رواية نشوة العشق اللاذع الفصل السادس عشر 16 بقلم سارة علي
الفصل السادس عشر
+
وهم البدايات أقسى ما يكون ...
+
حيث كل شيء يبدو أمامك ورديا ..
+
الحياة تبدو زاهية والطريق مفتوح أمامك دون عثرات ...
+
المستقبل لامع والحلم بات حقيقة ...
+
ثم تكتشف بأصعب طريقة ممكنة إن كل ما ظننته واقعا لم يكن سوى وهما ...
+
خيالا لا أساس له ...
+
فطريقك ليس كما يبدو أبدا ومستقبلك أبعد ما يكون عن حلمك المنتظر ...!
+
قد تكون البدايات سهلة للغاية ...
+
لطيفة بل ممتعة كذلك ...
+
بدايات تشبه ألوان الطيف التي تجذبك نحوها دون تردد فترسم الفرح على وجهك وتمنح روحك حياة مختلفة ...
+
حياة لذيذة ، صاخبة ومليئة بالسعادة ...
+
وهو دخل حياتها في أسوأ توقيت ...
+
في الوقت الذي كانت تعاني فيه من تبعات حب مرير غادرته بإرادتها ورغم ذلك بقيت تنتحب عشقها المهدور الذي بقي يلازم روحها دون رحمة ...
+
عام مر على نهاية قصة حبها ...
+
قصة حب قررت أن تنهيها بنفسها حفاظا على كرامتها وكبريائها ...
+
غادرت الحب ولكنه لم يغادرها بينما تسعى هي بكل قوتها للتعافي ...
+
تجاهد مع نفسها فتنجح تارة ويغلبها الشوق تارة ...
+
وهكذا مرت الأيام حتى التقته ...
+
شابا وسيما لطيفا خفيف الظل ...
+
تعرفت عليه عن طريق صديق مشترك بينهما ثم انضم لمجموعتها الصغيرة المكونة من ثلاث شبان وأربعة فتيان ...
+
استطاع بروحه المرحة أن يفرض وجوده بقوة في المجموعة ...
+
كان الأصغر بينهم ...
+
جمعتها به عدة مواقف ...
+
تكونت صداقة مبدئية بينهما ثم تحولت تدريجيا إلى صداقة عميقة حيث تشاركا الكثير وكلما عرفته أكثر كلما أدركت إنه يشبهها في الكثير بل يكاد يشبهها في كل شيء ...
+
هو مثلها .. يحب ما تحبه ... نمط حياته يكاد يماثل نمط حياتها ...
+
كانا متفقين دائما في آرائهما ورغباتهما وهذا كان كفيلا ليجعله صديقا مقربا لها فتعاملت معه على هذا الأساس وهو فعل المثل وداخله كان يتوق لما هو أكثر من الصداقة ...
+
هو طرق الغرام قلبه قبلها بكثير ...
+
خشي أن يخبرها بمشاعره خاصة بعدما حدثته عن تجربتها ...
+
عن حبها الأول الذي تخلت عنه مجبرة ...
1
سألها إحدى المرات بإهتمام صديق وقلق عاشق بات متيما بها :-
+
" هل ما زلت تحبينه ..؟!"
+
وأجابت هي بثبات وعنفوان عاشقة ترفض الهزيمة :-
+
" انتهى ... "
+
وهي كانت تعني ما قالته ...
+
فهو انتهى بالنسبة لها وإن كانت ذكراه ما زالت تطوف داخل جدران قلبها ...
+
عامان مرا ...
+
هي وكرم تقاربهما يزداد ..
+
تعلقت به ...
+
تقضي معظم الوقت معه حتى عندما تعود إلى شقتها مساءا تبقى تتحدث معه طويلا ...
+
تمر الأيام والشهور وتعلقها به يزداد بينما هو يغرق في عشقها أكثر حتى قرر أن يبوح بمكنونات قلبه مجازفا بصداقتهما الثمينة ...
+
يومها جلس أمامها على الطاولة ونطق بكلمة واحدة :-
+
" أحبك ..."
+
خرجت جادة تماما بشكل لا يشبهه ...
+
ولأول مرة يراها تتوتر ..
+
مشاعرها توترت ...
+
روحها توترت ...
+
حتى نبضاتها ...
+
لم تستطع قول شيء ...
+
وهو تفهم دهشتها وحيرتها فقال بتروي لا يشبهه :-
+
" أنا لا أطالبك بشيء حاليا على الأقل ... لكنني تعبت من إخفاء مشاعري ..."
+
وقتها ابتعدت عنه ليومين ...
+
انزوت مع نفسها في شقتها تفكر في مشاعره ...
+
تخشى أن يدمر الحب صداقتهما المميزة والتي تعنيها أكثر مما يتصور ...
+
تخشى من مشاعرها التي لا تعرف حقا إذا ما كانت تميل إليه ...
+
وفي اليوم الثالث وجدته أمام باب شقتها يخبرها بسرعة لا تقبل نقاش :-
+
" أنتظرك في الأسفل ..."
+
أرادت أن ترفض لكنها لم تستطع ...
+
كانت تشتاقه ..
+
تحتاج قربه ...
+
بل تتمنى لو بمقدروها أن تحدثه عن حيرتها وتشتتها وضياعها بعد اعترافه بالحب ...
+
في العام الأخير كانت تلجأ إليه دائما ...
+
تفضي له بهمومها ومشاكلها ...
+
تستشيره في كثير من الأحيان ...
+
يومها خرجت معه ...
+
فوجئت به يأخذها إلى مدينة الملاهي وهو يأمرها بعدما هبطا من السيارة :-
+
"اليوم تحديدا أريدك أن تنسي كل شيء ... سنستمتع فقط .... "
+
وبالفعل فعلت ما قاله ...
+
قضيا وقتا ممتعا نست خلاله كل شيء ...
+
لطالما نجح كرم في تحسين مزاجها وتخفيف توترها ..
+
لطالما نجاح في امتصاص غضبها ومنح روحها السكينة التي تحتاجها ...
+
وهاهو يفعل ذلك مجددا ..
+
يشغلها عن اعتراف بالعشق هز ثباتها ...
+
كل يوم تقضيه معه تتأكد إنه المناسب ...
+
الشخص الذي يمكنها أن تحيا ما تبقى من العمر جانبه ...
+
الشخص الذي يمنحها سعادة غير مشروطة ...
+
الشخص الذي يحبها بكل ما فيها ويقبلها كما هي بعيوبها قبل مميزاتها ...
+
شخص كهذا لا يمكن تجاهل مشاعره بل لا يمكن عدم التأثر بها والإنقياد خلفها والخضوع لسلطانها ..
+
ولإنها رغم كل شيء بقيت كما هي ...
+
قوية حتى مع نفسها ...
+
جريئة في اتخاذ قراراتها ...
+
بادلته الحب وأخبرته بذلك دون تردد ما إن أدركت حقيقة ما تحمله داخلها نحوه ...
+
هو الشخص المناسب ...
+
هو من يناسبها ..
+
هو من يستحقها ...
+
هو من يمنحها كل ما تمنته ...
+
يمنحها حبه ودعمه ...
+
يشاركها أحلامها وطموحها بل وحتى جنونها الذي يمتلك منه الكثير ...
+
ومنذ ذلك اليوم وهي ترسم مستقبلها معه .. تخطط للقادم جانبه ...
+
كل شيء بدا مثاليا بل هو نفسه مثاليا ...
+
هكذا فكرت ...
+
هكذا ظنت ...
+
وخابت ظنونها ...!
+
***
+
الكثير من الأصوات المتداخلة تخترق سمعها ....
+
تحاول أن تفتح عينيها لكنها لا تستطيع ...
+
تشعر بآلام مريعة في كل جزء من جسدها ...
+
لحظة الموت بدت أقرب مما تظن ...
+
ربما ستموت بعد لحظات ...
+
بصعوبة فتحت إحدى عينيها والأصوات من حولها تتصاعد تدريجيا ...
+
حاولت تحريك شفتيها ...
+
لم تعي ما يحدث تماما ...
+
لكنها شعرت بهم بعد لحظات وهم يحملونها فوق سرير الإسعاف ...
+
استعادت وعيها للحظات قصيرة تشبعت بها آلما وخوفا ...
+
انتهت اللحظات وغرقت في سباتها مجددا بينما بدأ المسعفون يتخذون الإجرائات الأولية لعلاجها ...
+
وهناك زوجها الذي أخرجوه بمعجزة من داخل السيارة المحطمة بينما جسده مدمر تماما والدماء تتدفق من رأسه المصاب بجرح هائل دون رحمة ...
+
كان حادثا مدمرا ...
+
هكذا قال الموجودون في مكان الحادث بينما يتسائلون بريبة إذا ما كانا هذين المسكينين سينجيان من هذا الحادث وتكتب لهما الحياة مجددا بمعجزة أم سيفارقان هذا العالم في أهم ليلة من حياتهما ...
1
ليلة زفافهما...!
+
***
+
تتحرك بعشوائية داخل غرفتها والحنق يسيطر عليها ...
+
غضبها يرفض أن يهدأ ...
+
الغيظ يأكل روحها ....
+
عادت تسبه مجددا .. شقيقها الأحمق ....
+
خسرت بسببه ...
+
بسبب قلبه الأحمق ...
+
هو مغرم بتلك الفتاة ...
+
مثله مثل الآخر الذي غادر تاركا البلاد بأكملها يوم زفافها تحديدا ...!
+
ألهذه الدرجة يعشقها ..؟!
+
لم تتصور يوما شيئا كهذا ...
+
عرفت أثير منذ سنوات ...
+
كان مغرورا معتدا بنفسه فخورا بذاته بشكل يثير الغيظ والإعجاب في نفس الوقت ...
+
كان مختلفا مترفعا عن الجميع يحيا في عالمه الخاص رافضا أن يهبط من علياؤه ....
+
غرور أعجبها وتمنت لو تهزمه وتغرقه في عشقها ...
+
كان حلم الكثير من الفتيات ...
+
والأمر لا يقتصر فقط على مواصفاته المثالية حيث المال والجاه والسلطة بل يتعلق أكثر بشخصيته المليئة بالشموخ والإعتزاز ...
+
ترفعه عن الجميع ...!
+
غطرسته الفطرية ...!
+
تكبره الدائم ...!
+
نأيه بنفسه عن الجميع إلا الأقلية وكأنه يخبرهم إنهم لا يرتقون ليكونوا جزءا من عالمه ...!
+
علاقاته محدودة حيث لديه دائرة محددة من الأصدقاء بينما يتعامل برسمية مفرطة مع البقية وترفع صريح ...
+
يختال بنفسه كالطاووس الذي يجذب الأنظار إليه دائما خاصة أنظار الفتيات اللواتي يلاحقنه بنظراتهن دون أن تجرؤ أيا منهن على تجاوز حد النظرات فهو لن يسمح بذلك ولا يتردد في إحراج من تحاول أن تتعدى تلك الحدود التي يرسمها للجميع ..!
+
كان مختلفا وسر إختلافه هو ما جذبها له ...
+
صرخت بغيظ ...
+
غيظ يتضاعف وهي تستوعب إن تلك الفتاة نالت ما عجزت هي والكثيرات غيرها عن نيله ...
+
ملكت قلبه الذي ظنته حصنا منيعا لا يمكن لأي شخص أن يقتحم أسواره و يسكنه ...
+
ما المختلف بها ليحبها هي دونا عن الجميع ..؟!
+
ما المميز بها لتمتلك قلبه دون غيرها ...؟!
+
لم تكن تعلم إن الأمر لا يتعلق بالميزات ولا يعتمد على المواصفات ...
+
الأمر فطري ...
+
العشق شعور فطري مجهول المنشأ ...
+
شعور يحتل قلبك رغما عنك ...
+
شعور خبيث يتسلل بصمت حتى يسيطر على مكنونات القلب والروح وحينها فقط يكشف عن نفسه بعدما بات قيدا لا فكاك منه ...!
+
اندفعت نحو الفراش تسحب الغطاء وترميه على الأرضية بعنف بينما صوتها يصرخ بحدة مخيفة ...
+
ثواني وصدح صوت صياح مختلف ...
+
صراخ جعلها تتجمد مكانها لوهلة بعدم استيعاب قبل أن تتحرك مندفعة خارج غرفتها راكضة حيث غرفة والدتها لتجدها تحمل الهاتف في كفها بملامح وجه مصدومة ...
1
تحركت نحوها تسأل بقلق :-
+
"ماذا حدث ...؟!"
+
تحدثت والدتها بصعوبة :-
+
" كرم ... شقيقك أصيب بحادث ...."
+
اتسعت عيناها بصدمة سرعان ما تحولت إلى ذعر ...
+
ملامحها المصدومة بصمت جعلت والدتها تصرخ بها بعدم استيعاب :-
+
" هيا إلى المشفى ... ماذا ننتظر ..؟! "
+
***
+
دلفت إلى الجناح بملامح بائسة ...
+
آثار العبرات ما زالت ظاهرة فوق وجهها وفي عينيها ...
+
بكت طوال الطريق ولم ينجح راغب في تهدئتها ...
+
فراق شقيقتها ليس هينا ...
+
هالة ليست مجرد شقيقتها ...
+
هالة عائلتها الأولى ...
+
شقيقتها الوحيدة ..
+
الذكرى الأخيرة من والديها ...
+
كتمت شهقة باكية كادت أن تخرج منها مقررة عدم الآنخراط في البكاء مجددا تذكر نفسها إن هذه سنة الحياة والجميع يمر بذلك ...!
+
تتجاهل خوفا مريبا ينتفض بين جدران قلبها بين لحظة وأخرى ... خوف غير مفهوم داهمها في تلك اللحظة التي تحركت بها شقيقتها بجانب عريسها حيث شعرت بقلبها ينقبض مكانه بشعور غير مفهوم لكنه كريه تماما ...!
+
قررت أن تتجاهل كل هذا وهي تخلع ثوبها الثمين ...
+
ثم تفك تسريحة شعرها قبل أن تجذب بيجامة حريرية ترتديها ثم تتحرك برتابة نحو دورة المياه حيث اكتفت بغسل وجهها بالمياه الباردة عدة مرات قبل أن تجففه وتغادر بعدها متجهة نحو السرير لتندس بجسدها أسفل الغطاء الذي أحكمته فوق جسدها متجاهلة عبرات عينيها التي عادت تحاول غزو مقلتيها مجددا ...
+
أما زوجها فذهب بدلا عنها ليطمئن على الأولاد قبل النوم ...
+
وجد أصغرهم نائما بينما الآخرين يجلسان قبال بعضهما يتبادلان الأحاديث كرجلين كبيرين ...
+
ابتسم بحنو وهو يتقدم نحويهما يتسائل بإهتمام :-
+
" عم تتحدثان ...؟!"
+
جلس بينهما كالعادة بينما يخبره نزار بتبرم :-
+
" هالة غادرت القصر ... لن تعيش هنا بعد الآن ..."
+
قال سيف :-
+
" هذا طبيعي ... إنها تزوجت ... يجب أن تغادر القصر ..."
+
ابتسم راغب لا إراديا وهو يتأمل شبيهه بهدوئه ورصانته التي تجعله يبدو أكبر من عمره قبل أن يسمع نزار يهمس بإحباط :-
+
" سأشتاق لها كثيرا ..."
+
ليخبره سيف ببديهية :-
+
" وأنا أيضا لكن هذا ما يجب أن يحدث ..."
+
ربت راغب فوق خصلات شعر نزار وهو يهمس بمؤازرة :-
+
" إنها سنة الحياة يا نزار ... هذا حال الجميع ... هالة ستحيا مع زوجها بعد الآن ولكن هذا لا يعني إنها ستنقطع عنا أبدا ... هي ستزورنا دائما ونحن أيضا سنفعل ..."
+
أومأ نزار برأسه على مضض بينما طلب راغب من الولدين أن يخلدا للنوم ليطيعه سيف على الفور بينما يتذمر نزار قليلا راغبا في اللعب على هاتفه ...
+
هتف راغب بحزم :-
+
" هيا إلى النوم يا نزار ..."
+
فلم يكن بوسع الصغير سوى أن يطيعه بينما تقدم سيف نحو والده مجددا يسأل بإهتمام :-
+
" هل ماما ما زالت تبكي ..؟!"
+
ابتسم راغب لا إراديا عليه وهو يرى اهتمامه وحرصه على والدته ليخبره بينما يربت على كتفه بحنو :-
+
" كلا يا عزيزي .. هي كانت تبكي لإنها تشتاق لشقيقتها كما تعلم .. ستحتاج بعض الوقت حتى تعتاد على رحيلها ..."
+
أومأ سيف برأسه متفهما قبل أن يتحرك خلف شقيقه إلى سريره هو الآخر بينما تنهد راغب بتعب وهو ينهض من مكانه مغادرا جناح ولديه متجها إلى جناحه حيث وجد زوجته تجلس فوق السرير بنصف جلسة وجسدها متدثر بالغطاء وملامحها رغم هدوئها تحمل شجنا واضحا ...
+
تقدم نحوها ثم جلس قبالها فرفعت عينيها بكحليهما الملطخ نحوه لتجده يقبض على كفيها بكفيه يمنحها دعما صريحا وهو يخبرها :-
+
" أتفهم حزنك ... ولكن هذا واقع الحال ..."
+
هزت رأسها دون تعليق ...
+
لم تستطع أن تخبره إن الأمر لا يقتصر على الحزن فقط بل هناك خوف مريع داهم قلبها دون رحمة ...
+
همست بعد ثواني بضعف تملك منها رغما عنها :-
+
" عانقني ..."
+
ودون تردد جذبها نحوه صدره فتشبث هي بعناقه وأغمضت عينيها مستسلمة لدفئ لم تتوقع يوما أن تجده داخل أحضانه ....
+
شعرت بعناقه يمنحها شعورا رائعا من الآمان الذي تأكدت مجددا إنها لا تشعره سوى معه وجانبه وبين ذراعيه ...
+
رفعت وجهها بعد دقائق قصيرة وجسدها ما زال محتجزا بين ذراعيه تخبره بصدق لامس روحه :-
+
" أحتاجك ..."
+
كانت صادقة حد الوجع ...
+
كانت شفافة بشكل لا يشبهها وهي التي كتمت كل مشاعرها واحتياجاتها ومخاوفها لأعوام ليس عنه فقط بل عن الجميع دون استثناء ...!
1
عانقها هذه المرة بقوة أكبر ...
+
بدأ وكأنه يخفيها بين ذراعيه ...
+
وهي استسلمت بهوان تغمض عينيها مجددا وتكبح عبراتها ...
+
بقيا على هذا الحال لفترة لا بأس بها لم يقطعها سوى رنين هاتفها لتنتفض في نفس اللحظة مبتعدة عنه بجزع غير مفهوم ...
+
أخرج هاتفه بتوجس فوجد رقما غريبا يرن عليه ...
+
أجاب دون تردد ليأتيه صوت يخبره بما جعل أنفاسه تتسارع بعد لحظات ..
+
قلبه يخفق بقوة وعيناه تتسعان بخوف لم يتخيل يوما أن يسيطر عليه بهذه الطريقة ...!
+
***
+
في جناح توليب ...
+
تجلس فوق سريرها والعبرات تتساقط فوق وجنتيها دون توقف ....
+
حزينة بسبب مغادرة ابنة خالتها وشقيقتها وتوأم روحها كما كانت دائما وستظل ...!
+
سمعت صوت طرقات على باب جناحهما فهتفت بصوت متحشرج :-
+
" ادخل ..."
+
وجدت والدتها تتقدم إلى الداخل وهي تبتسم لها بحنو لتجذب منديلا بسرعة تجفف به عبراتها بينما سارت والدتها نحوها وجلست أمامها تخبرها مبتسمة بحنو :-
+
" كنت أعلم إنني سأجدك تبكين ..."
+
همهمت توليب بخفوت بائس :-
+
" سأشتاق لها كثيرا ... "
+
" جميعنا سنفعل .."
+
قالت زهرة بحزن خفي بينما تضيف بجدية :-
+
" وأنت أيضا ستتركينا بعد مدة قصيرة ... لا أعلم كيف سأعتاد على عدم تواجدكما حولي .. سنوات ابتعدتا عني بسبب الدراسة ...والآن ستغادران القصر نهائيا ... سيفرغ المكان تماما بعديكما .."
+
هتفت توليب بسرعة حانية :-
+
" سأكون معك دائما .. سأزورك كل يوم ..."
+
ابتسمت زهرة لا اراديا على حديث ابنتها والتي تعلم جيدا صدقه فقالت بجدية :-
+
" وزوجك ..؟! وأطفالك مستقبلا ..؟! هل ستتركينهم وتأتيني يوميا ...؟!"
+
عبست توليب تخبرها بعفوية :-
+
" الأطفال سأجلبهم معي .. "
+
ضحكت زهرة رغم حزنها على فراق هالة ثم جذبت ابنتها نحوها تعانقها بأمومة وهي تخبرها بصدق :-
+
" كبرتما بسرعة يا توليب ..."
+
ابتسمت توليب داخل أحضان والدتها قبل أن تبتعد بعد لحظات وهي تخبرها بوجوم :-
+
" إياس غاضب مني ..."
+
تسائلت زهرة بقلق :-
+
" لماذا ..؟! مالذي حدث ..؟!"
+
ازداد وجوم ملامح ابنتها وهي تجيب :-
+
" لم يعجبه فستاني لإنه عارف الكتفين ..."
+
ابتسمت زهرة مرددة :-
+
" لا بأس .. معه حق هو أيضا ... كنت ارتديتِ شالا فوقه ..."
+
" إنها ليست المرة الأولى التي أرتدي فيها هكذا والجميع حولي يرتدين نفس الشيء بل هناك من يرتدين فساتين مفتوحة بشكل أكبر ..."
+
قالت زهرة بجدية :-
+
" لكنه يمتلك رأيا مختلفا ويحق له ذلك ... لا تنسي إنه بات زوجك ..."
+
قالت توليب بسرعة :-
+
" أعلم يا ماما .. وبالفعل أتفهم موقفه وكنت سأرتدي شالا فوق الفستان ولكن ..."
+
سألتهما زهرة بإهتمام :-
+
" لكن ماذا ..؟!"
+
أجابت توليب بضيق :-
+
" لم أفعل .. عاندته وبقيت بنفس الفستان حتى نهاية الحفل وهو خاصمني بدوره ..."
+
أنبتها والدتها بسرعة :-
+
" لماذا يا توليب ...؟! كان يجب أن تسمعي كلامه ... هو لا يطلب منك شيئا صعبا إلى هذا الحد ..."
+
تبرمت ملامحها بينما تخبر والدتها :-
+
" أعلم ، ولكنك لم ترين ما فعله ... تحدث بسرعة وغضب غير مبرر .. كان يمكنه أن يخبرني برفضه للفستان بطريقة أكثر هدوءا وكنت سأتفهم ذلك ..."
+
قاطعتها والدتها بصبر :-
+
" الغيرة تحكمت به يا عزيزتي ... "
+
وجمت ملامحها تماما وعقلها يتسائل عن ذلك ..
+
هل غار عليها ..؟!
+
لم لا ..؟! أليست خطيبته بل زوجته أيضا ..؟!
+
" حتى لو ، أتفهم غيرته أيضا لكنني لا أقبل أن يصرخ بي أبدا والأسوأ إنه لم يحاول حتى تطييب خاطري بعد ذلك ... تجاهلني تماما ... "
+
تشكلت الخيبة فوق ملامحها مفكرة إنه لم يكن هذا ما تنتظره منه ...
+
كان تنتظر شيئا مختلفا وهي التي ارتدت فستانا رائعا من تصميم أحد أشهر المصممين في العالم فبدت آسرة كما قال الجميع وهو بدلا من أن يثني على جمالها كما فعل غيره وبخها بتلك الطريقة ...!
+
لم يكن يعلم إنها كانت تنتظر حديثا مختلفا عن إطلالتها .. تبحث عن لهفة صادقة وإعجاب صريح في عينيه نحوها ...
+
لتتبخر جميع آمالها وهي تجده يصيح معترضا بسبب فستانها ..
+
لم يكن يعلم إنها كانت ستتفهم موقفه وترتدي شالا أحضرته من باب الاحتياط يناسب الفستان تماما ولكن طريقته معها ثم تجاهله التام لها جعلها تعاند وترفض أن ترتدي الشال وترضيه ...
+
لن ترضيه طالما هو لن يرضيها بدوره ...
+
أفاقت من أفكارها على صوت والدتها تخبرها بجدية :-
+
" كيف تسير علاقتك بإياس يا توليب ..؟!"
+
بهتت ملامح توليب وهي تسأل :-
+
" لماذا تسألين ..؟! نحن بخير ..."
+
قالت زهرة بنفس الجدية :-
+
" عزيزتي إذا كنت تشعرين بعدم توافقكما بالشكل الكافي فعليك أن تراجعي نفسك مجددا وتمنحي علاقتكما فرصة أطول قبل الزواج ... "
+
أنهت حديثها بتحذير :-
+
" لا تستعجلي بإتمام زيجتكما ... خذي وقتا كافيا معه كي تعرفينه جيدا وتتأكدين من صحة هذه الزيجة ..."
+
شردت رغما عنها في كلمات والدتها ...
+
كانت تدرك صحة حديثها ...
+
ربما هي تحتاج لمزيد من الوقت معه ...
+
ربما لا يجب أن تستعجل في إتمام الزيجة كما يريد ..
+
عليها أن تفكر جيدا قبل أن تتخذ قرارا عجولا ستندم عليه ...
+
توقفت عند أفكارها تلك وهي تهمس بهدوء:-
+
" معك حق ... لا داعي للاستعجال ... أساسا لم يمر سوى القليل على خطبتنا ..."
+
ابتسمت والدتها وهي تحتضن وجنتيها يكفيها تخبرها بصدق :-
+
" أنا أثق في قرارك أيا كان وكذلك والدك ..."
1
عانقتها توليب بمحبة قبل أن يسمعا صوت طرقات على باب الجناح يتبعها دخول فيصل بملامح شاحبة جعلت زهرة تنتفض من مكانها تتسائل بجزع :-
+
" ماذا حدث ..؟!"
+
اتجه ببصره نحو توليب التي ارتكزت على ركبتيها فوق السرير تناظره بقلق جعله يهمس بصوت خرج مرتجفا :-
+
" هالة ... تعرضت لحادث مع زوجها ..!"
+
***
+
جلست نغم في غرفة راجي تنتظر خروجه من تلك العملية المفاجئة التي طرأت له ...
+
كانا في طريق عودتهما من زفاف ابنة خالته عندما اتصل به أحد الأطباء المقيمين يطلب منه الحضور بسبب اجراء عملية سريعة لشاب يعاني من إصابة خطيرة في الرأس ليغير وجهته سريعا متجها إلى المشفى ورغم إصراره عليها للمغادرة مع أحد السواق الذي سيتصل به ليأتي ويأخذها لكنها رفضت بشدة وأصرت أن تنتظره حتى ينتهي من تلك العملية ...
+
حملت فنجان قهوتها ترتشف منه مجددا بشرود ...
+
تشرد في ما تخطط له وفي صعوبة تنفيذه ...
+
وجدت مؤيد بعد لحظات يدلف إلى الداخل وهو يحمل لها الطعام ...
+
وضع أمامها صحنا يحوي قطع من المعجنات لتبتسم بخمول بينما تسحب احدى القطع وتتناولها بصمت ...
+
جلس هو قبالها يتأملها بصمت يحمل خلفه حديثا متردد في التطرق إليه ...
+
وكأنها شعرت به فهمست بهدوء :-
+
" أسمعك ..."
+
ابتسم بتروي قبل أن يقول بحذر :-
+
" حاولت ألا أتطرق لذلك ولكن ..."
+
" أعلم إنك ما زلت رافضا لما فعلته وضميرك يؤنبك لإنك ساعدتني في ذلك ..."
+
هتف بحيادية :-
+
" هذا أمر صحيح ولكنني لا أتحدث عن هذا الآن ..."
+
سألت بحيرة صادقة :-
+
" عم تتحدث إذا ..؟!"
+
تنهد ثم قال :-
+
" أتحدث عن مرضك .. عن اليأس الذي يسيطر عليك بطريقة لا تشبهك ..."
+
هتفت بسرعة رافضة التطرق لهذا الحديث :-
+
"تحدثنا بذلك مسبقا يا مؤيد .. لذا من فضلك .."
+
قاطعها بصلابة :-
+
" من فضلك أنت يا نغم ... أعلم ما ستقولينه حيث إن الحالة متأخرة والنجاة تبدو أقرب لمعجزة ولكن لا شيء مستحيل ... لا شيء يا نغم طالما لدينا إيمان في الله عز وجل وقدرته في تغيير الحال تماما ... "
+
تنهد ثم قال :-
+
" هذا اليأس غير مبرر ... "
+
" صعب ... بل مستحيل ... أنت تعلم ذلك ..."
+
" أعلم ..."
+
قالها بثبات وهو يضيف بعملية :-
+
" لكنني أرفض عدم المحاولة نهائيا .. حتى لو كان المرض في مرحلته الأخيرة .. لو بحثت جيدا ستجدين إن هناك من نجوا حتى لو كانوا قلة ..."
+
ارتسمت على شفتيها إبتسامة باهتة وهي تهمس بجدية :-
+
" لم يكونوا قلة ... هم أساسا لا يتجاوزون أصابع اليد ..."
+
" هل عددتهم ..؟!"
+
قالها بسخرية مقصودة وهو يضيف :-
+
" هل سترتاحين عندما تستسلمين للموت دون أي محاولة للنجاة ...؟! "
+
ابتسمت بيأس تخبره :-
+
" هذا سيكون أرحم من محاولة فاشلة لن تفعل شيئا سوى مضاعفة عذابي ..."
+
ضحك بعدم تصديق :-
+
" لم أعهدك جبانة يا نغم ..."
+
هتفت بهدوء :-
+
" لست جبانة ولكنني واقعية ..."
+
" أنت طبيبة ... "
+
هتف بها بصلابة وهو يضيف :-
+
" هذا الكلام لا يليق بطبيبة ناجحة مثلك ... "
+
نهض من مكانه يسير بخطواته نحو البراد يصب لنفسه الماء البارد ثم يتناوله دفعة واحدة قبل أن يقول :-
+
" حسنا ، أنت اخترت الموت بسلام ... ستعيشين عام أو اثنين بالكثير ثم تموتين ..."
+
هز كتفيه وهو يضيف ببساطة :-
+
" ما المشكلة إذا ما جربت العلاج خلال الفترة القادمة ..؟! بكل الأحوال أنت تهيئين نفسك للموت .. للرحيل ... ماذا ستخسرين إذا حاولت ...؟!"
+
طفرت الدموع من عينيها وهي تهمس :-
+
" لن أتحمل ..."
+
راقبها بوجوم بينما تضيف :-
+
" لا أريد ذلك العذاب ... افهمني ... "
+
أغمضت عينيها لوهلة تكتم دموع قهرها قبل أن تفتحهما مجددا وهي تخبره بصلابة :-
+
" أنت لا تعلم إن هذا المرض وراثي عندنا ..."
+
تابعها مبهوتا فأكملت بأسى :-
+
" جدتي ماتت فيه .. ثم خالتي ... وأنا عايشت مرض خالتي منذ بدايته .. خالتي التي قاومت طويلا ثم رحلت رغم إن المرض كان في مرحلته الأولى و مع ذلك لم تنجُ ... لقد عايشت تلك الفترة بكل ما فيها .. ليس آلمها وحدها بل آلم جميع من حولها .. أنت تتحدث بعملية طبيب يحارب في سبيل نجاة المريض وإنسانيته تحتم عليه ذلك أما أنا فأتحدث بلسان نغم الانسانة التي رغم كل شيء هي عاجزة عن اللجوء لعلاج سيأخذ منها أكثر مما سيمنح بل هو لن يمنحها أي شيء ..."
+
تنهد بصعوبة ..
+
وضع قدحه جانبا وتقدم نحوها ...
+
انحنى على ركبتيه أمامها يهمس برجاء :-
+
" آسف .. آسف حقا ... لم أكن أريد ذلك ... أنا فقط .."
+
رفعت وجهها الباكي نحوه تخبره من بين دموعها الحارة :-
+
" هل تعتقد إنه هينا عليّ الاستسلام بهذه الطريقة ...؟! كلا يا مؤيد ... لكن هذا أفضل الحلول ... هذا الأفضل لي .. ليس لي فقط بل لمن حولي .."
+
أكملت بملامح شاردة :-
+
" العلاج لن يكون فقط عذاب لي ولمن حوّلي .. بل سيكون أملا واهيا لهم ... عائلتي وراجي سيكون لديهم أمل في شفائي مثلما سيتعذبون وهم يرون عذابي وبعد ذلك كله سيأتي رحيلي كصفعة مدوية تمنحهم حزنا لا حد له لذا هذا أفضل الحلول المتاحة لهم ولي أيضا ... "
+
لم يقتنع بتفكيرها ..
+
ولم يستطع البوح بذلك ...
+
ربما يتفهم لكنه لا يقتنع بما تقوله ...
+
تنهد مجددا وهو ينهض من مكانه يعود جالسا أمامها بينما تكفكف هي دموعها ...
+
نهض من مكانه يخبرها :-
+
" سأجلب الليمون لك وأنت تناولي الفطائر ..."
+
هزت رأسها باستسلام وسحبت قطعة لها تتناولها فهي جائعة بالفعل ..
+
تجاهلت غصة تحكمت بها للحظة واستمرت في تناول طعامها .. وجدته يعود وهو يحمل قدحا من عصير الليمون البارد لها ...
+
اخذته منه وهي تشكره بإبتسامة هادئة قبل أن تبدأ بإرتشاف العصير ..
+
بقي مكانه يتأملها بصمت ...
+
صمت قطعته وهي تخبره بعدما انتهت من تناول طعامه :-
+
" أنا أعتذر يا مؤيد ... أعلم إنك ما زلت ضائقا بسبب ما فعلته .. "
+
أكملت وهي تراقب تجهم ملامحه :-
+
" كان معك حق ... لم يكن علي فعل هذا .. لم يكن علي استغلال عاطفة راجي بهذه الطريقة ... ولم يكن عليّ إستغلالك معي أنت الآخر ... أنا أفكر جديا أن أخبر راجي بكل شيء ... سأخبره إنني أعلم بشأن مرضي منذ البداية وتعمدت إخفاء ذلك عليه مثلما سأخبره إنك تعمدت إخباره بالمرض بطلب مني ..."
+
كانت تتحدث دون أن تدرك إن الآخر كان يقف قرب الباب يستمع لاعترافها بملامح غير مصدقة ...
+
انتهت العملية منذ مدة وكان هو عائدا إلى غرفته ليأخذها ويغادران حيث يقلها إلى منزلها ثم يعود هو إلى القصر ...
+
تحرك مبتعدا عن الباب دون وعي ...
+
عقله لا يستوعب ما سمعه ...
+
لم فعلت ذلك ..؟!
+
لم كذبت عليه ...؟!
1
ماذا سيفعل الآن ...؟!
+
اعتصر قبضته بقوة .. هي تعلم إنه يكره الكذب .. يكرهه للغاية ...
+
تعلم شخصيته التي ترفض الكذب والخداع ولا تتقبله مهما حدث ولا تسامح فيه بل هي أكثر من يعلم ذلك ورغم هذا كذبت عليه ..
+
خدعته ..!
+
تنفس عدة مرات محاولا السيطرة على أعصابه النافرة قبل أن يصدح صوت رنين هاتفه ليسحبه سريعا فيندهش من اتصال شقيقه الأصغر بهذا الوقت قبل أن يجيبه فتحتل الصدمة ملامحه بعدم تصديق لما يسمعه ..
+
صدمة سرعان ما تحولت إلى ذعر وهو يخبره إنه قادم حالا إلى المشفى الذي ترقد فيه ابنة خالته مع زوجها آثر حادث سيارة أودى بهما إلى هناك ..
+
***
+
في المشفى ....
+
الجميع ينتظر خروجهما من غرفة العمليات ...
+
حالة كليهما خطيرة للغاية ...
+
هذا ما قاله الأطباء تاركينهم جميعا يصارعون قلقهم وتوترهم ... البعض منهم يتصلب بالثبات قدر المستطاع والبعض الآخر منهار بشكل مؤلم ...
+
كانتا كلا من همسة وتوليب الأكثر انهيارا ...
+
كلتاهما تبكيان دون توقف ...!
+
تبكيان بصمت ....!
+
أما زهرة فكانت ساكنة مكانة ...
+
جامدة بشكل مثير للريبة ...
+
زوجها جانبها ممسكا بيدها بدعم والخوف ينهشه هو الآخر على تلك الصغيرة التي كانت بمثابة ابنة له ...
+
قلق عليها بشدة ...
+
وقلق على زوجته التي تلتزم الصمت بشكل مقلق ...
+
جامدة مكانها بصمت غير مفهوم ولم يكن يعلم إنها غرقت في ذكرياتها مع شقيقتها لتظهر أمامها الذكريات تباعا منذ لحظة ميلادها حتى لحظة وفاتها والتي تمثل لحظة ميلاد الصغيرة التي ترقد داخلا في غرفة العمليات تصارع الموت ...
+
عند تلك النقطة نهضت من مكانها فاتجهت أنظار ولديها نحوها بينما زوجها سارع ينهض بدوره هامسا باسمها ...
+
التفتت نحوه بينما نظرات راغب القلقة تتابعها من بعيد ...
+
راغب الذي استقبل الخير بصدمة جاهد كي يتعامل معها بما يقتضي الموقف ...
+
الخبر الذي شطر قلبه إلى نصفين فصغيرته تصارع الموت ورغم ذلك حافظ على هدوئه وهو يأخذ زوجته إلى المشفى بعدما سيطر على انهيارها الحتمي بينما تولى والده أمر والدته وفيصل تولى أمر توليب ...
+
فيصل الذي رغم الوجع الذي يحمله داخله وخوفه على شقيقته وصديقة عمره حافظ على ثباته بشكل يحسد عليه ...
+
لم يسمح لنفسه أن يهتز ثباته وهو يعانق شقيقته المنهارة بحمية ثم يرجوها أن تهدأ كي يذهبان إلى المشفى ...
+
أشارت زهرة لزوجها قائلة بوجه شاحب وملامح توحي بإنهيار قادم لا محالة :-
+
" أريد أن أصلي ... هاتوا لي سجادة و رداء صلاة و ..."
+
توقفت وهي ترى راجي يتقدم بلهفة يسأل شقيقه الأكبر :-
+
" ماذا حدث يا راغب ..؟! كيف وضعها ..؟!"
+
أخبره راغب بوجوم :-
+
" ما زال كلاهما في غرفة العمليات ... "
+
بينما أخبره فيصل بما قاله أحد الأطباء الشبان اللذين استقبلوا الحالة :-
+
" هناك نزيف في الدماغ استدعى دخولهما حالا لغرفة العمليات ... مرت حوالي ساعتين ولا أخبار تخص أياا منهما ... "
+
كانت هايدي تجلس على مسافة منهم ...
+
وجهها متصلب تماما ...
+
جامدة كصخرة لا حياة فيها ..
+
تعقد ساعديها أمام صدرها وملامحها ثابتة تماما وغير مقروءة ...
+
بجانبها تجلس والدتها تبكي بصمت والرعب يكاد يقتلها على وحيدها الذي يصارع الموت ...
+
" اتصلي بنانسي ..."
+
نطقتها تهاني أخيرا وقد سيطرت على عبراتها لتهتف هايدي :-
+
" لا أريد إقلاقها ...."
+
قاطعتها تهاني بحدة :-
+
" يجب أن تأتي .. شقيقها يصارع الموت وهي يجب أن تعلم ..."
+
اومأت هايدي برأسها ونهضت من مكانها تبتعد قليلا عن هذا التجمع الذي يخنقها تنفذ ما قالته والدتها دون نقاش ...
+
لم تستطع أن تتصل بنانسي نفسها فلم تجد أمامها سوى شريف والذي من حسن حظها إنها ما زالت تحتفظ برقم هاتفه ...
+
أخبرته بإختصار وطلبت منه أن يمهد لنانسي الخبر كي تأتي فوالدتها تريدها ...
+
ثم عادت تتصل بعمها دون أن تأخذ الإذن من والدتها ...
+
عمها يجب أن يعرف ...
+
هي تعرف مدى حبه وتعلقه بكرم ....
+
ناهيك عن كونه في مقام والدهم الراحل ...
+
أما عند البقية نهض فيصل مقررا أن يتحرك سريعا يجلب لوالدته ما أرادته بينما عادت زهرة تجلس بجانب زوجها بنفس الصمت قبالها جلس راجي بجانب همسة يهتف لها بتمهل :-
+
" ستصبح بخير .. "
+
" يارب ..."
+
خرجت منها ضعيفة مهزومة وكل جزء منها منهار تماما ليتبادل راجي النظرات مع شقيقه الأكبر فيشير له ليتقدم ويأخذ مكانه بينما يتجه راجي نحو توليب التي تجلس بجانب همسة تحيط جسدها بذراعيها وتبكي بصمت ...
+
سارعها يجذبها نحو صدره لتنهار باكية بعنف داخل أحضانه فأخذ يهدهدها بحنو ورعاية يتلو على مسامعها كلمات تطمئنها وتطمئنه هو الآخر ...!
+
أما راغب فجلس بجانب زوجته يقبض على كفها يخبرها بصلابة :-
+
" ستنجو ...."
+
رفعت نظراتها المذعورة نحوه ورغم الذعر بزغ أملا يتشبث بكلماته بينما يضيف هو بثقة :-
+
" هالة قوية .. ستنجو من هذا الحادث وتعود إلينا سالمة ... "
+
ثم جذبها نحوه محيطا كتفيها بذراعيه فيستقر رأسها فوق صدره وعبراتها تأخذ طريقها فوق وجنتيها بصمت ...!
1
***
+
في صباح اليوم التالي ..
+
يقف جانبها مستندا على الحائط خلفه بجسده عاقدا ساعديه أمام صدره بينما زوجته لم تتوقف عن البكاء ولو للحظة ...
+
لم تتحمل نانسي صدمة الخبر فكادت أن تسقط مغشيا عليها لولا إنه لحقها بسرعة ...
+
كان غارقا في نومه عندما وجد شريف يتصل به يخبره باختصار عن حادث أصاب شقيق زوجته ...
+
لم يصدق ما يسمع ..
+
الشاب قبل ساعات قليلة كان يرقص في زفافه ...
+
بالكاد أفاق من صدمته على صوت شريف يخبره أن يمهد لنانسي الخبر ثم يأخذها إلى المشفى فالشاب حالته خطيرة ويجب أن تتواجد هناك إلى جانب والدتها وشقيقتها يرجوه أن يتصرف بالشكل الصحيح فهو مسافر إلى احدى المحافظات البعيدة وسيعود مساءا اليوم التالي ...
+
شعر بالحيرة لوهلة وصعوبة الموقف ...
+
ماذا سيقول ...؟!
+
كيف سينقل الخبر لها ...؟!
+
كيف سيخبرها عن حادث خطير تعرض له شقيقها مع عروسه ..؟!
+
ذهب إليها ومن حسن حظه كانت مستيقظة ولم يكن يعلم إنها كانت تفكر منذ عودتها في إعلان انفصالهما مبدئيا قبل الطلاق رسميا خاصة مع تحسن صحة والدته ...
+
استقبلته بدهشة وشكوك حول نواياه ...
+
بينما هو فاشل كعادته في التعامل مع هذا النوع المواقف بل مع المواقف عامة حيث سارع يخبرها دون مقدمات :-
+
" كرم في المشفى .. تعرض لحادث ..."
+
والنتيجة إنها صرخت بجرع وانقضت عليه تسأله برعب إذا ما كان شقيقها قد مات وهو يكذب عليها ...
1
صرخت وبكت ثم ترنحت وكادت أن تفقد وعيها لكنه لحقها يسند جسدها متجها بها إلى داخل الغرفة مناديا على مربية طفليه حيث ساعدته الأخيرة حتى تماسكت نانسي وسارعت تغادر معه متجهة إلى المشفى وها هما متواجدان منذ ساعات في المشفى إلى جانب الجميع فرغم خروج كلاهما من غرفة العمليات إلا أن الوضع ما زال خطيرا خاصة وضع كرم الذي تعرض لإصابة شديدة الخطورة مما جعل نجاته منها غير أكيدة ..
+
هذا ما قاله الطبيب متأسفا ممهددا لأي نتيجة متوقعة في أي لحظة ...
+
ورغم إن إصابة الفتاة كانت أقل خطورة منه إلا إنها بدورها وضعها خطير وستبقى في غرفة العناية لمدة لا تقل عن ثمانية وأربعين ساعة قد تتعرض خلالها لأي تدهور متوقع ..!
+
تنهد بصمت متجها ببصره نحو شقيقة زوجته والتي تناقض زوجته بشكل مثير للاستغراب حيث تقف بملامح جامدة ..
+
شامخة بصلابة مثيرة للإعجاب بسبب الموقف الذي تعيشه ..
+
والغريب إنه شعوره لم يكن الاعجاب بقدر الاستنكار ...
+
ما بالها صلبة ثابتة إلى هذا الحد ..؟!
+
أليس شقيقها من يصارع الموت وربما يرحل في أي لحظة كما قال الأطباء بجلادة يحسدهم عليها ..؟!
+
تخيل للحظة شريف في موقف كهذا فسارع ينفض هذا الشعور عنه ...
+
هو حتى لا يتحمل مجرد التخيل ....
+
لا يتحمل مجرد الفكرة ...
+
عاد ببصره نحو زوجته الباكية بصمت يمزق القلب بينما هو عاجز عن التصرف بالشكل المناسب ...
+
لا يجيد التعامل مع هذه المواقف أبدا ...
+
اتجه ببصره بعدها نحو عم زوجته والذي كان يجلس بوجوم وقلق يشع من عينيه ...
+
صامتا تماما منذ قدومه ...
+
بجانبه ولده الذي يقف متصلبا وجادا بشكل مبالغ فيه ...
+
يجري اتصالات مختصرة تخص عمله بين الحين والآخر ...
+
يميل نحو يطلب منه العودة ليرتاح قليلا وسيبقى هو مكانه لكن والده يرفض بتعنت ....
+
زفر أنفاسه بتعب وضيق في ذات الوقت ...
+
هو يكره المستشفيات ...
+
لا يطيقها ...
+
وجوده في هذا المكان يخنق روحه ...
+
ورغم إنه لا يمتلك ذكريات فعلية مع المستشفيات لكنها لا يحبها حتى في المرات القليلة التي زار شريف فيها أثناء عمله كان مضطرا لذلك ويسارع لإنهاء ما يريده سريعا ثم يغادر ...
+
ولكن لا يستطيع المغادرة الآن ...
+
هو ليس عدم الإحساس إلى هذا الحد ليتركهم ويرحل ...
+
في النهاية هو زوج ابنتهم ...
+
صهرهم ولم تمر سوى ساعات قليلة على قدومه ...
+
***
+
كانت تهاني تجلس بصلابة واهية بعدما سيطرت قليلا على بكائها ...
+
بجانبها يجلس أشرف بحزن يغلف ملامحه ...
+
همست بخفوت :-
+
" أعلم إنك حزين للغاية .. أنت تحبه كثيرا ..."
+
" كثيرا ... هو ولدي ... ابن شقيقي الغالي ..."
+
ابتسمت بوهن تخبره :-
+
" كان يحبك كثيرا ... يرى فيك والده الراحل ..."
+
لم يتوقع يوما أن تتحدث تهاني معه بتلك الطريقة ...
+
تخبره عن محبة ولدها الصادقة له وهي التي كانت تحاول بكل الطرق إبعاده عنه ...
+
" حاولت كثيرا أن أبعده عنك ... حاولت كثيرا جعله يكرهك لكنني فشلت ..."
+
كان يعلم ذلك ...
+
يعلم كرهها الغير مبرر له ...
+
تهاني امرأة غريبة ...
+
وشقيقه كان تعيسا معها وهذا ما يجعله كارها لها ورغم ذلك حاول أن يتجاهل مشاعر كراهيته نحوها ويفكر في أبناء شقيقه بعد رحيله ويحاول أن يعوضهم قليلا عن غياب والدهم لكن تهاني كعادتها لم يؤثر بها حتى رحيل زوجها مبكرا فسارعت تعزل أولادها عنهم تمنعهم عنه وقد نجحت في ابعاد الفتاتين لسنوات عنه فلم يكن يراهما إلا نادرا لكنها فشلت مع كرم الذي رغم صغر سنه كان يمتلك سلطة عليها نتيجة حبها المفرط له ...!
+
خرج صوت تهاني مذعورا ولأول مرة يرى زوجة شقيقه خائفة من شيء :-
+
" أخشى أن أفقده ..."
+
سارع ينهرها بقوة :-
+
" لن يحدث .. سيعيش .. باذن الله سيعيش ..."
+
ثم تحشرجت نبرته وهو يضيف :-
+
" لن أخسره كوالده ... كرم سيعود إلينا ... بإذن الله سيعود سالما ..."
+
شهقت باكية وجسدها يهتز بكل قوته ...
+
بكت بشكل عنيف جعل نانسي تنهض من مكانها رغم دموعها المنهمرة فوق وجنتيها تجثو فوق ركبتيها أمامها تتوسلها ألا تفعل ....
+
بينما هايدي تراقبهما بجمود لا يختلف عن جمود ابن العم الذي بالطبع لا تلائمه هذه الأجواء المثقلة بالعاطفة أبدا بينما صلاح مشفق عليهم جميعا ...
+
" سيموت .. شقيقك سيموت ويتركني يا نانسي ...."
+
قالتها تهاني وإنهارت ببكاء يمزق القلب بينما لم تتحمل هايدي سماع المزيد فسارعت تندفع نحو والدتها تصرخ بحدة مفزعة وملامحها تقدح غضبا :-
+
" لن يموت .. كرم لن يموت ...هل تسمعين ..؟؟"
+
" هايدي ..."
+
همست بها نانسي بخفوت وقد توقفت عن بكائها لا اراديا لتقبض هايدي على كتفي والدتها بقسوة تصرخ بها دون وعي :-
+
" كرم سيعيش ... توقفي عن قول هذه الحماقات ... هو لن يموت ..."
+
أخذت تهزها وهي تصرخ بصوت جهوري بينما الجميع يتابع ما يحدث مصدوما حتى تهاني نفسها :-
+
" لن يموت ...لن يموت ..."
+
كانت تكررها دون توقف وهي تهز والدتها بينما نانسي تباعدت بذعر بديهي غير مستوعبة حالة شقيقتها ..
+
وفي النهاية لم يتقدم سوى نضال الذي همس بصلابة وهو يقبض على ذراعها يحاول ايقافها عما تفعله :-
+
" توقفي يا هايدي ..."
+
ضغطت على كتف والدتها بقسوة مفرطة تخبرها :-
+
" لن أتوقف حتى تستوعب ما أقوله ... حتى تفهم ما أقوله وتقتنع به ..."
+
جذبها من ذراعه يبعدها عن والدتها يصيح بها بصوت قوي قاسي :-
+
" هل جننت ..؟! مالذي تفعلينه ...؟!"
+
" ما شأنك ..؟!لم تتدخل فيما لا يعنيك ..؟!"
+
خرجت منها حادة بينما تضيف بتهكم قاسي :-
+
" أم صدقت إنك ابن عمنا ... ؟! ابن عمنا الذي لم نره سوى مرات لا تتخطى أصابع اليد العشرة ليأتي الآن ويمثل دور القريب المهتم والمراعي ... "
+
" أنت جننت تماما ... لكن لا بأس أنا أتفهم حالتك بسبب وضع شقيقك ..."
+
كانت نانسي تراقب ما يحدث بأنفاس متلاحقة جانبها والدتها باهتة غير مستوعبة تصرفات ابنتها التي فقدت تعقلها بشكل يثير القلق قبالها صلاح مبهوتا هو الآخر بما يحدث بينما أشرف يتابع ما يحدث بقلق من ردة فعل ولده الذي لن يصمت على تصرفات ابنة شقيقه بالطبع :-
+
" يا لك من مراعي ..."
+
خرجت منها ساخرة بينما تضيف بغضب :-
+
" خذ والدك وغادر .. لسنوات لم نعرفكم وبدوركم لم تعرفونا ... نحن لا نحتاج إليكم ولا لأي أحد منكم .. شقيقي سيكون بخير ... وأنتم لا مكان لكم بيننا ... أبدا .."
+
" مالذي تقولينه يا هايدي ...؟!"
+
نطقت نانسي بها تنهرها لتستدير هايدي تصيح بها :-
+
" ألا ترين ما يفعله ...؟! يتدخل فيما لا يعنيه ...يمثل دور ابن العم كما يجب ... "
+
شعرت نانسي إن شقيقتها فقدت تعقلها عندما نهض أشرف من مكانه يخبرها بحزم :-
+
" الزمي حدودك يا بنت ... لولا الحالة التي نحن بها لكنت تصرفت معك بطريقة أخرى ..."
+
صاحت بصوت مرتفع متحدي :-
+
" أنت لا تستطيع فعل أي شيء ... أنت بالأساس لا شيء بالنسبة لي ... "
+
ثم نقلت بصرها بينه وبين ولده تصيح :-
+
" خذ ولدك المنافق وغادرا من هنا ..."
+
وفي نفس اللحظة هوت صفعة قاسية فوق وجنتها ...
+
صفعة من شدتها كادت أن توقعها أرضا بينما بالكاد تماسكت هي بجسدها الذي ترنح رغما عنها بسبب قسوة الصفعة ...
+
رفعت وجهها نحوه لتتلاقى عينيها اللتين جمدتا تماما بعينيه العاصفتين ...
+
وضعت نانسي كفها فوق فمها مصدومة بينما هز أشرف رأسه بخيبة وتهاني تتابع ما يحدث بصمت اما صلاح فشعر بالشماتة فتلك المغرورة قليلة الذوق تستحق ذلك ...
1
ثواني وتحركت مندفعة مارة جانب أروى التي وصلت قبل لحظات وشهدت ما حصل ...
+
تحركت نانسي خلفها راكضة اما تهاني فعادت تجلس مكانها بسكون ...
+
هتف أشرف ينظر لولده معاتبا :-
+
" لماذا يا نضال ..؟!"
1
" من فضلك يا بابا .. هذا أقل شيء كان يمكن فعله ردا على قلة أدبها ..."
+
نطقها بحزم ثم استدار ليرى خطيبته تقف قبالهم مندهشة مما يحدث بينما صلاح تحرك مغادرا متجها نحو الكافيتريا ...
+
***
+
تحرك جانبها بوجه جامد تماما ...
+
سألت بإهتمام :-
+
" كيف وضعه ..؟! ماذا قال الأطباء ..؟؟"
+
أجاب بصوت مقتضب :-
+
" سيء ... "
+
أكمل بصوت جاف :-
+
" وضعه خطير للغاية ... الإصابة كانت شديدة ... تسببت له بنزيف حاد في الدماغ ... سيبقى في العناية المشددة وما علينا سوى الانتظار ..."
+
تنهدت ثم قالت :-
+
" سيتعافى باذن الله ..."
+
" باذن الله ..."
+
قالها بخفوت ومشاعر جامدة تماما ...
+
لم يكن متأثرا بكل ما يحدث ...
+
واقعيا لا يهتم ...
+
هو لا يعرف كرم سوى قليلا ...
+
لم يلتقِ به سوى مرات معدودة ...
+
ابتسم داخله بسخرية مفكرا إن مشاعره عامة لا تتأثر بأي شيء وبخصوص أي أحد مهما كان ...
+
أنتبه إلى تلك التي تطالعه بتمهل فبدت وكأنها تسبر أغواره ليهتف بصوت جاف :-
+
" ماذا هناك ..؟!"
+
فركت كفيها وهي تهمس بحذر :-
+
" لا تغضب منها .. هي في وضع ..."
+
قاطعها بحدة خافتة أفزعتها :-
+
" لا تتدخلي في هذا ... "
+
نظرت له غير مستوعبة بينما يضيف بصلابة وحزم :-
+
" ما حدث قد حدث وهي نالت استحقاقها ... "
+
أضاف بملامح باردة :-
+
" ما حدث لا يعنيك من قريب ولا من بعيد ...."
+
بالكاد تماسكت بصلابة تتجاهل دموع غزت مقلتيها ليخرج صوتها مبحوحا :-
1
" معك حق ... ما حدث لا يعنيني ..."
+
أضافت بقوة واهية :-
+
" أنا أتيت لأجل الواجب فقط ... أتمنى لإبن عمك الشفاء العاجل ..."
+
ثم تحركت مغادرة بسرعة دون أن تنطق بحرف زائد بينما تابعها هو بعدم اهتمام قبل أن تلتقي عيناه بعيني تلك التي كانت تتقدم نحوهم بجانب شقيقتها المتوترة ...
+
ثارت نظراتها عينيها للحظات ما إن رآته قبل أن تتماسك بصعوبة وهي تجلس على مسافة بعيدة عنهم بجانبها تجلس شقيقتها والتي تتحدث معها بصوت خافت تحاول تهدئتها وتتفهم تصرفها الناتج عن خوفها على حياة شقيقها المهددة بالخطر ...
+
لم تكن نانسي تعلم إن الأمر لا يقتصر على الخوف فقط وإنما ضميرها الذي يؤنبها بقسوة يخبرها في كل ثانية إنها سبب ما حدث ...
+
إنها وحدها سبب ما أصاب شقيقها ... !
+
***
+
على جانب آخر تجلس كلا من همسة وتوليب جانب بعضيهما ...
+
همسة بملامحها المنهكة وتوليب التي تميل برأسها فوق كتفها بعينين لامعتين ...
+
قبالهما زهرة التي ترتدي حجابها وتمسك بين يديها القرآن الكريم تقرأ به بإستمرار ....
+
جانبها عابد الذي رفض أن يتحرك عائدا إلى القصر ليرتاح قليلا ومعهم فيصل الذي أتى يحمل الفطور لهم ...
+
راغب غادر مضطرا لأجل الأولاد ولأجل أن يجلب لزوجته ما أرادته وسيعود خلال ساعة ...
+
راجي الذي تحدث مع الأطباء بشأن حالتهما ليؤكد له الطبيب إن هالة ستبقى في غرفة لعناية لمدة لا تقل عن يومين قبل أن تستقر حالتها فتخرج إلى غرفة عادية متأملين ألا يحدث أي تدهور في حالتها خلال اليومين المقبلين بينما حالة زوجها أسوأ من حالتها بمراحل وهذا ما تأكد منه راجي وهو يتبادل النقاش مع الطبيب الذي أجرى العملية له ...!
+
هتف فيصل وهو يمد بالشاي لوالده :-
+
" تناول فطورك يا بابا ..، لا يجوز أن تبقى هكذا ..."
+
أخذ والده الكوب البلاستيكي بينما اتجه فيصل نحو همسة التي رفضت على الفور ليأتيها صوت عابد الحاني :-
+
" تناولي الطعام يا همسة .. أنت تحتاجين لذلك ... ستنهارين إذا بقيت على هذا الحال لا تتناولين أي شيء بينما يجب أن تبقين مكانك حتى تطمئنين على شقيقتك ...."
+
" بابا معه حق يا همسة ... مالذي ستستفيدينه إذا فقدت وعيك ... ؟!"
+
قالها فيصل بجدية بينما اعتدلت توليب في جلستها فأشار لها فيصل بعينيه يطلب منها أن تأخذ الطعام هي الأخرى وتقنع همسة بضرورة تناول الطعام بدورها ...
+
جذبت توليب قدح الشاي منه وشطيرة ومدت بهما نحو همسة تخبرها :-
+
" تناوليها ... هيا ..."
+
ثم أشارت نحو فيصل :-
+
" وأعطي شطيرة لماما أيضا ..."
+
التفت فيصل نحو والدته التي أغلقت القرآن الكريم وهمست للفتاتين :-
+
" هالة سوف تستيقظ خلال يومين باذن الله كما قال الأطباء ويجب أن ترانا حولنا ثابتين لا فاقدين للوعي ..."
+
ابتسم فيصل وهو يحمل لها الشطيرة بينما ربتت توليب على كتف همسة وهي تبتسم لها بخفوت يناقض النار المشتعلة داخلها لكنها مضطرة أن تخفف عنها مثلما والدتها مضطرة للتخفيف عن كليهما ...
+
تقدم راجي بعد لحظات لينهض فيصل من مكانه يمد له بقدح من الشاي تناوله الأخير وهو يخبرهم :-
+
" بإذن الله ستتحسن حالتها ... كما قال الطبيب ... إذا مرت الثمانية وأربعون الساعة القادمة على خير سنطمئن تماما ..."
+
هزت همسة رأسها بعدم تركيز بينما همست زهرة بخفوت :-
+
" باذن الله ..."
+
سمع راجي صوت خطوات تتقدم نحوهم فوجدها نغم ليتذكر على الفور ما سمعه البارحة والذي نساه تماما في خضم الأحداث ...
+
هتفت وهي تبتسم له بشحوب :-
+
" كيف حالها يا راجي ...؟! أتمنى أن تكون بخير ..."
+
أجابها بهدوء متجاهلا تماما ما سمعه البارحة :-
+
" ستبقى في العناية المشددة ليومين .. إصابتها كانت في منطقة الرأس ..."
+
شعرت نغم بالأسف على العروس المسكينة ثم اتجهت نحو زهرة تتحدث معها وبعدها نحو همسة وتوليب بينما وقف راجي يتابع ما يحدث بصمت وهو يرتشف الشاي ...
+
وصل راغب أخيرا يحمل الأغراض التي طلبتها زوجته وكذلك والدته وشقيقته ....
+
تبادل التحية مع نغم قبل أن يخبر همسة بجدية :-
+
" أتيت بالأغراض ..."
+
هزت رأسها بتفهم بينما هتف راجي :-
+
" لقد حجزت غرفتين لكم ... أنتم تحتاجون إلى الراحة ..."
+
أضاف يشير نحو والدته :-
+
" مع إنني أفضل أن تعودي مع بابا الى المنزل..،"
+
قال زهرة بإباء :-
+
" لن أتحرك خطوة واحدة حتى تستيقظ هالة وأطمئن عليها ..."
+
ثم أشارت لزوجها :-
+
" لكن والدكم سيغادر ..."
+
أراد عابد الرفض فأوقفته بجدية :-
+
" ستغادر يا عابد ... ارتاح قليلا .."
+
قال راغب بثبات :-
+
" نعم يا بابا .. أنت غادر .. يجب أن تنام ثم تبقى مع الأولاد فترة المساء ... أنت تعلم إنني باقي هنا ... لتبقى أنت على الأقل جانبهم ..."
+
ثم أشار إلى فيصل :-
+
" اذهب وأوصل والدي يا فيصل وابقى مع الأولاد قليلا بينما يرتاح والدي ... لا أريدهم أن يبقوا لوحدهم والقصر فارغ تماما من أي فرد بنا ... يكفي إنهما لا يتوقفان عن التساؤلات حول وضع خالتهما غير مصدقين حديثي إنه مجرد حادث بسيط بل يصران على زيارتها ..."
+
هز فيصل رأسه باستسلام لينهض بعدها مع والده بينما نهضت نغم من مكانها وتقدمت نحو راجي تخبره بجدية :-
+
" إذا ما احتجت أي شيء فأنا هنا ..."
+
قال راجي بجدية :-
+
" شكرا يا نغم ... أنا لن آتي إلى المشفى هاتين اليومين غالبا ..."
+
" بالطبع لن تأتي ..."
+
قالتها وهي تضيف :-
+
" لا تقلق .. سأتصرف أنا ومعي مؤيد ..."
+
ثم انتبهت لتلك الفاتنة التي تسير نحوهم بجانبها رجل كبير في السن يقارب والدي راجي في العمر وخلفهما سيدة أنيقة رغم سنوات عمرها المتقدمة وجانبها شاب أشقر بملامح سمحة ...
+
" إنهم عائلة خالي ..."
+
قالها راجي وهو الذي انتبه بدوره لقدومهم عندما رفعت زهرة وجهها اتجاه شقيقها الذي هتف بقلق :-
+
" كيف حالها يا زهرة ...؟!"
+
بينما قالت منيرة :-
+
" كيف صار الحدث ...؟!"
+
أجابت زهرة باقتضاب :-
+
" النصيب .. "
+
قال راجي بهدوء :-
+
"كانا في طريقهما إلى الفندق عندما اصطدمت السيارة بشاحنة نقل كبيرة ..."
+
" يا إلهي ..."
+
تمتمت بها منيرة غير مصدقة بينما تنهد سالم بأسف ...
+
قال براء متقدما نحو راغب يحييه :-
+
" أتمنى لها الشفاء العاجل يا راغب و لزوجها كذلك ..."
+
بادله راغب تحيته مرددا بهدوء :-
+
" أشكرك يا براء ..."
+
ثم توجه نحو عمته يجلس جانبها ويقبض على كفها مرددا بصدق :-
+
" ستكون بخير ... "
+
ربتت على كفه وهي تمنحه ابتسامة ضعيفة بينما يسرا تبادلت التحية برسمية مع نغم قبل أن تسأل راجي باهتمام :-
+
" هل وضعها خطير يا راجي ..؟!"
+
" اليومين القادمين سيحددان ذلك .. إذا مرت على خير ستكون تجاوزت مرحلة الخطر وتخرج من العناية المشددة حينها ..."
+
" بإذن الله ..."
+
قالتها بخفوت قبل أن تتجه نحو خالتها تمنحها التحية وتتبادل معها القليل من الكلام ...
+
اتجهت ببصرها بعدها نحو همسة التي بدت في عالم آخر غير منتبهة لما يحدث معها ...
+
تنهدت ثم تقدمت نحوها تحت أنظار راغب المتابعة لتجلس جانبها تهتف رغما عنها :-
+
" ستعيش باذن الله يا همسة ... ستتجاوز مرحلة الخطر وتعود سالمة ..."
+
التفتت نحوها همسة تتأملها بصمت امتد لثواني قبل أن تهمس برجاء :-
+
" أتمنى ذلك ..."
+
لم تستطع يسرا منع نفسها من الربت فوق كتفها قليلا وهي تخبرها بجدية :-
+
" أنت فقط تماسكي فهي تحتاجك أنت تحديدا عندما تستيقظ ...."
+
هزت همسة رأسها دون حديث بينما تلاقت عينا يسرا بعيني راغب لتبتسم باقتضاب وهي تنهض اتجاهه تخبره بهدوء :-
+
" أعلم مقدار غلاوتها عندك ... أتمنى لها الشفاء العاجل ...."
+
شكرها بصمت بينما بقيت يسرا بعد حوالي عشر دقائق أدت خلاهما الواجب ثم تحركت لتغادر المكان بعدها ...
+
ألقت تحية الوداع وتحركت مغادرة المشفى ورغما عن صلابتها وجمودها كان داخلها شعور صادق يتمنى لهالة أن تنجو من هذا الحادث بخير ...!
+
***
+
في الغرفة التي حجزها راجي لهم مدت همسة سجادتها ثم وقفت أمام القبلة برداء الصلاة ...
+
بدأت تصلي وتدعو طوال الليلة الثانية ...
+
تضرعت إلى الله طوال الليل ترجوه أن ينقذ شقيقتها ...
+
لم تتوقف ولا ثانية عن الصلاة وقراءة القرآن والدعاء بينما دموعها ترافق صلواتها ودعائها ...
+
حل فجر اليوم التالي عندما دلف راغب إلى الغرفة ليجدها تجلس فوق السجادة رافعة كفيها نحو الأعلى تدعو والعبرات تنهمر فوق وجنتيها دون توقف ...
+
توجه نحو الكنبة يجلس عليها يراقبها بصمت بينما مستمرة هي في دعائها ورجائها وتوسلاتها ...
+
وجدها تنهي صلاتها ثم تنهض من مكانها تخلع عنها رداء الصلاة وتضعه جانبا جانبه السجادة قبل أن تجلس فوق السرير بوجه منكس ...
+
نهض من مكانه وتقدم نحوها يجذبها نحو صدره فتبكي مجددا بشدة ...
+
أخذ يحرك يده فوق ظهرها بحنو بالغ حتى بدأت أنفاسها تهدأ تدريجيا فهمس بإسمها لتبتعد بوجهها قليلا عنه وتنظر له بعينيها الباكيتين وهي تقول :-
+
" لم تستيقظ ... "
+
أضاف باكية :-
+
" مرت أربعة وعشرون ساعة ولم تستيقظ ..."
+
قال محاولا تهدئتها :-
+
" ها أنت قلتيها .. أربعة وعشرون ساعة فقط والأطباء قالوا إنها ستبقى في العناية ما لا يقل عن ثمانية وأربعين ساعة ..."
+
لا يعلم إذا ما كان يقنعها أم يقنع نفسها قبلها ...
+
" ولكنها لم تفتح عينيها حتى ..."
+
تنهد قائلا :-
+
" ستفعل .. فقط اصبري ..."
+
" سأموت يا راغب .. والله سأموت ..."
+
همست بها باكية ليفتح بسرعة :-
+
" لا تقولي هذا ... ارجوك يا همسة ... هالة ستصحو قريبا .. باذن الله .. "
+
" يارب ..."
+
همست بها برجاء شديد بينما تضيف ببؤس :-
+
" ألا يكفي إنني خسرت والديّ ... لا يمكنني تحمل خسارتها هي أيضا ... هي كل شيء ... شقيقتي وابنتي وما تبقى لي من رائحة والدي ..."
+
قبض على ذقنها يدير وجهها مجددا نحوه يخبرها بثبات :-
+
" ستعيش ... ستنجو بسلام ... ثقي بذلك ..."
+
ابتسمت بخفوت والأمل يتدفق في روحها قبل أن تميل برأسها مجددا فوق صدره تغمض عينيها بتعب حتى غرقت في النوم رغما عنها وشعر هو بذلك فسارع يمددها فوق السرير بحرص ويجذب الغطاء فوقها ...
+
هم أن ينهض بعدها ليجدها تقبض فوق كفه وهي تهمس بصعوبة وعينيها مغمضتين :-
+
" ابقي جانبي ..."
+
خضع لطلبها وتمدد جانبها يجذبها نحو صدره محاوطا جسدها بجسده فتتشبث هي به مستسلمة لعناقه الآمن غافية بين ذراعيه ...
+
***
+
تقدم صلاح نحو والدته يقبلها من جبينها بينما لم تبدِ هي أي ردة فعل ...
+
شعر بفرحة لا إرادية فعلى الأقل والدته لم ترفضه كما فعلت في الفترة السابقة ...
+
جلس قبالها عندما سألت بجدية :-
+
" كيف حال شقيق نانسي ...؟! ألا أخبار جديدة تخصه ...؟!"
+
هز صلاح رأسه نفيا ثم قال متأسفا :-
+
" كلا ، ما زال كما هو ..لم يتغير حاله طوال اليومين السابقين ..."
+
" وزوجته المسكينة ..؟!"
+
" وهي كذلك ..."
+
نطق بها بنفس الآسف لتتنهد نجاة ثم تقول :-
+
" يا حسرتي عليهما .. شابان في عمر الورود يتعرضان لحادث مدمر كهذا وفي ليلة زفافهما ..."
+
" للأسف ..."
+
قالها صلاح بخفوت بينما هتفت نجاة وهي ترمقه بعينيها :-
+
" هل تعلم يا صلاح ...؟! ما حدث مع هذين الشابين يجب أن يكون عظة للجميع ...؟!"
+
وجمت ملامحه بينما أضافت بثبات :-
+
" يعني على الإنسان أن يدرك إن الحياة قد تنقلب تماما في لحظة واحدة ... لحظة واحدة قد تقلب عالمك ... وربما حياتك ... "
+
ازداد وجوم ملامحه بينما تهتف بحكمتها :-
+
" تخيل إن هذين الشابان كانا يعيشان أسعد لحظاتهما ...يخطوان أولى خطواتهما في حياتهما الجديدة وفجأة تدمر كل شيء .. في لحظة واحدة باتت حياتهما على المحك ... انهدم عالمها المنتظر قبل أن يبدأ حتى ...."
+
تنهدت تنهي حديثها :-
+
" علينا جميعنا أن نتعلم قيمة الحياة ونفهم إن لا شيء يدوم للإنسان سوى عمله الصالح وحسن أخلاقه ..."
+
لم يعلق على حديثها رغم إن كلماتها جعلته يشعر بنغزة مبهمة في قلبه ...
+
وجد مربية طفليه تتقدم نحويهما تخبرهما بتردد :-
+
" اليوم عطلتي يا هانم ..أنت تعرفين إنني لا أذهب إلى عائلتي سوى هذا اليوم فقط من كل أسبوع ..."
+
قالت نجاة بجدية :-
+
" أعلم ..."
+
ثم تحركت ببصرها نحو صلاح وهي تخبره :-
+
" ما رأيك أن تعتني أنت بهما اليوم ...؟! "
+
جحظت عيناه صلاح بينما تضيف هي :-
+
" الفتاة المسكينة لم ترَ عائلتها طوال الأسبوع ... ونانسي في المشفى .. وأنت فارغ لا شيء لديك كالعادة..."
+
" ولكن ..."
+
أوقفته نجاة بنظرة حازمة منه قبل أن تخبر المربية :-
+
" غادري أنت يا ابنتي .. السائق في الأسفل سيأخذك إلى منزل عائلتك كالعادة ..."
+
شكرتها المربية وتحركت بعدها بينما استدارت نجاة نحو ولدها بملامح صارمة جعلته يتراجع عما كان ينتويه من رفض شديد لمطلبها ...
+
صدح صوت نجاة يأمره :-
+
" ماذا سيحدث إن تحملت الولدين ليوم ..؟! يوم واحد فقط يا صلاح .. لولا ظرف نانسي ما كنا لنحتاجك ..."
+
همس بخفوت :-
+
" أنا فقط لا أعرف كيف أعتني بهما ..."
+
" أنا لا أطلب منك حل معادلة كيميائية .. فقط ابقى معهما .. راقبهما وإذا ما أرادا الطعام نادي على الخادمة لتطعمهما ..."
+
مط شفتيه يتسائل بوجوم :-
+
" وإذا ما إحتاجا تغيير حفاضاتهما...؟!"
+
" الخادمة موجودة ..."
+
قالتها بجدية وهي تضيف بحزم :-
+
" ولكن إياك أن تفعلها وتطلب من الخادمة أن تبقى معهما وتأخذ أنت راحتك ... الخادمة ليست مربية لهما .. يكفي إنها ستضطر أن تطعمهما وتغير حفاضاتهما رغم إن ذلك ليس عملها ..."
+
" حسنا ..."
+
قالها مرغما قبل أن ينهض من مكانه مغادرا صالة الجلوس بحنق ...!
1
***
+
اتجه صلاح نحو غرفة الطفلين ليقابل في طريقه ماذي التي وقفت أمامه محيطة خصرها بكفيها ليرفع حاجبه متسائلا بنزق :-
+
" نعم ..."
+
" أريد أموال ..."
+
قالتها ببساطة ليهتف بنفس البساطة :-
+
" لا يوجد أموال ..."
+
" أريد أموال يا صلاح وحالا ..."
+
قالتها بحدة عندما وجدته يخرج قماش جيبه الداخلي وهو يخبرها ببلادة :-
+
" انظري هيا ... لا أموال في جيبي ..."
+
عقدت ساعديها أمام صدرها تخبره وهي تستند بجسدها على الحائط جانبها :-
+
" حسنا يا صلاح .. سأنتظر شريف عندما يعود مساءا لأعرض عليه الفيديو ..."
+
أوقفها بسرعة :-
+
" ألن تتوقفني عن حقارتك ..؟!"
+
مطت شفتيها تخبره ببرود :-
+
" أخبرتك أن تمنحني المبلغ المالي الذي طلبته وسأغادر حياتك دون رجعة ..."
+
" لا يوجد لدي هذا المبلغ ، لماذا لا تفهمين ..؟!"
+
هتف ضائقا منها لتخبره ببرود :-
+
" إذا سأبقى هنا ..وأنت مجبر أن تصرف علي وتلبي إحتياجاتي ..."
+
ثم مدت أناملها تلمس عنقه وهي تخبره بنبرة مغرية :-
+
" أم نسيت إنني زوجتك ومسؤولة منك يا زوجي العزيز ..."
+
تجهمت ملامحه بضيق عندما اتجه نحو غرفته مغلقا الباب في وجهها قبل أن يخرج مجددا ويمنحها البطاقة لتخطفها منه سريعا وتغادر راكضة بينما زفر هو أنفاسه ببطأ قبل أن يرفع وجهه نحو الأعلى يتمتم برجاء :-
+
" خلصني منها يارب .. لتصدمها سيارة أو يفترسها أي كائن بشري ... فقط خلصني منها ..."
1
ثم تحرك بيأس متجها نحو غرفيه طفلين ليجدها جالسين فوق الأرضية يلعبان وألعابهما متناثرة حولهما بينما تقدمت المربية نحوه وهي تبتسم مرددة بسماحة وفي يدها حقيبة متوسطة الحجم :-
1
" أنا سأغادر يا بك وأعود غدا مبكرا باذن الله ..."
+
أومأ برأسه على مضض قبل أن يتحرك ويجلس على الكرسي المقابل لهما عندما وجد كاميليا ترفع بصرها نحوه للحظة فتأملها وهي تنظر نحوه بحاجب مرفوع قبل أن تعود إلى اللعب مع شقيقها المنشغل في اللعب هو الآخر ...
+
مرت حوالي ساعتين وهو جالس يتابعهما بملل عندما نهض من مكانه مغادرا الغرفة متجها نحو الخادمة يخبرهما :-
+
" تعالي ساعديني كي ينامان ..."
+
" ما زال الوقت مبكرا على نومهما ..."
+
قالتها الخادمة بجدية ليرفع حاجبها يخبرها بغلظة :-
+
" كلا هذا الوقت المناسب ... هيا تعالي ..."
+
تنهدت الخادمة باستسلام تتبعه عندما وجدته يخبرها بجدية :-
+
" هيا .. نوميهما في سريرهما ... حسنا ..."
+
ثم تحرك دون أن ينتظر منها جوابا ...
+
وبعد حوالي نصف ساعة وجد الخادمة تطرق على الباب ليتسائل بحيرة عما يحدث فتخبره بخفوت :-
+
" لا يريدان النوم ..."
+
" عفوا ..."
+
كررت حديثها :-
+
" الصغيران يرفضان النوم يا بك ..."
+
أضافت بسرعة :-
+
" وأنا لدي عمل ..."
+
ثم تحركت بسرعة دون أن تنتظر جوابه ليبرم شفتيه بأسى قبل أن يتحرك مرغما نحو غرفة ولديه فبقي يحاول معهما كي ينامان دون فائدة ...
+
يضع كريم فوق السرير ثم يتجه لوضع الأخرى فيجد ولده يصغر رافضا البقاء في سريره ثم يحدث نفس الشيء بعدما يضع كاميليا في سريرها ...
+
وبعد محاولات كثيرة فاشلة استسلم لهما وتركتهما يلعبان بينما هو يجلس قبالهما بملامح بائسة وعلى ما يبدو سيضطر أن يقضي اليوم كاملا معهما ...!
+
***
+
فتح عينيه على صوت رنين هاتفه ...
+
اعتدل في جلسته وهو يسحب هاتفه ليجد شقيقته تتصل به ..
+
ابتسم لا إراديا وهو يسحب الهاتف مجيبا عليها ليأتيها صوتها المرح :-
+
" كيف حالك ...؟!"
+
رد بسرعة :-
+
" بخير يا حلوتي ..."
+
ثم رفع الغطاء عنه وهبط من فوق السرير بينهما يسألها بإهتمام :-
+
" أخبريني ، كيف حالك ...؟! "
+
أجابت بجدية :-
+
" مشغولة بالدراسة كالعادة ..."
+
" ادرسي جيدا يا سولاف ... أريد معدلا عاليا ..."
+
قالها بجدية لا تخلو من الحزم لتهتف بسرعة :-
+
" أعدك إنني سأفعل .. "
+
أكملت مشاغبة :-
+
" وسأدخل كلية العلوم السياسية مثلا ..."
+
" ادخلي التخصص الذي تريدينه ..."
+
قالها بجدية مضيفا بصدق :-
+
" ما يهم أن تدرسي ما ترغبينه ..."
+
تنهدت تخبره :-
+
" ليت زمرد هانم كانت تمتلك نفس التفكير ..."
+
أضافت بتردد :-
+
" لو تدرك ما فعلته عندما علمت بسفرك خارجا دون علمها ..."
+
زفر أنفاسه مرددا :-
+
" يمكنني التوقع ..."
+
" كادت أن تهجم القصر فوق رؤوسنا ..."
+
أضافت بخفوت :-
+
" لم أرها غاضبة إلى هذا الحد مسبقا ..."
+
أكملت بصدق :-
+
" كما إنني شعرت بندمها ..."
+
قال بهدوء :-
+
" زمرد هانم لا تعرف الندم يا سولاف ... ما شعرت به مجرد شعور مؤقت سيزول بسرعة ثم تعود إلى سابق عهدها ..."
+
" معك حق ..."
+
قالتها بإحباط وداخلها يدرك صدق حديثه بينما سألها هو عن حالها مجددا وتبادل الأحاديث معها قبل أن يودعها ثم يتجه نحو حمامه يأخذ حماما دافئا ...
+
غادر بعدها الحمام مرتديا ملابس بيتية مريحة متجها إلى الخارج حيث المطبخ ليعد فطورا سريعا له ...
+
أنهى تناول فطوره وتحرك نحو صالة الجلوس حاملا معه كوب قهوته بينما يعبث بهاتفه قبل أن يجلس على الكنبة واضعة الكوب على الطاولة أمامه وهو مازال يعبث في الهاتف ويقلب في مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن يتجمد مكانه وعيناه تقرئان ما يراه ...
+
" حادث سير خطير كاد أن ينهي حياة شابين في ليلة زفافهما .."
+
وصورتها الموضوع إلى جانب عريسها من ليلة الزفاف صعقته ...!
+
***
+
كان يتحرك داخل المكان وهو لا يعرف ماذا يفعل ...
+
يحاول أن يستوعب ما قرأه ...
+
يتسائل عن وضعها ...
+
هل هي حية ..؟!
+
الخبر بتاريخ يعود لقبل يومين وحسب ما هو مكتوب فإن وضعها خطير للغاية ...
+
ربما فقدت حياتها ...
+
عند هذه النقطة نبض قلبه بعنف ...
+
ألم حارق داهم قلبه ...
+
شعر بقلبه ينشطر لنصفين وفكرة موتها تبدو بشعة إلى حد توقف قلبه عن النبض ...
+
جذب الهاتف سريعا متصلا بصديقه ...
+
كان عادل أول شخص خطر على باله ..
+
أتاه صوت الأخير يرحب به متوترا عندما بادره هو القول :-
+
" هالة يا عادل .. "
+
سمع صوت أنفاس عادل المتسارعة قبلما يقول بخفوت :-
+
" عرفت إذا ..."
+
تمنى لو ينكر ...
+
لو يكون خبر كاذب ...
+
حادث بسيط مر بخير ...
+
لكن حديث عادل أكد له صدق الخبر ونبرته أخبرته بخطورة الوضع ..
+
قلبه ينتفض ...
+
قلبه سيتوقف ...
+
روحه تختنق ...
+
أنفاسه تتسارع بشكل مخيف ...
+
الرعب ينهش خلاياه ...
+
الدموع غزت عينيه دون رحمة ...
+
كانت المرة الأولى التي تدمع بها عيناه ...
+
لم يجرب ذلك من قبل ...
+
فكرة رحيلها منحته شعورا مهلكا ...
+
الحياة باتت معتمة كعتمة روحه في تلك اللحظة ...
+
بالكاد إستطاع أن ينطق :-
+
" لم تمت ... أخبرني إنها لم تمت .... أرجوك ..!"
+
لحظات وصدح صوت عادل الهادئ يخبره بتروي :-
+
" كلا يا أثير .. لم تمت ..."
+
تنفس الصعداء ...
+
لم تدم راحته لثوان قبل أن يندفع بتساؤل قلق مذعور مثل قلبه تماما :-
+
" كيف حالها ..؟! هي بخير ... هل تجاوزت مرحلة الخطر ..؟!"
+
أتاه صوت عادل الذي تحدث مع فيصل البارحة ليطمئن عليها متأسفا لما حدث :-
+
" وضعها خطير ... هي تحت المراقبة في غرفة العناية المشددة ..."
+
" لن تموت ..."
+
قالها أثير بخفوت يرجوه أن يؤكد له حديثه عندما سمع تنهيدة عادل قبل أن يقول :-
+
" بإذن الله ستعيش ..."
+
" لا تكذب علي يا عادل .. هل وضعها سيء للغاية ..؟! هل هناك إحتمالية خسارتها ...؟!"
+
سأل بغضب مكتوم ليجيب عادل بصدق :-
+
" صدقني لا أعلم كيف هو الوضع بالضبط ... الحادث كان صعبا و ..."
+
توقف وهو يستمع لصوت صياح الآخر بإنفعال مخيف :-
+
" اللعنة .. لم حدث ذلك ..؟! لم ..؟!"
+
" إهدأ يا أثير ... ارجوك ..."
+
قالها عادل محاولا تهدئته عندما صاح أثير بلا وعي :-
+
" كيف سأهدأ ...؟! هالة تموت .. تموت يا عادل ..."
+
" لا تقل هذا ..."
+
قالها عادل بتوتر ليضحك أثير والدموع تتساقط من عينيه مرددا بنبرة غير مستوعبة لكل هذا الجنون :-
+
" ماذا سيحدث ..؟! لا يعقل أن تكون هذه النهاية .. مستحيل يا عادل ..."
+
صرخ بأعلى صوته قبل أن يرمي الهاتف على الكنبة جانبا :-
+
" مستحيل ..."
+
ثم أخذ يتحرك بأنفاس لاهثة كأسد جريح لا يعرف ماذا يفعل ...
+
شعر بالعجز فتساقطت دموعه رغما عنه ...
+
لا يمكن أن تكون هذه النهاية ...
+
لا يمكن أن تموت ...
+
لحظات وعادت القوة تكسر ملامحه بينما يندفع نحو الهاتف يحمله متجاهلا رنينه باسم صديقه مرددا من بين أنفاسه الثائرة :-
+
" لن تموتي يا هالة ... لن أسمح لك بذلك ... أبدا ..."
+
ثم أجرى اتصالا سريعا يحجر أول تذكرة رجوع إلى البلاد ...
+
" العشق جنون ... وهو رجل لا يمانع أن يجن في سبيل عشقها .."
1
***
+
في غرفتها كانت تسير حائرة مترددة رغم إنها اتخذت قرارها بتركه ...
+
قرار لا رجعة فيه فهذا الرجل لا يناسبها ...
+
هي أرادت أن تهرب إليه من عشق رجل آخر لتدرك فيما بعد إنه آخر رجل يمكنها أن تهرب إليه ...
+
لا تهتم بردة فعل والدتها ...ولن تهتم كذلك بجديث الناس حوّلها ...
+
يوم بعد يوم تأكدت إنها لا تستطيع معاشرة هذا الرجل إطلاقا ...
+
نضال شخص غريب .. غامض ومعقد ...
+
هو كالقمر تماما ...
+
وسيم إلى درجة خيالية ...
+
يلمع بوسامته المهلكة بينما واقعيا هو مجرد جسم صخري معتم ...
+
هكذا هو نضال ...
+
شخص مظلم تماما ...
+
شخص كالروبوت في كل تصرفاته حيث لا مشاعر ولا انفعالات ...
+
بلا قلب ولا مشاعر ولا أي شيء ...
+
تنهدت بتعب وهي تتصل به ...
+
تؤكد عليه موعدهما بعد ساعتين ثم تتحرك لتأخذ حماما سريعا تتبعه بارتداء ملابسها ...
+
ارتدت بنطالا من القماش الأسود فوقه سترة رسمية ذات لو بني غامق أسفلها قميص أسود الللون كذلك ...
+
ارتدت حذاء بكعب متوسط الطول كعادتها ثم رفعت شعرها عاليا ووضعت القليل من زينة الوجه ...
+
تحركت تغادر المكان لتجد والدتها في طريقها فسألتها عن وجهتها لتخبرها باقتضاب إنها ستقابل نضال متجاهلة سبب اللقاء غير آبهة بنظرات والدتها الفرحة بهذه الخطبة المشجعة لها على الدوام ...
+
في المطعم جلست تنتظره على احدى الطاولات ...
+
وجدته يدلف بعد دقائق بملامحه الجامدة على الدوام ...
+
جلس قبالها ملقيا التحية ببرود ملازما له ...
+
" أسمعك ..."
+
نطق بها لتهتف بخفوت :-
+
" أعتذر إذا ما طلبت رؤيتك في وقت أنت مشغول به ..."
+
تراجع في جلسته يخبرها ببرود :-
+
" نعم كنت مشغولا للغاية .. أنت تعلمين إننا في فترة افتتاح الشركة ... هذه الفترة لا أكاد ألتقط نفسي بسبب ضغط العمل ورغم ذلك أصريت على هذا اللقاء ..."
+
همست مضطربة :-
+
" اضطررت لذلك .. لو لم يكن هناك موضوعا ضروريا لما فعلت ..."
+
توقفت وهي ترى النادل يتقدم نحويهما مرحبا بهما واضعا أمام كلا منهما قائمة الطعام يتبعه نادل آخر يصب المياه الباردة لكليهما ...
+
صرفه نضال بسرعة ما إن انتهى من صب المياه ثم سألها بجدية :-
+
" على ما يبدو إن هذا الموضوع ضروري لا يقبل التأجيل .."
+
اومأت برأسها ثم نطقت بخفوت :-
+
" أريدك فقط أن تتفهم حديثي ..."
+
" ماذا تريدين يا أروى ..؟!"
+
سأل بنفاذ صبر لتخفض عينيها بتوتر تملك منها قبل أن ترفعها بعد لحظات نحوه فتظهر نظراتها المترددة بشدة بينهما تهمس بصعوبة :-
+
" أريد فسخ الخطبة ...!"
+
ثم توقفت وهي تتأمل نظراته الثابتة بطريقة مريبة ...
+
تسائل ببرود مثير للمزيد من الريبة :-
+
" لماذا ..؟!"
+
أجابت بخفوت :-
+
" نحن لا نناسب بعضنا ... يعني غير متفقين وأنت بالتأكيد لاحظت ذلك ..."
+
" لا أهتم ..."
+
قالها بثبات لتهمس بحيرة :-
+
" ولكنني أهتم ..."
+
" كان اختلافنا واضحا منذ البداية يا أروى ... هل يعقل إنك لم تلاحظي ذلك حتى اليوم ..؟!"
+
تسائل بنفس الملامح الجامدة الغير واضحة لتجيب مبررة :-
+
" لم أكن أعرفك جيدا ..."
+
ابتسم ببرود مرددا :-
+
" وما زلت لا تعرفيني أبدا ..."
+
أكمل ونظراته الجامدة تحاوطها بطريقة أرسلت القشعريرة في جسدها :-
+
" لإنك لو كنت تعرفينني ولو قليلا حتى ما كنت لتطلبي شيء كهذا ..."
+
" ماذا تقصد ...؟!"
+
سألت بصوت مرتبك ليجيب ببساطة :-
+
" لن يحدث ما تريدينه ...."
+
" لماذا ...؟! "
+
تسائلت بعدم استيعاب ليجيب ببساطة :-
+
" لإنني لا أريد ذلك ...."
+
أضاف بنظرات واثقة :-
+
" وطالما أنا لا أريد حدوث ذلك فلن يحدث أبدا ..."
+
نطقت بعدم استيعاب :-
+
" أنت تمزح ..."
+
هتف ضاحكا :-
+
" ألم أقل إنك لم تعرفيني جيدا ...؟!"
+
نطقت بصوت محتقن :-
+
" نضال من فضلك ..."
+
شهقت بصوت مكتوم عندما وجدته يقبض على كفها ضاغطا فوقه بقسوة آلمتها بينما اللهيب المتراقص في عينيه الزرقاوين أرعبها تماما ....
+
همس بصوت خرج كالفحيح وأناملها تلمس خاتمه الذي يطوق بنصرها :-
+
" لا أتذكر إنني أجبرتك أن ترتدي خاتمي ... لا أتذكر إنك تأخرتي في جوابك حتى .. وافقت برضا تام .. ارتديتِ خاتمي بنفس الرضا ... إن كنت تعتقدين إن خلع هذا الخاتم بسيطا كإرتدائه فأنتِ موهومة تماما ... أنا من وضعت هذا الخاتم في بنصرك وأنا فقط من سيخلعه عنه ... "
+
سحبت يدها بعنف تهمس بعدم استيعاب :-
+
" أنت مجنون ..."
+
نطق بملامح قاتمة :-
+
" الجنون الحقيقي سترينه فيما بعد عندما تصرين على قرارك ...."
+
أكمل وهو يتراجع مجددا في جلسته :-
+
" لا أحد يقرر نيابة عني يا أروى ..."
+
" لا أريدك ..."
+
خرجت منها مشحونة بمشاعر تجمع بين الرفض والخوف ليخبرها ببرود :-
+
"صدقي إنني لا أتوق إليك إطلاقا ...."
+
ثم شملها بنظراته وهو يضيف :-
+
" أنا حتى لا أشعر بأي إنجذاب نحوك ...."
+
تابع الدموع التي ترقرقت في عينيها فشعر بالتشفي وهو يضيف بقسوة :-
+
" لكنك تناسبين متطلباتي ... "
+
عاد يشملها بذات النظرة المستهينة وهو يضيف :-
+
" وبالنسبة لك فأنا أكبر من تطلعاتك بمراحل وكلانا يعلم إن رجلا مثلي كان حلما بالنسبة لك .. فأنت لا تمتلكين آية مقومات تجذب الرجال ناهيك عن عمرك الذي تجاوز الحادية والثلاثين .. وكلانا يعلم جيدا إن تجاوز المرأة سن الثلاثين دون زواج يجعلها في نظر المجتمع ..."
+
توقف يلوي ثغره قليلا ثم يضيف بخبث وكلماته تجلد قلبها دون رحمة :-
+
" ماذا يطلقون عنها ...؟! عانس ، أليس كذلك ..؟!"
+
" يكفي ..."
1
صاحت به باكية وهي تنهض من مكانها تسحب حقيبتها بعنف وتندفع خارجا متجاهلة نظرات الناس التي لاحقتها بدهشة بينما سحب هو القدح أمامه يرتشف منه المياه الباردة قبل أن يشير إلى النادل يخبره عن طعامه المفضل ..!
1
***
+
فتحت عينيها بصعوبة ...
+
صوت راجي يخترق مسامعها بينما هي تجاهد لتحريك شفتيها ...
+
تستعيد وعيها تدريجيا وكلما ازداد وعيها تضاعف ألم جسدها ....
+
" كرم ...!"
+
خرجت منها أخيرا ضعيفة بعد محاولات عسيرة ...
+
ثواني وفتحت عينيها كاملا لينحني راجي نحوها يهتف بإبتسامة مرهقة :-
+
" وأخيرا يا هالة ... الحمد لله على سلامتك يا حبيبتي ..."
+
ثم تنهد بقليل من الراحة قبل أن يشير إلى الممرضة ليجري الفحوصات المبدئية لها ليطمئن على صحتها قليلا ثم يخرج مبشرا العائلة التي تنتظره خارجا بلهفة بعدما علموا إنها بدأت تستيقظ أخيرا ...
+
انتهى من فحصها أخيرا وقد اطمئن عليها بعدما استجابت لجميع الفحوصات المطلوبة ليهمس اليها مجددا :-
+
" كيف تشعرين الآن ..؟!"
+
تجاهلت سؤاله بينما تسأله بصوت خرج متقطعا :-
+
" كرم .. هل هو بخير ...؟!"
+
أومأ برأسه يخبرها مرغما :-
+
" بخير .. اطمئني ...."
+
أضاف متأملا وجهها المليء بالخدوش بأسف :-
+
" ستدخل همسة إليك بعد قليل ... ثم ماما ... "
+
تحرك يمنح الممرضة معلومات قبل أن يتحرك خارج الغرفة ليجد الجميع واقفا ينتظره عندما صدح صوت زهرة المرتجف :-
+
" كيف حالها ..؟! أخبرني ..."
+
تنهد يجيب براحة :-
+
" هي بخير .. وتجاوزت مرحلة الخطر بالفعل ..."
+
اندفعت همسة إلى الداخل دون أن تنتظر سماحه لها بذلك بينما سارعت زهرة تقبض على يد زوجها الذي سارع ينادي عليها بقلق تحول إلى صيحة بعدما انهارت فاقدة للوعي بين ذراعيه ...
+
***
+
غادرت توليب الغرفة التي تقطن بها والدتها بملامح منهكة ...
+
الثلاثة أيام السابقة كانت الأصعب في حياتها ...
+
لا تعتقد إنها ستعيش أياما أكثر صعوبة من هذه الأيام ...
+
جلست على الكرسي جانبها بإرهاق ...
+
والدتها التي انهارت بعدما أنهكتها الأيام السابقة وعلى ما يبدو إنها بقيت تتحامل حتى إطمئنت على ابنتها الروحية فسمحت لنفسها حينها أن تنهار ...!
+
أغمضت عينيها تتراجع إلى الخلف برأسها بينما تحيط جسدها بساعديها ...
+
رغم كل التعب الذي تشعر به لكن نجاة هالة أعادت الروح إليها ورغم ذلك هي تشعر إنها ستنهار قريبا مثل والدتها ...!
+
في نفس التوقيت جاء إياس الذي كان متواجدا بجانب عائلتها اليومين السابقين ...
+
وقف يتأملها بملامحها التي فقدت بريقها ...
+
الإنهاك الذي ملأ روحها قبل ملامحها...
+
أشفق عليها ...
+
لقد رآها الأيام السابقة وهي تحافظ على تماسكها قدر المستطيع ...
+
تدعي الثبات أغلب الوقت بينما تنهار قليلا رغما عنها وتعاود الثبات مجددا بطريقة تثير إعجابه ...
+
رغم هشاشتها الظاهرة هي تحمل جانبا قويا صامدا يستطيع الثبات في وجه العواصف ...
+
كانت الأجواء غريبة عليه تماما حيث العائلة كلها نافرة لأجل ابنة الخالة ..
+
النساء لا يتوقفن عن البكاء وحتى الشباب رغم صمودهم القلق بل الرعب من الخسارة يظهر عليهم بوضوح ..
+
فكر داخله إنه لا ينتمي لهذه الأجواء ...
+
لا تشبهه هذه الأجواء بتاتا ..
+
حيث العائلة المتكاتفة دائما ...
+
حيث الجميع ينقلب عالمه إذا ما أصاب أي فرد منها مشكلة ما ...
+
تنهد وهو يتقدم نحوها مناديا اسمها بخفوت لتفتح عينيها وهي تعتدل في جلستها سريعا قبل أن تسارع في النهوض من مكانه والتقدم تخبره بفرحة عارمة:-
+
" هالة استيقظت يا إياس وهي بخير ..."
+
فرحتها بإستيقاظ ابنة خالتها وشقيقتها بالرضاعة كما عرف طغت على ملامحها ولمعة عينيها قبل أن يتفاجئ بها تعانقه وهي تهمس بنبرة صادقة :-
+
" أنا سعيدة للغاية ... سأطير من سعادتي ..."
+
تصلب لوهلة وعناقها فاجئه لكنه سارع يحتضنها بدوره وعقله رغما عنه شرد حيث مدى ارتباطها بابنة خالتها وقوة تعلقها بها لهذه الدرجة الغير معقولة ...
+
وبحماقة سأل نفسه إذا ما كانت ستتعلق يوما به وتحبه لهذا الحد ..؟!
+
هل ستحبه بهذه الطريقة ..؟!
+
وهل ستتحطم بتلك الطريقة لو فقدته ..؟!
+
وجد نفسه يحتاج لذلك ...
+
يحتاج أن تحبه كما تحب هالة ...
+
يحتاج ذلك أكثر من أي شييء ...
+
ابتعدت عنه بوجنتين متوردتين بعدما استوعبت ما فعلته ...
+
هتف وهو يبتسم لها بهدوء :-
+
" الحمد لله على سلامتها ..."
+
شكرته بصمت قبل أن تقول بأسف :-
+
" ماما في الداخل .. فقدت وعيها قبل قليل .. لم تتحمل الإرهاق والضغط النفسي التي تعرضت له الفترة القادمة ..."
+
" معها حق .. الأيام السابقة كانت صعبة للغاية .."
+
همسن مؤكدةً حديثه :-
+
" كثيرا ..."
+
جذبها من كفها يخبرها بحرص :-
+
" متى ستعودين إلى القصر وترتاحين ...؟! أنت تحتاجين لساعات طويلة من النوم ..."
+
قالت بسرعة :-
+
" لن أترك هالة قبل أن تتعافى تماما ..."
+
ثم أكملت بتذكر :-
+
" كما إنني يجب أن أدخل عندها الآن وأراها وأطمئن عليها ..."
+
تحركت بعدها سريعا تاركة إياها يتابعها بصمت وهذا الاهتمام الذي ترنو به على الجميع يريده بشده ...
1
يريده له وحده ...
+
***
+
الأيام تمر ووضع شقيقها كما هو ....
+
زوجته استيقظت بعد أقل من ثلاثة أيام ووضعها يتحسن تدريجيا بينما شقيقها دخل في غيبوبة لا تعرف متى سوف يستيقظ منها ...
+
تذكرت ما تلا يوم إفاقة زوجته حيث تدهورت حالته فجأة وتعرض لنزيف جديد في منطقة المخ ليسارع الأطباء في إدخاله إلى غرفة العمليات مجددا يحاولوا السيطرة على النزيف بصعوبة ...
+
سيطر الأطباء على الوضع بمعجزة كما قال راجي الهاشمي الذي بات يتابع وضعه بنفسه وها قد مرت خمسة أيام وما زال كما هو ...
+
أغمضت عينيها بيأس ...
+
شعرت بصوت خطوات بطيئة منها فالتفتت بوجهها نحو الجانب لتجدها أمامها تستند على الممرضة ...
+
اشتعلت عينيها بحقد دفين لم تستوعبه الأخرى والتي جل همها كان منصبا على ذلك الممدد فوق السرير والأجهزة الطبية والأسلاك تحيط جسده من جميع الجوانب ...
+
أدمعت عيناها وبعد ثواني كانت الدموع تنهمر فوق وجهها ...
+
لمست الزجاج الفاصل بينهما بأناملها بينما تهمس بصوت خافت :-
+
" استيقظ يا كرم .. أرجوك استيقظ ..."
+
اقتربت هايدي خطوتين منها فباتت جانبها تماما ...
+
ثواني وهمست بصوت حاد رغم خفوته :-
+
" قتلتيه ... "
+
أجفلت هالة بينما هايدي تضيف بقسوة متعمدة :-
+
" كل شيء حدث بسببك ... سنخسر شقيقنا بسببك ..."
+
قالت هالة بسرعة وهي تلتفت نحوها :-
+
" هايدي أنا ..."
+
صاحت هايدي بصوت ناقم :-
+
" أنت لعنة أصابت حياة شقيقي ودمرتها تماما ...بسببك شقيقي يصارع الموت ... بسببك حدث كل هذا .. ليته لم يرك ... ليته لم يلتقِ بك أبدا ..."
+
شهقت هالة باكية بينما تهمس من وسط بكائها :-
+
" لا دخل لي ..."
+
سارعت هايدي تقبض على ذراعها بقوة جعلت هالة تصرخ آلما تجاهلته هايدي وهي تشدد من قبضتها كي تتألم أكثر بينما تخبرها بصوت كالفحيح :-
+
" تألمي يا هالة .. تألمي كثيرا .. تذوقي طعم الألم يا حقيرة .. "
+
أضافت بوعيد أرعبها :-
+
" ستدفعين الثمن غاليا يا هالة .. سأجعلك تندمين على ما فعلته بشقيقي ... ستكرهين اليوم الذي ولدتِ فيه بسببي ..."
+
أنهت حديثها وهي تدفعها بقوة حتى كادت أن تسقط أرضا لولا الممرضة التي قفزت من مكانها تسندها بينما هالة تنظر لها بعدم تصديق وهايدي تشير نحو الغرفة الموجود بها شقيقها تصيح بها :-
+
" ما يعايشه شقيقي الآن هو بسببك ... أنت سبب دماره ... أنت المصيبة التي ابتلينا جميعنا بها .. أنت الحرباء التي دخلت حياتنا وخربتها .. لعنة الله عليك ... ليتكِ متِ في تلك الحادثة وتخلصنا منك .. ليتك لم تستيقظي من تلك الحادثة ..."
+
لم تتحمل هالة سماع المزيد ...
+
أصابها دوار جعلها تترنح في وقفتها حتى سقطت أضرار فاقدة للوعي وآخر ما سمعته صوت الممرضة التي تصرخ بزملاؤها بينما هايدي تنظر لها بشماتة ...!
2
***
+
مساءا ...
+
خرجت الممرضة سريعا من غرفته لتنتفض هايدي من مكانها بجزع وكذلك نانسي بينما وقفت ممرضة أخرى في وجههما تخبرهما بحزم إن الدخول ممنوع ..
+
" ماذا يحدث ..؟! ليخبرنا أحدكم ..؟!"
+
نطقت الممرضة بعملية :-
+
" المريض استيقظ أخيرا ..."
+
شهقت نانسي بفرحة بينما سألت هايدي بلهفة :-
+
" حقا ..؟! هل استيقظ ..؟!"
+
اومأت الممرضة برأسها وهي تخبرهما بصلابة :-
+
" سيأتي الطبيب الآن ويقيم حالته لذا من فضلكما ابتعدا من أمام الغرفة ..."
+
دقيقتان وأتى الطبيب الذي يشرف على حالته منذ البداية بعدما سارع يتصل براجي يخبره بإفاقة المريض أخيرا ...
+
بدأ الطبيب يجري الفحوصات المطلوبة كي يتأكد من سلامة أعضاءه الحيوية وتفاعله مع المحيط بشكل سليم ..
+
تأكد من سلامة سمعه وبصره ثم بدأ يفحص الأطراف ...
+
اليد يمنى أولا حيث سارع كرم يحركها ما إن ضغط عليها برأس دبوس مخصص لهذه الحالات ...
+
أتى دور اليد اليسرى حيث بدأ الطبيب يضغط عليها بالدبوس دون أن يحصل على أي استجابة منه ...
+
حاول مجددا دون فائدة ...
+
اتجه نحو كرم يسأله :-
+
" بم تشعر الآن يا كرم ...؟!"
+
ثم عاد يضغط برأس الدبوس فوق الذراع اليسرى عندما خرج صوت كرم الضعيف يهمس بصعوبة :-
+
" صداع .... "
+
تنهد الطبيب ثم ابتعد لوهلة ينظر إلى الممرضة التي تطالعه بأسف قبل أن يكمل فحص بقية الأطراف ...
+
أتى راجي بعد قليل ليجد الطبيب انتهى من الفحص وقد تم نقله إلى غرفة عادية ...
+
اتجه نحو كرم يهمس لها بكلمات داعمة بينما تقدم نحوه الطبيب والذي ما زال معه يخبره بملامح متأسفة :-
+
" وضعه الصحي مستقر ولكن ... "
+
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
+
" يده اليسرى شُلت ... "
+
انتهى الفصل
+