اخر الروايات

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل السادس عشر 16 بقلم نرمين نحمد الله

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل السادس عشر 16 بقلم نرمين نحمد الله


*********


+



الفصل السادس عشر:


+



خرجت آسيا باكراً عند شروق الشمس من غرفتها التي عاشت فيها طوال الشهور السابقة...

تحمل حقيبتها الصغيرة التي قدمت بها هنا أول مرة...

أغلقت الباب خلفها برفق وهي تنظر للمنزل الكبير...

ليتها تستطيع توديع العم كساب...

الرجل الذي أحبته كوالدها وعوضها بحنانه طوال هذه الفترة!!!


+



ليتها تستطيع توديع ياسين الصغير...

ليتها تستطيع إخباره أنه عوضها عن كل المشاعر التي افتقدتها ...

ليتها تخبره أن رحيلها عن هنا ليس بيدها...

لكنه لصالحه ولصالح والده!!!


+



والده!!

تنهدت في حرارة وهي تتذكر بدر...

لابد أنه الآن يظن بها سوءاً بعد كل ما عرفه منها...

بل وسمعه من ذاك الحقير...

لابد أنه يشعر بالقلق من أن ينفذ ذاك الوغد تهديده ويخبر عائلتها...

لن تلومه لو تمني رحيلها عن عالمه الذي حافظ عليه طيلة هذه السنوات...

قلعته الحصينة التي احتمي خلفها مع سمية بحبهما...

وتوشك فتاة -مثلها-علي تدميره!!!


+



لكنها سترد له دينه الذي يطوقها...

سترحل عن هذا المكان حتي لا تسبب له المزيد من المشاكل...

صحيح أنها لا تدري أين يمكنها الذهاب...

لكن...لا يهم...

المهم أن ترحل من هنا بأي طريقة...

وبعدها ستتدبر أمرها...


+



ستتعلم كيف تكون قوية وتنفض عنها ضعفها هذا...

ستعلمها الحياة أن تكون أشرس وأقوي...

ومن يدري؟!

ربما عادت إليهم يوماً عندما تتحسن الظروف...

لتطمئن علي أحوالهم...


+



هذا ما كانت تواسي به نفسها وهي في طريقها للباب الخارجي للمزرعة...

وهي تتذكر أول مرة جاءت فيها إلي هنا مع بدر ونغم...

وسمية الغالية...

تذكرت سمية ففاضت عيناها بالدمع وهي تهمس في نفسها:

_كم أفتقدك الآن يا صديقتي...كم أفتقدك...!!


+



توقفت مكانها للحظات...

لتأخذ نفساً عميقاً تكتم به دموعها...

عندما سمعت صوته خلفها:

_كنت أعرف أنك ستفعلين هذا!


+



التفتت إليه مصدومة...

فاقترب بدر منها ليقول بهدوء عاتب:

_إلي أين ستهربين هذه المرة أيضاً؟!

أطرقت برأسها لحظات تبتلع صدمتها ثم قالت بحزن:

_لا يهم...المهم أن أغادر هذا المكان.


+



أخذ نفساً عميقاً ثم قال بعتاب:

_هل تعلمين أنني لم أنم الليلة الماضية كلها بسببك...كنت أعلم أنكِ ستختارين الهروب ...دوماً تصدقين توقعاتي في ضعفك يا آسيا...


+



هزت رأسها لتقول دون أن تنظر إليه:

_ليس ضعفاً هذه المرة يا بدر...لكنه تصحيح لوضعي هنا...عالمك الذي تعبت لأجل أن تخفيه طيلة هذه الأعوام يوشك أن يتأثر بسبب الغريبة التي سمحت لها بالدخول إليه....


+



عقد حاجبيه بشدة وهو يسألها بحذر:

_من أخبركِ هذا؟!

همست بحزن:

_سمية رحمها الله أخبرتني باقتضاب عن هروبكما سوياً إلي هنا...

ضيق عينيه وهو يسألها:

_ألم تخبركِ عن شئ آخر؟!

هزت رأسها نفياً وهي تهمس:

_لا.


+





                

أومأ برأسه وهو يسألها بهدوء:

_أواثقة أنتِ من أنكِ تريدين الرحيل؟!

أومأت برأسها إيجاباً...

ففرد ذراعه علي طوله وهو يشير بيده للحارس من بعيد كي يفتح الباب الخارجي...

ثم قال لها ببرود:

_ارحلي يا آسيا.


+



أغمضت عينيها بقوة وهي تشعر بكلمته كصفعة علي صفحة روحها...

لم تتوقع أن يقولها لها بهذه البساطة...

لكن...ماذا كانت تنتظر  إذن؟!

أن يرجوها البقاء حتي ينهدم المعبد علي رؤوس الجميع؟!!!!


+



أعطته ظهرها لتتوجه نحو الباب الخارجي عندما سمعته يقول خلفها بنفس البرود:

_ارحلي وشاهدي بنفسك قسوة هذا العالم وحدك...ارحلي وقابلي ألفاً من "مصطفي" يطمعون بفتاة في ظروفك...أو من يدري...ربما أدركتكِ عائلتكِ قبل ذلك لتنالي عقاب هروبك...


+



تجمدت مكانها مصدومة للحظات...

ثم التفتت إليه لتقول بحيرة تمتزج باللوم:

_لم أعد أفهمك يا بدر!


+



نظر إليها طويلاً نظرات لم تفهمها...

ثم قال بهدوء:

_هل تعلمين أنني لم أفشل في ترويض أي فرس حتي الآن؟!

عقدت حاجبيها بشدة وهي لا تفهم مغزي عبارته...

فابتسم بضعف وهو يقول:

_ألم أخبركِ قبلاً أن ترويض ضعفك سيكون أصعب عليّ من ترويض أشرس فرس عرفته؟!


+



هزت رأسها وهي لا تزال غير مدركة لمعني كلامه...

فتنهد ليقول بعد صمت قصير:

_سترحلين يا آسيا...لكن ليس الآن...ليس قبل أن أطمئن أنك قوية بما يكفي لمواجهة هذا العالم...ليس قبل أن أمحو مخاوفك كلها...

هتفت بعجز:

_ليس هناك وقت لهذا...أنا لا أضمن كيف سيتصرف ذاك الوغد بعدما حدث...ولا أريد التسبب لك في مشاكل...

نظر إليها طويلاً ثم حسم أمره ليقول بحزم:

_سنتزوج يا آسيا.


+



تراجعت خطوة للخلف وهي تهمس في ذهول :

_ماذا؟!

بسط كفه أمام وجهها وهو يقول بهدوء حازم:

_ليس زواجاً كما هو متعارف...لكنها مجرد ورقة لتحميكِ من بطش عائلتك لو وشي بكِ مصطفي هذا...كما أنها ستحفظ لكِ كرامتك في البقاء هنا منعاً للأقاويل خاصة بعد وفاة سمية...

ازدردت ريقها ببطء وهي تهمس:

_إلي متي؟!

أجابها بهدوء:

_كما تشائين...كما أخبرتكِ هو ليس زواجاً حقيقياً...لن يتغير وضعك بالنسبة إلي...أنتِ شقيقتي الصغري..وعندما تريدين فض هذا الاتفاق سأمنحك حريتك بلا مناقشة...


+



أطرقت برأسها تفكر في عرضه الغريب هذا...

عندما أردف بشرود:

_لقد قضيت الليلة كلها أفكر...لم أجد حلاً يخرجك من هذه الورطة إلا هذا...


+



نظرت إليه بتردد عندما سمعت صوت العم كساب خلفها يقول بهدوء:

_أنا أيضاً أري هذا.


+



التفتت إليه آسيا بترقب فابتسم بحنان أبوي خالص وهو يقول:

_سامحاني لو استمعت لحديثكما رغماً عني...

ثم التفت لبدر قائلاً في مرح:

_لكن لا أحد يعرض الزواج علي آنسة جميلة علي الملأ هكذا.!!


+



تضرج وجه آسيا بحمرة الخجل وهي تشعر بغرابة الوضع...


+



فيما أطرق بدر برأسه وهو،يشعر بالضيق...

هو ليس راضياً عن هذا الموقف الذي وضعته فيه الظروف...

لكنه اضطر إليه...

آسيا الصغيرة تحتاجه...

وهو لن يفرط في وصية سمية بها...

ولن يتخلي عنها كما وعدها...


+




        


          


                

سيمنحها اسمه مؤقتاً حتي تهدأ هذه العاصفة...

لو نفذ هذا الوغد تهديده فسيحميها من بطش عائلتها...

ولو مرت الأمور بسلام فهو علي الأقل سيضمن بقاءها هنا محفوظة الكرامة بعيداً عن أقاويل الناس التي لم يكن ينتبه إليها حتي ذكرها مصطفي بالأمس...

وعندما تريد هي الرحيل بإرادتها سيمنحها حريتها بعد أن يطمئن علي أنها صارت قادرة علي مواجهة الحياة وحدها....


+



هدأت خواطره عند هذه النقطة فالتفت لآسيا ليقول بهدوء:

_عودي الآن لغرفتك وفكري فيما عرضته عليكِ.

نظرت إليه بتردد ...

فابتسم في حنان شعرت به يربت علي جروح روحها كلها وهو يقول:

_لا تفكري أبداً أنني قد أتخلي عنكِ....مهما حدث...


+



ابتسمت وهي تشعر برغبة عارمة في البكاء...

عندما قال العم كساب بطيبة فطرية:

_وافقي يابنتي...صدقيني هذا هو الحل الأمثل...


+



نظرت للعم كساب بخجل عندما قال بدر :

_لا تضغط عليها يا عمي...دعها تقرر بنفسها...

ثم التفت لآسيا قائلاً بحنان:

_عودي لغرفتك واخلدي للنوم ...أنتِ لم تنامي ليلة الأمس...


+



ابتسمت له بامتنان لتتحرك خطوة واحدة نحو غرفتها ثم وقفت مكانها للحظات وسط دهشته هو والعم كساب.....

لتلتفت إليه وتقول بتردد:

_أنا أوافق...دعنا ننهِ هذا الأمر بسرعة...أنا أخاف ذاك الرجل.


+



تنهد العم كساب في ارتياح فيما نظر إليها بدر في إشفاق يمتزج بالضيق...

كم يود لو تتغير...

لو تتخلص من ضعفها وخوفها الزائد هذا...

لو تكون قوية بنفسها ...

ليس به ولا بأي أحد...!!!


+



نظرات الخوف والقلق في عينيها تثير ضيقه...

لكنه يلتمس لها بعض العذر...

هي فتاة صغيرة وحيدة وجدت نفسها فجأة في بحر الحياة الهائج دون معين...

لكنه لن يتخلي عنها...

سيمنحها كل الدعم الذي تحتاجه...

حتي تقف علي قدميها لتواجه مستقبلها القادم...

حتي لو اضطر لتغليف مساعدته بزواج علي الورق!!!

==========================================================================

نظر بدر لدبلة سمية في إصبعه ودمعت عيناه في اشتياق وهو يهمس وكأنه يراها:

_كم يشق عليّ يا حبيبة عمري أن تدخل امرأة غيرك لحياتي ولو علي الورق ...لكنها وصيتك وأمانتي التي تعهدت بالحفاظ عليها...أنا علي عهدي معكِ يا سمية...أنتِ أول وآخر حب سيعرفه قلبي...

أخذ نفساً عميقاً عندما سمع طرقاً علي الباب الذي فتح ليدخل منه ياسين الصغير كقذيفة مدفع هاتفاً بفرح:

_هل صحيح أنك ستتزوج آسيا هذه الليلة؟!

ابتسم بدر في حنان وهو يحتضنه ليسأله :

_هل أنت سعيد يا ياسين؟!

أومأ الصغير برأسه في إيجاب وهو يقول :

_بالطبع يا أبي...الآن يمكنني الاحتفاظ بآسيا معي في منزل واحد...حيث يمكنني رؤيتها في أي وقت...كما أنني سأطلب منها أن تنام معي حتي تحكي لي حكاياتها المثيرة...

ثم سأله ببراءة:

_أم أنها ستنام هنا كأمي؟!

عقد بدر حاجبيه بشدة وهو يهتف بحدة:

_لا.

أجفل الصغير فضمه بدر لصدره وهو يقول بحزن:

_هذه غرفة أمك يا صغيري...لن تدخلها امرأة غيرها...


+




        

          


                

دخل كساب في هذه اللحظة ليستمع لعبارة بدر الأخيرة...

فتنهد في ضيق وهو يفكر...

بدر اضطر لهذه الزيجة لكن من يدري...

ربما قربت الأيام بين قلبي آسيا وبدر...

لتطمس حبه القديم...

بدر يستحق أن يعيش السعادة التي حرم منها بعد وفاة سمية...

فقط لو يعطي نفسه فرصة لحب جديد...!!!


+



اقترب من بدر ليقول بحنان:

_مبارك زواجك يابني...المأذون جاء وينتظركما أنت وآسيا...اذهب وأئتِ بها...

عقد بدر حاجبيه وهو يقول بضيق:

_لا داعي للمباركات يا عمي...هو ليس زواجاً حقيقياً...


+



أومأ كساب برأسه في تفهم...

فيما زفر بدر بضيق ليغادر غرفته والمنزل الكبير...

ثم ذهب لغرفة آسيا الخارجية...

طرق بابها ففتحته لتنظر إليه بترقب...


+



أغمض عينيه لحظات عن جمالها الذي أغشي عينيه بفتنتها الزائدة هذه الليلة....

بثوبها الذي -مع بساطته-جعلها تبدو كالأميرات...

بوجهها الذي ينافس ضوء القمر...

بعينيها اللتين تحملان مع ضعفهما قوة غزو آسرة...

تسحق مقاومة أي رجل!!!

ثم تجاهل كل هذا ليسألها بتفحص:

_مستعدة يا آسيا؟!


+



أومأت برأسها إيجاباً...فسألها باهتمام:

_هل أحضرتِ بطاقتك الشخصية؟!


+



أومأت برأسها إيجاباً وهي تبتسم لتقول بمرح مصطنع تداري به اضطرابها:

_الحمد لله أنني انتشلتها من حقيبتي قبل أن أرميها مع بقية حاجياتي في الماء.


+



هز رأسه بلا معني...

ثم قال لها باضطراب:

_تعالي اذن...المأذون ينتظرنا...


+



سارت جواره وهي تشعر بالارتباك...

قلبها يخفق باضطراب...

لكنه اضطراب لذيذ!!!

شعور يختلف تماماً عن شعورها بياسين...

شعور بأنها محميةٌ معه من كل سوء!!!


+



قلبها الذي طالما أنكر شعوره ببدر....

الآن لا ينكر...

لا ينكر الأمان الذي يشعر به برفقة هذا الرجل...

لا ينكر تعلقه بخيوط الحنان في عينيه...

لا ينكر إعجابه بهذه الشخصية الفريدة...

بل إنها لا تبالغ لو قالت أنها تتمني...

لو كان هذا زواجاً حقيقياً!!!


+



احمرت وجنتاها بقوة عندما جاءها هذا الخاطر لينهرها عقلها بقوله:

_أفيقي يا آسيا...أنتِ لستِ سوي صنيع خيرٍ يؤديه بتثاقل...بدر لن يعشق سوي سمية صديقتك الغالية...

هنا كان الأوان ليتدخل ضميرها في المعادلة...

فيخرس صوت العقل والقلب معاً...


+



لتهدأ أفكارها كلها...!!!!


+



دخلا إلي صالة المنزل...

حيث جلس المأذون مع شاهد يعرفه ...

وجلس العم كساب جوارهما...

تقدم بدر ليجلس جوار آسيا...

ثم فتح المأذون دفتره ليقول لها بلهجة رسمية:

_هل تقبلين جسار كامل القاصم زوجاً لك؟!


+



اتسعت عينا آسيا في ارتياع وهي تهتف برعب:

_جسار القاصم؟! أين هو؟!


+



نظر بدر لرعبها في شك...

ثم قال بتردد:

_اسمي الحقيقي هو جسار يا آسيا...بدر هذا مجرد اسم حركيّ...

شهقت بعنف وهي تضع كفها علي،شفتيها لتهتف بخوف:

_أنت جسار القاصم؟! أنا لا أصدق !!!


2




        

          


                

تبادل بدر مع كساب نظرات متوترة...

فنقلت آسيا بصرها بينهما برعب....

ثم ناولته بطاقتها الشخصية بتردد لينظر في اسمها ثم تتسع عيناه بذهول...

هاتفاً بصدمة:

_أنتِ حفيدة قاسم النجدي؟!


1



نظرت إليه وهي لا تكاد تصدق...

طوال هذه المدة وهي تقيم مع الرجل الذي يهدد عائلتها كلها؟!!!!

الرجل الذي كان سبباً في إقصاء حمزة بعيداً طوال هذا الوقت؟!

الرجل الذي أثار فيهم كل هذا الرعب حتي دفع جدها لتزويج ياسين من رقية طمعاً في حماية والدها؟!!


+



بدر!!

بدر الحنون المتفهم الذي احتوي ضعفها وخوفها...!!

بدر الذي تعلق به قلبها كطفل صغير ورأي فيه أطياف عشقه القادم...!!

بدر  والد ياسين وزوج سمية...

هو جسار!!!!!

جسار الذي عاشت عمرها ترتجف رعباً من مجرد اسمه!!!


+



فيما نظر إليها جسار بصدمة تمتزج بغضب هادر...

تلك الغريبة التي آواها في بيته هي حفيدة قاسم النجدي...

قاسم النجدي الذي هرب جسار من ثأره معه...

نعم...جسار لم يشأ أن يدخل نفسه في عجلة الثأر التي كانت تحصد أرواح الجميع بلا رحمة...

خاصة مع عشقه لسمية...

سمية التي أيدت موقفه بالهرب من هذا المستنقع الآسن كله!!!

ليهرب بها معه من قريتهما...

ويأتي بها إلي هنا...

في هذا العالم المنعزل...

حيث لا ثأر ولا عداوة!!!!

حيث لا خطر علي ياسين الصغير!!!


+



لقد ترك بلدته وأهله وعالمه كله وراءه...

وكاد ينساه...

فتأتي هذه الصغيرة لتقلب له دنياه رأساً علي عقب؟!!!!!


+



فيما قام كساب ليتقدم منها ببطء وهو يرمقها بحنان فائض ليهمس باشتياق لم يستطع إخفاءه:

_أنتِ ابنة فريدة؟!


4



نظرت إليه آسيا وهي تومئ برأسها شاعرة بالضياع....ثم همست بقلق:

_هل تعرف أمي؟!

ابتسم رغم الدمع الذي،ظهر في عينيه ليقول بعاطفة صادقة:

_أنا الآن أحبك أضعاف ما كنت أحبكِ قبل الآن....أنتِ الآن ابنتي بحق يا آسيا...


1



نظرت إليه آسيا.ولازالت تحت تأثير،صدمتها....

لا تعرف ماذا تفعل...


+



نظر المأذون إليهم بدهشة تمتزج بالحنق...

ألم يخطر لهم التعارف قبل عقد القران؟!!!

عائلة غريبة!!!


4



هكذا تمتم في نفسه بسخط قبل أن يهتف بضيق:

_هل سنتم هذا الزواج أم ماذا؟!!!


+



كان جسار أول من تمالك صدمته ليسأل آسيا ببرود يداري غضبه الهادر:

_هل نتم الزواج يا ابنة النجدي؟!


+



نظرت إليه آسيا وصدرها يعلو ويهبط في انفعال...

لا تدري بماذا ترد عليه!!!!

ترفض....أم تقبل؟!!!!

تشعر كأنها فأر وقع في مصيدة...

شعر بها العم كساب فمال علي أذنها وهو يهمس بحنان:

_لا تخافي يا بنتي...أنتِ الآن في حمايتي أنا وجسار...بدر هو جسار يا آسيا...لم يتغير في الأمر شئ!!!!


+



نقلت بصرها بين جسار الذي بدا وكأن وجهه قُدّ من صخر...

وبين العم كساب الذي بدا بسعادته بها وكأنه قد هبط عليه كنز من السماء!!!

ثم قالت أخيراً في استسلام:

_أجل...أوافق علي الزواج.

==========================================================================

خرجت ساري من شقتها لتجده واقفاً أمام شقته ...

أطرقت برأسها وهي تمر من جواره لتهمس باقتضاب:

_السلام عليكم.

أمسك ذراعها لينظر لعينيها هاتفاً:

_هل هذه تحية زوجة لزوجها في أول يوم من رمضان؟!

قالت بنفاد صبر:

_أنا لدي الكثير من الأعمال اليوم ولا طاقة لي بجدالك يا حذيفة!

نظر إليها طويلاً دون أن يفلت ذراعها فرفعت عينيها إليه مضطرة لتقول بضيق:

_اللهم إني صائمة!!

ابتسم بهدوء وهو يقول :

_كل عام وأنت بخير.


+




        

          


                

أشاحت بوجهها ولم ترد...

الوقح الذي يعود كل ليلة قرب الفجر بعد سهرة يعلم الله وحده محتواها....

ولا يكاد يحدثها منذ تلك الليلة العصيبة التي ذبحها فيها بخيانته...

يأتي اليوم ليهنئها بالشهر الفضيل...

ياللتقوي والورع!!!


1



أدار وجهها الذي أشاحت به نحوه وهو يقول بحزم:

_الجو حار وأنتِ صائمة...لا تقودي سيارتك..دعيني أنا أوصلكِ أينما تريدين...

زفرت بقوة فقال هو بتحفز:

_هذا ليس اقتراحاً...إنه أمر!


+



أطرقت برأسها وهي تتقدمه ليسير خلفها وهو يتنهد في حرارة...

ركبت جواره سيارته بعدما ساعدها في نقل بعض صناديق المساعدات والأدوية من سيارتها لحقيبة سيارته.....

 ثم قالت باقتضاب:

_أريد الذهاب لقرية (.......)!

أومأ برأسه إيجاباً ثم سألها بتردد وهو يقود السيارة:

_ما الدور الذي كان يقوم به بلال الهاشمي معكم؟!

قالت بهدوء وهي تنظر أمامها:

_كان يساعدنا مادياً بمبلغ كبير شهرياً...كما كان يساعدنا في إيصال المساعدات للأماكن البعيدة...

هز كتفيه وهو يقول :

_هذا عمل بسيط.

قالت بشرود:

_كل عمل في سبيل الله يبدو بسيطاً...لكنه سبحانه وتعالي يرزقه لمن يحب...

تأملها متفحصاً بإعجاب ثم قال بجدية:

_أنا أريد أن أقوم بهذا الدور.


+



هزت رأسها في موافقة دون أن ترد...

ظلت صامتة طوال الطريق بينما كان هو يتميز غيظاً من برودها الظاهر...

لقد افتقد هذه الحمقاء المكابرة بشدة...

افتقدها حد الجنون!!!


+



وصلا القرية أخيراً فسار معها حتي وصلت لمنزل معين طرقت بابه برفق...

فتحت لها امرأة طاعنة في السن تبدو عليها علامات طيبة ظاهرة...

أشرق وجه المرأة عندما رأتها لتهتف بفرح:

_مرحباً يابنتي...تفضلا...


+



دخلت معها ساري وحذيفة الذي تأمل المكان بفضول...

عندما رأي في جانب الغرفة سريراً به شاب في مثل سنه لكنه يبدو مختلفاً...

تركتهما المرأة قليلاً فمال علي أذن ساري يسألها:

_ما باله هذا الشاب يبدو غريباً؟!

همست ساري في أذنه:

_إنه مصاب بمرض عقلي ويحتاج لعلاج مكثف لهذا أعطيه عناية خاصة.


+



أومأ برأسه في تفهم...

ثم حمد الله سراً وهو،يستشعر أنها رسالة من السماء...

هذا شاب في مثل سنه لكنه حرم من أشياء كثيرة...

وهو الذي منحه الله المال والصحة والعقل فاستخدمها كلها في معصية الله ...

استغفر الله سراً وهو يشعر بالخزي...


+



عندما عادت المرأة لتعطي لها ساري صندوق المساعدات قائلة بحنان:

_كل عام وأنت بخير يا عمتي...أعتذر منكِ سأنصرف حالاً فلا زال أمامي الكثير من المنازل هنا.


+



قالتها وهي تقف فوقف حذيفة بدوره ...

ابتسمت لها المرأة وهي تقول بحرارة:

_رزقك الله الفرحة والزوج الصالح يابنتي.


+



ابتسم حذيفة وهو يضع ذراعه علي كتفها بتملك ليقول بفخر حقيقي:

_أنا زوجها يا حاجة!

رفعت المرأة حاجبيها بدهشة ثم قالت بسعادة:

_حقاً؟!!! هنأكما الله يا بني...ساري هذه ملاك...حافظ عليها .

نظر إلي جانب وجهها الذي كان الآن محمراً حرجاً ثم قال:

_بقلبي وروحي يا حاجة.


2




        

          


                

ابتسمت المرأة بحنان فيما سارت معه ساري حتي خرجا من المنزل ...

ليكررا الزيارة لمنازل عديدة لأهل هذه القرية الفقيرة...

حتي أنهيا مهمتهما علي خير وجه ...


+



وقبيل العصر...

كانا في طريقهما عائدين للبيت الكبير...

ظلت علي صمتها الشارد طوال الطريق فناداها هامساً:

_ساري!

لم تلتفت إليه وهي تهمس باقتضاب:

_نعم.

نظر لجانب وجهها وهو يسألها:

_لماذا لا تنظرين إلي؟!

تنهدت في حرارة وهي تقول بضيق:

_ماذا تريد بالضبط يا حذيفة؟! تسلية صيامك؟!!


+



أوقف السيارة علي جانب الطريق ثم أسند رأسه لظهر المقعد وهو يقول بشرود:

_لن أنسي هذا اليوم أبداً...لقد كان يوماً خاصاً...شعرت أنه رسالة من السماء لأدرك دوري الحقيقي في الحياة بعيداً عن حياة اللهو واللعب التي أعيشها...

ثم التفت إليها ليهمس بصدق:

_أشكرك يا ساري...


+



أطرقت برأسها وهي لا تعرف بم تجيبه...

هي تستشعر صدق حديثه...

لكنها لا تقوي علي مسامحته أو العودة للشعور بالأمان معه...

لقد خذلها...

خذلها تلك الليلة كما خذلها طوال عمرها كله!!!


+



أمسك كفها ثم رفعه إلي شفتيه يقبله وهو ينظر إلي جانب وجهها المطرق هامساً:

_لا تتصوري شعوري اليوم بالفخر وأنا أقول للناس أنني زوجك...


+



نزعت كفها من كفه برفق...

دون أن تنظر إليه ...

ثم قالت بشرود:

_أتمني لو يأتي يوم أكون أنا فيه فخورة بنفسي ...

سألها بتفحص:

_ولماذا لا تفعلين...أنا أراكِ امرأة مثالية...كاملة...


+



أخذت نفساً عميقاً ثم قالت بحزن:

_دعنا نعد للبيت يا حذيفة...أنا أشعر بالصداع...

نظر لحزنها الواضح في إشفاق...

ثم قال برجاء:

_انظري لعينيّ يا ساري.


+



أغمضت عينيها بقوة للحظات تعانده...

وكأنها تستمد من نفسها بعض القوة...

ثم سألته دون أن تنظر إليه:

_لماذا لم تعد تخبرني عن رفيقاتك كتلك الليلة؟!

أشاح بوجهه وهو يزفر في ضيق ثم قال :

_هل هذا حديث يليق بنهار رمضان؟!

هزت رأسها لتقول بسخرية مريرة:

_معك حق...الحديث لا يليق بنهار رمضان ...لكن الفعل يليق بليله؟!!

خبط بكفه علي مقود السيارة وهو،يهتف بحنق:

_لا فائدة فيكِ...لن تتغيري أبداً...


1



قالها وهو يعيد تشغيل السيارة...

ليعود بها إلي البيت الكبير يلفهما الصمت طوال الطريق...

حتي وصلا إلي باب البيت فقالت باقتضاب:

_شكراً يا حذيفة...

همت بالنزول عندما أمسك كفها بقوة لتلتفت إليه ...

نظر إليها طويلاً قبل أن يقول :

_أنا الذي أشكرك ...لقد كان يوماً رائعاً...


+



تعلقت عيناها بعينيه طويلاً دون أن تشعر...

لتشعر بقلبها الخائن يغافلها ويعلن تمرده وعصيانه...

زادت خفقاته حتي هيئ إليها أنه سيسمعها....

عضت علي شفتيها وهي تشعر بضعف غريب...


+



فيما شعر هو بما تعانيه تلك المكابرة العنيدة فقال لها بحزم يمتزج بحنانه الفريد:

_هل تعدينني بشئ؟!

نظرت إليه في تساؤل...فقال برجاء:

_لا تبكي بسببي ثانية.


+




        

          


                

تنهدت في حرارة وهي تود لو تخبره أنها لا تبكي إلا بسببه...

هو وجع قلبها الأزلي كما تدعوه دوماً... !!!!


+



فسألها بترقب:

_ماذا فعلتِ بالقميص الذي أخذتِه مني؟!

ابتسمت في برود ساخر لتقول:

_تذكارك الخاص؟! اطمئن ...لقد احتفظت به جوار دميتك القديمة...

عقد حاجبيه بشدة فأردفت بكبرياء ذبيح:

_حتي إذا ما نظرتُ إليها و فكر قلبي أن يلين لك عاد فتعلم درسه القاسي...حذيفة النجدي لن يتغير!


+



أشاح بوجهه عنها للحظات....ثم عاد يواجهها قائلاً:

_لقد حدد جدي موعد زفافنا ثالث أيام العيد...


+



اتسعت عيناها في ارتياع ...

لم تتصور الأمر قريباً إلي هذه الدرجة...

تماماً كما لم تتصور يوماً أن يكون هذا إحساسها به الآن!!!!

إحساس السجين الذي تلقي -لتوه-حكماً بإعدامه!!!

هزت رأسها ثم أغمضت عينيها بألم...


+



ليقول لها بعتاب:

_هل يضايقك الخبر إلي هذا الحد؟!


+



فتحت عينيها لتنظر إليه نظرات طويلة...

تتأرجح بين اللوم والرجاء...


+



قبل أن تهمس بألم...ونبرات صوتها الجريح تذبحه ذبحاً:

_سامحك الله يا حذيفة...لقد جعلتني أكره اليوم الذي تمنيته طوال عمري.


+



قالتها وهي تغادره لتترجل من السيارة...

وتندفع نحو شقتها ومنها إلي غرفتها لتجلس علي مكتبها مسندة رأسها علي مرفقيها...

أين دموعها؟!!!

لماذا لا تبكي الآن؟!!

ربما يطفئ الدمع لهيب الجرح في أعماقها...

لماذا خاصمتها دموعها وهي تحتاجها الآن أكثر مما مضي؟!!!

ألأنها وعدته ألا تبكي من أجله؟!!!

أم أن دموعها قد ملّت هي الأخري؟!!!

حتي الدمع سأم من جرحك يا حذيفة!!!!!!!


+



شعرت بكفه علي كتفها...

فرفعت رأسها إليه في صمت...

ثم استدارت إليه بجسدها دون أن تقوي علي الوقوف...

جثا علي ركبتيه جوارها ليكون وجهه مقابلاً لوجهها...

نظر إليها طويلاً وكأنه لا يجد ما يقول...


+



ثم وضع كفه علي مصحفها الموضوع أمامها علي المكتب ليهمس بصدق:

_أقسم أنني لم أمس امرأة منذ اعترفت لنفسي بحبكِ يا ساري!


+



اتسعت عيناها بصدمة وهي تنقل بصرها بينه وبين كفه علي المصحف...

ثم قالت بذهول:

_لم تخُنني؟!

ابتسم بضعف وهو ينظر لعينيها هامساً بحرارة:

_قد لا تصدقينني...لكن حذيفة النجدي تغير لأجلك...لم أستطع خيانتك ولن أستطيع حتي لو أردت ....

ثم تهدج صوته ليهمس بصدق:

_من الصعب علي رجل عشق امرأة مثلك أن يخون!!

همست بتشتت:

_وذاك القميص ال...

قاطعها وهو يخرج ورقة مطوية من قميصه ليهمس:

_هذه قسيمة شرائه...أنا اشتريته فقط لأعاقبك.

همست بعتاب:

_تعاقبني؟!

أومأ برأسه إيجاباً وهو يهمس لها بلهجة عاتبة:

_يجب أن تغيري أسلوبك هذا معي يا ساري...كُفّي عن إشعاري دوماً أنني مذنب مدان...امنحيني ثقتك كاملة...اجعليني أشعر أنني عظيم بعينيك...اجعليني...


+




        

          


                

قاطعت عبارته عندما مدت ذراعيها فجأة لتضمه لصدرها بكل قوتها وهي تضربه بكلتي قبضتيها علي ظهره برفق...

هامسة في أذنه:

_اسكت...اسكت...


+



ابتسم في حنان وهو يحيط خصرها بكفيه ليرفعها من علي المقعد ويقف قبالتها ليقول أمام عينيها:

_هذه هي أول مرة تضمينني فيها هكذا!

شددت ضغط ذراعيها علي عنقه وهي تهمس:

_لأنها أول مرة أشعر أنك حقاً....تحبني!!!


3



ثم سالت دموعها أخيراً علي وجنتيها وهي تبتسم لتهمس في سعادة:

_أنت تحبني يا حذيفة!


+



اتسعت ابتسامته وهو يمسح دموعها ليهمس بصدق:

_الحب كله قليل لأجلك يا أروع من عرفت !!


+



دخلت فريدة في هذه اللحظة لتفاجأ بعناقهما هذا...

فتنحنحت في حرج ثم قالت بمرح يخالط حنانها المعهود:

_تحشم يابن النجدي و عُد لبيتك.

ضحك حذيفة بمرح وهو يلتفت إليها ليقول بخبث:

_هذا أقصي ما أملكه من حشمة والله يا عمتي.!!!


+



ضحكت ساري بخجل وهي تبتعد عنه فيما نقلت فريدة بصرها بينهما بحب...

وهي تقول بفرحة ظاهرة:

_أسعدكما الله يا بني.

==========================================================================

جلست مارية علي مائدة الإفطار تتأمل محتوياتها في انبهار...

ضحك رياض وهو يقول لها بمرح:

_تبدين كطفلة وجدت نفسها فجأة في الملاهي بانطباعك هذا.

ضحكت بمرح وهي تقول بسعادة:

_لم أتخيل أن تكون طقوس رمضان بهذه الروعة في مصر.

لم تكد تتم عبارتها حتي سمعت صوت مدفع الإفطار...

فانتفضت من مكانها لتهتف دون وعي  بالانجليزية:

_ماهذا؟!

انطلق كل من رياض وصفية ومروة في الضحك للحظات....

ثم قالت لها مروة بمرح:

_ها قد عدتِ لأصلك الانجليزي عند أول ورطة...اجلسي أيتها الشقراء...إنه مدفع الإفطار.

جلست مارية وهي تضع كفها علي صدرها لتقول:

_ماذا يفعلون بهذا المدفع؟!

قالت صفية ببساطة:

_إنه تقليد قديم...يضرب المدفع في رمضان عند الإفطار والسحور لتذكير الناس.

هزت مارية رأسها بتفهم ....

ثم سمت الله كما يفعلون ...

وقالت دعاء الإفطار...

لتبدأ في تناول إفطارها...

عندما أعلن هاتفها عن وصول رسالة علي بريدها الاليكتروني....


+



ارتسمت ابتسامة حالمة علي شفتيها وهي تتوقع مرسلها....

حمزة الذي لا يمر يوم دون أن يراسلها رغم أنها لا ترد عليه!!!


+



فتحت الرسالة لتقرأها:

_عزيزتي مارية...لو كنتِ صائمة اليوم كما وعدتني...فهذا موعد إفطاركم في مصر...تقبل الله منكِ عزيزتي...وأتمني أن أراكِ قريباً....


+



ظلت تقرأ الرسالة عدة مرات...

تطارد طيفه الحنون بين كلماتها القصيرة...

آه لو يعلم...

كم تتمني لو تراه قريباً هي الأخري!!!

بل إنها فقط تتمني لو تتمكن من الرد علي رسائله...

لكن أشياء كثيرة تمنعها!!!

ليس كبرياؤها أولها ولا آخرها!!!!


+



قطع رياض شرودها وهو يتبادل نظرة ذات مغزي مع صفية ثم يقول بخبث:

_تري ماذا يشغلك عن الإفطار يا مارية؟!

ابتسمت في خجل وهي تقول:

_لا شئ يا عمي.

نظرت إليها صفية طويلاً ثم قالت:

_كم تمنيت لو يكون زياد معنا الآن...

ابتسمت مارية وهي تقول بلطف:

_وأنا أيضاً افتقدته كثيراً يا عمتي.

التمعت عينا صفية بسعادة وقد أخطأت تأويل عبارتها....

فلكزت رياض في جنبه لكزة ذات مغزي....

فقد كانت تحدثه الليلة الماضية برغبتها في تزويج زياد من مارية...

وقد كانت تظن أن زياد هو من أرسل لها تلك الرسالة علي هاتفها...

ابتسم رياض وهو يقول بحنان:

_ليتكِ تبقين معنا يا مارية...ليتك تبقين معنا دائماً....

==========================================================================

اجتمعت العائلة كلها علي الإفطار كعادتها كل عام...

لكن المائدة هذا العام قد خلت من آسيا وياسين الذي يقيم الآن مع رقية في بيت عاصم الهاشمي ...

فهي تصر علي البقاء هناك بل لا تكاد تغادر غرفته...

وياسين لم يتركها لحظة منذ ذاك الحادث...


1




        

          


                

دق مدفع الإفطار ثم سمع صوت الآذان فردده الجميع ثم قال الحاج قاسم بحزن يليق بقوته:

_اجعلوا دعاءكم الأول لآسيا بالرحمة...ثم لجويرية بالشفاء.


1



أغمضت فريدة عينيها بألم...

وذكري آسيا الحبيبة تكاد تمزق صدرها...

لن تصدق أنها ماتت...

بل إنها دوماً تفكر أنها في مكان بعيد أجمل من هذا...

تعيش سعيدة هانئة...

هذا ما يمنحها الصبر الذي تبدو عليه...

ربما لو فكرت في غير هذا لأصيبت بالجنون!!!


+



نظرت فريدة نحو جويرية التي تشعر أن مشاعرها تغيرت نحو عمار...

تشعر أن قلبها بدأ يميل إليه...

ومن يدري ربما كان دافعاً لتعجيل شفائها...

هي تظن في الله خيراً أن عجزها هذا لن يطول!!


+



لكن عمار نفسه لا يبدو بخير...

يبدو أنه يحمل هم قاسم النجدي...

قاسم النجدي الذي أمره بتطليق جورية عندما تسترد عافيتها بل وترك بيت العائلة كله عقاباً له علي فعلته!!!

هزت رأسها بإشفاق وهي لا تدري علي أيهما حزنها أكبر...

علي جوري أم عمار؟!!!!

وعلي كرسيها كانت راجية تتطلع لمكان ياسين الخالي...

لقد افتقدت وجوده لكنها تعذره في مقامه جوار زوجته...

ثم وجدت نفسها تدعو الله لهما أن يرزقهما الذرية الصالحة!!


+



وعلي كرسيه كان حذيفة يجلس جوار ساري هامساً في أذنها:

_العام القادم تكونين في بيتي .

ابتسمت في خجل وهي تشعر بكفه يداعب كفها تحت المائدة...


1



بينما كانت جوري تنظر لعمار الصامت في إشفاق...

شارد غافل عنهم كأنه في وادٍ آخر...

منذ عادا من الاسكندرية وهو علي هذا الحال...

لا يكاد يكلمها ولا ينظر إليها...

لا تدري هل يعاقبها أم يعاقب نفسه علي استسلامه لعاطفة جسده نحوها من جديد...؟!!!!


+



مدت كفها تحت المائدة  تربت علي ركبته...

فالتفت إليها بحدة من شروده...

ثم قام من مكانه بعنف وهو يقول بغلظته المعهودة:

_لقد شبعت...


+



رمقته جويرية بنظرة حزينة لكنه لم يرها....

فقالت له راجية بلطف:

_لو كنت شبعت يابني...فأحضر لي السكين من المطبخ لقد نسيت إحضاره...وأريد تقطيع قالب الحلوي.

ذهب عمار ليحضره ...

تراقبه جوري بشرود...

حتي عاد حاملاً السكين في يده فارتدت جوري لظهر مقعدها في صدمة...!!!!!

وذكري مشابهة تغزو،مخيلتها....

عمار والسكين في يده!!!!


+



نظر إليها عمار نظرة عابرة لكن التعبير المرتسم علي وجهها جعله يدرك بحدسه ما تفكر فيه الآن...

نقل بصره بتوتر بين عينيها المتجمدتين برعب علي يده والسكين الذي يحمله...

وهو لا يدري ماذا يفعل...

ظل واقفاً مكانه يراقبها بقلق بالغ!!!!


+



فيما كانت الذكريات تنهشها هي نهشاً...

وقد عادت إليها ذاكرتها التي فقدتها جزئياً عن أحداث ليلة زفافهما...

مختلطة بصورته المخيفة والسكين في يده...

منذ تلك اللحظة التي مزق فيها عمار طوق ثوبها...

كل ضربة من يده...!!!!

كل لمسة...!!!!

وكل...!!!!

دارت بها الدنيا وهي تسترجع أحداث تلك الليلة الرهيبة...

وبصرها معلق بعمار والسكين...

حتي وجدت نفسها تصرخ بقوة لتفقد الوعي بعدها!!!!

==========================================================================

استعادت جوري وعيها بسرعة لتجد نفسها في حضن فريدة التي هتفت بجزع:

_ماذا بكِ يا جوري؟!

فتحت فمها لتجيبها ببطء:

_أنا...أنا بخير!

صرخت فريدة في فرح :

_أنتِ تتكلمين يا جوري!!!! حمداً لله علي سلامتكِ يابنتي....


+




        

          


                

دمعت عينا عمار وهو يراقب شفتيها تتحركان ليخرج صوتها العذب من بينهما من جديد....

خفق قلبه وهو يترقب اللحظة التي طالما تمناها...

وطالما خافها!!!

لم يكذبه شعوره بها عندما ظن أن يوم فراقهما قد اقترب...

لكنه لم يكن يظنه قد اقترب إلي هذا الحد...

الآن تتركه جوريته...

بل يتركها هو!!


+



الآن يسحبون منه روحه ببطء...

يسحقون قلبه تحت أقدامهم...

ينزعون من أنفاسه الهواء...

الآن...يأخذون جوريته بعيداً عنه!!!


+



لكنه يستحق...

لن يسامح نفسه يوماً علي ما فعله بها...

ربما حرمانه منها هو العقاب الوحيد الذي يستحقه!!!


+



اندفع الجميع نحو جويرية يهنئونها بسعادة...

وبعدما انتهت عاصفة التهاني....

بحثت بعينيها عنه وسط الوجوه....

لتجده واقفاً في زاوية الغرفة مغمضاً عينيه في سكون...


+



كاد قلبها يذوب من أجله وهي تشعر به في هذه اللحظة...

رغم كل الأحداث المؤلمة التي عادت لذاكرتها عن ليلة زفافها المشئومة...

لكنها وجدت له ألف عذر وألف شفيع من مشاعره التي عايشتها معه في الأيام السابقة...!!


+



ودت لو تختلي به الآن لتتكلم معه...

لتخبره عن هذه الأحاديث الطويلة التي ادخرتها لأجله...

لتخبره عن أحاسيس قلبها الجديدة نحوه...

لتناجيه بهمسها هي هذه المرة لكن في صحوه وليس في منامها كما كان يفعل!!!


+



لكن قاسم النجدي قطع أفكارها وهو،يقول بصوته المهيب:

_حمداً لله علي سلامتك يابنتي.

ازدردت ريقها بصعوبة وهي تهمس:

_سلمك الله يا جدي.


+



قال قاسم بلهجة صارمة:

_اخرجوا جميعاً ودعوا لي عمار وجويرية فقط.


+



تبادل الجميع نظرات الشفقة الممتزجة بالترقب...

ثم نفذوا أمره صاغرين....


+



وعندما خرج الجميع ...

قال قاسم لعمار بحزم:

_لقد أخبرتك بعقابي جزاءً لك علي فعلتِك بابنة عمك....الآن تطلقها وترحل من هنا...


+



أطرق عمار برأسه فيما نظرت إليه جويرية في رجاء....

تناجيه بقلبها لعله يشعر بها....

لا تفعلها يا عمار...

لا تتركني...

لا تتخلّ عن حبك لي!!

أنا لن أقوي علي الوقوف بوجه قاسم النجدي فافعل أنت...

أرجوك يا عمار ...أرجوك....


1



لكن عمار كان في وادٍ آخر...

الأمر لا يتعلق فقط بأوامر قاسم النجدي التي لا ترد...

لكن بعلمه بأنها تحب رجلاً آخر غيره وكادت تهرب معه...

وبخوفه عليها من نفسه أن يؤذيها من جديد....

لقد وعدها أن يثأر لها من نفسه....

وأي ثأرٍ أقوي من أن يذبح قلبه فداءً لها؟!!!!!

لهذا رفع رأسه إليها أخيراً ليقول بصوت متقطع:

_أنتِ طالق!

=====================================

تمدد ياسين جوارها علي السرير وهو يضم رأسها لصدره هامساً:

_ألم يحن الوقت لنعود لبيتنا يا رقية؟!

رفعت رأسها إليه لتقول بما يشبه الاعتذار:

_دعنا هنا قليلاً يا ياسين...

ثم تلفتت حولها هامسة:

_هنا أتلمس سلواي من ذكراه التي تملأ المكان...لو رحلت عن هنا سيزداد شعوري أنه مات حقاً كما يزعمون...وأنا لا أريد أن أصدق...عاصم الهاشمي لن يموت...لن يموت أبداً...


+



قبل رأسها بحنان ثم همس برفق:

_كما تشائين يا غاليتي...أنا معكِ أينما تريدين...


+



قالها وهو يقوم من الفراش ...

فقامت بدورها لتقف قبالته وهي تهمس في امتنان:

_شكراً يا ياسين...لقد منحتني كل الدعم الذي كنت أحتاجه.

ربت علي وجنتها برفق وهو يهمس بأسف:

_ليتني أستطيع منحك ما تستحقينه يا غاليتي.


+



تنهدت في حرارة وهي تفهم مغزي كلماته...

عندما سمعا طرقاً علي الباب لتدخل الخادمة قائلة لرقية بأدب:

_هناك رجل بالأسفل يريد تعزيتك والسيد ياسين.


+



سألتها رقية بترقب:

_ألم يقل اسمه؟!

هزت الخادمة رأسها نفياً...ثم انصرفت...

فأمسك ياسين كفها وهو يقول بهدوء:

_تعالي نقابله سوياً...


+



نزلا معاً إلي بهو المنزل حيث كان هذا الرجل ينتظرهما...

والذي قام من مكانه عندما لمحهما ليصافح ياسين قائلاً بهدوء:

_تعازيّ الحارة سيد ياسين.

ثم التفت لرقية قائلاً:

_تعازيّ يا سيدتي...البقاء لله.


+



جلست رقية جوار ياسين الذي سأله بهدوء:

_لم نتشرف بمعرفة سيادتك.


+



ابتسم الرجل ابتسامة صفراء وهو يقول:

_اسمي مصطفي...دكتور مصطفي الشيمي...أعرف أن الوقت غير مناسب لكنني أردتك أن تدرك الفضيحة التي ألمت بعائلتكم.


2



عقد ياسين حاجبيه وهو يسأله:

_فضيحة؟!

سكت مصطفي للحظات ليعطي كلماته التأثير المطلوب....ثم قال بأسف مصطنع:

_آسيا ابنة عمك.

هب ياسين من مقعده ليقول بلهفة:

_ماذا عنها؟!

ابتسم مصطفي ابتسامته الصفراء وهو يقول :

_لم تمت كما تظنون.

ابتسم ياسين رغماً عنه ثم صمت لحظات مصدوماً.....

قبل أن يسأله بتلهف شديد:

_هل رأيتها؟!

هز مصطفي رأسه بإيجاب وهو يقول بأسف مصطنع:

_للأسف الموضوع مخجل لكنني مضطر لقول الحقيقة حتي تنقذوا الوضع.


+



نظر ياسين لرقية التي كانت مصدومة بدورها ثم قال له بقلق:

_ماذا تعني ب"مخجل" هذه؟!

أطرق مصطفي برأسه وهو،يقول :

_لقد هربت لتقيم مع رجل يدعي بدر في مزرعته في (..........).

تقدم ياسين نحوه ليجذبه من ياقة قميصه صارخاً بغضب:

_اخرس أيها الحقير...


+



هتف مصطفي بخوف واضح:

_اهدأ يا سيد ياسين ياسين...صدقني إنها الحقيقة.

قامت رقية لتقول لياسين بتوتر:

_اسمع منه يا ياسين...

ثم قالت لمصطفي بصرامة:

_أنت في فيللا عاصم الهاشمي...هل تدرك معني هذا؟!!!!يمكنني أن أزجك في السجن بإشارة واحدة مني...قل الحقيقة كلها.

نقل مصطفي بصره بينهما بقلق...

وهو يلعن غباءه وتهوره الذي دفعه للانتقام من آسيا وبدر بهذه الطريقة...

لكن...لم يعد هناك مجال للتراجع...

لهذا قال لياسين بتوتر:

_سأخبرك بكل ما أعرفه

================================


+



انتهى الفصل 

قراءة ممتعة 💙


+




السابع عشر من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close