الكثير، أصناف متعددة ومختلفة وكل ما قد تحتاجه وبضع من قطع الشيكولاته.. سحبت واحدة شاكرة وجودها فلا نفس تقبل الطعام بعد كل ما كان.
قضمتها وخرجت تستكشف الشقة جيدًا ومحتوياتها، تمنت لو دخلت حجرته أيضًا لكنها جبُنت أولًا وزهدت فيها وفي كل ما يخصه ثانيًا..
رنّ هاتفها فركضت مُجيبة يبدو أنه طاهر، لكن خاب ظنها حين وجدت اسمه يلمع ترددت قليلًا قبل أن تحسم الصراع داخلها وتجيبه «أيوة»
«أنتِ كويسة؟ محتاجة حاجة؟»
«على فكرة بيقولو السلام عليكم الأول»
أجابها بمشاكسة
«مجولتيش أنتِ فعرفت إن مفيش سلام بينا ودخلت في المفيد»
قالت بصراحة شديدة «أنت ذكي ومحوراتي كبير»
أجابها وابتسامة واسعة تطلي ثغره «وأنتِ صريحة زيادة عن اللزوم»
قالت بتهكم وهي تجلس فوق فراشها «أنت مش جايبني تعذبني بتتصل تسأل ليه مش فاهمة؟»
دار في الشرفة قائلًا بنبرة رائقة «إيه جو الأفلام الجديمة ده بطلي تبجي صريحة»
قالت بعصبية «بطل أنت تلف وتدور تلاقيني مش صريحة عادية»
نفخ بغيظ من قولها فقالت «عايزة أنزل تحت لطنط سماسم»
هتف مستفسرًا بقلق «ليه؟»
أجابت بحدّة «مش مفروض أقولك بس هقولك» ابتسم وانتظر قولها الذي لم يتأخر «عايزة اعتذرلها عن كل حاجة»
حك ذقنه مشاكسًا «أنتِ معتذرتليش أنا»
تأففت مغمغمة «صبرني ياربي»
ضحك ثم تنهد ناصحًا بلطف «استني شوية عمتي دلوك مش كويسة عشان متضايجيش ولا تزعلي سبيها لما تهدأ»
تعجبت منه قائلة في سخرية من شعوره «أول مرة أشوف شرير بينتقم طيب والله»
هتف بعصبية «اجفلي أنا غلطان»
أنهت الاتصال وألقت بهاتفها جوارها ثم تمددت متثائبة .
***
جلس رؤوف فوق المقعد واضعًا ساقًا فوق الأخرى بهيمنة يفكر فيما يسرده يونس على مسامعه، يرتب ربطة عنقه من وقتٍ لأخر وهو يستمع بإنصاتٍ واهتمام لرواية عن ما حدث من يونس... بعد قليل صمت يونس منتظرًا رأي رؤوف وقراره الذي يعرفه واستعد له كثيرًا محصننًا نفسه لذلك لم يبرر فعلته بل روى ما حدث بصدق وكأن توبيخ رؤوف لن يؤثر وليس بذات الأهمية عنده، هو فعل ما يمليه عليه ضميره ولا يهم بعدها اقتنع رؤوف أم لا، وبخه أم أثنى عليه.
لكن رؤوف فاجئه حين اعتدل مشبكًا كفيه أمامه وقال بفخر «جدع يا بشمهندس»
فغر يونس فمه بعدم تصديق ورمش يتحقق من ملامح أخيه قبل أن يحثه ببلاهة وهو ينظر لرجب «بتجول إيه؟»
نهض رؤوف وتحرك أمامه قائلًا وهو يشبك كفيه خلف ظهر «بقول جدع لو مكانك كنت هعمل أكتر من كده دي ست ملهاش حد وجارة »
نظر يونس لرجب مستغيثًا بصدمة لا تحل وثاقها من فوق ملامحه «رجب سمعت الي سمعته»
ضرب رؤوف فوق كتفه قائلًا بمزاح «في إيه ما تركز؟ أنا صُح محسبتش حساب تدخلك بس ولا يهمك محلولة بإذن الله»
صاح رجب متفاخرًا في ثقة «جولتلك جناب المتر ميرضاش على الولاية»
هرش يونس فروة رأسه قائلًا «والله أنت الي مهندز يا رجب بدأت احترم دماغك»
ضيّق يونس نظراته على وجه رؤوف يستفسر بمشاكسة «و لا يكونش دا تأثير الغزال على المتر» زيّل قوله بغمزة جعلت رؤوف يصفع على عنقه قائلًا ببعض الحرج «احترم نفسك»
هلل رجب كأنما تذكر اللحظة «صُح مبروك يا أستاذ رؤوف عقبال ما ربنا يعوض عليك»
ضحك يونس وقال بحماس «قريب باينلها يا رجب»
كتم رؤوف ابتسامته على أفعال أخيه وحماسه وقال معاتبًا في خجل «كمان جولت لرجب»
هز يونس كتفه قائلًا «دا رجب من العيلة فرحلك أكتر مني كان عايز يرقص ووزع شربات عالناس كلها»
صفعه رؤوف مجددًا وهو يلومه «هي جوازه عادية؟ ما أنت عارف ولا محكتلوش دي كمان»
غمز يونس قائلًا ببهجة «عشان عارف إنها مش عادية وجاية على المزاج يا متر ريحتك من السؤال عليها كل شوية خليها تزرع بجا السطح»
توهجت نظرات رؤوف وأنارت ملامحه فقال يونس «مستبشر خير والله بغزل دي كفاية انها ذوق طاهر»
توقف رؤوف عند قوله وعبس قائلًا «بمناسبة طاهر كنت عايز أسألك عن حاجة»
ثم التفت لرجب يصرفه بلطف «رجب انزل أنت دلوك»
أومأ رجب وخرج مستأذنًا فأعاد رؤوف نظراته ليونس وتنهد بحزن جعل يونس بيستفسر منه في قلق «مالك يا أخوي؟»
أسدل الهمّ ستائره فوق ملامحه فقال بإرتباك مُزج بخوفه «طاهر كان بيحب غزل يا يونس؟»
ابتسم يونس بفطنة لكنه قرر أن يرواغه ويمكر في مزاح «مش فاهم يا أخوي؟»
ابتلع رؤوف ريقه وحرّك نظراته بعيدًا عن نظرات يونس موضحًا بارتباك «يعني كان يعرفها وبيكلمها ويقابلها وعلاقتهم كده غريبة هو كان بيحبها؟»
مسح رؤوف جبهته متنهدًا فكل ما يخصها مثير للارتباك، هو حقًا لا يعرف نفسه.
هرش يونس خلف أذنه مقررًا ألا يريحه «والله يا أخوي مش متأكد بس لو اتغديت غدوة حلوة واتكرمشلي فلوس فأيدي أتأكد»
شعر رؤوف بأن يونس يمكر واستغل ارتباكه ولهفته فضربه فوق رأسه موبخًا بغيظ «ولا ده ولا ده ومش عايز أعرف»
تحرك يونس قائلًا «هتندم والله دا أنا أصلًا من أسبوع سألت طاهر السؤال ده لما لجيتك مهتم بيها»
سأله رؤوف بلهفة وهو يسير تجاهه «وجالك إيه؟»
فرد يونس كفه أمامه قائلًا بغطرسة «الغدا والفلوس يا متر وهجولك»
حمحم رؤوف وقال واعدًا بلهفة وترقب «حاضر جول يا مستغل»
ضحك يونس وأجابه بحنو ولطف شديد مراعيًا أن أخيه يمر بتلك المشاعر لأول مرة «لاه يا أخوي مكانش بينهم حاجة كان بيعاملها زي أخت وحتى كلام ورسايل مكانش بينهم كتير غيرإنه كان بيجول إنها شبهك فحاجات كتير وبتفكره بيك وبيتمنى لو عرفكم على بعض أكتر»
زفر رؤوف بارتياح شديد وتهلل وجهه بالبشرى فضحك يونس بمتعة وسعادة داعيًا له بداوم الفرح والرضا بينما قال رؤوف وهو يرتدي سترته «ليك أحسن غدا من أحسن مكان تطلبه أنت ورجب»
ثم قال بجدية «المهم فيروز لازم تمشي من هِنا؟»
قطب يونس مستفسرًا باهتمام «ليه؟»
أجابه رؤوف وهو يصفف خصلاته ويضبط ربطة عنقه أمام مرآة قريبة «عمها مش هيسكت وممكن يجبرها بأي طريقة تتنازل عن حقها محتاجين نشوفلها مكان تستخبى فيه الفترة دي لغاية ما يتحكم في القضايا دي »
سأله يونس باهتمام «وهو ممكن يحاول يأذيها»
هز رؤوف كتفه قائلًا وهو يسحب سلسلة مفاتيحه المعلقة «وارد جدًا يا يونس أكيد مش هيقبل ابنه يتخلع أو يتسجن وطالما من الأول قابل بأذيتها فمفيش مشكلة يكمل هو»
تأفف يونس بضيق فاستدار رؤوف قائلًا «عايزين نفكرلها فمكان غير الشقة الي فوق لإنها مش حل»
هرش يونس فروته مُفكرًا قبل أن يقترح عليه «ما تسفرها قنا»
ضيق رؤوف نظراته يشاركه التفكير في الحل المطروح قبل أن يهز رأسه رافضًا الفكرة «لاه بيتنا مش ناجص هو حريجة لوحده»
هز يونس رأسه بفهم ومشاركةً للرفض وأسبابه فقال رؤوف وهو ينظر للفراغ بتفكير «هتدبر خير بإذن الله»
خرج مغادرًا لمكتبه تاركًا يونس يفكر منشغلًا بتلك المعضلة.
بقنا حررت آيات مشاعر الغضب والكراهية وهتفت لاعنة بعدما وصلتها شروطه في رسالة صوتية «الغبي بيتشرط عليا»سألها علاء بهدوء وهو يتابع ثورتها ببرود ونظراته تتنقل معها «وإيه الشروط الي مضيقاكي كدا؟» وقفت عن الحركة ونظرت لعينيه مُفكرة بتردد قبل أن تخبره ببعض الخجل «إني مش هكون زوجة ليا حقوق» ذهب خجلها أدراج الرياح وظهرت دماء كبريائها المطعون في نظراتها وتابعت «أنا أصلًا مش طيقاه» ابتسم علاء قائلًا «حلو جاوبتي على نفسك في الشرط الأولاني يبقى مفيش مشكلة ايه التاني؟»
قالت بحقد وغلّ نضح من ملامحها «مفيش شغل» ثم غمغمت وهي تزرع الأرض بخطواتها ذهابًا وإيابًا «دا أهم حاجة مينفعش مش هتحبس كمان هناك» ثم توقفت وقالت لعلاء بإحباط شديد «خلاص هرفض»
صاح علاء بغضب لاعنًا غباءها «أنتِ غبية لا طبعًا وافقي على كل شروطه وروحي بيته وبعدها تقدري تغيري بشطارتك رأيه وتاخدي الي عيزاه إنما لو رفضتي هيعند ويصمم ومش هتقدري تغيري حاجة وأنتِ بعيد بل هيشك إنك بتستغليه إنما لو وافقتي هتثبتي له حسن نيتك معاه، اتنازلي يا آيات عشان توصلي»
هزت رأسها مقتنعة بقوله مبتسمة باستحسان لرأيه ومنطقه الذي وجد صدى بنفسها وقبولًا ثم قالت له «دماغك دي سم »
ضحك علاء قائلًا «ماشي بس متنسنيش لما ترجعي ويلا ردي عليه بالموافقة»
رفعت هاتفها مقررة الرد لكنها أخفضته بإحباط قائلة «وخالك هيوافق إني أرجع من غير ما رؤوف ييجي ياخدني ويجعد معاه ويعتذر وهل رؤوف هيوافق ييجي أصلا أنا خايفة يحط العقدة في المنشار»
طمأنها علاء قائلًا «سبيها عليا أنا هقنعهولك وروحي جهزي نفسك»
فورًا أرسلت لرؤوف موافقتها.
*****
في المساء
جلس مؤمن جوار حماه يقص عليه من نبأ رؤوف ورده آيات لعصمته ورغبته في عودتها شقتها دون أن يخبره بأمر الشروط حتى لا يتعقد الأمر.
ارتشف الرجل من شايه ممتعضًا يهتف بغطرسة «ياجي ياخدها زي ما مشاها»
تدخل علاء مبررًا وهو يراقب هدى خلسةً «بس الحق يا خال هو ممشهاش ظلم هي بعمايلها السبب الراجل عداه العيب»
هتف خاله بغضب وهو يُلقي بسبحته في الهواء مع حركات يده الرافضة المعترضة «يعني إيه؟»
أجابه علاء بهدوء ونظراته تسقط فوق وجه مؤمن بنظرة غامضة «يعني هو ردها فخلاص يعني شاري لو مجاش خدها وطلب تروح مش مشكلة هو الراجل برضو كرامته لسه مجروحه من الي حصل»
أدار خاله رأسه قائلًا بسخط وكراهية «بلا كرامة بلا زفت ما هو ضربها وهانها ومشاها»
دافع علاء بخبث «حقه يا خالي لو أي حد مكانه كان عمل كِده وأكتر، هو رجع اشترى احنا كمان بنتنا غلطانة منبعش نشتري ونمشي الدنيا»
صاح خاله رافضًا في غضب امتزج بغروره «أنت معاه ولا معانا؟»
فرك علاء كفيه ببعضهما قائلًا بنفس الهدوء «مع الحق وعشان نسكت كلام الناس، وتحط صوابعك فعنيهم برجوعها له كدا كدا محدش هيعرف هو جه ولا هي راحت، الناس مش هتحسبها غير إنه رجعها وخلاص»
غمغم خاله بامتعاض شديد وضيق رافضًا الفكرة رغم منطقية ردود علاء عليه فقال ببعض التردد«لما ييجي واد المحروج من مصر نشوف»
ابتسم علاء بانتصار قبل أن يسأل مؤمن الصامت «ولا إيه رأيك يا مؤمن؟»
ابتسم مؤمن قائلًا برزانة والنظرات بينهما حربًا باردة دون سبب واضح «كلام مظبوط يا علاء ربنا يتم عليك نعمته»
تحركت هدى ناحية زوجها وجلست أسفل قدميه تدمر بفعلتها أي شعور خبيث قد يتسلل لقلبه «مؤمن تمشى ولا أدلكلك رجلك»
نهاها بحرج «لا يا هدى جومي بعدين»
رفضت قائلة بابتسامة حنون «طيب هدهنلك الكريم وخلاص»
مدّ لها كفه في دعوة للوقوف وهو يبتسم لها في امتنان «بعدين جومي»
نهضت واقفة تستأثر بنظراته عندها وهي تقول بمودة ظاهرة «طيب تعالى نتمشى شوية ونرجع تاني مينفعش تقعد كتير يا حبيبي»
رفرف قلبه سعادةً بقولها لكن شعور خبيث تسلل لصدره موءولًا فعلتها بأنها مُتعمدة وقولها مقصود وليس بريئًا.
تدخل علاء الذي ابتسم كاشفًا أفعالها يفضح سترها بنظراته المتهكمة«سبيه أنا هاخده ونتمشى يا هدى»
نظرت لعينيه الداكنه فارتجفت وقد رأت في ابتسامته الساخرة تعرية لما في نفسها ومقصدها«لا خليك أنت مع أبوي»
عادت بنظراتها سريعًا لزوجها تحثه بعصبية «يلا يا مؤمن»
ضحك علاء قائلًا بخبث مدمرًا كل حصونها «روح يا مؤمن هدى لو اتعصبت بتبقى وحشة أنا مجرب»
لملمت الدهشة ابتسامة علاء وكرمشتها فقالت هدى بحنق واضطراب أسعد علاء وسعى له «يلا يا مؤمن أنا أصلا تعبت وعايزة أروّح»
لكن مؤمن تدخل مُعيدًا بسط ابتسامته على ملامحه وهو يقول «يبجا متعرفش هدى يا علاء دي بتزيد حلاوة وهي متعصبة»
ابتسمت له في امتنان ومحبة قبل أن تضحك وتساعده على النهوض مشاكسة «يلا طيب نتفاهم فبيتنا»
صاح والدها الذي فاق من شروده وحساباته الخاصة أخيرًا «يلا كل واحد يروح لحاله متوجعوش راسي»
نهض مؤمن وسار جوار زوجته بينما كظم علاء غيظه في حرقة بالغة وتوعد خفي.
اعترضت آيات طريقهما قائلة «ازيك يا مؤمن عامل إيه؟»
توقف مؤمن عن السير مُرحبًا بود صادق «ازيك يا آيات»
ابتسمت شاكرة بلطف مفتعل «شكرًا على الي عملته معايا ووقوفك جنبي»
أجابها مؤمن بابتسامة لطيفة «الشكرلله أنا معملتش حاجة رؤوف راجل محترم»
أخفت كراهيتها ونفورها سريعًا وتابعت بكذب «عارفة بس أنت برضو ليك الفضل»
أجابها مؤمن بتواضع «مفيش فضل ولا حاجة أنتِ أختي ربنا يريح بالكم» ثم شدد بجدية مادحًا صديقه محذرًا لها «رؤوف راجل كويس ميتعوضش حافظي عليه ومتخربيش على نفسك تاني»
رسمت على وجهها بسمة كاذبة وتظاهرت بالاقتناع والاهتمام بنصيحته «صح معاك حق يا مؤمن ربنا يباركلك»
شكرته مرة أخرى وغادرت للداخل تغمغم بسخط وحقد، أما هدى فسحبت صغيرها وخرجت هي وزوجها عائدين للمنزل تاركين من خلفهم من يحترق غيرةً وغيظًا.
***
بـــعـــــد مــرور أســبــوع
+
صعد للأعلى ركضًا التهم درجات السلّم بلهفة جارفة لم يظن يومًا أنه سيمتلكها تجاه أحد،أسبوع مرّ هاتفها فيه مرة وحيدة ومن بعدها ابتعد بكبرياء منفصلًا عن رغبته يعاندها ولا يمتثل لها… وقف يلتقط أنفاسه باحثًا عنها لكنه تفاجيء بالتحول الجذري في المكان وتغيره وكأنه ليس مكانه بل أخر، دار في المكان هاتفًا بغضب مكتوم «إيه ده ومين عمل كده؟»
رفعت رأسها من على أصيص الزرع ناظرة لطاهر الذي همس برعب وقد كان يجاورها اللحظة «قابلي هنتعلق»
نفضت كفيها من ذرات التراب ونهضت في عزم، وقفت أمامه وقالت بشجاعة وكبرياء لا خريف يُسقط أوراقه بل ربيعًا يتجدد«أنا»
نظر إليها بلهفة كبيرة سيطرت عليه اللحظة بعد غياب أسبوع ثم قال متلعثمًا بشوقه الكبير «ومين أداكي الإذن؟»
عقدت ساعديها أمام صدرها وقالت ببرود «حق الضيافة.. وبعدين مش هقدر أعيش في المكان كدا»
صاح بضيق وهي يرمق طاهر بنظرة حارقة تفادها طاهر «ومين طلّع طاهر هِنا؟»
نفخت بسأم قبل أن تصرخ فيه هازئة من قوله رجليه أكيد»
هتف بحنق شابه الغيظ وهو يتأمل المكان المتبدل والزرع الكثير «مين سمح لرجليه وأذن لك تخليه يطلع »
جاء طاهر راكضًا وقف بينهما مهدئًا «استهدوا بالله»
صاحت وهي تحرك ذراعها باستهانة وغضب «ما تشوف أخوك الي مفكر السطوح مغارة علي بابا»
كتم طاهر ضحكته لكنها استطردت وهي ترميه بنظرة مستخفة «أنت حتى مش عارف تزرع.. والي بتزرعه بتهمله وفاكر نفسك مقعدني فقصر محمد علي وكل شوية محدش يطلع محدش يدخل محدش يتحرك»
قالتها مقلدة له بعصبية واستياء شديد جلب لطاهر الضحكات وله الغضب فقال بأمر شديد اللهجة «رجعي كل حاجة زي ما كانت»
تخصرت مستفسرة بتحدي «ولو مرجعتش هتعمل إيه؟»
صاح فيها بحنق « أنا مش ناقصك وجاي تعبان على أخري»
لم تصمت وقالت بسخرية «يبقى تتهد وتدخل تنام وتسيبنا ننضف المزبلة بتاعتك»
فغر فمه غير مصدق قولها نظر لطاهر بعيني متقدة بالغضب فابتلع طاهر ريقه وهدأها «خلاص يا غزل»
لكنها نظرت لرؤوف بتحدي قائلة «شوف هتعمل إيه وأعمله يا متر»
خلع رؤوف حقيبة الظهر خاصته وألقى الأخرى جانبه وقال بهدوء وهو يرفع أكمام قميصه «احنا كده متفجين يا بشمهندسة انزل أنت يا طاهر»
اهتزت نظراتها بارتباك قبل أن تنظر لطاهر باستنجاد ورجاء ألا يفعل، لكنه خيّب ظنها حين صرخ رؤوف فيه «انزل واقفل وراك الباب، ولو سمعت صوت ضرب، تكسير برضو متجيش»
تراجعت خطوة في قلق حقيقي وارتعاب واضح من سرعة أنفاسها، ركض طاهر للأسفل معتذرًا لها «معلش يا غزل ربنا معاكي»
تجاهل طاهر نظراتها المستغيثة وأغلق الباب وهو يكتم ضحكاته بينما قال رؤوف باستمتاع مُقلدًا نبرتها«جولتيلي شوف هتعمل إيه وأعمله يا متر وأنا ما صدقت يا هندسة»
تراجعت وهو يقطع ما بينهما من مسافة حتى التصق ظهرها بالسور وأصبح هو أمامها لا يفصل بينهما الكثير، حافظت على هدوئها قدر استطاعتها وقالت «أنا كنت بروح الجيم على فكرة واتدربت فترة دفاع عن النفس»
مال وهمس أمام وجهها متحديًا«وريني شطارتك يلا»
تنهدت باستسلام قبل أن يسبق فعلها قولها «ماشي»
ضربت قدمه بقدمها في قوة فتأوه لاعنًا ألم قدمه وهو يبتعد عنها سامحًا لها بالعبور والهرب، وقفت خلفه قائلة بفخر وشجاعة بينما هو مازال يتألم «مبسوط كِده»
غادرت لحجرتها وتركته فتبدلت ملامحه المتألمة فجأة لأخرى رائقة وقد تعمد أن يفعل ذلك ويظهر لها ألمه وقوتها بل ونجاحها حتى تهرب بحرية لأنه أمامها ما عاد يعرف نفسه ولا يملكها ولا يعرف توابع قربه منها ولا يحب أن يجربه، يشعر أن شيئًا ما يتغير فيه ويتبدل، أصبح لا يستطيع السيطرة على عواطفه ولا انفعالاته مما قد يدفعه لفعل متهور يجني منه الحسرة والندم.
ضحك قائلًا وهو يعود لحمل حقائبه «أكتر من مبسوط يا هندسة والله»
غادر لحجرته مثلها ليستريح قليلًا قبل أن يبدأ العمل.
***
في اليوم التالي مساءً
جلست متربعة جوار طاهر تقتسم معه سماعات الأذن مشاركةً له أغنيتها المفضلة «بحب الأغنية دي أووي»
استمع طاهر لكلماتها مرددًا خلفها «آه يا أسمراني اللون حبيبي يا أسمراني»
ضحكت غزل برقة وهي تتمايل على أنغامها مراقبة ملامح طاهر وطربه واهتزاز رأسه مع النغمات.. ثم تبادلا ترديد المقاطع بنشوة وطرب يتزايد فيعلو الصوت بنغم «تحت الرمش عتاب وحنين وعيون ما تنام»
جلس بعيدًا بعدما شبع من تنبيههما أسند خده بأنامله يتابع المراقبة بقهرٍ وإحباط شديد، بعد قليل نهض طاهر وانحنى أمامها في دعوة حماسية للرقص.. ضحكت برقة ونهضت بخفة، سلمته كفها فضمه وتحرّك بها يراقصها بفرحة مرددًا الكلمات... نهض رؤوف بنفاذ صبر يمتليء قلبه غضبًا ويشتعل غيرة، صرخ فيهما «أفهم إيه الي بيحصل هنا؟»
أجابته بحالة طرب واستمتاع «إيه يا عم أخويا وبنرقص»
صاح يفيقها من نشوتها «على أوضتك»
دبدبت معترضة معاندة وهي تمسك بذراع طاهر رافضة هربه «لا وهفضل مع أخويا براحتي أنا مش فسجن هِنا»
حاول طاهر سحب ذراعه ليغادر خوفًا ورهبة مما يراه بنظرات رؤوف الآن وجنحًا للسلم لكنها ازدجرته بنظرة غاضبة فوقف مرتعبًا ينتظر نهاية الشوط الأول من تلك المبارة التي تتكرر يوميًا وتنتهي غالبًا بالتعادل فيضطر الخصمان لإعادتها.
ضم قبضته جواره يحاول السيطرة على انفعاله وغضبه وهو يقول «مكاني مبحبش يبجى فيه أغاني»
صاحت متهكمة ومعترضة تجابهه في شجاعة وكبرياء «الأغاني فودننا أحنا مش أنت ولا هي تلاكيك »
أغمض عينيه مسيطرًا على انفعاله لكنه لم يفلح ككل مرة وهدر بثورة «أنتِ جليلة أدب ومتربتيش وهتبوظي معاكي طاهر»
فتحت عينيها على ملامحه بصدمة وهي تكتم شهقة فمها بأناملها مستنكرة قوله واتهامه الحاد بينما تدخل طاهر منزعجًا غاضبًا «رؤوف ما تتكلم كويس غزل متربية أحسن تربية وأنا مش عيل هتبوظني»
سحبت سماعات أذنها ورمتها هي والهاتف جوارها بصمت قبل أن تطلق نظرات عتابها ككلابًا مسعورة تنهش قلبه
أوقفت طاهر «طاهر خلاص»
ثم قالت بصوت متهدج وهي تقترب مصوبة نظراتها إليه في تحدي «هو برافو فعلا على تربيتك لطاهر.. من يوم ما عرفته وأنا بجد نفسي أشوف الي رباه...و أنا مكانش ليا حد فعلا يربيني بس كان حد قالي إن ربنا رباني.. وأنا مبسوطة بالي أنا عليه ولسه بتعلم وبفهم» ثم استدارت قائلة وهي تنظر لطاهر الحزين بابتسامة مطمئنة «وطاهر كمان ربنا رباه مش أنت، الي يقول الي قولته ده مستحيل يكون ربى طاهر»
ابتلع ريقه مشوشًا مضطرب الفكر، فتابعت وهي ترفع رأسها بكبرياء قائلة غير عابئة بالدموع المتساقطة وكأنها ليست جزئًا من حزنها بل افرازًا للعين لابد منه ولا يعنيها «أنت شككت فتربيتي وأنا مش مسمحاك يا متر»
بعدها رحلت من أمامه بسرعة فأغمض عينيه واسترخى جالسًا في ندم، بينما هتف طاهر في عتاب قاسي «حرام عليك هي مش ناقصة»
اخرسه بهتاف عادي ممتعض «اسكت يا طاهر وامشي»
ابتلع طاهر باقي كلماته ورحل ضاربًا باب السطح خلفه بقوة.
لام نفسه بشدة ظل يدور في حجرته كشق الرحا، يستعيذ ويستغفر، لا يصدق هو نفسه ما قاله لها ولا كيف انفعل عليها، لكنه لا يعرف ماذا يصيبه حين يراها وطاهر
يجن، يثور، يخرج عن مألوفه الذي عرفه عن نفسه، بل لا يعرف أي لعنة ومس شيطاني يصيبه..
خرج من حجرته عازمًا على ترضيتها والإعتذار منها، طرق الباب فرفضت أن تجيبه مما دفعه لأن يقول «عارف إنك صاحية ينفع تردي»
نهضت مترنحة مسحت دموعها وفتحت الباب تجيبه بوهن «نعم»
نظر لحالها بكرب، رأى انتفاخ عينيها فتألم، ألقى اعتذاره «آسف»
أجابته بلا مبالاة وهي تنظر لما خلفه هاربة من نظراته «ماشي»
غرس أنامله في خصلاته قائلًا بارتباك «أول وآخر مرة»
صاحت بشراسة «وأنا هسيبك تكررها أصلًا»
ابتسم مهدئا لها بحنو «جلبك أبيض أنا مش متربي برضو متزعليش أبوي كان مشغول»
قالت بغضب وهي تمسح دموعها التي سقطت سهوًا من قوتها المدعاة «مبحبش الإهانة ولا بقبلها أنا كنت محترمة معاك وجيت على أهلي عشانك فمتأذنيش»
قال بندم حقيقي «حاضر مش هتتكرر سماح بجى تعالي عازمك على شاي»
أغلقت الباب قائلة برفض «مش عايزة»
عاد لحجرته خائب الرجا، منقطع الأمل، ندمه يسحقه.. دار فيها بغير هدى ساعة حتى خرج منها مقررًا إرسال نجاة لها.. لكن وقف حين وجدها بالخارج أمام السور، وقف خلفها مترددًا قبل أن يحسم أمره ويغادر لكنها فاجئته بقولها «عايزة أشرب شاي عالفحم»
عاد مستبشرًا ضاحكاً بعفوية وحماس، سألها «يعني سماح»
قالت بجفاء متعمد «حسب طعم الشاي»
تحرك بسرعة ونشاط أعدّ الجلسة وجلس فجلست جواره مما أثار دهشته، دست سماعاتها بأذنه وهو منشغل بإعداد الشاي وهمست وهي تغرقه بنظراتها «اسمع»
استمع لمقطع واثنان وكلما استمع غرق أكثر في بحورها وجدف دون نجاة أو أمل فهمست موضحة «بحب الأغنية دي وعرفت إن الموسيقى حرام فبقيت أي أغنية أسمعها كدا من غير موسيقى»
مازالت أناملها فوق أذنه مستريحة كما نظراتها بأحضان عينيه، حركت أناملها تسحب سمعاتها وهي تقول بوجع«متخفش على طاهر مني»
أخفضت نظراتها متألمة فهمس بعدما ترك ما بيده «محتاجة أقول آسف كم مرة؟»
رفعت نظراتها مندهشة ومضطربة فقال بابتسامة لطيفة دافئة «لو مية هجولهم»
ابتسمت هامسةً بمشاكسة «كفاية خمسة و عشرين »
قال بجدية أضحكتها «تمام يبقى خمسة وعشرين» تجاهلت ونسيت ولم ينسى هو ظل خمسة أيام بعد كل صلاة يترك أمام حجرتها وردة حمراء وورقة مخطوط عليها بخط منمق «آسف»
احتفظت بالأوراق والورود في صمت ومكر، خبأت عنه تأثرها بفعلته البسيطة ولهفتها كل يوم لفتح الباب ورؤية الوردة وانتظارها الشغف يوميًا حتى انتهت مدة العقاب.
*****
في بداية المساء
خرجت من حجرتها بحذر قد سئمت وحدتها وحبسها بين أربعة جدران ، فتشت بعينيها فلم تجد أحدًا، تنهدت براحة وتابعت السير ناحية السطح الواسع، بحثت حولها عن مصدر الدندنة التي وصلتها منذ قليل فلم تجد سواه واقفًا يمنحها ظهره مستندًا بساعديه على حافة سور السطح.. زفرت بضيق قبل أن تتجه ناحية الراديو المعلق في أحد الأعمدة الخشبية وأعادت تشغيله، استدار يراقبها بصمت حتى أنهت ما جاءت لأجله وهتفت من بين أسنانها بضجر «ينفع متطفيهوش تاني؟»
أجابها ببروده المعتاد وهدوئه الذي يضغط أعصابها «مش أنا دا الهوى»
سخرت من قوله وهي ترفع جانب شفتيها باستنكار «الهواء دا ازاي؟»
تأملها قائلًا بابتسامة جذابة ونظرات تغازل «أنا نفسي مش عارف يا بشمهندسة بس بيجولوا هو كده مش مفهوم»
دست كفيها في جيب مئزر بجامتها الذي يصل لركبتيها وقالت بإنزعاج «هتتحرقوا لو اتكلمتوا مباشرةً صح؟ قولي ماهو الوضع مش طبيعي والله»
تأملها مجددًا بنظرة فريدة قبل أن يتخطى كلماتها لرغبة مُلحّة«تشربي شاي يا بشمهندسة؟»
خبأت ابتسامتها وأجابته بغطرسة وهي تتحرك تجاه الداخل «لا أخاف الهواء يبرده وأنا مبحبش الشاي بارد»
أكد بابتسامة وهو يهرش لحيته «غريبة بيجولوا برضو الشاي لو صابه الهوى بيزيد حلاوة»
وقفت تستفسر منه بتنهيدة مستاءة «هما مين الي بيقولوا.؟»
اقترب منها ببطء غير محررًا نظراتها من أسره «أهل الهوى يا هندسة »
ثم تخطاها راحلًا لحجرته وهو يقول بسخرية « استمتعي بالهواء» ثم غمغم بضحكة مكتومة «أبو الي علمك عربي على أبو مخك التخين» دخل وأغلق الحجرة خلفه عائدًا لعمله كانت فسحة من الوقت وراحة من العمل بنكهة رؤيتها، كره أن يخرج ولا يراها فأطفأ الراديو عمدًا حتى تخرج ويراها
****
بعد قليل
خرجت مرة أخرى من الحجرة مندفعة بعبوس شديد وقفت أمامه حيث يجلس فوق كرسيه الهزاز وهتفت وهي تنفخ بغيظ «أنا عايزة أشوف طاهر»
أجابها بهدوء وبرود من خلف عويناته وهو يقلّب صفحات ملف بيده «ليه؟»
صاحت بغضب وهي تزفر بقوة «أنا حرة؟ مش مفروض أديك كشف بالأسباب»
أجابها بنفس البرود المغيظ وهو لا يمنحها نظراته «يبقى خلاص»
عادت للحجرة قائلة بتشفي «هتصل بيه يجيلي هنا»
أجابها وهو يكتم ابتسامته بعدما ترك الملف ومنحها كل تركيزه «مينفعش»
استدارت ضاربة الأرض بقدمها منزعجة بشدة من تحكماته «يووه أنا مشوفتش كِده»
رمقها بنظرة مستخفة وابتسامة متهكمة تغاضت عنها وهتفت بحماس وأعين لامعة «طيب أنا مينفعش أنزل وهو مينفعش يطلع يبقى السلم أرض محايدة يا متر صح»
خبأ ابتسامته على قفزات انتصارها لمجيئها بالفكرة وقال مفكرًا «ممكن»
ركضت تهاتف طاهر بسرعة طالبة منه الصعود ففعل فورًا وخرجت هي لتهبط، أوقفها قائلًا بصرامة «متنزليش بالبجامة؟»
وقفت تتأملها مستفسرة بدهشة «ليه؟»
قال بغيظ من جدالها «كده، البسي عباية بيتي »
تأففت قبل أن تصدمه بقولها «لا عادي ما أنا لبساها قدامك لو فيها حاجة مكنتش لبستها أنت زيك زي طاهر فعادي» خبأ صدمته وغيظه من قولها
ونهض واقفًا يهتف بعصبية لا تعرف سببها «أنا جولت وخلاص»
رمته بتأفف عالي مستاء قبل أن تعود لحجرتها باحثة عن عباءة بيتية لكنها لم تجد، فخرجت قائلة «معنديش مبلبسهاش»
جلس من جديد مبتسمًا بأريحية يقترح بمزاج رائق وهو يتأملها بحرية «معنديش مانع أسلفك جلابية من بتوعي يا هندسة»
اتسعت عيناها بصدمة وصاحت مستنكرة «بتهزر صح؟»
قال ببرود وهو يهز رأسه مبتسمًا بتشفي «لاه دي حتى هتليق عليكي»
سمعت نداءات طاهر المتتابعة وتصفيرات فمه فدبدبت متوسلة «سيبني أنزل لو سمحت عيزاه ضروري»
اقترح هو بابتسامة جذابة سرقت انتباهها «ممكن أسيبك بشرط تجوليلي عيزاه ليه؟»
تنهدت مستسلمة ثم قالت بخجل وبساطة ستقتله «عايزة أعضه.. عشان حلفت لو عمل مشاكل مع العيال بتوع السياسة هعمل كده وأنا لازم أوفي بوعدي»
مال برأسه يكتم ضحكته ويستعيد ثباته ثم أدارها لها مستفسرًا بجدية كاذبة«طاهر عمل مشاكل؟»
تابعت بأريحية تشرح له «وأي مشكلة بقالي ساعة برد على الي بيشتمه واتخانق لما زهقت»
أمرها بعصبية وعبوس «متكلميش شباب وتعرّضي نفسك لكلام مش كويس ومضايقات»
عارضته غاضبة «أسيبهم يشتموه وهو لوحده؟» ختمت قولها بضربة للأرض بقدمها اليمنى
عض باطن شفتيه في قهر ونفاذ صبر قبل أن يصرفها «روحيله»
غادرت متنفسة براحة.. بينما انتظر هو قليلًا متوعدًا طاهر قبل أن يغادر على صياحها وضحكات طاهر؛ ليستكشف الأمر، وقف في أول الدرج ينظر إليهما من علو متسائلًا وهو يراهما يركضان، طاهر يتوسلها من بين ضحكاته وهي لا تتوقف عن ضربه وشتمه ثم ختمت كل ذلك بصرخة عالية وعضة لذراعه جعلته يصرخ مستغيثًا
«إيه الي بيحصل ده» توقف الاثنان على سؤاله نظرا لبعضيهما قبل أن يرفعا نظراتهما لرؤوف العابس بضيق وغضب، سألت غزل طاهر ببراءة محببة«ايه الي بيحصل يا طاهر؟»
قال طاهر قبل أن يقهقه عاليًا «مش عارف» شاركته هي الضحك على استحياء وهي ترفع نظراتها بين الحين والآخر للواقف أمامهما بغضب.
أوقفهما بهتاف عالي «يلا أنتِ على أوضتك وأنت تعالى عايزك»
مال طاهر وهمس «عاجبك كده أنتِ هتعضي وهو بمنظره ده هيمدني على رجليا»
كتمت ضحكتها وهمست متشفية فيه «أحسن»
صعدت للأعلى ووقفت أمامه قائلة «وسع عشان أعدي»
أفسح لها الطريق بحاجب مرتفع بينما ودعها طاهر وهو يقترب من أخيه «سلام لو فضلتي صاحية اكتبيلي»
لم يتمالك رؤوف نفسه وأمسك بخصلات طاهر مقلدًا قوله يتهكم في غيظ «لو فضلتي صاحية اكتبيلي»
تأوه طاهر بألم قبل أن يرفع نظراته مستفسرًا «مش فاهم إيه مضايقك»
هتف رؤوف من بين أسنانه بحنق وغيظ «كنت فاكر جايبها أكيد أبوها لجيتني جايبها ليك تكيدني بيها، دا ولا كأني وفجت راسين في الحلال »
قهقه طاهر محاولًا انتزاع خصلاته من بين أنامل رؤوف وهو يسأل بغباء «معرفش جرالك إيه والله ولا فاهمك»
شدّ رؤوف خصلاته بقوة متابعًا بقهر «كنت لوحدك بعمايلك هتجبلي الضغط، أسكت لاه؟ جبت لنفسي شبر ونص هتعيد تربيتي وتجبلي سكتة بعمايلها»
قهقه طاهر متسائلًا «ليه غزل عملت إيه بس؟ دي أخر حتة في الكيمو كونو يا متر»
ترك رؤوف خصلاته ودفعه بعيدًا قائلًا «غور من وشي أبجى اكتب لها وأنا أفصل النت عن البيت كله»
هبط طاهر مقهقهًا يعتذر له عن ما لا يعرفه ولا يفهمه بينما حذره رؤوف بغلظة «إياك أشوفك هِنا»
أجابه طاهر من قهقهاته المستمتعة «معاي مشوار يمكن اتأخر فيه»
لم يقف عند كلماته ولم يسأله عن سبب وجهته كما اعتاد كل همه كان هي، ولا يشغله سواها اللحظة.
*****
بداية مساء اليوم التالي
تسلل صوت عذب رقراق لأذنها وانساب كخيوط النور لقلبها، أضاء روحها فتحركت مغيّبة بسحره منقادة تتبعه كتعويذة ، حتى وصلت إليه وجدته متربعًا بين يديه مصحفًا يتلو منه بخشوع، صوته عذبًا لطيفًا جذبها بحلاوته فجلست خلفه تستمع دون أن يشعر، هو في عالمه وهي في عالمها، الآيات لا تمر على مسامعها بل قلبها، تتغلغل داخله تغسله من أحزانه، كأنما تسمعها لأول مرة، حتى أنها بدأت تتدبر معانيها وتقف عند بعض الكلمات متذوقة كلما كررها، حتى وقف وأغمض عينيه لدقائق وبعدها فتحها واستدار، تفاجىء بوجودها خلفه فبررت بخجل «آسفة»
سألها وهو يغلق مصحفه ويضمه لصدره بقدسية «على إيه؟»
ارتفعت نظراته للسماء متأملًاكأنها مرآة عكست له صورتها اللحظة بتوترها اللذيذ وارتباكها الممتع وسحر عينيها، همست «جيت وقعدت بدون استئذان»
أجابها بابتسامة حنون ومازالت نظراته معلقة بالسماء يكتب بالنجوم اسمها ويصنع لها منها قلبًا «مفيش مشكلة»
هتفت منبهرة بصدق وحماس «صوتك حلو أووي من زمان مسمعتش قرآن بصوت جميل كدا؟»
سألها برقة ومازالت نظراته تطارد النجوم ويخبيء ضياؤها في عينيه ليهديه لها «بجد؟»
قالت ببراءة وهي تتحرك على ركبتيها لتصل إلى جواره «أيوة محدش قالك قبل كدا؟»
نظراته عرجت لملامحها جواره بعدما استقرت نجوم السماء في نظراتها «لاه أنتِ أول واحدة»
ازدادت نظراتها ضياءً وامتلأ صوتها انبهارًا وهي تسأله بفرحة «بجد دي حاجة حلوة أووي أني أول واحدة اسمعه»
سألها بابتسامة جذابة «ايه الحلو في الموضوع؟»
فكرت قليلًا ثم قالت بعفوية وبراءة «مش عارفة حساها حاجة مميزة إني أكون أول واحدة أسمعه وأنت أول مرة تقرأ قدام حد» وضع المصحف جواره وقال وهو يضمها بنظراته «أنتِ مش أي حد» ثم راوغ كعادته «كنت فاكر إني لوحدي وأنتِ تحت عند أمي»
ضمت شفتيها بأسف ثم بررت «آسفة بس أنا رجعت عشان طنط نامت، متضايق إني سمعته؟»
أجابها ونظراته تعود للسماء من جديد «لاه وإلا مكنتش جبتك هِنا»
عذرته بلطف وحنو «مقدرة إن كل واحد فينا عنده سر لنفسه مبيحبش حد يعرفه»
ابتسم بإعجاب وهو لا يقدر على نزع نظراته منها «معتبرتوش سر لإني معتبرتش صوتي حلو»
فغرت فمها مستنكرة قبل أن تعتدل متربعة وتجيبه بعفوية وحماس شديد «يا خبر دا أنت صوتك تحفة بجد»
هرش رأسه مُجيبًا بابتسامة رقيقة «شكرًا»
ثم تابعت ببساطة «أنا رأيي ثقة لإني مش بحبك ولا أعرفك ولا قريبي أنا غريبة»
اتسعت ابتسامته وهمس وهو يمد أنامله لوجهها المشرق يسحب ريشة علقت بحجابها «صُح يا غريبة»
ارتجف خافقها إثارةً مما نطق به، ارتعش جسدها وجف حلقها حين تابع بصوت مميز «الغريب نبراس طريق ومبيكدبش ولا يجامل وأنتِ مبتحبيش الكدب مش كده برضك؟» أفلتت من بين شفتيها شهقة وهي تتسائل ومازالت في فلكه تدور«مين قالك؟»
ابتسم قائلًا وهو يسحب الريشة وينفخ فيها ليطيرها «طاهر حكالي عنك»
زاد اضطرابها أمام نظراته وتاهت منه فسحبها لعالمه باستفساره «جولتي كل واحد عنده سر يا ترى أنتِ عندك سر؟»
عادت بنصف تركيز قائلة «بصراحة مش عارفة طول عمري كتاب مفتوح للي قدامي» فاجأها بقوله «بس عندك سر أنتِ متعرفيهوش عن نفسك»
فتحت عينيها على ملامحه مستفسرة بحماس «بجد إيه وعرفته إزاي؟»
نهض واقفًا يقول بابتسامة لطيفة بعدما أشعل نيران الفضول بداخلها «بعدين هجولك» ثم مال وهمس أمام نظراتها «يا غريبة ووجتها ثقي فرأيي عشان بس عرفتك»
قطع حديثهم تصفير طاهر وندائه المرح «غزل يا ويكا»
انتفضت واقفة بفرحة وهي تقول بضحكة رقيقة جذابة تربك دقات قلبه وتبعثر انتظامها «دا طاهر»
قال بامتعاض واضح وحنق شديد «أيوة زفت»
عاتبته بنظراتها قبل أن تركض ناحية الدرج مُجيبة بلهفة «أيوة يا طاهر»
صاح رؤوف منبهًا لهما في غيرة واضحة ومحذرًا لهما في غيظ «السلام بالأيد يا طاهر»ضحك طاهر و استاءت غزل كثيرًا من حصاره وتحكماته وبعد السلام سحبته للأعلى،وقف طاهر أمامه بابتسامة متشفية ونظرة ظفر واضحة اعتدل رؤوف وانتظر أن يدلو بدلوه فقال طاهر لغزل «اعمليلي نسكافية وتعالي نرغي»بدا لعيني رؤوف أنه يتعمد إبعادها فانتظر بصبر، أشارت لعينيها قائلة بحماس «عنيا» غادرت للداخل مشتعلة بحماسها وتركته يقترب من رؤوف ناظرًا لعينيه بقوة في تحدي وهو يقول «مش هتصدق كنت فين يا متر ومع مين؟»
لوى رؤوف فمه بضيق واضح وهو يستفسر بلا مبالاة «فين يعني؟»
ابتسم طاهر قائلًا وهو يجلس أرضًا في استرخاء«عند قاسم»
قالها بنظرة غامضة فحرك رؤوف رأسه وقال بلا مبالاة وبرود «كويس يا طاهر»
ضحك طاهر قائلًا بمتعة حقيقية تاركًا نظراته عند رؤوف منتظرة ومترقبة صيد انفعاله الثمين «لاه مش كويس خالص يا أخوي يا حبيبي»
أدار له رؤوف نظراته رافعًا حاجبه باستفسار غير منطوق، فتابع طاهر بمكر «قاسم بيسلم عليك وتخيل كلمني عن مين مش هتصدق»
هتف رؤوف من بين أسنانه بغيظ «متلفش وتدور يا طاهر مش طبعك اتكلم علطول»
ضحك طاهر وهو يهز رأسه مؤكدًا قوله «صح يا أخوي» ثم نظر لعينيه قائلًا «تصدق كنت مفكرك زيي مبتحبش بس يا أخي المحامين دول محدش يفهمهم»
رمقه بنظرة تحذيرية وهو يوقفه بلهجة حادة «طاهر»
ابتسم طاهر قائلًا بتشفي واضح «عرفت حاجة غير متوقعة يا متر متهيألي لو عرفت الي عرفته يا أخوي يا حبيبي مش هتتبسط خالص»
مال فم رؤوف بابتسامة ساخرة قبل أن يتهكم «وإيه هو الي عرفته يا متر يا صغير»
ضحك طاهر قائلًا معجبًا بإطرائه «لاه أخلص بس تحرياتي يا متر يا كبير وهبهرك المحامي الشاطر لازم يمسك كل الخيوط »
خرجت غزل ممسكة بكوبين فهتف طاهر وهو ينظر لعيني رؤوف «تعالي يا حبيبة أخوكي عندي ليكي خبر حلو »
#انتهى
+
مراجعة: منة أحمد
اللهُمَّ وجّهنا لما خلقتنا له، واصرفنا عمّا نهيتنا عنه، ولا تشغلنا بما تكفلت لنا به،
اللهُمَّ اجعلنا من جند الخير،
دُلنا عليك، أرشِدنا إليك، علّمنا منك، فهمنا عنك، واعِذنا من مُضلات الفتن ما أحييتنا
2

