رواية جارية في ثياب ملكية الفصل التاسع عشر 19 بقلم نرمين نحمد الله
********
الفصل التاسع عشر:
+
_المرأة بالمرأة والبادي أظلم!!
+
هتف بها الرجل وهو يسحب ساري من ذراعها خارج السيارة...
فدفع حذيفة بابه ليخرج ويتوجه نحوه هاتفاً بغضب مشتعل:
_لا تلمسها أيها الحقير....خذ ثأرك مني أنا!
+
ابتسم الرجل بسخرية مقيتة وهو يقول بتشفٍ واضح:
_ومن قال أنني لن أفعل؟!!!لكنني سأجعلك تدرك أولاً عذاب أن يعتدي أحد علي عرضك.
+
قالها ثم جذب ياقة قميص ساري بعنف ممزقاً إياه...
صرخت بفزع وهي تداري جسدها بذراعيها...
فاندفع حذيفة نحوه لكن الرجلين كبلا ذراعيه بقوة بينما تعلق بصره بغضب هادر بجسدها الذي كان يتلوي بعنف وهي تقاوم ذاك الحقير...
غلي الدم في عروقه وهو يشعر بأنه يحترق...
فانثني بجذعه فجأة في حركة سريعة ليضرب أحد الرجلين بكوعه في معدته....
تأوه الرجل بقوة وهو يبتعد عن حذيفة لتتحرر إحدي قبضتيه فيلكم الآخر في أنفه...
ثم اندفع بسرعة نحو "تابلوه" السيارة ليستخرج مسدسه ويصوبه نحوهم بسرعة خاطفة....
عدة رصاصات كانت كافية ليسقطوا أرضاً...
+
فاندفع بسرعة نحو ساري التي كانت تنتفض بشدة وهي تراقبهم بملامح مصدومة ....
الهلع يبدو واضحاً علي وجهها الذي شحب تماماً وهي عاجزة عن التنفس...
ضمها إليه بقوة يداري جسدها الذي انكشف بعضه بين ذراعيه وهو يهتف بانفعال:
_أنتِ بخير؟!
كانت عاجزة عن الرد وكل خلاياها تئن ألماً وخوفاً...
فربت علي ظهرها برفق وهو يكاد يعتصرها بين ذراعيه هامساً بندم:
_أنا آسف...آسف بحق!!
أبعدها عنه قليلاً ليخلع سترته ويضعها عليها...
دون أن ينتبه لأحد الرجال الذي استل مدية من جيبه ليقذفها بعنف نحوه ...
تأوه حذيفة بقوة والمدية تصيب كتفه...
لكنه أدارها هي ليخفيها خلف ظهره ثم صوب مسدسه ثانية نحو الرجل ليبادره بطلقة في كتفه...
صرخت ساري وهي تتلفت حولها بصدمة لا تصدق أن كل هذا حقيقي...
فجذبها حذيفة من ذراعها بسرعة نحو السيارة التي استقلت هي كرسي القيادة فيها...
لتبتعد بسرعة عن هذا المكان المشئوم...
التفتت نحو حذيفة الذي كان يضغط علي أسنانه بألم واضح...
فنظر إليها ليهمس بصعوبة:
_سامحيني يا ساري...سامحيني...
+
ظل يرددها وسط تأوهاته الخافتة فتمالكت نفسها بصعوبة وهي تحاول التماسك علي الأقل حتي تصل به لأقرب مشفي...
وبعد وصولهما ودخوله إلي غرفة الطوارئ...
وجدت القوة أخيراً لتتصل بفريدة وتخبرها بما حدث كي تطلب من أبناء عمومتها نجدة قريبة....
ثم انهارت جالسة علي كرسيها تضع رأسها بين كفيها وهي عاجزة عن تصديق كل ما حدث....
لقد كانت علي وشك الضياع هذه الليلة....
بسبب حذيفة!!!!
+
من يدريها أن ما حدث الليلة لن يتكرر...؟!!!!!
من يدريها أنه سيكون متواجداً كل مرة لينقذها...؟!!!!!
بل...من يدريها أنه قد تاب حقاً ولن يعود لعبثه من جديد؟!!!!
التمعت عيناها بتصميم وقرار واحد يملأ رأسها بقوة....
ثم رفعت رأسها نحو باب الغرفة الذي اختفي وراءه ليعود قلقها عليه يغلب عقلها وهي تهمس بتضرع:
_نجّه يارب....واحفظه لي....وليكن بعدها ما يكون....
=========================================================================
_لا أصدق أن جسار تزوج بهذه السرعة!!!
هتفت بها فوزية خالة سمية في ضيق واضح...
لقد علمت عن زواجه من آسيا منذ قليل ولازالت لا تصدق أنه فعلها بهذه السرعة....
أين ذهب إذن حبه لسمية الذي كان الجميع يشهد عليه؟!!!
+
لكن نغم ربتت علي كتفها وهي تقول بحزن:
_لا تتعجلي الحكم عليه يا أمي....سمية رحمها الله هي التي كانت تدبر لهذا الأمر بنفسها...لقد كانت تخشي عليه انهياره بعدها...وأنا رأيت بنفسي كم كان يحسن معاملتها رحمها الله...
هزت والدتها رأسها وهي تقول بشرود:
_رحمها الله كانت ملاكاً بحق...
+
أومأت نغم برأسها ثم عادت إلي غرفتها مغلقة بابها خلفها وهي تفكر بشرود...
هل تحطم تمثال الحب الذي كان في خيالها لسمية وجسار؟!!!
هل أخطأ جسار عندما بدأ حياته من جديد بعد وفاتها؟!!!
أم أنها سنة الحياة كما يقولون؟!!!
+
دمعت عيناها وهي تتذكر وصية سمية لها أن تعتني بجسار والصغير...
بعدما اختارت له آسيا بنفسها ليستكمل معها حياته...
عظيمة كانت سمية...
وأعظم منها كان هذا الحب الذي جمع بينها وبين جسار...
كم تتمني لو تكتب لها الأقدار حباً مثل هذا ...
لا ينتهي حتي آخر نفس من أنفاسها!!!!
+
ورغماً عنها تسللت صورة جسار لذهنها......
هل تراه أحب آسيا حقاً كي يقدم علي الزواج منها بهذه السرعة؟!!!
هل تراه نسي سمية كما تزعم أمها بهذه البساطة؟!!!
لا...هي لا تظن هذا أبداً...
الأمر يبدو وكأنه هناك لغز ما خلفه...
تري ....ما هو؟!!!
==================================
جذب جسار الصغير من كفه وهو يهرول إلي الغرفة التي تقيم فيها آسيا...
دخل الغرفة بسرعة ليهوله منظرها ...
جسدها كان يرتعش بقوة ووجهها كان شديد الاحمرار...
لكن جسدها كان بارداً كالثلج...
شفتاها لم تكفا عن الارتجاف وهي تهذي بنفس العبارة:
_سأموت يا أمي.
+
ظلت تردد هذه الجملة بلا انقطاع بصوتها المرتجف...
فسقط قلبه بين قدميه وهو يربت علي وجنتها بقوة هاتفاً:
_آسيا...أفيقي...
+
لكنها كانت غائبة عن الوعي تقريباً...
لا تفعل شيئاً سوي ترديد جملتها المشئومة...
صرخ الصغير بفزع:
_هل ستموت مثل أمي؟!
+
التفت إليه جسار بحدة ثم هتف بضيق:
_لا يا ياسين...إنها مريضة فقط.
+
قالها وهو يتناول هاتفه بسرعة...
لكن أنامله المرتجفة خانته ليسقط الهاتف من يده من فرط توتره...
عاد يتناوله ليتصل بالطبيب...
لكنه لم يرد بالطبع في هذا الوقت من ليل رمضان...
+
ألقي الهاتف في حركة عصبية وهو يزفر بقوة...
عندما دخل العم كساب ليفاجأ بمظهر آسيا المريع...
فهتف بجزع:
_ما الأمر يا جسار؟!
+
قام جسار من جوارها وهو يقول بخوف واضح:
_تبدو مريضة للغاية يا عمي...سأذهب لإحضار الطبيب لها.
+
قالها وهو يندفع نحو باب الغرفة ثم توقف مكانه وقد راوده هاجس مظلم...
ودعاؤها علي نفسها بالموت يعاوده ويكاد يصم أذنه...
ماذا لو تركها الآن ليعود فيجدها قد....؟!!!
أغمض عينيه بقوة يقاطع فكرته المشئومة....
لا لا...!!!!
+
ثم عاد لعمه قائلاً بضيق:
_لن أتمكن من القيادة ...أعصابي مشدودة .
+
نظر العم كساب لأنامله المرتجفةفقال بتفهم:
_سأذهب أنا بالسيارة لإحضار الطبيب...ابق أنت معها...
+
نظر جسار لياسين الصغير الذي كان يراقب آسيا بذعر...
ثم قال له بأقصي ما امتلكه من رفق:
_ياسين سيذهب مع العم كساب في رحلته بالسيارة.
+
نظر الصغير لآسيا ثم قال بحزن طفولي:
_أخشي أن أذهب فأعود ولا أجدها مثل أمي.
+
دمعت عينا جسار رغماً عنه وهو يستعيد لحظات وفاة سمية القاسية...
ثم امتلك زمام مشاعره بصعوبة ليقول له :
_ستكون بخير ...أعدك يا صغيري.
+
نظر لها الصغير بتردد لكن العم كساب توجه نحوه ليجذبه من كفه قائلاً بمرح مصطنع:
_هيا لنذهب بنزهة بالسيارة.
+
لم ينتبه جسار لرحيلهما وقد تعلقت عيناه بجسدها الذي لم يتوقف عن الانتفاض...
فاندفع ليحضر لها كمادات مثلجة...
جلس جوارها علي طرف الفراش...
ثم بدأ بوضع الكمادات علي جبينها برفق...
وهو يدعو الله بخوف أن تكون مجرد نزلة برد عادية...
+
لكن الوقت مر...
ولازال جسدها علي انتفاضته المحمومة...
وشفتاها تتمتمان بنفس الجملة التي كانت تقتله ببطء...
+
لم يدر كم مر من الوقت حتي جاء العم كساب مع الطبيب الذي تفحصها بسرعة...
شعر جسار بالضيق عندما كشف الطبيب عن بعض ملابسها ليتفحصها...
أشاح بوجهه وهو يشعر بحنق غير مبرر...
لم يشأ الاعتراف بأنها غيرة...
لكنها كانت كذلك!!!
+
أنهي الطبيب فحصه بسرعة ليقول له بقلق واضح:
_هل تتعامل المريضة مع أي نوع من الحيوانات هنا؟!
+
عقد بدر حاجبيه وهو يقول بتوتر:
_الخيل أحياناً...لكن الحيوانات هنا في المزرعة كلها تخضع للكشف الدوري بانتظام...ولم نتبين أي حالات إصابة غريبة في الحيوانات أو في البشر.
عدل الطبيب نظارته ليقول بحرج:
_أخشي أنها مصابة بفيروس (........)..إنه منتشر جدا هذه الأيام...هذه الأعراض تنطبق علي ما أعرفه عن هذا المرض...لهذا أوصي بنقلها للمشفي...فالمرض خطير وقد...
قاطعه جسار وهو يتذكر ما تتداوله وسائل الاعلام عن هذا الفيروس الخطير ليهتف بحدة:
_لن تغادر هذا البيت...انظر ما تحتاجه من امكانيات وسأحضره لها هنا...لو طلبت تحويل هذا المنزل لمركز طبي فسأفعل.
+
أجفل الطبيب من حدته فقال بتوتر:
_أنا مقدر لقلقك يا سيد بدر...لكن ...
قاطعه جسار قائلاً:
_لا يوجد لكن...زوجتي لن تغادر المزرعة.
+
هز الطبيب رأسه بتفهم ثم قال باستسلام:
_حسنا...لكن أولاً لا تدعها في غرفة واحدة مع الصغير لأجل العدوي...وسأخبرك بباقي التعليمات...
+
ازدرد جسار ريقه ببطء وهو،يقول:
_سأنقلها لغرفة أخري.
+
قالها وهو يفكر أنه سينقلها إلي غرفته مؤقتاً...
هذه الغرفة صغيرة ولن يتمكن من المبيت فيها معها...
وهو لن يقوي علي تركها لحظة واحدة بعد الآن...
لكن...
هل سيسمح أن تدخل غرفة سمية؟!!!
أن تنام علي فراشها؟!!!
هز رأسه بعنف وهو ينفض عنه هذه الفكرة...
لا وقت لهذا الترف من المشاعر...
حياتها الآن علي المحك...
وهو لن يسامح نفسه للحظة لو أصابها مكروه!!!
+
قطع الطبيب أفكاره وهو يقول :
_لو انخفضت حرارتها عند الصباح فربما لن نحتاج لنقلها للمشفي...لكنني سأحتاج لبعض التحاليل...
+
تناول منه جسار الورقة التي كتب فيها التحاليل والدواء...
ثم شكره مودعاً علي لقاء قريب في الصباح...
ذهب العم كساب ليوصل الطبيب ويحضر الدواء...
+
فيما وقف جسار يراقب ملامحها بخوف شديد...
لم يعرف أنها تحمل هذه المكانة في قلبه إلا الآن...
إنه يشعر بروحه تكاد تتمزق من أجلها..
توجه نحوها ليحملها برفق...
ثم سار بها حتي أرقدها علي فراشه...
دثرها بالغطاء وهو يتحسس وجنتها بأنامله في حنان يمتزج بالقلق..
+
ثم جلس جوارها علي طرف الفراش...
ظل يضع لها الكمادات الباردة حتي عاد عمه بالدواء فأعطاه لها...
ربت العم كساب علي كتفه وهو يلاحظ خوفه الواضح ليقول مطمئناً:
_لا تقلق يا جسار...ستكون بخير.
ثم أردف بخشوع:
_دعنا نصل الفجر وندعو الله لها...
+
أدي جسار صلاته ثم عاد إليها ليجلس جوارها علي طرف الفراش...
وهو يلاحظ هدوء جسدها أخيراً من انتفاضته...
لكن حرارتها ظلت علي عدم استقرارها....
و شفتاها كانتا ترتجفان ولازالت تهذي بنفس العبارة:
_سأموت يا أمي!
+
ربت علي وجنتها برفق وقد بدت له كطفلة بائسة تنادي أمها بخوف...
مد أنامله ببطء ليشبك أصابعه بأصابعها الباردة كالثلج...
ثم اقترب من وجهها ليهمس بحنان يغلفه خوفه الواضح:
_لا تخافي يا آسيا...سأكون دوماً معك...
ثم دمعت عيناه وهو يعاود همسه بتوتر:
_قاومي مرضك لأننا كلنا نحتاجك...ياسين يحتاجك...ووالدتك تحتاجك...
+
ثم اقترب من أذنها وهو يهمس بما كان دوماً يخشي الاعتراف به:
_وأنا .....أحتاجك !!!
+
قالها ثم ابتعد بوجهه ليعاود التطلع لملامحها الشاحبة...
هز رأسه في يأس وهو يراها لا تزال علي حالها ...
فمال علي وجهها ليلصق جبينه بجبينها هامساً بألم:
_لا تتركيني أنتِ الأخري يا آسيا...
=======================================================================
+
جلس حمزة علي حاسوبه متردداً أمام بريدها الاليكتروني...
هي لا ترد علي رسائله رغم أنه موقنٌ أنها تقرؤها...
ومع هذا يجد نفسه ضعيفاً أمام نداء قلبه في كل مرة...
قلبه الذي يلومه بحق علي تفريطه فيها....
خاصة بعدما تصالح مع عقله أخيراً بشأنها...
مارية الآن هي حلم قلبه الذي طالما تمناه ...
لكن يبدو أنه سيتعب كثيراً كي يصالح كبرياءها الذي خدشه دون قصد...
لكنه مستعد لأي ترضية...
فقط لو تمنحه فرصة جديدة...
وهو ما يشعر أنها ستفعله...
قلب مارية الطفولية البريئة لن يتلوث بحقد عليه بعدما امتلأ بحبه....!!!!
لهذا تغلب علي تردده...
وامتدت أنامله تكتب لها علي بريدها الاليكتروني:
_عزيزتي مارية...لو تعلمين كم افتقدتك...افتقدت مشاكساتنا معاً...اتساع عينيكِ انبهاراً بما أقول....ضحكة عينيكِ التي تفضح قلباً لم يعرف لؤماً ولا غدراً...روحكِ التي تشبه طفلة لا تزال تعدو حافية في حقول الورد...وكلامكِ الذي يعرف طريقه لقلبي دون استئذان...أعرف أنكِ غاضبة مني...لكنني واثقٌ أنكِ ستفهمينني لو شرحت لكِ...فهل تمنحينني فرصة...أم تكون هذه آخر رسائلي لكِ؟!!!
لو منحتِني فرصتي فسأخبركِ بمفاجأة قد تكون سارة بالنسبة إليكِ...ولو اخترتِ أن تكون هذه هي رسالتي الأخيرة فلن أزعجك ِ بعد سأبتعد متمنياً لكِ كل الخير...
ضغط زر الإرسال ثم جلس مترقباً وهو يشعر أنها ستجيبه هذه المرة....
لكنه عاد يشعر بالخيبة والدقائق تمضي ببطء دون أن يصله ردها....!!!!
+
وعلي سريرها كانت مارية تقرأ رسالته ودموعها علي خديها....
قلبها يتوسلها أن تجيبه....
أن تسمع منه...
أن تعرف مفاجأته التي يحكي عنها...
لكن كبرياءها يمنعها...
هو تخلي عنها...
هو جرحها في أنوثتها يوم رفض حبها...
وبينهما كان عقلها حائراً لا يدري هل كان حمزة مخطئاً حقاً عندما رفض حبها بهذه الطريقة....؟!!!!
أم أنه فعلها لكي يكون دافعها نحو التغيير نابعاً من نفسها هي...
وليس من أجل عاطفة أو شخص؟!!!!
+
تنهدت في حرارة ثم ضغطت علي شفتيها لتهمس بعدها بشوق:
_افتقدتك يا حمزة...افتقدتك جداً...
ورغماً عنها استجابت أناملها لنداء قلبها لتجد نفسها تكتب له :
_حمزة!
+
ابتسم في حنين جارف وهو يقرأ كلمتها اليتيمة....!!!!
حمزة ...هكذا فقط؟!!!!
كلمة واحدة لكنها جعلت قلبه يتقافز بين ضلوعه بجنون...
وهو يتخيل كيف كانت تهمس بها بطريقتها المميزة فتكاد تذيبه من فرط حلاوتها من بين شفتيها....
اتسعت ابتسامته وهو يشعر بكلمتها تفضح شعورها الآن...
نعم...ماريته غاضبة...لكنها لا تريد أن تفقده...
لا تريد أن تحدثه...فاكتفت بكلمة تفتح له الطريق دون وعود...!!!!
كلمة واحدة...لكنها تكفيه...!!!
+
لهذا كتب لها بسرعة:
_شكراً يا ماريتي...هي كلمة واحدة لكنها تكفيني...مفاجأتي لن أخبركِ بها بل سأجعلكِ ترينها بنفسكِ...لكن أخبريني أولاً...هل عمكِ متواجدٌ غداً في المنزل؟!! سأرسل إليه شيئاً في الثامنة مساء بالضبط...
+
اتسعت عيناها في ترقب وهي تقرأ ما يكتبه....
أي مفاجأة سيرسلها لعمها في الثامنة...؟!!!
التمعت عيناها بفرح وهي تهتف بالانجليزية دون وعي:
_أووووه!!! حمزة سيبقي مشاكساً كعهده!
+
لكنها كلماتها ناقضت شعورها المشتعل وهي تكتب له باقتضاب:
_سأنتظر مفاجأتك.
اتسعت ابتسامته وهو يقرأ ردها المقتضب يتخيلها تزم شفتيها كطفلة غاضبة...ثم كتب أخيراً:
_تصبحين علي خير يا ماريتي.
+
رفعت هاتفها المحمول لشفتيها تقبله بعنف عدة مرات متتابعة...
ثم ألقت ظهرها علي الفراش تتطلع للسقف هامسة بهيام:
_أحبك يا حمزة....أحبك...أحبك....
+
بينما عاد هو بظهره للوراء يتأمل كلماتها المقتضبة وهو يشعر بسعادة لا متناهية...
برغم أنها لم تبح بشئ لكنه يكاد يتنفس عبير اشتياقها عبر حروفها القصيرة...
لكنه مشبعٌ برحيق كبريائها هذه المرة...
وما أروعه من مزيج...!!!!
مزيج خاص بطفلة تعرف متي وكيف تحمل سحر أنوثة امرأة....!!!!
+
طرقات عنيفة علي باب غرفته قطعت أفكاره...
فانتفض من مكانه ليفتح الباب فتواجهه فريدة هاتفة بجزع:
_أدرك حذيفة يا بنيّ!
====================================================================
تململت جوري في نومها وهي تشعر بالأرق...
كم اشتاقت نومتها جواره...
وهمساته العاشقة التي تدغدغ كيانها كله....
لكنها -للأسف-مضطرة للابتعاد عنه حتي تتحسن صحة النجدي الكبير...
ساعتها سيفاتحه عمار في أن تعود إليه لأجل الطفل....
تنهدت في حرارة وهي تتطلع لسرير ساري الخالي...
تري أين ذهبت حتي هذه الساعة...؟!!!
لاريب أنها مع حذيفة...
فقد رأته يخرج خلفها بسيارته....
ساري وحذيفة عاشقان كما هي وعمار!!!
+
ابتسمت ابتسامة حالمة عندما وصلت أفكارها إلي هذه النقطة...
ثم اتسعت ابتسامتها لتحمل شقاوة لذيذة وهي تنفض غطاءها...
ثم تسللت من غرفتها ببطء لتخرج إلي صالة المنزل...
فتحت الباب بحذر لتعيد إغلاقه ببطء شديد...
ثم صعدت السلالم بخفة نحو شقتهما التي يقيم فيها وحده الآن...
رنت الجرس رنة قصيرة وهي تدعو الله أن يكون مستيقظاً مثلها في هذه الساعة...
+
وعلي فراشهما كان عمار غارقاً في شروده فيها....
رغم سعادته بمشاعرها الجديدة نحوه وبطفلهما المنتظر...
لكنه يشعر أن ثمة شئ ما خطأ...
ربما فعلتها القديمة والتي لا يعلم حتي الآن مع من كانت ستنفذها....
وربما عدم ثقته في صحة شعورها المستحدث نحوه....
وربما هو خوفه من تداعيات الأمور لو رفض قاسم النجدي عودته إليها..
قام من فراشه وهو يزفر بقوة ثم ضم قبضته قائلاً بغلظته المعهودة:
_أنتِ لي يا جوري ولو حاربت الدنيا كلها لآخر نفس!
+
سمع صوت الرنة القصيرة للجرس فقام يفتح الباب مترقباً ليجدها أمامه...
ابتسم رغماً عنه وهو يري ارتباكها اللذيذ وكأنها فتاة مراهقة خرجت للقاء عشيقها...
خاصة عندما همست بصوت خفيض:
_هل كنت نائماً...هل أزعجت.....؟!!!
قطع عبارتها وهو يسحبها من ذراعها بقوة ليعتصرها بين ذراعيه مغلقاً الباب خلفها...
أخفت وجهها في صدره بينما زاد هو من قوة ضمه لها وهو يدفن أنفه في شعرها...
فهمست بدلال:
_عمار...أنت توجعني!
+
رفع ذقنها إليه لينظر لعينيها حبيبتي صباه وشبابه ...
بل حبيبتي عمره كله ...
نظراته حملت عاطفة بكراً نقية لم ولن يعرفها إلا لها...
ولأنها كانت كذلك اخترقت قلبها بقوة قاهرة مثله ليدق بعنف داخل صدرها...
خاصة عندما همس هو بعتاب خشن:
_طالما أوجعتني يا جوريتي.!!!مدت أناملها ببطء تتلمس شفتيه وهي تهمس برقتها الفطرية:
_اشتقت لهمسات العشق من شفتيك هاتين تحملني لدنيا أخري...
رفع أنامله تحتضن كفها الملامس لشفتيه ...
ثم قبل أطراف أناملها بهيام....
وعيناه في عينيها تأبيان مغادرة سجنهما القديم فيهما....
لا يصدق أنها هنا معه...
هي التي جاءته بقدميها....
تقول أنها اشتاقته بهذه الطريقة وبهذا الإحساس....!!!!
اقترب بوجهه من وجهها ليهمس أمام عينيها بصوت متهدج:
_جوري أنتِ حقاً هنا؟!! جئتني وحدكِ دون ضغط ودون قيد....جئتني لأنكِ....
+
عجز عن إتمام عبارته مع كل هذا الطوفان من المشاعر الذي كان يكتسحه وقتها....
والذي شعرت هي به فأحاطت وجهه بكفيها وهي تهمس بحنان:
_نعم...يا عمار...بإرادتي ودون ضغوط...أتيتك لأني....
+
صمتت لحظة شعرت فيها أن قلبه يكاد يرجوها أن تكملها...
قلبه الذي تكاد تسمع صوت دقاته الهادرة الآن...
ولم تكن لتخيب رجاءه أبداً...
ابتسمت في خجل وهي تردف بدلال يمتزج بعاطفتها:
_أحبك يا عمار.
+
اتسعت عيناه للحظة قبل أن يغمضهما بقوة...
وقدكان هذا آخر ما وعته هي...
قبل أن يميل بشفتيه علي شفتيها فيغرقها في طوفان عاطفته المجنون الذي افتقدته...
لتتواري كل أفكارها ويغيب عنها الإدراك....
مأخوذة بدفء لمساته التي حملتها للعالم الوردي الذي طالما تخيلته في أحلامها....
والآن تجده معه أجمل وأجمل!!!
+
وبعدها بدقائق طويلة كان هو جوارها علي فراشهما يتطلع لوجهها الذي كان يصلح الآن كصورة مجسدة للسعادة والخجل...
اتكأ علي جانبه ليشرف علي وجهها من علوّ...
ثم داعبت أنامله شعرها وهو يهمس بخفوت:
_شعر جوري الذي يشبه لونه ليل أيامي دونها...
انتقلت أنامله لعينيها اللتين أسبلتهما في خجل فلامسهما بخفة مروراً برموشها الكثيفة ليردف بنفس النبرة:
_وعيناها اللتان أجادتا احتلالي حتي ما عدت أطمع في حريتي بعيداً عنهما....
فتحت عينيها ببطء وابتسامة هانئة ترتسم علي شفتيها اللتين انتقلت إليهما أنامله وهو يردف:
_وشفتاها اللتان أقرأ عليهما أقدار عذابي...وأقدار فرحي....
مدت كفها تتناول أنامله لتضعها علي وجنتها هامسة :
_هل تدري قيمة أن تقول -أنت-لي هذا الكلام؟!!!! عمار الغليظ تغير لأجلي...عمار صار يجيد الغزل لأجل جوريته...
دمعت عيناها في عبارتها الأخيرة...
فمال بوجهه يلصق جبينه بجبينها وهو يتأوه قائلاً:
_ولمن سواكِ أفعلها أنا؟!!!
+
اتسعت ابتسامتها الهانئة وهي تشعر بزغاريد قلبها تدغدغ ضلوعها برقة...
أين كنت أنا غافلة عن فيض حبك هذا يا عماري؟!!!
أين كنت؟!!!!
+
قطعت أفكارها عندما سمعت صوت الجرس فشهقت بقوة وهي تهمس بخوف:
_من ؟!!!
ربت علي وجنتها برفق ثم قام بسرعة ليقول بصوت عادت إليه خشونته:
_لماذا خفتِ هكذا؟!!! أنتِ هنا مع زوجك.
تشبثت بغطائها وهي تهمس بارتباك:
_لكن...ألم نتفق أن نخفي الأمر حتي يتحسن جدي؟!!! أرجوك يا عمار...
أشاح بوجهه في ضيق ثم قال لها بغلظة:
_ابقي هنا حتي أري من الطارق.
+
توجه نحو الباب يفتحه ليطالعه وجه حمزة القلق:
_حذيفة وساري في المشفي....هيا لنذهب إليهما...
====================================================================
+
فتح حذيفة عينيه أخيراً ليراقب الوجوه المجتمعة حوله بنظرات زائغة.....
فهتفت فريدة بلهفة:
_حمداً لله علي سلامتك يا بني.
دار بعينيه باحثاً عنها لكنها لم تكن هناك....
كل العائلة كانت حوله عداها هي !!!
حتي قاسم النجدي تحامل علي نفسه ليقوم من رقدته ويطمئن عليه...!!!!!
وهي لم تفعل!!!
ازدرد ريقه الجاف بصعوبة وهو يهمس:
_أين ساري؟!
ربتت فريدة علي كفه وهي تقول بحنانها المعهود:
_ساري بخير يا بني ....لا تقلق...هي فقط ...قلبها لم يطاوعها أن تراك في هذه الحالة....
تلعثمت في عبارتها الأخيرة فأدرك حذيفة أن في الأمر سراً....
التفت نحو جده الذي تقدم نحوه ليقول بصوته المسيطر:
_استرد عافيتك وبعدها سيكون لنا حديث طويل عما حدث هذه الليلة....
+
أغمض حذيفة عينيه وهو يشعر بالاختناق...
كل أحداث الليلة الفائتة لم تغادر مخيلته ...
ساري كادت تضيع بسببه...
بسبب خطايا ماضيه الأسود...
فكيف ستكون ردة فعلها تجاه الأمر؟!!!!
قد يتحمل غضب جده وقسوة لومه...
وقد يتحمل عتاب العمة فريدة الصامت...
لكن كيف سيحتمل النظر في عيني ساري بعد....؟؟!!!
ساري التي يبدو أنها لن تمرر الأمر بسهولة كعادتها...
ويحق لها أن تفعل!!!
+
لكن كيف استطاعت تركه في هذه الظروف؟!!!
هل غلب كبرياؤها قلبها هذه المرة حتي قويت علي التخلي عنه في هذا الوقت؟!!!!
لن يلومها لو فعلت...
أي امرأة مكانها كانت ستطرده من حياتها بعد هذه الحادثة!!!!
+
لكن...ساري ليست كأي امرأة...
ساري تحبه...بل تعشقه...
فهل يشفع حبه لديها كي تتجاوز عن الأمر هذه المرة؟!!!!
هو لا يدري...
لكن قلبه يوشك علي الاحتراق بذنبه وترقبه ولوعته!!!!
+
وعلي أرجوحتها القديمة علي السطح كانت هي تجلس شاردة...
تضم دميته إلي صدرها وهي تسترجع كل ذكرياتهما...
قلبها يستحلفها أن تذهب وتطمئن عليه...
نظرة واحدة من خلف الباب وبعدها تعود دون أي كلمة.....
لكن عقلها كان يعنفها بهيمنة مسيطرة في هذه اللحظات...
كفاكِ تعلقاً بحبال واهية أيتها الغافلة...!!!!!
هذا هو حذيفة....وهذه هي حياته....
عالم أسود من الخطايا لم يكتفِ فيه بنفسه...
بل وجدتِ نفسكِ عالقة معه...
ولولا ستر الله بالأمس لكنتِ الآن في أسوأ حال يمكنكِ تخيله...!!!
+
حذيفة النجدي لا يصلح لكِ...
حتي لو امتلك قلبكِ بقبضة من حديد...
لكنه سيبقي القطب المضاد لمبادئك وأخلاقك وعقلك....
حمقاء أنتِ لو ظننتِ الحب يكفي...
لا يا صغيرة...
إنه حقاً لا يكفي وحده دون رصيد كافٍ من احترام واهتمام وثقة...
وقبلهما غطاء من اقتناع عقلكِ بدقات قلبك العاشق!!!!
+
عذراً يا حذيفة...!!!
ما عاد لي طاقة في إكمال هذا الطريق معك...
لن أنسي هذه الليلة أبداً...
ليلة بدأتها تتوعد شقيقتي بالقتل تزعم أنك تحافظ عن شرفك...
وأنهيتها تدافع عن شرفي الذي كاد ينتهك بسببك...
فيالظلمك يا حذيفة!!!!!
لقد تآمر عليك ماضيك ليفضح ازدواجية فكرك...
ويريني أنك لن تتغير...
وأن صورتي عنك ستبقي كما كانت...
أنت وجع قلبي وعقلي يايا حذيفة...
لكنني لن أسمح لك أن توجع كبريائي بعد!!!!!
==================================================================
غادر ياسين المشفي بعد زيارته لحذيفة متجهاً لفيللا عاصم الهاشمي حيث لازال يقيم مع رقية...
استقبلته رقية بلهفة وهي تسأله بقلق:
_ما الأخبار يا ياسين؟!!!
ضمها إليه بقوة وقد عجز عن الحديث...
الأحداث اشتعلت فجأة والعائلة كلها علي صفيح ساخن...
رفعت رأسها إليه تتأمل ملامحه المنهكة...
هي تشعر الآن بما يدور برأسه...
الحرب أعلنت في جميع الجبهات ولن يستطيع أحد سد كل تلك الثغرات...
في البداية كانت كارثة جوري وعمار الذي طلقها بعدما عادت إليها الذاكرة والنطق...
ثم فضيحة آسيا التي استوجبت عودة حمزة ليفصل بنفسه في الأمر الذي رآه قاسم النجدي حقاً شخصياً له...
ثم حادثة ساري التي كادت تتعرض للاغتصاب بسبب عبث حذيفة ومجونه وهو ما لن يمرره قاسم النجدي بسهولة...
ومن يدري ما الذي تخبئه لهم الأيام بعد؟!!!!
جذبته من كفه لتجلس علي الأريكة وتضم رأسه إلي صدرها بذراعيها هامسة بحنانها الممتزج بقوتها:
_لا بأس يا يا سين...صدقني ستمر الأمور بخير...قليل من الحكمة فقط هو ما تحتاجه العائلة لتجاوز هذه الأزمة...لقد أحسن جدك عندما أوكل الأمور لحمزة...عقلية قاسم النجدي بتسلطها لن تصلح لحل الأمور....
1
رفع ياسين رأسه إليها وهو يقول بصوت متعب:
_كل الأمور الآن متشابكة...هل تعلمين أنها المرة الأولي التي أشفق فيها علي جدي؟!!!!
ربتت علي رأسه وهي تقول بأسف:
_لقد فعل كل هذا للحفاظ علي أحفاده....والآن يجد حبات العقد كلها انفرطت من يده....
+
أومأ برأسه إيجاباً ثم قال لها بحزم لا يخلو من رجاء:
_حان وقت عودتنا لبيت العائلة....لم أعد قادراً علي تركهم في هذه الظروف....
أومأت برأسها إيجاباً وهي تقول بحنان:
_معك حق...هيا لنذهب معاً...
+
وبعدها بقليل كان يفتح باب شقتهما ليدخل ويده في يدها...
أغلق الباب برفق ثم استوقفها لينظر في عينيها هامساً بعاطفة صادقة:
_اليوم تدخلين لبيتي عروساً بحق...عروساً امتلكت قلبي بعدما احتلت حصون روحي كلها...
+
ابتسمت في خجل وهي تطرق برأسها ...
فانحني ليحملها بين ذراعيه وعيناه معلقتان بعينيها وكأن بينهما رباط لن ينفصم أبداً...
سار بها حتي وصل إلي خزانة ملابسها فأنزلها برفق...
ثم فتح الخزانة ليستخرج ثوب زفافها أمام عينيها المترقبتين...
فضه من غلافه ثم قال لها برجاء:
_أعرف أن التوقيت ليس مناسباً...لكنني أحتاج أن أراكِ اليوم عروساً بحق...
+
ابتسمت في خجل وهي تومئ برأسها إيجاباً...
ربما في ظروف أخري ما كانت لتخلع الأسود حداداً علي والدها أبداً ...
لكنها تشفق علي ياسين...
ياسين الذي تدرك الآن حجم الضغوط عليه...
تدرك أنه يحتاج إليها الآن لتكون فرحة قلبه التي تسنده في مواجهة كل هذا...
وهي أبداً لن تخذله!!!
+
خرجت إليه بعد دقائق لتجده ينتظرها في صالة الشقة ...
تلقاها بين ذراعيه يتأملها بثوبها الأبيض الذي بدت فيه كنجمة ماسية ....
وضع كفيه علي خصرها فتعلقت بعنقه وتلك الأنغام الخافتة تنبعث من مكان ما ...
فهمست بدهشة:
_أليست هذه...؟!!!!
أومأ برأسه إيجاباً وهو يهمس أمام عينيها:
_نفس الأنغام التي رقصنا عليها أول مرة....عندما وعدتكِ أن أعترف لك بحبي اعترافاً يليق بكِ...
+
ابتسمت وهي تشعر بقلبها يكاد يتوقف ....
عندما جثا علي أحد ركبتيه أمامها ليهمس بحب:
_هل تقبلين حبي يا سيدتي؟!!
1
اتسعت عيناها في دهشة للحظة...
ثم جذبته من كفه ليقف أمامها من جديد وهي تهمس بانفعال يمتزج بعاطفتها:
_لا تفعلها ثانية يا ياسين...ياسين النجدي لا يليق به هذا...
ابتسم في حنان وهو يضمها إليه ليهمس أمام شفتيها بعشق جارف:
_لأجل رقية الهاشمي فقط أفعلها....رقية التي تستحق أن تنحني لها الجبال وتتوقف من أجلها مدارات النجوم...رقية التي يوزن قلبها بمثاقيل الذهب والألماس...رقية التي سحرتني بقوتها قبل حنانها...وبروحها التي تشبه الملائكة في رقتها...ويغار من نعومتها الورد....
عضت علي شفتيها في خجل...
فاقترب بشفتيه من وجهها يتلمس بشرتها بقبلات خفيفة هامساً بين كل قبلة وأخري:
_رقية حبيبتي...
أغمضت عينيها بقوة وهي تشعر بنفسها تكاد تذوب بين ذراعيه...
ثم رفعت كفها لتضعه علي صدره هامسة بحنان:
_ياسين...حبيبي.
ابتسم في سعادة وهو يرفعها من خصرها ليدور بها هاتفاً بفرحة عاشق:
_أخيراً يا رقية....أخيراً سمعتها منكِ بأذني!!
+
ضحكت في خجل وهي تتشبث به هامسة باعتراضٍ واه:
_أنزلني يا يا سين.
ظل يدور بها وهو يهمس في أذنها برقة:
_أبداً حتي تقوليها ثانية.
3
ألصقت خدها بخده مغمضة عينيها وهي تكاد تقسم أنها لم تشعر بهذه السعادة من قبل ....
لتهمس بقلب غارق في نشوة حبه:
_حبيبي يا ياسين!!
=====================================================================
لم يدر كم مر من الوقت عليه وهو جالس جوارها علي الفراش...
يشبك أنامله بأناملها وكأنه يتشبث بها خوفاً من أن تتركه وترحل...
ورغماً عنه وجد نفسه يغوص في بحر ذكرياته معها...
منذ رآها أول مرة خائفة وحيدة في الطريق...!!!
+
وكيف دخلت حياته بمحض صدفة لتكون هدية القدر له ولسمية...
فخبرتها الطبية رغم أنها محدودة ...
لكنها كانت أكثر من كافية في تلك الأيام التي كانت تحتاجها فيها سمية...
كما أنها رفعت عن كاهلهما حمل ياسين الصغير الذي تعلق بها ....
فكانت تشده لدنياها بعيداً عن الجو الكئيب للمنزل ...!!
+
وحتي بعد وفاة سمية...
كانت تستمع لشكواه بصبر ....
وتشاركه حزنه علي تلك التي اعتبرتها شقيقتها وليست مجرد صديقة عابرة!!
وازدادت عنايتها بالصغير وكأنها استشعرت أن دورها معه قد تعاظم لتكون هي له أماً بعد أمه!!
+
دمعت عيناه وهو يشعر لأول مرة بعظم الدور الذي قامت به لأجله ولأجل صغيره..
لكنه -هو-لم يرد لها شيئاً من معروفها بعد!!!
حتي عندما تزوجها لأجل أن يحميها...
فوجئ باعترافها بحبه لعمه فجعله هذا يعاملها بقسوة وجفاء...
وهي التي كانت أحوج ما تكون لعطفه وتفهمه في وحدة روحها هنا!!!
+
ضغط علي أناملها أكثر وهو يهمس بحزن:
_كم تحملتِ الكثير يا صغيرة...اعذريني لأنني تركتك تعانين وحدك طوال هذا الوقت...
ثم رفع أناملها المشتبكة بأصابعه ليقبلها هامساً بصدق:
_لن أتركك وحدك بعد يا صغيرتي...
+
ربت علي جبينها بكفه الحر...
ثم تنفس الصعداء ...
لقد استقرت حرارتها أخيراً لعل هذا يعني خطأ تشخيص الطبيب...
+
لم يكد يتم فكرته حتي سمع طرقات خفيفة علي الباب...
ثم دخل العم كساب ومعه الطبيب الذي تفحص آسيا باهتمام...
ثم قال بارتياح:
_لقد كذب ظني...لكنني لن أتأكد تماماً إلا بعد رؤية تحاليلها كلها....لكن الوضع الآن تقريباً مطمئن.
+
تنهد العم كساب في ارتياح وهو يحمد الله بصوت مسموع....
فيما ظل جسار عاقداً حاجبيه بقلق...
لن يطمئن حتي تفتح عينيها وتفيق من هذيانها هذا...
لن يطمئن حتي يعود صوتها العذب يداعب أذنه برقته الآسرة...
+
لهذا سأل الطبيب بتوتر:
_لماذا لم تفق إذن؟!
+
هز الطبيب رأسه برفق وهو يقول بهدوء:
_مسألة وقت...لا تقلق.
+
ظل جالساً جوارها حتي أذان الظهر...
قام ليؤدي صلاته ثم عاد إليها ليشبك أنامله بأناملها من جديد...
شعر بألم حاد في ظهره فهو لم ينم ليلته السابقة كلها....
لكنه نسي ألمه كله عندما رآها تفتح عينيها ببطء ثم تتأوه بضعف....
فهتف بلهفة:
_آسيا...أنتِ بخير؟!
+
عادت تتأوه بقوة أكثر...
وهي تهمس بألم:
_رأسي يؤلمني...جسدي كله يؤلمني.
+
ربت علي وجنتها برفق وهو يهمس بإشفاق:
_لا بأس...ستكونين بخير.
+
نظرت حولها في دهشة ثم همست بخفوت:
_أين أنا؟!
+
عاد يربت علي وجنتها بكفه الحر وهو يهمس بحنان:
_أنتِ في غرفتي.
+
عقدت حاجبيها وهي ترفع كفها الذي اشتبك بكفه ...
ثم نظرت إليه طويلاً...
وكأنها تطالبه بتفسير...!!!!
لكنه ظل علي احتضانه لأناملها بأنامله وهو يملأ عينيه من ملامحها بعدما كاد يقتله خوفه عليها...
ثم همس برفق:
_استريحي ولا تفكري بشئ...أنتِ متعبة وتحتاجين للراحة.
+
أغمضت عينيها من جديد وكأنها كانت تنتظر كلمته...
لتهمس بخفوت:
_شكراً.
+
قالتها وعادت لسباتها العميق....
فابتسم في حنان وهو يشعر أنه قد اطمأن عليها...
لكن آلام ظهره عادت تزعجه بشدة...
فقام من جوارها ليترك كفها مجبوراً...
ثم سحب الأريكة الجانبية برفق ليضعها جوار سريرها...
تمدد علي الأريكة وهو يتأوه بضعف...
لكنه عاد يبتسم في ارتياح وهو يشعر أن هماً كبيراً قد أزيح من علي ظهره...
مد كفه ليمسك كفها المستلقي علي السرير...
ثم أغمض عينيه أخيراً ليسقط في نوم عميق...
كانت هي فيه بطلة أحلامه دون منازع!!
=======================================================================
جلست مارية في صالة منزل عمها تترقب الباب ...
عقارب الساعة تعاندها وتسير ببطء شديد منذ ليلة الأمس...
وهي تترقب مفاجأته التي سيرسلها لها...
تري ماذا ستكون؟!!!!
قلبها يكاد يتوقف قلقاً وترقباً...
لكنها لا تنكر سعادتها بكل هذا...
حمزة عاد لحياتها ومعه كل الألوان التي افتقدتها أيامها الباهتة دونه.....
ورغم غضبها منه...
وتوعدها الدائم له...
لكنها لا تنكر اشتياقاً يكتسحها بقوة....
وحباً يتملكها بجنون!!!!
+
رن الجرس أخيراً فانتفضت من مكانها وهي تعدل حجاب رأسها لتفتح الباب...
شهقت بعنف وهي تراه أمامها مبتسماً...
تجمدت مكانها بعدها للحظة...
لا تصدق أنه هنا حقاً....
حمزة الحبيب...هنا؟!!!!
معها؟!!!!
+
همست باسمه دون صوت تقريباً....
ثم لم تتمالك نفسها وهي تندفع دون أي تفكير لتلقي نفسها علي صدره....
وهي تضمه بذراعيها بقوة....!!!!!
+
ضم كفيه جواره مقاوماً رغبته في احتضانها هو الآخر...
ورغم مفاجأته السعيدة بما فعلته ابتسم في حنان وهو يبعدها عنه هامساً بصوته الآسر:
_ليس بعد يا ماريتي...عندما يكون من حقي أن أزرعك في ضلوعي فلن أتركك أبداً!!
+
انتبهت بدهشة لما فعلته بعدما تراجعت صدمتها...
لتتخضب وجنتاها بحمرة قانية وهي تتمتم بارتباك:
_عفواً ....كيف جئت؟!! أعني لماذا؟!....أنا....
+
كادت تهمس باشتياق أنها افتقدته...
لكنها تراجعت وهي تشعر بالخجل من اندفاعها الأحمق هذا....
لكنه قرأها في عينيها الصادقتين....
فنظر إليها هامساً بحب تراه في عينيه لأول مرة:
_وأنا افتقدتكِ أكثر !!
ثم أردف بسعادة واضحة وقد أدرك الأمر -لتوه-:
_لقد صرتِ تتحدثين العربية كأهلها....
أطرقت برأسها في خجل فعاد يهمس بافتتان وعيناه تدوران علي ملامحها التي يحتضنها حجابها برقة:
_ماريتي تبدو ملكة بحجابها...لا تتصوري سعادتي وأنا أراكِ به لأول مرة...
لم تستطع رفع وجهها إليه وهي تشعر بقلبها يكاد يسبقها إليه...
تأمل شكلها -الجديد-عليه بإعجاب واضح...
مارية اختارت طريقها وحدها...
ليس كي تسترضي عاطفته...
ولا كي تجرب شيئاً جديداً بدافع المغامرة....
بل فعلتها اقتناعاً به ...
وهذا ما رفعها بعينيه أكثر...
الآن يتصالح قلبه وعقله بشأنها...
فما عاد من صراع بينهما....
الآن يحارب الدنيا من أجلها....
نعم...معركته لأجل الشقراء الأجنبية لن تكون سهلة مع قاسم النجدي الذي لازال يطمح في زواجه بآسيا عندما يعيدها....
هذا الأمر الذي تأجل بسبب حادث ساري وحذيفة...
لكنه لن يحتمل التأجيل أكثر....
يجب أن يذهب بنفسه لجسار القاصم...
ليسترد ابنة عمه بأقل خسائر ممكنة....
هو يعلم أن المواجهة قد تكون دامية...
لكنه سيحاول أن يجنح للسلم قدر المستطاع!!!!
+
نفض أفكاره البائسة عن آسيا وصراعها مؤقتاً...
ثم اتسعت ابتسامته الحنون وهو يهمس لها بمرحه المشاكس كعادته:
_هل ستتركينني هكذا واقفاً علي الباب؟!!! أريد مقابلة عمك فلديّ حديث معه....
+
رفعت إليه عينين خجلتين ثم فردت له ذراعها لتغمغم بارتباك:
_تفضل...سأخبر عمي...
دلف إلي الداخل بخطوات ثابتة حتي جلس علي أحد الأرائك منتظراً رياض.....
صافحه رياض بحرارة عندما علم من مارية أنه كان زميلها في لندن مع الدكتور آدم...
وبعد عبارات الترحيب المعتادة...
دخل حمزة في الموضوع مباشرة ليقول بتهذيب واضح:
_أنا تقدمت لخطبة مارية من والدها....لكنه أرجع الأمر كله إليها...لهذا جئت إلي هنا لكي أطلب يدها من جديد ...
+
شهقت مارية للمفاجأة وهي تضع كفها علي شفتيها ....
بينما عقد رياض حاجبيه بضيق....
لقد كان يخطط لزواج مارية من زياد عندما يعود....
وظهور حمزة يربك مخططه هذا....
+
لكن حمزة لم ينتبه لضيقه وهو يقول بأسف:
_لدي بعض الأمور العائلية المرتبكة تجعلني غير قادر علي إتمام الأمر الآن....لهذا فسأضطر لتأجيل زيارة عائلتي....أنا فقط أردت إبلاغكم برغبتي .
ازداد انعقاد حاجبي رياض وهو يشعر بعدم الارتياح...
الشاب يبدو طيباً ويبعث علي الارتياح...
لكنه كان يريدها لزياد...
صفية ستجنّ لو علمت أنها ستضيع من يده....
وفوق كل هذا حديث حمزة عن عائلته لا يبشر بخير...
لكن مارية قطعت حيرته وهي تهتف بقوة:
_أنا لا أوافق!
+
نظر إليها حمزة مصدوماً...
بينما نقل رياض بصره بينهما بحيرة وهو لا يفهم ما الذي يجري بالضبط...
فقالت مارية لرياض برجاء:
_دعني مع الدكتور قليلاً يا عمي من فضلك.
+
تركهما رياض وحدهما مستسلماً لرغبتها...
فالتفت لها حمزة قائلاً بعتاب:
_لماذا يا مارية؟!!
+
سالت دموعها علي خديها وهي تهمس بانفعال:
_لأنني لست لعبة في يدك...أنت تخليت عني...ورفضت حبي...أنت...
+
قاطعها قائلاً بحزم يمتزج بحنانه المعهود:
_افهميني يا مارية...أنا لست الرجل الذي يسير خلف قلبه بعيداً عن نداء واجبه وعقله....أما عن عقلي فأنتِ تعلمين أنني قابلتكِ في حالة كنتِ فيها أنتِ نفسكِ مشتتة....تائهة...أنا أشرت لكِ علي الطريق لكنني لم أشأ أن أكون المكافأة الوحيدة التي تنتظركِ في آخره...بل أردت أن تختاريه باقتناع بعيداً عن أي ضغوط...وأما عن نداء واجبي فأنا التقيتكِ في أسوأ ظروفي...ربما لا تتفهمين ما أقول لكن واجب العائلة في عرفنا يعلو علي كل شئ...
+
عقدت حاجبيها في تساؤل...
فاندفع يحكي لها كل شئ...
بداية من الثأر الذي هرب لأجله...
ومروراً برغبة جده في تزويجه من آسيا...
ثم قصة انتحارها المزعوم بعدها...
وانتهاء باكتشافهم لوجودها في منزل غريمهم والذي هو كارثة وحدها يعلم الله كيف ستنتهي...
+
هزت رأسها بذهول وهي تهمس :
_هل تعني أنك ستستعيدها من بيت هذا الرجل لتتزوجها كي ترضي عائلتك؟!!!
+
نظر إليها طويلاً ثم قال بحزم:
_ربما لو لم تكوني أنتِ لكنت استجبت لرغبة جدي وفعلت هذا....لكنني الآن لن أتخلي عنكِ مهما حدث...حتي لو وقفت ضد رغبة جدي...
أطرقت برأسها وهي عاجزة عن الرد...
تتابع الأحداث السريع هذا صدمها...
رغم سعادتها بعودة حمزة وطلبه لخطبتها...
لكنها ممزقة الآن بين قلقها عليه بسبب موضوع الثأر هذا....
وخوفها من أن يجبره جده علي الزواج بابنة عمه...
+
وأمامها كان هو صامتاً مراعياً حيرتها...
ينتظر قرارها الذي يترقبه قلبه بلهفة...
حتي رفعت رأسها إليه تسأله بحيرة عاتبة:
_لماذا عدت إليّ يا حمزة؟!!
كانت تنطق اسمه بهذه الطريقة التي يعرفها عندما تبدل الحاء هاء.....
فرفع أحد حاجبيه وهو يقول بمشاكسته المعهودة كما كان يقولها لها دوماً:
_لو نطقتِها صحيحة فسأخبرك...
+
وقفت لتتوجه نحوه فقام واقفاً ليقابلها بوجه يمتلئ بعاطفة صادقة...
نظرت لعينيه طويلاً ثم ضغطت علي حروفها وهي تعيد سؤالها ناطقة اسمه بطريقة صحيحة...
صحيحة تماماً...!!!!!
ارتفع حاجباه في دهشة للحظة...
ثم ابتسم هامساً في تأثر:
_أنتِ نطقتِها صحيحة يا ماريتي؟!!!
+
ابتسمت وسط دموعها لتهمس برقتها الآسرة:
_لأجلك تعلمتها يا حمزة....والآن أخبرني لماذا عدت؟!
+
رفع ذراعيه نحوها بلهفة وكأنه سيهم باحتضانها...
ثم جمدهما مكانهما في آخر لحظة...
ليهز رأسه بانفعال واضح هامساً بعشق فياض :
_لأني أحبك يا ماريتي...لأني أحبك...!!!!
********
انتهى الفصل
+