رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الثامن عشر 18 بقلم سارة علي
الدنيا دفتر الإنسان ، أجمل بداياتها الصدفة .... أروع مواضيعها الصراحة...أحلى سطورها الذكريات ...أغلى اوراقها الوفاء ...الوفاء يرتبط بالمشاعر الصادقة وليس بنوع البشر فهناك من يخلص لك عمرا وهناك من يبيع كل شيء في اقرب مزاد ..الوفاء نغمات تتراقص على أوتار القلوب بخفة تتسلل الى منافذ الروح بمنتهى الرقة .. الوفاء هو النشيد للغة ، الاحساس لغة لا يتغنى بها كل البشر ، لايستشعر الجميع عظمتها ولا يستطيع الجميع أن يفهمها .. بين البوح والصمت تظل الكلمات أسي بين حنايا القلوب في أبعد زوايا النفس والعقل تعترف..تئن..تثور وتشتكي ثم تتوارى خلف عفة الصمت ثم لا خير في شعور لايكون فيه الامان مهما بدا هذا الشعور جميلا إنما المشاعر سكينة واطمئنان .. هناك حب روح وهو أرقى انواع الحب و أندرها .. الروح التي تعشق وليس القلب والعين أقواها واصعبها فهو يأسر قلبك وروحك ووقتك وتفاصيلك فلا خلاص منه ولا ارتواء ولانهاية ... هذا نوع لاعقل فيه ولا منطق ، لا يقتله هجر ولا بعد ولا قسوة ولا تضعفه مسافات فاذا ابتعدنا نبتعد دون نقاش دون عتاب ، ابتعاد صامت جدا ، ابتعاد لا ملامح له ، ذلك النوع من الابتعاد هو موت الروح من الداخل والاكتفاء من التعب ...
+
بقلم / شام سليمان
+
أمام المرآة وقفت تتأمل ملامح وجهها المنهكة بحزن عميق بات يحتل كل ثنايا روحها ...
+
عيناها المنطفئتان بوضوح وبشرتها الشاحبة والتعب الذي تجهر به نظراتها ...
+
تكره هذا الشعور الذي تعيشه منذ ذلك اليوم ..
+
يوم الحادث المشؤوم ...
+
تكره أن تحيا بهذه الطريقة حيث يملأها الضعف والخوف من القادم وكل ما يجري حاليا يشي بمدى صعوبة ما ينتظرها ...
+
عشرة أيام مرت على مغادرتهما المشفى سويا واستقرارهما في منزل عائلته ...
+
أصرت هي على مرافقته مرارا رافضة أن تتركه متقبلة رفضه الشديد لها ولقربها وغضبه الذي يشتعل كلما أطلت عليه ...
+
أصرت ونالت ما أرادته فوافق في النهاية على قدومها معه بعدما رأى الإصرار الواضح في عينيها على مدار الأيام التي قضاها في المشفى بعد إفاقته وهي التي لم تمل ولا للحظة وهي تعاند وترفض تركه بل بقيت جانبه رافضة العودة ولو ليوم واحد إلى قصر العائلة كي تنال قسطا من الراحة تحتاجه بقوة فهي الأخرى نالت نصيبها من الحادث وما زالت تتعافى منه ...
+
وبين شد وجذب وغضب ورفض وكره رأته في عينيه مرارا جعل قلبها ينتفض برعب ولوعة مما هو قادم وجدته يوافق في النهاية ويسمح لها أن تبقى معه ببرود مفاجئ أدهشها بعد رفضه الشديد لكنها لم تهتم ولم تفكر كثيرا فجل ما أرادته أن تبقى معه تسانده في محنته التي تدرك حجمها ومدى صعوبتها ، تمني نفسها بإصلاح الوضع بينهما مع مرور الوقت ، تأمل أن تأخذ فرصتها معه وتشرح له الحقيقة ، تتمنى أن ينجح العلاج مع حالته ويستعيد صحته وتطيب يده رغم عدم إهتمامه بحديث الطبيب عن العلاج الفيزيائي الذي يمكنه أن يحقق نتيجة مع حالته ...
+
عشرة أيام مرت ولا شيء يتغير ...
+
لا يتعامل معها ...
+
يجافيها بشكل يرهق روحها ...
+
بينما هي تعتني به قدر المستطاع ...
+
تساعده فيما يحتاج بينما عجزه يمزق روحها ...
+
يحتاج وقتا كي يعتاد على وضعه الجديد بينما تتمنى بشدة ألا يطول هذا الوضع أساسا وتتعافى يده المصابة بأسرع وقت ...
+
تفكر بذلك طوال الوقت والخوف ينهشها من عدم حدوث ذلك فالنتيجة ليست أكيدة ...
+
كلها إحتمالات ليس إلا ...
+
تنهدت بصمت مفكرة إنها تتمنى لو تبقى أكثر هنا في دورة المياه ...
+
لا تريد المغادرة لترى تلك النظرات الشبه دائمة في عينيه كلما تقابلت نظراتهما بينما يتعمد هو ألا ينظر لها أغلب الوقت ..
+
يتحاشاها بوضوح فلا يتعامل معها إلا للضرورة القصوى بل حتى ما يحتاجه يطلبه بعسر واضح وكرامته تأبى أن يطلب منها خدمته ...
+
لا تصدق ما يحدث بينهما ...
+
كيف تحول الوضع بينهما هكذا ..؟!
+
كانا مقربين لدرجة تجعلهما يبدوان كشخص واحد ليتغير كل شيء فجأة و يبني القدر بينهما ألاف الحواجز بينما تعاند هي القدر بإستماتة وتصر بقوة على أن تتخطى تلك الحواجز التي ستهدمها بنفسها لتعبر اتجاهه وتتوحد معه مجددا ...
+
بحق الحب .. بحق العشرة الطويلة ... بحق ما جمعهما لأعوام ... هو يستحق ... وهي تستحق ...
+
لا ضير أن تتعب لأجله قليلا ...
+
أن تتحمل وتصبر حتى تمر هذه الفترة بخير و يعود كل شيء إلى نصابه ...
+
لمعت عيناها بإصرار وقوة سطعت منهما للحظة ...
+
قوة لا تناسب ذلك الضعف الذي كان يعتلي روحها قبل لحظات ...
+
هي تؤمن إن الحياة تحمل للجميع حروبا مجبرون على خوضها ...
+
كل شخص يعيش حربه التي تخصه بكل ما تحمله من صعوبات وأزمات ومواقف مؤلمة ...
+
والشاطر هو من يحارب بكل ما يملك من قوة وينتصر في حربه فتستقيم حينها حياته وتمنحه مكافئة مستحقة قبال اجتهاده وثباته وصبره والمكافئة تكمن في السعادة الأبدية والهناء ...
+
***
+
غادرت حمامها بروح مختلفة قليلا ...
+
هناك شعاع خافت انبعث من أعماقها تسعى لأن تتشبث به بكل قوتها كي يضيء عالمها القادم ويحيي روحها المحاربة من جديد ...
+
ما إن خطت خطوتين خارج دورة المياه حتى فوجئت به قبالها فشهقت لا إراديا بفزع لحظي قابله هو ببرود هازئ بينما يتسائل وعيناه تتفحصانها بيجامتها الأنيقة من الستان الفضي وخصلاتها المبللة تحاوط وجهها الذي فقد نضارته بوضوح ...
+
" هل رأيت عفريتا ..؟!"
+
نطق بها بخفوت هازئ لتهتف بسرعة :-
+
" فوجئت بإستيقاظك ... "
+
أخبرها بلا مبالاة وهو يتخطاها متجها نحو دورة المياه :-
+
" مللت من النوم ..."
+
تنهدت بصمت وهي تراقبه حتى دلف إلى الداخل وأغلق الباب خلفه ...
+
توجهت نحو طاولة الزينة وجلست أمامها تمشط خصلاتها بشرود ...
+
تبحث عن فرصة متاحة تستطيع من خلالها أن تخفف ولو جزءا بسيطا من رفضه التام لها ونأيه كليا عنها ...
+
انتهت من تمشيط خصلاتها فرفعتها عاليا بشكل كعكة قبل أن تنهض من مكانها متجهة نحو باب الحمام تتسائل عن سبب تأخره بقلق فربما يحتاجها لتساعده في تغيير ملابسه أو تجهيز الحمام له لكنه يرفض مناداتها ...
+
كان لا يطلب أي شيء ...
+
هي تفعل ما يحتاجه بنفسها ...
+
تساعده في ارتداء ملابسه ..
+
تساعده في تقطيع الطعام وغير ذلك مما يعجز هو عن فعله بيد واحدة بينما يكتفي هو بإستقبال ما تقدمه له بصمت ...
+
صمت فقط لا يخلو من نظرات تكون هازئة أحيانا وناقمة أحيانا أخرى ...
+
ترى مرات كثيرة نظرات تأنيب قاتلة في عينيه وكأنه يخبرها إنها السبب .. سبب إعاقته ...!
+
حينها تتمنى لو تختفي من فوق وجه الأرض ...
+
تتمنى أشياء كثيرة حتى إنها تمنت لو كانت الإعاقة من نصيبها وتمنت لو كان الموت حليفها بدلا من نجاتها ورؤيته وهو بهذه الحال بينما تتحمل هي مسؤولية جزء مما حدث ...
+
تلوم نفسها دون توقف وذلك اللوم يضاعف من عذابها ..
+
طرقت على الباب بتردد فلم يجبها ...
+
لا يوجد صوت مياه في الداخل ...
+
طرقتها من جديد فلم تحصل على إجابة ...
+
تضاعف قلقها فنأت ترددها جانبها وهي تفتح الباب بتردد ثم تطل بوجهها قليلا إلى الداخل لتجده يعافر مع نفسه لخلع تيشرت بيجامته دون نجاح ...
+
تنهدت بوجع على حاله مستوعبة إنه كان يحاول أن يخلعه بنفسه رافضا الإستعانة بها كعادته ...
+
سارت نحوه بينما توقف عما يفعله ما إن سمع صوت فتح الباب ...
+
بقي واقفا مكانه بملامح جامدة تماما لا تظهر أي ردة فعل ... لا غضب ولا حتى حزن ...
+
دون حديث وقفت أمامه وخلعت التيشرت عن جسده عندما قال هو بسرعة واقتضاب :-
+
" أستطيع تدبر الباقي ..."
+
هزت رأسها بتفهم وتحركت مغادرة المكان تحمل التيشرت معها ...
+
جلست فوق سريرها واضعة التيشرت جانبها شاردة به مجددا وبما يعيشانه سويا ...
+
سابقا بنيت أحلاما عظيمة معه ...
+
رأت مستقبلا رائعا يشملهما ...
+
كل شيء انهدم فوق رأسيهما ..
+
كل شيء تحطم بلا رحمة ...
+
حزينة هي ... متعبة بل محطمة ...
+
يؤلمها ما يعيشه ...
+
تدرك حجم معاناته ...
+
تتفهم ردود أفعاله ...
+
لا تلومه .. أبدا ...
+
تلوم نفسها فقط ...
+
تلوم نفسها وتنقم عليها وتشتعل حقدا على الآخر الذي غادر حياتها بعدما دمرها فعليا ...
+
بل دمرهما معا ...!
+
تمددت بجسدها على جانب السرير مغمضة عينيها بينما تحتضن جسدها بذراعيها ....
+
غفت بعد قليل وقد تمكن النعاس منها ...
+
سيطر الأرق عليها طوال الأيام السابقة ...
+
لا تغفو إلا بعد ساعات طويلة وما إن تغفو قليلا حتى تستيقظ فزعة ...!
+
حوالي ربع ساعة وغادر هو دورة المياه بملامح واجمة ...
+
لم يكن يريد مساعدتها ...
+
كان يحاول هذه المرة أن يخلع ملابسه بنفسه دون حاجة لها ولكنه فشل ...
+
يكره احتياجه لها رغم كل شيء ...
+
يكره وجودها حوله الذي يذكره بما حدث ..
+
بخسارته الكبرى ...
+
ينفر منها ومن كل شيء يخصها ...
+
ورغم ذلك يسمح لها بالبقاء معه لسبب مجهول لا يفهمه ...
+
ربما رغبة في الإنتقام منها ...
+
وربما لسبب مختلف يرفضه بقوة ...!
+
توقف قبال السرير يتأملها وهي نائمة بل غارقة في نومها ...
+
بدت رقيقة للغاية ...
+
ناعمة ...
+
ملامح وجهها الخالية من الزينة حملت براءة مختلفة وجمالا خاصا لم يفشل الإرهاق المحاوط لملامحها بوضوح في إخفاؤه ...
+
شعر بقلبه ينقبض بين ضلوعه وهو يستوعب ما وصلا إليه ...
+
حطمته بل ذبحته بخداعها وما تلا ذلك كان أسوأ مما يتخيله كليهما ...
+
كل شيء تحول في لمح بصر إلى العكس ...
+
كل شيء انقلب ضده ...
+
تحرك برتابة متخذا مكانه على الكنبة قبالها ...
+
بقي يتأملها بصمت وعقله يسبح بعيدا حيث ذكرياته معها ..
+
ذكريات جميعها تتسم بالحب والفرح ...
+
لا يتذكر إنهما تشاجرا ذات مرة طوال فترة ارتباطهما ...
+
نادرا ما كانا يختلفان على شيء وحتى الاختلاف لم يكن مهما ليؤثر عليهما ...
+
هذا الإنقلاب الصادم في علاقتهما يتعبه ويتعبها هي أكثر لكنها تستحق ...
+
تستحق كل التعب ...
+
تستحق كل الكره ...
+
تستحق كل العذاب ..!
+
***
+
فزعت من نومها على صوت طرقات جعلها تعتدل في جلستها سريعا وهي تشاهده قبالها يتطلع لها ببرود بات جزءا لا يتجرأ من شخصه ...
+
نهضت سريعا وتحركت تفتح الباب لتجد الخادمة أمامها تخبرها إنه حان موعد العشاء ...
+
اتجهت نحوه تخبره بهدوء :-
+
" العشاء جاهز ... "
+
نهض من مكانه متقدما نحو طاولة الزينة ساحبا المشط بيده السليمة مسرحا شعره ببطأ بينما تحركت هي تخرج لنفسها فستانا سارعت ترتديه في دورة المياه قبل أن تغادر فتجده جالسا فوق السرير وقميصه جانبه بملامح واجمة ...
+
تقدمت نحوه تسحب القميص وتميل نحوه فيرفع هو وجهه لها لترى في عينيه نظرة مليئة بالقسوة ...
+
ورغم القسوة رأت ما يتوارى خلف نظراته ...
+
رأت اليأس الذي أخلج صدرها ورأت ما تخشى أن يصفعه في وجهها يوما بصراحة مطلقة ..
+
عيناه اللتان تخبرانها بإستمرار إنها السبب ...
+
سبب عجزه ...
+
تجاهلت أفكارها المرهقة وهي تلبسه القميص ..
+
نهض بعدها بصمت متقدما إلى الخارج تتبعه هي برأس منخفض ...
+
هبطا إلى الطابق السفلي ومنه إلى غرفة الطعام ليجدا والدته وشقيقتيه ...
+
رحبت بها شقيقته الكبرى بمودة كعادتها ...
+
نانسي اللطيفة والتي لا تشبه الصغرى بأي شيء ...
+
كانت تزورهم يوميا بعدما استقرا هنا ...
+
تهتم بشقيقها وتراعيه وتحاول تقديم الدعم له ...
+
تكابت لتخفي حزنها عنه ...
+
كانت تتصرف كأم حنونة أكثر من كونها شقيقة ...
+
تجلب معها طفليها أغلب الأحيان ...
+
صغيرها اللطيف بخصلاته المجعدة وصغيرتها الجميلة كقطعة حلوى ..
+
أما الصغرى فاستقبلت شقيقها بإبتسامة باهتة بينما لم تنظر نحوها ...
+
كانت تحاربها منذ قدومها إن لم يكن بالكلام فالنظرات تحمل حربا صريحة ورفضا قاطعا ...
+
والدته بدت مختلفة تماما ...
+
هي الأخرى نالت نصيبها من الحادث ...
+
انطفئت كولدها تماما وإن حاولت إظهار العكس بينما تتعامل معه بقليل من اللطف وهي تأمل أن تساعد ولدها الوحيد وتدعمه في رحلة علاجه القادمه ...
+
تتسائل هي بخوف عما سيحدث لو علمت الحقيقة وسبب الحادث الذي تسبب بتلك الإعاقة لولدها ..
+
تخشى من هايدي التي ستبوح يوما ما بما يحدث لوالدتها وشقيقتها فينقلبان حينها ضدها تماما ولن تلومهما وقتها ...
+
اتخذ كلا مكانه على الطاولة حيث تهاني في المقدمة وعلى جانبها الأيمن ابنتيها بينما هي وكرم قبالهما ...
+
وجدته يضع قطعة اللحم المشوى في طبقة لتسارع هي وتقطعه إلى قطع صغيرة يستطيع تناولها في شوكته بسهولة ...
+
راقب ما تفعله بعينين غائمتين وما يحدث لا يرضيه ...
+
بدأ كطفلا ينتظر أمه تطعمه ...
+
مجددا يغلفه شعور العجز ويكبل روحه ...!
+
***
+
تحركت هالة بجانب نانسي تتبادل الأحاديث معها تاركة زوجها مع والدته وهايدي ...
+
اتجهت نانسي الى المربية التي تجلس مع طفليها في غرفتها ...
+
ابتسمت هالة وهي تحمل كاميليا تقبلها بحب بينما تناولت نانسي كريم من المربية وهي تخبرها بسماحة :-
+
" تفضلي إلى المطبخ لتتناولي الطعام ..."
+
تحركت المربية الأجنبية بطاعة بينما جلست نانسي فوق سريرها تحتضن كريم تراقب هالة التي تلاعب كاميليا بإبتسامة واسعة بينما الصغيرة تضحك لها ...
+
اتجهت بعدها نحوها تجلس جانبها تخبرها بعدما طبعت قبلة على وجنة الصغيرة :-
+
" طفلاك رائعان حقا ..."
+
شكرتها نانسي وهي تضيف :-
+
" عقبال أطفالك أنت وكرم ..."
+
اختلجت ملامح هالة بحزن عميق لم يغب عن نانسي التي سارعت تقبض على كفها تخبرها بدعم :-
+
" تحملي قليلا يا هالة .. كرم حاليا يعاني كثيرا بسبب ما حدث ... أن يفقد حركة إحدى يديه أمر صعب تحمله وسيحتاج إلى وقت كي يستوعب ما حدث ويتعايش معه ..."
+
تنهدت تضيف بحزن :-
+
" أتمنى فقط لو يبدأ العلاج الفيزيائي قريبا لربما يجلب معه نتيجة ..."
+
" وأنا أتمنى ذلك بشدة ..."
+
قالتها هالة بخفوت بينما قالت نانسي بدعم وهي تضع صغيرها على السرير تمنحه احدى لعبه :-
+
" حاولي أن تتحدثي معه بذلك يا هالة وأنا بدوري سأفعل ..."
+
قالت هالة بسرعة :-
+
" أريد أن أفعل ولكنني أبحث عن الوقت المناسب فكما ترين هو دائما واجم حزين وأنا أخشى التطرق لهذا الأمر فيغضب مني ... "
+
طالعتها نانسي بشفقة وهي تدرك حجم ما تعانيه مع شقيقها الذي تحول لشخص آخر منذ إستيقاظه ومعرفته بما أصاب يده ...
+
أما في الأسفل اتجهت هايدي نحوه تجلس جانبه بينما يتجاهلها هو كما يفعل منذ استيقاظه ...
+
راقبت رحيل والدتها إلى المطبخ لتطلب من الخادمة اعداد الشاي قبل أن تسأله بخفوت :-
+
" إلى متى ستبقى تتجاهلني هكذا يا كرم ..؟!"
+
أجاب دون أن ينظر نحوها :-
+
" أنا لا أتجاهلك وحدك ... أتجاهل الجميع ..."
+
" لا تتجاهل الجميع بنفس الطريقة ... "
+
قالتها بوجوم وهي تضيف :-
+
" طريقتك ونظرتك مختلفة معي.... تتعامل معي كما تتعامل معها ..."
+
وجمت ملامحه بينما تضيف بلؤم :-
+
" تساويني بها ... هي التي تسببت بكل هذه الفوضى في حياتنا ..."
+
هدر من بين أسنانه :-
+
" يكفي يا هايدي ..."
+
قالت بسرعة والرجاء غلف نبرتها :-
+
" افهمني يا كرم ... أنا لا أتحمل ذلك ... أنت غاضب مني ... أشعر إنك تلومني ..."
+
قاطعها بإقتضاب :-
+
" أنا لا ألومك .. إطمئني .."
+
زفرت أنفاسها بتعب قبل أن تسأله بجدية:-
+
" لمَ جلبتها معك يا كرم طالما إنك رافضا لها ولا تطيقها إلى هذا الحد ..؟!"
+
استدار نحوها يهتف بحدة :-
+
" وما شأنك أنت ..؟! أنا حر ..."
+
لوت ثغرها تخبره باستخفاف :-
+
" ما زلت تريدها ... ما زلت تحبها بعد كل ما حدث ... "
+
" لا أفعل ..."
+
نطق بها بصلابة فرفعت حاجبها تتحداه :-
+
" كاذب .. لماذا أبقيتها على ذمتك وجلبتها تعيش معنا إذا ...؟! لإنك ما زلت تريدها وإن كنت تدعي رفضها والنفور منها ..."
+
هدر بقوة :-
+
" أخبرتك إنني لا أفعل ..."
+
أضاف وعيناه تشتعلان بقوة :-
+
" أما وجودها هنا فهو واجب عليها ... ليس حبا فيها ولا في وجودها ... جلبتها لكي ترعاني ... "
+
أضاف بسخرية مريرة :-
+
" فأنا أحتاج من يرعاني ويساعدني في أغلب الأمور ..."
+
أكمل وعيناه تقسوان تماما :-
+
" بدلا من جلب خادمة أو ممرضة حتى تقوم بهذه المهمة جلبتها هي ... "
+
" خادمة ..!!"
+
نطقت بها بدهشة ليلوي ثغره وهي يقول بثبات :-
+
" نعم ، هي بالنسبة لي مجرد خادمة تساعدني في ارتداء ملابسي وتقطيع طعامي .. خادمة بدون أجر حتى وهي تستحق ذلك حقيقة ..."
+
أنهى كلامه ونهض من مكانه يغادر المكان متجها إلى غرفته في الطابق العلوي ...
+
جلس هناك فوق سريره بملامح جامدة كليا ..
+
انتظر مجيئها ليجدها تدلف بعد دقائق ...
+
تأملته بصمت بلحيته الطويلة التي يرفض حلاقتها وملامحه الذابلة رغم القسوة التي تغلفها ...
+
وجدته يخبرها بصلابة :-
+
" ساعديني في تغيير ملابسي ..."
+
تحركت نحوه بطاعة تخلع له التيشرت أولا ثم تجلب بيجامة يرتديها ...
+
انتهى من ارتداء ملابسه ليتمدد بجسده فوق سريره جاذبا الغطاء نحوه يأمرها مجددا :-
+
" أطفئي الضوء ... "
+
ومجددا أطاعته ونفذت له ما أراد قبل أن تتجه نحو الكنبة التي باتت مستقرها لتجذب الغطاء وتتمدد فوقها فهي غير مسموح لها بالنوم جانبه كما أخبرها منذ أول يوم وصلا به إلى هذا المنزل ...
+
***
+
ما إن تحركت بسيارتها خارج الفيلا حتى رأته قبالها واقفا بجانب سيارته المركونة أمام الفيلا ... توقفت عن تحريك المقود برهبة تملكت منها عندما خطا هو نحوها ومال بجذعه قرب نافذة السيارة ...
+
أخفضت نافذة السيارة بملامح جامدة تخفي خلفها ارتباكا ممزوجا بالخوف ...
+
مالت شفتاه بإبتسامة طفيفة وهو يسأل بهدوء :-
+
" كيف حالك ..؟!"
+
بللت شفتيها دون وعي وهي تجيبه بتوتر لم يخفَ عليه :-
+
" بخير ..."
+
تحدث بجدية :-
+
" يجب أن نتحدث يا أروى ..."
+
تمتمت بخفوت :-
+
" لدي عمل ... "
+
قاطعها بثبات :-
+
" نصف ساعة لا أكثر ..."
+
أضاف بتروي مقصود :-
+
" لن تحدث مشكلة إذا تأخرت نصف ساعة عن موعد عملك ..."
+
طالعته بتردد عندما أكمل بحسم :-
+
" اتبعيني إلى ذلك المقهى المقابل للمشفى ..."
+
" حسنا ..."
+
قالتها بطاعة قبل أن يمنحها إبتسامة خفيفة أدهشتها مجددا وأثارت الريبة داخلها ...
+
تحركت بعدها بسيارتها متجهة إلى المقهى وداخلها تتمنى أن يكون هذا اللقاء نهاية هذه الخطبة التي باتت تبغضها أكثر من أي شيء ...
+
بعد حوالي عشر دقائق وصلت إلى هناك لتجده سبقها ووصل واستقر على احدى الطاولات ...
+
تحركت بآلية وخوف لا تفهم لماذا يسيطر عليها دائما بقوة وهي معه ...
+
خوف لم تشعر بمثله مسبقا ....
+
ربما بسبب تلك الهالة الغامضة التي تحيط به ...!
+
جلست قباله فأشار إلى النادل الذي أتى يدون طلباتهما ...
+
طلبت دون تفكير قهوة وهو طلب نفس الشيء ...
+
اتجه ببصره نحو بنصرها ليجده خاليا من الخاتم كما توقع ...
+
شعرت هي بنظراته فاعتدلت في جلستها بارتباك جعلتها يبتسم بإستخفاف لحظي قبل أن يهتف بهدوء :-
+
" فسخ الخطبة قرار مشترك يا أروى ... "
+
أضاف وعيناه تنحدران مجددا نحو بنصرها :-
+
" وأنت لا يحق لك تقرير هذا لوحدك ..."
+
همهمت بصعوبة :-
+
" أخبرتك عن رغبتي وأنت ..."
+
ابتلعت باقي حديثها وهي تتذكر حديثه وقتها وكلامه المهين والذي ما زال آثره حيا داخلها ولا تعتقد إنها ستتخطى ما قاله بحقها يوما ما ...
+
نطق بهدوء :-
+
" كنت غاضبا يا أروى ... "
+
أكمل بجدية :-
+
" إنفعلت في حديثي ..."
+
لم تتحدث بينما أضاف هو ببطأ :-
+
" وأنت لم تمنحيني سببا مقنعا لقرارك المفاجئ ..."
+
قالت بسرعة :-
+
" أخبرتك إننا لا نناسب بعضنا ..."
+
تسائل وهو يعتدل في جلسته :-
+
" على أي أساس قررت هذا ...؟!"
+
نطقت بتروي :-
+
" ألا تشعر بذلك حقا ..؟! لا يوجد لغة تفاهم بيننا حتى ..."
+
" هل هناك آخر ..؟!"
+
سألها بهدوء جديد عليه ...
+
سؤاله خرج هادئا سلسا بينما عيناه تتفحصانها بإهتمام جلي ..
+
ثواني وأضاف بجدية :-
+
" أنت تريدين الإنفصال .. حسنا أتفهم رغبتك لكن .."
+
تنهد بصوت مسموع بينما تتابع هي وجوم ملامحه قبل أن يضيف بصدق :-
+
" أريد سببا منطقيا ... سبب يجعل علاقتنا مستحيلة ... "
+
أنهى حديثه مكررا سؤاله بإصرار :-
+
" هل هناك شخص آخر يا أروى ..؟! هل هذا هو سبب رغبتك بإنهاء الخطبة ..؟!"
+
وهي تطلعت له بحيرة وتوتر ..
+
توترها يشي بما تخفيه عنه ..
+
هو لم يخطئ في ظنه المسبق لكنه رغم ذلك يبحث عن جواب واضح ..!
+
راقبها وهي تتشنج قليلا بينما صوتها يخرج مهتزا :-
+
" نعم ، هناك شيء من هذا القبيل ..."
+
هتف ببطأ :-
+
" كنت أعلم ... "
+
أضاف وهو يسترخي بجلسته :-
+
" شككت بذلك منذ البداية ... تباعدك الدائم .. برودك ولا مبالاتك ..."
+
قاطعته بسرعة :-
+
" الأمر ليس كذلك ... أنا إتخذت قراري بسبب ما ذكرته .. ليس بسبب هذا و ..."
+
قاطعها بحدة :-
+
" كيف يعني ...؟! لو لم يكن هناك آخر يسكن قلبك ما كنت لتفعلي ذلك ..."
+
شعرت إنها أخطأت وكثيرا أيضا باعترافها بذلك بل إنها قلبت الأمر ضدها ...
+
تصرفت بإستعجال فهي كانت تريد إنهاء هذه الخطبة بأي شكل فإعتقدت إن هذا الإعتراف سيجعله يتفهمها ويفسخ الخطبة مباشرة ...
+
" نضال أنا ..."
+
قاطعها بجمود :-
+
" هل كنت لعبة في يدك أروى...؟! محاولة منك لتنسي حبيبك الذي لا يراك من الأساس ..."
+
ملأت الدموع عينيها بينما يضيف بشراسة :-
+
" حضرة الطبيب المغرم بأخرى غيرك ... "
+
ضحك بإستخفاف بينما تساقطت دموعها رغما عنها ....
+
عاد يفتح الجرح الذي جاهدت هي لتتجاهله فطمرته خلف قناع البرود والصلابة الواهية ...
+
تأملها بتحفز وشياطينه تتقافز من كل صوب ....
+
خدعته ... تلاعبت به ...
+
اتخذته بديلا لآخر حاولت من خلاله أن تنسى مشاعرها تلك وعندما فشلت في ذلك تحججت بحجج سخيفة كي تخرجه من حياتها ...
+
تظنه لعبة في يدها لكنها لا تعرفه جيدا ..
+
لو كانت تعرفه ما كانت لتجازف معه هو تحديدا ...
+
تأمل وجهها المنكس بدموعه الحارقة بعينين مشتعلتين وداخله يتمنى فعل الكثير ...
+
نهض من مكانه مطلا بقامته الطويلة فوقها فرفعت عينيها الباكيتين نحوه ...
+
هتف بصلابة وقسوة طلت من عينيه الزرقاوين واللتين بدتا مرعبتين بتلك النظرات الشيطانية :-
+
" إرتكبت خطئا كبيرا يا أروى ... "
+
ارتجفت شفتاها وهي تهمس بإعتذار :-
+
" أنا آسفة ..."
+
ضحك باستخفاف قبل أن يهمس :-
+
" سنرى ما سيقدمه إعتذارك هذا يا هانم ...."
+
ثم مال نحوها يتأمل ملامحها بتحفز بينما يهمس بأنفاس حارقة :-
+
" تلك الخطبة لن تنتهي ... "
+
اتسعت عيناها بهلع بينما يخبرها بحدة :-
+
" ولن تنتهي حتى أقرر أنا هذا ..."
+
نهضت من مكانها تهمس بلوعة :-
+
" نضال من فضلك ..."
+
قاطعها بقوة هادرة :-
+
" كلامي ينفذ وإلا ...."
+
ازدادت قسوة عينيه وهو يختم حديثه :-
+
" سأضطر حينها أن أتصرف بشكل مختلف ... تصرفا لن تتوقعينه ..."
+
أنهى حديثه وانصرف بينما تابعته هي بعينيها الهلعتين ونبرته تخبرها بصدق ما يقوله ....
+
شعرت بالضياع .. هي تورطت معه ...
+
أما هو فجلس أمام مقود سيارته بملامح مظلمة ...
+
شكوكه كانت في محلها ...
+
مالذي كان يأمله ...؟!
+
هل كان ينتظر سماع شيء مختلف ...؟!
+
الحقيرة ... تلاعبت به .. اتخذته بديلا لآخر ...
+
لم تكن تعلم إنها تلاعبت بأسوأ طريقة ممكنة ...
+
سلكت دربا لا يطيقه ... عبثت بأسوء نقطة تحيا داخل أعماقه منذ سنوات ...
+
بعقدته التي تحيا داخله منذ الأزل ...
+
تراجع بجسده إلى الخلف بعينين معتمتين وعقله يصور له مختلف الصور البشعة التي ستنال هي واحدة منهن لا محالة ...!
+
إبتسامة شيطانية تلاعبت فوق فمه وعقله يهديه للأسوأ ... هي تستحق ...
+
" هو رجل يحبس شيطانه داخله منتظرا المرأة التي سيحرره لأجلها وهي تلك المرأة التي ستروي عطش شيطانه وتشبع غريزته الدائمة بالبطش ..."
+
***
+
دلف إلى شقتهما بعد يوم عمل طويل ومرهق ...
+
ورغم ضغوطات عمله عقله ظل يفكر بها وبحالها الذي لا يعجبه أبدا ...
+
لم تذهب إلى الجامعة كعادتها في اليومين السابقين ..
+
اكتفت بذهابها أول يوم ولم تذهب بعدها ...
+
لا يفهم حقا مالذي تريده ...
+
مالذي تظن نفسها تفعله ..؟!
+
الحمقاء الصغيرة لا تعي ما تفعله بنفسها ...
+
تعاند وترفض وتتحدى دون سبب وجيه فقط لأجل أن ترفض وتثور وتعاكس المنطق ...
+
فقط لأجل ألا تفعل ما يريدونه حتى لو كان ضد مصلحتها ...
+
بات يشعر إن المسؤولة كبيرة عليه ...
+
يخشى من اللحظة التي يفقد بها كل صبره وتعقله فيطلق شياطين غضبه في وجهها والتي ستحطمها مجددا وتقضي على ما تبقى من أمل بسيط في تحررها من قيود روحها التي تجعلها تتخبط هنا وهناك بلا وعي ولا إدراك ...
+
قابلها في طريقه وهي تغادر غرفتها ...
+
ما إن رأته حتى امتعضت ملامحها بوضوح جعله يتوقف مكانه يتابعها وهي تكمل طريقها متجاهلة إياه ...
+
تنهد مجددا وهو يدلف الى غرفته مقررا أن يأخذ حماما باردا يخفف من أثقاله قليلا ...
+
ألا يكفي شعوره بالملل والوحدة منذ قدومه إلى هنا ..؟!
+
لا قريب ولا صديق لديه ..
+
غادر حمامه وهو يجفف شعره بالمنشفة ...
+
ارتدى ملابسه البيتية المريحة وسرح شعره ووضع عطره المفضل فشعر بالاسترخاء يسيطر عليه أخيرا ...
+
غادر متجها إلى صالة الجلوس وهو يشعر بالجوع ليتصل بمطعم قريب يطلب طعاما له ولها أيضا ...
+
جلس بعدها فوق الكنبة يقلب في هاتفه ...
+
تحدث قليلا مع أثير عبر تطبيق الواتساب ...
+
لم يتطرق معه لحادث هالة ..
+
يأمل أن يطيب هذا الجرح ويتخطاها كما تفعل هي ...
+
تنهد بسأم وهو يغلق هاتفه والملل يعود إليه ...!
+
هي معتزلة في غرفتها كعادتها في اليومين السابقين لا تخرج منها إلا لتناول الطعام ...
+
وهو يتجاهلها بدوره ...
+
لكن إلى متى سيبقى يتجاهل ...؟!
+
الأيام تمر وهي على حالها ...
+
ليس هذا ما يريده ...
+
ليس هذا ما يسعى إليه بشأنها ...
+
تنهد بسأم وهو ينهض من مكانه يتحرك بملل داخل المكان قبل أن يتقدم نحوها ..
+
يطرق على باب غرفتها بتمهل فيأتيه صوتها بنبرتها المنزعجة تسمح له بالدخول ...
+
دلف إليها بتردد ...
+
وجدها مستلقية فوق الفراش تعبث بهاتفها بعدم اهتمام لا مبالية بقدومه ...
+
تنهد مجددا بصمت وهو يسير نحوها يجلس على حافة الفراش يتسائل بحذر :-
+
" متى ستذهبين إلى جامعتك ..؟!"
+
أجابته بعدم اهتمام دون أن تحيد نظراتها عن شاشة الهاتف :-
+
" لن أذهب ..."
+
" كيف يعني ..؟!"
+
سأل مدعيا الدهشة فتخبره بنفس اللا مبالاة المستفزة وما زالت عينيها مصوبة نحو شاشة الهاتف :-
+
" كما سمعت .. لن أذهب إلى الجامعة ..."
+
وجمت ملامحه وهو يهتف بهدوء :-
+
" هل يمكن أن تتنازلين قليلا وتنظرين إلي بينما أتحدث معك ..؟!"
+
أغلقت هاتفها ترميه جانبا بينما تعتدل في جلستها تتمتم بتبرم وملل مقصود :-
+
" نعم ، ماذا تريد ..؟! أطربني ..."
+
نطق وهو يجاهد للحفاظ على ثباته :-
+
" تحدثي معي بإحترام يا جيلان فأنا بدوري حريص على ذلك معك ..."
+
همهمت ببرود :-
+
" أنا أساسا لا أريد التحدث معك .. أنت من تصر على ذلك ... أنت من تتدخل بشؤوني .. تحشر أنفك في حياتي ... تتدخل فيما لا يعنيك ..."
+
تسائل بأنفاس متسارعة وهو يجاهد ليحافظ على صبره وثباته :-
+
" ما سبب عدم ذهابك إلى الجامعة ..؟!"
+
هتفت ببرود :-
+
" ليس من شأنك ..."
+
صاح منفعلا :-
+
" جيلان .."
+
أخبرته بنفس البساطة المغيظة :-
+
" لا أريد الذهاب إلى هناك ... أنا حرة ..."
+
هتف بوجوم :-
+
" أنت قاتلتِ الجميع كي تأتي إلى هنا وتدخلي الجامعة والآن عندما حدث ما أردته ترفضين الذهاب ..."
+
منحته نظرة ساخرة بينما تنهض من مكانها وتتجه نحوه ...
+
تقف قباله وتخبره بصدق :-
+
" أنا قاتلت للعودة إلى هنا ... لمغادرة ذلك القصر بل تلك البلاد بأكملها ... لا أنكر إنني كنت أريد الدراسة أيضا ولكنني غيرت رأيي ... لم أعد أريد ذلك..."
+
" هل تعين ما تقولينه ..؟! أنت تتحدثين عن الجامعة يا جيلان ...؟! دراستك التي بدأت منذ أيام ...؟! ماذا يعني إنك لا تريدين الدراسة ...؟! لا أفهم حقا ..."
+
نطقت ببساطة :-
+
" يعني لا أريد ... لا رغبة لدي في الدراسة ... ولا في الذهاب إلى الجامعة ..."
+
سأل بصبر :-
+
" وما سبب ذلك ..؟! ما سبب عدم رغبتك بالذهاب إلى الجامعة ..؟!"
+
أجابت مبتسمة بإستفزاز :-
+
" مزاجي .. لا مزاج لدي ذلك .."
+
سأل بسخرية :-
+
" ومتى سيتحسن مزاجك ان شاءالله ..؟!"
+
أجابت بلا مبالاة وهي تستند بجسدها على الحائط خلفها بينما تعقد ساعديها أمام صدرها :-
+
" لا أعلم .. ربما غدا .. ربما بعد يومين .. شهرين او حتى عامين وربما لا يتحسن أبدا ..."
+
نهض من مكانه يهدر بها :-
+
" ماذا تظنين نفسك فاعلة ..؟! هذا مستقبلك يا هانم ..."
+
أضاف منفعلا :-
+
" ماذا نفعل لك أيضا ..؟! أردت السفر فكان لك ما تريدين .. أردت دراسة الهندسة المعمارية فكان لك ذلك أيضا ... "
+
أضاف بغضب فشل أن يحجمه :-
+
" لكنك على ما يبدو تتلاعبين بي ... تتمردين علينا دون سبب محدد ... عناد فقط لا أكثر ... "
+
" فليكن .. أنا حرة ..."
+
صاحت بها تزجره فيرد بثبات :-
+
" أنت لست حرة ... هل فهمت ..؟!"
+
اندفعت نحوه تصيح :-
+
" هذا ما تريده أنت والبقية .. ألا أكون حرة .. أن أبقى تحت سيطرتك وسيطرتهم ... لهذا زوجوني لك مجددا ... لهذا أرسلوك معي .."
+
ضحكت تضيف بنقمة :-
+
" لكنهم سيكونون أكبر حمقى إن ظنوا إنهم سينجحون في ذلك مجددا ... جيلان تغيرت ... وهم لن يستطيعوا السيطرة علي من جديد لو أرسلوا عشرة مثلك معي ..."
+
" أنت جننتِ .. والله جننت ..."
+
صاح بها وهو يقبض على ذراعها يصيح برفض لكل ما يحدث وهذا الوضع المزري لهما :-
+
" أنا تركت عائلتي وأصدقائي وعملي الذي بدأت أنجح به لأجلك .. أتيت معك هنا فقط لأجلك ... لأجل أن أمنحك ما تحتاجين .. لأجل أن أبعدك عن هناك حيث الذكريات البشعة بالنسبة لك .. أردتك أن تشعري بتلك الحرية التي تفتقدينها ... أردت أن تحققي جزءا من رغباتك وتلتفتي لنفسك ومستقبلك ولكنك ترفضين ذلك متمسكة بوضعك الحال ... "
+
صاحت معترضة :-
+
" لم أطلب منك ذلك ... وأنت لم تفعل ذلك إلا كمحاولة لإراحة ضميرك اتجاهي .. ولكن لا يا مهند ... لن أغفر لك أفعالك السابقة في حقي ... لن أمنحك غفرانا يحررك من قيد ذنبي ... لا تحلم بهذا .. أبدا يا مهند .. "
+
لم يتحمل سماع ما تقوله ...
+
مجددا تضغط على نقطة حساسة لديه ...
+
مجددا تعبث بجرحه الذي لم يندمل بعد ...
+
جذبها من ذراعها يدفعها نحو السرير خلفها بقسوة يصيح بها وكل غضب ويأس العالم يتحرر مع صياحه :-
+
" مالذي فعلته ...؟! نمت معكِ ... كان بأرادتك يا هانم .. كنت مستسلمة ... ربما أخطأت ... كنت صغيرة .. لكنك كنت زوجتي بكل الأحوال ..."
+
مال بجسده نحوها يحاصرها بينما هي تناظره بتحدي متجاهلة الخوف الذي غزا روحها من أعصابه المنفلتة ..
+
تتحداه بثبات سافر بينما يهدر هو بها بقسوة :-
+
" ولكن من السبب الرئيسي في هذا ...؟! أنت يا جيلان ... أنت يا هانم .. أنتِ من تعرفت على شاب قذر وذهبت إليه ليستغلك ويأخذ عذريتك ... ربما هم أخطئوا وأنا كذلك أخطأت ... لكنهم في النهاية أرادوا أن يستعيدوا شرفك الذي ضاع بسببك أنت أولا يا جيلان ... بسبب غبائك و ...."
+
توقف يلتقط أنفاسه الهادرة بصعوبة فأكملت هي نيابة عنه بملامح جامدة مهيبة :-
+
" وعدم احترامي ودناءة أخلاقي واستهتاري ... قلها لا تخجل يا ابن عمّي ..."
+
كلماتها أصابته في مقتل ...
+
أججت غضبه فهي مجددا تخرج أسوأ ما فيه وهو الذي يجاهد كي يظهر أفضل ما فيه أمامها ...
+
يعاني فقط كي يمنحها ولو جزءا من راحة تفتقدها منذ أعوام ...!
+
تحرك من فوقها يلتقط أنفاسه بصعوبة ...
+
يجاهد كي يستعيد جزءا من صبره ...
+
صبر لا يشبهه ولا يناسبه لكنه يجبر نفسه أن يتحلى قليلا به لأجلها ...
+
اعتدلت في جلستها تراقبه بحقد ...
+
يعجبها ما تراه ...
+
يفرحها أن تراه ثائرا ضائقا ومندفعا بغضب مجنون فذلك يثبت له إنه ما زال كما هو بنفس الصفات السيئة ...
+
ذلك يخبره إن دور الشهامة لا يليق به ولا يناسبه ..
+
هو لن يكون البطل المنقد في هذه الحكاية بعدما كان بطلها الحقير ...!
+
لن تسمح له بذلك ..
+
لن تمنحه راحة لا يستحقها ..
+
لن تريح ضميره حتى لو كلفها ذلك راحتها واستقرارها ..
+
ابتسمت بسخرية مريرة وهي تدرك داخلها إن الراحة لن تزورها أبدا وإن روحها لن ترنو إلى السلام مهما حدث ...
+
نهضت من مكانها فالتفت نحوها يتابع ملامحها الباردة بطريقة جعلها تبدو أكبر من عمرها بمراحل ..
+
تابع ابتسامتها الباردة النامية بحقد يشع من عينيها بينما تهمس بثبات :-
+
" أنا لن ألومك على حديثك .. بل العكس فأنا أتفق معك .. نعم أنا من تسببت بذلك منذ البداية .. أنا من سمحت لنفسي بالإنجراف مع ذلك الحقير ... لن أتحدث عن مبررات لن يقتنع عقلك بها .. لن أتحدث عن حقيقة نيلهم عذريتي إجبارا عني ولكن ..."
+
أخذت نفسا عميقا تبتلع غصة تتشكل في روحها كلما تهاجمها تلك الذكريات بينما تسترسل :-
+
" أنا أذيت تفسي ... تسببت بالألم والخسارة لنفسي .. بينما أنتم أذيمتوني ... تسببتم بالأذى والألم لي فقط لأجل مصالحكم ... "
+
ضحكت بخفة وهي تضيف :-
+
" بداية من أخي الوحيد الذي إستأمنه والدي علي مرورا بعمي وولده الأكبر وانتهاء بك ..."
+
تحكمت بأنفاسها التي بدأت تثور رغما عنها بينما تضيف بصلابة لا تشبه روحها الثائرة حد الإحتراق :-
+
" البداية كانت عند أخي المبجل ... أخي الذي حبسني داخل شقة من أربعة جدران رافضا أن أغادرها إلا للدراسة .. لماذا ..؟! ليس حبا في بالطبع ولا خوفا علي .. لأجل أن يسيطر علي تماما وعلى ميراثي ... فالميراث كان يستحق ناهيك عن رغبته في الانتصار عليكم وهو الذي يكرهكم بشكل صريح ... عمار كان أول من استغلني وتسبب بوصولي إلى هنا وبدلا من إصلاح ما فعله اختار أن يرميني لعمي ... عابد بك والذي بدوره رماني إليك متحججا بكونه يفعل ذلك حفاظا على سمعتي وإستعادة شرفي المهدور لكنه واقعيا فعل ذلك كي يعيدك إليه ... اتخذني وسيلة تجبر ولده المتمرد على العودة إلى أحضان عائلته ناهيك عن استعادة راغب بك لشركة والدي وضمها مجددا إلى مجموعة آل هاشمي ..."
+
تابعها وهي تضحك مضيفة بينما العبرات رغما عنها ملأت حقتيها :-
+
" صحيح نسيت .. عمار لم يكن ليتنازل عن الشركة بسهولة ... لا تعتقد إنه تنازل عنها لراغب مقابل حمايتي وإصلاح ما حدث معي ... كلا عمار منح الشركة لراغب وهو يدرك جيدا إنه سيستعيدها بإحدى طرقه الملتوية وقد حدث ما يريد وكانت ستعود الشركة له لولاي ... لولا رفضي لذلك ليس حبا بوالدك وإنما انتقام بسيط وأنا أرفض منحه مسؤولية أملاكي ..."
+
ضحكت بإختلال لحظي بينما تخبره وكأنها تفشي بسر عظيم :-
+
" أنت لا تعلم ما شعور عمار وأنا أمنح حق الوصاية لعمي بدلا منه ... عمار الذي يريد أن يسيطر على كل شيء ... على الأملاك وحتى الأشخاص ليتفاجئ بأخته ترفضه كليا ... تطرده ليس من شركتها فقط بل من عالمها كله ... "
+
عقدت ساعديها أمام صدرها بينما تكمل متجاهلة عبراتها التي جعلت رؤيتها تتشوش:-
+
" وأنت يا بك .. أنت أيها المضحي ... نلتني رغما عني فقط لرغبة ذكورية داخلك تثبت من خلالها إنني لست شريفة مع إنك واقعيا لا تحتاج إلى اثبات فالمنطق يخبرك سبب هذه الزيجة دون تفكير ..."
+
راقبت تجهم ملامحه فتضيف :-
+
" ولم تكتفِ بهذا ..؟! أنت دمرت حياتي ... أنت والبقية دمرتموني وسرقتم أجمل سنوات عمري .. على الأقل أنا لم أؤذي غير نفسي بينما جميعكم أذيتموني كلا منكم لغرض محدد في باله ..."
+
الألم الذي شع من عينيه بل العذاب الصريح أنعش روحها عندما نطق بخفوت :-
+
" معك حق ... جميع ما تقولينه صحيح ... أتفهم ما مررت به بدءا مما فعله ذلك الوغد ثم زواجك مني وحملك وخسارة ابنت..."
+
توقف غير قادرا على الإكمال لتعارضه بحدة :-
+
" لا تنطقها ... لا إبنة لدي منك .. وليكن بعلمك أنا سعيدة بموتها ..."
+
طالعها بدهشة ليجدها تضحك ببرود وهي تضيف بقسوة :-
+
" ما كان ينقصني سوى طفلة صغيرة منك .. منك أنت تحديدا ... طفلة أجد نفسي مقيدة بها ومسؤولة عنها ... "
+
" أنت كنت حزينة ..."
+
قاطعته صارخة :-
+
" كنت حزينة على نفسي .. حزينة على ما أصابني ... لم أتجاوز عامي الثامن عشر وأنا أحمل طفلة فقدتها قبل ولادتها ..."
+
أخذت نفسا عميقا وهي تهمس بقسوة مخيفة :-
+
" لكنها رحلت ... ارتاحت وأرحتني منها ... "
+
هز رأسه بعدم استيعاب قبل أن يردد متجاهلا ما تقوله من حديث قاسي على نفسها قبله :-
+
" دعك من كل هذا ... نعم جميعنا أذيناك لكننا نحاول إصلاح ذلك ..."
+
ابتسمت ساخرة :-
+
" حقا ..؟!"
+
هز رأسه يخبرها :-
+
" ألا ترين ذلك ...؟!"
+
ضحكت مجددا قبل أن تقول بعدما توقفت عن ضحكاتها وعاد الجمود يكسو ملامحها :-
+
" أفق عزيزي مهند ... أنت هنا ليس لأجلي بل محاولة منك لإراحة ضميرك الذي يؤنبك بسببي ... ما تفعله الآن ليس سوى محاولة لتخفف القليل من كاهل الذنب الذي يجثم فوق صدرك لكنها محاولة فاشلة عزيزي مهند ..."
+
أضافت بحدة :-
+
" ونفس الشيء بالنسبة لوالدك ... عمي العزيز ... فهو الآخر فعل ما فعله خوفا على سمعته لإنني وبكل أسف أنتمي للعائلة المبجلة ..."
+
شمخت برأسها وهي تخبره بثقة :-
+
" ولكن هذا سيتغير ... قريبا جدا سأتحرر منك ومنهم ... "
+
أنهت حديثها تصيح بحدة :-
+
" والآن تفضل أخرج ... "
+
اندفع نحوها يهمس من بين أسنانه :-
+
" لم أنهِ حديثي بعد ..."
+
صاحت معترضة :-
+
" ولكنني إنتهيت من حديثي ولا مزاج لي لسماع المزيد ..."
+
تأملها بهدوء وعيناه الزرقاوان تحاصرانها بنظرات جادة بينما يخبرها بإصرار :-
+
" شئتِ أم أبيتِ فأنت ملزمة مني ولا فكاك لك مني دون إرادتي يا جيلان ... وهذا لن يحدث حتى تستعيدي عقلك الذي فقدته في خضم الأحداث السابقة ..."
+
أنهى حديثه وغادر تاركا إياها تتابعه بغيظ شديد قبل أن تندفع نحو طاولة الزينة ترمي جميع ما عليها أرضا فيتوقف مكانه للحظة وهو يسمع صوت إرتطام الأغراض بالأرضية والقلق يتمكن منه خوفا من أن تفعل شيئا بنفسها قبل أن يتحرك مرغما متجها إلى غرفته غارقا في أفكاره والتي تدور حولها دونا عن الجميع ...
+
***
+
انزوى في غرفته يتحدث مع صديقه ...
+
يخبره عن مأساته مع تلك الحمقاء ...
+
يشكو له صعوبة ما يعيشه معها ...
+
فشله في التفاهم معها ...
+
إحباطه مجددا وهو يدرك إنه فقد أعصابه وفشل في السيطرة على ثباته أمام حصارها المتعمد لمشاعره وذنبه فأفرغ ما في جعبته دون تروي ...
+
تنهد يخبره بتعب واضح :-
+
" تعبت يا عادل .. "
+
هتف عادل من خلف شاشة الهاتف عبر الاتصال المرئي بينهما :-
+
" ما زلت في بداية الطريق يا مهند .. لم يمر سوى شهر واحد على وصولك إلى البلاد ..."
+
" وإذا مرت أيام أخرى سأجن تماما .. ربما أقتلها وأقتل نفسي بعدها .."
+
ضحك عادل مرغما فتجهمت ملامح مهند أكثر ليتوقف عادل عن ضحكته وهو يخبره بجدية :-
+
" هذا طبيعي يا مهند .. جيلان تعاني من مشاكل نفسية معقدة ... هي حتى الآن لم تبدأ في العلاج لذا لا تنتظر منها غير ذلك ..."
+
تنهد يضيف :-
+
" لا تلمها على تصرفاتها .. هي غير واعية لما تفعله .. تتخبط هنا وهناك ... ترتدي قناع التمرد والجموح بل الجنون أيضا متعمدة .. تلجأ لذلك كي تثبت لنفسها إنها حرة نفسها وملكة ذاتها ... ترفض أن تخضع لك او لغيرك كي لا تشعر إنها عادت لوضعها السابق .. مشكلة جيلان إنها إختارت أن تحيا نقيض عهدها السابق حتى لو كان ذلك ليس ما تريده فعليا وليس ما يمنحها الراحة والسعادة .. هي فقط تريد أن تكون النقيض حتى لو كان ذلك يتعبها هي الأخرى ... صدقني هي ليست مرتاحة بما تفعله .. هي تدعي الراحة وستبقى كذلك ... وغالبا هي ترى فيما تفعله وما يعود عليها منه فرصة للانتقام من نفسها كذلك وليس منكم فقط ...."
+
أضاف بهدوء وحكمة :-
+
" جيلان داخلها الكثير من العطب الذي سيأخذ وقته كي يشفى ... مشوارها طويل للغاية يا مهند ... تجربتها كانت مريرة و عمرها الصغير يجعل الحالة أصعب ناهيك عن عدم وجود شخص في حياتها تثق به بحق يمكنها أن تستمع إليه وهو بدوره يرشدها إلى الطريق الصحيح فجميعكم دون استثناء أذيتموها وبالتالي لن تتقبل منكم أي محاولة لإصلاح وضعها .. كيف تتقبل ذلك وأنتم من تسببتم بحالتها هذه كما ترى ..؟!"
+
تنهد مهند يسأله بيأس تمكن منه :-
+
" والحل يا عادل ...؟! "
+
صمت عادل لوهلة قبل أن يخبره بجدية :-
+
" لا حل آخر أمامك سوى أن تحاول مجددا كسب ولو القليل من ثقتها ... "
+
أضاف بتروي :-
+
" اسمعني يا مهند ... اذهب أنت مبدئيا إلى الطبيبة ... إشرح لها الوضع كاملا كونك تدرك ما حدث فعليا بل كنت تعايشه معها .. بما إنها لن تتقبل فكرة العلاج الآن فإشرح انت الوضع للطبيبة ... تفاهم معها كي ترشدك إلى طريقة تجعلك قريبا منها وفي نفس الوقت تستطيع إقناعها تدريجيا في الذهاب إلى العلاج ..."
+
أنهى حديثه :-
+
" أنا لا يمكنني مساعدتك بشكل كامل لإن هناك تفاصيل لا أدركها .. الصورة ليست واضحة أمامي ناهيك عن كوني في بلد آخر أي بعيد عنها لذا من الأفضل أن ترشدك تلك الطبيبة لطريقة تعاملك معها بما إنها ستتولى علاجها مستقبلا ... أنت مضطر لذلك حاليا ..."
+
ودعه مهند وعقله يغيب مع كلماته ...
+
داخله تردد بسبب تلك الخطوة ...
+
ولكن داخله يعلم إن لا حل آخر أمامه غير هذا ...
+
قرر بعدها أن يخلد إلى النوم متجاهلا طعامه الذي وصل منذ مدة فحتى شهيته فقدها بسبب تلك اللعينة ..
+
وفي صباح اليوم التالي فتح عينيه على صوت رنين جرس الباب ..
+
اعتدل في جلسته للحظة يستوعب ما يحدث ...
+
ذهنه ما زال غائبا بسبب تبعات النوم وإن كان جسده حاضرا ...
+
نهض من فوق سريره بتكاسل متحركا بآلية خارج غرفته متجها نحو الباب يفتحه بملامح ناعسة ليتصنم مكانه وهو يرى تلك التحفة الشقراء تقف قباله تبتسم له برحابة ....
+
تراجع خطوتين مندهشا قبل أن تباغته هي معرفه عن نفسها :-
+
" مرحبا ، أنا أتيت من مركز الخدم ..."
+
استعاد وعيه إلى درجة ما وآثار النوم تخفت تدريجيا عندما حمحم وهو يفسح المجال لها :-
+
" أهلا بك .. تفضلي ..."
+
تقدمت الفتاة إلى الداخل ثم استدارت نحوه ما إن أغلق الباب خلفها لتعرف عن نفسها بذات الإبتسامة :-
+
" إسمي كيتي ..."
+
ابتسم برسمية يخبرها :-
+
" وأنا مهند .. أهلا بك ..."
+
دارت عيناها في الشقة تتأملها بإهتمام بينما يتأملها هو بدوره بجمالها الغربي المثير حيث شعر أشقر طويل وعينين زرقاوين وشفاه ممتلئة بشكل مثير في وضع لا يصلح سوى للتقبيل ...
+
تجاهل أفكاره الماجنة غير منتبها لتلك التي استيقظت من نومها بسبب صوت رنين جرس الباب فاندفعت تنوي صب جم غضبها فوق رأسه لكنها توقفت وهي ترى تلك الفاتنة الشقراء معه لترتكن بجسدها على الحائط خلفها تراقبه بملامح مستهجنة سرعان ما تحولت إلى أخرى هازئة بنظرة لم يفهمها هو الذي شعر بوجودها فاستدار نحوها ...
+
رفعت حاجبها بتلكؤ وتلك النظرة الهازئة ما زالت على حالها قبل أن تدلف إلى الداخل مغلقة الباب خلفها ليهز رأسه بيأس من تصرفاتها قبل أن يتبادل الحديث مع كيتي والذي كان يدور حول المنزل وعملها المطلوب منها ...
+
عاد بها إلى غرفة نومه ليسارع بارتداء ملابسه بعدما اكتفى بالمياه الباردة فوق جسده كي تنعشه قليلا ...
+
تحرك نحو الخارج ليقابلها في طريقه فيندهش وهو يراها مستعدة للمغادرة ...
+
تخطته بعدم اهتمام وهمت بالمغادرة عندما وجدته خلفها ينادي عليها ...
+
التفت نحوه بتساؤل مستهجن ليسأل بإهتمام :-
+
" إلى أين إن شاءالله ..؟!"
+
ردت ببرود :-
+
" إلى الملهى ..."
+
كاد أن يلقي بشتيمة غير لائقة على مسامعها لولا إنها سبقته وأضافت بنبرة هازئة :-
+
" إلى الجامعة ..."
+
هتف مدهوشا بعدما ابتلع تلك الشتيمة :-
+
" ومالذي تغير لتذهبي مجددا ...؟! ألم تقولِ إنك لا تريدين الذهاب ..؟!"
+
تمتمت ببساطة :-
+
" والله استيقظت صباحا فوجدت مزاجي يخبرني أن أذهب إلى الجامعة فقررت أن أفعل ... ربما غدا يحدث العكس ... ليس مهما ... "
+
" تتحدثين وكأنها جامعة أبيكِ ...تذهبين إليها وتنقطعين عنها متى أردت ..."
+
هتفت ببرود :-
+
" لم أكن أعلم إنها جامعة أبيك كي تتدخل في ذهابي من عدمه وتحاسبني ..."
+
وجمت ملامحه بينما أكملت وهي تغمز له :-
+
" كما إنني أترك الشقة لك كي تأخذ راحتك مع الشقراء الجميلة ..."
+
عبس بتجهم :-
+
" ما هذا الهراء ..؟!"
+
قال بضحكة :-
+
" لا تغضب ... أنا أتفهم ذلك ... إنها فاتنة وأنت ..."
+
توقفت لوهلة ترمقه بنظرات مغرية قبل أن تعض فوق شفتيها ثم تهمس بعد زفرة حارة مقصودة :-
+
" وأنت رجل ... ولديك رغبات ... بالطبع لن تبقى دون إمرأة جميلة تطفئ رغباتك وقت الحاجة ..."
+
ارتفع حاجبه بقليل من التلكؤ قبل أن يميل نحوها هامسا :-
+
" معك حق ... بالطبع لدي رغبات ولكن ..."
+
توقف لوهلة يشملها بنظرات اختلجت لها نبضاتها بينما يقترب منها أكثر يهمس جانب أذنها بحرارة :-
+
" لمَ سأذهب للشقراء الجميلة وألجأ للحرام لإشباع رغباتي بينما لدي زوجتي حلالي ...؟! "
+
مطت شفتيها تخبره ببرود :-
+
" ربما لإن زوجتك حلالك لا تريد ولا تطيقك ..."
+
تلاعب بخصلة من شعرها وهو يسأل بمكر :-
+
" هل واثقة من ذلك ...؟!"
+
ثم مال نحوها وعيناه تنحدران نحو ثدييها الصغيرين اللذين يفصلهما قميصها الضيق بوضوح :-
+
" هل تجربين ..؟!"
+
ثم إنحدرت أنامله فوق رقبتها تسير ببطأ جعلها تضطرب حتى توقف قرب بداية نحرها فيغمز لها بثقة :-
+
" يمكنني تغيير شعورك هذا ما إن أنالك بين ذراعيي لتجدين نفسك راغبة متعطشة لي ونفورك الحالي يختفي بكل ما فيه ..."
+
مال نحو ثغرها وأنامله ما زالت في موضعها يهمس وأنفاسه الحارة ضربت وجهها :-
+
" هل تجربين ...؟!"
+
اتخذ نية تقبيلها عندما دفعته بقوة وهي تهدر بحنق :-
+
" توقف عن هذه الحماقة ..."
+
عقد ساعديه أمام صدره يخبرها بسلاسة :-
+
" أنت من تهتمين بشأني وتراعين رغباتي ... "
+
تجهمت ملامحها وهي تمتم :-
+
" تافه .. "
+
شهقت بذعر عندما وجدته يجذبها نحوه فترتطم بجسدها فوق صدره ...
+
رفعت عينيها الفزعتين فرأت الحدة تشع من عينيه الزرقاوين بينما يهمس لها بثبات وتحذير :-
+
" للمرة الأخيرة يا جيلان ... لا تتجاوزي حدودك ... ولا تعبثي معي ... أنا أجيد الرد عليك بالشكل المناسب ... أنت أكثر من تدركين هذا ولكنني أترفع عن ذلك فلا رغبة لدي بالنزول لهذا المستوى المنحدر الذي تتعاملين به ..."
+
نطقت ببرود :-
+
" هذا المستوى المنحدر وحده ما يليق بك ...."
+
ضحك باستخفاف :-
+
" ويليق بك أيضا ... أنا حتى الآن أراعي صغر سنك وتخبطك وجنونك وحماقتك لكن لا تراهني على هذا كثيرا فأنا إنسان ولدي قدرة تحمل قابلة للنفاذ ..."
+
تشنجت كليا وهي تسأله :-
+
" هل تهددني ...؟!"
+
رد بصراحة :-
+
" إفهميها كما تشائين ... وخذي كلامي على محمل الجد يا جيلان فأنا لا أمزح هذه المرة ... صبري بدأ ينفذ ... أنا بطبيعتي رجل عديم الصبر والجميع يعرف ذلك ولكن لأجلك أحاول أن أغير من طبعي هذا قليلا بينما في المقابل أنت تتعمدين أن تفعلي العكس ... لا أعلم حقا نتيجة هذا وما سيتغير عندما تصلين بي إلى هذه المرحلة ولكن ما أدركه جيدا إنك لا تعين ما تفعلينه بحق نفسك أنتِ قبلي وقبل أي أحد آخر ..."
+
أنهى كلماته وغادر تاركا إياها تراقبه بملامح محتقنة وكلماته آثرت بها رغما عنها وأشعلت فوضى مختلفة داخل روحها التائهة ...!
+
***
+
طرقت نغم على باب غرفته قبل أن تدخل إليه بإبتسامة هادئة ...
+
ابتسم مرحبا بها عندما تقدمت نحوه تخبره :-
+
" أتيت لتوديعك ..."
+
هتف مؤيد بوجوم كسا ملامحه :-
+
" ما زلت مصرة إذا ....؟!"
+
اومأت برأسها عندما وجدته يهتف بتروي :-
+
" هل نتحدث قليلا ...؟!"
+
وافقته وهي تجلس فوق الكنبة ليتحرك هو من أمام مكتبه متقدما نحوها جالسا جانبها ...
+
مال بجسده قبالها يهتف بجدية :-
+
" ما تفعلينه خطأ يا نغم ... الهرب مجددا خطأ ..."
+
" وبقائي خطأ أكبر ..."
+
قالتها بهدوء ليقول بصدق :-
+
" راجي يحبك وأنت تحتاجينه ..."
+
همست بصعوبة :-
+
" سيتعذب معي يا مؤيد ... "
+
نطق بعدم استيعاب :-
+
" ورحيلك ألن يعذبه ... ؟! "
+
قالت مبررة :-
+
" هو سيعتقد إنني خدعته وإنني لست مريضة كما إدعيت ..."
+
أضافت وهي تتشبث به :-
+
" أنت وعدتني إنك ستساعدني .. اتفقنا على كل شيء و ..."
+
قاطعها بثبات :-
+
" نعم وعدتك ولكنني لست راضيا عن ذلك يا نغم .. ما تفعلينه جنون ... "
+
تنهد يضيف محاولة إثنائها عما تفعله :-
+
" راجي قوي وصبور ... وأنت تحتاجين له ... تحتاجين لدعمه ... والأهم تحتاجين لحبه ...."
+
ضحكت مرغمة تخبره :-
+
" أنت لا تفهم يا مؤيد ... أنا تصرفت بأنانية عندما دخلت حياته مجددا رغم معرفتي بمرضي ... وتصرفت بأنانية أكبر عندما استغليت مرضي بطريقة غير مباشرة كي أعيده إلي ... أنا أحاول تصحيح ما إقترفته ...سأغادر حياته وهو سيعتقد إن كل شيء كان لعبة ... مرضي كان كذبة لإستعادته وأنت قررت أن تنهي هذه الكذبة التي شاركتني فيها مضطرا .. حينها سيغضب مني .. سيحقد علي وقد يتألم قليلا لكنه سيتخطاني لإنني خدعته ..."
+
" تتعمدين تشويه صورتك أمامه بأسوأ طريقة يا نغم ..."
+
قالها بفتور لتومأ برأسها فيخبرها :-
+
" و هل تعتقدين إن هذا لن يقتله ..؟! هل تتخيلين شعوره وهو يظن إنك خدعتيه وتلاعبت به ...؟! هذا الشعور سيقتله خاصة وهو يحبك ..."
+
" وموتي أمام عينيه سيقتله أيضا ولكن بشكل أسوأ وأكثر قسوة ومرارة ... "
+
قالتها بصعوبة ليهدر رافضا :-
+
" وجوده جانبك سيساعدك يا نغم كما إنه لا يحق لك اتخاذ قرار بإخراجه من حياتك دون علمه ... أنت تعالجين هذا الخطأ بخطأ أكبر ... تقررين نيابة عنه ... "
+
تنهد يهمس :-
+
" راجي يحبك ... وجوده جانبك سيكون وقعه مختلفا عليك ... وربما يساعدك في التشافي ..."
+
" أنت تتحدث عن شيء يشبه المعجزة ..."
+
قالتها وهي تضحك بيأس ليغمغم بخفوت :-
+
" ربما لإن الحب يصنع المزعجات ..."
+
طالعته بنظرات مهتمة قبل أن تتسائل :-
+
" هل أحببت من قبل يا مؤيد ..؟؟"
+
ارتبكت ملاحه وهو يجيب :-
+
" كلا ، من أين أتيت بهذا الآن ..؟!"
+
هزت كتفيها تخبره بسلاسة :-
+
" طريقتك تشي بشخص جرّب مشاعر الحب ويدرك تأثيرها .."
+
ابتسم بتروي مرددا :-
+
" حتى لو لم أحب .. أنا أدرك قيمة الحب جيدا ... عايشت العديد من قصص الحب الجميلة حولي وأولها قصة حبك أنت وراجي ..."
+
هزت رأسها قبل أن تبتسم له وهي تخبره بصدق :-
+
" أنت تستحق الحب يا مؤيد .. أتمنى أن تجد يوما الفتاة التي تستحقك ...التي تخطف قلبك وتجعلك تجرب شعور الحب بحق ... أتمنى لك أياماً مليئة بالحب والسعيدة من أعماق قلبي ..."
+
كانت تودعه وهو تفهم هذا فإكتفى بإبتسامة حزينة عندما نهضت من مكانها تهمس بصعوبة والدموع ملأت مقلتيها :-
+
" وداعا يا مؤيد وشكرا على كل شيء قدمته لي ..."
+
تحركت تغادر المكان وهي تجاهد لكتم دموعها بينما مؤيد يراقبها بعينين شجنتين مبتسما بحزن دفين على حالها وما ينتظرها متجاهلا مشاعره اتجاهها التي أخفاها لسنوات عنها وعن صديقه وهو الذي يدرك تعلقها براجي منذ البداية فإختار أن يكتفي بدور الصديق المساند والذي شهد مراحل حبهما منذ البداية ...
+
***
+
انتبهت أروى لدخول نغم الى غرفتها بعدما كانت شاردة تماما ...
+
ابتسمت نغم وهي تتحرك نحوها تخبرها :-
+
" أتيت لرؤيتك .... "
+
أضافت وهي تجلس على الكرسي المقابل لها :-
+
" كيف تسير أمورك ...؟! لم أتحدث معك طوال الأيام السابقة ..."
+
تنهدت أروى ثم أجابت بصعوبة :-
+
" لا شيء جديد ...."
+
انتبهت نغم على بنصرها الخالي من خاتم خطبتها لتهمس بتروي :-
+
" فسخت الخطبة ..؟!"
+
" ليس بعد ..."
+
قالتها بملامح محبطة لتتسائل نغم بتعجب :-
+
" ولكنك لا ترتدين الخاتم ..."
+
قالت أروى بأسف :-
+
" هو لا يريد ذلك ..."
+
أكملت بينما تخفض بصرها نحو كفيها المتشابكين :-
+
" يرفض فسخ الخطبة ...."
+
قالت نغم بسرعة :-
+
" لا يمكنه إجبارك على الإستمرار في خطبة لا تريدينها ..."
+
" صحيح ..."
+
قالتها أروى بخفوت بينما نغم تتابعها بعينيها تشعر بالغيظ من ضعفها وترددها الدائم وفي ذات الوقت تحزن لأجلها ...
+
قالت بهدوء جاد :-
+
" اسمعيني يا أروى ... ربما ما سأقوله يضايقك قليلا ولكنني سأتحدث وضوح دون تزويق ... لأجل مصلحتك ..."
+
تطلعت بها أروى بقلق مما ستقوله بينما نغم تخبرها بصلابة :-
+
" أنت تدمرين نفسك بما تفعلينه ... هذا الإستسلام خطأ جسيم سيؤدي بك لما هو أسوأ من الآن .. أفيقي يا أروى ... أنت فتاة جميلة وذكية .. طبيبة لديك عملك وحياتك ... إنسانة مستقلة ... لا أفهم ما سبب هذا التردد الدائم ... والأهم إنني لا أفهم لماذا تحبسين نفسك داخل دائرة مغلقة وتتطلعين إلى الحياة من ثقب ضيق ... الحياة مليئة بالكثير وأنت تتركين كل ما فيها وتكتفين بهذا الدور الذي تعيشنه ... دور لا يليق بك . ..أبدا يا أروى .."
+
أخذت نفسا عميقا ثم أضافت بثبات :-
+
" أنت ما زلت صغيرة ... شابة في بداية الثلاثينات ... لديك مستقبل مهني ناجح ... لديك أشياء كثيرة يجب أن تستغليها بدلا من بقائك في نفس المكان رافضة أن تخطين خطوة واحدة الأمام ... افسخي خطبتك وحاولي إصلاح الخلل في حياتك ونمطها الفاتر ... تغيري يا أروى ..."
+
تحشرجت نبرتها وهي تضيف :-
+
" لا تضيعي المزيد من سنوات عمرك هباء .. أفيقي و إخلعي عنك رداء الضعف واليأس ... غيري من نفسك وإنظري إلى الحياة من جانب مختلف تماما ... تأملي أفق الحياة الواسعة والتي لا تقتصر على إرتباط فاشل أو حب من طرف واحد ... "
+
تأملت الدموع التي ملأت عينيها بشفقة قبل أن تنهض من مكانها سريعا متجهة نحوها تحتضنها من الخلف وهي تخبرها :-
+
" لا تحزني بسبب حديثي ... أقول هذا لأجلك ..."
+
" أعلم ..."
+
تمتمت بها بشحوب لتخبرها نغم بجدية :-
+
" حاربي ذلك الوهن واليأس الذي يسيطر عليك يا أروى ... أنت رائعة وتستحقين أن تحيي بطريقة مختلفة تليق بك ... "
+
ابتعدت قليلا عنها تمنحها ابتسامة داعمة قبل أن تخبرها بجدية :-
+
" عديني إنك ستتغيرين وتتوقفين عن سلبيتك المغيظة ..."
+
طالعتها أروى بتردد عندما قالت نغم بإصرار :-
+
" عديني يا أروى ...."
+
اومأت أروى برأسها دون حديث لتعانقها نغم مجددا وداخلها تتمنى أن تتحرر أروى من تلك القيود التي تقيدها كليا دون رحمة ...
+
***
+
توقفت نغم على مسافة منه تتأمله وهو يتحدث مع أحد الطلبة المتدربين يبتسم له بسماحته المعتادة ودماثته التي لا خلاف عليها ...
+
بقيت عيناها ثابتتان عليه تتأمله بتركيز ...
+
تتأمله بتوق مشوب بألم الفراق ...
+
ستغادره مجددا وهذه المرة دون رجعه ...
+
ستغادره للأبد ...
+
هي تراه للمرة الأخيرة ...
+
جربت هذا الشعور مسبقا لكن الفارق كبير وإن كان الوجع مشترك ...
+
في المرة الأولى كان لديها يقين إنها ستراه مجددا والآن هي تعلم إنها لن تراه بعد الآن ....
+
ودت لو تتشبث به ... تعانقه بكل قوتها ... تتوحد معه ... تتسرب لروحه ... تعانق قلبه ...
+
تجاهلت دموع عينيها بينما يلحظ هو وجودها فيبتسم لها بدفء وهو يهز رأسه بتحية سريعة ثم يعاود الإنغماس مع الطالب الذي يسأله عن الكثير بينما يجيبه هو بهدوء بلا ملل أو ضيق من طول الحديث وكثرة الأسئلة ...
+
غادر الطالب فتقدم هو نحوها بإبتسامة متكاسلة ...
+
دون تمهيد سارعت تعانقه دون مبالاة بمن حولهما بينما تجمد هو مكانه غير مستوعب حركتها الصادمة شاعرا بالحرج والتوتر من الموقف برمته ...!
+
ابتعدت عنه بعد لحظات تهمس بشوق جارف :-
+
" اشتقت لك ..."
+
ابتسم وهو يقبض على كفها يسحبها نحو غرفته فتهمس هي ضاحكة بخفة :-
+
" تصرفت بإندفاع كعادتي ..."
+
أغلق الباب وتقدم نحوها يغمغم :-
+
" ما الجديد ..؟! الإندفاع جزء لا يتجزأ منك ..."
+
تسائلت بعينين مشاكستين :-
+
" هل تعترض ..؟!"
+
حرك رأسه نفسا قبل أن يحاوطها بجسده والحائط خلفها يخبرها بحنين :-
+
"على العكس ... يعجبني إندفاعك هذا فهو ما دفعك لتعترفي لي بحبك وتسبقيني بذلك ..."
+
قالت بمكر :-
+
" لإنني كنت واثقة من مشاعرك ... لولم أكن كذلك ما كنت لأبادر بهذا الإعتراف لكنني سئمت من عدم مبادرتك بهذا الإعتراف فبادرت أنا نيابة عنك ..."
+
ضحك مرددا بصدق :-
+
" كانت أجمل مبادرة ..."
+
ثم مال نحوها يعانق شفتيها بشفتيه فسارعت هي تحاوط رقبته بينما تبادله قبلته بتوق ...
+
كان يقبلها ببطأ وشغف تمكن منه بينما تتجاوب هي معه بكل أريحية ولهفة ...
+
ابتعد عنها بعد قليل وكلاهما يلهث بخفوت ليميل نحوها هامسا أمام شفتيها بحرارة :-
+
" أحبك ...."
+
أدمعت عيناها مجددا وهي تتذكر حقيقة إنها ستغادره بعدد قليل ...
+
رفعت كفيها نحو وجهه تحتضنه بينهما بينما تخبره وعيناها الزرقاوان تحاوطان ملامحه وجهه بنظرة عشق لا يفنى :-
+
" أحبك ... أحبك يا راجي ولم أتوقف عن حبك لحظة .... أحبك وسأبقى أحبك حتى آخر أنفاسي .... "
+
ابتسم وهو يجذب كفيها يقبلهما واحد تلو الآخر عندما ابتعدت عنه بعد لحظات تخبره بتوتر خفي وهي تدرك إن لحظة الوداع قد حانت فتجلس فوق كرسي المكتب تخبره بتردد :-
+
" هل سامحتني يا راجي ...؟!"
+
عقد حاجبيه يتسائل :-
+
" علام ..؟!"
+
ابتسمت بخفوت تخبره :-
+
" عن تركي لك قبل أعوام وزواجي من آخر ..."
+
تنهد متقدما نحوها يخبرها بسلاسة :-
+
" إنسي هذا يا نغم .. لقد مضت سنوات ... ونحن أولاد اليوم ..."
+
هزت رأسها قبل أن تنهض من مكانها تمسك قميصه وهي تخبره بصدق :-
+
" فقط عليك أن تعلم إنني مهما فعلت ومهما أخطأت فأنا أحبك ... أحبك بحق .. أحبك بجنون ...."
+
أضافت برجاء :-
+
" عدني إنك ستسامحني على كل شيء .... على جميع الأخطاء التي بدرت مني ...."
+
تنهدت بعدها بصمت تاركة بقية للحديث للرسالة التي ستصله بعد سفرها لتسمعه يتسائل بحيرة :-
+
" ما بالك تتحدثين بهذه الطريقة ..؟! تبدين وكأنك تودعيني ..."
+
ارتبكت بسرعة قبل أن تهرب بعينيها من عينيه اللتين تحاصرانها بقوة :-
+
" بالطبع لا ..."
+
ضحكت بخفة متعمدة وهي تخبره بينما تضع كفها فوق موضع قلبه :-
+
" أنا باقية على قلبك يا دكتور ..."
+
ابتسم بصمت عندما أضافت وهي تتحرك :-
+
" والآن سأذهب لمباشرة عملي ... أراك مساءا ...."
+
همت بالمغادرة عندما صدح صوته باردا :-
+
" هل متأكدة ...؟!"
+
التفتت نحوه تسأله بعدم فهم :-
+
" كيف يعني ...؟!"
+
ازدادت صلابة ملامحه وهو يخبرها دون مواربة :-
+
" سترحلين مجددا ... ستتركيني مجددا ... ودون حتى وداع هذه المرة ..."
+
تصاعدت وتيرة أنفاسه وهو يضيف بنبرة هادرة مشحونة :-
+
" ستهربين مني مجددا يا نغم ... "
+
سارعت العبرات تملأ عينيها بينما يتقدم نحوها يهدر بأنفاس ثائرة :-
+
" لماذا يا نغم ...؟! لماذا تتخذين كل قرار يخصنا بنفسك ...؟! لماذا تقررين نيابة عني ...؟! لماذا تحددين ما يناسبني دون سؤالي ...؟! لماذا يا نغم .... ؟!"
+
تساقطت دموعها بغزارة بينما يهتف هو بألم شع من نظراته :-
+
" كان لدي أمل حتى آخر لحظة إنك ستتراجعين لكنك اتخذت قرارك و أصريت على تنفيذه ... ستهربين بنفس الطريقة وتتركين خلفك رجلا محطما بحق هذه المرة ...!"
1
***
+
جالسة فوق سريرها بملامح شاردة عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فسارعت تعتدل في جلستها وهي تهتف :-
+
" تفضل ..."
+
دلفت والدتها إليها بإبتسامة هادئة ثم تقدمت نحوها وجلست قبالها لتسارع توليب وتعانقها فتبتسم زهرة وهي تضمها إليها أكثر ...
+
أخذت تمرر أناملها داخل خصلات شعرها الناعمة ببطأ ثم سألتها بإهتمام :-
+
" كيف حالك يا حبيبتي ...؟! ما بالك شاردة وحزينة أغلب الوقت ...؟!"
+
ابتعدت قليلا من بين أحضان والدتها تنظر نحوها بعينين ظهر الحزن فيهما بوضوح بينما تخبرها ببوح :-
+
" تشاجرت مع إياس ...."
+
" مالذي حدث ...؟!"
+
سألتها والدتها بجدية لتخبرها توليب بما حدث عن رغبتها بتأجيل الزفاف لمدة ومعرفته بذلك وغضبه ثم مغادرته القصر منفعلا دون أن يتواصل معها بعدها وعلى ما يبدو إنه يخاصمها ...!
+
أنصتت زهرة لإبنتها حتى انتهت من حديثها بملامح محبطة لتتنهد زهرة قبل أن تخبرها بهدوء :-
+
" مبدئيا أنت لم تخطئِ في رغبتك بتأخير الزفاف ... "
+
تنهدت مضيفة :-
+
" وهو لم يكن عليه أن يغضب بهذه الطريقة ... كان لابد أن يتحدث معك ويفهم منك سبب رغبتك بتأجيل الزفاف قليلا ..."
+
قالت توليب بحيرة :-
+
" ربما لإنني أخطأت منذ البداية عندما وافقت على موعد الزفاف ثم تراجعت فجأة ..."
+
تنهدت مضيفة :-
+
" غيرت رأيي دون سبب منطقي ..."
+
سألتها زهرة بحذر :-
+
" ألا يوجد سبب منطقي بالفعل ...؟؟"
+
ظهر التردد جليا عليها قبل أن تهمس بصدق :-
+
" أنا أدركت إنني أحتاج وقتا أكبر للتعرف عليه ... إياس ليس سهلا وغامضا بشكل ما .. لا أريد الإستعجال ...."
+
" وهذا هو التصرف المنطقي يا عزيزتي ..."
+
قالتها زهرة بجدية وهي تضيف :-
+
" لست مجبرة على الزواج بعجلة دون التأكد من صحة هذا الزواج .... "
+
" ماذا أفعل يا ماما ...؟!"
+
سألتها توليب بخفوت لتسأل زهرة :-
+
" هل أنت مقتنعة بقرارك هذا بتأجيل الزفاف لأشهر أخرى ...؟!"
+
هزت توليب رأسها بصمت لتقول زهرة بجدية :-
+
" أصري على قرارك ولا تتراجعي عنه وهو عليه أن يتفاهم معك ويستوعب أسبابك ويحترمها ..."
+
أضافت بعقلانية :-
+
" خذي فرصتك كاملة للتعرف عليه من جميع الجوانب وتقييمه كما هو بدوره سيفعل المثل ... "
+
أكملت بحكمة :-
+
" وعليك أن تفهمي إنك لست مجبرة على تحمل ما لا تطيقينه ... وفي نفس الوقت يجب أن تعلمي شيئا مهما وهو أن الحياة ليست وردية دائما وأي شخص سترتبطين به لن يكون كاملا الأوصاف مثالي في كل شيء .. كلا يا عزيزتي ..."
+
تنهدت تسترسل :-
+
" كل شخص لديه عيوب ... لا تبحثي عن الكمال في رجلك يا توليب لإنك لن تجديه ولكن في نفس الوقت لا تجبري نفسك على تحمل عيوب ترهق روحك وتجني عليها ... ما أريده فقط أن تعلمي إن الزواج حياة كاملة مليئة بالحلو والمر كذلك ... حياة مليئة بالمواقف والمطبات ... لن تكون حياتك مثالية بل لا يوجد حياة مثالية أساسيا ... لا تتخيلي إنك ستعيشين في سعادة دائمة مع رجل رائع لا يخطأ ولا يحزنك ... كلا يا عزيزتي ... كل شيء وارد ... كل إنسان يخطأ ... أنت نفسك قد يكون لديك عيوب معينة لا تدركينها ستظهر بعد زواجك ... ربما تخطئين مرة في حق زوجك ... المهم أن يجيد كلاكما التعايش مع الآخر وتقبل عيوبه كما يحب ميزاته ...أنت فتاة عاقلة وتستوعبين حديثي هذا ... ومع ذلك أقولها مجددا ، لا تضغطي على نفسك لأجل أي شخص كان .. ولا تجبري نفسك على ما لا تطيقين ..."
+
ابتسمت توليب وهي تومأ برأسها دون رد عندما قبضت والدتها على كفها تخبرها :-
+
" اذهبي إليه وتحدثي معه وضعي حلا لهذا الوضع ... حاولي أن تصلي معه لحل وسط يرضي كليكما ..."
+
" سأفعل ..."
+
تمتمت توليب بخفوت عندما عانقتها والدتها مجددا ثم تحركت تغادر بعدها جناحها تاركة إياها تراجع نفسها مجددا مفكرة في حديث والدتها قبل أن تتخذ قرارها في الذهاب إليه إلى عمله فسارعت تنهض من مكانها ترتدي ملابسها ثم تتحرك مغادرة القصر متجهة إلى مقر شركة العائلة التي يتواجد به الآن ...
+
وصلت إلى هناك واتخذت طريقها نحو الطابق الأخير حيث مكتبه ...
+
دلفت إلى الداخل لتجد فتاة لطيفة تجلس على المكتب تعمل على حاسوبها بتركيز عندما هتفت :-
+
" صباح الخير ..."
+
رفعت الفتاة وجهها من فوق الحاسوب لتبتسم لها بلطف وهي تخبرها :-
+
" أهلا يا هانم ... تفضلي ... سأبلغ إياس بك ولكن ما إسم حضرتك ..."
+
ابتسمت توليب تجيب :-
+
" توليب الهاشمي ..."
+
نهضت الفتاة بسرعة تهتف مرحبة :-
+
" أهلا أهلا توليب هانم ... ثواني سأخبر إياس بك ..."
+
ترددت الفتاة في السماح لها بالدخول مباشرة فهي تعلم مديرها وصرامته في كافة الأمور لذا لا تجرؤ على إدخالها إليه دون إستئذان حتى لو كانت خطيبته ...
+
دلفت إلى الداخل تخبره بحذر :-
+
" توليب هانم في الخارج يا بك ..."
+
انتبه إياس لما قالته فظهرت إبتسامة خفيفة على شفتيه وهو يخبرها :-
+
" أدخليها حالا ...ومجددا لا تدعيها تنتظر خارجا ..."
+
تحركت السكرتيرة بسرعة تغادر المكان تخبرها :-
+
" إياس بك ينتظرك هانم ..."
+
منحتها توليب إبتسامة لطيفة وهي تدلف إلى الداخل تتابعها السكرتيرة بعينيها مفكرة إن آخر ما توقعته أن تكون خطيبة مديرها المتعجرف حاد الطباع لطيفة إلى هذا الحد تناقضه في كل شيء كما يبدو عليها ...
+
تقدمت توليب إلى الداخل لينهض من مكانه يستقبلها مرحبا بها برسمية لم تخفَ عنها ...
+
أشار لها نحو الكنبة المقابلة للمكتب لتتحرك نحو هناك يتبعها بدوره وهو يسأل بإهتمام :-
+
" ماذا تتناولين ..؟! قهوة أم عصير ...؟!"
+
قاطعته بجدية :-
+
" لا أريد شيئا يا إياس ... أنا أتيت لنتحدث ..."
+
تأملها بصمت للحظات قبل أن يجلس قبالها فتسأله بهدوء :-
+
" هل تخاصمني يا إياس ...؟؟"
+
أجاب بصدق:-
+
" أنا غاضب منك يا توليب .. غاضب كثيرا ..."
+
تسائلت بخفوت :-
+
" ألا ترى إنك تبالغ في ردة فعلك ..؟!"
+
قال بسرعة :-
+
" إطلاقاً ..."
+
أضاف بثبات :-
+
" أنا لا أبالغ يا توليب وردة فعلي منطقية لتصرفك ..."
+
" وما هو تصرفي يا إياس ...؟! أنا فقط أردت القليل من الوقت ...؟! القليل من الوقت قبل الزفاف ... ما الخطأ في ذلك ...؟!"
+
أجاب بنفس الثبات :-
+
" لم يكن هذا اتفاقنا ... كان عليك أن تخبريني بذلك عندما تقدمت لخطبتك ... وقتها أردت الزفاف بعد ثلاثة أشهر لكنك طلبت تأجيله لمدة أطول بسبب حاجتك لوقت كافي تستعدين فيه للزفاف فأخبرتك إنني سأؤجله شهر إضافي بشرط أن يتم عقد قراننا يوم الخطبة وأنت وافقت .. أنا كنت واضحا معك صريحا للغاية بينما أنت تراجعت فجأة عن اتفاقنا دون سبب مفيد ..."
+
" لدي أسبابي يا إياس ..."
+
نطقتها بجدية وهي تضيف :-
+
" لا أريد الإستعجال ..."
+
تسائل بحدة :-
+
" لماذا ...؟! ولمَ فجأة غيرت رأيك ..؟!"
+
أجابت بصراحة مطلقة :-
+
" لإن ما حدث بيننا في الفترة الأخيرة جعلني أشعر بوجود الكثير من الإختلاف بين كلينا ... "
+
راقبت جمود ملامحه فأضافت بصدق :-
+
" أنت مختلف عني ... كما إنني كلما تعرفت عليك أكثر كلما إكتشفت شيئا جديدا عنك يفاجئني ..."
+
" حقا ..؟! "
+
سألها بإستهزاء أزعجها فقالت شارحة :-
+
" نعم ، فأنت تغضب بسرعة ... متحكم ولا تسمع سوى نفسك ... لا تعترف بأخطائك ولا تحاول أن تصل لحل وسط والأسوأ إنك لا تتفاهم بل تغضب فورا وتخاصمني..."
+
احتدت ملامحه :-
+
" وماذا بعد يا هانم ...؟! طالما إنني سيء إلى هذا الحد ، مالذي يجبرك على البقاء معي ...؟!"
+
قالت مهادنة :-
+
" أنا لم أقل إنك سيء يا إياس ... أنت مثلك مثل أي شخص ... لديك إيجابيات وكذلك سلبيات ..."
+
انتفض يهدر بها :-
+
" كلا يا هانم ... أنا لست مثل أي شخص بل لا أقارن بأي شخص ...."
+
أضاف بنظرات حادة :-
+
" وحتى الآن لا أفهم سبب طلبك تأجيل الزفاف بدلا من إلغاؤه طالما إنك ترينني بكل هذا السوء الذي ليس حقيقيا بالمناسبة ..."
+
أضاف يتسائل بحنق :-
+
" أم إنك تتحججين بذلك وتماطلين كنوع من الهروب حتى تخبرينني بعد ذلك بعدم قدرتك على الإستمرار وتطلبين الانفصال ...؟!"
+
نهضت من مكانها تهتف بقوة :-
+
" لست أنا من تلف وتدور بهذه الطريقة .. كما إنني لا أهرب إطلاقا من أي شيء ولا أحتاج أن أفعل .. لو كنت أريد الإنفصال لطلبته دون تردد ... "
+
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
+
" ولكنني أردت أن أمنحك وأمنح نفسي فرصة أطول ... فرصة أتعرف من خلالها عليك أكثر وأستطيع حينها الحكم على علاقتنا بشكل أوضح ..."
+
ضحك مرددا بتهكم :-
+
" تريدنني أن أكون فأر تجارب لك ..."
+
اتسعت عيناها غير مصدقة :-
+
" ما هذا الكلام ...؟!"
+
" هذا الواقع يا هانم ..."
+
خرجت منه محتدة لتهز رأسه بأسف ثم تهمس بخيبة :-
+
" أنا لا أصدق ما أسمعه ... لم أكن أدرك إنك هكذا ..."
+
ودون تردد خلعت خاتمها ووضعته على الطاولة تخبره بصلابة :-
+
" بعد حديثك هذا لا مجال للتردد ... أنت لا تناسبني يا إياس ... "
+
ثم تحركت تغادر المكان بملامح جامدة قبل أن تركب المصعد لتزيل قناع الجمود من فوق ملامحها فيظهر الألم واضحا في عينيها اللتين امتلئتا بالعبرات بينما وضعت كفها فوق صدرها تكتم وجع روحها بصعوبة أما هو فبقي جامدا مكانه غير مصدقا ما فعلته ...
+
خلعت الخاتم بكل بساطة ...
+
تركته بهذه السهولة ....
+
اتجهت عيناه المشتعلتان نحو الخاتم يتأمله بغضب يتفاقم تدريجيا عندما اندفع نحو الطاولة يركلها بقدمه بنوبة غضب معتادة تزوره على فترات متباعدة كلما تعرض لموقف يجعل غضبه يتعاظم شعوريا فيحوله لقنبلة موقوتة مستعدة للإنفجار في أي لحظة ....
+
وفي هذه اللحظة كان إنفجاره منطقيا حيث دفع الطاولة ثم حطم الفازات الموضوعة جانبا قبل أن ترتفع وتيرة أنفاسه أكثر فيتجه نحو المكتب يستند عليه بكفيه وأنفاسه اللاهثة تتصاعد أكثر وروحه تحترق كليا بينما صورتها وهي تخلع الخاتم وتضعه فوق الطاولة بكل برود تتكرر أمامه دون رحمة ..!
+
***
+
بتردد تقدمت نحوه بينما يجلس هو في الشرفة يتأمل السماء بشرود بات رفيقه منذ مغادرته المشفى ...
+
جلست جانبه فمنحها نظرة عابرة قبل أن يعاود تأمل السماء عندما همست بإسمه فمنحها نظرة عابرة مجددا قبل أن يبتعد بوجهه عنها ...
+
سألته بحذر :-
+
" متى ستبدأ بالعلاج الفيزيائي ..؟!"
+
أجاب باقتضاب :-
+
" ليس من شأنك ..."
+
نطقت مهادنة :-
+
" كرم من فضلك ..."
+
انتفض واقفا يهدر بها :-
+
" من فضلك أنت يا هالة ... لا تتدخلي فيما لا يعنيك ..."
+
اندفعت خلفه إلى الداخل تصيح :-
+
" مالذي تقوله ..؟! أنا زوجتك ... لا تنسى ذلك ..."
+
نطق ببرود وهو يجلس فوق سريره بإسترخاء :-
+
" يمكنني تطليقك حالا ...."
+
تشنجت ملامحها كليا وهي تهمس بصعوبة :-
+
" هل هنت عليك لهذه الدرجة يا كرم ...؟!"
+
تجاهل ذلك الألم الخفي في أعماق روحه ناطقا بقسوة :-
+
" هذا أفضل لك صدقيني ...."
+
أضاف ببرود:-
+
" هذا حالي يا هالة ... هذا وضعي الذي تعرفينه ... استوعبي إنني تغيرت ... لم أعد كرم السابق ... لذا سأقولها مجددا ... غادري وأنا لن أقف في طريقك ..."
+
اتجهت نحوه تجلس جانبه وتقبض على كفه تتجاهل تشنجه بسبب قربها ولمستها تخبره بصلابة :-
+
" أتركك ...؟! هل تعتقد إنني سأتركك حقا بهذه البساطة ...؟!"
+
هتف ببرود :-
+
" كما تشائين يا هالة ولكن بقائك هنا سيكون بشروطي وعلاقتنا ستسير بالطريقة التي أريدها ..."
+
اتجه بعينيه الحادتين نحوها مضيفا بقوة :-
+
" ولا تنتظري أن تعود علاقتنا إلى سابق عهدها ... فأنا تغيرت ... ولن أعود كما كنت ..."
+
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
+
" وأنا لن أنتظر منك ذلك ... حاليا على الأقل ولكن ..."
+
تنهدت ثم قالت :-
+
" أنا أحاول مساعدتك ... الوقوف جانبك في محنتك ..."
+
" لماذا ..؟!"
+
سألها ببرود لتجيب ببساطة :-
+
" لإنني زوجتك .. لإنني أحبك ..."
+
ضحك مرغما وهو يقول :-
+
" تحبيني ...؟!"
+
نطقت غير مصدقة :-
+
" لا أصدق إنك تشكك في مشاعري نحوك يا كرم ..."
+
قبض على ذراعها بيده السليمة يهدر بها :-
+
" نعم أشكك ... وكثيرا أيضا ... "
+
أكمل وعيناه تتقدان :-
+
" ولا أثق بك ولا بكلامك وتصرفاتك ... حتى وجودك هنا ليس بدافع الحب بل بدافع التخفيف عن ضميرك الذي يخبرك إنك سبّب إعاقتي هذا ... لذا توقفي عن إدعاء العكس ... كوني صريحة مع نفسك مرة واحدة يا هالة ... "
+
" لا أصدق ما تقوله ...!"
+
همست بها بعدم استيعاب .. لا تصدق إن من يتحدث عنها هكذا هو كرم ... كرم الذي يفترض إنه يعرفها أكثر من أي شخص ...
+
" أنا أحبك يا كرم ..."
+
نطقت بها برجاء .. رجاء أن يصدقها ...
+
رأت الرفض في عينيه ...
+
رأت التكذيب ...
+
انتفضت تصيح ودموعها تتساقط فوق وجنتيها :-
+
" كيف أجعلك تصدق ذلك ...؟! كيف يا كرم ...؟!"
+
" لا تتعبي نفسك ... "
+
قالها ببرود وهو يضيف :-
+
" أنا لم أعد كرم القديم الذي يصدقك دون تفكير ..."
+
أضاف مسترسلا بقسوة يسعى من خلالها لتدمير روحها أكثر :-
+
" كما إنني لم أعد كرم الذي يحبك ويريدك بكل الأحوال ... "
+
همست بصعوبة :-
+
" توقفت عن حبي ..."
+
نطق بوجوم:-
+
" ربما ، ما أدركه حاليا إنني لم أعد أراك كما إعتدت رؤيتك سابقا ...."
+
همست بصعوبة :-
+
" كيف أصبحت تراني ...؟!"
+
شملها بنظرة باردة قبل أن يجيب :-
+
" مشوهة ... زائفة ... أنت صورة خادعة لداخل مشوه تماما ... كل شيء بك مزيف ... "
+
لم تتحمل سماع المزيد ...
+
اندفعت نحوه تضربه فوق صدره وهي تصيح به :-
+
" أفق يا كرم ... أنا هالة حبيبتك ..."
+
تساقطت دموعها فوق وجنتيها بغزارة بينما تصيح بصوت باكي :-
+
" كيف تتحدث عني هكذا ..؟! كيف تراني هكذا ...؟! كيف ...؟!"
+
سقطت باكية فوق الأرضية بيأس تنتحب حالها وقلبها المجروح وروحها المذبوحة ...
+
بقي هو مكانه يتأملها بنفس الجمود يتجاهل قلبه الذي ينبض بألم على حالها ...
+
يقسو على نفسه قبل أن يقسو عليها ...
+
يتعمد جرحها ..
+
يتعمد إيلامها ...
+
يتحدى قوة تحملها وصبرها ...
+
يراهن على هزيمتها مبكرا ....
+
يراهن على رحيلها في أقرب وقت ....
+
***
+
نهضت بعدها تكفكف دموعها وهي تستعيد صلابتها ....
+
اتجهت نحو دورة المياه تغسل وجهها ...
+
وقفت أمام المرآة تتأمل ملامحها البائسة فتغسل وجهها بالمياه الباردة عدة مرات بينما تتساقط دموعها من جديد ....
+
عادت تبكي مجددا بصوت مكتوم ...
+
لا تعرف كم بقيت على هذا الحال ...
+
تبكي بأنفاس متقطعة بينما يقف هو خارجا يستمع لنشيج أنفاسها بقلب مقبوض بينما يعتصر قبضه كفه السليمة يعترصها بقوة ...
+
بقيت داخل الحمام لأكثر من ربع حتى استعادت السيطرة على نفسها واستعادت جزءا ثباتها ...
+
غادرت الغرفة لتجده نائما فاتجهت نحو الكنبة تتسطح فوقها ...
+
بقيت مستيقظة لأكثر من ساعتين تستعيد كلماته مرارا ...
+
سمعت صوت هلاوسه ...
+
تلك الكوابيس التي تزوره بإستمرار ....
+
انتفضت من مكانها بخوف وهي تتقدم نحوه فوجدته ينازع مع نفسه ...
+
العرق يتصبب من فوق جبينه ...
+
جسده ينتفض بقوة ...
+
همساته ترتفع ...
+
جلست جانبه تربت على وجهه تهمس بحنو :-
+
" كرم .. استيقظ ... "
+
ربتت على وجهه ببطأ حتى وجدته ينتفض بعد لحظات مطلقا صرخة يائسة جعلتها تتراجع إلى الخلف بخوف لحظي قبل أن تعانقه وهي تهمس له :-
+
" لا تخف يا كرم ... إنه مجرد كابوس .... لا تخف ..."
+
بدت تتعامل معه كأم حنون ...
+
تشبث بها وذكرى الكابوس تحاصره دون رحمة ...
+
تساقطت دموعه رغما عنه لينتفض باكيا بين ذراعيها ..
+
تجمدت للحظة لا تستوعب ما يحدث قبل أن تشدد من عناقه ...
+
بكي داخل أحضانه بنحيب جعل الدموع تطفر من عينيها ...
+
لا تعرف كم بقي على هذا الحالة حتى ابتعد عنها بعدما هدأ قليلا وتوقف عن البكاء ...
+
عاد بجسده إلى الخلف مستندا بظهره على السرير بوجهه المحمر بشدة وأنفاسه الهادرة ...
+
نهضت من مكانها سريعا تجلب له الماء تخبره وهي تجلس جانبه :-
+
" تناول الماء يا كرم ..."
+
تطلع لها بملامح مهزومة قبل أن يتناول القدح منها ويشربه على دفعة واحدة ...
+
تناولت القدح منه ووضعته جانبا قبل أن تلمس وجنته تخبره بحنو :-
+
" لا تقلق يا حبيبي ... كابوس وانتهى ..."
+
" كابوس النوم ينتهي أما كابوس الواقع فهو مستمر بلا نهاية ..."
+
" سينتهي ... والله سينتهي .."
+
قالتها بإصرار لتجده يتأملها بنظرات غريبة لم تفهمها عندما نطق بخفوت :-
+
" كم ستتحملين بعد ...؟! كم ستصبرين على هذا الوضع ...؟!"
+
" ما هذا السؤال ...؟!"
+
قالتها بتجهم ليهتف بجدية :-
+
" هل تعتقدين إنك ستتحملين طويلا ...؟! ومالذي ستتحملينه بالضبط ..؟! إعاقتي ...؟! غضبي ...؟! نقمتي عليك وعلى كل شيء حولي ...؟! انهزامي ...؟! ضعفي ...؟!"
+
" كرم ..."
+
نهرته بخفوت ليهتف بإصرار :-
+
" ما رأيته هو الواقع يا هالة ... أنا رجل ضعيف .. لست معاقا فقط ... بل ضعيف كذلك ومهزوم .. "
+
ابتسم بألم يضيف :-
+
" أنت الآن تبقين جانبي بدافع الواجب ... تأملين أن تعود الأمور إلى نصابها ولكن هذا لن يحدث ... سأبقى أنا كما الآن ... وأنت لن تتحملي ذلك طويلا ..."
+
" لا تحكم علي من نفسك ..."
+
قالتها بجدية ليهمس بصعوبة :-
+
" هذا واقع ... أنا رجل عاجز ... عاجز يا هالة ..."
+
أضاف بصدق :-
+
" أنت ما زلت لا تستوعبين هذا لإننا ما زلنا في البداية ...ولكن مع مرور الوقت ستنفرين مني ومن عجزي ... "
+
" هذا الكلام من وحي خيالك ..."
+
قالتها بعناد قبل أن تحتضن وجهه بين كفيها تخبره بصلابة :-
+
" أنا أحبك ومشاعري نحوك هي من تدفعني للبقاء جانبك ..."
+
" لا تكوني واثقة إلى هذا الحد ..."
+
قالها بتثاقل وهو يضيف :-
+
" هناك آخر كنت تحبينه أيضا ..."
+
قاطعته بحدة :-
+
" لا تجلب سيرته ..."
+
قال بثبات :-
+
" بل سأجلب .. أليس هو سبّب ما نعيشه حاليا ..؟! هو الذي بقى يطاردك حتى آخر لحظة ...؟! لماذا لا تذهبين إليه ...؟! ستجدينه ينتظرك ..."
+
صاحت معترضة :-
+
" كرم ..."
+
تجاهل غضبها المتصاعد وهو يضيف :-
+
" مالذي يجبرك على البقاء معي ...؟! اتركيني ... غادري حياتي .. عودي إليه فهو يستحقك أكثر مني ... هو من يحبك بكل الطرق وفي جميع الاوقات أما أنا فحبيب لديه دوافع ... يحبك بشروط ... يحبك لأسباب ما عادت موجودة ... عشقي لن يرضيكي بعد الآن ... مشاعري لن تكون كافية أبدا وأنت كذلك ... نفس الشيء ...أنا لن أكون رجلا كافيا لك يا هالة ... يوما ستدركين هذا ..."
+
اندفعت نحوه تصيح برفض :-
+
" توقف عن قول هذا ... لا تتحدث نيابة عني ...."
+
أكملت بعناد :-
+
" أنا لا يمكن أن أراك بهذه الطريقة ... كنت وسأظل أراك رجلا كاملا ... رجلا أريده زوجا لي وأب لأطفالي ... "
+
ضحك باستخفاف :-
+
" طموحك عالي يا هالة ..."
+
قالت معاندة :-
+
" هذا ليس طموح ... هذا واقع ..."
+
رفع حاجبه يسأل ببرود :-
+
" وكيف سننجب الأطفال ان شاءالله ...؟! بالمراسلة ...؟!"
+
عقدت ذراعيها أمام صدرها تخبره بجمود :-
+
" هل أردتني ورفضتك ...؟! أم إنك ستحلل تصرفاتي على مزاجك وتدعي إنني لا أريدك ..؟!"
+
شملها بنظرة وترتها :-
+
" هل تريدنني ...؟!"
+
ارتبكت لوهلة قبل أن تهمس بتردد مصرة أن تنحي خجلها وترددها ناحيا مفكرة إنه يحتاج بشدة أن يشعر بحبها بل ورغبتها به كرجل :-
+
" نعم أريدك ..."
+
قالتها بثبات مقصود ليهتف ببرود :-
+
" أثبتي ذلك لي ..."'
+
دون تردد تقدمت نحوه ومالت بوجهها أمامه تقترب بشفتيه من شفتيه تقبلها برقة ...
+
لوهلة تجاوب معها بنفس الرقة وقربها أجج مشاعره نحوها وأحياها مجددا ..
+
شعر بالضعف يعتريه مجددا بسبب قربها ...
+
قلبه الذي نبض بسعادة ومشاعره التي توهجت كليا ...
+
لحظات أخرى وقبض على ذراعها يجذبها نحو السرير ثم يعتليها ...
+
شهقت بصوت مكتوم قبل أن تناظره بعدم استيعاب فينحني نحوها يقبلها بشراسة مؤلمة بينما تجاهد هي لتتجاوب معه ...
+
بقي يقبلها بطريقة آلمتها حتى قضم شفتها بأسنانه بقسوة جعلت الدماء تطفر منها ...
+
ارتجفت بخوف من طريقته الهجومية ...
+
أرادت لوهلة أن توقفه لكنها منعت نفسها بقوة ...
+
تخبر نفسها إنه يحتاج لذلك ...
+
تتفهمه ... تتفهم شعوره بالضعف والهزيمة ...
+
شعور العجز الذي يكبله ...
+
تمنحه جسدها وروحها عسى ولعل ترضي جزءا من روحه الواهنة ....
+
ابتعد عنها يلهث بقوة ...
+
ظنته سيتوقف ...
+
سيبتعد عنها لكنها فاجئها وهو يمزق بيجامتها بعنف ثم ينثر قبلاته العنيفة فوق رقبتها وصدرها ...
+
حاولت أن تتجاوب معه ...
+
أرادت أن تشعره بقوة تأثيره عليها لكنها لم تستطع فعل ذلك ...
+
هو يتعامل معها بإندفاع مخيف وهي مجرد عذراء تخطو خطوتها الأولى في علاقتها الحميمة مع من يكون زوجها ...
+
لم تكن تعلم إنه يتعمد فعل ذلك ...
+
يتعامل معها بعنف غير مسبوق ...
+
يفرغ من خلال ذلك غضبه منها بل غضبه من نفسه التي ما زالت تميل لها ....
+
نالها بعنف وشراسة ...
+
سيطر على جسدها بكل جسده بينما استلمت هي لموجة عنفه بخضوع أرضى غريزته ....
+
كان يتسابق مع نفسه ...
+
يثبت لنفسها إنه يستطيع فعل ذلك حتى لو إحدى يديه معاقة ...
+
يستطيع وبشدة ...
+
نالها أخيرا وبأسوأ طريقة ممكنة ...
+
صرختها التي انطلقت بلوعة أخبرته بكل شيء ....
+
لقد هزهمها ...
+
حطم روحها بحق هذه المرة ....
+
اندفعت باكية وهي تعانق جسدها العاري بينما نام هو فوق ظهره لاهثا بقوة ....
+
يستمع لصوت نحيبها ...
+
يتأمل ظهرها العاري من الخلف وآثار أفعاله مطبوعة فوقه...
+
اندفعت بعدها تسحب الغطاء نحوها وتتجه نحو الحمام ...
+
أغلقت الباب خلفها بعنف ثم اندفعت نحو المرحاض تفرغ ما يملأ جوفها ...
+
اتكئت بعدها على الحائط خلفها تحتضن جسدها العاري بين ذراعيها وتبكي بعنف بينما اللحظات السابقة تتكرر ...
+
فجأة تحول لوحش يفترسها ...
+
تعامل معها بعنف غير مسبوق ....
+
نالها بقسوة مؤلمة ...
+
هشم روحها كليا ... حطم ما تبقى من ثباتها ...
+
وهي لم تجد فعل شيء سوى الإستسلام له ...
+
شرخ جديد يضاف بينهما...
+
شرخ يباعد المسافة بينهما أكثر ...
+
ما فعله هذه المرة كسرها ...
+
حطم ثباتها الواهي ...
+
زعزع كيانها ومنحها صفعة جديدة ومختلفة ..
+
صفعة من الشخص الذي ظنت إنه لن يؤذيها يوما مهما حدث فهو حبيبها اللطيف ، المحب والداعم ...
+
هل أخطئت في تفكيرها ..؟!
+
هل خدعها هو بلطفه الزائف مخفيا هذا الجانب المظلم عنها بمهارة أم هي من كانت غبية وحمقاء جذبها الظاهر ونسيت أن تفتش في الباطن المستتر خلف قناع الدماثة ..؟!
+
هناك لحظات فارقة في حياة كل منا ...
+
لحظات تنزع أرواحنا من أجسادنا ثم تنبعث بعدها أرواحا جديدة مختلفة تماما تناقض أرواحنا السابقة في كل شيء ...
+
يتبع في الجزء الثاني من الفصل الثامن عشر ..
+
نهضت من مكانها بروح محطمة ...
+
اتجهت بآلية أسفل مرذاذ المياه التي أخذت تنهمر فوق شعرها وجسدها بالتوازي مع دموعها التي شقت طريقها فوق وجنتيها ...
+
بقيت لفترة لا تعرف كم استمرت حتى تحركت بعدها تسحب منشفة ضخمة تحيط بها جسدها الواهن بشكل غير مسبوق ...
+
توقفت أمام المرآة لثواني قبل أن تمسحها بكفها تزيل آثار بخار المياه فتظهر صورتها بملامحها شديدة الإحمرار وعينيها اللتين بدتا كبركتين من الدماء ..
+
تنهدت بوجع لا آخر له وهي تفتح صنبور المياه ثم تغسل وجهها بالمياه الباردة عدة مرات مرارا قبل أن تجذب منشفة جانبية تمسح بها وجهها فتنتبه هذه المرة لجرح شفتها الواضح قبل أن تنحدر عينيها نحو رقبتها فترى آثار ما فعله بوضوح ثم منطقة ما فوق نحرها والتي تحمل كدمات خفيفة تشي بعنفه الغير مسبوق معها ...
+
شعرت بقشعريرة على طول عمودها الفقري جعلتها تحتضن جسدها بقوة دون وعي وعقلها يغيب مع تلك اللحظات المؤلمة التي عاشتها بين ذراعيه والتي لن تنسها أبدا بل ستبقى مطبوعة في ذاكرتها وروحها إلى الأبد ...
+
شعرت بخوف بديهي من خروجها ورؤيته مجددا ...
+
خشيت أن تراه ...
+
لا تصدق إنها باتت تخشاه ....
+
جرت قدميها بصعوبة إلى الخارج وقلبها ينبض بعنف وخوف لم تشعر بمثله مسبقا ...
+
غادرت دورة المياه لتنصدم بعدم وجوده في المكان ...
+
دارت ببصرها في أرجاء المكان بحيرة ...
+
اتجهت نحو السرير تجلس فوقه بتعب وعقلها يفكر في سبب مغادرته الغرفة ...
+
هل شعر بخطأه ..؟! هل يخجل من رؤيتها بعدما فعله ...؟! هل سيندم ...؟!
+
بقيت تفكر في سبب رحيله بحيرة قبل أن يبدأ القلق يتسرب إليها فأخذت تتسائل عن المكان الذي ذهب إليه وماذا يفعل ...
+
هل ذهب إلى إحدى الغرف المجاورة أم غادر المكان كله ...؟!
+
انتفضت من مكانها بحيرة وقلق لتتجه نحو خزانة الملابس تسحب ملابس عشوائية لها ترتديها قبل أن تغادر الغرفة بحثا عنه ...
+
***
+
يتكأ على سور الشرفة العالي بيده السليمة يتأمل السماء الشبه معتمة لا يضيئها سوى بضعة نجمات قليلة متباعدة ...
+
عتمة روحه لا تختلف عن عتمة السماء سوى إنها تفتقد حتى ذلك الضوء الضئيل الذي يخفف تلك العتمة فلا نجوم في عالمه كما غادر الضوء عالمه دون رجعة ...
+
تنهد بألم مدجج باليأس الذي بات يستحوذ على روحه كاملة والغضب يحتل خلايا جسده دون فكاك ...
+
ألم .. غضب ... يأس ... مرارة و رغبة بالإختفاء تجثم فوق صدره ...
+
جميعها مشاعر تحاوطه بل تسيطر عليه دون رحمة ...
+
مشاعر لا يدرك سببها الفعلي ...
+
ربما إعاقته ...
+
وربما خذلانه ممن كانت الأقرب لروحه ..
+
سعادته التي غادرته في لحظة فارقة تدمرت حياته تماما بعدها ...
+
جرحه عميق وغضبه يوازي جرحه بل يتفوق عليه ....
+
ما حدث الليلة جعله يتخبط رغم كل شيء ...
+
ما زال هناك جزء داخله يتعاطف معها ويلومه على ما اقترفه بحقها ...
+
ذلك الجزء الذي يجاهد مع نفسه لقتله تماما وكلما فشل في ذلك وتغلب هو عليه كلما ضاعف قسوته اتجاهها ...
+
هو يعاقبها على ذلك ويعاقب نفسه معها وتلك الحقيقة المريرة ...!
+
يجلد روحه كما يجلد روحها ...!
+
أغمض عينيه ونسمات الهواء الباردة قليلا تضرب وجهه بخفة ...
+
تذكر اللحظات السابقة ...
+
كيف منحته نفسها طواعية ...؟!
+
وكيف نالها هو بأسوأ طريقة ممكنة ...؟!
+
كان تحاول إرضاءه ... تسعى لإثبات صدق مشاعرها ... تجاهد لترضي رجولته التي تحطمت أسفل قدميها ...
+
وهو بدوره لم يمانع في إستغلال ذلك على أكمل وجه ..
+
نالها كما يجب أن يفعل ..
+
نالها وهو يقسم إنه ترك داخلها في أعماق روحها ندوبا لن تشفى بعد هذه الليلة ...
+
ورغم ذلك لم يشعر بطعم الانتصار ...!
+
كان عنيفا معها بطريقة لم يتوقع إنه سيكون عليها يوما ...
+
كان ينتقم منها ويسعى في ذات الوقت لإثبات رجولته أمامها وربما أمام نفسه حتى ...
+
كان يريد أن يخبر نفسه إنه ما زال قويا بل يبرهن لها ذلك ....!
+
والغريب إن لا شي ء تغير بعدما فعله ...
+
لم يستعد ولو جزءا من ثقته المحطمة بنفسه ورجولته ولم يشفِ غليله منها ولو قليلا كما كان يعتقد والأسوأ إن هناك شعور حقير داخله يلومه على ما فعله بها ....
+
عاد يتأمل السماء مجددا بنظرات منهكة يبحث في عمق ظلامها عن مجهول يتشبث به كي يدله إلى طريق الصواب ..
+
طريق الصواب الذي أضاعه تماما فبات يتخبط هنا وهناك دون رحمة ...
+
***
+
وقفت هالة في منتصف صالة الجلوس بحيرة تتسائل إذا ما كان غادر الفيلا بالفعل أم يجلس في إحدى غرفها ...!
+
تنهدت بعجز وقلق عليه ...
+
باتت لا تعرف كيف يفكر ويتصرف ...
+
لا يمكنها التخمين حتى ..!
+
تحركت تتجه نحو المطبخ ببؤس تخرج لها المياه الباردة من الثلاجة ثم سارعت تصب المياه في أحد الكؤوس وترتشفه على دفعة واحدة ..
+
الساعة تجاوزت الواحدة صباحا والجميع يغط في نومه وهي لا تستطيع فعل شيء سوى انتظار ظهوره ...
+
شعرت بالإختناق فقررت التوجه إلى الحديقة عل الجو خارجا ينجح في تبديد القليل من الضيق الذي يملأ روحها ويخفف من إختناقها ..
+
أخذت تسير داخل الحديقة دون وجهة محددة قبل أن تتوقف في منتصف المكان تأخذ نفسا عميقا عدة مرات متتالية ثم ترفع عينيها نحو الأعلى تتأمل السماء المظلمة بنجومها المضيئة بشرود غافلة عن كونه رآها منذ خروجها إلى الحديقه فتبعتها عيناه بتركيز ...
+
ماذا كان ينتظر ...؟! أن تنهار ...؟!
+
بالطبع لا ... لن تعلن انهيارها بسهولة ..
+
لن تعلن هزيمتها ....
+
كان يراهن على ذلك .. يراهن على قدرتها في تجاوز ما حدث بينهما وربح الرهان ....
+
ثواني ووجد شقيقته تتجه نحوها ..
+
تغضن جبينه بحيرة بينما هايدي تندفع نحو هالة بعدما رآتها بالصدفة من نافذة غرفتها وهي تجري اتصالا مع أحدهم ..
+
شعرت هالة بها فإستدارت نحوها بملامح واجمة ..
+
" ماذا تفعلين يا هانم ...؟! تتركين شقيقي لوحده في الأعلى وتتجولين هنا ...؟!"
+
قالتها هايدي بنبرة هجومية تجاهلتها هالة وهي تتسائل بوجوم فلا ينقصها سوى هايدي في هذا الوقت :-
+
" هل هناك مشكلة ..؟!"
+
أجابت هايدي من بين أسنانها :-
+
" نعم هناك ... "
+
أضافت وهي تقترب منها أكثر فبات وجهها يقابل وجه الأخيرة :-
+
" عليك أن تبقي جانبه ... لا تتركيه أبدا ... ربما يحتاج شيئا ... "
+
" أنا لا أتركه بالفعل ..."
+
قالتها هالة بجدية لتهتف هايدي ببرود :-
+
" بالطبع لن تتركينه ... هذا واجبك يا هانم ..."
+
" ليكن بعلمك أن أفعل ذلك برضاي ... لا أفعل ذلك مجبرة ..."
+
" لا أحد يهتم لذلك صدقيني ..."
+
قالتها هايدي بثبات وهي تضيف بتعنت :-
+
" برضاك أو حتى رغما عنك .. إنه واجبك يا هانم ... ما هو مطلوب منك ... خدمته ورعايته حتى يستعيد عافيته ... "
+
نطقت هالة بثبات :-
+
"بالطبع واجبي .. أليس زوجي ...؟!"
+
اصطنعت هايدي ضحكة سريعة خافتة قبل أن تهتف بنبرة هازئة :-
+
" زوجك الذي لا يطيق النظر في وجهك ..."
+
همست هالة بتحدي :-
+
" أنا أتفهم وضعه وصعوبة ما يمر به .. هو مضطرب حاليا ولكنه ..."
+
أخذت نفسا عمقا ثم قالت :-
+
" سيستعيد ثباته واتزانه مجددا ... سيعود كل شيء إلى نصابه .."
+
سألت هايدي بتهكم :-
+
" هل تثقين بذلك حقا ...؟!"
+
شمخت هالة برأسها تخبرها بثقة :-
+
" بالطبع ... كرم ما زال يحبني ويريدني وإلا ما كان ليبقيني جانبه بعد الحادث ... كان سيتركني على الفور ولكنه ما زال يريدني كزوجة وحبيبة ..."
+
" أو ربما كخادمة ...."
+
قالتها هايدي ببرود جعل ملامح هالة تبهت لا إراديا بينما الأخيرة تضيف :-
+
" أنت تعلمين إنه يحتاج لمن تراعيه وتعتني به حتى يعتاد على وضعه الحالي ... ربما فكر أن يجلبك معه بدلا من البحث عن خادمة تؤدي هذه المهمة .. على الأقل لن يدفع أموالا لك ..."
+
لم تتحمل هالة ما يحدث ...
+
سارعت ترفع كفها بنية صفعها لكن الأخيرة توقعت ذلك فقبضت على كفها قبل أن تسقط فوق وجنتها ثم ضغطت عليها بقوة بينما تهمس أمام عيني الأخيرة المشتعلتين تماما :-
+
" ستدفعين ثمن أخطائك كاملة يا هالة ... أنت لم ترِ شيئا بعد .... ما زلنا في بداية الطريق ... "
+
قبضت على كفها بقسوة أكبر وهي تجذبها نحوها حتى ارتطم كتفي هالة بكتفيها فتسترسل بنفس القسوة والجبروت الذي أرهب هالة رغما عنها :-
+
" أنت وذلك الحقير ... ستدفعان ثمن أفعالكما غاليا ... ستصلان إلى مرحلة تتمنيان فيها لو لم يكن لكما وجود في هذا العالم ... أنتما لا تدركان حتى الآن مع من تلاعبتما لكنكما ستدركان هذا قريبا ..."
+
أنهت حديثها مع دفعة قاسية جعلت الأخيرة تسقط أرضا رغما عنها والهلع ظهر بوضوح في نظرات عينيها ...
+
هلع أرضى غرور الأخيرة التي رمتها بنظرات مليئة بالتوعد قبل أن تتحرك بخيلاء مغادرة المكان تاركة هالة تتابعها بملامح غزاها الشحوب بينما عقلها يخبرها أن تهرب بسرعة وقلبها يرفض ذلك بقوة فبقيت هي حائرة بين قرار عقلها الذي يناقض رغبات قلبها بشدة ...!
+
***
+
عادت هالة إلى الغرفة سريعا لتجده هناك ...
+
تمتمت بدهشة :-
+
" كرم ... أنت هنا ..."
+
قابل هو دهشتها بملامح باردة بينما يسألها بحدة :-
+
" أين كنتِ ..؟!"
+
أجابته بهدوء فهي باتت تعتاد على نبرته تلك وعدائيته الصريحة معها :-
+
" كنت في الحديقة ...!"
+
عاد يسألها بتجهم :-
+
" ماذا تفعلين في الحديقة ..؟!"
+
ردت بشكل بديهي :-
+
" لا شيء ... "
+
ان تخبره إنها كانت تبحث عنه أساسا وبالطبع لن تخبره عن شعورها بالإختناق الذي دفعها للخروج إلى الحديقة لإسشتناق القليل من الهواء النقي ...
+
" أردت السير فيها قليلا ..."
+
قالتها بهدوء بينما تراقب نظراته الواجمة تماما لتهمس بحيرة :-
+
" هل هناك مشكلة في ذلك ...؟!"
+
رد ببرود :-
+
" لا مشكلة ... "
+
اومأت برأسها قبل أن تنحدر عينيها نحو نصفه العاري فيجتاحها شعور غريب بالرهبة وقد عادت ذكريات اللحظات السابقة تتدفق في رأسها ..
+
تجاهلت أفكارها تلك مثلما قررت أن تتجاهل ما حدث بينهما عندما سألته بحذر :-
+
" هل أساعدك في ارتداء ..."
+
قاطعها على الفور :-
+
" لا داعي لذلك ... سأنام هكذا ..."
+
هزت رأسها بطاعة ليضيف بنبرة آمرة :-
+
" وأنتِ ستنامين جانبي بعد الآن ...."
+
توترت كليا وقد ظهر خوف بديهي في عينيها ...
+
خوف نحته جانبا وهي تتقدم نحوه بينما تهمس بنفس الطاعة :-
+
" حسنا .."
+
جلست جانبه على السرير لتجده يتمدد على الجانب بينما يأمرها قبل أن يلقي الغطاء فوق جسده :-
+
" أطفئي الضوء .."
+
تحركت بآلية تطفئ الضوء ثم تحمل مخدتها وتضعها فوق الجانب الآخر قبل أن تتمدد جانبه ...
+
بتردد انكمشت تبتعد عنه قليلا بينما هو كان يوليها ظهره من الأساس ...
+
أغمضت عينيها بصعوبة تتجاهل أفكارها المتعبة ...
+
غط هو في نومه بينما بقيت هي عاجزة عن النوم لحوالي ساعتين قبل أن يغلبها النوم بالفعل ...
+
استيقظت في اليوم التالي شبه فزعة فتلك الساعات القليلة التي غفت فيها كانت مليئة بالكوابيس المرعبة ...
+
تأملته من الجانب فوجدته نائما بسلام لتبتسم ب مرارة مفكرة إن الليلة على غير العادة كانت الكوابيس من نصيبها هي لا من نصيبه ...
+
نهضت من مكانها واتجهت نحو الخزانة تسحب ملابسا للخروج ...
+
اتجهت نحو الحمام تأخذ حماما سريعا باردا قبل أن تغادره عائدة نحو طاولة الزينة حيث تسرح شعرها وتضع القليل من زينة الوجه التي تحتاجها أكثر من أي وقت لتخفي إنهاك وجهها وجرح شفتها ...
+
***
+
استيقظ من نومه ليجدها تجلس أمام المرآة وهي تهندم شعرها المصفف بعناية ...
+
اعتدل في جلسته يراقبها بتمعن عندما استدارت هي نحوه بعدما أدركت إستيقاظه تبتسم له بإرتباك خفي بينما تهمس :-
+
" صباح الخير ..."
+
هتف بنبرة جافة :-
+
" ساعديني بتغيير ملابسي ..."
+
نهضت من مكانها واتجهت نحو الخزانة تخرج له ملابسا مناسبة ثم ساعدته في إرتدائها عندما سألها :-
+
" هل ستذهبين إلى مكان ما ...؟!"
+
اومأت برأسها ثم هتفت :-
+
" سأذهب إلى القصر ... "
+
باغتها متسائلاً بحدة :-
+
" لماذا ..؟!"
+
أجابت كاذبة :-
+
" خالتي مريضة قليلا .... يجب أن أراها ..."
+
تأملها بصمت امتد للحظات قبل أن يهتف بنبرة جافة :-
+
" حسنا إذهبي ولكن لا تتأخري ..."
+
تنهدت قائلة :-
+
" بالتأكيد لن أفعل ..."
+
هبطا بعدها إلى الطابق السفلي حيث جلسا على مائدة الطعام مع والدته وشقيقته التي كانت تتجاهلها بتعمد ...
+
تناولت طعامها سريعا قبل أن تنهض من مكانها تخبره بهدوء :-
+
" سأغادر الآن يا كرم ..."
+
أشارت الى حماتها :-
+
" عن إذنك ..."
+
راقبتها هايدي حتى غادرت لتسأل شقيقها :-
+
" إلى أين ستذهب الهانم منذ الصباح الباكر ان شاءالله ..؟!"
+
رد كرم دون أن ينظر نحوها :-
+
" خالتها مريضة وستذهب لزيارتها ..."
+
أما هالة فقابلت نانسي التي كانت تصف سيارتها في الكراج ...
+
ابتسمت وهي تبادلها التحية قبل أن تبتسم لطفلتها التي كانت بين ذراعيها وطفلها الذي تحمله مربيته ...
+
أخبرتها إنها ستذهب لرؤية خالتها ثم اتجهت نحو سيارتها ...
+
أخذت مكانها أمام مقود السيارة مفكرة مجددا فيما تفعله ...
+
أجرت إتصالا سريعا تتأكد فيه من ثبات الموعد قبل إن تنطلق بسيارتها متوجهة إلى مكانها المنشود حيث أحد أشهر المراكز المخصصة للتأهيل النفسي ...!
+
***
+
بقيت تهاني تراقب ولدها الذي بقي جالسا مكانه أمام الطاولة بسكون وملامحه تحمل تجهما بات رفيقها منذ لحظة إفاقته من تلك الحادثة ...!
+
تأملت نهوض ابنتها حتى اختفت من أمام ناظريها فمدت كفّها تحتضن كفه توقظه من شروده ...
+
تغضن جبينه بحيرة عندما منحته إبتسامة دافئة وهي تتمتم :-
+
" ما بالك شاردا هكذا يا كرم ...؟!"
+
تنهد يجيب بإقتضاب :-
+
" لا شيء ... شردت قليلا فقط ... هل توجد مشكلة في ذلك ...؟!"
+
همهمت قائلة :-
+
" بالطبع لا ولكنك تبقى صامتا طوال الوقت ناهيك عن كوننا لا نريك طوال اليوم إلا قليلا جدا .."
+
هتف بجمود :-
+
" أنا مرتاح هكذا ...."
+
" وأنا لا أريد سوى راحتك ..."
+
قالتها بصدق وهي تضيف بأسف :-
+
" ولإنني أعلم جيدا إنك لست مرتاحا أبدا فلا يعجبني هذا الوضع وما تفعله بنفسك ..."
+
انتفض من مكانه يهتف بحدة :-
+
" أنا بخير ... لست بحاجة لنصائح منك ... ولا حتى من غيرك ..."
+
نهضت من مكانها تهتف بسرعة :-
+
" أنا أمك ..."
+
" حتى لو ..."
+
قالها بثبات قبل أن يضيف بقوة محملة بحدة وشراسة لا تعرف متى بات ولدها يمتلكها :-
+
" دعوني وشأني وتوقفوا عن التدخل بحياتي والتعليق على تصرفاتي ..."
+
انتبه لقدوم نانسي التي توقفت قبالهما بقلق صريح بينما تحمل طفلتها بين ذراعيها ...
+
التفتت تهاني نحوها فرسمت إبتسامة شاحبة على وجهها عندما نطقت نانسي بإبتسامة هادئة :-
+
" صباح الخير ..."
+
ردت تهاني تحيتها وفعل كرم كذلك قبل أن يستأذن مغادرا تلاحقه نظرات نانسي الحزينة على حاله قبل أن تتوجه نحو والدتها مع طفلتها وخلفها المربية تحمل طفلها ....
+
بعدما رحبت بها تهاني وعانقت طفليها بحب تحركت المربية مع الطفلين متجهة إلى غرفة نانسي كما طلبت منها الأخيرة بينما هتفت نانسي بوالدتها بجدية :-
+
" لا تحزني بسبب كرم ... هو ما زال يعاني من آثر الصدمة ..."
+
تنهدت تهاني تخبرها :-
+
" وضعه يقلقني يا نانسي ... أخشى عليه كثيرا ..."
+
أضاف بقلق أمومي :-
+
" كل يوم جديد يمر أجده يتغير أكثر ... كأنه شخص آخر مختلف تماما عن كرم الذي أعرفه ..."
+
همست نانسي بخفوت :-
+
" ومن منا لم تغيره الحياة يا ماما ...؟! جميعنا نتغير ... الحياة بمواقفها وصدماتها تجبرنا على ذلك ..."
+
أضافت بصدق :-
+
" ما يحدث معه طبيعي ...كرم يسعى لإخفاء آلمه بسبب ما أصابه بتلك الطريقة ... يتعمد أن يفعل ذلك كي لا يظهر حزنه أمامنا ... كي لا يعري ضعفه الذي يكرهه ... "
+
تنهدت تهمس بتمني :-
+
" أتمنى فقط أن يتجاوز هذه المرحلة سريعا ويعود إلى صوابه ويبدأ بالعلاج ..."
+
نهضت بعدها من مكانه تتوجه نحوه حيث انفرد بنفسه كعادته في غرفة نومه ....
+
طرقت على الباب بحذر ليأتيها صوته بعد لحظات يسمح لها بالدخول ..
+
دلفت إلى الداخل بتردد عندما رفع بصره نحوها فظهر الرفض صريح في عينيه ...
+
رفض تجاهلته وهي تتقدم نحوه بعدما أغلقت الباب خلفها ...
+
جلست جانبه تجاوره على الكنبة بينما تخبره بعفوية صادقة :-
+
" اشتقت لكرم .. اشتقت لشقيقي الصغير اللطيف المرح ... "
+
تغضن جبينه وتشنج جسده كليا برفض لما يسمعه بينما عقله يبتر كل ذكرى متعلقة بماضي بات يمقته والأسوأ إنه يمقت حاضره بنفس القوة ولا يستبشر خيرا في مستقبله ...
+
استدارت نحوه تناظره بعينين حانيتين بينما تخبره بهدوء :-
+
" لا ألومك على ما تفعله ولكن ..."
+
صمتت قليلا تتابع تجهم ملامحه تدريجيا فتضيف بحرص :-
+
" أتمنى ألا يطول هذا كثيرا ..."
+
أطلقت تنهيدة خفيفة قبل أن تضيف برجاء :-
+
" أتمنى أن تتجاوز بسرعة ما حدث ... أنت قوي يا كرم ... دع هذه الصدمة تقويك بدلا من أن تحطمك ... "
+
أكملت بثقة :-
+
" أدرك حجم قوتك ... أثق بقدرتك على التجاوز ... فقط لا تسمح لليأس أن يسيطر عليك ولا تجعل الخراب يملأ روحك ..."
+
مدت كفّها تقبض على كفه المضموم بقبضة شديدة فوق فخذه ...
+
ربتت على كفه برعاية بالغة عندما صدح صوته أخيرا مشحونا بعاطفة مريرة :-
+
" أريد البقاء لوحدي .. من فضلك ..."
+
كانت نبرته تحمل رجاءا خالصا ...
+
تفهمت رغبته بذلك فنهضت من مكانه تشيعه بنظرة أخيرة مليئة بالحب والحنان والرجاء والدعم ...
+
غادرت بعدها تاركة إياه وحده وشعور الإختناق يتزايد داخله تدريجيا ...
+
هذه الأحاديث تخنقه بل وجودهم حوله يخنقه دون رحمة ...
+
لا يريد قربهم ...
+
لا يريد مواساتهم ..
+
لا يريد دعمهم ..
+
لا يريدهم ...
+
يكره هذا الشعور الذي يعايشه كلما قابل أحدهم ...
+
يكره ما يشعره وهو يرى حزن والدته الواضح ...
+
يكره تلك النظرات التي يخصونه بها .. نظرات مليئة بالحزن والشفقة ...
+
يكره كل هذا ولم يعد يطيق تحمله ...
+
وفي النهاية حسم قراره وأبلغها به ما إن عادت من الخارج :-
+
" جهزي نفسك .. سننتقل خلال يومين إلى شقتنا ... "
+
تركها بعدها مغادرا الغرفة بأكملها بينما بقيت هي واقفة مكانها بوجوم ورغم كل شيء وجدت نفسها لا ترغب بذلك ...
+
لا تريد أن تغادر معه إلى تلك الشقة حيث هي وهو ولا ثالث سواهما ...!
+
***
+
أمام ماكينة إعداد القهوة وقف عادل يعد القهوة له ولأثير الذي كان ينظف مائدة الطعام بعدما تناولا طعام العشاء سويا ...
+
أنهى أثير عمله واتجه نحو غرفة الجلوس يتبعه عادل وهو يحمل كوبين من القهوة الساخنة يهتف برحابة :-
+
" والقهوة جاهزة أيضا ..."
+
تناول أثير الكوب منه يرتشف القليل من القهوة الساخنة بينما جلس عادل قباله ليهتف أثير بجدية :-
+
" هذه الجلسة ينقصها مهند ..."
+
هتف عادل ممازحا :-
+
" مهند مع زوجته الصغيرة يحاول إعادة تربيتها ..."
+
تمتم أثير ساخرا :-
+
" أو هي من تعيد تربيته ..."
+
ضحك عادل ثم قال بعدها :-
+
" إنه يعاني ...."
+
تنهد مضيفا :-
+
" مهمته ليست سهلة ..."
+
قال أثير بجدية :-
+
" أشفق عليه ..."
+
ثم أضاف :-
+
" ولكنني أشفق عليها أكثر ...."
+
قال عادل بجدية :-
+
" هذا صحيح ... الفتاة عانت كثيرا ..."
+
أومأ أثير برأسه يؤيده :-
+
" نعم ، فقدت والديها في سن مبكرة ... ثم زواجها من مهند الذي لا استطيع أن أستسيغه حتى الآن ..."
+
" ألم تكن راضيا عن الزيجة ..؟!"
+
سأله عادل بإهتمام ليجيب :-
+
" لم أكن متواجدا في البلاد أساسا وحتى ماما كانت خارج البلاد ولم تعلم بأمر الزيجة إلا بعد إتمامها بفترة .. وقتها غضب كثيرا وتشاجرت مع خالي ولكن واقعيا لا حكم لنا عليها ... في النهاية أخيها كان الوصي عليها وما جرى بينه وبين خالي لا أحد يستطيع التدخل به ... "
+
هز عادل رأسه متفهما قبل أن يقول بهدوء :-
+
" ولكن مهند حقا يريد مساعدتها ويسعى لذلك ..."
+
قال أثير بإدراك :-
+
" لا شك لدي في ذلك ولكن مهند تحديدا هذه المهمة أصعب عليه من غيره ... أنت تعلم شخصيته وطباعه ... "
+
قال عادل بجدية :-
+
" صحيح ، جيلان تحتاج لشخص صبور يتحمل تخبطاتها وإنفعالاتها ... شخص يحتويها ويهادنها ومهند أبعد ما يكون عن هذا الشخص ورغم ذلك أتمنى أن يخيب ظننا وينجح في مهمته خاصة إنه يريد ذلك بشدة ..."
+
أضاف بعدها :-
+
" وأنت ..؟! ما أخبارك ...؟! هل ما زلت تخاصم والدتك ...؟!"
+
سيطر العبوس على ملامح أثير بينما يجيب :-
+
" نعم ، ما فعلته ليس قليلا ..."
+
أكمل بجدية :-
+
" أنت تعلم مدى حبي لوالدتي وإعتزازي بها ... لم أتوقع يوما أن تأتي الطعنة منها ..!"
+
صمت عادل قليلا ثم قال :-
+
" لا أعتقد إن والدتك ستصبر على مقاطعتك لها ... ربما تجدها فوق رأسك صباح الغد ..."
+
ضحك أثير مرددا :-
+
" لا أستغرب أي شيء من زمرد هانم ..."
+
أكمل أثير بعدها :-
+
" ألا تريد السهر خارجا ....؟!"
+
قال عادل بجدية :-
+
" أجلّها للغد ..."
+
أضاف بإهتمام :-
+
" كيف يسير عملك هنا ...؟! هل إعتدت على البلاد ...؟!"
+
" أعتاد تدريجيا ..."
+
قالها بهدوء عندما سأله عادل بتردد :-
+
" هل سألت عن هالة بعدما علمت بإستيقاظها ومغادرتها العناية المشددة ...؟!"
+
هز أثير رأسه وهو يجيب بجمود :-
+
" كلا ، هي بخير وهذا ما يهم ... "
+
" نعم ، هذا ما يهم ..."
+
قالها عادل وهو يضيف بعقلانية :-
+
" آن الآوان لتلتفت إلى نفسك أنت أيضا ... تفكر في مستقبلك ... "
+
أضاف بخفة :-
+
" والحب سيأتي دوره أيضا ولكن في الوقت المناسب ..."
+
" صدقني لم يعد الحب من ضمن إهتماماتي ولن يكون ...."
+
تأمله عادل لوهلة قبل أن يقول بحكمة :-
+
" هذا أفضل حاليا ... من الجيد إنك تفكر بهذه الطريقة ...جميعنا بعد أي تجربة مؤلمة نحتاج إلى وقت كافي للتعافي ... "
+
قالها عادل بإقرار ليتمتم أثير بخفة :-
+
" توقف عن لعب دور الطبيب في كل موقف وحديث يا عادل ... "
+
قابله عادل في جلسته وهو يحمل معه كوب القهوة خاصته يخبره بجدية :-
+
" ما أقصده إنني لا أريدك أن تدخل في تجربة جديدة وأنت لم تتعافَ بعد من تجربتك السابقة ..."
+
قال أثير ببديهية :-
+
" من قال إنني سأفعل ..؟!"
+
تنهد مضيفا :-
+
" إطمئن يا عادل ... أنا لا أفكر بالإرتباط ... أضع حاليا جم تركيزي في عملي وأسعى للتقدم أكثر فيه ..."
+
شاغبه عادل :-
+
" هل ستعيش راهبا ...؟! "
+
هتف أثير بجهل صادق :-
+
" لا أعلم ولا أهتم أن أعلم ... حاليا لا أفكر بهذا ..."
+
تنهد مضيفا :-
+
" ربما سأفعل بعد أعوام أكون حينها تجاوزت ولو جزءا من هذه التجربة واستعدت ثباتي وقدرتي على الدخول في علاقة جديدة ..."
+
صمت للحظة ثم أضاف بخفوت :-
+
" علاقة سيكون أساسها العقل ولا دخل للقلب فيها ، فأنا لن أبحث عن الحب بعد الآن ..."
+
قال عادل بجدية :-
+
" لا تكن واثقا من ذلك فالحب يطرق باب القلب دون إستئذان ..."
+
" صعب يا عادل ..."
+
قالها أثير وهو يضيف بشرود :-
+
" أنت تعلم إنني لم أكن يوما رجلا يفكر بالحب أو يبحث عنه ... لم يكن الحب هدفي يوما حتى قابلتها فإنقلب كل شيء رأسا على عقبا ..."
+
صمت لوهلة قبل أن يضيف :-
+
" وبعد انفصالنا حاولت كثيرا أن أكون مع غيرها ... بحثت عمن تملأ الفراغ الذي خلفته هي .. تعرفت على أجمل الفتيات وأفضلهن ممن يتفوقن عليها بكل شيء ولم أنجح في تخطيها ... "
+
ضحك بخفة قائلا :-
+
" لذا كما أخبرتك ، الحب غادر حياتي دون رجعة وعندما أقرر الزواج يوما ما سيكون زواجا عقلانيا لأجل الاستقرار وتكوين عائلة .. زواج ممن تصلح تكون زوجة لي وأم لأولادي ... ممن أتوافق معها فكريا وأجد راحتي معها لا أكثر ..."
+
هز عادل رأسه بتفهم بينما صدح صوت رنين هاتف أثير ليعتدل في جلسته وهو يسحب الهاتف مرددا :-
+
" إنها سولاف ..."
+
أجاب على الفور ليأتيه صوتها الباكي فيهتف بقلق :-
+
" ماذا حدث يا سولاف ..؟! لماذا تبكين ..؟!"
+
" جدتي مريضة يا أثير ... مريضة جدا ..."
+
أضافت باكية :-
+
" تعال بسرعة ... جدتي تحتضر ..."
+
انتفض من مكانه ينظر نحو صديقه بجزع قبل أن يخبره دون تفكير :-
+
" إحجز لي أول تذكرة إلى البلاد فجدتي مريضة ...."
+
***
+
مساءا ...
+
تقف قرب النافذة تتطلع إلى الخارج بين الحين والآخر تنتظر عودته بقلق ...
+
يتابعها زوجها الجالس فوق سريره بوجوم قبل أن يتسائل بملل :-
+
" ألن تنامي يا ألفت ..؟!"
+
أجابته دون أن تنظر نحوه :-
+
" يمكنك النوم .. أنا لا أريد النوم حاليا ..."
+
" إياس ليس بطفل صغير تنتظرينه كي يعود ..."
+
قالها بتهكم جعلها تلتفت نحوه بملامح محتدة قبل أن تقول :-
+
" لا شأن لك بذلك ..."
+
احتدت نبرته :-
+
" أنا زوجك ولدي حقوق عليك مثل ولدك يا هانم ..."
+
هتفت بصلابة :-
+
" لا أحد يماثل ابني بالنسبة لي يا عارف ..."
+
أضافت وهي تتحرك خارجا :-
+
" نم أنت وأنا سأنتظر ولدي في ألأسفل ..."
+
ودون أن تنتظر جوابه أطفئت الضوء وغادرت الغرفة مغلقة الباب خلفها ...
+
اتجهت نحو الطابق السفلي حيث صالة الجلوس وبقيت هناك تنتظر عودته بقلق ...
+
هو لا يتأخر عادة في العودة ...
+
زفرت أنفاسها بقلق وهي تحسم أمرها مقررة الإتصال به فالساعة تجاوزت الثانية عشر صباحا ...
+
لم يجبها كما توقعت ...
+
في البداية تجاهل اتصالها ثم في المرة الثانية رفضه ...
+
نهضت من مكانها تتحرك بعصبية وقلق عندما خيل لها سماع صوت الباب يفتح ...
+
ركضت بسرعة لتجده يتقدم إلى الداخل عندما نطقت إسمه بلهفة ثم سارعت تتقدم نحوه تعانقه بحنو جمده مكانه وكالعادة لم يتجاوب معها حيث بقي جامدا بين أحضانها ...
+
ابتعدت عنه تسأله معاتبة :-
+
" أين كنت يا إياس ...؟! لمَ تأخرت في العودة على غير عادتك ..؟!"
+
أجابها بنبرة مقتضبة :-
+
" كان لدي عمل أنهيته ثم عدت ..."
+
غادر بعدها متجها إلى جناحه تتابعه هي بقلق فهناك شيء ما فيه مختلف عن العادة ...
+
شيء ليس بجيد على الإطلاق ....!
+
أما هو فدلف إلى الجناح وسارع يخلع سترته ويلقيها على السرير قبل أن يتحرك داخل الجناح بعصبية ما زالت تسيطر عليه ...
+
لن ينسى ما حدث ...
+
لن يتقبل ما فعلته وتركها له بهذه البساطة ...
+
اتجه نحو السترة يسحبها ثم يخرج من جيبها خاتمها وكذلك خاتمه الذي خلعه بدوره ....
+
رفع الخاتمين يتأملها بجمود وعقله يخبره إنه أخطأ التقدير ...
+
لأول مرة يخطأ في تقييم أحدهم ...
+
خدعته تلك الهالة المزيفة التي تحاوطها ...
+
ذلك اللطف الذي يشع منها والبراءة التي جذبته نحوها لم تكن حقيقية ...
+
هي لم تكن هينة أبدا وهو أخطأ في كشف خبايا روحها ليتفاجئ بتصرفات وردود أفعال لا تشبه الشخصية التي رسمها لها في خياله ...
+
الشخصية التي كان يبحث عنها والتي ترضيه بشدة ...
+
اتجه نحو طاولة الزينة يضع الخاتمين فوقهما مفكرا في الخطوة القادمة ...
+
هل يطلقها ...؟! ببساطة ...؟!
+
الأمر لن يكون بهذه السهولة خاصة بالنسبة لجده الذي كان سعيدا للغاية بهذا النسب ....
+
هو لا يريد أن يخذل جده ...!
+
لا يريد أن يفقد ثقته به ...!
+
تجاهل أفكاره تلك مقررا اللجوء إلى النوم عله يرتاح قليلا ثم يستيقظ في اليوم بذهن صافي يجعله يتخذ القرار الصحيح بشأن ما حدث ...!
+
***
+
في صباح اليوم التالي ...
+
دلفت ألفت إلى جناح ولدها بعدما طرقت الباب عدة مرات دون إجابة ...
+
تأملت الجناح الفارغ قبل أن تنتبه لصوت المياه القادم من الداخل فعلمت إنه يستحم ...
+
تنهدت وهي تتقدم نحو الكنبة تجلس عليها تنتظره ليخرج ثم تفهم منه ما يحدث فطوال الليلة السابقة لم تستطع النوم وهي تفكر في ولدها الذي بدا مختلفا عند عودته وملامحه تشي بحدوث شيء جلل معه ...
+
انتبهت بعد لحظات لما هو موضوع فوق الطاولة فنهضت تتقدم إلى هناك عندما حملت الخاتم الماسي الخاص بخطيبته لتشعر بالصدمة والقلق في ذات الوقت ...
+
لحظات وغادر إياس حمامه ليندهش من وجودها بينما استدارت هي نحوه ترمقه وهو يقف قباله بصدره العاري يلف خصره بمنشفة وخصلاته المبللة تتساقط فوق جبينه ...
+
تسائل بحدة :-
+
" كيف تدخلين جناحي دون إذني ..؟!"
+
تجاهلت سؤاله وهي تشير له بالخاتم :-
+
" ما هذا يا إياس ...؟! "
+
رد بلا مبالاة وهو يتجه نحو الخزانة يسحب قميصا له :-
+
" خاتم توليب ... "
+
" المعنى ...؟!"
+
" لم يعد هناك خطبة ..."
+
قالها ببرود جعلها تشب غصبا وهي تهدر :-
+
" ماذا تقول أنت ...؟! كيف يعني لم يعد هناك خطبة ...؟! هل الأمر بهذه السهولة ...؟!"
+
رد وهو يواجهها ببرود مثير للغيظ :-
+
" بل أكثر سهولة مما تظنين .."
+
تسائلت بعصبية مكتومة :-
+
" ماذا فعلت للفتاة يا إياس ...؟! مالذي فعلته وجعلها تفسخ الخطبة ..؟!"
+
تسائل بحاجب مرفوع :-
+
" ولمَ إفترضت إنها من فسخت الخطبة وليس أنا ..؟! ولمَ تعتقدين إنني السبب وليست هي ..؟!"
+
أجابت بجدية :-
+
"لا أحتاج إلى التفكير حتى لأدرك إنك تسببت بشيء جعلها تفسخ الخطبة ... "
+
أضافت بحكمة :-
+
" ربما لم أعرفها جيدا بعد لكنها من الواضح كم هي فتاة عاقلة وذكية وودودة وبالتالي لن تفسخ الخطبة دون سبب وجيه ..."
+
هتف ساخرا بتعمد :-
+
" رائع ، أنا الشرير دائما في رواية أحدهم ..."
+
تنهدت ثم قالت بحرص :-
+
" اسمعني يا إياس ... لا تخسر توليب ... توليب فتاة رائعة ولن تجد مثلها أبدا..."
+
رد بغرور :-
+
" بل يمكنني أن أجد من هي أفضل منها ..."
+
اندفعت نحوه تهتف بثبات :-
+
" إياك أن تفعلها .... إياك أن تبحث عن غيرها كي تنتقم منها لإنها فسخت الخطبة ... ستندم حينها يا إياس .... "
+
تنهدت ثم قالت بصوت هادئ :-
+
" بني ، أنا لا أريد سوى مصلحتك ... أصلح ما أفسدته بينكما ..."
+
قاطعها برفض شديد :-
+
" لن أفعل ... هي من أرادت فسخ الخطبة ... لا تنتظري مني أي محاولة لإصلاح ما بيننا بعدما خلعت خاتمي بهذه البساطة وقررت تركي بسهولة ... "
+
" هل فعلت ذلك دون سبب ..؟!"
+
سألته بإصرار ليتجاهل الإجابه وهو يخبرها :-
+
" أيا كانت الأسباب ، تصرفها مرفوض ويسيء لي ولكرامتي ..."
+
صاحت معترضة :-
+
" ما هذا الهراء ...؟! كيف تفكر أنت ..؟!"
+
سأل هازئا :-
+
" وكيف تريديني أن أفكر إن شاءالله ..؟! والأهم كيف تريديني أن أتصرف ...؟! أذهب إليها وأرجوها لتسامحني وتعود إلي ... لا وألف لا ... لست أنا من يخضع لأيا كان ... لست أنا من يتنازل أمام امرأة ويرجوها لتعود إليه ..."
+
كان يتحدث بطريقة ضاعفت من قلقها عليه ...
+
ذلك الغرور الذي يشع من عينيه وكل خلجاته يقلقها ...
+
غرور مدجج بتعالي وعنجهية تجعلها تخشى عليه من نفسه وغروره الذي حتما سيطيح به يوما دون رحمة ...
+
تنهدت بصمت ثم قالت بنبرة هادئة :-
+
" بني اسمعني ... أنا أريد مصلحتك ... توليب فتاة رائعة وهي تناسبك وأنت كنت سعيدا معها ..."
+
" وسأكون سعيد مع غيرها كذلك ..."
+
هتفت معاندة :-
+
" ليس أكيدا ... لا تكن واثقا إلى هذا الحد ..."
+
أضافت بنبرة محذرة :-
+
" ولا تنسى موقف جدك عندما يعلم بهذا ... سيغضب كثيرا يا إياس ... "
+
هتف متجاهلا تحذيراتها رغم تفكيره بذات الأمر ليلة البارحة :-
+
" سأتدبر أمره ... "
+
" فقط أخبرني مالذي دفعها لفسخ الخطبة ..؟!"
+
سألته بهدوء ليهتف رافضا البوح :-
+
" أمور خاصة ... لا شأن لك بها ..."
+
أضاف يشير لها كي تغادر :-
+
" والآن غادري من فضلك لأرتدي ملابسي ..."
+
قالت بجدية :-
+
" حسنا يا إياس ... لا تتحدث ولكنني سأعرف بطريقتي الخاصة بكافة الأحوال ..."
+
ثم تحركت متجهة نحو الباب لتتوقف على صوته وهو يخبرها بصرامة :-
+
" لا تذهبي إليها ولا تتصلي بها حتى ..."
+
التفتت نحوه بملامح متجهة ليضيف بتحذير صارم :-
+
" لا تتدخلي في هذا الأمر نهائيا وإياك ثم إياك التواصل معها لإي سبب كان ... لا تفكري بذلك حتى لإنني حينها سأتصرف بطريقة لن ترضيك أبدا ..."
+
منحته نظرات غير مصدقة قبل أن تهز رأسها بخيبة وهي تتحرك مغادرة الجناح تاركة إياه يتابعها بملامح جامدة بينما يخشى كثيرا ألا تسمع كلامه وتذهب إليها كي تحاول إقناعها بالرجوع إليه ...
+
***
+
جلست والدتها قبالها تتأمل ملامح وجهها الحزينة بضيق ...
+
" لا تحزني يا حبيبتي ... لم يكن يستحقك ..."
+
قالتها زهرة بحنو لتبتسم توليب بخفوت تخفي حزنها عن والدتها مرددة :-
+
" لست حزينة ..."
+
" تعلمي ألا تخفي عن حزنك عن والدتك ..."
+
قالتها زهرة بصرامة لتجدها زهرة تندس داخل أحضانها وهي تتمتم :-
+
" أنا فقط مندهشة .... "
+
أضافت بإحباط :-
+
" ظننته مختلفا ..."
+
تنهدت زهرة وهي تربت فوق خصلاتها بتروي :-
+
" لا يمكنك الحكم على أي شخص دون معاشرته ... "
+
" أعلم ..."
+
قالتها توليب بخفوت قبل أن تبتعد من بين أحضانها تخبرها :-
+
" لكنه لم يظهر لي ذلك بوضوح منذ البداية ..."
+
" هل أحببته يا توليب ...؟!"
+
سألتها والدتها بنبرة مهتمة تحمل حنوا معتادا لتشرد ابنتها قليلا قبل أن تهمس بخفوت ناعم :-
+
" سأكون كاذبة إن قلت غير ذلك ... نعم أحببته ... تعلق قلبي به ..."
+
لم يكن ذلك غريبا ...
+
إنه الرجل الأول في حياتها ...
+
رجل أجاد التسلل إليها ...
+
برع في اللعب على أوتار مشاعرها العذرية وعاطفتها الشديدة ...
+
نال عذرية القلب الذي أدركت بدخوله حياتها إنه لم ينبض يوما لسواه كما كانت تظن ...
+
نال مشاعرها بكل أسف ...
+
" هل أنت نادمة ...؟!"
+
سألتها والدتها بجدية متجاهلة آلم قلبها على وجع طفلتها التي تختبر لأول مرة لوعة الحب رغم إنها تدعي الثبات وتتمسك بصلابتها أمامها لتجدها تجيب بهدوء :-
+
" كلا ..."
+
أكملت بثبات يثير الإعجاب :-
+
" كنت سأندم حقا لو لم أخلع خاتمه بعدما تحدث بتلك الطريقة ..."
+
شردت به قليلا قبل أن تسترسل :-
+
" إياس متسلط يا ماما ...حاد الطباع ... يسعى لإمتلاك كل شي ... حتى أنا ..."
+
تأملتها والدتها بحذر وهي تسأل :-
+
" لماذا لم تخبري والدك إذا بقرارك حتى الآن ..؟! هل لديك أمل بعودتكما مجددا ...؟!"
+
ردت بحيادية :-
+
" لم يمر سوى يوم واحد يا ماما ... لأنتظر قليلا ..."
+
هتفت زهرة بتفهم :-
+
" تأملين أن يعترف بخطأه ويصلح الوضع بينكما ..."
+
تنهدت قبل أن تقول بحكمة :-
+
" نعم ، سأنتظر لوقت ما .. ربما يدرك خطأه ... ربما يحاول إصلاح الوضع ... سيفعل ذلك إن كنت مهمة لديه حقا ولست مجرد فتاة وجدها تصلح لتكون زوجته وأم أطفاله ...مكانتي لديه من ستحدد ذلك ... وإذا لم يفعل .."
+
أنهت حديثها بحسم :-
+
" حينها سيثبت لي صحة قراري وإنه لا يستحقني وسأفهم حينها إنني لا أمثل شيئا مهما وخاصا بالنسبة إليه لذا فالإنفصال عنه سيكون أفضل شيء ..."
+
" ما زلتِ تفاجئينني برجاحة عقلك ورزانة تفكيرك يا توليب ...."
+
ابتسمت توليب برقة بينما عادت والدتها تربت فوق خصلاتها بحنو :-
+
" كما أخبرك دائما ... أنا أثق بقرارك أيا كان وسأكون دائما معك في أي قرار تتخذينه ... وكذلك والدك سيدعمك في قرارك أيا كان ... كوني واثقة من ذلك ..."
+
" أعلم ..."
+
قالتها توليب وهي تمنحها بسمة ممتنة عندما أشارت لها والدتها :-
+
" والآن إنهضي وغيري ملابسك ... سنتناول الفطور خارجا اليوم ..."
+
هتفت توليب بدهشة :-
+
" لوحدنا ...؟! وبابا ..؟!"
+
قالت زهرة بسرعة :-
+
" أريد قضاء القليل من الوقت الخاص مع ابنتي .. ألا يحق لي ذلك ...؟!"
+
سارعت توليب تطبع قبلة خاطفة فوق وجنتها ثم تخبرها :-
+
" بالطبع يحق لك يا زهرة هانم ..."
+
قالت زهرة بجدية :-
+
" نصف ساعة وتكونين جاهزة ..."
+
اومأت توليب رأسها بإذعان بينما تحركت زهرة تغادر الجناح عندما تنهدت توليب بصبر واتجهت بعينيها نحو الهاتف تتأمله بأمل خفي قبل أن تنهض من مكانها متجهة نحو خزانة الملابس تبحث عما ترتديه ...
+
خرجت بعدها مع والدتها حيث تناولتا الفطور سويا ثم توجهتها إلى أحد مراكز التسوق بعدها قبل أن تعودا في منتصف النهار ليجدان الخادمة تستقبلهما مرحبة بهما قبل أن تخبرهما :-
+
" ألفت هانم الصواف تنتظركما في صالة الجلوس .... "
+
***
+
في المشفى ...
+
جلس شاردا يفكر في حديثهما الأخير وما تلاه بعد ذلك ...
+
عاد بذاكرته إلى الخلف عندما واجهها يكشف لها معرفته بما تخطط له من هجر جديد ...!
+
" لماذا يا نغم ...؟! لماذا تتخذين كل قرار يخصنا بنفسك ...؟! لماذا تقررين نيابة عني ...؟! لماذا تحددين ما يناسبني دون سؤالي ...؟! لماذا يا نغم .... ؟!"
+
تساقطت دموعها بغزارة بينما يهتف هو بألم شع من نظراته :-
+
" كان لدي أمل حتى آخر لحظة إنك ستتراجعين لكنك اتخذت قرارك و أصريت على تنفيذه ... ستهربين بنفس الطريقة وتتركين خلفك رجلا محطما بحق هذه المرة ...!"
+
استدارت نحوه تهمس بصعوبة :-
+
" راجي أنا ..."
+
تأمل العبرات المتساقطة فوق وجنتيها بعدم رضا بينما يسترسل بصعوبة :-
+
" أنتِ ماذا ...؟! مالذي ستقولينه يا نغم ...؟! من سمح لك بتقرير مصيري نيابة عني ..؟!"
+
مسحت دموعها بسرعة بينما تتسائل بثبات مصطنع :-
+
" من أخبرك بذلك ..؟! مؤيد ..؟!"
+
أومأ برأسه وهو يجيب :-
+
" نعم مؤيد ... جاء إلي وأخبرني بكل شيء ... أخبرني برغبتك بالرحيل وطلبك لمساعدته ... "
+
" لم يكن بوسعي فعل شيء آخر ... "
+
قالها بنبرة متألمة وهي تضيف بينما دموعها ما زالت تغطي وجهها :-
+
" كان لابد أن أصلح ما أفسدته بقدومي ..."
+
" حقا ..؟!"
+
تسائل بإبتسامة واهية لتومأ برأسها قبل أن تأخذ نفسا عميقا ثم تقرر البوح بالحقيقة كاملة :-
+
" أنا خدعتك يا راجي ... إستغليت مرضي كي أجعلك تعود إلي ... أنا من خططت لكل هذا .. تعمدت أن أجعلك تعلم بمرضي بشكل غير مباشر وإدعيت الجهل أمامك .... "
+
قاطعها بهدوء رافضا التطرق لهذا الموضوع والذي رغم غفرانه لها عليه إلا إن كذبها وقتها ما زال يضايقه :-
+
" أعلم ذلك يا نغم ... أعلم بكل شيء ..."
+
تأمل الدهشة المرتسمة على ملامحها فأضاف موضحا :-
+
" سمعتك بالصدفة وأنت تتحدثين مع مؤيد وفهمت كل شيء ..."
+
همست بعدم تصديق :-
+
" لماذا لم تواجهني حينها ...؟! لماذا بقيت تدعي الجهل ..؟!"
+
أجاب بصدقه المعتاد :-
+
" في البداية لم يكن هناك وقت للمواجهة ... سمعت ما سمعت ثم علمت بحادث هالة فذهبت سريعا إلى هناك ..."
+
هتفت بعدم استيعاب :-
+
" وبعدها ..؟! لم يظهر أي تصرف منك يدل على وجود خطب ما ... "
+
قاطعها موضحا :-
+
" لن أنكر إنني غضبت كثيرا عندما سمعت ذلك وفهمت كل شيء وبعدها انشغلت في حادث هالة تماما ..."
+
تنهد مضيفا :-
+
" ما حدث بعدها إنني غفرت لك ذلك ... رغم كذبك يا نغم لإنني أدرك صدق مشاعرك نحوي ... تفهمتك ... "
+
" لكنك لست مجبر على ذلك ..."
+
قالتها بنبرة محتقنة بغصة مريرة ليهمس بخفوت :-
+
" بلى مجبر ..."
+
طالعته بحيرة مدججة بالوجع عندما ابتسم بهدوء وهو يضيف :-
+
" لإنني أحبك .. الحب يجبرنا أن نتجاهل وأن نتناسى وأن نسامح خاصة إذا ما كان الخطأ ليس بدافع سيء ... "
+
تنهد ثم أضاف بصدق :-
+
" أنا أحبك وهذا الحب يجعلني أغفر لك ذلك ... "
+
" ولكنني أنانية .. لا أستحق حبك ..."
+
همست بها بعينين دامعتين ليهتف بجدية :-
+
" قد تكون الأنانية في الحب مشروعة يا نغم ... "
+
أكمل بعدها :-
+
" وإذا كانت عودتك إلي رغم علمك بمرضك هو أنانية فهجرك لي مجددا الآن أنانية أكبر ..."
+
قالت بسرعة :-
+
" كنت سأرحل بشكل مختلف ..."
+
قاطعها :-
+
" أعلم ، كنت سترحلين بعدما تتركين لي رسالة توهميني فيها إنك لم تكوني مريضة من الأساس وإنك فعلت هذا لأعود إليك وبعدما خشيت من كشف الحقيقة قررت الهرب واتفقت مع مؤيد ليزور الفحوصات والتقارير ... "
+
أضاف بتجهم :-
+
" لمَ كل هذا يا نغم ...؟! كيف تفكرين بهذه الطريقة ..؟! مالذي تريدين الوصول إليه من تصرفاتك هذه ..؟!"
+
نطقت بمرارة :-
+
" لا أريدك أن تعاني ..."
+
" هل إشتكيت لك ..؟!"
+
تسائل بجدية لتهمس باكية :-
+
" لا أريد إيلامك يا راجي ... أنا أحبك ولا أريد تعذيبك معي ..."
+
هتف بصرامة :-
+
" طالما إنك تحبيني لهذه الدرجة ولا تريدين معايشتي عذاب رحيلك فحاربي مرضك لأجلي ... وافقي على العلاج ... "
+
بهتت ملامحها بينما بقي هو يراقبها بهدوء قبلما يخبرها بثبات :-
+
" اسمعيني يا نغم ... أنا لن أجبرك على ما لا تريدينه ... لكن مرة واحدة فقط حكمي عقلك إلى جانب عواطفك ... أنا لست صغيرا كي لا أدرك ما أنا مقبل عليه معك .. أنا أدرك ما ينتظرنا سويا وراضيا به ليس لإنني مجبر بل لإنني أحبك وأريد البقاء جانبك ومساعدتك في خطوتك القادمة أيا كانت .. أنت تعرفينني جيدا وتعرفين إنني لا أجيد اللف والدوران ... أنت لا يجب أن تحبينني فقط بل يجب أن تكون آهلة لهذا الحب والأهم أن تثقي بقوة المشاعر التي بيننا .. تلك القوة التي ستنعكس على علاقتنا سويا ... لا يمكنني قول شيء آخر عدا ذلك ..."
+
أنهى حديثه وتحرك مغادرا المكان تاركا إياها يمنحها فرصة التفكير جيدا بحديثه وداخله يتمنى أن تشتعل روح التحدي داخلها فتقرر مواجهة مرضها معه وجانبه ...!
+
أفاق من شروده على صوت طرقات على باب غرفته في المشفى ...
+
" إدخل ..."
+
قالها بهدوء عندما فُتِحت الباب وطلت هي منها بإبتسامة مشرقة ...
+
حافظ على إستكانة ملامحه بينما تتقدم هي نحوه بعدما أغلقت الباب خلفها ...
+
لم يغب عنه تلك الروح المختلفة التي ظهرت بها ...
+
ملامحها المشرقة وأناقتها الجذابة ....
+
تقدمت نحوه ثم مالت عليه تطلع قبلة بطيئة على وجنته قبل أن تهمس بعينين لامعتين بعشق لطالما نجح في جذبه إليها بسهولة :-
+
" آسفة ... أحبك ..."
+
ابتسم بصعوبة قبل أن يهتف بجدية :-
+
" لا يكفي ..."
+
اعتدلت في جلستها تخبره :-
+
" مالذي يكفي أيضا ...؟! أنا آسفة حقا يا راجي ... سامحني ..."
+
استرخى في جلسته قائلا :-
+
" بشرط ..."
+
" موافقة..."
+
قالتها دون تفكير ليهتف بجدية :-
+
" إسمعي الشرط أولا ..."
+
طالعته بترقب ليهتف بإقرار :-
+
" نتزوج ، وبعد عشرة أيام لا أكثر ..."
+
طالع إرتباك ملامحها بترقب جاد ...
+
ظهرت التساؤلات في عينيه منتظرا جوابها الذي تأخر قليلا عندما ابتسمت بخجل أخيرا وهي تمنحه إجابتها المنتظرة :-
+
" موافقة ..."
+
***
+
في جناح أولادها جلست همسة تراجع دروس ولديها بينما طفلها الثالث يلعب بالكرة كعادته ...
+
كانت تحاول تعويض غيابها عنهم الفترة السابقة رغم إرهاقها الذي ما زال يسيطر عليها فتبعات حادث شقيقتها ما زالت تؤثر بوضوح عليها وعلى نفسيتها كذلك ....
+
طوال الأيام السابقة كانت تتعافى مما حدث ...
+
ما حدث كان قاسيا عليها ...
+
فكرة خسارة شقيقتها دمرت ثباتها الواهي طوال سنوات عمرها السابقة فعادت مخاوفها تطفو إلى السطح وهواجسها تثور دون رحمة ...
+
تخشى على شقيقتها ...
+
تخشى على أولادها الثلاثة بل وتخشى على نفسها من الرحيل يوما ما وتركهم يتامى بلا أم كما بقيت هي وشقيقتها ...
+
بل هي حتى باتت تخشى على زوجها ..
+
تخشى أن يغادر عالمها وعالم صغارها في لحظة ...
+
تلك الوساوس تؤرقها بإستمرار وتتعبها كثيرا ...!
+
تنهدت بتعب وهي تنهض من مكانها تخبر طفليها إنها ستغادر إلى جناحها كي ترتاح قليلا بينما تطلب منهما أن ينتهيا من واجباتهما المدرسية كي تراجعها معهما غدا قبل ذهابهما إلى المدرسة ...
+
حملت صغيرها تقبله بحنان جارف وهي تؤنب نفسها إنها أهملته في الفترة الأخيرة ..
+
رغم كل شيء هي كانت أم مثالية مع أطفالها ...
+
معظم وقتها كان لهم وتقضيه معهم ...
+
تحرص أن تمنحهم كل الحب والرعاية والحنان ...
+
كانوا ولا زالوا أعظم إنجازاتها ...
+
حملت الصغير تداعبه بحب حتى بدأ يشعر بالنعاس فأعدت له الحليب الذي تناوله وغط في نومه بعدها ...
+
منحت طفليها الآخرين قبلات بالتساوي ثم تحركت متجهة إلى جناحها ...
+
سارعت تتمدد فوق سريرها وهي تجذب الغطاء فوقها ثم تغرق في نومها على الفور ...
+
بينما عاد زوجها بعد حوالي ساعتين ليجدها تصارع أحد كوابيسها المعتادة في الآونة الأخيرة ...
+
اتجه نحوها سريعا يجلس جانبها ويربت فوق وجنتها بخفة بينما يهمس لها بخفوت أن تستيقظ ...
+
إستيقظت في النهاية فزعة وسارعت ترمي بنفسها بين أحضانه بينما يربت هو كعادته فوق خصلات شعرها بحنو ويهمس لها بكلمات مطمئنة حيث يخبرها إنه جانبها فتتشبث هي به بكل قوتها وكأنها تخشى أن يرحل ويتركها لوحدها دونه ...
+
لا يعرف كم مر من الوقت عندما همس لها وهو يبعدها قليلا من بين أحضانه :-
+
" هل أصبحت أفضل الآن ...؟!"
+
تنهدت مرددة بخفوت :-
+
" الحمد لله ..."
+
أكملت وعيناها ترتفعان نحوه :-
+
" تأخرت اليوم ..."
+
تنهد موضحا :-
+
" كان لدي الكثير من العمل ..."
+
هزت رأسها بتفهم عندما سألها بإهتمام :-
+
" هل تنامين مجددا ..؟!"
+
هزت رأسها نفيا قبلما تهمس :-
+
" سأجهز العشاء سريعا لك ..."
+
قال بجدية :-
+
" لا داعي لذلك ... أحتاج فقط لحماما دافئا ..."
+
هزت رأسها بتفهم بينما نهض هو من مكانه متجها إلى الحمام ...!
+
***
+
نهضت من مكانها تتجه نحو طاولة الزينة تتأمل ملامحها الشاحبة بعدم رضا ...
+
جذبت مساحيق التجميل تضع القليل من الزينة على وجهها تمنحه القليل من النضارة التي يفتقدها مؤخرا ..
+
أخذت بعدها تسرح شعرها ببطأ عندما وجدته يغادر الحمام أخيرا لتتأمله وهو يتقدم نحو الخزانة بصدره العاري بينما المنشفة تستر نصف جسده السفلي ...
+
نهضت من مكانها تسأله برقة :-
+
" هل تحتاج مساعدة ..؟!"
+
تمتم مبتسما :-
+
" سأغير ملابسي ثم ننام ..."
+
أكمل وهو يتابعها بإهتمام :-
+
" أم إنك لا تريدين النوم ..؟!"
+
ثواني ووجدها تهز رأسها نفيا ثم تجيب بخجل :-
+
" لا أريد ..."
+
ثم تقدمت نحوه خطوتين تهمس مضيفة وعيناها الخضراوان قابلت عيناه :-
+
" أريدك يا راغب ... أحتاجك ..."
+
حمحمت مضيفة بخجل :-
+
" أشتاقك ..."
+
قبض على ذراعها بخفة بينما مال بوجهه نحوها يهمس لها بخشونة :-
+
" كرريها ...."
+
ناظرته بتوتر قبل أن تبلل شفتيها بتوتر جعلها يصر على سماعها منها مجددا فقال بإصرار :-
+
" كرريها يا همسة ..."
+
احتقنت وجنتيها بقوة بينما خرج صوتها مبحوحا بشدة :-
+
" أشتاقك يا راغب ..."
+
ودون كلمة أخرى كان يجذبها نحوه في عناق جارف تجاوبت معه بلهفة غير مسبوقة ...
+
***
+
بعد مدة من الزمن ...
+
ابتسمت بخفوت بينما قبلاته الخفيفة تحط فوق شعرها ....
+
همست بعد لحظات :-
+
" راغب ...."
+
" نعم ..."
+
سألت بخفوت :-
+
" هل أسألك سؤال ..؟!"
+
رد بسرعة :-
+
" بالطبع ..."
+
أحكمت لف الغطاء جيدا حول جسدها ثم رفعت جسدها قليلا تقابل وجهه بوجهها وهي تسأل بخفوت :-
+
" هل أنت سعيد معي ...؟!"
+
ابتسم بهدوء مجيبا :-
+
" بالطبع ، هل لديك شك بذلك ...؟!"
+
مدت أناملها تلمس لحيته الخفيفة برقة بينما تهمس مجددا بتردد :-
+
" أليس من الطبيعي أن أفعل ...؟!"
+
اعتدل بجلسته متكئا على ساعده يهتف بجدية :-
+
" ولم تشكين بذلك ...؟!"
+
هزت كتفيها ببديهية تجيب :-
+
" كنت ستتزوج منذ فترة ... "
+
أضافت بحذر :-
+
" ربما كانت ستسعدك أكثر ...؟!"
+
تسائل بعدم استيعاب لما تتحدث عنه :-
+
" من هي ..؟!"
+
همست بوجوم :-
+
" تلك التي كنت ستتزوج منها ...."
+
استقام في جلسته يجذب بنطاله يرتديه ثم يعاود الجلوس قبالها بينما اعتدلت هي في جلستها تقابله ..
+
" لم يكن هناك واحدة معينة أنتوي الزواج منها ولا داعي للتذكير بأن يسرا لم تكن واحدة منهم ..."
+
مطت شفتيها تهمس :-
+
" نعم أعلم ذلك ولكنك كنت تريد الزواج ..."
+
هتف بجدية :-
+
" نعم كنت أريد ..."
+
أضاف بحرص :-
+
" وكنت واضحا معك بذلك ولكن ..."
+
قاطعته :-
+
" تراجعت عن ذلك بعدما رأيت رغبتي الصادقة بالتغير ...."
+
قال بهدوء :-
+
" ربما هذا أحد الأسباب ...."
+
أضاف بصدق :-
+
" ولكن الفكرة نفسها كانت غير مناسبة ... في البداية انفعلت ... نعم كنت أعني ما أقوله ... ولكن بعدما هدأت قليلا و انفردت بنفسي وجدت إن الأمر ليس بهذه السهولة ..."
+
" لماذا ..؟!"
+
سألته بحذر فأجاب بصدق :-
+
" الزواج الثاني حتى وإن كان محلل شرعا إلا إنه يترك آثرا غير جيدا على من حوّله ... أتحدث عن الأولاد على سبيل التحديد ... فكرة زواج والدهم من امرأة غير والدتهم ستؤلمهم وتؤثر عليهم بشكل سلبي للغاية ..."
+
تنهد ثم قال :-
+
" وأنا لم أكن لأسمح لنفسي مهما حدث أن أتسبب بهذا الألم لأولادي ... لن أقبل أن يعيشوا تجربة كهذه ... أن يروا والدهم مع امرأة أخرى غير والدتهم .. امرأة تشاركهم به وتأخذ من وقته معهم الكثير بينما هم الأحق به طوال الوقت ..."
+
تابع اختلاج ملامحها بحيرة بينما برقت عينيها بنظرة لم يفهمها حتى همست أخيرا بنبرة آجشة :-
+
" أنت أب رائع يا راغب ...."
+
ابتسم قبل أن يهمس بخفة :-
+
" لكنني زوج فاشل ..."
+
عارضته بسرعة :-
+
" كلا ... لم تكن زوجا فاشلا يوما ..."
+
تأملها بصمت عندما أضافت بخفوت :-
+
" أنا من كنت أتعمد رؤيتك بهذا الشكل كي أبرر لنفسي تصرفاتي معك ... "
+
أكملت تبوح :-
+
" أبرر هجراني الدائم ورفضي المستمر لك ... "
+
أغمضت عينيها بألم ثم فتحتها مجددا وهي تقول :-
+
" كنت مخطئة ... "
+
" مالذي تغير يا همسة ...؟!"
+
سألها بجدية لتشرد لوهلة قبل أن تجيب :-
+
" ما تغير إنني أحاول الخروج من تلك القوقعة التي حبست روحي داخلها لسنوات ... أحاول التحرر من أسوار بنيتها بنفسي وحبست داخلها روحي ومشاعري وأفكاري ... أحاول رؤية العالم بشكل مختلف ومن جانب جديد تعمدت أن أقصيه بعيدا ... فأنا إكتفيت لسنوات بنظرتي المحدودة لكل ما حولي مما جعلني أحيا في عالم منغلق لا يوجد فيه سواي ...."
+
لم يكن يصدق ما يسمعه ...
+
كان تتحدث بصراحة غير معتادة ...
+
تبوح بمكنونات روحها التي بقيت لسنوات منطقة محظورة عليه ...
+
ابتسمت بوهن تضيف بصدق :-
+
" حادث هالة ساعدني في ذلك ... جعلني أدرك قيمة الكثير من الأشياء حولي ... كما جعلني أفهم مقدار أهمية البعض في حياتي ..."
+
اكتفت بهذا الجانب متجاهلة تلك المخاوف التي تركها الحادث داخلها والوساوس التي سيطرت عليها من وقتها ...
+
دون مقدمات عانقته وهي تخبره :-
+
" والآن لا أريد منك شيئا سوى أن تبقي معي ولا تتركني مهما حدث ..."
+
شدد من عناقها وعيناه غامت بنظرات بعيدة المدى وأفكاره تتمحور حول سبب هذا التغيير وإن كان ما قالته منطقيا للغاية لكنه يشعر بوجود حلقة مفقودة في الأمر ...
+
نهضت بعدها متجهة إلى الحمام تغتسل بينما خرج هو إلى الشرفة يدخن سيجارة قبلما يعود إلى الداخل ...
+
غادرت الحمام وهي تلف المنشفة حول جسدها ...
+
اتجهت نحو الخزانة تسحب قميصا للنوما قبل أن تتناول الشريط الذي نسيت آخذه ...
+
اتجهت نحو الكأس الزجاجي تصب به المياه قبل أن تشرب الحبة سريعا متناسية وجوده خارجا في الشرفة حيث الإرهاق تمكن منها كما في الآونة الأخيرة عندما استدارت إلى الخلف لتشهق بصدمة وهي تجده أمامها بينما يسقط شريط الحبوب منها فوق أرضية الغرفة ...
+
***
+
في أمريكا ..
+
عادت إلى شقتهما أخيرا لتجد الخادمة هناك تعمل بحرص ..
+
ألقت التحية عليها بإقتضاب ثم اتجهت نحو غرفتها تخلع ملابسها وترتدي بيجامة خفيفة مكونة من شورت قصير وتيشرت ذو حمالات رفيعة ...
+
غادرت غرفتها تتجه إلى الخارج حيث المطبخ لتجد الخادمة هناك تسألها بإبتسامة :-
+
" هل تحتاجين لشيء ما ...؟!"
+
قالت ببرود :-
+
" شكرا ... "
+
ثم أخرجت زجاجة العصير من الثلاجة وصبت كأسا لها ...
+
أخذت تتناول عصيرها بينما تراقب الخادمة الشقراء وهي تعمل بحرص ...
+
سألتها بعد لحظات :-
+
" ألم يعد السيد من عمله بعد ...؟!"
+
أجابتها الخادمة بجدية :-
+
" كلا ، لم يعد أبدا ..."
+
هزت رأسها بصمت قبل أن تعاود إرتشاف العصير البارد من كأسها وهي تطالعها بنظرات ثاقبة ...
+
شعرت الخادمة بنظراتها فارتبكت عندما تقدمت نحوها تخبرها بخفوت مقصود :-
+
" شقيقي وسيم ، أليس كذلك ..؟!"
+
هتفت الخادمة بحيرة حقيقية :-
+
" لا أفهم ..."
+
مطت شفتيها تخبرها بينما تستند على السطح الرخامي خلفها :-
+
" هو وسيم .. أعلم ذلك ولكنه ..."
+
مالت قليلا نحوها تهمس بحرص ماكر :-
+
" لكنه متحرش ..."
+
اتسعت عينا كيتي بعدم استيعاب عندما أضافت جيلان بخفة :-
+
" أنبهك فقط ليس إلا ..."
+
تجرعت آخر رشفة من عصيرها ثم تركته فوق الطاولة وغادرت المكان بإبتسامة باردة ...
+
أخذت مكانها بعدها أمام التلفاز تتابع أحد ألأفلام الأجنبية عندما وجدته يعود من عمله بعد حوالي ساعة ...
+
ألقى التحية بإقتضاب بينما يتأملها وهي تجيبه ببرود قبلما تهتف بمكر :-
+
" كيتي في المطبخ ..."
+
" وما شأني أنا بكيتي ...؟!"
+
تمتم ببرود وهو يضيف بتجهم :-
+
" توقفي عن حماقاتك هذه ..."
+
نهضت من مكانها تتبعه وهي تخبره :-
+
" سألتني عنك ... لم أخبرها بالطبع إنك زوجي ..."
+
تأملها باستغراب قبل أن يسأل بسخرية باردة :-
+
" ماذا أخبرتها إذا ..؟! عشيقك ...!!"
+
تجاهلت سخريته وهي تجيب ببساطتها المعتادة
+
المغيظة :-
+
" شقيقي ... أخبرتها إنك شقيقي ..!"
+
" جيد ما فعلت ..."
+
قالها ببساطة مغيظة قبل أن يدلف إلى الداخل مغلقا الباب خلفها في وجهه ...
+
عادت إلى صالة الجلوس تتابع الفيلم عندما وجدته يخرج بعد حوالي نصف ساعة يهدر بها :-
+
" جيلان ... ماذا قلتي لكيتي بشأني ..؟!"
+
نهضت من مكانها تسأله بإهتمام :-
+
" ماذا حدث ..؟! لماذا تسأل ..؟!"
+
رد بعصبية مكتومة :-
+
" مكتب الخدم يرفض أرسالها مجددا هي وغيرها كذلك ... ماذا أخبرتها بشأني ..؟!"
+
مطت شفتيها تخبره ببساطة :-
+
" أخبرتها إنك متحرش ..."
+
اتسعت عيناه بعدم تصديق :-
+
" أنت تمزحين بالطبع ... "
+
تمتمت ببرود :-
+
" لا أمزح ..."
+
أكملت ببسمة باردة :-
+
" كنت أمازحها لكنها صدقت ... "
+
أضافت ببؤس :-
+
" ما ذنبي أنا إذا كان شكلك يوحي إنك متحرش بالفعل ..؟!"
+
راقبت جمود ملامحه تدريجيا بحذر ورغم ذلك تتحمس بشدة لإنفجاره ...
+
بدا وكأنه يجاهد مع نفسه كي لا يفجر غضبه في وجهها بينما منحته هي إبتسامة بغيضة متعمدة تؤجج غضبه من خلالها إلا إنه ولسوء حظها تركها وغادر نحو غرفته ليتمكن الإحباط منها بشدة ...
+
***
+
في اليوم التالي ...
+
تقدمت نحوه بينما يجلس على الطاولة يتناول طعامه بصمت ...
+
سحبت كرسيها وجلست جانبه ..
+
بدأت تشاركه تناول الطعام قبلما تخبره عن قصد :-
+
" سأترك الجامعة ... نهائيا ...."
+
ارتشف قهوته ببطأ مقصود وهو يذكر نفسه مرارا أن يتجاهل كافة محاولاتها لإستفزازه ...
+
بات يفهم محاولاتها تلك جيدا وعليه هو لن يمنحها الفرصة لتشعل غضبه ...
+
لن يمنحها تلك اللذة مهما حدث ...
+
" جيد .."
+
قالها وهو ينهض من مكانه يسحب هاتفه ثم يضيف :-
+
" سأسحب ملفك من الجامعة ... يمكنك الدراسة في جامعة مختلفة أو ..."
+
توقف لوهلة يرمقها ببرود وهو يضيف :-
+
" يمكنك التوقف عن الدراسة نهائيا ... أنت حرة ..."
+
تابعته بعينين مشتعلتين وهو يغادر وما يفعله يضاعف من حنقها ...
+
يتجاهلها ... يتعمد تجاهل ما تفعله ويتخذ البرود خير وسيلة رد عليها ...
+
لمعت عيناها بتحدي وما يفعله رغم كونه يضايقها إلا إنه يعجبها كذلك فهو يرفع من نسبة التحدي داخلها ...!
+
وعليه هي قررت أن تلاعبه ...
+
ستتخذ كل الأسلحة المتاحة وتشهرها في وجهه ولترى كم سيلتزم ببروده إتجاه ما تفعله ...
+
المحاولة رقم (١)
+
تحركت خارج غرفتها وهي ترتدي ملابس رياضية تظهر معظم جسدها مكونة من شورت قصير بالكاد يغطي بداية فخذيها مع تيشرت قصير للغاية ينتهي أسفل ثدييها بمسافة قصيرة ذو حمالات رفيعة ..
+
وجدته في صالة الجلوس يعمل فوق حاسوبه عندما رآها تطل عليه بتلك الملابس الفاضحة والضيقة للغاية ...
+
وجدها تأخذ ركنا جانبيا من الصالة الواسعة ثم تفرش مفرشا صغيرا فوق أرضية الغرفة ...
+
سحبت هاتفها تضع سماعاته داخل أذنها بعدما شغلت أحد أنواع الموسيقى السريعة ثم تبدأ بممارسة تمارين رياضية حفظتها في هاتفها ...
+
كان تتعمد أن تحرك جسدها بطريقة مثيرة وهي تقف قباله بينما يتأملها هو بعدم إهتمام قبلما يعود بتركيزه فوق حاسوبه ...
+
بقيت على هذه الحال حوالي نصف ساعة بينما تتعمد تلك الحركات المغوية حيث تهز جسدها بإغواء مقصود والنتيجة ثابتة ...
+
جيلان = صفر
+
مهند = واحد
+
محاولة رقم ( ٢)
+
لم ينجح الإغواء ... فلتجأ إلى الإزعاج ...
+
في منتصف الليل رفعت صوت هاتفها عاليا بينما هو في الغرفة المقابلة لها لا يستطيع النوم بسبب صوت الأغاني المرتفع ...
+
أخذ يتقلب فوق سريره بعجز ...
+
داخله يود أن ينهض من مكانه ويندفع إلى غرفتها يجرها من شعرها ويصفعها على وجهها عدة مرات عله وعسى يشفي غليله منها ...
+
مرت أكثر من ساعة وهي لم تتوقف عم تفعله وهو يتعمد تجاهل ذلك ...
+
في نهاية المطاف فقدت جيلان صبرها وأطفئت الهاتف بتأفف ...
+
والمحاولة الثانية فشلت أيضا والنتيجة كانت :-
+
جيلان = صفر
+
مهند = واحد
+
المحاولة رقم ( ٣)
+
أخذت تطرق على باب غرفته بقوة جعلته ينتفض من نومته بفزع وهو الذي بالكاد غفي قبل أقل من ربع ساعة ...
+
انتفض من مكانه مندفعا نحو الباب يفتحها ليجدها تقف قباله تخبره ببرود :-
+
" جائعة ، أريد بيتزا ..."
+
" الآن ..."
+
هتف بعدم تصديق لتومأ برأسها وهي تخبره بإصرار :-
+
" نعم الآن ..."
+
تأملها وهو يكز على أسنانه بقوة قبل أن يهتف ببرود :-
+
" انتظري في غرفتك ...."
+
وجدته يغلق الباب في وجهها فتأففت بإنزعاج ...
+
ما باله لم يصرخ في وجهها ويطردها ..؟!
+
عادت إلى غرفتها بملامح متحفزة وهذا الإسلوب لا يعجبها ...
+
مرت حوالي ساعة عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفتها ...
+
نهضت بسرعة تتجه نحو الباب وتفتحها لتجده يقف أمامها حاملا صينية تحوي على بيتزا وكولا بل وأصابع بطاطا مقلية ...
+
مد الصينية نحوها وهو يبتسم لها بسماجة لتتناولها منه بملامح واجمة ثم تغلق الباب في وجهه بعصبية شديدة ...
+
فشلت ثالث محاولة كالعادة والنتيجة مجددا :-
+
جيلان = صفر
+
مهند = واحد
+
***
+
المحاولة الرابعة والأخيرة ...
+
في ملهى ليلى ...
+
تجلس بجانب مجموعة من أصدقاها ترتشف مشروبها الكحولي وعيناها مرتكزة فوق هاتفها تنتظر اتصاله حالما يعود ولا يجدها في شقته ...
+
الساعة تجاوزت التاسعة مساءا ...
+
من المفترض إنه عاد منذ ساعة ورغم ذلك لم يتصل ...
+
هل سيتجاهلها مجددا ...؟! هل يعقل أن يفعل ذلك وهي خارج الشقة ولا يعرف مكانها ...؟!
+
تمكن الإحباط منها لوهلة حتى وجدت شاشة هاتفها تضيء فسارعت تمنح الهاتف لصديقها وهي تغمز له بمشاكسة ليجيب الأخير على الهاتف وهو يخبره ببرود :-
+
" جيلان مشغولة ... ترقص مع حبيبها ... "
+
وبإتفاق مسبق بينهما منحه مكان النادي الليلي ثم أغلق الهاتف في وجهه دون أن ينتظر ردا ...
+
نهضت من مكانها بعدها تجذب رفيقهما الآخر للرقص ...
+
ذلك الشاب المعجب بها ويسعى لنيلها بكل الوسائل بينما تتمنع هي عنه حتى أتى وقت إستغلال رغبته تلك ..
+
راقصته بطاقة عالية مستجيبة للمساته الجريئة فوق جسدها تشاركه ما يفعله بجموح وعقلها يصور لها ردة فعله عندما يراها ترقص بتلك الطريقة بين أحضان هذا الشاب ...
+
ستكسب التحدي هذه المرة لا محالة ...
+
ستدمر ثباته وتحرق روحه ولا تبالي إن إحترقت روحها هي كذلك معها ...
+
لا تعرف كم مر من الوقت ووصل هو إلى المكان يندفع إلى الداخل لتسقط عيناه عليها وهي بين أحضان ذلك الشاب الأجنبي بملابس فاضحة ..
+
يراقصها بحميمية ...
+
يلامس مفاتن جسدها بجرأة ...
+
ينال كل ماهو مباح ...
+
زوجته ..
+
ابنة عمه ...
+
من تشاركه إسمه ودمائه ...
+
غضبه اشتعل لدرجة شعر وكأنه سيصاب بجلطة حتمية مما يراه أمامه ....
+
اندفع بكل ما يحمله من غضب وشراسة نحوها يجذبها من شعرها بعنف غير مسبوق ...
+
والنتيجة كانت هذه المرة لصالحها وبجدارة ...!
+
انتهى الفصل
+