رواية عزف السواقي الفصل السابع عشر 17 بقلم عائشة حسين
الـــــســـــابع عــــشـــــــر
+
وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا "
1
دخل الحجرة ببطء فاقد للحماس الذي يزيّن أفعاله، كله منطفيء فاستدارت مبتسمة تكابد حزنًا لا مثيل له بعدما انتهت اقامتها هنا فجأة ودون مقدمات وبطريقة أثارت في قلبها كل الحزن الكامن في الأعماق وفجرته على السطح ، طردها هكذا أحسّت وهو يخبرها بما قال ثم أرسل لها هويتها المفقودة كعلامة تأكيد على قوله وانتهاء حُجج اقامتها في منزله ، لكن لما عليها أن تلومه؟ أو تحزن لأجل فعلته؟ شعورها بعظيم صنعه معها فاق الامتنان وغفر له ما فعل وسيفعل ، أنقذها مرة من براثن المجهول ومرة حين منحها الرضا والسكينة في منزله المتواضع.
جلست على ركبتيها أمامه هامسةً بثبات مزيف كشعورها بالرضا لمغادرتها المنزل «هتوحشني كتير يا قاسم »
قال وهو يرفع نظراته الغائمة بالدموع مؤكدًا صدق مشاعره بتأثره الشديد «وأنتِ كمان يا غزل»
سألته بما يشبه التوسل وهي تتخلل خصلاته الكثيفة بأناملها «هتكلمني؟»
لم يستطع السيطرة أكثر من ذلك عانق رقبتها باكيًا فضمته ممررة كفها على ظهره «متمشيش يا غزل»قالها برجاء من بين شهقاته العالية فكتمت تأوهها المتوجع داخل صدرها وقالت بثبات ظاهري «مينفعش أنا وحشني مشتلي وأصحابي، بس أنا هكلمك دايما »
ابتعد قاسم عنها قليلًا يلتمس الصدق في قولها فمسحت وجهه بأناملها هامسةً «مش عايزة أمشي وأنت بتبكي»
سألها بما يشبه العتاب في براءة آسرة «هتمشي وتسبيني ليه؟ هما عندهم أصحاب وأخوات، بس أنا معنديش غيرك يا غزل»
جذبته لأحضانها بقوة، عانقته متحررة من قيود ثباتها وأصفاد قوتها، شاركته البكاء بعجز لأول مرة تتذوق مرارته، ظنته سيكون فراقًا عاديًا لكنها وجدته كسكينًا تمزق في القلب دون رحمة وتقطّع الأحشاء دون رحمة ، كان مذاق فراقهم مرًا علقمًا ، مسمومًا بالنوايا السيئة،وفوقه توابل من توهة وضياع… من بين شهقاتها اعتذرت له عن شيء لا تفهمه لكنه قد يطيّب جرحه من مغادرته فلا يلقي اللوم على والده.
أبعدته عنها فمسح لها قاسم الدموع المتساقة برقة جعلتها تمسك بكفيه وتقبلهما في امتنان حقيقي مانحة له قرارها كترياق يشفي ولا يترك أثارًا«أنا من النهاردة مبقاش عندي غيرك كمان، هنتكلم كل يوم ونحكي ونلعب مش هسيبك، وبإذن الله بابا يوافق يجيبك عندي»
ختمت قولها بقبلة طويلة وعميقة على جبينه قبل أن يرمي سؤاله «أبوي هو الي جالك أمشي؟»
بسرعة كتمت جرحه الذي ينزف اتهامًا لوالده «لا يا حبيبي بالعكس بابا مكانش عايزني أمشي أنا بس اتأخرت ولازم أرجع»
نظر لها بشك قبل يصارحها بمعرفته «أنا سمعته يا غزل متكدبيش أنت ِ مبتحبيش الكدب»
نضب معين ثباتها فبكت مؤكدة «أيوة مبحبش الكدب»
تركها وركض للخارج باحثًا عن أبيه الذي كان يقف بعيدًا عند شجرة التين العتيقة يمنح المنزل ظهره في رفضٍ، يخاصم منزله الذي يحب لأجل لفظها اليوم، يسرّ بالعتاب لجدرانه فكيف لا تمد أذرعها وتغرسها في أرضه عنوة.. لا يعلم أيلوم نفسه على فعله أم يلوم القدر الذي لم ينصفه يومًا ولم يرأف بحاله اللحظة « غزل» اسمًا خطّ على جبين القلب دون حولٍ ولا قوة، لا يعرف أتسخر الحياة منه بمنحها له أم تعذبه أكثر،أحبّ قلبه ابنة القاتل،سبب تعاستهم جميعًا فكيف يسامح قلبه؟
وصل قاسم إليه ووقف لاهثًا يعاتبه ببكاء مزق وتينه «جولتلها تمشي ليه؟ أنت مبتحبهاش بس أنا بحبها »
سيطر حامد على نفسه وظل مكانه كاتمًا حزنه في القلب يداويه بالصبر فقال قاسم باندفاع نبع من قسوة ما يمرّ به اللحظة فلأول مرة يتذوق الفِراق «مش هكلمك لو مجولتلهاش تجعد، أنت بتعملي كل حاجة بحبها اشمعنا دي يا أبوي»
ضرب حامد جذع الشجرة بقبضته في قهرٍ فأي أقدار تلك التي رمتها على عتبات قلبيهما ليأؤها فيه..؟
لم يستجب ولم يلتفت لقاسم الذي يئس وهرب مجددًا ولم يعد لا للمنزل ولا لها…
سحبت غزل حقيبتها حتى أوصلتها لباب المنزل وبعدها جلست فوق كليم تماضر على ركبتيها هامسةً بتنبيه «يا خالة..»
لم تجب تماضر عليها فنادت غزل مرةً أخرى بصوت أعلى تراكم فيه الحزن «يا خالة»
ابتسمت تماضر وحرّكت رأسها قائلة «فكراني مسمعاكيش؟ لاه سمعاكي.. بس صوت جلبك كان أعلى فاتلهيت فيه أسمعه، جلبك بيجول كتير يابتي بس ربك كبير ورحيم»
مدت تماضر كفها لها قائلة «قربي يا بنية أشوفك»
منحتها غزل وجهها فتحسست تماضر تقاطيعها ترسم لها صورة في مخيلتها ، ثم مررت أناملها على جبهتها وقالت مبتسمة«مكتوب على جبينك اسمه يابتي، تهربوا ما تهربوا الهربان من قلبه تايه العمر »
ثم أخفضت تماضر أناملها لحرقها وتحسسته رابتةً عليه « كفارة الكره حب يا بتي ، وكفارة الحب قُرب»
لم تتمالك غزل نفسها واقتربت منها معانقة تهمس معترفة برقة «أنا حبيتك يا خالة»
ضحكت تماضر قبل أن توصيها «الصبر سلاحك ودواكي يا بتي و الحب مفتاح الجلب التايه»
تابعت تماضر تصحح لها ما همست به لحامد عن قول الأسرار للبذور ووضحت لها بحكمة
« البذرة الي رمتيها أرويها أمان هتمد جذورها مش دايما الأسرار تخلينا نآمن ساعات بتخوفنا فأروي بذرتك بالأمان جذورها تتمد وتجطفي ثمرها جبل الأوان »
ابتعدت عنها غزل وشكرتها بقبلة تقدير فوق رأسها ثم صارحتها بخجل رقيق«مفهمتش بس عيزاكي توصيني»
ابتسمت تماضر لها بحنو قبل أن تخبرها «هتفهمي بعدين، حصنك صلاتك وباب نجاتك القرآن وملجئك ذكر الله…»
شكرتها غزل ونهضت خارجة، فتشت عن قاسم فلم تجده، لكنها وجدت بالخارج سيارة تنتظرها وسائقها يتقدم مُرحبا بالمساعدة، منحته الحقيبة وبعدها وقفت مكانها تجوب المكان بنظراتها باحثة عنه.
أخفضت بصرها في إحباط ويأس قبل أن تتحرك تجاه باب السيارة وتفتحه، لكنها توقفت هامسةً كأنه سيسمعها أو سيرسل له الهواء همسها في تفاني وإخلاص«بس أنا مسامحة والله، أشوفك بخير»
صعدت مانحة السائق الإذن بالرحيل، ما إن تحركت السيارة بين أرضه حتى أخرجت حفنة بذور متنوعة ومختلفة من حقيبتها وأخرجت كفها من نافذة السيارة تنثرها على طول الطريق راوية لها بدموعها.
رأت في مرآة السيارة رأفة تركض خلفهما فأشارت للسائق «لو سمحت ممكن تقف»
أوقف السيارة بصبر فجاءتها رأفة لاهثة تنظر إليها من النافذة قائلة بلهاث «غزل»
فورًا ترجلت غزل أبت أن يكون الوداع عاديًا ، يفصل بينهما باب، ضمت رأفة مُقبلة رأسها مودعة لها «هتيجي تاني؟»
أجابت غزل بأمل «مين عارف يمكن»
قالت رأفة ببراءة «هدعي ربنا تيجي تاني وأشوفك»
ضمتها غزل مبتسمة مقدرة لها شعورها «يا روحي وأنا هستنى استجابة دعوتك وكلي أمل»
ابتعدت غزل فمنحتها رأفة عروس قماشية بسيطة قائلة «معنديش حاجة غير صاحبتي أديهالك، جولتيلي هاتي حاجة بتحبيها ودي أكتر حاجة بحبها»
أخذتها غزل شاكرة، ضمتها مبتهجة «حبيتها زيك بالضبط»
قبلتها رأفة على خدها ثم منحتها شالًا رجاليًا فخمًا مُعطر، فسألتها غزل بدهشة «إيه دا؟»
ابتسمت رأفة قائلة «عمي حامد جالي أديهولك ترميه على كتافك لما تبردي»
أخذته منها بقدسية شديدة، فهذا الشال حرمها من رؤية وجهه وملامحه وكتم عنها صوته كثيرًا جدًا، وتلاعب بنبرته حتى لم تعد تتبين سوى الكلمات، فلا تعرف أتكرهه اللحظة أم تحبه،تريد أخذه أم إلقائه بعيدًا ، ولا تعرف ماذا يقصد بفعلته لكنها ممتنة وسعيدة أنه على الأقل ودعها بلطف تاركًا لأفكارها لغز جديد ستعيش على تفسيره كما يحلو لها وستؤوله كما يحلو لقلبها .
عادت غزل للسيارة قبضت على حفنة بذور ومنحتها لرأفة قائلة «اديهم لعمك حامد وقوليله شكرًا» أخذتهم رأفة ولوّحت لها مودعة وعادت غزل للسيارة فانطلق السائق شعرت بالحرج من ضم الشال لصدرها والخجل فوضعته جانبًا وتركت نظراتها عنده تحرسه.
سحبت نفسًا عميقًا سيطرت به على مشاعرها التي تنفلت رغمًا عنها وسألت «حضرتك هتوديني فين؟»
أجابها بلطف «الأستاذ حامد جالي أوصلك عند الأستاذ طاهر»
هزت رأسها باستحسان وصمتت بشرود، لا تعرف كم المدة التي استغرقتها السيارة في الوصول حتى أعلن لها السائق أنه وصل بالفعل
ارتجفت خوفًا، لم تتحرك وقد سكنتها الرهبة..
نظرت لشاله الموضوع جوارها ممررة كفها على نسيجه ثم ترجلت تنظر للبيت الذي تُبين هيئته ترف أصحابه..
وقفت أمام البوابة وطرقت، فقال السائق ناصحًا وهو يضع الحقيبة جوارها «رني الجرس» وضعت أناملها المرتعشة على الزر وضغت في اضطراب.
سمع رؤوف صوت الجرس فترك حصانه وخرج لكنه في طريقه قابل عمته التي ابتسمت قائلة «هفتح أنا يا ولدي»
جلس رؤوف يقلب في هاتفه بينما تحركت سماسم تجاه البوابة الخارجية، فتحت بابها فوجدت أمامها من تسأل بصوت مبحوح «طاهر موجود؟» ثبتت سماسم نظارتها الطبية على وجهها جيدًا ودققت النظر فيها مستفسرة بحنو «أيوة نجوله مين يا بتي»
ابتسمت باهتزاز وهي تخبرها بتوتر شديد «قوليله البشمهندسة غزل»
ما إن سمعت سماسم الأسم حتى ابتسمت باشة وسحبتها للداخل مرحبة بشدة ولطف «يا أهلا وسهلا اتفضلي»
شعرت أن ترحاب السيدة امتص توترها، أعادها لثباتها وعدّل ميزان أفكارها فلا شعور ينتصر على الآخر كلهم اللحظة سواء، ضمتها سماسم فرحةً مبتهجة تخبرها بفخر«أنا أم طاهر»
تحولت ابتسامة غزل لضحكة قصيرة مطمئنة قبل أن تضمها بمودة شاعرة بالأمان والراحة، نادت سماسم بسعادة وهي تتأمل غزل «طاهر.. يا طاهر»
خرج طاهر من المندرة على نداء والدته، سأل رؤوف عن السبب فأجابه بإنشغال «مش عارف»
خرج طاهر مُلبيًا ندائها وقف في المنتصف يردد اسمها بفرحة مندهشًا من تلك المفاجأة «غزل» ثم صحح بخجل «البشمهندسة غزل » ابتسمت غزل على خجله وتقدمت فتأملها سريعًا قبل أن يغض بصره ويرحب بفرحة «قنا نورت والله»
هتفت غزل بطمأنينة «ازيك يا طاهر عامل إيه؟»
فرد ذراعه ودعاها للدخول «اتفضلي يا بش مهندسة نورتينا»
انتفض رؤوف من جلسته واقفًا منتظرًا أن يصيب ظنه أو يخيب.. دخلت غزل المنزل بأدب قائلة «أنا أسفة يا طاهر جيت من غير ميعاد كده وفجأة»
عاتبها طاهر بلطفه المعتاد وحنانه البالغ «متعتذريش دا أنتِ نورتي والله أحلى مفاجأة»
تأملها رؤوف بشغف وشجن قبل أن يخفض بصره مسيطرًا على دقات قلبه التي تتواثب بسرعة مُهلكة، رن هاتفه فرفعه ليتزامن وصول حقيقتها مع وجودها أمامه.. تحرّك بسرعة ليختفي لكن نداء طاهر عليه كان أسرع «يا أخوي»
وقف رؤوف مكانه يضم كفه العليلة بقوة قبل أن يستدير ويقف مكانه في صمود،تسمّر كتمثال شمعي يحترق قلبه بخيط المفاجأة، يناديه طاهر فلا يتحرك وكأنه إن تحرّك ذاب ثباته وتساقطت مقاومته
اقترب طاهربغزل مُعرفًا«البشمهندسة غزل جات بنفسها أهي يا أخوي»
رفعت غزل نظراتها ولم يقف تفكيرها على كلمات طاهر لتفسرها مررتها بملل، نظرت للواقف أمامها بصمت وجمود أقلقها وأخافها عكس طاهر ووالدته التي كانت مشاعرهما كثيرة غمرتها بالطمأنينة
تأملها جيدًا ولأول مرة يخترق قانونًا وضعه لنفسه، أباح لنفسه التأمل والرؤية قبل أن يجلي صوته ويرحب بجفاء «نورتي يا بشمهندسة»
احتمت بمشاعر طاهر النقية وصمتت فقال طاهر «أعرفك يا بشمهندسة أخوي رؤوف الحفناوي»
اتسعت عيناها بصدمة وهي تسأله «رؤوف أخوك يا طاهر؟»
أغاظه نبرة استنكارها ونظراتها فجز على أسنانه وقال مؤكدًا «أيوة في مشكلة يا بش مهندسة؟»
ارتبكت وأخفضت بصرها في توتر وخوف مما دفع طاهر أن يستفسر بقلق «في حاجة؟»
قالت بصدق «كنت جاية ومعرفش إنه أخوك، صفوة قالتلي إنه قريبك»
ضحك طاهر موضحًا بمرح «أيوة ما هو يبجى قريبي وأخوي »
نظرت إليه ببراءة مستنجدة الفهم والتوضيح فضحك قائلًا «اهدي بس، اجعدي ارتاحي وبعدها هفهمك»
تذكر رؤوف يوم لمح صفوة بمكتبه تقف مع طاهر فخرج ينبهها لوجوده حتى لا تتهور، طالعها بنظرة تحذيرية مهددة أرعبتها فرحلت بسرعة قبل أن تنهي حوارها مع طاهر لا يعرف لما وقفت صفوة معه هل أخبرتها لمياء بأنه أخوه فحدثته مستنجدة أم ماذا؟ لكن الآن أوضح طاهر كل شيء.
جلسوا جميعًا، انضمت نجاة لهم بعد قليل وقفت أمامها مستفسرة بنظرة لامعة مبتسمة «أنتِ بجى غزل؟»
ارتبكت غزل من سؤالها وأخبرتها برقة «أيوة يا طنط أنتِ تعرفيني؟»
ضمتها نجاة بمحبة كبيرة وحنان وهي تجيبها على سؤالها «أيوة أعرفك عز المعرفة» صمتت دقائق وأكملت «دا يا حبيبي مالوش سيرة غيرك»
ابتعدت غزل مستفسرة «مين؟»
ابتسمت نجاة موضحة «طاهر يا بتي بيحكيلنا عنك» ابتسمت له بامتنان مختلسة النظر للجالس بجفاء وغضب، حاولت الحديث «أستاذ رؤوف بما إن حضرتك موجود فأنا عايزة اتكلم مع حضرتك»
نهض رؤوف بعجرفة وهو يخبرها بنظرة ساخرة «خدي ضيافتك وارتاحي وبعدها نتكلم»
قالت بحدة من أسلوبه المهين وطريقته معها «مش جاية أتضايف أنا جاية علشان...
قاطعها رؤوف بعصبية أزعجت طاهر بشدة «أنا عارف أنتِ مين وجاية ليه؟»
تدخل طاهر منزعجًا غاضبًا بشدة من معاملة رؤوف لها «رؤوف في إيه؟»
منحه رؤوف نظرة هادئة غير ثائرة بالمشاعر وتحرّك بغطرسة لم تعجب والدته فاستغفرت ولم ترق لعمته فعبست بضيق...
صعد للأعلى ودخل شقة آيات فهي أنسب مكان لجلد ذاته، لتفريغ شحنة غضبه وانهيار تماسكه بعد ما عرفه من حقائق أشعلت النار تلك المرة في قلبه ...
رفضت غزل ضيافتهم امتنعت عن الطعام والشراب وظلت مكانها منتظرة قدومه لينتهي العبث وتعود من حيث أتت، تذكرت قاسم فأدمعت، جلس طاهر يتوسلها الحديث فحكت له ما أخبرتها به صفوة وسعيها له ليتوسط لها عند رؤوف الذي ظنته قريبًا من نفس العائلة وليس أخًا له.
صُعقت سماسم وارتجفت متنفسة بسرعة أرعبت الموجودين وأثارت خوف طاهر وتساؤله فطمأنته نجاة ، التي كانت متماسكة شديدة الثبات آزرت غزل بضمة حانية ثم سحبت سماسم للأعلى فالعاصفة على وشك الهبوب..
ركض طاهر للأعلى محملًا بغضبه دخل شقة رؤوف فصعق مما رأى، من فوضى وعبث زجاج محطم تتناثر شظاياه .. سأله رؤوف بحدّة غير عابيء بما أحدثه «جاي ليه؟»
سأله طاهر وعينيه على ما فعله أخيه ولا يعرف سببه «الي بتجوله غزل دِه صح أنت أذيت أبوها وعايز تتجوز أختها غصب»
أجابه رؤوف بثبات وبرود «أيوه حقي»
صاح طاهر بحنق «كيف يعني حقك، أي حق دِه؟»
هدر رؤوف وهو يقبض على كفه «حقي أبوها هو الي جتل خالك وحرج وأذاني »
ارتد طاهر للخلف مصعوقًا لكنه تماسك «ومال بناته فكده ذنبهم إيه؟»
مال فم رؤوف بسخرية ثم دوى قوله «وأنت كان ذنبك إيه؟»
سأله طاهر بجهل وغباء«مش فاهم»
سحبه رؤوف من ذراعه وهبط به للأسفل، ضاربًا بتساؤلته وثرثرة اعتراضه عرض الحائط حتى وصل إليها ووقف أمامها فانتفضت واقفة..
صاح فيها بغضب «جايه ليه يا بشمهندسة؟ عيزاني أسيب أبوكي فحاله؟طيب ما قبل ما تيجي كنتي اسأليه هو إيه خلاني أعمل فيه كِده ..»
ارتبكت من قوله وصمتت بخزي وحرج جلب لقلب طاهر الحزن فصرخ «رؤوف ملكش دعوة بيها كلمني أنا »
صاح رؤوف «يا عمتي تعالي احكي لولدك»
ارتعشت غزل من صوته العالي وانكمشت بزعر بينما أمسك طاهر بتلابيبه نافذ الصبر يهزه طالبًا بغضب «رؤوف كلمني ومتتجننش عليا وسيبك منهم»
أبعد رؤوف كفي طاهر عنه ودفعه بعيدًا ثم اقترب من غزل وسحب حقيبة يدها بقوة جعلتها تشهق، فتح رؤوف الحقيبة بعنف تحت نظراتهما المترقبة وبعثرها حتى وصل لهويتها فنظر إليها بظفر ثم ألقاها بوجه طاهر قائلًا بألم «شوفها بت مين الأول وأسمع أمك وبعدها نتكلم»
التقطها طاهر وقرأ ما جعله يشهق رافعًا نظراته لرؤوف مطالبا بالتفسير «إيه دِه؟»
أجابه رؤوف ببرود ساخر ووجع ينبض بين حروفه وبحركة مسرحية قال«هعرفك أنا المرة دي عليها يا طاهر»
وضعت يدها على قلبها بصمت ورعب مما تراه، فتابع رؤوف وهو يمد ذراعه ناحيتها «غزل أختك يا طاهر وأبوها مرتضى الكلب هو أبوك»
اتسعت عيناها بذهول بينما رمى طاهر الهوية وصاح «أختي يعني؟ وأنا مش أبويا ميت»
فقدت غزل الوعي فركض طاهر ناحيتها منقذًا أما رؤوف فمنحها نظرة متألمة ورحل ضاربًا الباب خلفه بقوة.
********************
فاقت من إغمائها القصير تحيطها نجاة بعنايتها وتدثرها برعايتها، فتحت عينيها على وجه نجاة المبتسم بحنو والذي أذاع الطمأنينة في نفسها، فاعتدلت بسرعة مما جعل نجاة تحذرها وهي تمسح على رأسها «بالراحة يا بتي»
تمنت أن يكون ما عاشته حلمًا وما سمعته هذيان حمى لكن يبدو أنها الحقيقة وأنّ نهار الأمل غربت شمسه وهي الآن تواجه ليلًا وئد قمره، حاولت النهوض وترك الفِراش فحذرتها نجاة بلين «يا بتي متجوميش كِده»
قالت متوسلة والدموع تتجمع في عينيها «عايزة أشوف طاهر؟»
قالت نجاة في أسف «سيبي طاهر دلوك شوية»
نظرت غزل إليها طويلًا قبل تخفض بصرها وتتحرر من قسوة المفاجأة قائلة «أنا مش فاهمة حاجة خالص؟»
جلست نجاة جوارها قائلة وهي تمنحها كوب عصيرأعدته مسبقًا «اشربي بس واهدي وهحكيلك كل حاجة»
رفضت غزل تناوله في زهدٍ تريد أن تملأ بطن عقلها بالمعرفة أولًا، أصرّت نجاة عليها في شفقة «اسمعي الكلام أمال»
تناولته غزل مرتشفة منه القليل الذي امتزج بمرارة جوفها فأثارغثيانها،، أعادته لها متوسلة «لو سمحتي يا طنط مش عايزة واحكيلي كل حاجة؟»
أخذته منها نجاة وقالت وهي تمسح على رأسها برقة «طيب يا بتي»
تنهدت نجاة وعادت بذاكرتها للوراء قائلة بشجن وتأثر شديد «خالي الحاج قاسم الحفناوي» غمغمت غزل منقبضة بألم متذكرة قاسم ووداعه الحزين فسألتها نجاة وهي تنظر لوجهها «في حاجة يا بتي؟»
أجابتها غزل وهي تضم ركبتيها لصدرها مستمعة بإنصات ومشاعر متضاربة
«معاه ولدين وبت... حامد وعدنان.. حامد كان صاحب أبوكي الروح بالروح ومن كتر حبه فيه جوزه سماسم قعدت سماسم من غير خلفة سنين كتيرلغاية ما حبلت بطاهر.. بس أبوكي طمع سرق الفلوس وولع في الشونة وفصاحبه وضرب رؤوف على مخه وسابه في الحريج... هرب عالبيت ياخد الورج وحاجته اتخانق مع سماسم وضربها ورماها من عالسلم عينها اتفجعت فيها دي »
شهقت غزل لا تتحمل ما سمعته تتوسلها برقة «متأكدة إنه بابا يا طنط هو الي عمل كِده؟»
ضمتها نجاة مشفقةً عليها فيبدو أنها لينة القلب ورقيقة كما أخبرها ولدها، سألتها غزل وروحها تتحطم وتتناثر كشظايا «طيب وطاهر؟»
أجابتها نجاة وهي تمسح على ظهرها «رماها ومهموش يعيش ولا يموت بس ربك يخرج الحي من الميت نجاه ونجاها بعد غمة»
تأوهت بوجع سحق القلب فتابعت نجاة «متعتبيش على رؤوف الي شافه وهو عيل مش قليل، خد مدة في المستشفى زي الأموات ولما فاج ورجع مكانش بيجدر يتكلم ولا يمشي ولا يحرك دراعه، وجعد كتير يتعالج يابتي لغاية رجع لطبيعته ولسه يا حبة عيني المرض ماسكه»
بكت غزل متأوهة بصوتٍ عالٍ وهي تتوسلها «قوليلي إنه كدب يا طنط إني بحلم»
مسحت نجاة على رأسها متنهدة «هوني عليكي مالكيش ذنب»
قالت غزل بصدق وعدل «أدافع عنه بأي حق يا طنط وأقول لرؤوف سيبه إزاي؟ وطاهر هيعمل إيه قلبه ميستاهلش؟»
هتفت نجاة مواسية لها بحنو «ولا جلبك يا بتي»
لامت نفسها «ياريتني ما رجعت ياريتني ما جيت لا عرفت أفضل في الحلو الي عيشته ودوقته ولا متحملة الوحش يا طنط»
ظلت تبكي بأحضان نجاة التي يئست من إسكاتها وتهدأتها حتى نامت متعبة وقد انهارت مقاومتها كليًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضغطت فوق الأرقام ورفعت الهاتف منتظرة أن يأتيها صوته الحنون مُجيبًا نداء قلبها «أيوة يا أما»
هتفت متهللة بسماع صوته «عامل إيه يا حامد وكيفه قاسم دلوك؟»
أجابها بحزن اعتصر نبرته «بدور عليه لسه معارفش راح فين وهو زعلان كِده»
طمأنته بحنو «هتلاجيه يا حبيبي يعني هيروح فين»
تنفس بقوة ثم قال في ثقة بالله «بإذن الله هلاجيه»
هتفت مراعية ما هو فيه تتحسس كلماتها قبل أن تخرجها «بجولك يا حامد»
أجابها وهو يخطو ناحية منزل أم جمال مستفسرًا ليبحث عنه في أماكن لعبه وبين الأصدقاء والمعارف ، باحثًا عنه بقلب مُعتصر بين أنامل الهمّ «أيوة يا أما»
قالت مترفقة مراعية بحنو «البت زينة يا حامد، جميلة وتتحط على الجرح يطيب لا هي زي أبوها ولا شبهه كأنها مش من صلبه»
زفر قائلًا بلا مبالاة وكل ما يقلقه هو ولده وحزنه واختفائه «معارفش يا أما يمكن بتبين كده جدامكم»
عاتبته بلطف ملتمسة فيه رقة القلب وحسن الفهم «لاه يا ولدي والله دي مبطلتش بكا من لما عرفت ياحبة عيني ولا بتاكل ولا بتشرب وتغيب عن الدنيا وتنادي أمها»
صمت متأثرًا بقول والدته لكن عزمه لا يلين وعقله لا يرضخ لمدد قلبه من الحب «اتبنى بيني وبينها حيطان متتهدمش، بيني وبينها مرتضى وحاجات كتير يا أما»
ناقشته برفق «اسمع كلام زين وخدها عند خيتي تماضر تعيش معاكم هتطبع بطبعكم وكفاية قاسم اتعلق بيها»
اعترف بصوت مبحوح وهو يتنفس بسرعة نتيجة هرولته بين المنازل باحثًا «مش جادر يا أما»
تنهدت مشفقة عليه داعية بتضرح «ربنا يريح بالك ويدلك يا ولدي ويجبر قلبك»
أمم خلفها ثم أنهى الاتصال «هشوف قاسم وأكلمك»
قالت بلهفة «طمني لما تعتر فيه يا حبيبي»
«حاضر» قالها وأنهى الاتصال بسرعة معيدًا الهاتف لجيب جلبابه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوم كامل بليلة انعزلت فيه بحجرة نجاة تشاركها الفِراش والطعام وتستمع إليها في صبر وإنصات تاركة الوجع يتغلغل في الروح ويمد جذوره القاسية شاربًا كل فرحها، تغيب في عالم آخرلا تفيق من إلا على ربتات نجاة وابتسامتها التي كانت بلسمًا، تسأل عن طاهر فتجيبها نجاة بأسف أنه مثلها يختلي بنفسه وبالحقائق رافضًا الطعام والشراب، صامت بائس يحمل الكدر فوق رأسه والعذاب بين حنايا الضلوع فتعود من جديد لعالم لا تتواصل فيه، تنهمر دموعها بغزارة كأنها السبيل الوحيد لغسل النفس وتطهيرها واستخلاص الشوائب، تنقي القوة بأنامل الضعف وترصها فوق بعضها لتصنع منها جدارًا تتكيء عليه وكلما نجحت انهار الجدار فوق رأسها فتبكي بحرقة شديدة مناديةً والدتها في احتياج، تثير في نفس نجاة المراقبة الفزع والخوف والشفقة فلا تملك إلا ضمها وقراءة القرآن على رأسها فتهدأ.. حين تفيق مجددًا وتسأل وتستفسر تخبرها حينها بهمس أنها فقدت يد الأمان وأنها تسيرالآن في ظلام دامس لا تكاد تتبين فيه موضع قدم وأنها الآن احترقت كلها لا جسدها الآن طالت النار روحها فتشوهت، الآن انتصر عليها الخوف ويحق له التفاخر بما فعل، وأنها تريد مصباحًا لعتمتها أو تموت...
ثم تصمت طويلا تحارب مخاوفها وحدها صورة قاسم تبتعد وتتشوش ثم تختفي كبئر وحيدة في صحراء وهمس حامد يذوب في الألم، تمد كفي روحها منازعة لا تريد لأثارهم أن تترك روحها ولا قلبها لكن كل ما يحدث فوق استطاعتها وقدرة قلبها، همس حامد حين تعيده لا يلامس روحها ولا يقبّل مسامعها يتشوش ويبتعد كثيرًا، كأنهما هو وقاسم وجها الأمان لها حين فقدتهما فقدت كل الأمان وحين فقدت الأمان فقدتهما، آثام والدها تشوهها كما النار يبدو قلبها عاريًا لا تملك رتق ثوبه البالي، تريد منحه لحامد لكن كيف وهو عاري مشوّه لا يصلح سوى للشفقة.
كانت تخفي تشوهاتها عن الأعين الآن ستخفي قلبها في حرج، ستضطر لطمس هويتها والصبر، تشوهات الجلد أضحت لا تساوي شيئًا أمام تشوّه هويتها. فكيف السبيل للنجاة وأي زورق ستعتلي لا تعرف وكلما احتارت بكت وكلما بكت نادت والدتها مستنجدة عاتبة لها على تركها... لم تشعر باليتم كما شعرت به الآن.. لم تحس بالوحدة كما تحسها الآن.
***********
وجدت والدتها أمامها واقفة فاندفعت معانقة متمتمة بالحمد، وضعت كل لهفتها وحاجتها في عناق طويل، كانت تفتش بين ذراعيها عن الأمان عن الراحة، عن كل مشاعر جردتها منها الدنيا بقسوة،
ابتعدت قليلًا وأدخلتها في بهجة تمنت لقائها والارتماء بين ذراعيها لكنها خافت ووهن جسدها عن المبادرة فانزوت بآلامها
تعصر التعاسة في حلقها كحبات الليمون الحامضة متحملة لذوعتها في جلد ذاتٍ تستلذ عذابه... أجلستها وجلست ملتصقة بها تسألها عن حالها«ازيك يا حبيبتي طمنيني عليكِ بقيتي بخير؟»
أجابت والدتها وهي تلتقط أنفاسها المتعثرة في التنهيدات المتعبة «الحمدلله أنتِ عاملة إيه؟»
أجابت فيروز بنبرة غلبها البكاء «الحمدلله»
طالعت والدتها الشقة قائلة «حلوة الشقة»
هزت فيروز رأسها قائلة «أيوة»
سألتها فيروز عن أحوالها وصحتها متجاهلة السؤال عن عمها والتطرق لسيرته هو وابنه حتى لا تنهار مجددًا، ثرثرت في كل شيء حتى حان الوقت لتسأل والدتها متحسسة الطريق إليها «مش هترجعي لجوزك؟»
استيقظ الوحش من سباته العميق، كل قطعة في جسدها نالت منه عذابًا آنت بألم مذكرة لها بفعلته فقالت بغضب «لا»
ناقشتها والدتها بهدوء «يابنتي متخربيش على نفسك»
رمت فيروز ما بيدها في عصبية شديدة وصاحت مُخرجة مع الأنفاس آخر ذرة صبر «أنتِ كل دا مش ملاحظة أنه أصلًا مخروب»
جادلت والدتها بهدوء «يا بنتي كل الرجالة كدا وبنتحمل ونصبر واهو ضل راجل »
هدرت فيروز بجنون «دا ياريته حيطة الحيطة بتستر عنه»
لامتها والدتها «يابنتي عشان عمك»
دنت فيروز من وجهها مشير لكدمات وجهها «أنتِ مش شايفة وشي؟ طيب أقلعلك هدومي تشوفي جسمي،تشوفي عمل فيا إيه؟»
زفرت والدتها محوقلة فتابعت فيروز في جنون «قولتيلي في المصحة بيتعالج ها؟»
أكدت والدتها بثقة أضحكتها «أيوة أبوه دفعله ودخله»
صاحت فيروز فيها «جالي هنا واغتصبني.. عارفة يعني إيه اغتصبني ولا لا؟»
استنكرت والدتها قولها وأشاحت رافضة بحرج ممتعضة تقول «مفيش حاجة اسمها اغتصاب بين راجل ومراته»
جن جنون فيروز مزقت تيشرت بجامتها من رقبته مشيرة لكدمات صدرها وذراعها «لما ياخدني بالضرب يبقى إيه؟ لما يسيب فجسمي علامات يبقى إيه؟ »
استغفرت والدتها بغير رضا لا تمنحها شفقة على حالها فتتسلقها وتنفذ تهديدها ولا لين حتى لا تستغله وتتمادى فقالت فيروز «قسما بالله لأخلعه وألففه هو وأبوه في المحاكم» راجعتها والدتها فيما قالت خوفًا عليها «يا بنتي متجبيش لنفسك الأذى عمك ايده طايله وهيبهدلك»
تساقطت دموعها شفقة على نفسها لم تمنحها لها والدتها وقالت في عناد «لا مش هتحمل تاني زمان لما اتجوزته كنت صغيرة دلوقت كبرت وهحاسبه»
لامتها والدتها مذكرة لها «اتجوزتيه بمزاجك»أكدت فيروز قولها «أيوة صح وحبيته بس خلاص أنا عايزة فلوس بابا منه وويطلقني ويسيبني فحالي»
حذرتها والدتها «بلاش يا بنتي أنا خايفة عليكي»
سخرت في غضب وهي تضرب على صدرها «هيحصلي إيه أكتر من الي أنا فيه ها؟ قوليلي عايشة مذلولة على حقي ومتهانة»
جلست فيروز منهارة متعبة تبكي قائلة «ألوم ليه على الأستاذ رؤوف وأمي الي شافت بعينها بتكدب عينها وتقولي استحملي»
ضمتها والدتها مهدئة قبل أن تفتح حقيبة يدها وتخرج لها حفنة أموال قائلة «خدي خلي دول معاكي لغاية ما ربنا يصلح الحال»
سألتها فيروز لمعرفتها بحرص عمها على ألا يترك أموالًا لها فتمنحها لها «منين؟»
أجابت والدتها بابتسامة دافئة «من عندي متخافيش»
أخذتهم فيروز قائلة بحقد «ولو فلوسه هاخدهم عشان كل دا بتاع بابا»
نهضت والدتها مودعة «يلا أرجع أنا بقا»
أمسك فيروز بكفها متوسلة «خليكي معايا يا ماما وكفاية»
ربتت والدتها على كفها قائلة بحنو «عيزاه يقلب علينا خالص؟ مينفعش يابنتي اهو بهديه عليكي شوية»
تركت فيروز كفها أسفةً محبطة وبائسة فانحنت والدتها ولثمت رأسها داعية قبل أن تخرج «مع السلامة يا بنتي»
تركتها منكمشة على الأريكة شاخصة البصر، كل جوارحها تئن دون صوت.
لم تشعر أنها نامت إلا حين استيقظت على طرقات هادئة، فنهضت متثائبة تترنح متعثرة في بقايا نعاس يثقل ساقيها
فتحت الباب دون وعي فشعرت بمن يدفعها للداخل فجأة.. دخل وأغلق الباب خلفه، أعادت لها الصدمة وعيها المسروق فشهقت متفاجئة مصدومة
«روحتي للمحامي ليه يا فيروز؟»
عقدت ساعديها أمام صدرها وأجابت بهدوء غريب «تفتكر ليه؟»
اندفعت ناحيتها يسأل بنفاذ صبر «ردي علطول»
أجابته وهي تشيح نافرة، شاعرة بالاشمئزاز منه والقرف «عشان أخلعك»
لفت ذراعها حول معدتها تجبرها على الصمود في مواجهة القرف، متذكرة قربه منها آخر مرة.
اقترب منها قائلًا من بين أسنانه «مش هيحصل بموتي»
دعت بحرقة وهي تتفادى ضرباته «يارب تموت يا أخي»
نظرت للباب فخطر لها خاطر فجأة قبل أن يضعف قوتها ويلتهم مقاومتها الضعيفة، ركضت للباب في شبه قفزة فركض خلفها وأمسك بخصلاتها ضاربًا رأسها في الحائط، فصرخت باستغاثة، جعلت يونس ينتفض من جلسته ورجب يهرول للأعلى.
*********
+
كل الأعمال بين القبول والرد
الا الصلاه علي الحبيب فإنها لاترد
+
و إنَّ آلُقَلبَ لَيَطِيب بِڪثّرةِ آلُصلَآةِ علَى آلُحَبِيبِ المُصطّفَىٰ ﷺ
فااكثرو من الصلاه على الحبيب المصطفى سيدنا محمدﷺ
#انتهى
5

