رواية خيوط القدر الفصل الثامن عشر 18 بقلم سارة المصري
الفصل الثامن عشر
صرخ عمر فى فزع قائلا ” ياسمين مالك ..فى ايه ”
فزعت ندى ونطرت الى ادهم وقالت وهى تشد عمر من ذراعه ” مالها يا عمر ..فى ايه ” ، اشار عمر لندى بكفه لتصمت وهو يستمع اليها فى قلق واضح حتى انتهى وقال ” ما تخافيش يا ياسمين انا جايلك حالا ”
وقفت ندى امامه وقالت ” فى ايه يا عمر ياسمين مالها ؟؟“ ، لم يجبها عمر واسرع الى الخارج ، نظرت ندى الى ادهم ودون كلام اسرعا خلفه وادركاه عند الباب ، فامسكت ندى بذراعه متسائلة فى نفاذ صبر ” فى ايه بقولك ”
قال عمر فى توتر وغضب ” حد بيحاول يتهجم عليها فى البيت لازم الحقها ” ، وضعت ندى يدها على ثغرها لتكتم صرختها وهى تهمس ” ياسمين ” ، اتجه ادهم الى سيارته مباشرة وجلس عمر الى جواره والى الخلف جلست ندى رغم محاولات ادهم اثنائها عن الذهاب دون جدوى ، ظلت تبتهل طيلة الطريق الايكون اصابها اذى .
هبط عمر من السيارة مسرعا وتبعه ادهم وندى ، طرق عمر الباب بعنف دون اى رد ولم يسمع سوى صوت صراخ ياسمين ، وبكل غضب الدنيا بدا فى دفع الباب بقوة ليكسره ، لحقه ادهم وساعده على كسره ، تخيل ان الامر استغرق طويلا ، على الرغم من انه لم يستغرق سوى لحظات ليكون بداخل شقتها ويرى رجلا يقف على باب غرفتها يصرخ فيها ويحاول دفع باب غرفتها بكل قوة ، اندفع عمر بسرعة اليه وجذبه ارضا واخذ يكيل له اللكمات والركلات كانه قد جاء بقدمه اليه ليتلقى عقابه ، لم يعد عمر يشعر بشىء سوى بغضب عارم يجتاحه ومع كل لكمة كان يتذكر دموع ياسمين وكل كلمة يتذكرها يسدد له لكمه معها ، حتى شعر بادهم يرفعه عنه بعد ان فقد وعيه قائلا ” خلاص يا عمر الراجل هيموت فى ايدك ” ، حاول عمر التملص من يدى ادهم ولكن ادهم نجح فى تهدئته بصعوبة ، وفى تلك اللحظة فتحت ياسمين الباب ، فاندفعت اليها ندى بسرعة لتضمها وهى ترتجف ، نظر لها عمر وهى على هلعها هذا فاقترب من جديد ليفتك به لولا ان قبض ادهم على جسده بقوة ، وبصوت لاهث سألها ” ياسمين انتى كويسة ؟؟“
هزت رأسها بالايجاب ، اقترب منها عمر وربت على كتفها وهى بين ذراعى ندى قائلا ” اهدى يا ياسمين خلاص ..ايه اللى حصل بالظبط ”
تخلصت ياسمين من ذراعى ندى وقات بصوت ممزق من الخوف ” الباب خبط قمت عادى افتحه ..لقيته قدامى طردته كالعادة بس هوا اصر ودخل ورايا جريت على اوضتى حبست نفسى وكلمتك ” عادت ياسمين الى الارتجاف من جديد فنظر عمر الى الرجل الملقى ارضا والذى فقد وعيه اثر لكمات عمر العنيفة وقال فى غضب بين اسنانه ” حقير ...سافل ” وهم ان يعود اليه من جديد لولا قبضة ادهم التى تمسك ذراعه قائلا ” استنى يا عمر بقا وكفاية تهور ...متخافش هنعلمه الادب ”
شد ادهم كرسيا وجلس عليه ووضع قدما فوق الاخرى واشار لندى ان تحضر له كوب الماء الموضوع على الطاولة ففعلت ، سكب ادهم الماء على وجه الرجل الذى ظهر عليه الرعب ، فابتسم ادهم فى نظرة صارمة مخيفة وقال ” لا لا كدة مينفعش ..اصلب طولك كدة ولا هيا المرجلة ع الستات بس ”
وضع الرجل يده الى احد الجروح ونظر الى الدماء ثم حاول النهوض قائلا ” انتو مين ؟؟“
نهض ادهم فى هدوء وقال فى صرامة ” هتمشى معايا من سكات ”
قال الرجل فى خفوت وهو يبدل نظراته بين الجميع قائلا ” امشى معاكو فين انتو مين اصلا ؟؟“
لكمه ادهم ليسقط ارضا من جديد قائلا فى هدوء صارم ” كدة نقدر نتعرف ما دام ذاكرتك مش مساعداك ..ارجع كدة عشر سنين ...ها افتكرت ولا لسة ”
لم يمهله ادهم فرصة اخرى اذا امسك بملابسه وجره جرا الى الخارج والتفت فجاة الى الجميع وقال بابتسامة ” معلش يا جماعة هتصرف فى شوال الذبالة ده واجيلكو ”
صرخ الرجل الذى كان مستسلما تماما لادهم من هلعه وقال ” انت هتعمل ايه ؟؟“
ابتسم ادهم فى سخرية دون ان يرد ، كانت ندى تتابع الموقف باعجاب بالغ منذ البداية فقالت وهى تذهب الى جوار ادهم ” انا هاجى معاك ”
رد ادهم فى دهشة ” تيجى معايا فين ؟؟“
قالت وهى تمط شفتيها كطفلة ” عاوزة اتفرج والنبى ” ، لم يستطع ادهم مقاومة ابتسامته من الحاحها الطفولى فواصلت ندى الحاحها فى براءة وامسكت بذراعه كانها تتعلق بذراع ابيها وقالت ” والنبى والنبى والنبى ..اجى معاك ” ، تنهد ادهم ونظر الى عمر ليقول شيئا ولكنه كان مشغولا بياسمن يحاول تهدئتها ، تنهد وقال فى استسلام لا يعرف كيف ” امرى لله تعالى ” ، كل لحظة كانت تشعر انها تغرق فى حبه اكثر وتزداد ولها وجنونا بكل تناقضاته ، كل لحظة تتاكد ان عشقها له تخطى كل الحدود ، وان لاشىء فى الدنيا اصبح يعادل لحظة واحدة تحياها الى جواره ، لاشىء يعادل نظرة حب واحدة من رجل مثله ، لقد عشقت رجلا بكل ما تحمله الكلمة من معانى ، لم ترفع عينيها عنه طيلة الطريق ، تتامل تغيرات وجهه فمنذ دقيقة واحدة كان هذا الوجه الهادىء يمتلىء بحزم وجبروت العالم ، كان كافيا لردع اى مجرم دون حتى ان يتفوه بكلمة ، ومع ذلك لم يخيفها هذا الوجه ابدا فخلفه يختفى وجه ادهم الحقيقى الذى تعشقه .
القى ادهم بالوغد فى الحجز بعد ان دمر اعصابه تماما بتهديداته المتلاحقة ، واخذ بيد ندى التى كانت تستمتع بالامر كانها تشاهد فيلما سينمائيا الى السيارة من جديد ، قالت له فى مزاح ” انت هتعمل فى الراجل ده ايه ؟؟“
رد فى هدوء ” هعمل ايه يا ندى ؟؟...هحطه فى الحجز لحد بكرة عشان يتربى وبعدين هعمله محضر عدم تعرض لياسمين تانى ”
رفعت ندى كفيها وقالت ” بس كدة ؟؟“
ابتسمت وهو يلتفت اليها لحظة قائلا ” اومال انتى فاكرة هعمله ايه هقتله مثلا ولا هلفقله تهمة ”
هزت كتفيها قائلة ” مش انا اللى قولت ...انت اللى قولت كدة ”
نظر الى الامام فى تركيز وقال ” ايوة فعلا قلت كدة ..بس ده كان تهديد مش اكتر ..مش معقول هلفقله تهمة معملهاش يعنى ”
طالعته فى فضول وقالت ” طب بتهدد ليه بحاجة متقدرش تعملها ”
تنفس فى عمق قائلا ” من جهة اقدر فانا اقدر ..بس مش سكتى ..وبعدين انتى ايه حكايتك عايزانى الفقله تهمة فعلا ولا ايه ” وابتسم مضيفا ” وانا اللى فاكرك طيبة ”
رفعت ندى حاجبيها الجميلين وقالت ” بصراحة بعد اللى عمله مع ياسمين يستاهل الشنق كمان ”
حك ادهم جبينه قائلا ” بمناسبة ياسمين صحيح ..اخوكى شكله واقع على الاخر ”
ابتسمت ندى وقالت ” وهيا كمان رغم انها رافضة تعترف ”
دق ادهم على عجلة القيادة باصابعه قائلا ” واخرته ايه بقا اللف والدوران ده ان شاء الله ”
هزت ندى راسها قائلة ” مش عارفة ..انا خايفة على ياسمين من وجودها لوحدها كدة لازم يكون فيه حد يقف جنبها ”
ـ قصدك هيا وعمر يتجوزو ويكون ليه صفة رسمية فى حياتها
عضت ندى على شفتها وقالت ” ده سبب بس مش كل حاجة ..الاهم من ده كله انهم بيحبو بعض وسايقين الهبل ...قال كل واحد مدى التانى فرصة قال ...الحاجات دى متتاخدش غير قفش ” واشارت بقبضتها اليه فالتفت لها بنظرة ذات مغزى وقال ضاحكا ” بتفكرى فى ايه قوليلى ”
استرخت فى مقعدها وقالت ” اقولك ”
***************************************
فتح عمر الباب لندى وادهم ، نظرت ندى الى ياسمين وهى تجلس على احدى الارائك تضع رأسها بين كفيها فى حزن ، التفتت ندى الى ادهم وغمزت بعينها وقالت وهى تنظر الى ياسمين وعمر متظاهرة بالدهشة ” ايه ده هوا انت لسة هنا ياعمر ؟؟“
قطب عمر حاجبيه وهو يقول ” افندم ؟؟“ ”
اقتربت من ندى وهى تضيف ” ميصحش يا حبيبى تفضل هنا لوحدك معاها ...الناس تقول ايه ”
رفعت ياسمين رأسها تراقب الحوار فى دهشة فواصلت ندى وهى تنظر الى ادهم ” يصح كدة يا ادهم ”
عقد ادهم ساعديه وقطب حاجبيه فى مزاح قائلا ” لا طبعا ميصحش ”
توترت ياسمين ونظرت الى عمر كانه تستنجد به ليرد ، فقال عمر وهو ينقل نظره بين ندى وادهم فى غيظ ” مش طالبة هزار دلوقتى خالص على فكرة ”
ردت ندى وهى ترفع حاجبها ” ده احنا اللى بنهزر ؟؟؟...اومال انتو ايه بقا ؟؟“
واصلت وهى تتمشى فى اتجاه ياسمين ” اخرة اللى انتو فيه ده ايه ..لزمتو ايه بقا اللف والدوران ده ”
رد عمر باستنكار ” انتو بتتكلمو على ايه ؟؟“
لوت ندى فمها واشاحت بكفها وقالت ” لا احنا بندن فى مالطة ...هنكون بنتكلم على ايه ..عليكو طبعا ..عن حضرتك يا استاذ اللى كنت هتموت من الخوف عليها ..وعن سرحانك طول الوقت فيها ” ونظرت الى ياسمين واشارت برأسها قائلة ” وعنك انتى كمان اللى طول ما كنتى تعبانة قاعدة تخرفى باسمه ..اقول قولتى ايه كمان ولا كفاية كدة ؟؟“
احمر وجه ياسمين بشدة فواصلت ندى دون ان تعبأ بها ” انتو الاتنين بتحبو بعض لزمته ايه ده كله ...لزمته ايه تضيع الوقت ؟؟“
امسك عمر ذراعها وقال فى حزم ” ندىّ!!!“
هزت ندى رأسها فواصل ادهم الحديث بدلا منها قائلا ” ايه يا عمر مالك ؟؟....ندى بتتكلم صح ..اى حد عنده عقل هيميز اللى بينكو ده بسهولة خلينا نتكلم بالمنطق ..لو كنا وصلنا متأخرين ثانية واحدة بس كان ممكن تحصل كارثة ..انتو لازم تتجوزو عشان تقدر تكون معاها, تحميها ”
نهضت ياسمين من مكانها ولم تستطع ان تتحمل المزيد فهم يدفعونها الى مواجهة تحاول الابتعاد عنها فى الوقت الحالى بقدر المستطاع فقالت فى تعب ” انا آسفة جدا يا جماعة بس انا محتاجة ارتاح ” ، نظر لها عمر ليقرا اى انفعال على وجهها او اى رد لما عرض عليها منذ قليل ، ولكن وجد وجهها جامدا لا يبدو عليه سوى الارهاق بالفعل .
اما ندى فقالت وهى تتجه الى ياسمين وتمسك بكفها ” انا هفضل معاكى ..مش هسيبك تباتى لواحدك ”
ابتسمت ياسمين وقالت وهى تربت على كف ندى ” انتى روحى يا ندى معاهم متخافيش انا بقيت كويسة ”
هنا قال عمر فى جدية ” لا ما هو مش هينفع تباتى لوحدك النهاردة ”
ابتسمت فى سخرية وقالت ” انا بقالى سنين طويلة لوحدى ..ايه اللى اختلف ؟؟“
قالت ندى فى مرح محاولة التخفيف عنها ” اللى اختلف ان بقا عندك اخت اسمها ندى ولا عندك مانع ”
تنهد ادهم وقال ” بس انتى ياندى هتباتى معاها النهاردة ولا بكرة ولا بعده ..وبعدين ياسمين محتاجة حد موجود معاها على طول ”
اغمضت ياسمين عينيها فى الم وهى تقول ” يا جماعة لو سمحتو انتو ليه محسسنى انى ..“ وقبل ان تواصل انهى عمر الحديث وهو يمسك بذراع ادهم قائلا ” يلا بينا يا ادهم ...ندى هتبات معاها الليلادى ..يلا بينا احنا نمشى ”
**************************************
قال عمر فى لوم وهو يجلس الى جوار ادهم فى سيارته ” ممكن افهم ايه اللى عملتوه فوق ده بالظبط ؟؟“
ابتسم ادهم وهو ينظر الى الطريق امامه دون ان يرد وبعد لحظات قال ” انت عارف ان اللى حاول يتهجم عليها ده يبقا جوزها السابق ولا لا ”
اومأ عمربرأسه قائلا ” ايوة عارف ”وقطب حاجبيه مواصلا ” ايه علاقة ده باللى انتو عملتوه بقا ؟؟“
توقف ادهم بالسيارة جانبا وقال بوضوح ” انت بتحبها يا عمر ؟؟؟“
تفاجىء عمر بالسؤال وقبل ان يرد واصل ادهم ” ماهو لازم تقولى انت فعلا بتحبها وعاوز تتجوزها ولا غيرت رأيك بعد اللى حكتهولك ودلوقتى انت واقف معاها لمجرد انها ملهاش حد وصعبانة عليك ”
قاطعه عمر مدافعا ” لا طبعا مش كدة ؟؟...مفيش حاجة اتغيرت ..مشاعرى زى ما هيا ويمكن اقوى واعنف ”
ابتسم ادهم وامسك بعجلة القيادة قائلا ” خلاص فين المشكلة ”
اغمض عينيه وهو يسترخى فى مقعده قائلا ” محتاجة وقت ..مش عاوز اضغط عليها ”
ضغط ادهم على اسنانه فى غيظ وقال ” محتاجة ايه ؟؟؟...انت بتهزر باين عليك ...انت مش شايف وضعها ..لو كان جرالها حاجة النهاردة كنت هتقدر تواجه نفسك ازاى انك مكنتش جنبها ...ندى هتبات معاها النهاردة طب بكرة وبعده وبعده ..لو محتاجة وقت خليها تاخده بس وانت معاها وجنبها ”
كان عمر يستمع الى حديث ادهم المنطقى ويفكر فيه وقال ” ما يمكن مش عاوزة الخطوة دى دلوقتى ...افرض نفسى عليها ”
ضحك ادهم قائلا ” عمر يا حبيبى ..الستات محدش عارف بيفكرو فى ايه هما نفسهم مبيبقوش عارفين عايزين ايه ..ممكن تقولك ابعد وهيا عايزاك تقرب وتقرب اوى كمان حتى لو غصب عنها ” واشار بسبابته الى رأس عمر وهو يقول ” متاخدش اى كلمة منهم على انها مسلم بيها او انها رغبتها ”
تنهد عمر وهو يفكر فى كلام ادهم العقلانى والمنطقى هو يجزم بأن ياسمين تحبه ولكن يجزم ايضا انها لن تعترف بهذا فى سهولة ، لقد حاولت بشتى الطرق من قبل ابعاده عنها ، ولم تتحدث اليه الا حين اجبرها على هذا وبالطبع لن تعترف له باى مشاعر ولن تصل الى قرار ابدا فى ظل الفوضى التى تعتمل فى صدرها ، ربما كانت فى حاجة لاثبات حبه لها بعد كل ما علمه ، شعر بانقباض قلبه وهو يتذكر ارتجافها الليلة على يد هذا الوغد ، وفكر ماذا لو قد نجح فى ايذائها ، كيف سيستطيع ان يواجه نفسه كما قال ادهم بعد ان وضعت كل ثقتها فيه .
اما ياسمين فبعد محاولات ندى للحديث معها واقناعها طويلا ، دلفت الى حجرتها فى يأس وتظاهرت بالنوم حتى تهرب من ملاحقاتها ، تحسست ندبه قديمة بجسدها وتذكرت ليلة مع هذا الوغد من اسوا لياليها ، تذكرت كل لحظة وكل صرخة وكل قطرة دم سالت على يد هذا السادى المريض ، اغمضت عينيها لترى نقطة امل وطريق جديد يقف عمر على اوله فى انتظارها ، لقد أذاقها عمر لاول مرة فى حياتها مشاعر لم تكن تعرف بوجودها ، وبقدر ما تسعدها هذه المشاعر بقدر ما تخيفها ، قرب عمر منها لهذه الدرجة يجعل ابتعاده عنها مميتا وهى ليست على استعداد ان تغامر بما تبقى منها ، تذكرت كلماته حين تحدث عن ريم حبيبته السابقة ، تذكرت حديثه عن المنطق وعن اتخاذه العذر لها ، هكذا بكل بساطة وسهولة ، ماذا لو تعامل معها بنفس المنطق ؟؟، ماذا لو تركها دون ان يشعر للحظة واحدة بالذنب ؟؟، حينها لن تقدر على منعه .
نظرت الى ندى النائمة الى جوارها كملاك ، كم احبتها واحبت صداقتها ، لقد فقدت معان كثيرة فى حياتها لم تعرف معنى الاب والام والاخ ، وجعلها عمر تتذوق معانا شبيهة ، الصديقة والحبيبة وربما الزوجه ، انتفض قلبها مع نطق هذا الكلمة بداخلها وشعرت ان ندبتها تؤلمها أكثر .
**************************************
شاءا ام ابيا كان لابد للمواجهة ان تتم ، قال عمر وهو ينظر الى يدها التى تحيط بكوب العصير فى احكام ” تتجوزينى يا ياسمين ؟؟“
قالها فى حزم ودون تردد مباشرة والغريب ان ياسمين لم تتفاجىء وقالت وهى تغمض عينيها فى مرارة ” ليه يا عمر ؟؟“
تراجع فى مقعده قائلا فى دهشة ” مش عارفة ليه ..بعد كل ده ؟؟“
تراجعت فى مقعدها بدورها وقالت فى اسى ” الناس لما بتبقا عاوزة تتجوز بتبقا عاوزة تكون اسرة وتبنى بيت وتستقر ..بس انت مسألتش نفسك انا هقدر اديك ده ولا لا ؟؟“
حاول عمر ان يرد فرفعت ياسمين كفها قائلة ” خلينى اكمل ..انت عارف انت داخل على ايه ؟؟....انا انسانة مشوهة المشاعر ..مريت بتجربة صعبة وقاسية لحد دلوقتى مش قادرة اخرج منها ومش عارفة فعلا هقدر اخرج منها ولا لا ..انت بقا عاوز تتجوزنى وانت عارف كل ده ؟؟؟...شفقة ولا شهامة ...كل المشاعر دى صدقنى عمرها قصير ..الملل سهل جدا انه ينهيها ويقضى عليها ومش هتشوف وقتها غير الحقيقة وبس ”
تنهد عمر وهو يشبك اصابعه قائلا ” خلصتى كلامك ؟؟“
اخفضت ياسمين رأسها دون ان ترد فواصل عمر ” انا لا هتجوزك شهامة ولا شفقة ..ولا مستنى منك تدينى حاجة اصلا ..ولا عايزة اجوزك عشان عاوز استقر وابنى بيت والكلام ده كله ...انا عايز اتجوزك عشان اكون جنبك ..عاوز اخد بايدك ونعدى مع بعض من كل ده ..اللى بيحب بجد سعادته انه يدى الللى بيحبه مش ياخد منه ”
عضت على شفتها وقالت فى وجع ” اديك قولت ..انا بقا هقدر اديك ايه ؟؟“
ابتسم وهو يتاملها قائلا ” شوية ثقة ده اللى عايزه منك ...وبعدها هتلاقى نفسك بتدى لوحدك ومن غير حساب ”
نظرت اليه فى الم ، احقا يطلب منها ان تثق فيه , الايعرف انها لم تثق فى حياته سوى فيه ، نظرت الى عينيه الممتلئة بالحنان وقالت محاولة مقاومة تأثير نظراته على قلبها ” انت قبل كدة ملقتش اى مشكة فى ان حبيبتك تسيبك وقولت عليه تصرف منطقى ومقبول ..انا مش هقدر اكون زيك لو فى يوم فكرت بنفس المنطق وسب....“
قاطعها بسرعة وقال ” قبل ما تصدرى حكمك عليا ..انا بعترف دلوقتى قدامك ان الحب هوا الحاجة الوحيدة اللى بتتحدى المنطق ..ولو فى حد حب وفكر للحظة بالعقل والمنطق يبقا محبش ”
ازدردت ياسمين ريقها وقالت فى ترقب ” يعنى معنى كلامك انك محبتهاش ؟؟““
واصل عمر وهو يهز كتفه ” ولا هيا حبتنى ...طبيعة الحياة اللى كنت عايشها خلانى انا وهيا شبه بعض جدا ..كل حد فينا كان بيملى فراغ التانى محتاج انه يشغله ، كنا صغيرين ومراهقين ..موقفناش للحظة نفكر ولا كنا عايزين نفكر ..مواجهناش اختبار حقيقى للمشاعر دى ولما واجهنا اكتشفنا ان ملهاش وجود اصلا ”
نظرت له ياسمين وكانها تذكرت شيئا وقالت ” بس ده غير كلامك قبل كدة ..انت قولت انكو حبيتو بعض ”
ابتسم عمر وهى تكشف الحجاب عن مشاعرها ببراءة دون ان تنتبه فقال فى صدق بالغ ” مكنتش اعرف يعنى ايه حب اصلا ...غير لما عرفته معاكى واتاكدت ان اللى حسيته يتسمى اى حاجة فى الدنيا غير انه حب ”
كلماته بقدر ما اسعدتها بقدر ما حاصرتها وضيقت الخناق عليها اكثر واكثر فحاولت ان تفر منه وتؤجل هذا الامر برمته او ربما تنهيه حتى تنتهى من حيرتها ولكنها لم تستطع فارادت ان تصعب مهمته لا اكثر فقالت ” لو اتجوزنا مش هنعمل فرح ومش هسيب شقتى ”
تنهد فى ارتياح وقال ” بلاش فرح لو مش عاوزة ..وبالنسبة لشقتك فهى ايجار زى شقتى ..مش هتقرق ما دام هدفع انا الايجار ”
لم تستطع ان تقوم سعادتها لتقبله الامور بهذه البساطة ولكن شىء ما خطر بببالها فجاة ورمته كورقة اخيرة قالت ” والدتك عارفة انك هتتجوز واحدة مطلقة ؟؟“ ”
تغير وجه عمر بالفعل وقد تذكر والدته التى لاتعرف شيئا حتى الان عن ياسمين ، وعلم انه امام مواجهة اخرى فهو يعرف جيدا كيف تفكر امه ، ويعلم ايضا انها لن تقبل بوجود ياسمين بسهولة ، وياسمين تضعه الان فى موقف لا يحسد عليه فمعنى حديثها انها لن تقبل به الا بعد موافقة امه
صرخ عمر فى فزع قائلا ” ياسمين مالك ..فى ايه ”
فزعت ندى ونطرت الى ادهم وقالت وهى تشد عمر من ذراعه ” مالها يا عمر ..فى ايه ” ، اشار عمر لندى بكفه لتصمت وهو يستمع اليها فى قلق واضح حتى انتهى وقال ” ما تخافيش يا ياسمين انا جايلك حالا ”
وقفت ندى امامه وقالت ” فى ايه يا عمر ياسمين مالها ؟؟“ ، لم يجبها عمر واسرع الى الخارج ، نظرت ندى الى ادهم ودون كلام اسرعا خلفه وادركاه عند الباب ، فامسكت ندى بذراعه متسائلة فى نفاذ صبر ” فى ايه بقولك ”
قال عمر فى توتر وغضب ” حد بيحاول يتهجم عليها فى البيت لازم الحقها ” ، وضعت ندى يدها على ثغرها لتكتم صرختها وهى تهمس ” ياسمين ” ، اتجه ادهم الى سيارته مباشرة وجلس عمر الى جواره والى الخلف جلست ندى رغم محاولات ادهم اثنائها عن الذهاب دون جدوى ، ظلت تبتهل طيلة الطريق الايكون اصابها اذى .
هبط عمر من السيارة مسرعا وتبعه ادهم وندى ، طرق عمر الباب بعنف دون اى رد ولم يسمع سوى صوت صراخ ياسمين ، وبكل غضب الدنيا بدا فى دفع الباب بقوة ليكسره ، لحقه ادهم وساعده على كسره ، تخيل ان الامر استغرق طويلا ، على الرغم من انه لم يستغرق سوى لحظات ليكون بداخل شقتها ويرى رجلا يقف على باب غرفتها يصرخ فيها ويحاول دفع باب غرفتها بكل قوة ، اندفع عمر بسرعة اليه وجذبه ارضا واخذ يكيل له اللكمات والركلات كانه قد جاء بقدمه اليه ليتلقى عقابه ، لم يعد عمر يشعر بشىء سوى بغضب عارم يجتاحه ومع كل لكمة كان يتذكر دموع ياسمين وكل كلمة يتذكرها يسدد له لكمه معها ، حتى شعر بادهم يرفعه عنه بعد ان فقد وعيه قائلا ” خلاص يا عمر الراجل هيموت فى ايدك ” ، حاول عمر التملص من يدى ادهم ولكن ادهم نجح فى تهدئته بصعوبة ، وفى تلك اللحظة فتحت ياسمين الباب ، فاندفعت اليها ندى بسرعة لتضمها وهى ترتجف ، نظر لها عمر وهى على هلعها هذا فاقترب من جديد ليفتك به لولا ان قبض ادهم على جسده بقوة ، وبصوت لاهث سألها ” ياسمين انتى كويسة ؟؟“
هزت رأسها بالايجاب ، اقترب منها عمر وربت على كتفها وهى بين ذراعى ندى قائلا ” اهدى يا ياسمين خلاص ..ايه اللى حصل بالظبط ”
تخلصت ياسمين من ذراعى ندى وقات بصوت ممزق من الخوف ” الباب خبط قمت عادى افتحه ..لقيته قدامى طردته كالعادة بس هوا اصر ودخل ورايا جريت على اوضتى حبست نفسى وكلمتك ” عادت ياسمين الى الارتجاف من جديد فنظر عمر الى الرجل الملقى ارضا والذى فقد وعيه اثر لكمات عمر العنيفة وقال فى غضب بين اسنانه ” حقير ...سافل ” وهم ان يعود اليه من جديد لولا قبضة ادهم التى تمسك ذراعه قائلا ” استنى يا عمر بقا وكفاية تهور ...متخافش هنعلمه الادب ”
شد ادهم كرسيا وجلس عليه ووضع قدما فوق الاخرى واشار لندى ان تحضر له كوب الماء الموضوع على الطاولة ففعلت ، سكب ادهم الماء على وجه الرجل الذى ظهر عليه الرعب ، فابتسم ادهم فى نظرة صارمة مخيفة وقال ” لا لا كدة مينفعش ..اصلب طولك كدة ولا هيا المرجلة ع الستات بس ”
وضع الرجل يده الى احد الجروح ونظر الى الدماء ثم حاول النهوض قائلا ” انتو مين ؟؟“
نهض ادهم فى هدوء وقال فى صرامة ” هتمشى معايا من سكات ”
قال الرجل فى خفوت وهو يبدل نظراته بين الجميع قائلا ” امشى معاكو فين انتو مين اصلا ؟؟“
لكمه ادهم ليسقط ارضا من جديد قائلا فى هدوء صارم ” كدة نقدر نتعرف ما دام ذاكرتك مش مساعداك ..ارجع كدة عشر سنين ...ها افتكرت ولا لسة ”
لم يمهله ادهم فرصة اخرى اذا امسك بملابسه وجره جرا الى الخارج والتفت فجاة الى الجميع وقال بابتسامة ” معلش يا جماعة هتصرف فى شوال الذبالة ده واجيلكو ”
صرخ الرجل الذى كان مستسلما تماما لادهم من هلعه وقال ” انت هتعمل ايه ؟؟“
ابتسم ادهم فى سخرية دون ان يرد ، كانت ندى تتابع الموقف باعجاب بالغ منذ البداية فقالت وهى تذهب الى جوار ادهم ” انا هاجى معاك ”
رد ادهم فى دهشة ” تيجى معايا فين ؟؟“
قالت وهى تمط شفتيها كطفلة ” عاوزة اتفرج والنبى ” ، لم يستطع ادهم مقاومة ابتسامته من الحاحها الطفولى فواصلت ندى الحاحها فى براءة وامسكت بذراعه كانها تتعلق بذراع ابيها وقالت ” والنبى والنبى والنبى ..اجى معاك ” ، تنهد ادهم ونظر الى عمر ليقول شيئا ولكنه كان مشغولا بياسمن يحاول تهدئتها ، تنهد وقال فى استسلام لا يعرف كيف ” امرى لله تعالى ” ، كل لحظة كانت تشعر انها تغرق فى حبه اكثر وتزداد ولها وجنونا بكل تناقضاته ، كل لحظة تتاكد ان عشقها له تخطى كل الحدود ، وان لاشىء فى الدنيا اصبح يعادل لحظة واحدة تحياها الى جواره ، لاشىء يعادل نظرة حب واحدة من رجل مثله ، لقد عشقت رجلا بكل ما تحمله الكلمة من معانى ، لم ترفع عينيها عنه طيلة الطريق ، تتامل تغيرات وجهه فمنذ دقيقة واحدة كان هذا الوجه الهادىء يمتلىء بحزم وجبروت العالم ، كان كافيا لردع اى مجرم دون حتى ان يتفوه بكلمة ، ومع ذلك لم يخيفها هذا الوجه ابدا فخلفه يختفى وجه ادهم الحقيقى الذى تعشقه .
القى ادهم بالوغد فى الحجز بعد ان دمر اعصابه تماما بتهديداته المتلاحقة ، واخذ بيد ندى التى كانت تستمتع بالامر كانها تشاهد فيلما سينمائيا الى السيارة من جديد ، قالت له فى مزاح ” انت هتعمل فى الراجل ده ايه ؟؟“
رد فى هدوء ” هعمل ايه يا ندى ؟؟...هحطه فى الحجز لحد بكرة عشان يتربى وبعدين هعمله محضر عدم تعرض لياسمين تانى ”
رفعت ندى كفيها وقالت ” بس كدة ؟؟“
ابتسمت وهو يلتفت اليها لحظة قائلا ” اومال انتى فاكرة هعمله ايه هقتله مثلا ولا هلفقله تهمة ”
هزت كتفيها قائلة ” مش انا اللى قولت ...انت اللى قولت كدة ”
نظر الى الامام فى تركيز وقال ” ايوة فعلا قلت كدة ..بس ده كان تهديد مش اكتر ..مش معقول هلفقله تهمة معملهاش يعنى ”
طالعته فى فضول وقالت ” طب بتهدد ليه بحاجة متقدرش تعملها ”
تنفس فى عمق قائلا ” من جهة اقدر فانا اقدر ..بس مش سكتى ..وبعدين انتى ايه حكايتك عايزانى الفقله تهمة فعلا ولا ايه ” وابتسم مضيفا ” وانا اللى فاكرك طيبة ”
رفعت ندى حاجبيها الجميلين وقالت ” بصراحة بعد اللى عمله مع ياسمين يستاهل الشنق كمان ”
حك ادهم جبينه قائلا ” بمناسبة ياسمين صحيح ..اخوكى شكله واقع على الاخر ”
ابتسمت ندى وقالت ” وهيا كمان رغم انها رافضة تعترف ”
دق ادهم على عجلة القيادة باصابعه قائلا ” واخرته ايه بقا اللف والدوران ده ان شاء الله ”
هزت ندى راسها قائلة ” مش عارفة ..انا خايفة على ياسمين من وجودها لوحدها كدة لازم يكون فيه حد يقف جنبها ”
ـ قصدك هيا وعمر يتجوزو ويكون ليه صفة رسمية فى حياتها
عضت ندى على شفتها وقالت ” ده سبب بس مش كل حاجة ..الاهم من ده كله انهم بيحبو بعض وسايقين الهبل ...قال كل واحد مدى التانى فرصة قال ...الحاجات دى متتاخدش غير قفش ” واشارت بقبضتها اليه فالتفت لها بنظرة ذات مغزى وقال ضاحكا ” بتفكرى فى ايه قوليلى ”
استرخت فى مقعدها وقالت ” اقولك ”
***************************************
فتح عمر الباب لندى وادهم ، نظرت ندى الى ياسمين وهى تجلس على احدى الارائك تضع رأسها بين كفيها فى حزن ، التفتت ندى الى ادهم وغمزت بعينها وقالت وهى تنظر الى ياسمين وعمر متظاهرة بالدهشة ” ايه ده هوا انت لسة هنا ياعمر ؟؟“
قطب عمر حاجبيه وهو يقول ” افندم ؟؟“ ”
اقتربت من ندى وهى تضيف ” ميصحش يا حبيبى تفضل هنا لوحدك معاها ...الناس تقول ايه ”
رفعت ياسمين رأسها تراقب الحوار فى دهشة فواصلت ندى وهى تنظر الى ادهم ” يصح كدة يا ادهم ”
عقد ادهم ساعديه وقطب حاجبيه فى مزاح قائلا ” لا طبعا ميصحش ”
توترت ياسمين ونظرت الى عمر كانه تستنجد به ليرد ، فقال عمر وهو ينقل نظره بين ندى وادهم فى غيظ ” مش طالبة هزار دلوقتى خالص على فكرة ”
ردت ندى وهى ترفع حاجبها ” ده احنا اللى بنهزر ؟؟؟...اومال انتو ايه بقا ؟؟“
واصلت وهى تتمشى فى اتجاه ياسمين ” اخرة اللى انتو فيه ده ايه ..لزمتو ايه بقا اللف والدوران ده ”
رد عمر باستنكار ” انتو بتتكلمو على ايه ؟؟“
لوت ندى فمها واشاحت بكفها وقالت ” لا احنا بندن فى مالطة ...هنكون بنتكلم على ايه ..عليكو طبعا ..عن حضرتك يا استاذ اللى كنت هتموت من الخوف عليها ..وعن سرحانك طول الوقت فيها ” ونظرت الى ياسمين واشارت برأسها قائلة ” وعنك انتى كمان اللى طول ما كنتى تعبانة قاعدة تخرفى باسمه ..اقول قولتى ايه كمان ولا كفاية كدة ؟؟“
احمر وجه ياسمين بشدة فواصلت ندى دون ان تعبأ بها ” انتو الاتنين بتحبو بعض لزمته ايه ده كله ...لزمته ايه تضيع الوقت ؟؟“
امسك عمر ذراعها وقال فى حزم ” ندىّ!!!“
هزت ندى رأسها فواصل ادهم الحديث بدلا منها قائلا ” ايه يا عمر مالك ؟؟....ندى بتتكلم صح ..اى حد عنده عقل هيميز اللى بينكو ده بسهولة خلينا نتكلم بالمنطق ..لو كنا وصلنا متأخرين ثانية واحدة بس كان ممكن تحصل كارثة ..انتو لازم تتجوزو عشان تقدر تكون معاها, تحميها ”
نهضت ياسمين من مكانها ولم تستطع ان تتحمل المزيد فهم يدفعونها الى مواجهة تحاول الابتعاد عنها فى الوقت الحالى بقدر المستطاع فقالت فى تعب ” انا آسفة جدا يا جماعة بس انا محتاجة ارتاح ” ، نظر لها عمر ليقرا اى انفعال على وجهها او اى رد لما عرض عليها منذ قليل ، ولكن وجد وجهها جامدا لا يبدو عليه سوى الارهاق بالفعل .
اما ندى فقالت وهى تتجه الى ياسمين وتمسك بكفها ” انا هفضل معاكى ..مش هسيبك تباتى لواحدك ”
ابتسمت ياسمين وقالت وهى تربت على كف ندى ” انتى روحى يا ندى معاهم متخافيش انا بقيت كويسة ”
هنا قال عمر فى جدية ” لا ما هو مش هينفع تباتى لوحدك النهاردة ”
ابتسمت فى سخرية وقالت ” انا بقالى سنين طويلة لوحدى ..ايه اللى اختلف ؟؟“
قالت ندى فى مرح محاولة التخفيف عنها ” اللى اختلف ان بقا عندك اخت اسمها ندى ولا عندك مانع ”
تنهد ادهم وقال ” بس انتى ياندى هتباتى معاها النهاردة ولا بكرة ولا بعده ..وبعدين ياسمين محتاجة حد موجود معاها على طول ”
اغمضت ياسمين عينيها فى الم وهى تقول ” يا جماعة لو سمحتو انتو ليه محسسنى انى ..“ وقبل ان تواصل انهى عمر الحديث وهو يمسك بذراع ادهم قائلا ” يلا بينا يا ادهم ...ندى هتبات معاها الليلادى ..يلا بينا احنا نمشى ”
**************************************
قال عمر فى لوم وهو يجلس الى جوار ادهم فى سيارته ” ممكن افهم ايه اللى عملتوه فوق ده بالظبط ؟؟“
ابتسم ادهم وهو ينظر الى الطريق امامه دون ان يرد وبعد لحظات قال ” انت عارف ان اللى حاول يتهجم عليها ده يبقا جوزها السابق ولا لا ”
اومأ عمربرأسه قائلا ” ايوة عارف ”وقطب حاجبيه مواصلا ” ايه علاقة ده باللى انتو عملتوه بقا ؟؟“
توقف ادهم بالسيارة جانبا وقال بوضوح ” انت بتحبها يا عمر ؟؟؟“
تفاجىء عمر بالسؤال وقبل ان يرد واصل ادهم ” ماهو لازم تقولى انت فعلا بتحبها وعاوز تتجوزها ولا غيرت رأيك بعد اللى حكتهولك ودلوقتى انت واقف معاها لمجرد انها ملهاش حد وصعبانة عليك ”
قاطعه عمر مدافعا ” لا طبعا مش كدة ؟؟...مفيش حاجة اتغيرت ..مشاعرى زى ما هيا ويمكن اقوى واعنف ”
ابتسم ادهم وامسك بعجلة القيادة قائلا ” خلاص فين المشكلة ”
اغمض عينيه وهو يسترخى فى مقعده قائلا ” محتاجة وقت ..مش عاوز اضغط عليها ”
ضغط ادهم على اسنانه فى غيظ وقال ” محتاجة ايه ؟؟؟...انت بتهزر باين عليك ...انت مش شايف وضعها ..لو كان جرالها حاجة النهاردة كنت هتقدر تواجه نفسك ازاى انك مكنتش جنبها ...ندى هتبات معاها النهاردة طب بكرة وبعده وبعده ..لو محتاجة وقت خليها تاخده بس وانت معاها وجنبها ”
كان عمر يستمع الى حديث ادهم المنطقى ويفكر فيه وقال ” ما يمكن مش عاوزة الخطوة دى دلوقتى ...افرض نفسى عليها ”
ضحك ادهم قائلا ” عمر يا حبيبى ..الستات محدش عارف بيفكرو فى ايه هما نفسهم مبيبقوش عارفين عايزين ايه ..ممكن تقولك ابعد وهيا عايزاك تقرب وتقرب اوى كمان حتى لو غصب عنها ” واشار بسبابته الى رأس عمر وهو يقول ” متاخدش اى كلمة منهم على انها مسلم بيها او انها رغبتها ”
تنهد عمر وهو يفكر فى كلام ادهم العقلانى والمنطقى هو يجزم بأن ياسمين تحبه ولكن يجزم ايضا انها لن تعترف بهذا فى سهولة ، لقد حاولت بشتى الطرق من قبل ابعاده عنها ، ولم تتحدث اليه الا حين اجبرها على هذا وبالطبع لن تعترف له باى مشاعر ولن تصل الى قرار ابدا فى ظل الفوضى التى تعتمل فى صدرها ، ربما كانت فى حاجة لاثبات حبه لها بعد كل ما علمه ، شعر بانقباض قلبه وهو يتذكر ارتجافها الليلة على يد هذا الوغد ، وفكر ماذا لو قد نجح فى ايذائها ، كيف سيستطيع ان يواجه نفسه كما قال ادهم بعد ان وضعت كل ثقتها فيه .
اما ياسمين فبعد محاولات ندى للحديث معها واقناعها طويلا ، دلفت الى حجرتها فى يأس وتظاهرت بالنوم حتى تهرب من ملاحقاتها ، تحسست ندبه قديمة بجسدها وتذكرت ليلة مع هذا الوغد من اسوا لياليها ، تذكرت كل لحظة وكل صرخة وكل قطرة دم سالت على يد هذا السادى المريض ، اغمضت عينيها لترى نقطة امل وطريق جديد يقف عمر على اوله فى انتظارها ، لقد أذاقها عمر لاول مرة فى حياتها مشاعر لم تكن تعرف بوجودها ، وبقدر ما تسعدها هذه المشاعر بقدر ما تخيفها ، قرب عمر منها لهذه الدرجة يجعل ابتعاده عنها مميتا وهى ليست على استعداد ان تغامر بما تبقى منها ، تذكرت كلماته حين تحدث عن ريم حبيبته السابقة ، تذكرت حديثه عن المنطق وعن اتخاذه العذر لها ، هكذا بكل بساطة وسهولة ، ماذا لو تعامل معها بنفس المنطق ؟؟، ماذا لو تركها دون ان يشعر للحظة واحدة بالذنب ؟؟، حينها لن تقدر على منعه .
نظرت الى ندى النائمة الى جوارها كملاك ، كم احبتها واحبت صداقتها ، لقد فقدت معان كثيرة فى حياتها لم تعرف معنى الاب والام والاخ ، وجعلها عمر تتذوق معانا شبيهة ، الصديقة والحبيبة وربما الزوجه ، انتفض قلبها مع نطق هذا الكلمة بداخلها وشعرت ان ندبتها تؤلمها أكثر .
**************************************
شاءا ام ابيا كان لابد للمواجهة ان تتم ، قال عمر وهو ينظر الى يدها التى تحيط بكوب العصير فى احكام ” تتجوزينى يا ياسمين ؟؟“
قالها فى حزم ودون تردد مباشرة والغريب ان ياسمين لم تتفاجىء وقالت وهى تغمض عينيها فى مرارة ” ليه يا عمر ؟؟“
تراجع فى مقعده قائلا فى دهشة ” مش عارفة ليه ..بعد كل ده ؟؟“
تراجعت فى مقعدها بدورها وقالت فى اسى ” الناس لما بتبقا عاوزة تتجوز بتبقا عاوزة تكون اسرة وتبنى بيت وتستقر ..بس انت مسألتش نفسك انا هقدر اديك ده ولا لا ؟؟“
حاول عمر ان يرد فرفعت ياسمين كفها قائلة ” خلينى اكمل ..انت عارف انت داخل على ايه ؟؟....انا انسانة مشوهة المشاعر ..مريت بتجربة صعبة وقاسية لحد دلوقتى مش قادرة اخرج منها ومش عارفة فعلا هقدر اخرج منها ولا لا ..انت بقا عاوز تتجوزنى وانت عارف كل ده ؟؟؟...شفقة ولا شهامة ...كل المشاعر دى صدقنى عمرها قصير ..الملل سهل جدا انه ينهيها ويقضى عليها ومش هتشوف وقتها غير الحقيقة وبس ”
تنهد عمر وهو يشبك اصابعه قائلا ” خلصتى كلامك ؟؟“
اخفضت ياسمين رأسها دون ان ترد فواصل عمر ” انا لا هتجوزك شهامة ولا شفقة ..ولا مستنى منك تدينى حاجة اصلا ..ولا عايزة اجوزك عشان عاوز استقر وابنى بيت والكلام ده كله ...انا عايز اتجوزك عشان اكون جنبك ..عاوز اخد بايدك ونعدى مع بعض من كل ده ..اللى بيحب بجد سعادته انه يدى الللى بيحبه مش ياخد منه ”
عضت على شفتها وقالت فى وجع ” اديك قولت ..انا بقا هقدر اديك ايه ؟؟“
ابتسم وهو يتاملها قائلا ” شوية ثقة ده اللى عايزه منك ...وبعدها هتلاقى نفسك بتدى لوحدك ومن غير حساب ”
نظرت اليه فى الم ، احقا يطلب منها ان تثق فيه , الايعرف انها لم تثق فى حياته سوى فيه ، نظرت الى عينيه الممتلئة بالحنان وقالت محاولة مقاومة تأثير نظراته على قلبها ” انت قبل كدة ملقتش اى مشكة فى ان حبيبتك تسيبك وقولت عليه تصرف منطقى ومقبول ..انا مش هقدر اكون زيك لو فى يوم فكرت بنفس المنطق وسب....“
قاطعها بسرعة وقال ” قبل ما تصدرى حكمك عليا ..انا بعترف دلوقتى قدامك ان الحب هوا الحاجة الوحيدة اللى بتتحدى المنطق ..ولو فى حد حب وفكر للحظة بالعقل والمنطق يبقا محبش ”
ازدردت ياسمين ريقها وقالت فى ترقب ” يعنى معنى كلامك انك محبتهاش ؟؟““
واصل عمر وهو يهز كتفه ” ولا هيا حبتنى ...طبيعة الحياة اللى كنت عايشها خلانى انا وهيا شبه بعض جدا ..كل حد فينا كان بيملى فراغ التانى محتاج انه يشغله ، كنا صغيرين ومراهقين ..موقفناش للحظة نفكر ولا كنا عايزين نفكر ..مواجهناش اختبار حقيقى للمشاعر دى ولما واجهنا اكتشفنا ان ملهاش وجود اصلا ”
نظرت له ياسمين وكانها تذكرت شيئا وقالت ” بس ده غير كلامك قبل كدة ..انت قولت انكو حبيتو بعض ”
ابتسم عمر وهى تكشف الحجاب عن مشاعرها ببراءة دون ان تنتبه فقال فى صدق بالغ ” مكنتش اعرف يعنى ايه حب اصلا ...غير لما عرفته معاكى واتاكدت ان اللى حسيته يتسمى اى حاجة فى الدنيا غير انه حب ”
كلماته بقدر ما اسعدتها بقدر ما حاصرتها وضيقت الخناق عليها اكثر واكثر فحاولت ان تفر منه وتؤجل هذا الامر برمته او ربما تنهيه حتى تنتهى من حيرتها ولكنها لم تستطع فارادت ان تصعب مهمته لا اكثر فقالت ” لو اتجوزنا مش هنعمل فرح ومش هسيب شقتى ”
تنهد فى ارتياح وقال ” بلاش فرح لو مش عاوزة ..وبالنسبة لشقتك فهى ايجار زى شقتى ..مش هتقرق ما دام هدفع انا الايجار ”
لم تستطع ان تقوم سعادتها لتقبله الامور بهذه البساطة ولكن شىء ما خطر بببالها فجاة ورمته كورقة اخيرة قالت ” والدتك عارفة انك هتتجوز واحدة مطلقة ؟؟“ ”
تغير وجه عمر بالفعل وقد تذكر والدته التى لاتعرف شيئا حتى الان عن ياسمين ، وعلم انه امام مواجهة اخرى فهو يعرف جيدا كيف تفكر امه ، ويعلم ايضا انها لن تقبل بوجود ياسمين بسهولة ، وياسمين تضعه الان فى موقف لا يحسد عليه فمعنى حديثها انها لن تقبل به الا بعد موافقة امه