اخر الروايات

رواية نشوة العشق اللاذع الفصل السابع عشر 17 بقلم سارة علي

رواية نشوة العشق اللاذع الفصل السابع عشر 17 بقلم سارة علي 







يجلس فوق كرسيه الهزاز غارقا في ظلام غرفته الدامس كظلام روحه السرمدي متذكرا ما حدث قبل أيام قليلة عندما قرر بلحظة تهور العودة إلى البلاد ورؤيتها ..

+


لم يستطع ألا يفعل خاصة وهو يخشى حقيقة إنها سترحل من هذا العالم ولن يراها مجددا ...

+


الفكرة بدت مفزعة ..

+


مجددا يدرك مكانتها في قلبه ...

+


مجددا يدرك صعوبة تخطيها ...

+


مجددا يدرك إن عشقها استوطن قلبه تماما ...

+


عشقها داء مزمن لا علاج حقيقي له ... 

+


وقتها أجرى إتصالات سريعة يحجز له مقعدا على متن أول طائرة متجهة إلى البلاد ..

+


تجاهل اتصالات صديقه وهو يجهز حقيبة صغيرة يضع فيها ما يحتاجه فقط ...

+


قضي الليل مستيقظا وعقله معها وقلبه مرتعب من سماع خبر رحيلها في أي لحظة ...

+


أتى الصباح فسارع يتصل بإبنة الخال ليأتيه صوتها المرهق بتعب وخوف ظهر بوضوح في نبرتها وهي تخبره بما حدث  ..

+


سألها بلهفة عنها فأخبرته إنها ما زالت في العناية المركزة ...

+


صوت توليب أخبره مجددا بمدى خطورة الوضع ...

+


بقي بعدها ينتظر ساعات مرت عليه بصعوبة وهو يتقلب فوق الجمر حتى فجر اليوم التالي حيث موعد طائرته الذي حصل عليه بصعوبة ...

+


ساعات طويلة على متن الطائرة لم يغفَ فيها ولو للحظة ...

+


الخوف ينهشه بل يبتلعه كليا ...

+


وصل إلى البلاد وسارع يأخذ أول سيارة أجرة متجها إلى المشفى غير آبها بأي شيء ولكن ما إن وصل هناك حتى استوعب ما يفعله وتدخل عقله أخيرا يقود القادم ...

+


سارع يتصل بتوليب متجاهلا صدمتها بقدومه يخبرها ببساطة أن تدبر له فرصة ليراها وسط غياب الجميع ...!

+


رفضت بشدة ..

+


أخبرته إنها لن تستطيع ...

+


ستحدث مشكلة لا محالة ..

+


سيراه أحدهم بالتأكيد فالجميع متواجد أغلب الوقت ...

+


راغب ينهي عمله بسرعة مذهلة ويعود إلى المشفى ...

+


فيصل أغلب وقته معهم ولا يترك المشفى مضطرا إلا ليبقى في القصر مع الأولاد ...

+


حتى راجي ما إن ينتهي من إجراء عملياته وعمله الضروري يأتي إليهم فورا ..

+


هي ووالدتها وهمسة مقيمات في المشفى ...!

+


كيف تجعله يراها ..؟!

+


ناهيك عن بقية المعارف الذين يأتون ليروهم ويدعو بالسلامة لها ...!

+


" تصرفي يا تولاي .."

+



قالها بثبات وهو يضيف بهيمنة :-

+


" سأراها حتى لو إحترق العالم بعدها ..."

+


ليأتيه صوتها بعد تنهيدة طويلة :-

+


" انتظر حتى المساء .. سأحاول تدبير ذلك ..."

+


إضطر بعدها أن يذهب إلى أحد الفنادق القريبة من المشفى ...

+


لا يريد لأحد أن يعرف بقدومه بإستثناء عادل وتوليب بالطبع ...

+


ولكنه فوجئ بعد ساعات قليلة بوالده أمامه ليهتف مندهشا :-

+


" كيف عرفت ..؟!"

+


ابتسم والده وهو يتقدم إلى الداخل مرددا ببرود :-

+


" أنا وزير ولا شيء يخفى عني .."

+


ضحك مرغما رغم الألم والخوف ليعانقه والده بحنو قبل أن يبتعد وهو يخبره بجدية :-

+


" كنت متأكد من قدومك بعدما حدث ..."

+


راقب تجهم ملامحه وهو يضيف بسلاسة :-

+


" لا ألومك ..."

+


ثم أشار له أن يتقدم :-

+


" تعال لنتحدث ..."

+


جلسا بعدها قبال بعضهما بينما والده يخبره :-

+


" ألا تملك شيء لتضيفيني إياه ...؟!" 

+


ابتسم رغم التعب :-

+


" ماذا تريد أن تشرب ..؟!"

+


" قهوة لكلينا ..."

+


قالها بهدوء بينما نهض هو يعد القهوة سريعة التحضير لهما قبل أن يعود إليه ..

+


ارتشف والده القهوة فظهر الانزعاج على وجهه متمتما :-

+


" هذه القهوة لا تطاق ..."

+


ضحك أثير مرددا :-

+


" أنت معتاد على تناول القهوة من يد حليمة ... الفرق شاسع بالطبع ..."

+


تنهد يخبره :-

+


" لا يوجد مثل قهوتها ..."

+


هتف أثير مبتسما بهدوء :-

+


" حفظها الله .."

+


تمتم حاتم بدوره :-

+


" آمين ..."

+


ثم أضاف وهو ينظر لولده :-

+


" كم من الوقت ستبقى هنا ..؟!"

+


أجابه أثير دون مواربة :-

+


" حتى أراها ... وأطمئن عليها .."

+


أخبره حاتم بعقلانية :-

+


" لا يمكنك أن تراها ... الجميع حولها في المشفى ..."

+


سأل أثير بإهتمام :-

+


" هل زرتها ..؟!"

+


أجاب حاتم :-

+


" اتصلت بعابد وسولاف ذهبت لزيارتها ..."

+


" وزمرد هانم لم تذهب بالطبع ضاربة بصلة القرابة ومتانة العلاقة التي تجمع بينها وبين شقيقها و زوجته عرض الحائط ..."

+



        

          

                
قال حاتم مبررا :-

+


" والدتك ليست بخير يا أثير ..."

+


التوى فم أثير برفض مرددا :-

+


" كعادتها تلجأ إلى طرقها المعتادة لكسب التعاطف ..."

+


قال حاتم بجدية :-

+


" أنا أكثر من يعرفها وأؤكد لك إنها حزينة بسبب ما حدث لدرجة لا يمكنك أن تتخيلها حتى إنها لم تغادر القصر ولا لمرة منذ علمها بسفرك خارجا ..."

+


" لا تنتظر مني تعاطفا ..."

+


قالها أثير بحدة ليمنحه والده نظرات صارمة وهو يخبره :-

+


" مبدئيا لا ترفع صوتك ... ثانيا مهما حدث لا تنسى إنها والدتك ... وستبقى والدتك التي عليك إحترامها مهما فعلت ...."

+


تنهد يضيف :-

+


" مهما بلغت أخطاؤها ستبقى هي أكثر من يحبك ويريد رؤيتك بأفضل حال ..."

+


" وستبقى هي من تسببت بتعاستي وخسارتي لحب عمري ..."

+


قالها بجمود قاسي ليجد والده يهتف بثبات :-

+


" لا نصيب لك فيها .. اقتنع بذلك ..."

+


" كان سيكون لي فيها نصيب لولا زمرد هانم ..."

+


خرجت منه بنبرة متحسرة جعلت والده يتنفس بعمق ثم يقول :-

+


" تجاوز يا أثير .. ليس لأجل أحد بل لأجلك ... الحياة لا تتوقف عند قصة حب فاشلة .. الحياة تستمر ... رغم كل الألم والخسارة تستمر وأنت قوي .. قوي بما يكفي لتواجه أمر كهذا وتتخطاه ..."

+


بقي والده بعدها لحوالي ساعة تبادلا الأحاديث فيها ...

+


حذره والده من الإقدام على تصرف قد يتسبب بمشكلة لهالة نفسها قبله ...

+


غادر بعدها وبقي هو وحيدا ينتظر اتصال توليب ...

+


ساعات ولم تتصل كاد فيها أن يجن حتى اتصلت به بحدود الساعة الواحدة صباحا تطلب منه المجيء بعد ساعة ...

+


رتبت كل شيء بصعوبة ..

+


والدتها ترتاح في الغرفة التي حجزها لهم راجي وهمسة كعادتها في هذا الوقت من المساء تقيم الصلاة وتقرأ القرأن حتى طلوع الفجر ...

+


راغب يبيت الليلة في القصر بينما دور فيصل ليبقى معهم واستطاعت هي أن ترسله إلى القصر طالبة منه أن يجلب بضعة حاجيات ...

+


رتبت كل شيء ووجدته أمامها في الوقت المحدد لتهتف بسرعة وهي تتقدم نحوه :-

+


" خمس دقائق لا أكثر .. ماما وهمسة هنا وقد يظهران في أي لحظة وفيصل ذهب ليجلب لنا طعاما من مطعم قريب للغاية ..."

+


كذبت عليه بشأن فيصل متعمدة كي لا يبقى لوقت أطول ....

+


لم يهتم هو بحديثها بينما يندفع إلى الداخل ...

+



        
          

                
ما إن وطأت قدميه غرفة العناية حتى شعر ببرودة تكتسح جسده ...

+


سار بخطوات حذرة اتجاهها قبل أن يتوقف أمامها يناظر إلى جسدها الممدد فوق السرير بسلام تام والأجهزة تحيطه من الجوانب ...

+


بشرتها الشاحبة وشفتيها الزرقاوين ...

+


والدمار الذي أصاب وجهها آثر الحادث ...

+


ضعيفة كما لم يرها من قبل ولم يعتقد يوما أن يرها على هذا الحال ..

+


شاحبة لدرجة الموت ....

+


فاقدة للوعي وكل شيء ...

+


إعتصر عيناه يكبت دموعا عادت تشق طريقها فيهما ...


+


مال قليلا نحوها ويده تنحدر تلقائيا نحو يدها يلمسها بحنو بالغ ...

+


لم تكن حبيبته التي عرفها لسنوات ...

+


هالة المشرقة .. المليئة بالحياة ...

+


الزهرة اليانعة التي تخطف الأنظار بشقاوتها وحيويتها وعذوبتها ...

+


أخذ نفسا عميقا ...

+


يغصب نفسه على عدم تجاوز حد القرب المسموح به مذكرا إياها إنها لم تعد تخصه بل باتت ملكا لآخر ...

+


أنامله تلمس خصلاتها بتردد فيشعر بالعجز يكبله بقسوة مفرطة ...

+


هي هنا أمامه وهو عاجز حتى عن معانقتها ...

+


يود لو يعانقها ...

+


يود لو يقبلها ...

+


يتنفسها ويتشبث بها بكل المحاولات الممكنة كي تستيقظ ...

+


لو يبقى جانبها ممسكا بيدها دون فكاك يحدثها صباحا ومساءا ويرجوها أن تستيقظ ...


+


يتوسلها أن تفتح عينيها فترتد الروح إليه وقتها ...

+


تشرق شمس عمره ويتبدد ظلام روحه ...! 

+


" هالة ..."

+


خرجت منه بخفوت مبحوح ...

+


تذكرها في مختلف حالاتها ...

+


تذكرها وهي سعيدة ...

+


تذكرها وهي حانقة ..

+


تذكرها وهي خائفة ...

+


تذكرها وهي تغار بحنق لذيذ ...

+


تذكرها وهي تبكي ...

+


تذكرها وهي تعانده ...

+


تذكرها وهي تشاكسه ..

+


تذكرها وهي تتدلل عليه ...

+


تتذكرها وهي تحاول مصالحته بعد خصام تسببت به بينهما ...

+


تذكرها وهي تهزمه في معركة عشق كان النصر دائما حليفها ...

+


ابتسم بيأس وصورها تمر أمام بصره واحدة تلو الآخرى تروى قصة عشق إنتهت وباتت مجرد ذكرى ...

+



        
          

                
تذكر حديثها وهي تخبره أكثر من مرة بصلابة تليق بها وهو يخبرها بخوفه عليها :-

+


" أنا قوية .. لا تخشى علي ... أنا أقوى مما تتخيل .. لا أحد يستطيع إيذائي .. لا أحد يمكنه ذلك ... ولا أحد يمكنه أن يزعجني ... أو يتسبب بالضرر لي .. فأنا لست هينة .. لا أسمح لأي شخص بأن يضايقني ولا أتوانى عن نيل حقي منه كاملا ... "

+


ابتسم وحديثها يتسرب لمسامعه وكأنها حاضرة أمامه ونبرة صوتها يتذكرها بل يحفظها عن ظهر قلب :-

+


" أنا لا أحتاج لمساعدتك ... لا أنت ولا غيرك حتى ... أنا أجيد الإعتناء بنفسي .. أستطيع الدفاع عن نفسي ... أستطيع حماية نفسي جيدا ..." 

+


كفه ضغطت على كفها بينما صوته خرج مبحوحا :-

+


" أنت قوية ... تجيدين حماية نفسك ... تجيدين الحفاظ عليها ... أنت قوية يا هالة وستتجاوزين هذا الحدث كما إعتدت دائما أن تتجاوزين كل شيء تمرين به مهما كان صعبا وقاسيا ..."


+


تذكر صوتها الواثق ذات مرة وهي تخبره بمشاكسة :-

+


" أنا لا أنكسر ولا أنهزم أبدا ... مهما بلغت شدة الحياة وصعوباتها وسوء مواقفها ... أنا قادرة على المواجهة والإنتصار والتجاوز  ونيل ما أريد ... "

+


ضحكاته وهو يخبرها :-

+


" هالة المحاربة ..."

+


تأكيدها لحديقه بثقة لا مثيل لها :-

+


" نعم أنا محاربة لا تدخل حربا إلا وإنتصرت فيها ..." 


+


أخذ نفسا عميقا ثم قال بنبرة آمرة :-

+


" أيقظي المحاربة التي داخلك يا هالة ... حاربي ما يدور حولك وانتصري عليه كما إعتدت الإنتصار دائما ... لن يهزمك حادث كهذا ... أنت أقوى منه ..."

+


لم يستطع منع نفسه من الإنحناء نحو جبينها يودعها بقبلة طويلة أودع فيها عشقه الضائع وغرامه المستحيل ...

+


ابتعد عنها قليلا يهمس لها بصلابة :- 

+


" أثق بقوتك يا هالة التي ستجعلك تتجاوزين هذا الحادث وتنجين منه بسلام .... "

+


انتصب بوقفته مجددا يشرف عليها يخبرها بثقة :-

+


" سوف تستيقظين ... وبأقرب وقت ..."

+


أنهى حديثة بلوعة تصاحبه منذ أعوام :-

+


" ستبقين في قلبي يا هالة ... سأبقى أحبك مهما حدث .. تمر الأعوام ... ولو بعد ألف عام ولو دخلن مئات النساء في حياتي ستبقين أنت الأولى في قلبي وكذلك الأخيرة ..."

+


وهذا اعتراف لم يستطع البوح به أمامها  وهي واعيه فإختار بوحه وهي غارقة في عالم آخر ...!

+


انتفض من ذكرياته على صوت رنين هاتفه ...

+


أجاب على المتصل يتبادل معه أحاديث سريعة قبل أن ينهض مستعجلا ليجهز نفسه قبل الذهاب إلى مقر عمله في السفارة ...

+



        
          

                
وصل إلى هناك في وقته المحدد ...

+


تبادل التحية مع صديق له والقليل من الأحاديث قبل أن يبتسم تلقائيا وهو يرى صديق يعرفه جيدا ...

+


تقدم نحوه والآخر كذلك قبل أن يحييه وهو يردد :-

+


" كيف حالك يا زاهر ...؟! لم أكن أعلم بتواجدك هنا ..."

+


ابتسم زاهر يردد :-

+


" بخير يا أثير .. أنا هنا منذ فترة وسأغادر قريبا ..."

+


تبادل الحديث معه ..

+


كان يحمل مودة خاصة لزاهر صفوان الذي عرفه في بداية عمله في الخارجية بينما الأخير يكبره سنا وخبرة ...

2


كان على وشك أن ينهي حديثه معه عندما طلت إحداهن بخطوات ثابتة يقابلها زاهر بإبتسامة مرحبة بينما عرفها هو على الفور...

+


الفاتنة التي كانت تجاوره في الطائرة ...

+


وقفت أمامهما تحيي زاهر بطريقة رسمية مع إبتسامة تحمل ودا يشي بمعرفة لا بأس بها تجمع بينهما ...

+


ملامحها رغم فتنتها الصريحة تحمل صلابة و  تجهما  غير مفهوما ...

+


التفت زاهر نحوه يعرفه على الفاتنة التي اختفت الإبتسامة الودودة القصيرة وحل محلها الجمود والرسمية البحتة :-

+


" أثير الهاشمي ..."

+


" نارا عمران ..."

+


خيوط القدر دائما ما تشبك بيننا وبين مصير لا ندركه في البداية ثم نستوعبه فيما بعد عندما نتورط ويصبح الهروب من قرار القدر مستحيل ...


+


***

+


" كرم استيقظ ..."


+


ما إن سمعت هاتين الكلمتين على لسان شقيقتها وهي تكاد تطير فرحا ..

+


" كرم استيقظ "

+


ما إن سمعت هاتين الكلمتين على لسان شقيقتها وهي تكاد تطير فرحا ..

+


" خذيني إليه ..."

+


قالتها وهي تحاول النهوض بينما همسة تهمس :-

+


" على مهلك يا هالة .."

+


هتفت هالة بلهفة :-

+


" يجب أن أراه .."

+


تنهدت همسة بصمت وهي تسندها فما زالت حركتها صعبة بينما داخلها تتذكر ما عرفته عما أصاب كم من شلل في يده اليسرى ..

+


لم تخبر هالة بذلك فكرم نفسه لم يعرف بعد ....

+


لن يخبروه مباشرة بالطبع ...

+


تحركت مستندة عليها لتجد توليب في طريقها فتخبرها همسة :-

+


" أصرت أن تراه حالا .."

+


" معها حق ..."

+


قالتها توليب بتفهم وهي تسندها من الجهة الأخرى لتحتج هالة :-

+



        
          

                
" أستطيع السير لوحدي أساسا ..."

+


ابتسمت توليب متفهمة ضيقها من حاجتها لمن يسندها عن النهوض والتحرك رغم إنها تتحسن بشكل سريع :-

+


" لا بأس . نحن نخشى عليك فقط ... "

+


ثم سارت بها مع همسة إلى غرفة كرم حيث وجدت والدته تقف جانبا تتحدث مع الطبيب ويبدو إنها تستفسر عن حالته جانبها شقيقته الكبرى بينما الصغرى ليست موجودة ...

+


لم تنتبه هالة لأحد وهي تدلف إلى الداخل تستند على الحائط وهي تخبرهما :-

+


" أستطيع الوصول إليه بنفسي ..."

+


قبضت همسة على يدها تخبرها بحزم :-

+


" لا تعاندي .."

+


ثم سارت جانبها نحو كرم النائم فوق السرير ...

+


فتح كرم عينيه ما إن سمع صوت خطوات تتقدم نحوه ...

+


" هالة ..."

+


خرجت ضعيفة بالكاد سمعتها بينما هي تجلس على كرسي جلبته توليب لها سريعا قبل أن تنسحب مع همسة خارجا ...

+


" كرم .. وأخيرا استيقظت ..."

+


همست بها بعينين محتقنتين بالعبرات بينما يتأملها هو براحة بديهية وهو الذي ما إن إستعاد وعيه وإنتهى الطبيب من فحوصاته المبدئية سارع يسأله بقلب مرتعب على حالها ليطمأنه الطبيب إنها بخير واستيقظت قبله أصلا ...

+


حينها اطمئن قليلا والآن هو مطمئن تماما بعدما رآها أمامه ...

+


مدت كفّها تلمس كفه الأيمن تخبره بصدق :-

+


" كنت أموت من الخوف عليك ..."

+


أضافت وهي تتأمل ملامحه المليئة بآثار جروح بدأت تأخذ طريقها نحو الشفاء بينما ضماد ضخم يحيط رأسه  :-

+


" كيف تشعر الآن ...؟!"

+


" متعب للغاية ..."

+


قالت بخفوت :-

+


" وأنا أيضا كنت كذلك عندما استيقظت ... "

+


أضافت بسرعة :-

+


" لكن لا تقلق .. ستتحسن بسرعة ..."

+


تأملها بصمت ..

+


يتذكر ما حدث بينهما قبل الحادث ...

+


كيف صفعها ..؟! وما تلا ذلك ...

+


هل ستصدقه لو أخبرها إنه نادم على صفعه لها ...؟!

+


لكنه كان غاضب ..

+


غاضب بشدة ..

+


ورغم غضبه وشعوره بالخذلان منها إلا إنها كانت أول ما بحثت عيناه عنه حالما استيقظ والرعب يملأ قلبه عليها خاشيا أن يسمع خبرا سيئا عنها ...

+


كأنها شعرت بأفكاره تلك فهمست وهي تلمس كفه مجددا :-

+


" كل شيء سيتحسن ... كل شيء سيكون بخير ..."

+



        
          

                
تشكلت ابتسامة باهتة فوق ثغره وهو يهمس بصعوبة :- 

+


" لا أعتقد ذلك ..."

+


" سأشرح لك كل شيء ..."

+


قالتها بسرعة قبل أن تضيف بحشرجة :-

+


" ولكن ليس الآن بالطبع ..."

+


عاد يتأملها بصمت ...

+


يتسائل عن القادم ...

+


حتى لو شرحت له كل شيء ...

+


مالذي سيتغير ..؟!

+


هل سينسى هو كيف استغفلته ..؟!

+


وهل سينسى كيف كانت شقيقته ضحية ذلك ..؟!

+


وهل هي ستنسى ما فعله بها ليلة زفافها ...؟!

+


هو يعلم إنها تتحدث بعاطفة مشحونة نتيجة الحادث وخوفها عليه من الموت وهو كذلك ولكن فيما بعد سيكون بينهما عتاب طويل وحديث أطول ..

+


هناك شيء ما انكسر داخله لا يعلم ماهيته ولكنه بقي يضغط عليه طوال اليومين الذين قضاهما قبل الزفاف وسيطفو إلى السطح مجددا قريبا ...

+


تنهد ثم قال مغيرا الموضوع :-

+


" أنا لا أشعر بيدي اليسرى منذ إستيقاظي ..."

+


تجمدت ...

+


ما قاله جمدها تماما ..

+


نطقت أخيرا بصعوبة :-

+


" كيف يعني لا تشعر ..؟!"

+


ابتلع ريقه ثم أجاب بتعب :-

+


" لا أشعر بها نهائيا ...."

+


لم تعرف ماذا تقول ...

+


اتجهت عيناها نحو رأسه المضمد بالكامل ...

+


في نفس اللحظة دلف الطبيب يطمئن عليه ...

+


تقابلت عيناها بعيني الطبيب بنظرة مطولة فهم الأخير من خلالها إنها أدركت بما حدث ...

+


فحصه الطبيب بينما خرج سؤال كرم بإستفهام :-

+


" ما بها يدي اليسرى ...؟! لم لا أشعر بها ..؟!"

+


ارتجفت أطرافها ...

+


ماذا سيحدث عندما يعرف بما حدث ..؟!

+


سيتدمر كليا ....

+


التقت عيناها مجددا بعيني الطبيب الذي هتف أخيرا :-

+


" أنت شاب قوي يا كرم .."

+


أضاف بينما هايدي دلفت إلى الداخل بملامح ثابتة جامدة كحجر فاقد للحياة وما زالت صدمتها بما أصاب شقيقها بسبب الحادث تسيطر عليها ...

+


سمعت الطبيب يتحدث بهدوء :-

+


" الحادث الذي تعرضت له كان مدمرا ورغم ذلك نجيت منه والحمد لله ..."

+


" مالذي تريد قوله يا دكتور ..؟!"

+


سأله كرم ومخاوفه تزداد ليخبره الطبيب بالحقيقة :-

+



        
          

                
" يدك اليسرى تعاني من الشلل يا كرم ... "

+


أضاف وهو يلاحظ الصدمة التي سيطرت على ملامحه :-

+


" ولكن هناك علاج ... ستتحسن مع العلاج باذن الله ..."

+


راقبت هالة الصدمة التي حلت عليه ...

+


يده اليمنى التي اعتصرت غطاء الفراش بقسوة ...

+


عيناه اللتان تحولتا لبركتين من الدماء ...

+


وجهه الذي بدأ يحمر تدريجيا حتى قارب على الانفجار ...

+


" كرم ..."

+


همست بها بصوت متحشرج عندما هدر بثبات :-

+


" اخرجي ...."

+


كررت إسمه مجددا برجاء لتجفل وهو يصرخ بصوت جهوري متجاهلا آلم جسده :-

+


" قلت أخرجي .."

+


وما تلا ذلك كان عبارة عن فوضى تسبب بها صياحه وإنهياره ...

+


أخرجوها مع هايدي وسارعوا يحتوون الموقف بإيعاز من الطبيب الذي كان مستعدا لردة فعل كهذه ...

+


انهارت هالة بين أحضان شقيقتها باكية بينما نانسي تقبض على يد والدتها الصامتة كليا بوجه بائس تدعمها وهي تجاهد لكبح دموعها ....

+


وهايدي تلتزم الصمت كالعادة ..

+


صمت لا يشبه ضميرها الذي يجلدها بسوط من عذاب سيرافقها طالما شقيقها يعاني بهذه الطريقة ..

+


***

+


غادرت همسة المشفى مع زوجها الذي أصر أن ترتاح الليلة في القصر بعدما تمكن الإرهاق منها لدرجة جعلها تفقد بها وعيها ...

+


جاورته في السيارة لتخبره قبل أن يدير مقودها :-

+


" خذني إلى المقبرة أولا ..."

+


لم يرفض بسبب حالتها الصحية ...

+


يتفهم رغبتها ..

+


يتفهم حاجتها لزيارة والديها ...

+


" حسنا ..."

+


تمتم بها وهو يدير المقود متجها إلى المقبرة ...

+


هناك قادها بحرص نحو قبريهما ثم انسحب بعدها يمنحها خصوصية تحتاجها ...

+


وقفت هي أمام القبرين وعلى غير العادة لم تتشكل الدموع فيهما حالما رآتهما ...

+


وجدت نفسها تهمس بعد لحظات :-

+


" هالة كادت أن تموت ... كنت سأخسرها هي الأخرى لولا رحمة رب العالمين بها وبي أنا أيضا ..."

+


أخذت نفسا عميقا ثم تضيف بقهر مكتوم :-

+


" ماذا كنت سأفعل لو ماتت ..؟! كيف كنت سأتحمل خسارتها ..؟! أنا لم أتخطَ خسارتكما بعد رغم كل هذه السنوات .. ما زلت أبكيكما في قلبي كأول يوم فقدتكما به ... ما زال الألم نفسه والمرارة ذاتها ..."

+



        
          

                
سقطت دمعة يتيمة من عينها بينما تضيف بصوت مبحوح :-

+


" الفترة السابقة عشت حالة رعب لم أعشها طوال حياتي ... "

+


تساقطت المزيد من الدموع وهي تضيف :-

+


" لأول مرة منذ سنوات أعايش هذا الشعور مجددا ... شعور الخسارة ... "

+


أضافت بصعوبة :-

+


" لكنني لم أعد أتحمل ... لن أتحمل المزيد من الخسارات .. هذه المرة سأموت لا محالة ... حقا سأموت ..."

+


ارتجفت شفتيها بينهما تبوح بما تخزنه داخلها لأعوام :-

+


" أنا أضعف من كل هذا ... أضعف من أن أتحمل هذا الكم من الخوف .. أضعف من تحمل فراق جديد ... الفراق هذه المرة سينهيني لا محالة ... سيمتص روحي حتى آخرها ... لا أريد خسارة جديدة ... لا أريد أن أفقد أحدا جديدا ..."

+


شهقت باكية تتخلى عن الواجهة الصلبة التي تتمسك بها أمام الجميع منذ نشأتها ...

+


في الواقع هي أضعف مما يعتقد أي شخص ...

+


روحها ضعيفة لدرجة تجعلها عاجزة عن تحمل أي خسارة قادمة ...

+


مسحت دموعها بعدها ثم قرأت الفاتحة لهما ...

+


شعرت به يتقدم جانبها يجاورها ويقرأ الفاتحة قبل أن تخبره بهدوء :-

+


" لنغادر ... "

+


قبض على كفها يتحرك معها مغادرا المقبرة ...

+


قاد سيارته متجها إلى القصر ولم يغب عنه شرودها ....

+


دلفا إلى القصر تستقبلها الخادمة بترحيب وتبارك لهما سلامة هالة ...

+


اتجهت مباشرة إلى جناح أولادها ...

+


فتحت المربية لها الباب وهي تحمل إبراهيم فسارعت تلتقطه منها ..

+


تقبله بشوق جارف وتشمه وتحتضنه بحنو ...

+


اتجهت بعدها نحو الآخرين ...

+


نزار الذي سارع يرمي بنفسه بين أحضانها فعانقته بحب خالص وهي تجلس على أحد الكراسي  بينما الأكبر عانقها هو رابتا فوق ظهرها فتبتسم بعينين دامعتين وشعور الكمال كالعادة لا تشعر به سوى معهم ثلاثتهم ..!

+


راقبهم راغب مبتسما بخفوت بينما سيف ونزار يسألان عن هالة ويريدان زيارتها بأقرب فرصة ...

+


تبادلت الحديث معهم رغم تعبها ...

+


وعدتهم إنها ستأخذهما إليها في أقرب فرصة ....

+


بعدها نهضت معه ..

+


أودعت كلا من ثلاثتهم بقبلة دافئة قبل أن تتجه نحو جناحهما حيث أخبرها هو بينما يساعدها في فك أزرار قميصها :-

+


" الخادمة جهزت لك الحمام ... وستجلب لك الطعام حالما تنهين حمامك ..."

+


تطلعت له بإمتنان قبل أن تتحرك نحو الحمام الذي تحتاجه الآن أكثر من أي وقت ...

+



        
          

                
خرجت بعد حوالي نصف ساعة ترتدي روب الاستحمام بينما تجفف خصلات شعرها بالمنشفة ..

+


وجدت الطعام موضوع على الطاولة المقابلة للكنبة بينما أشار هو لها :-

+


" تناولي طعامك قبل أن يبرد ..."

+


سارت نحوه وجلست جانبه تخبره بخفوت :-

+


" لا شهية لدي ..."

+


قال بصرامة :-

+


" تناولي الطعام يا همسة ..."

+


أضاف يبتسم لها بهدوء :-

+


" هل تريدين أن أطعمك بنفسي ..؟!"

+


تطلعت له بصمت عندما وجدته يقدم الشوكة نحو فمها فتتناول الطعام بصمت ...

+


ابتلعت لقمتها لتشعر بغصة تحكمت فيها ...

+


لاحظ الدموع التي ملأت عينيها فهمس اسمها بخفوت ليتفاجئ بها ترمي برأسها فوق صدره تبكي فوقه بصمت ...

+


تنهد بصمت بينما ذراعيه تطوقانها بحمية وحنو لا يظهر لسواها ...

+


أنامله تتخلل خصلاتها المبللة بحركة بطيئة بينما يهمس لها بكلمات تطمأنها ...

+


لا يعرف كم مر من الوقت حتى شعر بها غفت فوق صدره ليبتسم مرغما وهو يشعر إنها طفلته وهو والدها الذي يراعيها وكم يحب ذلك ..

+


يحب أن تكون حبيبته وهو حبيبها ...

+


زوجته وهو زوجها ..

+


طفلته وهو والدها ...

+


صديقته وهو صديقها ...

+


أم أطفاله وأب أطفالها ...

+


يحب أن يحيا معها جميع الحالات ويؤدي لأجلها مختلف الأدوار ...

+


هي فقط ولا أخرى سواها ...

+


***

+


أمريكا ..

+


فوق سريرها تجلس بملامح متغضنة وعقلها يسبح بأفكاره التي لا تنتهي ...

+


منذ ليلة البارحة وهي تعتزل كل شيء باقية في غرفتها بعد نوبة غضبه العنيفة بسبب  معرفته بما أصاب ابنة خالته حتى إنها خشيت أن تسأله عن وضعها ...

+


كان مصدوما بشدة وغاضبا بشكل مخيف حيث أفرغ غضبه كاملا فوق رأس شقيقه الأصغر بل شتمه ولعنه لأنه أخفى عنه الأمر الذي عرفه بالصدفة البحتة عن طريق صديق سمع بالخبر على مواقع التواصل الاجتماعي واتصل به متسائلا إذا ما كان العروسين نفسهما ابنة خالته وزوجها بعدما قارن تاريخ الحادث والمواصفات ليجن جنونه بعدما أدرك إن عائلته تعمدت إخفاء الأمر عنه كي لا يعود مباشرة إلى البلاد وهم يدركون ما يفعله إنفعاله وكيف يتصرف بلا وعي وجنون غبي ...

+


غضبه أرهبها وإكتشفت إن ما زال جزءا منها يخشى غضبه العاصف مثلما أدركت إنه ما زال كما هو بنفس الجنون والعصبية المخيفة ...!

+



        
          

                
تنهدت بوجوم وهي تنهض من مكانها تفتح خزانة ملابسها تبحث عن ملابس ترتديها فاليوم هو يومها الدراسي الأول في الجامعة ...!

+


الغريب إنها لا تشعر بأي حماس كأي طالبة تخطو أولى خطواتها بعالم جديد ومختلف ومرحلة جديدة ومهمة في حياتها ...

+


هي فقط ستفعل ما هو مطلوب منها ..

+


ستدخل الجامعة كما يقول المنطق مثل جميع أقرانها وإن كانت هي واقعيا ليست مثلهم ولن تكون فلا ماضيها كماضيهم ولا حاضرها يشبه حاضرهم وبالتأكيد مستقبلها سيختلف تماما عن مستقبلهم ...

+


تجاهلت أفكارها تلك فهي عاهدت نفسها ألا تفكر بذلك الماضي  ولا تعاود التفكير بالواقع الذي تهرب منه بصعوبة ..

+


لن تسمح لنفسها بالإنخراط مجددا خلف ماضي محمل بالآلم والخسارة ..

+


ماضي قررت أن تدعسه أسفل قدميها وتسير فوقه متحلية برداء القوة والجحود ...!

+


هذا الجرح سيختفي بلا رجعة وهي لن تسمح له بأن يظهر إلى السطح مجددا ...

+


تحركت بسلاسة ترتدي ملابسها ثم تجلس أمام مرآتها تضع الزينة فوق وجهها وتعتني بشعرها ...

+


انتهت بعد حوالي ساعة من تجهيز نفسها استعدادا للمغادرة ....

+


تحركت نحو الباب تغادر غرفتها في الشقة التي باتت تقيم فيها معه بينما وعدت نفسها منذ اليوم الأول إن أقامته هنا لن تدوم مثلما زواجه منها لن يستمر كذلك ...

+


ستتخلص منه قريبا بعدما تلقنه درسا يستحقه هو والبقية ...!

+


جذبتها رائحة شهية قادمة من المطبخ فتحركت بسرعة إلى هناك لتجده يقف أمام الموقد يعد شيئا ما ..

+


تقدمت إلى الداخل تهتف بحماس :-

+


" ماذا تفعل ..؟!" 

+


أجابها دون أن ينظر نحوها :-

+


" بيض مع النقانق والطماطم والفلفل الأخضر ..."

+


سألته وهي تسحب كرسيا تجلس عليه :-

+


" هل تجيد إعداد الطعام ..؟!"

+


أجابها وهو يطفأ الموقد :-

+


" مجرد بيض بالنقانق .. تتحدثين وكأنني أطبخ الرز مع الدجاج أو ورق العنب  ..." 

+


ثم حمل الطعام وتقدم به نحوها يخبرها :-

+


" اليوم فقط أعددت الطعام بنفسي ولكن لا تعتادي على هذا فيما بعد ..."

+


لوت ثغرها تخبره :-

+


" هناك خادمة ستصل خلال يومين ولن أحتاجك حينها ..."

+


ثم جذبت الخبز وبدأت تتناول طعامها بشهية مفتوحة غافلة عن عينيه اللتين تتفحصانها بملابسها المكونة من تنورة قصيرة بالكاد تغطي بداية فخذيها فوقها تيشرت ضيق ذو حمالات رفيعة يظهر ذراعيها العاريين وبداية نحرها بسخاء بينما ترتدي في قدميها حذاء ذو عنق طويل يصل إلى ركبتيها ...

+



        
          

                
" هل ستذهبين إلى الجامعة هكذا ..؟!"

+


ابتلعت لقمتها بسرعة ثم أجابت :-

+


" نعم ..."

+


أخذ نفسا عميقا مقررا أن يتمالك نفسه ويتعامل معها بهدوء يحتاج أن يتحلى به معها كما ينصحه من حوله ...

+


نطق بهدوء :-

+


" ملابسك قصيرة ومفتوحة للغاية .. "

+


أضاف بملامح رافضة :-

+


" غيريها قبل خروجك ..."

+


جذبت لقمة أخرى تتناول ثم أجابت بعدما ابتلعتها :-

+


" تعجبني ملابسي ولا أرى وجود داعي لتغييرها ..."

+


نطق من بين أسنانه وهو يجاهد للتماسك أمام طريقتها المستفزة :-

+


" هذه ليست ملابس تناسب الحرم الجامعي ... "

+


" نحن في أمريكا .."

+


قالتها ببرود ليقاطعها بثبات :-

+


" حتى لو .. هذه ملابس لا تصلح للجامعة .. بالكاد تناسب النوادي الليلية ..."

+


ضحكت باستخفاف :-

+


" أنت لا تعرف شيئا إذا .. "

+


جذب كرسيا يجلس قبالها يخبرها بينما هي تتناول طعامها بعدم اهتمام :-

+


" بلى أعرف ... هناك من يرتدن هكذا وأسوأ ولكن ..."

+


توقف للحظة ثم أضاف بثبات :-

+


" الفتيات غير المحترمات فقط من يرتدين هكذا ..."

+


توقفت عما تفعله لوهلة ...

+


مالت بعينيها نحوه تتأمله للحظات بملامح عادية تماما لا تحمل شيئا غامضا قبل أن تبتسم ببساطة وهي تخبره :-

+


" ومن قال إنني محترمة ...؟!"

+


تابعت صدمة نظراته بملامح مستمتعة عندما سارع يضرب فوق الطاولة بإندفاع :-

+


" توقفي عن طريقتك المستفزة يا هذه ..."

+


جذبت منديلا تمسح به كفها ثم شفتيها ببرود تام قبل أن تنهض من مكانها تخبره ببرود :-

+


"أنا لا أقول سوى الحقيقة ..."

+


نهض بدوره يقبض على ذراعها يهدر بها :-

+


" إلى أين ..؟! لن تتحركي خارج الشقة بهذه الملابس ..."

+


قابلته بعينين حادتين منحها الكحل الأسود شراسة وجاذبية خاصة عندما نطقت بصلابة :-

+


" لا تفعل يا مهند .. دعني وشأني .. أفضل لك ولي ..."

+


" لن أسمح لك بذلك ... هل فهمت ..؟!"

+


قالها بثبات ليجدها تهتف بضحكة خافتة :-

+


" لماذا ..؟! لإنني زوجتك ..؟!"

+


عاندها :-

+


" ألستِ كذلك بالفعل ..؟!"

+


تأملته بوجوم لوهلة قبل أن ترد :-

+



        
          

                
" على أساس إن زواجك مني لمساعدتي ... فرصة كي أتحرر من سجن والدك ..."

+


لوت ثغرها بإبتسامة هازئة وهي تضيف :-

+


" كنت أعلم إنك تكذب ... تخدعني .. وربما كنت تتفق مع والدك ضدي ... توهمني بحرية لا وجود لها بينما أنت هنا معي وحولي .. "

+


أكملت بغضب مكتوم :-

+


" تراقبني وتتدخل بي عندما تريد ولديك حجة تستعملها ضدي وهي زواجي منك .. "

+


" كل شيء له حدود يا جيلان .. حتى الحرية لها حدود ..."

+


قالها بوعي لتصيح معترضة :-

+


" لم يكن هذا اتفاقنا .. أخبرتني إنك ستتزوجني كي أسافر وأغادر سجن والدك وأحيا هنا كما أريد .. كنت تكذب  .."

+


أكملت بخفة :-

+


" ولعلمك أنا لست مصدومة من ذلك .. على العكس .. توقعت هذا من البداية لإني أعرفك جيدا وسبق وجربت كذبك وخداعك ... إنها ليست المرة الأولى يا مهند ..."

+


راقبت تجهم ملامحه بينما تسرسل :-

+


" فعلتها مسبقا .. قبل حوالي عامين عندما تزوجتني بحجة حمايتي وإعادة شرفي الضائع على يد مجهول إغتصبني لتفعل مثله وتغتصبني أنت الآخر وليت الأمر انتهى على هنا .."

+


صاح معترضا وحديثها يوقظ كافة مشاعر الألم والتأنيب التي ما زالت تعبث بروحه :-

+


" لم أغتصبك ..."

+


منحته نظرة تحمل سخرية ومرارة ليضيف مدافعا عن نفسه :-

+


" لم ترفضِ وقتها .."

+


صاحت به :-

+


" وهل كان لدي حق الرفض ...؟!"

+


تحركت مبتعدة عنه تصيح والدموع تحتل عينيها :-

+


" أنت إتخذت قرارك ونفذته يا بك .. وأنا لم يكن بوسعي سوى الإستسلام .. "

+


أكملت بسخرية لاذعة :-

+


" أما أنت ففعلت ذلك وأكثر .. اغتصبتني وخلفت وعدك بحمايتي ورعايتي ناهيك عما تلا ذلك ... "

+


أخذت نفسا عميقا تجاهد معه لكتم عبراتها بينما تخبره بجمود :-

+


" كن صادقا معي ولو لمرة واحدة يا مهند ..."

+


هتف بصوت بارد :-

+


" أنا صادق معك يا جيلان ... أتيت بك إلى هنا و سجلتك في الجامعة التي تريدنها ... لا أعتقد إنه مطلوب مني أكثر من ذلك حاليا على الأقل ... "

+


أضاف بثبات متجاهلا كل تلك الفوضى التي أحدثتها في مشاعره بفعل كلماتها المؤلمة :-

+


" سأمنحك الحرية التي طلبتها لكن بحدود لن أتنازل عنها ... " 

+


" وإذا رفضت تلك الحدود .."

+


صاحت بعناد ليقابل سؤالها بتحدي :-

+



        
          

                
" ستبقين هنا ولا خروج لك من باب الشقة مهما حدث ..."

+


" سجن جديد إذا ..."

+


قالتها بعدم تصديق لتجده يهتف بلا مبالاة :-

+


" اعتبريه كذلك ..."

+


تحرك بعدها مغادرا المطبخ متجها إلى صالة الجلوس حيث التقط نفسه أخيرا متذكرا كلماتها التي تخبره مجددا بحجم الجرم الذي اقترفه بحقها بينما بقيت هي مكانها تحترق غضبا بينما تلوم نفسها مرارا فهي تعجلت فيما فعلته ..

+


كان عليها أن تكون أكثر وعيا وحكمة في تصرفتها فما فعلته لن يحقق لها غرضها بل على العكس سيقلبه ضدها ...!

+


***

+


تسير داخل أروقة الجامعة بملامح واجمة ...

+


دلفت إلى داخل القاعة التي ستأخذ أولى محاضراتها بها ..

+


تحركت ببصرها في أرجاء المكان حيث القليل من الطلبة يتخذون أماكنهم على المقاعد عندما اختارت هي مقعدا في الأمام وجلست عليه بنفس الملامح الواجمة ...

+


بدّلت ملابسها السابقة بأخرى ملائمة مكونة من بنطال جينز وتيشرت ذو أكمام مربعة تصل إلى بداية ساعديها مع حذاء رياضي ...

+


رفعت شعرها البني الناعم على شكل ذيل حصان وخففت زينة وجهها فباتت إطلالتها مغايرة للأولى ..

+


انتظرت تعليقا منه لكنه اكتفى بنظرة سريعة وهو يتحرك قبلها تتبعه هي بوجوم سيطر على ملامحها بينما هو يلتزم الصمت طوال الطريق حتى أوصلها إلى الجامعة وتحرك بعدها بسيارته دون أن يسألها عن موعد انتهاء محاضراتها ..

+


هو لا يهتم وهذا يزعجها ...

+


كانت تنتظر شيئا مختلفا لكنه لم يحدث ..

+


راقبت دخول شابين إلى القاعة بضحكات صاخبة وملامح تنطق بالحماس فشعرت بالإختناق من هذه الأجواء ...

+


الجميع يبدو منطلقا بشكل لا يشبه ما هي عليه ..

+


والمشكلة لا تكمن في انطلاقهم وحماسهم الواضح بل في حقيقة إنهم يعيشون اللحظات المناسبة والمشاعر المنطقية لأول يوم جامعي بينما هي لا تشعر سوى بالضيق واليأس  و الاختناق ...

+


لوهلة شعرت إنها ليست في مكانها الصحيح ...

+


جميعهم طلبة شباب يخطون أولى خطواتهم في عالمهم الدراسي الجديد المليء بالطموحات والإنجازات المنتظرة أما هي فلا طموح لديها ولا تنتظر أي إنجاز تحققه ...

+


هي لا رغبة لديها بأي شيء ...

+


ربما عليها أن تغادر الجامعة حالا وتركض نحو أحد البارات حيث هناك مكانها الصحيح ...

+


المكان الذي يناسبها وتنسى نفسها فيه ...!

+


تجاهلت أفكارها بصعوبة ومعها تجاهلت ما يحدث جانبها بين الطلاب الذين يتعرفون على بعضهم بينما هي بعيدة عنهم تماما في عالم منفرد يخصها وحدها ...!

+



        
          

                
لفتت انتباهها فتاة تقدمت إلى الداخل بملامح ناعمة وإبتسامة هادئة تعلو ثغرها ...

+


اتجهت تأخذ الكرسي جانبها ...

+


فتاة رقيقة ببشرة تحمل سمرة خفيفة تقارب سمرة بشرتها وعينين بنيتين لامعتين وخصلات ساحرة بلون الشوكولاتة ....

+


تأملتها وهي تضع حاجياتها أمامها ثم حقيبتها جانبا ...

+


تفتح قنينة مياه باردة وترتشف منها القليل قبل أن تغلقها مجددا...

+


ثواني والتفتت نحوها بإبتسامة لطيفة تلقي التحية بلهجة إنكليزية :-

+


" مرحبا ..."

+


وجمت ملامحها وهي تجيب باقتضاب :-

+


" أهلا ..."

+


ثم تحاشت النظر إليها لتناظرها الأخيرة بحيرة قبل أن تهز رأسها بعدم فهم وهي تقلب في دفترها تكتب عليه إسمها بحماس البدايات غافلة عن تلك التي تراقبها دون أن تنتبه ..

+


ترى حماسها الواضح وإن شابه توتر ...

+


لطافتها وهي تتبادل التحية مع البعض وتتعرف عليهم ...

+


من إسمها عرفت إنها ذات أصول عربية رغم إنها شكت منذ البداية بسبب لهجتها الغير سليمة تماما كلهجتها هي الأخرى ...!

+


بعد حوالي ربع ساعة دلف الأستاذ أخيرا ..

+


كان شابا وسيم الطلعة بملامح أجنبية خالصة حيث الشعر الأشقر اللامع والعينين الصافيين بلون السماء ...

+


عرف عن نفسه وبدأ يتحدث معهم بإبتسامة لطيفة ...

+


ثم جاء دورهم ليعرف كلا منهم على نفسه ....

+


أتى دورها هي لتهمهم بإقتضاب ظهر بوضوح على ملامحها :-

+


" جيلان ..."

+


منحها الأستاذ إبتسامة هادئة ولم يغب عنه تلك الملامح التي تحمل غموضا وضيقا غير مفهوم ...

+


أتى دور الأخرى التي عرفت عن نفسها بإبتسامة لطيفة يشوبها خجل بديهي :-

+


" حنين ..."

+


ثم تلاقت نظرتها مع نظرة تلك التي تجلس جانبها فرأت الوجوم ما زال حائلا بينهما ...

+


قابلت وجومها بإبتسامة هادئة تحمل ارتباكا لم يخفَ على الأخرى التي أشاحت بوجهها بعيدا ورغبتها بمغادرة المكان تطغى عليها بقوة ..!

+


***

+


عادت إلى شقتها التي تقطن بها مع والدتها ..

+


استقبلتها والدتها بلهفة ذكرتها بتلك اللهفة التي كانت تستقبلها بها عند عودتها من اول يوم دراسي لها في مدرستها ...

+


ابتسمت وهي تعانقها بعفوية بينما تسألها أحلام بحنو وأناملها تمسد خصلاتها :-

+


" كيف كان يومك ..؟!"

+



        
          

                
أجابت بصدق :-

+


" رائع .."

+


ثم خلعت حقيبتها وهي تتقدم إلى الداخل تتبعها والدتها وهي تستمع لثرثرتها بحماس ينضب من نبرة صوتها ...

+


تنهدت بصمت وداخلها ممتنة لما يحدث وهي تدرك إن طفلتها تتجاوز مشاعرها اتجاه ابن العم الذي تزوج بأخرى منذ أيام قليلة وتعرض لحادث مميت كاد أن يودي بحياته لولا رحمة الله به ...

+


أخفت الخبر بمهارة عن ابنتها فهي تعلم إن خبر هكذا لن يؤذي مشاعرها فقط بل ربما يؤثر على صحتها ويتسبب في تدورها وهي التي تعاني من داء السكري المزمن منذ طفولتها والذي جعلها ضعيفة أمام الصدمات و إن حاولت التماسك يخذلها جسدها الذي يهاجمه مرضها ويمنحه ضعفا وانهيارا حتميا وقت الشدة ...

+


كانت تعلم مشاعر طفلتها منذ زمن ...

+


لم تتطرق للحديث بشأنها حيث تمنحها حرية البوح متى ما أرادت بينما هي تراقب من بعيد بقلق أم تدرك جيدا إن كرم لا يراها من الأساس وتأكدت ظنونها عندما عاد من سفره مع الفتاة التي يحبها ...

+


لا تلومه بالتأكيد ولا حتى تستطيع لوم ابنتها التي تعلقت بحبال واهية صنعتها بنفسها ...

+


تعلم إن قلبها الرقيق تعلق دون إرادة منها به ...

+


أحبه بعدم استيعاب ...

+


ورغم ذلك تمني نفسها بتجاوز تلك المشاعر ..

+


طفلتها ما زالت صغيرة بالكاد تجاوزت عامها التاسع عشر ...

+


العمر طويل أمامها وهي ستتجاوز تلك المشاعر ..

+


مشاعر من طرف واحد ستموت لا محالة ...!

+


كانت في قمة قلقها عليها يوم زفافها ..

+


راقبتها بحرص بينما هي تلتزم الصمت طوال اليوم ...

+


تخشى من حدوث عارضا صحيا كعادتها عندما تتعرض لأزمة نفسية ...!

+


والدها لا علم لديه بمشاعر ابنته ...

+


خشيت أن يتصل بها كعادته كل يوم ويثرثر لها بعفوية عن حفل الزفاف الذي حاول مرارا أن تستطيع حضوره بينما تتحجج هي بأسباب مختلفة وتساندها هي بدورها دون أن تعلم الإبنة سبب ما تفعله ...!

+


لم تكن تعلم إن أخيها الأكبر تولى تلك المهمة التي خشيت أن يقوم بها والده ..

+


ليلة زفافه تعمد شقيقها أن يرسل لها صورته بجانب عروسه ..

+


ينثر ملحا فوق جرحها ...

+


يسعى لبتر مشاعرها من جذورها ...

+


ولم يكن يعلم إنه يرهق قلبها الضعيف أكثر ...

+


بصلابة واهية أرسلت جملة مختصرة :-

+


" مبارك لهما ... "

+


تحركت بعدها بعشوائية تتجاهل نبضات قلبها المتسارعة بألم ...

+



        
          

                
تجاهلت ذلك الألم وهي تسحب مقتنيات تخصه ...

+


دفترها الصغير الذي يحمل حروف إسمه في جميع أوراقه ..

+


صوره التي كانت تسحبها من على الهاتف وتحتفظ بها سرا ....

+


وهدية صغيرة منحها لها في عيدميلادها الرابع عشر احتفظت بها طوال الخمس سنوات السابقة ...

+


حملت الكيس الذي يحوي هذه الأشياء متوجهة خارج غرفتها ...

+


أمام سلة المهملات وقفت بتردد سرعان ما نحته جانبا وهي تلقي الكيس في السلة ومعه حبها الضائع ومشاعرها التي كتمتها داخلها لسنوات ...

+


هو تزوج من يحبها وبدأ حياة جديدة معها وهي بدورها ستتخلص من حبه ..

+


ستفعل ذلك بإرادة قوية تشبهها ...!

+


تنهدت بصمت مجددا وهي تراقبها بينما تغادر متجهة إلى غرفتها لتأخذ حماما سريعا ثم تغير ملابسها وتخرج تتناول طعامها التي أعدته هي بنفسها كعادة تلازمها منذ بداية زواجها ...

+


نهضت من مكانها تتجه نحو المطبخ ...

+


تراقب الطعام بحرص بينما تراسل ابنتها الكبرى تطمئن عليها وعلى حفيدتها التي تشتاقها بشدة ...

+


رغم توطد علاقتها بابنتها ما زال هناك حاجزا بينهما لا يشعر به سواها ...

+


حاجز موجود كلما قارنت بين حياة وحنين والفرق بينهما ...

+


فالأولى لا تحتاجها لإنها إعتادت على غيابها ...

+


ساندتها في قرارها بالسفر مع أختها خارجا ولم تكن تعلم إنها كانت تتمنى رفضا حتى لو واهيا كأي إبنة تحتاج وجود والدتها جانبها لوقت أطول وتخشى البقاء لفترة طويلة دونها والأسوأ أن تلد وهي غير موجودة ...

+


تعلم إن حياة كانت تتصرف بعفوية ...

+


لا تريد أن تحملها ذنب تركها لشهور طويلة لأجل حنين ...

+


تخبرها بسلاسة إن أختها تحتاجها أكثر منها فهي ستكون لوحدها في بلد جديد وعالم جديد مختلف تماما ...

+


كانت تتمنى لو ترى رغبة خفية في وجودها معها وضيق صادق بسبب ابتعادها عنها لشهور ...

+


تعلم إن العلاقة بينهما لم تصل إلى هذا الحد من الارتباط فهي ما إن سمحت لها ابنتها بالقرب منها وبدأت تتقبل وجودها حتى تزوجت سريعا وباتت لها حياتها التي تخصها مع زوجها ...

+


تمنت لو بقيت لبضعة أعوام معها تعوضها فيها عن سنوات سابقة قضتها وحيدة دونها بدلا من زواجها سريعا ...

+


أعوام تحرص فيها أن تمنحها ما حُرِمت منه منذ بداية وعيها ...!

+


تجاهلت أفكارها تلك وهي تتبادل الرسائل معها قبل أن تبدأ بتجهيز المائدة ...

+


ابتسمت بعينين لامعتين وهي ترى صورة حفيدتها التي أرسلتها حياة لها ...

+


جميلة تشبه اسمها تماما بخصلاتها الذهبية وعينيها الزرقاوين ...

+



        
          

                
تنهدت مجددا وهي تبدأ بصب الطعام عندما وجدت حنين تتقدم نحوها وهي تتحدث بالهاتف مع أختها تخبرها بحماس عن يومها الأول بينما الأخيرة تدعمها كعادتها ...

+


علاقة حنين بأختها والتي تزداد متانة وترابطا مع مرور الأيام تهون عليها مواجعها ...

+


ذلك الإرتباط التي تحتاجه حنين تحديدا أكثر حتى من الكبرى ...

+


ابتسمت وهي تتأملها بينما تتحدث مع ابنة أختها التي تصرخ بإسمها مرارا  وحنين تضحك بفرحة شديدة وهي تخبر حياة كم اشتاقت لتلك المشاكسة وكم تتوق للعودة بسرعة لأجلها ..

+


أنهت المكالمة وأخذت مكانها على الطاولة وجانبها والدتها آلتي تحرص أن تملأ صحنها بالطعام كعادتها منذ طفولتها ...

+


تتناول طعامها بشهية مفتوحة ...

+


تتحدث مجددا عن أحداث اليوم ...

+


عن الأستاذة ..

+


عن المواد ..

+


عن كل شيءٍ بثرثرة عفوية ووالدتها تستمع لها بانتباه ..

+


تغيب ثواني تتذكر فيها تلك الفتاة الغريبة ونظراتها الأغرب ثم تعود مجددا تتحدث بحماس يشع من كل جزء فيها ...

+


***

+


عادا الى شقتهما سويا بعدما مر عليها في الجامعة ليأخذها معه ...

+


دلفت هي أولا إلى الشقة يتبعها هو ...

+


وجدها تدلف مباشرة إلى غرفتها وتضرب الباب خلفها بعنف ..

+


عقد حاجبيه بحيرة عن سبب غضبها الغير مفهوم ..

+


كانت حانقة طوال الطريق دون سبب محدد ...

+


لم يهتم ولم يتسائل حتى ..

+


يكفيه إنها صامتة محتفظة بغضبها لنفسها ...

+


اعتقد إن غضبها بسبب ما حدث صباح اليوم ..

+


فليكن كذلك ، هو لن يتراجع عما قاله ...

+


هي عليها أن تلتزم بحدود معينة لا تتخطاها ..

+


وهو لن يتراجع عن ذلك ...

+


ورغم ذلك سيحاول أن يجعلها تلين ويهادنها بشكل مختلف ..

+


تأمل الحاسوب الذي اشتراه لها والذي يدرك جيدا إنها ستحتاجه في دراستها ....

+


وضعه على الكنبة في صالة الجلوس ثم سارع يجري اتصالا بأحد المطاعم يطلب طعاما لهما تبعه بإتصال آخر لشركة الخدم يتسائل عن موعد وصول الخادمة التي سبق وطلبها منهم ...!

+


أنهى اتصالاته ثم اتجه نحو غرفته يخلع ملابسه بسرعة ويتجه بعدها نحو الحمام ...

+


كان اليوم طويلا بعض الشيء  ...

+


أجواء العمل مختلفة قليلا هنا ...

+


كان سعيدا بعودته إلى عائلته وإنتمائه مجددا إليهم بعد سنوات تعمد فيها أن يهجرهم ليجد نفسه مجددا مرغما على تركهم ليس لإجل نفسه كالمرّة الأولى بل لأجلها هي ...

+



        
          

                
يتمنى أن تجدي تضحيته تلك نفعا ...

+


يفكر في كيفية إقناعها بضرورة بدء علاج نفسي تحتاجه بشدة ...

+


تحدث مع عادل قبل سفره طالبا منه ترشيح طبيبة نفسية جيدة تتولى مسؤولية علاجها ..

+


كان عادل لا يعلم سوى تفاصيل مختصرة عما أصابها ..

+


مراهقة تزوجت بابن عمها مرغمة لأجل حمايتها وهو نالها بشكل مخزي وحملت منه ثم فقدت جنينها بسبب مختلة أدخلها حياته وتمرد على عائلته من خلالها والنتيجة هو دمار نفسية ابنة العم وإختلالها الواضح من تصرفاتها الجامحة ...

+


لم يتطرق لما سبق ذلك ...

+


هذا سر يخفيه داخله ولن يعرف به أحد حتى صديقه المقرب ...!

+


تفهم عادل سبب جموحها وتمردها .. منحه نصائح مبدئية للتعامل معاها خاصة في مواقف جنونها وكيفية إحتوائها وقتها ووعده بالبحث سريعا عن طبيبة مناسبة تتولى حالتها وهو يؤكد عليه بدوره ضرورة المسارعة في العلاج النفسي والتقويم السلوكي الذي تحتاجه ...!

+


وهاهو ينتظر الفرصة المناسبة التي يتحدث بها بشأن تلك الطبيبة ويقنعها بالذهاب إليها ...

+


غادر الحمام وهو يجفف شعره بالمنشفة ..

+


ارتدى ملابسه البيتية المريحة ثم تحرك بعدها ليصل الطعام بعد دقائق معدودة ...

+


وضعه فوق المائدة ثم اتجه نحو غرقتها طارقا على الباب بخفة لتفتح الباب في وجهه وهي تردد بوجوم:-

+


" نعم ..."

+


هتف بهدوء :-

+


" طلبت لكلينا الطعام .. "

+


ثم تحرك دون كلمة أخرى ...

+


راقبته بملامح حادة قبل أن تتحرك خارجا والجوع يتملك منها ...

+


راقبها وهي تجلس قباله مرتدية بيجامة خفيفة ذات شورت قصير يظهر فخذيها بسخاء وساقيها الرشيقين فوقه تيشرت ذو أكمام مربعة تغطي بداية ذراعيها ..

+


شعرها منسدل بإهمال على جانبي وجهها بينما بدأت هي تتناول الطعام بسرعة غير مفهومة وكأن هناك من يجري ورائها ...

+


تابعها وهي تتناول الطعام أمامها بشراهة غريبة ...

+


انتهت سريعا ونهضت من مكانها تهم بالمغادرة عندما أوقفها مناديا عليها فتلتفت نحوه بنفس الملامح الصامتة بغضب واضح فيخبرها بهدوء :-

+


" جلبت لك حاسوبا ستحتاجينه في دراستك ..."

+


تمتمت وقد تحولت ملامحها من الغضب إلى الدهشة :-

+


" حاسوب ..."

+


أومأ برأسه وهو يخبرها :-

+


" نعم حاسوب ... تحتاجين ذلك في دراستك ... "

+


هتف بتجهم :-

+


" لكنني لم أطلب منك ..."

+


تنهد ثم رسم إبتسامة لطيفة وهو يخبرها مرغما بلطف لا يشبهه :-

+



        
          

                
" ليس من الضروري أن تطلبي .. أعلم إنك ستحتاجينه لذا جلبته ..."

+


راقب سكون ملامحها وشرود عقلها بعيدا للحظات فأخبرها بسرعة :-

+


" تجدينه في صالة الجلوس ..."

+


هزت رأسها بانتباه وتحركت اتجاه صالة الجلوس لتجده هناك ...

+


حملت العلبة تتأملها لوهلة قبل أن تتقدم نحو غرفتها من جديد مغلقة الباب خلفها متجهة نحو السرير بتلك العلبة ..

+


جلست فوق سريرها والعلبة ما زالت داخل أحضانها ...

+


تأملتها بتفكير متسائلة عن سبب ما يفعله ...

+


لمَ جلب لها الحاسوب ..؟!

+


لمَ فعل ذلك من تلقاء نفسه ..؟!

+


مالذي يحاول فعله ..؟!

+


هل يدعي اهتماما كاذبا يحاول من خلاله أن يسيطر عليها ...؟!

+


هل يمثل دور الرجل المهتم كي يحتلها وينال رضاها ثم يكبلها بقيوده بعدها ..؟!

+


احتدت ملامحها برفض لما يفعله ...

+


هي ليست حمقاء ليخيل عليها ذلك ...

+


أرادت أن تندفع خارج الغرفة وترمي الجهاز في وجهه لكنها تراجعت بصعوبة تخبر نفسها إن هذا ليس الحل ...

+


ليست هذه الطريقة المناسبة لتلاعب ثعلب ماكر مثله ..

+


عليها أن تتعلم منه كيف يتعمد السيطرة على غضبه وتحجيم انفعالاته والتصرف بطرق لا تشبهه كي يكسبها لصفه ..

+


ربما عليها أن تفعل مثله ...

+


أن تتصرف بذات الطريقة...

+


أن تظهر عكس ما تخفي ..

+


ولا بأس في أن تمنحه انتصارا وهميا بخضوعها واستسلامها لإهتمامه الكاذب قبل أن تفجر الحقيقة الصادمة في وجهه ..

+


ستتلاعب به كما يفعل هو ...

+


وستنتصر في اللحظة المناسبة ..!

+


***

+


مساءا ...

+


غادرت غرفتها بعزيمة ...

+


خطت اتجاهه حيث يقبع هو فوق الكنبة يعمل على حاسوبه بتركيز بدا غريبا عليه ..

+


ما زالت لا تستطيع رؤيته على هذا النحو ملتزما بواجهة الرجل المهني بحق ..

+


شعر بوجودها فرفع عينيه نحوها ...

+


تأملها بإهتمام لحظي واعيا لذلك التغيير الذي طرأ على ملامحها ...

+


ملامحها التي فقدت غضبها المكتوم وتجهمها الصريح فباتت هادئة تماما بنعومة ظهرت عليها بعدما أزالت زينة وجهها تماما ورفعت خصلاتها الناعمة بشكل كعكة مرتفعة ...

+


ترتدي بيجامة وردية محتشمة قليلا حيث جزئها السفلي مكون من شورت طويل هذه المرة يقارب ركبتيها مع تيشرت عريض بأكمام قصيرة تقارب منتصف ذراعيها ...

+



        
          

                
في تلك اللحظة عادت جيلان السابقة بملامحها الرقيقة وطفولتها الصريحة ..

+


طفولة إنتهكها الزمن وجارته هي مستسلمة لإنتهاكه فتحولت إلى أخرى تبدو قوية جاحدة ظاهريا لكن داخلها مدجج بالخوف والعجز والضياع ....!

+


تقدمت نحوه وهي تحمل حاسوبها معها ...

+


تجلس قباله بصمت لحظي قطعته وهي تخبره دون مقدمات :-

+


" لا أجيد إستعماله ..."

+


" بسيطة ..."

+


قالها بسرعة وهو يضيف :-

+


" سأعلمك .."

+


إنفرجت عن ملامحها إبتسامة هادئةً مرتبكة قليلا قبل أن تنهض من مكانه وتجاوره في جلسته ..

+


وضعت الحاسوب فوق فخذيها وفتحته قبل أن تخبره بإبتسامة متوترة قليلا :-

+


" لا أجيد شيئا غير فتحه ..."

+


اقترب منها قليلا ثم بدأ يخبرها بالتعليمات المبدئية لإستخدامه ..

+


يشرح لها بجدية بينما تصطنع هي الانتباه في أحيان وتضطر أن تركز معها في أحيان أخرى ...

+


بعد حوالي ثلث ساعه وجدته يخبرها :-

+


" هذه مبادئ فقط ... مع مرور الوقت ستتعلمين عليه أكثر وتعتادين على الدراسة والتطبيق عليه وأنا معك سأعلمك ما تحتاجينه ..."

+


همهمت قائلة :-

+


" هل أنت محترف بعملك عليه ..؟!"

+


ضحك بخفة وهو يخبرها :-

+


" أنا مهندس حاسبات يا جيلان .."

+


" حقا ..؟!"

+


قالتها بدهشة لحظية وهي تضيف ببساطة :-

+


" لم أكن أعلم تخصصك الهندسي ..."

+


قال بجدية :-

+


" وها قد علمت ويمكنك أن تأتيني حالما تحتاجين أي شيء ..."

+


رفعت حاجبها تسأله بشك مقصود :-

+


" هل أنت متأكد ..؟! كلانا يعلم إنك قليل الصبر ولا تمتلك طول نفس يجعلك تتحمل ذلك أغلب الوقت .."

+


ضحك مرغما :-

+


" أنا بالفعل كذلك .. لكن لا بأس ... لأجلك سأتحلى بالصبر ..."

+


بللت شفتيها تسأله بتوتر :-

+


" لماذا ..؟! لست مجبرا ..."

+


أوقفها بحرص :-

+


" بلى مجبر ..."

+


أضاف بصراحة مطلقة :-

+


" اعتبريه تعويض بسيط عما تسببت لك به ..."

+


تغضن جبينها بينما يضيف هو بصدق بائس :-

+


" تعويض لا يعادل ولو جزءا قليلا مما أصابك بسببي ..."

+


شردت في كلماته لوهلة قبل أن تخبره بهدوء :-

+


" زواجك مني ثم سفرك معي .. ألا ترى هذا تعويضا كافيا ....؟! "

+



        
          

                
مالت نحوه قليلا تناظره بعينين تفتشان في ملامحه عن أي شيء يمنحها طرف الخيط لما يعتمل داخله :-

+


" والسؤال الأهم .. إلى متى ستستمر في تضحيتك تلك ..؟! عام ، اثنان وربما أكثر ..."

+


حدق بها بصمت قصير قبل أن يجيب :-

+


" عندما أشعر إنني رددت جزءا لا بأس به من حقك ... "

+


تنهد ثم أكمل بنفس الصراحة ككل مرة يخبرها بصدق واضح إن ما يفعله هو تعويض ومحاولة لرد دينها المعلق في رقبته دون مواراة أو تزويق :- 

+


" عندما أطمئن إنك تجاوزت هذه المرحلة ... عندما تصلين إلى بر الأمان ..."

+


سألته بجدية :-

+


" ستطلقني حينها ...؟!"

+


أخبرها بصدق :-

+


" سأفعل ... "

+


ضحكت بطريقة غير مفهومة قبل أن تخبره ببؤس لا تعلم إذا ما كان عليه أم عليها :-

+


" هذا يعني إنك ستبقى على حالك هذا للأبد أو حتى تمل وتضطر إلى الإعتراف بالفشل ... "

+


أنهت كلماتها بإبتسامة باردة قبل أن تنهض من مكانه فتطل عليه بقامتها متوسطة الطول يتابعها هو بعينيه المتسائلتين فتخبره بإبتسامة متروية :-

+


" شكرا يا مهند ..."

+


ثم تحركت عائدة إلى غرفتها تاركة إياه يتابعها بذهن شارد ...

+


الطريق طويل إليها ...

+


أطول مما يتخيل ...

+


ويبقى السؤال الأهم ،

+


كم من الصبر يمتلك ليتحمل طول الطريق وصعوبته حتى الوصول بها لبر الأمان وتنال السلام الذي تستحقه ...؟!

+


***

+


في غرفتها الخاصة في المشفى تجلس أروى أمام مكتبها بملامح صامتة مبهمة كعادتها لا تعكس تلك الحرقة التي تشتعل في صدرها وذلك الألم الذي يمزق روحها طوال الأيام السابقة التي مرت بعد لقائها الأخير بذلك المدعو خطيبها ...


+


في غرفتها الخاصة في المشفى تجلس أروى أمام مكتبها بملامح صامتة مبهمة كعادتها لا تعكس تلك الحرقة التي تشتعل في صدرها وذلك الألم الذي يمزق روحها طوال الفترة  السابقة التي مرت بعد لقائها الأخير بذلك المدعو خطيبها ...

+


يومها عادت منهارة إلى المنزل ...

+


بكيت لساعات طويلة حتى شعرت بأن نفسها سينقطع من شدة البكاء ثم غفت لتستيقظ في اليوم التالي بملامح صامتة تحمل شجنا خفيا ...

+


كتمت ما حدث ذلك اليوم في قلبها ...

+


لم تخبر به أحد ...

+


لم تجرؤ على ذلك ...

+


ماذا ستخبرهم ..؟!

+


عن معايرته لها ...؟!

+


لن تتحمل البوح بذلك حتى ...

+



        
          

                
ستترك حديثه القاتل سرا تحفظه في قلبها كعادتها بينما قلبها يتآكل مع مرور كل يوم وهذا الألم يقتله تدريجيا كما يقتل روحها التي ذبلت تماما ...!

+


لمَ الحياة قاسية معها إلى هذا ..؟!

+


هل الخلل فيها ..؟!

+


هل هي سيئة ...؟!

+


أم إنها بالفعل قليلة ولا تستحق السعادة ..؟!

+


هل السعادة كثيرة عليها ...؟!

+


هل هي أقل من أن تحيا بسعادة مع رجل تحبه ويحبها ..؟!

+


مالذي ينقصها ..؟!

+


ربما ينقصها الكثير لكنها تأبي الإعتراف بذلك ...؟!

+


أغمضت عينيها تكتم دموع القهر داخلها ...

+


حتى البكاء ليس مفيدا بعد الآن ..

+


سنوات وهي تبكي في غرفتها مع نفسها دون علم أحد ...

+


سنوات وهي تتسلح بالجمود والثبات أمام الجميع بينما داخلها ينهار تدريجيا مع مرور كل يوم جديد عليها ....

+


انتفضت من مكانها لا إراديا على صوت طرقات على باب مكتبها يتبعها دخول إحدى المتدربات الجدد تخبرها بإبتسامة سمحة :-

+


" العملية بعد نصف ساعة يا دكتورة ... "

+


هزت رأسها بصمت وهي تعاود ارتداء قناع الجمود على وجهها ...

+


اليوم لديها عملية ستدخل بها كطبيبة مساعدة إلى جانب الطبيب الأساسي  ...

+


راجي الهاشمي ...

+


تنهدت بصعوبة وهي تنهض من مكانها تسحب لها من ثلاجتها قهوة مثلجة ستضطر أن تشربها رغم إنها لا تحبها كي تمنحها القليل من النشاط الذي تحتاجه قبل دخولها إلى غرفة العمليات ... 

+


ارتشفت القهوة سريعا وتحركت بعدها متجهة لتغيير ملابسها وإرتداء الملابس الخاصة بالعمليات ...

+


قبل العملية بعشر دقائق قابلته وهو يخبرها بعملية :-

+


" هل مستعدة يا دكتورة ...؟!"

+


هزت رأسها وهي تخبره بخفوت :-

+


" نعم ، لا تقلق يا دكتور ..."

+


كانت عمليه مهمة للغاية ...

+


ربما بعد سنوات ستنفذها هي بنفسها ...

+


سارت إلى جانبه متجهين إلى غرفة العمليات ليبدأ هو عمله وهي جانبه كمساعدة له  ...

+


***

+


تجاهلت كل مشاعرها المتوهجة ألما وجمعت كل تركيزها لأجل هذه العملية متجاهلة أي شيء عدا ذلك ...

+


بدأت العملية والتي ستستمر إلى ما لا يقل عن أربع ساعات ...

+


في البداية كانت في كامل تركيزها ...

+


لكن مع مرور الوقت بدأ الوهن يسيطر عليها ...

+


قست على نفسها وتجاهلت ذلك الشعور وهي تستمر في عملها ...

+



        
          

                
تشبثت بما تملكه من قوة وثبات ...

+


تتحدى نفسها ربما أو تتحدى ألمها رافضة أن تفشل في الشيء الوحيد الذي نجحت فيه ..

+


عملها ...

+


دراستها ..

+


مرت ثلاثة ساعات و بدأت بعدها تشعر بدوار يزورها للحظات ثم يختفي ...

+


توازنها يختل قليلا فتتماسك بصعوبة ...

+


نظراتها تزيغ ...

+


وجسدها يتصبب عرق...

+


لم يتبق سوى نصف ساعة ...

+


هكذا أخبرت نفسها وهي تدعي التماسك ..

+


تجبر نفسها على ذلك بينما تنفذ ما يريده هو منها ...

+


دقائق قليلة أخرى فقدت فيها سيطرتها على نفسها رغم محاولاتها المستميتة لعكس ذلك  لينهار جسدها وآخر ما سمعتها نداء طبيبة شابة كانت تراقب ما يحدث بإسمها ...

+


***

+


ممددة فوق الكنبة جانبها إحدى زميلاتها تقيس لها الضغط وهي تتفحص ملامحها الشاحبة بإهتمام جلي ..

+


أخبرتها بعدما أنهت فحصها :-

+


" ضغطك منخفض كما توقعت ... "

+


أضافت بعملية :-

+


" ستتناولين شيئا يرفع ضغطك وترتاحين قليلا ثم تغادرين المشفى ... تحتاجين إلى الراحة يا أروى ..."

+


هزت أروى رأسها بصمت بينما تقدمت إحدى الممرضات تحمل عصيرا باردا فأخبرتها الطبيبة :-

+


" هاتي لها طعاما مملحا واستبدلي عصير الليمون هذا بأي عصير آخر لإن ضغطها منخفض أساسا ..."

+


ثم جذبت قنينة مياه باردة من الثلاجة تعطيها لها وهي تخبرها :-

+


" تناولي مجددا القليل من الماء ..."

+


أطاعتها أروى على الفور وهي ترتشف المياه بصمت ثم تناولت البسكويت المملح الذي أتت به الممرضة بعدها مع العصير ...

+


غادرت زميلتها بعدما إطمئنت عليها بينما بقيت هي مكانها تسترخي قليلا كي تستعيد توازنها قبل أن تغادر ...

+


بعد حوالي نصف ساعة وجدته يدلف بعدما طرق على الباب وسمحت له بالدخول ... 

+


وجدته خلع الرداء الطبي المخصص لإجراء العمليات مرتديا ملابسه ...

+


" دكتور راجي ..."

+


همست بها وهي تحاول النهوض فأوقفها بسرعة وهو يخبرها :-

+


" جئت للإطمئنان عليك ..."

+


تنهدت وهي تجيبه :-

+


" بخير ... الحمد لله ..."

+


أكملت متأسفة :-

+


" أعتذر عما حدث داخل غرفة العمليات ... آسفة حقا ..."

+



        
          

                
هتف بسرعة :-

+


" لا تعتذري يا دكتورة ..."

+


أكمل بنبرة هادئة سمحة تشبه سماحة ملامحه :-

+


" لا تعتذري يا دكتورة ... ليس ذنبك ما حدث .."

+


أضاف :-

+


" الجميع يتعرض لوعكات كهذه ... من الواضح إنك ترهقين نفسك كثيرا ..."

+


أكمل بجدية :-

+


" عليك أن ترتاحي .. خذي إجازة لبضعة أيام ..."

+


قالت بسرعة :-

+


" لا داعي لذلك ... سأرتاح اليوم وغدا أكون بخير ..."

+


لم يكن يعلم إنها لا تحبذ التوقف عن العمل حتى لو لمدة قصيرة ...

+


لطالما كان عملها الملجأ الذي تحتمي به من قسوة الحياة ...

+


تهرب إليه من أفكارها المرهقة ومشاعرها المضطربة ...

+


" كما تشائين ..."

+


قالها وهو يضيف بإبتسامة لطيفة :-

+


" الحمد لله على سلامتك ..."

+


شكرته بإبتسامة هادئة ثم تحرك مغادرا غرفتها بينما عادت هي تسترخي في جلستها مقررة الإنتظار دقائق أخرى تستعيد فيها توازنها جيدا ثم تغادر ...

+


بينما قابل هو في طريقه خطيبته ..

+


ابتسم لها بحب متجاهلا مجددا ما سمعه ...

+


لقد اتخذ قراره ...

+


سيتجاهل ما عرفه بالصدفة ...

+


لا ينكر إنه غضب في البداية ..

+


يكره الكذب بشدة وما أغضبه أكثر إنها تعرف ذلك ...

+


ولكنه سيطر على غضبه بمهارة وانشغل بحادث هالة الذي حال دون أن يلتقيها مباشرة بعدها ...

+


وعندما راجع ما حدث وعرفه منحها العذر ...

+


يتفهمها ولا يلومها ..

+


قد يكون تصرفها أنانيا لكنها تحبه ...

+


وهو يحبها ...

+


أدرك ذلك منذ وقت ...

+


منزعج من طريقتها في إستعادته ولكنه يدرك جيدا إنه كان سيعود لها بكل الأحوال ...

+


نعم هو اعترف لنفسه بذلك ...

+


عودتها أشعلت مشاعره نحوها مجددا ...

+


ما زالت باقية في قلبه ...

+


وهو كان سيعود إليها في كل الأحوال بمرض أو بدونه ...

+


المرض فقط عجل في قرار عودته لا أكثر ...

+


" كيف حالك ...؟؟"

+


سألته بإهتمام ثم استفسرت عن وضع هالة وشعرت بالشفقة على حالها وحال زوجها وفرحتهما التي ذهبت هباء بسبب ذلك الحادث ...

+



        
          

                
أخبرها بجدية :-

+


" ما إن يستقر وضع كرم ويغادر المشفى سأزورك في منزلك لنحدد موعد الزفاف ..."

+


أخفت إرتباكها بمهارة ومنحته إبتسامة هادئة تخبره :-

+


"كما تريد ..."

+


ثم أضافت بتروي :-

+


" أنا سأغيب عن العمل الثلاثة أيام القادمة ..؟!"

+


سأل مندهشا :-

+


" لماذا ..؟!"

+


أخبرته كاذبة :-

+


" عمتي ستزورنا ... عادت من الخارج وأنا اشتقت لها ... سأبقى معها قليلا ..."

+


أومأ برأسه بتفهم وداخله وجد غيابها فرصة جيدة ليرتب كل شيء فهو قرر أن يتزوجها بعد مغادرة هالة وزوجها المشفى ثم يسافر بها مباشرة إلى الخارج لتبدأ علاجها ...

+


لن يتركها تموت ...

+


سيحاول أن ينقذها ...

+


لن يخسر شيء إذا حاول ...

+


إدراكه إنها تعلم بمرضها اختصر عليه الكثير ...

+


كان قلقا للغاية بشأن اللحظة التي سيخبرها بها حقيقة مرضها ...

+


هذا الهم انزاح من على صدره لكن بقي الهم الأكبر ...

+


إقناعها بالعلاج حتى لو كان الأمل شبه مستحيل ...

+


أخبرها بما أصاب صديقتها في غرفة العمليات فركضت مسرعة نحوها بينما توجه هو إلى غرفته ينهي عملا سريعا قبل أن يغادر ...

+


***


+


غادر بعدها المشفى مقررا التوجه إلى ابنة خالته ليطمئن عليها وعلى زوجها كذلك ...

+


في طريقه قابلها وهي تقف أمام البوابة تنتظر سيارة أجرة تقلها بعدما أصرت نغم عليها ألا تقود سيارتها وهي بهذه الحالة ...

+


ابتسم بعفوية وهو يتقدم نحوها ثم يسألها بإهتمام :-

+


" هل أصبحت أفضل الآن ..؟!"

+


توترت كعادتها وهي تجيبه بخجل فطري:-

+


" الحمد لله ..."

+


انتبهت لنغم التي تركض اتجاهها فتابعتها بحيرة وكذلك راجي لتقف قبالها تمنحها 

+


غرضا يخصها نسته في مكتبها :-

+


" نسيته في غرفتك ..." 

+


" شكرا حقا يا نغم ..."

+


قالتها أروى ممتنة بينما تسائلت نغم باهتمام :-

+


" ألم تصل السيارة بعد ..؟!"

+


تمتمت أروى بتعب :-

+


" تأخر .. الطريق مزدحم غالبا ..."

+


" أين طريقك ..؟!"

+


سألها راجي فنظرت له بتردد قبل أن تخبره عن العنوان بينما قالت نغم بسرعة :-

+


" ليوصلك راجي في طريقه ..."

+



        
          

                
" نعم ، سأوصلك أنا ..."

+


ناظرته نغم بإمتنان بينما أرادت أروى للرفض :-

+


" لكن ..."

+


قالت نغم بسرعة :-

+


" ما المشكلة في ذلك ...؟!"

+


أكملت بعفوية :-

+


" أم إنك تخشين أن يتحدث أحدهم بشيء لإنك تركبين معه ...؟!" 

+


همت بالنطق بينما أضافت نغم بلا مبالاتها المعتادة :-

+


" بالله عليك لا تفكري هكذا يا أروى .. أخبريهم إنه خطيب صديقتي ... بسيطة ..."

+


منحها راجي نظرات محذرة فهو يتفهم رفض أروى ...

+


الفتاة تشعر بالحرج ...

+


ترفض الركوب بجانب رجل غريب عنها ...

+


تمتمت نغم بعناد :-

+


" أنا لم أقل شيئا خاطئا ... أنت لست فقط زميلها .. بل خطيب زميلتها أيضا ..."

+


شعرت أروى بالمزيد من الحرج والموقف برمته يضغط على أعصابها فقالت مرغمة محاولة إنهاء الموقف سريعا :-

+


" حسنا سأغادر مع دكتور راجي إذا لم يكن لديه مانع ..."

+


قال راجي بسرعة :-

+


" بالطبع لا مانع لدي .. تفضلي ..."

+


سارت جانبه بعدما ودعتهما نغم وعادت إلى المبنى بينما وقفت هي قباله جانب سيارته تخبره بتردد :-

+


" أنا لن أذهب معك ..."

+


طالعها بعدم استيعاب لتضيف بنبرة حرجة :-

+


" إدعيت القبول كي لا أحرج نغم ..."

+


تنهد بصمت ثم قال بتفهم :-

+


" حسنا كما تريدين ولكنني لا أجد مشكلة في إيصالك إلى المنزل ..."

+


أضاف بجدية :- 

+


"نحن زملاء عمل وأنت لا تستطيعين العودة بسيارتك ... تعالي معي ... أساسا منزلك قريب من المشفى الذي تقطن به ابنة خالتي ..."

+


لوهلة شعرت إنه معه حق ...

+


تعترف إن طبيعتها المغلقة بشكل مبالغ فيه تجعلها تتصرف بطريقة لا تشبه سنها ومكانتها ...

+


ما المشكلة إذا ما أوصلها زميلها إلى المنزل ..؟!

+


هي ليست مراهقة صغيرة تخشى أن تجاور زميلها في سيارته ...

+


هي طبيبة ...

+


وهو طبيب محترم ...

+


و خطيب صديقتها ...

+


" حسنا ، ولكن أتمنى ألا أتسبب بأي إزعاج لك ..."

+


ابتسم يخبرها بلطف يبدو كصفة تلازمه :-

+


" لا يوجد أي إزعاج يا دكتورة ..."

+


جاورته بعدها في سيارته ليتحرك هو منطلقا حيث عنوان منزلها الذي أملته عليه مجددا بالتفصيل ...

+



        
          

                
وصل إلى هناك بعد حوالي ربع ساعة لتشكره وهي تهبط من السيارة غافلة عن ذلك الذي وصل قبل لحظات بسيارته وأخذ جانبا ليراها عندما تصل عائدة من المشفى ...

+


رآها وهي تغادر سيارة ذلك الطبيب الذي عرفه على الفور ...

+


ثواني وتبعها الطبيب مناديا عليها ...

+


التفتت أروى تطالعه بتعجب عندما تقدم راجي نحوها يخبرها بتريث :-

+


" بما إنك تعلمين بمرض نغم ..."

+


اومأت برأسها تطلب منه الإستمرار ليخبرها :-

+


" أحتاج مساعدتك ... كون نغم أخبرتك أنتِ دونا عن الجميع بمرضك فهذا يعني إنها تثق بك وتمنحك مكانة خاصة ..."

+


سألته بإرتباك :-

+


" تفضل .. فيم تحتاج مساعدتي ..؟!"

+


تنهد ثم قال :-

+


" أريدك أن تتحدثي معها بشأن العلاج ... تحاولين إقناعها به ... أنا سأتزوجها في أقرب وقت ثم أخذها في شهر عسل خارج البلاد ومن هناك سنسافر إلى بريطانيا لتبدأ علاجها في أهم المستشفيات المتخصصة لعلاج الأورام ولكن نغم عنيدة وسترفض ... وأنا أحتاج لمن يساعد في تليين دماغها ... لمن يدفعها نحو العلاج ... أنت ومؤيد فقط من يعلمان بمرضها ... حاولي أن تتحدثي معها ... "

+


قالت بسرعة وصدق :-

+


" أنا بالفعل حاولت إقناعها مسبقا ... أريدها أن تجرب العلاج ... لا أريدها أن تستسلم بهذه الطريقة ..."

+


" حاولي مجددا معها وكذلك مؤيد سيحاول معها .. ربما مع تكرار المحاولة ستبدأ على الأقل بالتفكير مجددا في الأمر ..."

+


منحته إبتسامة صادقة وهي تخبره :-

+


" أعدك إنني سأفعل ..."

+


شكرها ببسمة ممتنة ثم تحرك يغادر المكان تراقبه هي بعينين كساهما الحزن على حاله وحال صديقتها ...

+


ذلك الشجن في عينيها فسره هو بشكل مختلف ...

+


شكل لائم عقليته المريضة ...

+


هي تحب آخر ...

+


ليس شخصا عاديا ...

+


بل خطيب صديقتها ...

+


شكوكه كانت في محلها حول وجود آخر يحتل قلبها ...

+


آخر يجعلها على هذا الحال من التباعد والأسى الدائم ...

+


لن يستغرب كثيرا ...

+


هكذا هن النساء ...

+


تحب هذا وترتبط بهذا ...

+


تخدع هذا  وتستغل هذا ...

+


وتخون هذا ...!

+


إنهن النساء كعادتهن الدائمة ..!!

+


هكذا أخبر نفسه وهو يبتسم داخله بسخرية قاتمة ...

+


***

+


" أريد رؤية كرم .." 

+



        
          

                
" أريد رؤية كرم ..."

+


همست بها بإصرار بينما شقيقتها تخبرها :-

+


" لا يريد رؤيتك يا هالة ..."

+


أضافت بأسف :-

+


" ألم ترِ بنفسك كيف رفض دخولك إليه طوال اليومين السابقين ...؟!"

+


" سأحاول مجددا ..."

+


قالتها بعناد وهي تنهض من مكانها وقد تحسنت حركتها كثيرا وباتت تستطيع الحركة تماما لوحدها ...

+


هتفت همسة بجدية :-

+


" كرم ما زال غير مستوعبا ما أصابه .. الصدمة شديدة عليه ..."

+


وهي ما زالت غير قادرة على الاستيعاب ...

+


هكذا أخبرت نفسها وهي تتذكر صدمتها بما أصابه ...

+


الشلل الذي أصاب يده اليسرى ...

+


إنهارت باكية طوال الليل ...

+


تبكي والألم ينهشها لأجله ...

+


تبكي ضميرها الذي يخبرها بإستمرار إنها السبب ...

+


والأسوء كان رفضه لرؤيتها ..

+


طرده لها ..!

+


لم تستطع لومه ...

+


ما أصابه صعب للغاية وسيحتاج وقتا طويلا كي يستوعبه ...

+


سارت تغادر غرفتها تتجه نحو الغرفة التي يمكث هو فيها ...

+


وجدت شقيقته الكبرى هناك وحمدت ربها إن الصغرى ليست متواجدة ...

+


قابلتها نانسي بإبتسامة رقيقة متعاطفة بينما خرج صوت هالة متحشرجا :-

+


" أريد رؤيته ...."

+


" سأخبره ..."

+


قالتها نانسي وهي تهم بالدخول عندما أوقفتها هالة بتردد :-

+


" إسمحي لي أن أدخل بنفسي ..."

+


تراجعت نانسي إلى الخلف تومأ برأسها بتفهم ...

+


شكرتها هالة بصمت وهي تتقدم إلى الداخل ...

+


فتحت الباب وخطت إلى الداخل بقلب ينتفض خوفا ...

+


أغلقت الباب خلفها وسارت إلى الداخل بحذر لتجده جالسا فوق سريره بنصف جلسة وملامحه جامدة تماما ...

+


يده اليسرى مربوطة كما يجب وهناك رباط أخر ما زال يحاوط رأسه ...

+


سارت بخطوات حذرة قبل أن يشعر هو بوجودها فيلتفت اتجاهها لترى في عينيه نظرة لم تتوقع أن تراها يوما ...

+


نظرة تجمع بين الرفض والكره والحقد والنفور ...

+


نظرته لوحدها كانت كفيلة بزعزعة ثباتها الواهي لكنها تماسكت وهي تسير نحوه تجلس على الكرسي المجاور للسرير ليصدح صوته بصلابة :-

+


" لماذا أتيت ...؟! أخبرتك إنني لا أريد رؤيتك ..."

+


" وأتيت ... "

+


هتفت بها بهدوء وهي تضيف بثبات :-

+



        
          

                
" أتيت إليك يا كرم ..."

+


مدت يدها تقبض على كفه السليم :-

+


" وسأبقى جانبك ..."

+


فوجئت بها يسحب يده بعنف بعيدا عنها ...

+


بنفور جعل عينيها تدمع بينما صوته يخرج قاسيا :-

+


" سأطلقك حالما أغادر المشفى ... ولن يبقى حينها أي سبب لوجودك معي .."

+


" ماذا ..؟!"

+


همست بها مصدومة وهي تضيف بعدم استيعاب :-

+


" هل جننت ..؟! "

+


صاح بحدة :-

+


" بل عقلت ..."

+


تابع إرتجاف ملامحها بينما يكمل بقسوة غير مباليا :-

+


" وفهمت ... فهمت ما كنت مقدما عليه ..."

+


هزت رأسها نفيا وعبراتها تشق طريقها فوق وجنتيها بينما يسترسل هو في حديثه القاسي :-

+


" ليتني أنهيت كل شيء معك قبل الزفاف .. ليتني تركتك قبل الزفاف وتخلصت منك ... ما كان ليحدث كل هذا وما كنت أصبحت عاجزا .."

+


صاحت برفض وهي تنهض من مكانها تجلس قباله تمسك بيده رغما عنه :-

+


" أنت لست عاجز ... لست عاجزا يا كرم ..."

+


دفعها برفض:-

+


" بل عاجز .. يدي مشلولة ... ماذا تسمين هذا ..؟!"

+


" هناك علاج .. ستتحسن يدك ..."

+


قالتها تمنحه أملا تحتاجه هي أيضا ليهتف ضاحكا بيأس :-

+


 " أملا ليس أكيدا ... ربما تتحسن يدي وربما تبقى هكذا ..."

+


" أنا معك .. سأبقى معك حتى تتحسن ..."

+


قالتها وهي تلمس وجنتيه بتردد عندما ابتعد بوجهه عنها يهدر بوجوم :- 

+


" وإذا لم يحدث ... ربما ستبقى يدي هكذا ... "

+


" لا يهم .. سأبقى معك وجانبك بكل الأحوال .."

+


ضحك بخفة ...

+


ضحك بمرارة بينما يهمس :-

+


" ستبقين معي وأنا معاق ..."

+


انتفضت من مكانها تهتف بعدم تصديق رافضة ما يقوله عن نفسه :-

+


" ماذا تقول أنت ..؟!"

+


باتت عيناه مظلمتان تماما وهو يخبرها :-

+


" أقول الحقيقة .. أنا أصبحت معاقا ... وأنت عليك أن تفهمي ذلك ... زوجك بات معاقا يا هالة .."

+


عادت العبرات الحارة تشق طريقها فوق وجنتيها بينما يتأملها هو بوجوم ...

+


خرج صوتها باكيا يائسا :-

+


" لا يهم ... سأبقى معك ..."

+


هتف بسخرية لاذعة :-

+


" ماذا حدث ..؟! هل ستتنازل هالة الجميلة وتبقى مع كرم المعاق ..؟!"

+



        
          

                
نهرته برفض :-

+


" كرم من فضلك ..."

+


اندفع يهدر بها :-

+


" ماذا الآن ..؟! هل أنا أكذب ..؟! أليست هذه الحقيقة ...؟!"

+


أضاف بحزم رغم الوهن الذي يملأ روحه :-

+


"اخرجي من هنا حالا .. لا أريد رؤيتك .."

+


رفضت بثبات لا يشبه روحها المنهزمة في هذه اللحظة :-

+


" أنا هنا لأجلك وسأبقى معك ..."

+


صاح معترضا وكل جزء منه يرفض وجودها :-

+


" لا أريد "

+


أكمل بصلابة تخفي خلفها مرارة قاسية :-

+


" قسوة تركك لي أفضل بمراحل من بقائك جانبي بدافع الشفقة .."

+


رفضت ما يقوله ... احتجت بقوة :-

+


"أنا لست هنا بسبب الشفقة .."

+


سألها ببرود ساخر :-

+


" بسبب ماذا إذا ..؟"

+


توقف لوهلة يدعي التفكير قبل أن يهمس بقسوة قاصدا كل حرف ينطق به :-

+


" صحيح نسيت ... ليست الشفقة .. بل عذاب الضمير .."

+


ثم ينهي حديثه يجلدها بسوط التأنيب والكره يشع من عينيه :-

+


" فأنت ِمن تسببت بهذه الإعاقة لي ..." 

+


صرخت به :-

+


" يكفي ..."

+


ثم اندفعت تجلس أمامه تصيح به :-

+


" إنظر إلي جيدا ... أنا هالة .. هالة حبيبتك ..."

+


" حبيبتي التي دمرتني ... وبسببها خسرت يدي ...."

+


قالها بصوت صلب وهناك في عينيه الخضراوين رأت قسوة لم تعهدها منه مسبقا بينما يضيف وهو يقبض على ذراعها بكفه السليمة يصيح بها :-

+


" أي حب ذلك الذي تتحدثين عنه وأنت تخدعيني .. ؟! تستغفليني ..؟! تقابلينه من وراء ظهري وتحتضنينه ...؟! أي حب ذلك الذي تتحدثين عنه وأنت تجلسين معه على طاولة واحدة وأنا كالأبله بينكما لا أدري إن الشخص الماثل أمامي هو حبيب خطيبتي السابق ..؟!"

+


حبيبها الذي يحاول استعادتها مجددا .. " 

+


دفعها برفض وهو يضيق بسخط :-

+


" اللعنة على هكذا حب يأتيني منك ... بل اللعنة عليك ... اللعنة على كل وقت هدرته معك وعلى كل لحظة حب عشتها معك ..."

+


انتفضت من مكانها تهتف بعدم تصديق :-

+


" أنا لا أصدق ما تقوله ...."

+


أكملت بصوت باكي :-

+


" لا بأس ... أنت لا تعي ما تقوله ... آثر الصدمة كان قاسيا عليك ... "

+


" اخرجي يا هالة ... فأنا لا أطيق رؤيتك ..."

+


مسحت دموعها بصعوبة ثم أخذت نفسا عميقا قبل أن تخبره :-

+



        
          

                
" سأغادر الآن ولكنني سأعود لاحقا ... لن أتركك يا كرم .. لن أتخلى عنك بهذه السهولة ... "

+


أضافت وعيناها ترجوانه أن يصدقها :-

+


" بحق الحب الذي بيننا وعشرتنا الطويلة سأبقى معك ولن أتخلى عنك مهما حدث .."

+


اندفعت بعدها تغادر الغرفة يراقبها هو بعينين تجمعت العبرات بهما ...

+


وفي داخله شعوران متضادان ..

+


أحدهما يرغب برحيلها من حياته إلى الأبد وآخر يتمنى أن تلتزم بكلمتها وتبقى معه ...

+


***




+


دلفت نانسي إلى غرفة طفليها اللذين يلعبان سويا بوجود مربيتهما ...

+


ما إن رأتها كاميليا حتى سارعت تنهض من مكانها تركض نحوها فحملتها نانسي وهي تقبلها بشوق ...

+


تشتاق لها ولشقيقها كثيرا فهي غابت عنهما طوال الأيام السابقة ولم ترهما إلا قليلا ...

+


حيت المربية وهي تتجه نحو ولدها الذي لم يحرك ساكنا واضعا جعل تركيزه مع ألعابه ...

+


جلست جانبه على الأرضية وهي تضع ابنتها مكانها جانبها بينما جذبته نحوها ليضحك لها ببراءة فتقبله بشوق هو الآخر بينما تهتف بالمربية :-

+


" يتعبانك كثيرا كالعادة ..."

+


ابتسمت المربية تخبرها :-

+


" كاميليا هادئة ... كريم فقط من يتعبني ... "

+


" أعلم ..."

+


قالتها نانسي وهي تتأمل طفلها المشاغب بخصلاته المجعدة كخصلات والده بينما تضيف :-

+


" إنه مشاكس وعنيد ..."

+


ثم منحته ابتسامة بينما يتقدم هو نحوها حاملا معه لعبته يتحدث معها بكلمات غير مفهومة فتنهض كاميليا الأخرى وهي تشير لها اتجاه لعبتها ...

+


شعرت بالحيرة وهي لا تعرف ماذا تفعل ...

+


كلاهما يتحدث معها وكلاهما يحاول جذب انتباهها وهي حائرة تائهة بينهما ...

+


لحظات ووجدت كريم يدفع شقيقته يبعدها عنها فصرخت الأخرى معترضة وهي تضربه على وجهه بقوة أفزعتها ليصرخ كريم باكيا فتنتفض نانسي مكانها تحتضنه بهلع وتتفحص وجهه تخشى أن تصيب الصفعة عينيه ...

+


بقي يبكي بينما هي تحاول إسكاته وتهمس له بكلمات حانية بينما كاميليا تتابع ما يحدث بتبرم قبل أن تتساقط دموعها وهي ترى اهتمام والدتها بكريم وتركها لها ...

+


تقدمت المربية نحوها تهتف بخوف :-

+


" لماذا تبكين يا كاميليا ...؟!"

+


ما إن سمعت نانسي بذلك حتى سارعت تنهض بسرعة تتقدم نحو ابنتها التي غطت دموعها وجهها تجذبها نحوها تسألها بلهفة أمومية :-

+



        
          

                
" ماذا حصل يا حبيبتي ..؟! لماذا تبكين ..؟!"

+


ثم عانقتها بحنو دافئ تطلب منها أن تتوقف ...

+


بقيت معهما حتى اطمئنت عليهما تماما ثم تركتهما وهي توصي المربية عليهما جيدا ...

+


غادرت الغرفة متجهة إلى صالة الجلوس لتجد هناك صلاح مع حماتها وعلى ما يبدو كان يريد منها شيئا ما كعادته بينما والدته تهدر به بحزم :-

+


" قلت لا يا صلاح ... ألا تفهم ..؟!" 

+


لتتجهم ملامح صلاح وهو يشيح وجهه نحو الجهة الأخرى  ويبرم شفتيه برفض ..

+


هزت نانسي رأسها بيأس مفكرة إن صلاح لا يختلف كثيرا عن طفليه ..

+


هو طفل مدلل لا يفقه من الحياة سوى طلباته المجابة دائما ...

+


رحبت بها حماتها وهي تسأل عن حال شقيقها فأخبرتها :-

+


" أصر على الخروج اليوم من المشفى ..."

+


هتفت نجاة :-

+


" ربما وجوده في المنزل أفضل .. يحسن من نفسيته قليلا ..."

+


قالت نانسي برجاء :-

+


" أتمنى ذلك .. هو متعب نفسيا .. يلتزم الصمت أغلب الوقت ... "

+


" ما حدث معه ليس هينا يا ابنتي ..."

+


قالتها نجاة وهي تضيف :-

+


" بإذن الله سيتعافى من تبعات هذا الحادث ويعود كل شيء إلى نصابه ..."

+


" يارب ..."

+


قالتها نانسي برجاء قبل أن تخبر حماتها :-

+


" أنا سأغادر الآن .. المربية ستبقى مع كريم وكاميليا ..."

+


" غادري حبيبتي .. إذهبي لشقيقك ولا تخشي على الولدين ..."

+


أضافت بنبرة ذات مغزى :-

+


" المربية معهما وكذلك والدهما ..."

+


وجمت ملامح نانسي قبل أن تتلاقي عيناها بعيني صلاح فرأى سخرية فشلت في إخفاؤها لتتجهم ملامحه أكثر ...

+


تحركت بعدها تودع حماتها وتتجاهله بشكل أثار غيظه ...

+


وصلت إلى المشفى لتجد هايدي هناك ...

+


سألتها عن حال شقيقها فأخبرتها إنه ينتظر المغادرة بسرعة ..

+


والدتها ذهبت منذ الصباح الباكر لتجهيز غرفته ...

+


أتى بعد لحظات كلا من عمها ونضال ...

+


ألقى عمها التحية فردتها نانسي بهدوء بينما انزوت هايدي بعيدا عنهم قليلا ونظراتها الحادة تلاحق نضال قبل أن تجد هالة تتقدم نحوهم فهتفت بتحفز وهي تقترب منها :-

+


" ماذا تفعلين هنا ..؟!"

+


أجابت هالة التي تحسنت فباتت تستطيع الحركة لوحدها حتى إنها رفضت أن يرافقها أي شخص وهي تذهب لزوجها مصرة على مغادرة المشفى  معه  :-

+



        
          

                
" أتيت لزوجي ... زوجي الذي سيغادر المشفى اليوم .."

+


" لا يريدك ..."

+


قالتها هايدي بحدة لتهتف هالة بثبات :-

+


" لا تتدخلي فيما لا يعنيك يا هايدي ..."

+


قالت نانسي وهي تتقدم نحوهما بسرعة :-

+


" توقفي يا هايدي ... إنها زوجته ..."

+


قاطعتها هايدي ببرود :-

+


"وشقيقك لا يريدها ...."

+


" هل هذا الوقت المناسب لما تفعلينه يا هايدي ..؟!"

+


همست بها نانسي بخفوت بينما صرخت هايدي بها :-

+


" لا تتدخلي أنت ..."

+


 " أنا لا أعرف لماذا أقف هنا أساسا وأهتم بحديثك ..."

+


قالتها هالة وهي تهم بالتقدم لتدفعها هايدي برفض :-

+


" قلت لن تدخلي ..."

+


صدح صوت العم رافضا ما تفعله ابنة شقيقه :-

+


" دعيها تدخل الى زوجها يا ابنتي ..."

+


هتفت هايدي بصوت جامد :-

+


" من فضلك يا عمي لا تتدخل بهذا الأمر فأنا أدرك ما أفعله ..."

+


صرخت هالة بعصبية :-

+


" أنت تتجاوزين حدودك كثيرا ..."

+


قابلتها هايدي بصياح :-

+


" قلت لن تدخلي ...

+


حينها صدح صوت نضال بحدة مهيبة :-

+


" توقفي يا هايدي ..."

+


ثم أضاف وعيناه تتأملانها بثبات :-

+


" دعيها تدخل إلى زوجها .. لا شأن لك بينهما ..."

+


دفعتها هالة ودلفت إلى الداخل بينما هدر هو وقد فاض الكيل به منها :-

+


" ما قصتك أنت .. ؟! ألا يوجد من يردعك و يخرس لسانك الطويل ...؟! لا تتركين أحدهم وشأنه ... لا أحد ينجو من سلاطة لسانك وغضبك الأحمق وأعصابك المنفلتة دائما  ..لا تتركين أحد دون أن تزعجيه و تسميه بكلماتك وتصرفاتك التي لا تطاق .." 

+


ألجمتها الكلمات بينما والده يهتف بإسمه بتحذير ليجادله نضال :-

+


" ألا ترى ماذا تفعل ...؟! ماذا تظن نفسها ...؟! لا أحد مجبر أن يتحمل صلافتها ولسانها السليط ... "

+


تحركت هايدي مبتعدة عنهم جميعا تتبعها نانسي بعدما همست معتذرة :-

+


" أنا آسفة لما حدث ..."

+


تبعتها فوجدتها تدلف إلى دورة المياه ...

+


تقف أمام المرآة مستندة على المغسلة بكفيها ودموعها تشق طريقها فوق وجنتيها ...

+


وقفت نانسي على مسافة منها تتأملها بشفقة بينما هي تبكي بصمت ...

+


ما حدث لشقيقها ضغط عليها بشكل مبالغ فيه ...

+



        
          

                
والآن هو مشلول ...

+


يده مشلولة ...

+


والذنب ينهشها ...

+


شعرت بشقيقتها تتقدم نحوها تطوقها بذراعيها فبكت لأول مرة منذ يوم الحادث فوق صدرها ...!

+


***

+


بعد مرور أيام ...

+


فتحت توليب عينيها على صوت رنين هاتفها ...

+


اعتدلت بسرعة في جلستها قبل أن تنتبه لغروب الشمس خارجا من خلال نافذة جناحها...

+


نامت مجددا حتى المغرب كالأيام السابقة ..

+


منذ مغادرة هالة المشفى واستقرارها مع زوجها في منزل عائلته وعودة الأمور إلى طبيعتها تمكن منها الإرهاق فباتت تنام كثيرا وكأنها تعوض تلك الأيام التي قضتها مستيقظة لا تنام إلا نادرا تنتظر استيقاظ هالة بخوف شديد من فقدانها دون رجعة  ...!

+


تنهدت بتعب وهي تتراجع بجسدها إلى الخلف قبل أن تجيب على اتصاله بصوت مبحوح :-

+


" مساء الخير ..."

+


جاءها صوته يستفسر :-

+


" هل كنت نائمة ..؟!"

+


أجابت وهي تتثائب بخفوت مجددا :-

+


" نعم ، نمت بعد الغداء مباشرة ولم أكن لأستيقظ لولا إتصالك ..."

+


" من الجيد إنني إتصلت إذا .."

+


قالها بخفة لتضحك بسلاسة ثم تخبره بصدق :-

+


" منذ مغادرتنا المشفى بشكل نهائي وأنا أنام أكثر مما أستيقظ ..."

+


" ألاحظ ذلك ...حتى إننا لم نلتقِ منذ ذلك الوقت ...لم نخرج سويا ..."

+


شعرت بالضيق الخفي في نبرته وإن كان يتحدث باعتيادية فقالت بهدوء :-

+


" معك حق ... لكن أنت تعرف الظروف ..."

+


همهم مرغما :-

+


" بالطبع ... كان الله في عونكم والحمد لله إن الحادث مر بخير ..."

+


توقف لوهلة قبل أن يضيف :-

+


" صحيح زوج هالة تعرض لإعاقة مؤسفة لكنه سيطيب ... بالتأكيد يوجد علاج لحالته ..."

+


شردت رغما عنها في حال ابنة خالتها الذي لا يريحها إطلاقا ...

+


الاتصالات القليلة بينهما توضح ذلك وفي زيارتها لها قبل يومين رأتها وهي ذابلة تماما بائسة بشكل أثار استهجانها وقلقها حتى تمنت لو تختلي بها قليلا بعيدا عن أنظار زوجها الواجم بطريقة مريبة كي تفهم منها ما يحدث لكنها لم تجد الفرصة لذلك بل شعرت إن هالة نفسها لا تريد منح الفرصة لها كي تنفرد بها ...

+


أفاقت من شرودها على صوته ينادي عليها فقالت بسرعة :-

+


" آسفة .. شردت قليلا ..."

+


أتاها صوته يتسائل :-

+


" هل لديك مشاريع اليوم ..؟!"

+


تحركت من فوق السرير بعدما دفعت الغطاء بعيدا عنها بينما تجيبه :-

+



        
          

                
" كلا ، هل تريد أن نخرج سويا ..؟!"

+


" إذا لم يكن لديك مانع ..."

+


قالها بجدية لتقف أمام المرآة تتطلع إلى ملامحها بوجوم مدركة إن ملامحها يسيطر على الإرهاق فغدت باهتة بشكل واضح تحتاج إلى عناية وهي التي لم تعتد على إهمال العناية بها مسبقا ...

+


أجابته وهي تفكر إنها بحاجة للخروج والتخفيف من تلك الأثقال التي تضغط على روحها منذ ليلة زفاف ابنة خالتها :-

+


" حسنا ، لا مانع لدي بالطبع ..."

+


ثم ودعته منهية المكالمة بعدما أخبرها إنه سيأتي بعد ساعتين ليأخذها كي يتناولان العشاء خارجا ...

+


وضعت هاتفها فوق طاولة الزينة ثم تحركت بسرعة تبحث عن فستانا مناسبا ترتديه قبل أن تأخذ حماما طويلا تحرص خلاله على أن تقوم بخطوات العناية بالبشرة بل شعرها أيضا كما اعتادت أن تفعل ...!

+


***

+


بعد مرور ساعتين ...

+


تقدمت إتجاهه بكامل أناقتها بعدما حرصت على إختيار فستان أنيق يليق بها وزينت وجهها بما منح ملامحها جاذبية خاصة ...

+


تحسن مزاجها كثيرا بعدما دللت نفسها طوال الساعتين السابقتين فشعرت بالنشاط يدب فيها لا إراديا ...

+


هي بطبيعة الحال تكره الكسل والخمول والبقاء في السرير ...

+


تميل إلى الحركة والعمل والاستمتاع طوال الوقت ...

+


كما إنها تجيد دائماً إشغال نفسها بما يمنحها المتعة والإنطلاق ...

+


ابتسمت وهي تتقدم نحوه بينما علت ثغره إبتسامة رزينة وهو ينهي اتصاله والذي كان يدور حول العمل كالعادة ...

+


تأملها بإعجاب لم يخفَ عليها عندما أقبلت نحوه تحييه فجذبها إليه يطبع قبلة بطيئة على وجنتها يتبعها بقبلة أخرى فوق الوجنة الثانية فيلاحظ تورد ملامحها كعادة تلازمها كلما اقترب منها ..

+


مال بعينيه يتأمل فستانها بلونه الأسود والذي لم يسبق أن رآها ترتدي هذا اللون  من قبل ...

+


خصلاتها المصففة بعناية مموجة على أحد جانبي وجهها وزينة وجهها الجذابة مع شفتيها المطليتين بلون أحمر ناري تضعه للمرة الأولى منذ خطبتهما ...

+


بدت مختلفة عن المرات السابقة  ، تحمل بريقا لامعا وجمالا أكثر جرأة من المعتاد ...!

+


ابتسمت برضا وهي ترى الإعجاب الصريح في عينيه قبل أن تجده يبتسم ببطأ وهو يخبرها :-

+


" تبدين مذهلة و .."

+


توقف قليلا قبل أن يهمس قرب أذنها وأنفاسه الحارة أبلغتها بما يدور في خلجاته :-

+


" مثيرة ..."

+


تجاهلت توتر جسدها نتيجة قربة ونبرة صوته التي حملت عاطفة مشحونة برغبة صريحة عندما تحركت خطوتين إلى الخلف تخبره بثقة مقصودة وهي تهز كتفيها العاريين ببساطة :-

+



        
          

                
" لم ترَ شيئا بعد ..."

+


ابتسم مرغما قبل أن يتسائل بمكر :-

+


" ينتظرني الكثير إذا ...؟!"

+


مطت شفتيها تخبره :-

+


" أخبرتك إنك لم ترَ شيئا بعد ..."

+


كانت مختلفة اليوم ..

+


أكثر إنفتاحا وجرأة ...

+


كانت منطلقة بشكل ملحوظ ...

+


جذبها من خصرها يخبرها وأنفه يلامس أنفسها :-

+


" إذا كان ما ينتظرني جميل إلى هذا الحد فلا مانع من ذلك ... أنتظر بلهفة كل جديد منك .."

+


وضعت كفها فوق صدره تخبره بشقاوة لمعت في عينيها :-

+


" ليس من الضروري أن يكون جميل دائما ..."

+


" أكاد أجزم إن كل شيء يتعلق بك مليء بالفرح والجمال ..."

+


قالها وعيناه تحتلان عينيها البنيتين بنظرات ساطعة تحمل ثقة عجيبة لتخبره بسلاسة متجاهلة تلك النبضات التي ثارت في قلبها نتيجة كلماته التي مستها وشعرت بصدقها :-

+


" سنرى .. لا داعي للإستعجال ..."

+


ثم ابتعدت قليلا تخبره بمرح :-

+


" متى سنتحرك ..؟!"

+


ابتسم مجددا وهو يتجه فاتحا الباب لها يخبرها بنبرة رزينة :-

+


" تفضلي آنستي الجميلة ..."

+


ضحكت برقة وهي تأخذ مكانها في الكرسي ليميل نحوها فيرى نظراتها تطالعه بترقب ...

+


مال أكثر وسارع يطبع قبلة سريعة فوق شفتيها ثم يغمز لها :-

+


" هذه فقط تصبيرة ..."

+


ثم أغلق الباب لتتابعه بجبين متغضن من حديثه الذي شعرت به يحمل قصدا غير بريئا على الإطلاق لتتلاشى أفكارها سريعا وهي تشعر به يجاورها ساحبا كفها بين كفه يحتضنه برفق قبل أن يشغل سيارته وينطلق بها حيث وجهته التي اختارها لسهرة الليلة ..!

+


***

+


تقدم نحوها حاملا كأسين شفافين في كفه الأول وقنينة من عصير التفاح البارد في كفه الثاني ...

+


ابتسمت وهي تخبره بينما تعتدل في جلستها ونسمات الهواء الباردة قليلا في أواخر شهر سبتمبر تلفح وجهها :-

+


" اعتدت على قضاء السهرات هنا في القارب ..."

+


جاورها وهو يضع الكأسين على الطاولة المستطيلة أمامهما وجانبهما القنينة عندما فتحها بينما يخبرها :-

+


" لا تنكري إن السهرة هنا أفضل .. "

+


أكمل بنظرة تحمل عبثا يليق به :-

+


" والأجواء حميمية للغاية ..."

+


تجاهلت تلميحاته وهي تتناول كأس عصير التفاح بينما تخبره :-

+



        
          

                
" لا أحب عصير التفاح ..."

+


" جربيه أولا ..."

+


قالها بخفة قبل أن يضيف بمكر :-

+


" مع إن سهرة كهذه يناسبها النبيذ لا عصير التفاح ..."

+


كادت أن تغص لوهلة قبل أن تهتف بعدما وضعت كأسها جانبا :-

+


" هل تتناول المشروب ..؟!"

+


أجابها بسلاسة وهو يرتشف مجددا من كأسه :-

+


" أحيانا .."

+


" لكنه لا يجوز ..."

+


قالتها بنبرة هادئة تحمل رفضا خفيا قبل أن تضيف :-

+


" أنت تعلم إن تناول هذه المشروبات محرم .. بالطبع تعلم .."

+


هتف موضحا :-

+


" أخبرتك إنني لا أشربها بإستمرار ..."

+


قالت بجدية :-

+


" إنها محرمة في كافة الأحوال ..."

+


قال ببرود :-

+


" دعك من هذا الآن .. في النهاية أنا لست رجلا متدينا ... و ..."

+


أوقفته بثبات :-

+


" وأنا لست متدينة بالمعنى المتعارف عليه .. يعني لست ملتزمة كما ترى ولكن ليس إلى درجة تناول الخمور ..."

+


وجمت ملامحه وهو يتمتم :-

+


" هل سنظل نتحدث عن هذا الأمر ..؟! هل أتينا لنناقش مسألة تناولي المشروب في  بعض الحفلات والدعوات ...؟!"

+


تجاهلت حديثه وهي تسحب كأسها مجددا ترتشف منه قليلا قبل أن تهمس بتبرم :-

+


" طعمه سيء ..."

+


هتف ضاحكا بخفة :-

+


" لا بأس .. ستعتادين عليه وتحبينه ..."

+


" ولم سأفعل ..؟! لن أتناوله مجددا ..."

+


هتفت بها ببساطة لتجده يخبرها :-

+


" يجب أن تعتادي عليه .. لإنني أحبه ..."

+


رفعت حاجبها تهمس باستغراب :-

+


" وهل أنا مجبرة على الإعتياد عليه فقط لإنك تحبه ..؟!"

+


ثم مالت بوجهها قليلا تناظره بإهتمام لحظي قبل أن تهمس بإدراك :-

+


" أنت لا تقصد العصير بل تتحدث عن أشياء أخرى تريد مني الإعتياد عليها فقط لإنك تحبها .."

+


هتف مبتسما :-

+


" ذكية يا زوجتي كما توقعت ..."

+


ابتسمت تخبره بثقة :-

+


" هل كنت تعتقد غير ذلك ..؟!"

+


" إطلاقا ..."

+


قالها بجدية وهو يضيف :-

+


" فأنا ما كنت لأتزوجك لولا إدراكي لكل صفاتك التي تروقني وتناسبني بشدة ..."

+


سألته بإهتمام :-

+



        
          

                
" تزوجتني لإنني أناسبك ...؟!"

+


أجابها يخبرها :-

+


" بالطبع ، أنت تحملين كل مواصفات الزوجة المناسبة لي والتي تصلح أن تكون أما لأطفالي كذلك ..."

+


التفتت بوجهها نحو أمواج البحر المتلاطمة خلفها تسأله :-

+


" وماذا لو تبين العكس ..؟! من أين أتيت بكل هذه الثقة فأنت لم تعرفني جيدا بعد .. ؟!"

+


لحظات ووجدته يقبض على ذقنها مديرا وجهها نحوه يهتف وعيناه تلتهمان تفاصيل وجهها المحتقنة بغير رضا والمرتبكة في ذات الوقت :-

+


" يخيل لك ... أنا أعرفك جيدا ... أكثر مما تتصورين ..."

+


" كيف ..؟!"

+


سألته بملامح باهتة فرد ببساطة :-

+


" تستطيعين القول إنني أمتلك حاسة سادسة تجعلني أشعر بأي شخص أمامي وأفهمه بسهولة ومن أول لقاء يجمعني به فكيف إذا كان هذا الشخص هي الفتاة التي اخترتها زوجة لي ..؟!" 

+


" مغرور كثيرا يا إياس ..."

+


نطقت بها بجدية لتجده يهمس بثقة لا ينفي حديثها :-

+


" نعم أنا مغرور .. لكنه غرور مستحق .. ولا أحد يستطيع إنكار ذلك ..."

+


ثم مال نحوها يقبل شفتيها بنعومة قابلتها ببرود لحظي قبل أن تدفعه بعيدا وتنهض من مكانها متجهة نحو الكنبة المقابلة ليتسائل بملامح محتقنة رافضا تصرفها بشدة :-

+


" ماذا حدث ...؟!"

+


جلست بهدوء قباله تخبره بصدق :-

+


" نحتاج أن نتحدث ..."

+


" وها نحن نفعل .."

+


قالها وهو يعتدل في جلسته عاقدا ساعديه أمام صدره بتحفز لتهتف بثبات :-

+


" لم نتحدث عما حدث ليلة زفاف هالة ..."

+


تسائل بجدية :-

+


" ومالذي حدث ..؟! أنا لا أتذكر ..."

+


نطقت بعدم تصديق :-

+


" نعم ..؟! ألا تتذكر ما فعلته ..؟! كيف نهرتني بسبب فستاني ...؟! وتجاهلتني طوال الحفل ..؟!"

+


" عفوا ..!! هل تحاولين إخباري إنك غاضبة مني بسبب ما حدث ..؟!"

+


قالها غير مصدقا بينما يضيف من بين أسنانه :-

+


" عليك أن تعلمي إنني كنت غاضبا منك بالفعل وما كنت أنوي أن أتحدث معك بعدها حتى تبادرين بنفسك للحديث بل وتعتذرين عن تصرفك ولكن الحادث وما أصاب ابنة خالتك وزوجها جعلني أتجاهل ما حدث فأنت كنت بوضع لا يسمح أبدا بالتطرق إلى شيء كهذا .."

+


كانت تطالعه بعدم تصديق بينما يكمل هو بصلابة :-

+


" ولكن من الجيد إنك تطرقتي لهذا الأمر كي أخبرك إنني لا أسمح لك بارتداء فساتين مكشوفة كفستانك يومها مجددا وكي أخبرك أيضا إنني لا أسمح لك بتجاهل كلامي وطلبي الصريح منك بإخفاء كتفيك العاريين ... إذا كان هناك من يجب أن يحاسب الآخر فسيكون أنا بالتأكيد لا أنت يا هانم ..."

+



        
          

                
انتفضت من مكانها تهتف بنبرة رغم ثباتها تحمل عصبية واضحة :-

+


" ألا ترى نفسك كيف تتحدث ..؟! بنفس النبرة المتسلطة .. بنفس الطريقة الآمرة .. ليكن بعلمك أنا كنت سأحترم رغبتك وأرتدي شالا جلبته معي من باب الإحتياط لو فقط تحدثت بالهدوء واللين معي لا بتلك الطريقة المستفزة ..."

+


نهض من مكانه يسأل ببرود :-

+


" ولماذا لم ترتدي الشال من البداية إذا ..؟! كنتِ ستختصرين علينا المشكلة بأكملها ..."

+


صاحت بضيق :-

+


" لم أكن أعلم إنك سترفض الفستان ... لم أكن أعلم إنك ستهتم أساسا ..."

+


تشكلت العبرات في عينيها وهي تضيف :-

+


" أنت لم ترَ نفسك كيف تعاملت معي وقتها بل كيف تجاهلت وجودي بشكل صريح ..."

+


" وأنت في المقابل لم تهتمي بذلك .. كنت تتحركين طوال الحفل هنا وهناك تبتسمين للجميع وتتحدثين طوال الوقت ولا تتوقفين عن الرقص غير آبهة بي رغم إدراكك إنني غاضب منك ..."

+


" كنت أنتظر مصالحتك لي ..."

+


قالتها بعبرات مكتومة ليهتف ببرود :-

+


" لم أخطأ في حقك كي أصالحك ..."

+


طالعته بيأس وهي تكتشف وجها جديدا له ...

+


لا تعرف كيف تحول فجأة ...

+


والأسوأ كيف بدا متحاملاً عليها بسبب تلك الليلة رغم إنها لم تشعر بذلك طوال الفترة السابقة وهو يهتم بها ويشد من أزرها ويدعمها ويبدد مخاوفها على حياة ابنة خالتها ...

+


أخذت نفسا عميقا ثم قالت بهدوء :-

+


" اسمعني يا إياس .. هذه الطريقة لا تناسبني .. طريقة الأوامر لا تلائمني أبدا .. أنا إنسانة هادئة ومتفهمة للغاية وأعتقد إن هذا بات واضحا لك لكنني في المقابل أبحث عن شخص يشبهني في هذه النقطة تحديدا .. العلاقة بيننا يجب أن تقوم على التفاهم والنقاش والوصول إلى حل مرضي لكلينا لا أن تعترض وترفض وتأمر وتغضب بينما أنا أقبل وأطيع وأصالح .. "

+


تمكن الإنفعال من نبرتها ...

+


إنفعال أدهشه ...

+


نبرتها بل حديثها كاملا لم يرضيه لكنه تجاهل شعوره الداخلي وهو يخبرها بتهكم مقصود :-

+


" هذا كله بسبب خلاف سخيف... فجأة أصبحت شخص غير متفهم يريد أن يأمر ويطاع ..."

+


قالت بعقلانية :-

+


" على العكس يا إياس .. ربما سبب الخلاف هذه المرة سخيف من وجهة نظرك لكنه يعتبر مؤشرا يوحي بما هو قادم بيننا .. لا تستهين بالمواقف البسيطة لإنها أساس وامتداد لمواقف أهم ستجمعنا فيما بعد ..."

+


أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-

+


" أنا تحدثت معك بصراحة .. رفضت حتى أن أتجاهل ما حدث يومها وأخفيه داخلي لإنني لا أريد أن أراكم غضبي وضيقي من تصرفاتك يوما بعد يوم فأصل إلى مرحلة لا أستطيع تحمل أبسط الأشياء منك .. ربما تراني أبالغ قليلا لكن مستقبلا ستفهم وجهة نظري ومدى صحتها .. أعتقد إنني يجب أن أعود إلى القصر .. لنغادر من فضلك ..."

+



        
          

                
أنهت كلامها وتحركت بعدها يتابعها هو بملامح متصلبة وأفكاره تتدفق تباعا فهو الآخر رأى وجها جديدا لها اليوم .. وجها مختلفا غير متوقعا بالنسبة له ..!


+


منذ ليلة البارحة تعتزل الجميع في جناحها ...


+


***

+


في مساء اليوم التالي ..

+


منذ ليلة البارحة تعتزل الجميع في جناحها ...

+


كانت تحتاج لوقت يخصها لوحدها تستغرق فيه التفكير كما تريد ...

+


ساعدها إن الجميع منشغل في حاله ...

+


والدتها في جناحها أغلب الوقت نتيجة إرهاقها السابق وما تعرضت  له من وعكة صحية ظهرت أعراضها بوضوح بعد إطمئنانها على هالة ...

+


شقيقها الأكبر بالكاد يوازن بين عمله وزوجته التي تعاني من تبعات الحادث بدورها فبات يجاورها أغلب الوقت إلى جانب اهتمامه بأولاده في ظل غياب أمهم عنهم فيحاول هو قدر المستطاع أن يسد الفراغ الذي تركته وهي التي اعتادت  تقضي أغلب وقتها معهم ولا تتركهم إلا للضرورة ...

+


وشقيقها الآخر الذي غرق في عمله كعادته بينما أصغرهم بدا منشغلا الفترة السابقة و ذلك غالبا يعود لوجود أنثى جديدة في حياته تلهيه عن كل شيء عداها كما اعتاد أن يفعل كل فترة ...

+


مهند الذي استقر خارجا مع زوجته ..

+


وهالة تواصلت معها صباحا تطمئن عليها وتمنحها دعما ثابتا وتوصيها أن تطلبها متى ما إحتاجتها بينما الأخيرة تطمئنها عليها وعلى حال زوجها وإن كانت واقعيا لا تشعر بالإطمئنان إطلاقا لكنها تقنع نفسها إن ما يمر به كرم ينعكس سلبيا على هالة لا أكثر مثلما تطمئن نفسها إنهما سيتجاوزان هذه المرحلة بنجاح كعادتهما ...

+


تنهدت بصمت وهي تغلق كتابها ...

+


كتاب لجأت إليه محاولة للهروب من أفكارها التي تخصها وحدها ..

+


خطيبها وما حدث بينهما ليلة البارحة ...

+


بداية خلاف أدركت من خلاله جزءا مهما من شخصيته حيث التعنت والغرور والتعصب إتجاه رأيه ...

+


تعترف بإن جزءا من حديثه وتصرفه كان صحيحا لكن جزءا آخر كان خاطئا مثلما تدرك إن مشكلتها لا تكمن في أخطائه فهي تعلم إن الجميع يخطأ ..

+


كل إنسان معرض للخطأ مثلما تتفهم جيدا حقيقة إن كل إنسان لديه سلبيات ...

+


لا أحد خالي من العيوب حتى هي ...

+


لكنها تنزعج من عدم إعترافه بأخطائه وتكاد تجزم إنه لا يرى عيوبه ولا يعترف بها وهنا تكمن المشكلة ...!

+


اتكئت فوق مخدتها تشرد به ..

+


تعترف إنها إنجذبت إليه تدريجيا ...

+


مال القلب إليه ...

+


مشاعرها تحركت نحوه ...

+


لا تستغرب ذلك ...

+



        
          

                
هو في النهاية خطيبها بل زوجها ...

+


لا ترفض تلك المشاعر ولكنها تخشاها فهي لا تثق بعد به ولا تعرفه بالشكل الكافي والأهم إنها لا تعلم إذا ما كانت مشاعرها تلك تحمل صدى داخله هو بدوره أم لا ...

+


مشاعرها لا زالت في بدايتها كبذرة صغيرة تنمو ببطأ في كل يوم يمر عليها معه ...

+


مشاعرها التي تتعلق به فهو أول رجل في حياتها ..

+


الرجل الأول في كل شيء حتى في قلبها فهي باتت تعلم جيدا إن مشاعرها نحو براء كانت واهية ...

+


ليست مشاعر حب حقيقية ...

+


كانت مشاعر إنجذاب لشاب يحمل كافة الصفات التي حلمت بها ..

+


شاب وجدته يشبهها  للغاية في طريقة تفكيره ونظرته للحب وقدسية العلاقات وأشياء كثيرة كانت يشتركان بها ...

+


ذلك التشابه الصريح بينهما جعلها تراه بمنظور مختلف  وهي التي لم يجذبها شاب قبله فتعلقت بفكرة إنه الرجل المناسب وإن ما تحمله داخلها من إهتمام نحوه يمثل الحب الذي تتمناه ...!

+


الحب الذي تنتظره طويلا ..

+


أراحها ذلك ...

+


أراحتها حقيقة إنها لم تحبه بحق ...

+


لكن علاقتها مع زوجها لا تريحها ...

+


تلك العلاقة تمنحها شعورين متضادين أحدهما يتعلق به تدريجيا وينجذب إليه بسلاسة والآخر يحذره ويهاب غموضه ويحمل الشكوك لها نحوه ...

+


اعتدلت في جلستها تجذب هاتفها ...

+


تتأمل صمته الكريه ...

+


لم يتصل بها بعد ليلة البارحة وتكاد تجزم إنه لن يتصل أبدا ...

+


تمنت لو تستطيع البوح بمكنونات قلبها لأحدهم ...

+


لكنها لا تستطيع حاليا على الأقل فوالدتها مرهقة وفي طور التعافي وهمسة مثلها تماما ..

+


هالة ليست هنا ...

+


وهي وحيدة ...

+


أفاقت من شرودها على صوت طرقات على باب الجناح فهمست :-

+


" تفضل ..."

+


دلفت الخادمة بإبتسامتها الودودة قابلتها هي بأخرى هادئة رغم الضيق الذي يملأ صدرها عندما أخبرتها الخادمة :-

+


" إياس بك في ألأسفل ..."

+


هتفت مدهوشة :-

+


" إياس هنا ..."

+


اومأت الخادمة برأسها وهي تتابع إنشراح ملامحها فتخبرها :-

+


" إنه ينتظرك مع عابد بك وراغب بك ... "

+


بهتت ملامحها قليلا قبل أن تومأ برأسها وهي تخبرها :-

+


" أخبريهم إنني قادمة .."

+



        
          

                
ثم شردت في أفكارها وعقلها يتسائل عن سبب وجوده مع والدها وشقيقها الأكبر وهي التي ظنت إنه أتى ليصالحها أو على الأقل ليتناقش معها في خلاف البارحة ...

+


اتجهت نحو خزانة ملابسها بهدوء مقررة ألا تستبق الأمور ولا تسيء الظن ...

+


لتهبط إليهم وتفهم ما يحدث ...

+


***

+


دلفت توليب إلى صالة الجلوس لتجده يجلس بجانب والدها على الكنبة وعلى جانبهما الأيمن يجلس شقيقها الأكبر ..

+


" مساء الخير ..."

+


نطقت بها وهي تمنحهم إبتسامة هادئة بادلها إياها والدها وهو يخبرها :-

+


" أهلا ابنتي .. تعالي واجلسي لنتحدث بخصوص ما جاء به إياس ..."

+


التقت نظراتها بنظراته فوجدته يومأ برأسه بنظرات هادئة عندما أخذت موقعها على الجانب الأيسر لهما قبال شقيقها الذي يطالعها بصمت فيضيف عابد :-

+


" إياس أتى ليتحدث بشأن الزفاف ..."

+


طالعته بقليل من الدهشة ليتولى إياس الحديث بعدها موجها حديثه لثلاثتهم :-

+


" أنتم تعلمون جميعنا إننا قررنا تأجيل الزفاف لبعض من الوقت بسبب زفاف هالة وقتها واتفقنا على شهرين بعد زفاف هالة ..."

+


أضافت بطريقته المنمقة المعتادة :-

+


" والحمد لله هالة غادرت المشفى بسلام مع زوجها منذ حوالي إسبوعين لذا أتيت لنتحدث بخصوص موعد الزفاف والذي من المفترض وحسب الإتفاق الأخير أن يكون بعد شهر ونصف من الآن ..."

+


أكمل بحذر مقصود :-

+


" ولكنني للأسف مرتبط بعمل خارج البلاد بعد شهر من الآن ..."

+


تأملته بإهتمام وعقلها يخبرها بما هو قادم قبل أن ينطقه :-

+


" لذا بعد إذنكم يا عمي وبعد إذن توليب بالطبع ، أنا أرغب بأن يكون الزفاف بعد ثلاثة أسابيع من الآن كي أستطيع السفر للخارج بشأن العمل وتوليب معي ... "

+


تجهمت ملامح راغب بينما بقيت ملامح والدها هادئة وهو يخبره :-

+


" ثلاثة أسابيع ... إنها مدة قليلة ...."

+


قال إياس مبررا :-

+


" لا أريد أن أسافر لوحدي ..."

+


هتف راغب بدوره متسائلا بجدية :-

+


" كم مدة سفرك هناك ..؟!"

+


أجاب بهدوء :-

+


" لا تقل عن ستة أشهر ..."

+


راقب الدهشة التي سيطرت على ملامحها بينما بدا الإنزعاج واضحا على ملامح شقيقها ...

+


تحدث والدها بعدم رضا صريح :-

+


" مبكرا للغاية يا إياس ... "

+


أضاف وهو يتأمل ابنته الصامتة بهدوء :-

+



        
          

                
" ولكن القرار لتوليب .. في النهاية من ستتزوج ..."

+


لم يغب عن توليب عدم رضا شقيقها الأكبر وكذلك والدها ...

+


هذا الإستعجال لا يعجبهم ولكنها لن تتخذ قرارها بناء على رأيهم ...

+


لن تحدد تاريخ زواجها حسب قناعاتهم بل حسب قناعتها هي ...

+


تمتمت بخفوت مشيرة إلى خطيبها الذي ينتظر جوابها بحرص :-

+


" هل نتحدث لوحدنا قليلا يا إياس ...؟!"

+


راقبت امتعاض ملامح شقيقها فمنحته بسمة مهادنة عندما أشار عابد لها :-

+


" ذلك أفضل بالفعل ..."

+


تشنجت ملامحه وهو يدرك إن القادم منها لن يعجبه لكنه اضطر أن يوافق وهو ينهض معها متحركا خارج المكان حيث تبعها بينما تسير هي نحوها غرفة ثانية جانبية تحمل طابعا أكثر حميمية بأثاثها الهادئ وعلى ما يبدو إنها مخصصة للجلسات العائلية حصرا ...

+


وجدها تقابله في وقفتها تسأله بعدما عقدت ساعديها أمام صدرها :-

+


" مالذي يحدث يا إياس ...؟!"

+


تجهمت ملامحه وهو يجيب :-

+


 " مالذي يحدث ..؟! لا يحدث شيء ... "

+


قاطعته بصبر :-

+


" من أين أتى قرار السفر لستة أشهر خارجا ...؟! "

+


هادنها مرددا :-

+


" إجلسي أولا ..."

+


تنهدت باستسلام وهي تجلس فوق الكنبة حيث أشار ليأخذ هو مكانه على الكرسي المقابل لها يخبرها :-

+


" طرأ لدي عمل مهم في فرع الشركة خارج البلاد ... أحتاج أن أذهب هناك لمدة لا تقل عن ستة أشهر .. لذا قلت لنتزوج ونغادر سويا ... "

+


لاحظ تغضن ملامحها وعلى ما يبدو إنها لم تهضم كذبته ...

+


في الواقع هو لم يكذب بشكل كامل ...

+


هو خطط لذلك بعدما شعر بها تتباعد وتتعامل بشكل مختلف ...

+


أراد أن يقيدها برباط الزواج سريعا ثم يأخذها خارجا معه لبضعة أشهر متحججا بعمله هناك بعدما أدرك إنها ستطالب بتأجيل موعد الزفاف ...

+


راقب شرودها للحظات قبل أن تهمس :-

+


" لا يمكن ..."

+


عقد حاجبيه يتسائل :-

+


" مالذي لا يمكن ..؟!"

+


تنهدت ثم أجابت :-

+


" لا يمكنني للزواج خلال ثلاثة أسابيع ... "

+


قال بتروي :-

+


"لماذا ..؟! كنا سنتزوج أساسا خلال شهر ونصف ... "

+


لم تعرف ماذا تقول ...

+


هي كانت تريد أساسا تأجيل موعد الزفاف ...

+


تمديد فترة الخطبة ...

+


تنهدت مجددا ثم قالت بجدية :-

+


" أساسا شهر ونص كانت مدة قصيرة بالنسبة لي ... "

+


أضافت :-

+


" أنا أحتاج للكثير من الوقت كي أنتهي من تجهيز كافة الأمور المتعلقة بالزفاف كذلك ما يخصني من شراء الأغراض والملابس وغيرها ..."

+


" سندبر كل شيء .. أنا بنفسي سأشرف على ترتيبات الزفاف ... سأقيم لك أفخم حفل زفاف ... أعدك بهذا ..."

+


قاطعته بتردد :-

+


" لا يمكن ..."

+


ثم أضافت بحسم :-

+


" أنت غادر إلى الخارج ... إنهي عملك ثم نتزوج بعدها ..."

+


انتفضت ملامحه وهو يردد بعدم تصديق :-

+


" ألم تسمعِ ما قلته أمام والدك وشقيقك ..؟! عملي هناك يتطلب ما لا يقل عن ستة أشهر .."

+


" ما المشكلة في ذلك ..؟! لم يمر سوى مدة قصيرة على خطبتنا ... لمَ العجلة ..؟!"

+


انتفض من مكانه يهتف بحنق :-

+


" أين العجلة بالضبط..؟! كان هناك اتفاق بيننا حول الزواج بعد ثلاثة أشهر من الخطبة ..."

+


نهضت بدورها تخبره :-

+


" كان كلام مبدئي .. ولم تكن ثلاثة أشهر بالضبط ... اتفقنا أن يتم الزفاف ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر ولكن ما تريده يعني أن يتم الزفاف بعد أقل من ثلاثة أشهر حتى .. هذا سريع جدا وأنا لست مستعدة ..."

+


صاح معترضا :-

+


" قولي إنك تريدين تأجيل الزفاف ..."

+


تمتمت :-

+


" وليكن .. ما المشكلة في ذلك ...؟!"

+


أضافت مبررة وهي تلاحظ إحتقان ملامحه تماما :-

+


" نحن بالكاد نتعرف على بعض .. لنأخذ وقتا كافيا ... "

+


أضافت بلطف متعمد :-

+


" كما إن فترة الخطبة هي الأجمل في علاقة أي إثنين ..."

+


سيطر على إنفعاله بإعجوبة بينما يخبرها بجمود :-

+


" كما تريدين يا توليب ... أجلي الزفاف للموعد الذي تريدنه ويمكنكِ إلغاؤه نهائيا أيضا ..."

+


اندفع بعدها يغادر المكان بإنفعال مكتوم تراقبه هي بعينين غائمتين بحزن سيطر عليهما وعقلها يخبرها إن ما سيحدث بعد ذلك أسوأ مما تعتقد ..

+


انتهى الفصل

+



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close