رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الخامس عشر 15 بقلم سارة علي
"الجزء الاول من الفصل ...
جزء صغير محدود لكنه مهم جدا جدا ...
خاص بالثلاثي المرح اثير وهالة وكرم ...
الجزء تمهيد للنصف الأساسي من الفصل اللي هينزل بعد يومين واللي هو الأساس .."
+
غادرت توليب جناح هالة بملامح واجمة تماما ... لم تكن تتوقعا تصرفا كهذا من أثير ... متى بات أثير متهورا إلى هذا الحد ..؟! متى بات يتصرف بإندفاع ولا مبالاة هكذا ..؟! لطالما كان صارما رزينا يحسب حساب كل خطوة يخطيها ...
تنهدت بسأم مفكرة إنه العشق ... العشق الذي يغير قوانين الشخص تماما ... يهدم ما صنع نفسه عليه لأعوام ... ويصنع منه شخصا جديدا لا يعرفه ... شخصا مجبرا على أن يكون عليه حتى لو داخله غير راضيا عنه ...
نعم هو العشق ... الذي بقدر ما هو شعور جميل وتجربة لطيفة لكنه كمثل كل شيء يحمل جانبا مظلما عايشه الكثير ...
جانب مظلم لا خلاص منه ولا تحرر من ظلامه إلا بمعجزة ...
دلفت إلى جناحها والقلق يسيطر عليها ...
قلقة بشأن ابنة خالتها وشقيقتها وصديقة عمرها ...
وقلقة أيضا بشأن ابن عمتها ...!
اتجهت نحو سريرها تجلس عليه وعقلها يفكر فيما يحدث ..
زواج هالة يقترب وأثير لا يتوقف عن جنونه ...
هي نفسها باتت تخشى منه رغم إنها راهنت مسبقا على حكمته وثباته ...
اللعنة ، كيف تغير هكذا ..؟!
كيف حوّله العشق بهذه الطريقة ..؟!
هي تشفق عليه كثيرا ...
تحزن لأجله ..
آلم العشق لا يطاق .. آلمه مدمر ... حيث القلب والروح يحترقان .. حيث يفقد المرء سلام قلبه وروحه ... ثبات عالمه ... آمان عمره ...
حملت هاتفها تناظره بتردد ... هل تتصل به ...؟!
هي عليها أن تفعل شيئا ...
هي قريبة كليهما ...
عليها أن تساعد كليهما ...
يجب أن تحاول حتى ...
زفرت أنفاسها ببطأ وهي تناظر الهاتف بتردد ...
لحظات واتخذت قرارها الحاسم وبدلا من أن تتصل به قررت أن تذهب إليه لكنها تحتاج لمعرفة مكانه أولا ..
ستفاجئه في زيارتها كي لا يتهرب منها ...
اتصلت بسولاف تسألها عن شقيقها فأخبرتها إنه لا يقيم في القصر منذ أيام كما توقعت ...
علمت منها إنه يقيم في شقته وبتردد طلبت العنوان ...
بالكاد تهربت من أسئلة سولاف الفضولية وهي تأخذ العنوان ...
نهضت بعدها لتغير ملابسها وتذهب إليه ...
الوقت قارب على الخامسة مساءا ..
غالبا سيكون هناك الآن وهي عليها أن تلحق به قبل خروجه مجددا ...!
***
ركنت توليب سيارتها قرب العمارة ثم هبطت منها بتردد سرعان ما نحته جانبا وهي تتقدم بخطواتها الهادئة اتجاه العمارة ...
اتجهت نحو المصعد ووقفت أمامه تنتظر هبوطه بعدما أخذت رقم الطابق والشقة من سولاف ...!
ارتقت المصعد بعد ثواني وهي تتنهد بصمت ..
تتمنى أن تستفيد من هذه الزيارة ...
تتمنى أن تفعل شيئا لصديقتها المنهارة ...!
يؤلمها كثيرا أن تراها هكذا ...
هالة ابنة خالتها وأختها بالرضاعة وتوأم روحها ..
هي تتألم لألمها ..
لا تتحمل أن تراها تحمل هذا الكم من الوجع والضياع ...
انتبهت على باب المصعد الذي فُتِح تلقائيا فسارعت تغادره متجهة نحو الشقة عندما وقفت أمام الباب تأخذ نفسا عميقا قبل أن تضغط على الجرس بإصرار ..
أقل من دقيقتين وجدته يفتح الباب ..
سرعان ما علت الدهشة ملامحه وهو يردد بذهول :-
" تولاي .."
تقدمت إلى الداخل دون أن تنتظر دعوته ليزفر هو أنفاسه بملل قبل أن يغلق الباب ويتقدم خلفها ...
وضعت حقيبتها جانبا واستدارت نحوه عاقدة ساعديها أمام صدرها والجمود يسيطر على ملامحها ...
بدت مختلفة عن توليب التي عرفها ...
ملامحها الرقيقة تحمل صرامة غريبة ...
عيناها تقابلانه بثبات لا يخلو من الغضب ...
من الواضح إنها تحمل الكثير داخلها نحوه ...
هتف بسخرية باردة :-
" هل أرسلتك إبنة خالتك كمحامية عنها ..؟!"
أجابت على الفور :-
" ليست هالة من تحتاج لمحامي كي يدافع عنها ..."
أضافت بصلابة :-
" أنا من أتيت من تلقاء نفسي لأضع حلا لهذه المهزلة ..."
" حقا ..؟!"
نطق بها بتهكم نرفزها فسيطرت على عصبيتها بصعوبة وهي تخبره بجدية :-
" نعم يا أثير ... هذه المهزلة ستنتهي ..."
اتجه يجلس فوق الكرسي بعدم اهتمام بينما نطقت هي بهدوء جاد :-
" توقف عما تفعله يا أثير .... أنت لا تؤذي هالة فقط بل تؤذي نفسك ...."
أضافت بنفس الجدية التي بدت لا تشبهها إطلاقا لكن على ما يبدو إن توليب مثلها مثل الجميع لديها جانت حازم يظهر في الاوقات المناسبة :-
" اترك هالة وشأنها ... هالة عانت كثيرا وما زالت تعاني ..."
هتف ضاحكا :-
" حقا ...؟! هالة عانت إذا ..؟! "
هتفت بثبات :-
" نعم عانت وكثيرا ايضا ... هي لم تكن سعيدة عندما تركتك ... أبدا ..."
انتفض يصيح :-
" وماذا عني ..؟! هل كنت سعيدا ..؟! على الأقل هي كانت تعلم بما يجري ... أما أنا فكنت كالأبله لا أدرك ما يجري حولي ..."
" كانت مجبرة ..."
قالتها بقوة وهي تضيف :-
" لم يكن أمامها حلا آخر ..."
قال رافضا :-
" أنت تدافعين عنها لإنها إبنة خالتك ..."
" وأنت ابن عمتي ... لا تنسى هذا ..."
هتفت بها بنبرة قاطعة ليقول بتهكم :-
" لا تنكري إنك تدافعين عنها باستماتة ..."
قالت بصدق :-
" لإنها تستحق ... لعلمك أنا كنت أعلم بكل شيء منذ البداية ..."
تجهمت ملامحه بينما تسترسل :-
" لا أنكر إنني طلبت منها مرارا أن تخبرك بالحقيقة ... لكن واقعيا هي تصرفت بشكل منطقي ... والدتك أهانتها ... جرحتها وهي كان لا بد أن تنسحب بعد كل هذا ..."
صاح برفض لهذه المبررات السخيفة من وجهة نظره :-
" كان عليها أن تخبرني على الأقل ... أن تمنحني سببا لهذا الانفصال ..."
سألته بعينين ثبتتا فوق عينيه بتحدي :-
" هل كنت ستتركها ..؟! هل كنت ستحترم رغبتها بالانفصال ..؟! أم كنت ستجبر والدتك على الخضوع لك وقبولها في حياتك رغما عنها ...؟!"
" كنت سأحارب لأجلها ..."
قالها بثبات لتهتف هي بأسف :-
" وهي لم تكن تريد ذلك ... كانت تريد إنهاء هذه العلاقة .. بترها ... اقتلاعها من جذورها ... لم تكن تستطيع الاستمرار بعد الكلام الذي سمعته وكم الإهانة التي تعرضت لها وأنت لم تكن لتتركها أبدا ... كنت سترغمها على البقاء معك حتى لو رفضت ذلك كما كنت ستجبر والدتك على قبولها وهذا كان سيحطمها ... "
أخذت نفسا عميقا وهي تلاحظ تشنج ملامحه بينما تضيف بتروي :-
" أنت تعلم إن كلامي صحيحا .. تدرك صحة ما أقوله .. "
تسائل بتجهم عاد يكسو ملامحه :-
" لماذا أتيت يا تولاي ..؟!"
أجابت بهدوء :-
" أتيت لأجل هالة .. ولأجلك ..."
أخذت نفسا عميقا ثم أضافت :-
" أتيت لإنقاذك من شيطانك الذي يقودك نحو طرق مظلمة نهايتها مجهولة ... أتيت لأطلب أن تستفيق يا أثير وتتوقف عما تفعله والذي لن يؤذي هالة فقط بل سيؤذيك أنت أيضا ... كلاكما لا يستحق هذا الأذى .. كلاكما يستحق أن يحيا بسلام ..."
تأملها بنظرات مبهمة وعقله يتسائل عن سلامه المفقود منذ أعوام ... منذ رحيلها عنه ...
سمعها تضيف والرجاء الخالص يشع من عينيها :-
" راجع نفسك يا أثير قبل أن تقدم على شيء ستندم عليه طويلا فيما بعد .. ندما لا نهاية له ..."
تحركت بعدها تغادر الشقة تاركة إياه شاردا في كلماتها رغما عنها بينما تقدمت هي بعدها نحو سيارتها وأخذت مكانها في مقعد السائق قبل أن تسحب هاتفها من حقيبتها ..
تحتاج لمن يسندها فيما تفعله ..
كانت تعلم إن كلا من مهند وعادل الأقرب لأثير ولكن مهند لن يفيدها ...
مهند لن يتفاهم معه بل على العكس سيقلب العالم فوق رأسه ...
لم يكن أمامها سوى عادل فسارعت تراسله على حسابه في الفيسبوك كونها لا تملك رقمه ...!
***
دلف عادل إلى المطعم الذي اتفق مع توليب أن يلتقيها به ...
ما زال متعجبا من رغبتها برؤيته ...
بالتأكيد هناك مشكلة ما تخص مهند ..
هكذا فكر ..
فهو رغم معرفته بتوليب ووجود صداقة بينهما خاصة في فترة الثانوية لكن منذ سنوات وأصبحا لا يلتقيان إلا فالمناسبات العامة ولا يوجد تواصل بينهما إلا نادرا ...
ابتسم بهدوء وهو يتقدم نحوها لتبادله ابتسامته عندما سحب هو كرسيا له وقابلها في جلسته ...
تبادلا التحية قبل أن يشير إلى النادل ليطلب له القهوة بينما طلبت هي عصير البرتقال ...
عاد بأنظاره نحوها ليجدها تهتف بلطف :-
" أعتذر عن طلبي السريع لرؤيتك ..."
قال عادل بسرعة :-
" علام تعتذرين يا تولاي ..؟! منذ متى ونحن بيننا هذه الرسميات ..؟!"
ابتسمت بخفة قائلة :-
" معك حق ولكن ربما كنت مشغولا ... "
أضافت بخفوت :-
" لولا حاجتي الضرورية لمساعدتك ما كنت لأتصل بك وأطلب منك القدوم بهذه السرعة ..."
هتف يتسائل باهتمام :-
" تحدثي يا تولاي ... ماذا هناك ..؟!"
تنهدت ثم قالت :-
" أثير يا عادل ... أثير لا ينوي ترك هالة قبل تدمير زيجتها ..."
تغضن جبينه بينما يستمع لكلماتها قبلما تبدأ هي بالتحدث وسرد ما يفعله أثير ...
انتهت من إخباره بما يجب أن يعرفه ثم قالت بضيق :-
" هل هذا تصرف شخص عاقل يا عادل ..؟! أثير جن تماما ... "
تنهد عادل بسأم بينما اتى النادل يحمل المشروبات لكليهما ...
تابعه عادل بشرود وهو يضع العصير أمامها ثم القهوة أمامه ليشكره بإبتسامة صامتة قبل أن يقول بعدما غادر النادل :-
" سبق وتحدثت معه بشأن هذا الأمر .. "
أضاف بضيق :-
" لم أتوقع أن تصل رغبة الانتقام به إلى هنا ...!"
قالت توليب برجاء :-
" تحدث معه يا عادل ... "
أضاف بتنهيدة :-
" أنت أكثر شخص يمكنه أن يساعد في حل هذه الأزمة .. أنا أدرك جيدا مدى قوة علاقتك به ومدى تأثيرك عليه مثلما أعلم جيدا حكمتك وحنكتك في التعامل مع أمر كهذا ... زفاف هالة يقترب وأنا أخشى من حدوث مصيبة لا يحمد عقباها ..."
تنهد عادل مجددا بصوت مسموع قبل أن يقول بعد لحظات :-
" سأتحدث معه يا تولاي وأحاول أن أجد حلا لهذه المشكلة .. أثير يحتاج أن يستيقظ من هذا الجنون .. لا بد أن يفعل ..."
" لدي أمل كبير فيك وفي قدرتك على فعل ذلك ..."
قالتها بصدق ليبتسم بإقتضاب قبل أن يحمل فنجان قهوته ويرتشف منه القليل بينما عقله شارد في صديقه وما يفعله من جنون سيدمره هو قبل أي أحد ..
***
عادت توليب إلى القصر وداخلها تدعو الله أن يستطيع عادل التأثير على أثير وجعله يتراجع عما يفعله من حماقة ...
دلفت إلى جناحها لتغير ملابسها سريعا قبل أن تتجه نحو جناح هالة كي تطمئن عليها ...
وقبل أن تهم بخلع ملابسها وجدت هاتفها يرن فسارعت تجذب الحقيبة من فوق السرير وتفتحها ثم تخرج الهاتف لتتفاجئ برقم غريب يتصل بها ..
أجابت بحيرة فيأتيها صوته قائلا :-
" أنا عادل يا تولاي ..."
" اهلا عادل ..."
قالتها بسرعة وهي تضيف بتساؤل قلق :-
" هل حدثت مشكلة ما ..؟!"
أجاب بسرعة يطمأنها :-
" كلا ، لم يحدث شيء .. أنا فقط أردت منك شيئا ..."
سألت بحيرة :-
" شيء ماذا ..؟!"
" أريد صورة لهالة مع خطيبة ..."
نطقت باستغراب :-
" لماذا ..؟!"
تنهد مجيبا :-
" أحتاج لصورة لهما او حتى فيديو يظهر مدى حبهما وسعادتهما .. "
بهتت ملامحها بينما يضيف بهدوء :-
" أنتظرك ... حسنا ..."
ثم أغلق الهاتف بينما بقيت هي مكانها ساهمة تفكر فيما يخطط له عادل ...!
***
وقف أمام المرآة يتأمل ملامح وجهه المبللة بعد حمامه البارد ....
عيناه ثابتتان بنظرة قاسية باتت جزءا من شخصيته ...
القساوة التي احتلت روحه بسببها ...
ليس بسببها وحدها ..
بل بسبب والدته أيضا ...
الغريب في الأمر إن الطعنة أتته من أقرب إمرأتين لقلبه ...
في حياته هناك اثنين من النساء كن الأهم على مدار سنوات ...
والدته وشقيقته التي كانت ولا زالت بمثابة ابنته ...
ثم أتت هي ...
لتصبح الثالثة ..
مالكة القلب والروح ...
من منحها كل شيء دون تردد ... بثقة عمياء ...
وهاهو يلعن نفسه كل يوم بسبب إقدامه على ذلك ...
لم يكن يوما رجلا هوائيا .. لم يكن رجلا متسرعا أبدا ..
بل على العكس ...
كان دقيقا في كل تفاصيل حياته ..
صارما مع نفسه قبل أي أحد ...
حتى أتت هي وغيرت قوانينه كلها والغريب إنها ما زالت تفعل ذلك رغم كل ما فعلته ..
فهاهو ينسلخ من جلده .. يتلبس شخصية لا تشبهه بشيء ...
يتحول لشيطان مستغل أناني بسببها ... وكأنها سبب كل سوء يصيبه ...
وكأنها مرض لا خلاص منه ...
في حبها تغير وخسر الكثير وحتى في انتقامه منها يخسر الكثير ...
يخسر نفسه ...
يخسر روحه ...
روحه التي ما زالت متيمة بها رغم كل شيء ...
رغما عن كرهه لما فعلته ...
رغما عن رغبته الدفينة في الانتقام منها ...
رغبته في احراق قلبها وروحها كما فعلت به ...
هي تستحق .. تستحق كل الأذى .. تستحق أن تتألم ... أن تموت وجعها ..
ولكن ماذا عنه ..؟!
هل يستحق أن يخسر نفسه مجددا لأجلها ..؟!
***
غادر حمامه متجها نحو خزانة ملابسه ...
يخرج لنفسه ملابسا مريحة يرتديها قبل أن يهرب إلى النوم ...
متجاهلا تساؤلات عقله التي تلح عليه منذ فترة ...
متجاهلا حديث والده ونصيحته له ...
متجاهلا حديث توليب الصارم معه ...
هو يدرك إن الجميع يتحدث بما هو منطقي ..
يخبره بالشيء الصحيح ..
ولكنه يرفض التنازل ...
يرفض الخسارة ...!
غرق في نومه أخيرا ولم يستفق حتى المساء على صوت رنين جرس باب شقته ..
اعتدل في جلسته بتعب قبل أن يسحب ساعته فتتجهم ملامحه وهو يستوعب عدد الساعات التي نامها ...
نهض من مكانه بتكاسل متجها نحو الخارج حيث فتح باب شقته ليجد عادل أمامه يبتسم بهدوء وهو يلقي التحية ...
أفسح له جانبا ليتقدم إلى الداخل وهو يتسائل مضيفا :-
" كيف حالك ...؟!"
أجاب أثير وهو يغلق الباب خلفه :-
" بخير ..."
تقدم اتجاهه بينما جلس عادل فوق أحد الكراسي وهو يتابعه بعينيه ليجلس أثير قباله ...
سأله أثير باهتمام :-
" كيف حالك ..؟! كيف يسير العمل معك ..؟!"
رد عادل بجدية :-
" سأسافر قريبا .. "
" لأجل الدراسة ..."
أومأ عادل برأسه ليضيف أثير بخفة :-
" ستبقى تدرس طوال حياتك يا دكتور ..."
قال عادل ببساطة :-
" أحب اكتساب المزيد من الخبرة ... "
أضاف بعدها باهتمام :-
" أخبرني عنك أنت ...هل لديك سفر قريب ..."
غامت عينا أثير بنظرة بعيدة المدى لم تخفَ عن عادل بينما يجيبه باقتضاب :-
" ليس الآن ..."
صدح صوت عادل يسأل بجدية :-
" ألا تنوي التنازل وقبول الأمر الواقع ...؟!"
" لا أريد التحدث بهذا الموضوع مجددا ..."
قالها بنبرة حادة ليقاطعه عادل بصرامة :-
" بل سنتحدث ..."
أضاف متجاهلا حدة ملامحه :-
" وأنت ستسمع ما أريد قوله ... رغما عنك ..."
ومضت عينا أثير بنبرة حارقة يقابلها عادل بنظرة متحدية ...
رغم هدوء عادل وحلمه المعتاد كان يمتلك شخصية جادة وحازمة لها قدرتها الخاصة في التعامل مع من يقف أمامها مهما بلغ عناده وصلابة رأسه ...
" أنت لديك شقيقة يا أثير ..."
تجمدت ملامح أثير تماما ولم يتوقع بداية هذا الحديث منه بينما أضاف عادل بثبات :-
" ضع سولاف أمام عينيك وأنت تفعل ما تفعله ... تدمر حياة فتاة ...مثلها ..."
انتفض أثير من مكانه يصيح رافضا هذا المنطق الذي يتحدث به :-
" هي تستحق ... "
قاطعه عادل بحزم :-
" حتى لو ، هذا لا يعني أن تتصرف معها بهذه الطريقة ... طريقة لا تشبهك ولا تليق بك ..."
" مالذي تقوله أنت ..؟!"
قالها أثير برفض ليجيب عادل بصرامة :-
" أقول الحقيقة .. أنت تتعامل معها بطريقة قذرة ... "
تابع اتساع عيني أثير بغضب تجاهله وهو يضيف :-
" لا تنظر الي هكذا .. هذا الواقع ... شئت أم أبيت .... "
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
" ما تفعله لا يليق بك أبدا ... لا يناسب شخص مثلك ... والأهم من كل هذا إنك ستندم ... ستكتشف متأخر مدى سوء ما اقترفته بحق نفسك قبلها ... "
تنهد مضيفا :-
" أنت الآن لا تعي ما تفعله ... رغبتك بالانتقام تسيطر عليك تماما ... تعميك عن أي شيء عداها ... تجعلك تحوم حول فتاة وتسعى بأي طريقة لتدمير زيجتها متناسيا إن ما تفعله قمة الخسة والنذالة ..."
تابع صافعا كل شيء في وجهه :-
" لسنا نحن من نفعل هكذا ... لسنا نحن من نبتز النساء ونحاربهن ... هذا ليس مستواك يا أثير .. أنت لم تكن هكذا ... أبدا ..."
نطق أثير بجمود :-
" لإنك لم تتعرض لما تعرضت له ... تتحدث ببساطة .."
" كلا يا أثير .. لا تنسى إنني أدرك التفاصيل كاملة مثلما لا تنسى أنني صديقك بل أخيك الذي تهمه مصلحتك أكثر من أي شيء آخر ..."
تنهد عادل ثم استرسل :-
" نعم هالة أخطأت ... لكن خطئها لا يستحق هذا الكم من الحقد والرغبة بالانتقام بهذه الطريقة ... لا يستحق أبدا يا أثير ..."
راقب سكون ملامحه رغم جمودها وقد بدأ وكأنه يستمع باهتمام لحديثه بينما يضيف عادل بتروي :-
" هالة كانت صغيرة ووحيدة رغم كل شيء ... فجأة وجدت والدتك أمامها تطلب منها أن تتركك ... تهينها وتقلل من شأنها ... هي اضطرت لتركك ... لا يمكنك لومها على ذلك ..."
" هل تعي ما تقوله يا عادل ..؟!"
قالها بعدم استيعاب ليومأ عادل برأسه وهو يضيف :-
" نعم أدرك .."
أكمل يسأل عن قصد :-
" لو كنت مكانها ... لو كان والدها من رفضك وأهانك بل وأهان والدك وأصلك .. هل ستقبل بها ..؟!"
احتقنت ملامح أثير بقوة وعقله يهديه لجواب محدد ...
حينها ابتسم عادل وقد أدرك بفطنته جوابه دون نطقه ليضيف بحرص :-
" هالة لم تخطأ بتركها لك .. خطأها الوحيد إنها أخفت عنك الحقائق ... وهذا كان رغما عنها ... هي كانت صغيرة ولا تعي خطأ تصرفها ولم يكن هناك من ينصحها ... تعرضت لضغوط كبيرة ... لا يمكنك لومها حقا يا أثير ...ضع نفسك مرة واحدة مكانها .. جرب أن تنظر إلى الوضع العام من وجهة نظرها هي لا من مكانك ..."
تنهد عادل ثم قال :-
" هل تعتقد إنك سوف ترتاح إذا دمرت زواجها ...؟! على العكس يا أثير ... أنت لن ترتاح أبدا حينها وهالة ستكرهك حقا وقتها ..."
ابتسم أثير مرددا بسخرية :-
" هي تكرهني ... أساسا تكرهني ..."
" وهذا يحزنك ، أليس كذلك ..."
قالها عادل وهو يضيف :-
" لإنه رغم كل الحقد والغضب الكامن داخلك ما زال هناك جزءا منك يريد وصالها .. ما زال هناك جزء مغرم بها ... وهذا وحده كفيل بجعلك تتراجع عن أي انتقام منتظر لإنك فعليا لا تكرهها كما تحاول أن تقنع نفسك ومن حولك .."
أشاح أثير بوجهه بعيدا بينما أنهى عادل حديثه :-
" هالة لم تعد لك .. والانتقام لن يدمرها وحدها بل سوف يدمرك أنت معها ... "
" مالذي تريده مني يا عادل ..؟!"
سأله أثير بعد ثواني بتعب ليجيب عادل بهدوء :-
" أريدك أن تراجع نفسك قبل أن تقم بأي تصرف تندم ما تبقى من عمرك عليه ..."
ثم تقدم نحوه وهو يفتح هاتفه مخرجا صورة لهالة وكرم من يوم الخطبة حيث تناظره هالة وتبتسم له بحب ...
كان يعلم إنه يقسو على روحه ..
لكن القسوة مطلوبة بعض الأحيان ..
قد تكون قسوة الحاضر صفعة توقظه من أوهامه وتحيي مستقبله المظلم ...
وضع الصورة أمام عينيه ليلاحظ إهتزاز بؤبؤي عينيه بقوة ..
الاحمرار غزا حدقتيه تماما ...
الغضب تدفق بأوردته ..
نطق عادل بصلابة :-
" تحبه ..."
أكمل وكفه يهبط بالهاتف نحو ألأسفل :-
" تحبه يا أثير وأنت لا مكان لك بينهما ... "
أشاح أثير بوجهه بعيدا معتصرا كفيه بقوة مخيفة بينما أنفاسه تتلاحق عندما تقدم عادل نحوه أكثر قابضا على كتفيه بقوة وصلابة يخبره بثبات :-
" تقبل الأمر الواقع ... اتركها وشأنها وداوي أنت جرحك منها بنفسك ... "
تنهد ثم أضاف بحسم :-
" لن تفني عمرك كاملا تبكي على أطلال هالة ... لن يحدث هذا يا أثير ..."
أكمل بعزم :-
" عشق هالة مرضا عليك أن تتعافى منه ... تتحرر من قيوده ... "
" لا أستطيع ..."
خرجت منه ضعيفة مهزومة كإنهزام روحه في كل مرة يراها تحيا الحب معه ...
نطق عادل بثقة :-
" بل تستطيع ... فقط حاول ... قرر أن تتعافى منها وستفعل ... "
استدار أثير بعينيه الجامدتين نحوه لينهي عادل حديثه :-
" تذكر حديثي جيدا .. عشق هالة مرضا عليك أن تتخلص منه قبل أن يميتك يا أثير .. أنت قوي بما يكفي لتواجه هذا المرض وتقتلعه من جذوره ..."
***
تجلس فوق سريرها بملامح شاردة تماما ...
تفكر فيما هو قادم ..
فيما يخطط له ..
وما ستؤول اليه مخططاته ...
ربما سيخبر كرم الحقيقة ...!
بالطبع سيفعل ...
ولكن ماذا ينتظر ..؟!
ربما ينتظر يوم الزفاف أوقبل الزفاف بيوم حيث يدمر كل شيء في أسوء توقيت ...
أغمضت عينيها بوهن ...
ماذا عليها أن تفعل ...؟!
هل تخبر كرم ..؟!
كيف ستكون ردة فعله ...؟!
سيغضب بل ربما يتكرها خاصة بعدما باتت شقيقته طرفا بما يحدث ...
اللعنه عليها ...
ليتها أخبرته منذ البداية ....
ماذا كانت تنتظر ...؟!
تنهدت بصعوبة بينما تشعر برأسها يكاد ينفجر من كثرة التفكير والقلق ...
المخاوف تحيطها دون رحمة وهي تقف مكانها عاجزة عن فعل أي شيء ...
وكأنه أدرك تشتت أفكارها ...
راسلها بكلمات مقتضبة :-
" أريد رؤيتك ..."
فكرت أن تتجاهل رسالته لكن شيء داخلها منعه ...
ستذهب اليه ...
ستراه ..
ستتحدث معه..
لقد تعبت من الصمت والتفكير الذي لا ينتهي ...
تعبت من التفكير بما ينتظرها معه وعلى يده ...
نهضت من فوق سريرها بعزم ...
ستلتقيه وتنهي كل شيء اليوم حتى لو كلفها هذا خسارة كرم ..!
***
أمام باب شقته وقفت بثبات بعدما ضغطت على جرس الباب ...
أخبرته إنها ستزوره في شقته ..
قبل أن ينطقها هو ...
لحظات وفتح الباب لتتقابل عيناها بعينيه ...
عيناها ثابتتان بصلابة مثيرة للإعجاب وعيناه لا تقل ثباتا عنها ...
كلاهما يسعى لشيء ..
كلاهما يستعد للمواجهة ..
هي تبحث عن نهاية وهو يتمنى لو يخط بداية جديدة...
بداية مختلفة رغما عن كل شيء ...
تقدمت إلى الداخل بخطوات ثابتة ...
وضعت حقيبتها فوق الطاولة التي تتوسط غرفة الجلوس الصغيرة ثم استدارت نحوه ...
تجابهه بصلابة ...
بقوة ...
بعنفوان عاشقة هزمها العشق يوما ولم تأبه بل صنعت من هزيمته انتصارا لصالح كبريائها ..
إمرأة لم تبالِ وهي تدعس عشقها أسفل قدميها في سبيل نصر كبريائها ...
في هذه اللحظة هي قررت أن تخط نهاية هذا الحكاية ...
أن تضع حدا لكل هذه الفوضى التي أطاحت بحياتها حتى لو كلفها ذلك خسارة فادحة ستندم عليها لاحقا ..!
نظرات عينيها منحته رجفة لا إرادية بعثرت مشاعره تماما وحطمت ثباته ..
نظرة تحمل خلفها الكثير ...
هي اليوم قررت أن تنهي كلشي ..
ستضع أمامه كل الخيارات وهو من سيختار ...
ستمنحه فرصة الانتقام ..
ستلقي بنفسها في جحيمه لكن بإرادتها هذه المرة ...
هذا ليس استسلام بقدر ما هو تحرر من قيد عشقه وانتقامه الذي بقي يرهقها لسنوات طويلة ...
نطقت بنفس الثبات مقررة أن تقود هي الحوار وتبدئه بنفسها :-
" قل ما لديك ... قل ما تريده وسأفعله ..."
عيناها ازدادت قتامة وهي تخبره بهدوء :-
" كيف تريد حقك ...؟! بأي طريقة تريده ...؟!"
تأملها مليا بعينيه ...
نظراتها ...
ملامحها ..
صوتها ...
لغة جسدها ...
ثابتة بشكل مثير للإعجاب ...
كان يعلم إنها مختلفة ...
إن خضوعها لن يطول ...
ضعفها لن يستمر...
وحتى استسلامها مؤقت ...
هي أنثى تجيد الحرب أكثر من السلام ...
أنثى لا تهاب أي شيء ...
أنثى تعرف كيف تواجه ..
كيف تسيطر ...
كيف تتملك ..
وكيف تتحرر ..
وهي اليوم تسعى للتحرر..
" هذا ليس استسلام يا هالة ..."
قالها ببرود لترفع حاجبها وهي تخبره :-
" أنت تريد حقك مني ... وأنا أقف أمامك أخبرك بكل بساطة إنني مستعدة لذلك ... "
تقدمت نحوه خطوتين وهي تضيف ببساطة :-
" هل أترك كرم ...؟! أنهي كل شيء معه .. يتحطم قلبي ... أخسر الرجل الذي أحبه ... وحينها يتساوى كلانا ... "
أخذت نفسا عميقا ثم أضافت بنفس الجدية :-
" أنا مستعدة لفعل هذا ... مستعدة للإقدام على ما تريده وما يجعلك تستعيد حقك مني ... سأمنحك حقك بكل بساطة بدلا من أن تنتزعه مني بصعوبة ...."
واجهته بقوة وحزم :-
" ولكنك ستترك هايدي ... وكذلك كرم ... هما خارج هذه اللعبة ...."
" هل تحبينه حقا ..؟!"
سأل فجأة فوجمت ملامحها لثواني ...
لم تتوقع سؤالا منه كذلك ...
لكن بعد ثواني أجابت بملامح استعادت هدوئها وثباتها :-
" نعم أحبه .."
أضافت وهي ترسم ابتسمت باهتة على شفتيها :-
" من المفترض أن يسعدك هذا ... فأنت بإبعادي عنه ستحرق قلبي كما فعلت مسبقا وحرقت قلبك ..."
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه ...
مرارة لم ينطقها ظهرت في عينيه ..
للحظة شعرت بروحها تتبعثر ...
تلك النظرة في عينيه آلمتها بشكل لم تتوقعه ...
وفي لحظات غامت عينيه بنظرة مظلمة تماما ...
يخبرها والظلام يبتلع روحه دون رحمة :-
" وأنا أحببتك ... كثيرا ..."
تصلبت ملامحها كثيرا متجاهلة تلك النغزة التي شعرت بها عندما نطق بذلك ...
تنهد بصمت مفكرا فيما كان يفعله ...
أين كان سيصل بأفعاله ..؟!
هي تحبه ...
تحب كرم ...
وهو بات خارج قلبها ...
لم يعد له مكان فيه ..
وتلك الحقيقة كانت مؤلمة بمقدار آلمه عندما أدرك حقيقة تركها له ...
تنفس بقوة قبل أن ينطق بجدية :-
" انتهينا ..."
نظرت له بتعب ووجوم فيضيف بثقة :-
" نحن انتهينا .. منذ سنوات ... "
أغمضت عينيها لوهلة قبل أن تفتحهما مجددا وهي تومأ برأسها بينما تخبره :-
" نعم ، نحن انتهينا يا أثير ..."
أخذ نفس طويلا ثم همس بثبات :-
" غادري يا هالة ..."
طالعته بحيرة فأضاف بجدية :-
" غادري يا هالة ... كل شيء انتهى ... أنا لا أريد منك شيء ... لا أريد أي شيء بعد الآن ..."
أرادت أن تقول شيء ...
أن تتفوه بأي شيء ...
لكنها بقيت عاجزة عن النطق بحرف واحد حتى ...
مالت تسحب حقيبتها من فوق الطاولة ثم تتحرك مغادرة المكان قبل أن تستدير نحوه بنظرة أخيرة ...
نظرة وداع ...
نظرة تحمل اعتذارا صريحا ...
اعتذارا لم يحرك به أي شيء ....
بقي مكانه يطالعها بثبات ونظرة عينيه مبهمة لا توحي بشيء ...
تحركت هي تغادر المكان وبقي هو مكانه بقلب مجروح سيحتاج وقتا طويلا كي يطيب جرحه ...
وفي مساء نفس اليوم اتخذ قراره ...
ولأول مرة يستخدم سلطة والده ...
سيرحل ...
لعام ...
أو عامين ..
وربما أكثر ...
سيدبر والده له الأمر ويتم نقله ليعمل في احدى الدول البعيدة للغاية ...
هناك حيث سيبدأ من جديد ...
بعد هو يحتاجه ..
رحيل لا بد منه ....
***
بعد مرور أيام ...
تقف أمام المرآة الطويلة بفستان زفافها ...
خلفها كلا من شقيقتها وخالتها وتوليب التي تتأملها بفرحة باهتة ...
خالتها تتأملها بعينين دامعتين ترى فيها شقيقتها الراحلة بكل جمالها ....
شقيقتها تتأملها بفرحة ممزوجة بالحزن ..
فرحة لشقيقتها الوحيدة التي ستزف بعد يومين للرجل الذي تحبه وتريده بحق وحزن لابتعادها عنها بعد كل هذه السنوات ...
التفتت هالة تسألهن بحرص :-
" لا يحتاج إلى تعديلات إضافية ، أليس كذلك ...؟!"
هزت خالتها رأسها نفيا وهي تكفكف دموعها لتتقدم هالة نحوها تحتضنها وهي تهتف :-
" لا تبكي يا خالتي ... أرجوك ..."
عانقتها خالتها بحب أمومي ...
بينما قالت همسة بجدية :-
" هيا غيري الفستان بسرعة ... لا تبقي به هكذا كي لا يصاب بأي ضرر دون أن تنتبهي ..."
" معك حق ..."
قالتها هالة وهي تتجه نحو غرفة تبديل الملابس قبل أن تقع عينيها على توليب الساهمة تناظرها بشك وقلق ...
تحركت تغير فستانها قبل أن تخرج مجددا بعدما وضعته بعناية في مكانه لتجد توليب ترتب أغراضها عندما سألتها وهي تجلس على السرير بتعب :-
" هل أنت بخير يا تولاي ..؟!"
نظرت توليب نحوها لوهلة قبل أن تتوقف عما تفعله وتتقدم اتجاهها تخبرها :-
" بخير ..."
ثم جاورتها في جلستها لتسألها هالة مجددا :-
" تبدين حزينة ..."
نطقت توليب دون مواراة :-
" أثير سيسافر ..."
" يسافر ..."
نطقتها هالة بعدم استيعاب بينما قلبها ينتفض بين أضلعها لتومأ توليب برأسها دون رد ...
" هو دائما يسافر .. بسبب عمله ..."
قالتها هالة بخفوت لتهمس توليب بصعوبة :-
" هذه المرة الأمر مختلف .. هو طلب هذا السفر ... وسيبقى ما لا يقل عن عام خارج البلاد ...."
ابتلعت هالة غصة تشكلت في حلقها وهي تخبرها بصعوبة :-
" بسببي ... سيسافر بسببي ..."
" أنت لا دخل لك .. عمتي هي السبب ..."
قالتها توليب بصدق لتهز هالة رأسها بشرود عندما قالت توليب بصدق :-
" أخبرتك بذلك كي تستريحي ... فأنا أعلم إنك ما زلت قلقة بشأنه ... أثير كان صادقا معك ... الأمر انتهى بالنسبة له .. لذا كوني مطمئنة ..."
رفعت هالة عينيها نحوها تناظرها بصمت لوهلة قبل أن تهمس :-
" ولكنك حزينة ..."
هزت توليب رأسها موافقة قبل أن تهتف :-
" نعم ، لإنه يتألم ... لإنه مثله مثل الكثير دفع ثمن ذنب ليس ذنبه ..."
تنهدت مضيفة بخفوت :-
" الحب مؤلم يا هالة ... مؤلم للغاية ..."
تحركت بعدها تغادر جناحها تاركة هالة مكانها بعينين شاردتين ..
العشق مؤلم ...
كثيرا ...
هي من تسبب بهذا الألم له ..
وهي من تسببت برحيله ..
لكن ماذا تفعل ...؟!
شاء القدر أن يحيل بينهما ..
مثلما شاء القدر أن يدخل كرم حياتها وتجد نفسها معه ثم تحبه ...
تنهدت بألم ...
هو رغم كل شيء لا يستحق ذلك ...
لا يستحق أن يتعرض لهذا الأذى ...
ناظرت هاتفها بتردد ...
تريد أن تراه ...
تحتاج أن تفعل ....
ترددت في البداية لكنها نهضت من مكانها بعزم ...
يجب أن تتحدث معه قبل رحيله ...
تحتاج لذلك ...
تحتاج لأن تخبره إنها أحبته يوما ما وكثيرا أيضا ...
يحتاج لسماع هذا منها ...
تحركت تغير ملابسها سريعا قبل أن تتجه نحو جناح توليب ...
تسألها عن مكانه ...
تجاهلت رفض توليب لما ستفعله ...
أخبرتها بصلابة إنه يستحق وداع ...
يستحق أن يعلم إنها أحبته يوما ،..
مثلما يستحق أن يعلم إنه لم تكرهه كما كانت تدعي ..
ربما هذا سيخفف من وطأة شعوره بالخديعة ...
ربما سيحرره من قيد عشقها ...
هو يحتاج لنهاية ...
يحتاج لبداية جديدة ...
يحتاج أن يجد نفسه مجددا ...
أن يتحرر من مشاعره نحوها ...
غادرت تقود سيارتها نحو مقر شركة والده حيث علمت إنه هناك ينهي أعماله قبل المغادرة ...
بقيت تنتظره في سيارتها ...
حتى وجدته يهم بالمغادرة لتفتح باب السيارة وتهبط منها منادية عليه بينما تصنم هو مكانه ونبرة صوتها تتسلل لمسامعه ...
التفت نحوها ليجدها تنظر اليه برجاء ...
رجاء لم يفهمه قبل أن تغلق باب السيارة وتتقدم نحوه ...
وصلت اليه ووقفت قباله ثم نطقت بخفوت :-
" سمعت إنك ستسافر ..."
أومأ برأسه وملامحه صلبة تماما لتهمس مجددا بخفوت :-
" أتيت لرؤيتك ... قبل رحيلك .."
" لماذا ..؟!"
سألها بجمود وتلك النظرة القاتلة في عينيه أربكتها لتنطق دون تفكير :-
" لأخبرك إنني كنت أحبك بحق .. أحببتك حقا .. أحببتك كثيرا ...."
راقبت جمود ملامحه بينما تضيف بتردد :-
" ولتعلم إنني تعذبت كثيرا في بعدك ... أخذت وقتا طويلا للغاية حتى تخطيت ذلك ... "
ارتسمت إبتسامة هازئة فوق شفتيه بينما تضيف بملامح صادقة :-
" كما إنني لم أكرهك يوما ... "
" ما مناسبة هذا الكلام ...؟! ولم الآن ..؟! هل سببه تأنيب الضمير ...؟!"
لم تجب ...
لن تجد جوابا مقنعا ... نعم كان ضميرها يؤنبها ..
هي جرحته كثيرا وكلما تذكرت هكذا كلما كرهت نفسها ...
ترقرقت الدموع في عينيها ...
هذا الشعور يؤلمها كثيرا ...
ربما أكثر من شعورها وقتما خسرت حبه ...
" هل تبكين يا هالة ..؟!"
سألها مصدوما بتلك العبرات التي ملأت عينيها لتهز رأسها نفيا بسرعة وهي تسارع كي تمحي عبراتها بينما تهمس بخفوت :-
" كلا .."
نظرت بعدها له بعينيها ليرى الألم يشع منهما عندما همست :-
" آسفة .. "
ترقرقت الدموع في عينيها مجددا وهي تضيف بحشرجة :-
" أنا آسفة يا أثير ..."
أخذت نفسا عميقا بينما تجاهد للتماسك أمامه وعدم الإنهيار باكية ثم قالت بثبات مصطنع تخفي خلفه رغبة عارمة في البكاء :-
" أعتذر عن كل شيء ... أعتذر عما سببته لك ..."
ضعفت ملامحها وخرج صوتها مبحوحا مقهورا :-
" لم أكن أريد حدوث ذلك... لم أكن أريد إيذائك ..."
سقطت دمعه من عينها .. دمعة واحدة تشهد على عذابها و آسفها و ذنبها الذي يقيدها :-
"لم أتوقع أن يحدث كل هذا .. "
همست بإبتسامة بائسة :-
" ظننتك ستنسى .. تتخطاني بعد فترة .. هذ ما ظننته .. ليتني لم أفعل ذلك ... ليتني لم أتصرف بتلك الطريقة وقتها .. أنا آسفة .. آسفة كثيرا .. "
بهتت ملامحه لوهلة غير مستوعبا ما تقوله ...
كيف تعتذر منه بهذه البساطة ...؟!
لا ينكر إن أعتذارها الصادق مس روحه قليلا ...
تنهد ثم قال :-
" لا عليك ... انتهى ..، كما قلت سابقا ..."
أومأت برأسها وهي تخبره بتماسك :-
" نعم انتهى .."
ثم رفعت عينيها الرماديتين نحوه تخبره :-
" ما جمع بيننا يوما صعب نسيانه ... أنت كنت حبي الأول ... التخطي لم يكن سهلا بالنسبة لي ... صدقني ..."
ثم مدت كفها تربت فوق كتفه تخبره بإبتسامة صادقة :-
" اتمنى لك السعادة حقا يا أثير ... أنت تستحق كل خير ..."
توقفت لوهلة ثم قالت :-
" مجددا سامحني ... "
نطق بعد ثواني :-
" وأنا اتمنى لك الموفقية في حياتك القادمة ..."
أخذت نفسا عميقا ثم ابتسمت بصعوبة وهي تتمتم :-
" شكرا ...."
ثم همت بالتحرك عندما نادى عليها فالتفتت نحوه ليخبرها بجدية :-
" اعتني بنفسك جيدا ..."
قالها بصدق ....
رغم كل شيء هي لا زالت حبيبته ...
لا زالت هالة الصغيرة التي أحبها في مراهقتها ..
هالة التي كان يحميها حتى من نفسه ...
عادت الدموع تترقرق في عينيها بينما تخبره :-
" وأنت كذلك ... اعتني بنفسك ...."
ثم اتجهت نحو سيارتها بينما بقي هو يتأملها حتى غادرت المكان غافلا عن تلك التي تبعته بالصدفة تتسائل عن سبب رحيله إلى الخارج بشكل مفاجئ والغضب يملأ كيانها لإن سفره هذا دمر مخططها بالانتقام منه لتتفاجئ بخطيبة شقيقها تنتظره قبل أن يقفان سويا يتبادلان الاحاديث وملامحهما تشي بما كان بينهما من قصة قديمة ...!
لم تستطع سماع حديثها بسبب بعد المسافة لكنها سارعت تصورهما بهاتفها والغضب يتدفق في عروقها دون رحمة ...
الصورة باتت واضحة أمامها ...
محاولاته المفاجئة للتقرب منها ...
اعتذاره المزيف ...
لم يكن لأجلها ..
بل كان لأجل الخائنة خطيبة شقيقها ..
ودون أدنى تردد وضعت الفيديو أمام عيني شقيقها تخبره بما بينهما ..
بالعلاقة التي جمعتهما ...
باستغلاله لها ..
تقربه منها وخداعها فقط لأجل خطيبته ...
بإستغفال كليهما له ...
تحدثت بالكثير بينما هي لا تعرف سوى ما رأته ...
لم تهتم بإختلاق قصص قد تكون غير صحيحة ...
الغضب أعماها ...
أرادت أن تهدم كل شيء فوق رأسيهما ...
أن تفضحهما أمام الجميع وأولهم شقيقها ...
لم تأبه حتى بلوعة شقيقها والطعنة التي ضربته في مقتل وهو يرى ذلك الفيديو ويدرك ما كان يحدث خلف ظهره ...
يتبع
+
الفصل الخامس عشر
+
( الجزء الثاني )
+
كذب ...
+
خداع ...
+
خيانة...
+
غدر ...
+
استغفال ..
+
كلها مسميات طعنت قلبه بلا رحمة بينما شقيقته تبث حديثها الحاقد على مسمعه ..
+
" كانت تستغلك ... تخدعك "
+
" كانت بينهما علاقة طويلة ..."
+
" ما زال يحبها ويريدها وربما هي أيضا ما زالت تريده .."
+
" خدعني أنا أيضا .."
+
" أخبرني إنه يحبني ..."
+
" عرض الزواج عليّ ثم تراجع ..."
+
" قرر الرحيل بعيدا والسبب زفافها ..."
+
" كان يخدعني لأجل التقرب منها ..."
+
" كان يستغلني على أمل أن يدمر زواجكما ..."
+
" كان يريد منها تركك ..."
+
" لم أصدق عيني وأنا أراهما ... لم أستوعب ما يحدث ..."
+
" كانت تضمه قبلها ... تعانقه يا كرم وأنا لم ألحق وأصور ذلك ... كنت مصدومة وحالما أفقت من صدمتي سارعت أصور ما يجري بينهما ... "
+
كل كلمة كانت تنطقها كانت تمثل طعنه ليس بقلبه فقط المتيم بها بل لكبريائه الذي سحقته أسفل قدميها ...!
+
كيف فعلت به هذا ..؟!
+
كيف استطاعت ...؟!
+
أحبها بكل ما يملك ...
+
منحها قلبه وروحه والقادم من حياته ...
+
كانت حلمه المنتظر والذي سيحياه قريبا ...
+
حلم تحول إلى كابوس أسود ...
+
تابعته هايدي بتحفز ...
+
عيناه الخضراوان باتتا حمراوان بشكل مخيف ...
+
كفاه المضمومتان بقبضة قوية جعلت عروقهما بارزة بشكل شديد وكأن عروقه ستنفجر في الحال ...
+
كان غاضبا ...
+
غاضبا بشكل تراه للمرة الأولى عليه ...
+
الغضب فاق الألم في تلك اللحظة ..
+
بل تملك من كل شيء ...
+
اندفع خارج الغرفة بغضب مدمر فلحقت به بسرعة تنادي عليه برجاء ...
+
ليس هذا ما تريده ...
+
ليس هذا ما يجب أن يفعله ...
+
لا تريده أن يذهب اليها ويصرخ بها ويرمي المقطع في وجهها ...
+
كلا ليس هذا ما سيشفي غليلها ...
+
أخذت تصرخ وهي تتبعه بينما يندفع هو بأقصى سرعته ...
+
بغضب كاسح ومخيف ...
+
وجدته يتجه نحو سيارته المصفوفة بالكراج ...
+
يشغلها بينما تتقدم هي نحوه تصيح :-
+
" لن تذهب إليها ..."
+
" دعيني وشأني ..."
+
صرخ بها وهو يدفعها بينما يندفع ليركب سيارته فاندفعت هي بدورها تركب على الجانب الآخر ثم تقبض على أنامله التي تهم بتشغيل السيارة فيلتفت لها بعينين ناريتين أهابتها لوهلة ...
+
كانت نظرته قاسية بشكل مخيف..
+
لم تعتقد يوما أن تحمل عينا شقيقها اللطيفتين هذه القسوة ...
+
" ابتعدي عني يا هايدي ..."
+
قالها صارخا بها بصوت جهوري لتهتف بصوت حاد قوي :-
+
" اسمعني اولاً..."
+
أكملت وهي تشدد قبضتها على أنامله :-
+
" إياك أن تذهب إليها .. إياك يا كرم ..."
+
عاد إلى الخلف بجسد وأنفاسه اللاهثة بصعوبة تشهد على غضبه وآلمه وصدمته ...
+
" خدعتني ... تلاعبت بي ... "
+
همست بضعف مفتعل :-
+
" تلاعبا بنا ... بكلينا يا كرم ..."
+
أغمض عيناه بيأس ... بوجع ...
+
هو عاشق مقهور ...
+
وأخ مكسور ...
+
فتح عينيه بعد ثواني فتجمدت مكانها وهي ترى العبرات الجامدة فيهما ...
+
قالت بسرعة معترضة :-
+
" كلا يا كرم .. لن تبكي بسبب هذين الحثالة .. أبدا ..."
+
سارع يخفض وجهه قليلا يمسح فوقه بكفيه بينما نطقت هي بتروي مقصود :-
+
" اهدأ يا كرم كي نفكر جيدا فيما ستفعله معها ...."
+
انتفض يهتف بإنفعال :-
+
" ماذا سأفعل ..؟! سأتركها .. "
+
" بهذه السهولة ..."
+
نطقتها على الفور فألتفت ببصره نحوها بينما تضيف هي بهدوء جاد :-
+
" دون أن تعاقبها ... دون أن تأخذ حقك منها ...."
+
أظلمت عيناه مجددا ...
+
بينما أضافت هي بحذر :-
+
" أنت تحتاج أن تأخذ حقك منهما وأنا كذلك .... ما فعلاه قمة في الحقارة يا كرم وعليهما أن يدفعها ثمن حقارتهما ..."
+
نطق بغضب وإندفاع :-
+
" ما أريده الآن هو أن أقتله بيدي هاتين وربما أقتلها هي أيضا ..."
+
" وهل هذا هو الحل المناسب برأيك ..؟!"
+
تسائلت ببرود ليتسائل بتعب :-
+
" مالذي تريديه يا هايدي ...؟!"
+
أجابت ببساطة :-
+
" أريدك أن ترد لهما هذه الصفعة الغادرة بنفس الطريقة ودون أن توسخ يديك فيهما ..."
+
" وكيف سيحدث هذا ان شاءالله ..؟!"
+
سألها بسخرية مريرة لتلمع عينيها وهي تخبره :-
+
" فكر أنت .. كيف تنتقم منها ..؟! كيف ترد لها الصفعة ..؟! كيف ترد لها غدرها وخداعها واستغفالها لك ..؟؟"
+
كانت تتعمد تكرارا نفس الكلمات رغم إدراكها إن تلك الكلمات تهبط كالسوط فوق روحه تجلدها دون رحمة ولكن هذا ما تحتاجه ...
+
ليتألم أكثر وبقدر آلمه سيكون انتقامه ...
+
" سأتركها .. انتهى الأمر .. "
+
" بسهولة ..."
+
قالتها بحاجب مرفوع ليصيح بعصبية :-
+
" ماذا أفعل إذا ..؟! "
+
" نعم أنت ستتركها لإنك بالطبع لن تستمر معها بعدما فعلته بك .. بعدما خدعتك ... ولكن ..."
+
توقفت قليلا وهي تضيف بقوة :-
+
" ستتركها في اللحظة الأخيرة قبل زفافكما ... ستغدر بها نفس الطريقة التي غدرتك بها .."
+
بهتت ملامحه لوهلة وعقله لا يستوعب ما تخطط له ..
+
" ولكن ..."
+
" لن تذهب إلى الزفاف ..."
+
قاطعته بجمود وهي تضيف بشر متأصل بها :-
+
" لن تجعلها تشعر بأي شيء حتى موعد الزفاف .. وفي نفس التوقيت الذي ستبدأ به مراسيم الحفل، تكون أنت في الجو عائدا إلى أمريكا وأنا سأسلّم ذلك الفيديو لزوج شقيقتها بنفسي ..."
+
لمعت الشماتة بعينيها وهي تهمس بصوت كالفحيح :-
+
" لا أحد سوف يستطيع إنقاذ سمعتها حينها .. حتى هو .. طيارته ستنطلق قبل الزفاف بساعات .... "
+
أضافت تقنعه بإستماتة :-
+
" هذا أفضل انتقام يا كرم .. انتقام لنفسك وكرامتك ..."
+
تأملت ظلام عينيه المهيب ..
+
القسوة والجمود الذي كسا ملامحه لأول مرة بهذه الطريقة وهي تضيف بحقد لا ينضب :-
+
" وانتقام لي أيضا ... أنا يا كرم .. شقيقتك التي خدعاها وتلاعبا بها و بمشاعرها دون رحمة ..."
+
كانت تجيد انتقاء كلماتها ...
+
تعرف كيف تلعب على وتر مشاعره المحتدة ...!
+
تمنحه أفضل وسيلة انتقام هي تحتاجه بقدره وربما أكثر فالغضب داخلها لن ينطفئ إلا برد قوي وقاسي يحطم كليهما دون رحمة ...
+
ثم مدت كفّها نحو قبضته المضمومة تلمسها بحنو وهي تخبره :-
+
" صدقني هذا الأفضل لك .. إذا ذهبت إليها الآن ستخترع لك كذبة جديدة وربما ستضغط عائلتها عليك ... وربما مشاعرك ستحن إليها فتجد نفسك متجاوزا ما حدث متزوجا بها وهذا لا أريده لك يا كرم ..."
+
تأملت القهر الذي نبع من نظرات عينيه فأضافت :-
+
" لا أريدك أن تضعف أمامها ... أريدك أن تأخذ حقك منها كاملا فهذا وحده ما سيخفف من غضب روحك وقلبك ... "
+
وفي الواقع لا شيء سيخفف من غضب روحه وقلبه وآلمهما فالطعنة أتت من آخر شخص توقعه ...
+
من المرأة التي أحبها بكل كيانه وشاركها كل لحظة من سنواته الفائتة ...
+
المرأة التي توجها ملكة عمره القادم ...
+
المرأة التي كانت تمثل الأبدية بالنسبة له ..
+
***
+
تهاتفه منذ أيام دون رد ...
+
لا تفهم أين اختفى فجأة ...؟!
+
لم يعد يتواصل معها ...
+
بعد ذهابها معه لمنزل عائلته وظهورها الأول أمام إياس اكتفى هو باتصالات مقتضبة قبل أن يختفي فجأة منذ أيام ...
+
وهاهي تتقلب على الجمر تنتظر أي اتصال منه فهي مرتبطة به ولا تستطيع أن تخطو خطوة واحدة دونه ...
+
الشكوك تساورها منذ اختفائه ..
+
ربما يكون لإياس دخلا بهذا ..
+
إياس الذي لم يتحرك خطوة واحدة بعد ذلك اللقاء في قصر العائلة ..
+
انتظرت مجيئه ...
+
انتظرته أن يهدم العالم فوق رأسها لكنه لم يفعل ...
+
لم يظهر أبدا ...
+
تنهدت بسأم وهذا العجز يزعجها ...
+
عادت تحمل هاتفها تتصل به من جديد تأمل أن يكون هاتفه مفتوحا هذه المرة ويجيب عليها ..
+
وكالعادة وجدته مغلقا لترميه على الكنبة جانبا وهي تقضم شفتيها بعصبية ...
+
رنين جرس الباب جعلها تنتفض من مكانها ببعض الحيرة ..
+
من أتى لزيارتها ..؟!
+
فتحت الباب لتتجمد مكانها وهي تراه أمامها واقفا بخيلاء كعادته وعيناه تنظران نحوها بغموض أربكها قبل أن يخرج صوتها مبحوحا :-
+
" إياس ..."
+
تجاهلها وهو يدلف إلى الداخل لتتجهم ملامحها وهي تغلق الباب خلفه ثم تندفع تصيح بضيق :-
+
" كيف تدخل دون إستئذان ..؟!"
+
جلس فوق الأريكة بلا مبالاة قبل أن يرفع حاجبه وهو يتسائل بخفة :-
+
" وهل أنا غريب يا مروة ..؟!"
+
وضع قدما فوق الأخرى وهو يشير لها بكفه أن تتقدم وتجلس على الكرسي جانبه ...
+
تحركت بذقن مرفوع وهي تجلس جانبه على بعد مسافة قصيرة بينما سألت بملامح متحفزة :-
+
" ماذا تريد ..؟؟ لماذا أتيت ..؟!"
+
" على أساس إنكِ لم تنتظرِ مجيئي منذ أسابيع ..."
+
قالها بسخرية باردة لتهتف بجمود :-
+
" بلى انتظرت ... ولم تأتِ ... ولا أفهم لمَ تذكرتني وأتيت الآن ..."
+
مط شفتيه مرددا ببساطة :-
+
" لوضع النقاط على الحروف ..."
+
سألته بإستخفاف :-
+
" كيف مثلا ..؟؟"
+
أكملت وعيناها تتحدانه :-
+
" ليكن بعلمك أنا لن أهتم بأي تهديد يصدر منك ..."
+
أضافت وهي تعقد ساعديها أمام صدرها :-
+
" ولن أقبل بأي عرض منك مهما كان مغريا ..."
+
" مالذي تريدنه إذا ..؟!"
+
سألها بهدوء لتجيب بإقرار :-
+
" أريد شيئا واحدا أنت تعرفه ودونه لن أتنازل عن حقوقي ..."
+
" وماهي حقوقك يا هانم ..؟!"
+
تسائل بإستخفاف لتجيبه بثبات :-
+
" حق سنواتي التي أضعتها معك ... حياتي التي وهبتها لك .. "
+
نهض من مكانه يسير بخطوات قليلة قبل أن يقابلها في وقفته وهو يهتف بخفة :-
+
" لا تبالغي يا مروة .. ولا تلعبي دور الضحية .. آية سنوات تلك التي وهبتيها لي ..؟!"
+
أكمل وعيناه تنظران نحو عينيها بثبات :-
+
" لماذا لا تفهمين إن كل شيء كان بأرادتك ... وإن العلاقة بيننا كانت متبادلة ..."
+
" متبادلة ..؟! "
+
نطقتها بعدم استيعاب ليومأ برأسه وهو يردد :-
+
" مالذي منحتيه لي يا مروة ..؟! فعليا لم تمنحيني سوى جسدك ... أنت بكل الأحوال كان لديك حياتك قبلي وبقيت حياتك كما هي ... لم يتغير بها شيء سوى علاقتنا .. أنا حتى لم أؤثر يوما على عملك ولا على أي جزء من حياتك ... نحن بالكاد كنا نلتقي مساءا وحتى ليس بشكل دائم ... كانت تمر أيام طويلة لا نلتقي بها إما بسبب مشاغلي أو بسبب عملك فلماذا تصرين على لعب دور المضحية التي فنيت عمرها لأجلي ..."
+
انتفضت تصيح وكلامه يجلد روحها دون رحمة :-
+
" جيد إذا .. أنا لم أمنحك شيئا عدا جسدي .. وأنت .. ماذا منحتني في المقابل ..؟!"
+
قال باقتضاب :-
+
" المتعة ..."
+
كادت أن تفلت منها شهقة كتمتها بصعوبة غير مستوعبة خسته ووقاحته بينما أضاف هو ببساطة :-
+
" نحن تشاركنا المتعة أيضا... ببساطة ..."
+
" أنت لا ترى نفسك مذنبا إذا ولا تراني أستحق منك نهاية مختلفة عن تلك التي رسمتها وحددتها لي ولنفسك ..."
+
نطقتها بصعوبة بينما تكابت دموع حارقة ملأت عينيها ليجيب بقسوة متأصلة به :-
+
" أي ذنب بالله عليك ..؟! هل كنت فتاة مراهقة وغررت بها ...؟!"
+
استجمعت قوتها وصلابتها بصعوبة وهي تسأل بتهكم :-
+
" ماذا تريد الآن ..؟! لماذا أتيت ..؟؟"
+
أكملت بتحدي :-
+
" لا تقل إنك أتيت لتخبرني هذا الكلام الغبي ..."
+
" بل لأتيت لأحذرك يا مروة .. رأفت يستغلك ..."
+
قاطعته باستهزاء :-
+
" وما المشكلة في ذلك ...؟! أنت فعلتها قبله ..."
+
ضحك بسخرية قبل أن ترتسم الجدية على ملامحه ويخبرها بثبات :-
+
" ما تفعلينه ليس من صالحك أبدا ..."
+
سألته بمكر :-
+
" هل أنت خائف ...؟!"
+
هتف ببرود :-
+
" ممَ سأخاف ..؟!"
+
نطقت ببرود :-
+
" مني .. مما سأفعله .. ربما أفضحك أمام خطيبتك ... "
+
لاحظت تغضن جبينه برفض لتضيف :-
+
" أذهب وإليها وأخبرها عن علاقتنا الطويلة ... عما جمع بيننا لأعوام ..."
+
" ستكونين جنيتِ على نفسكِ حينها حقا يا مروة ..."
+
نبرته الصلبة القوية لم تؤثر بها بتة بينما تخبره بإصرار :-
+
" لا يهمني .. صدقني يا إياس ... أنا وصلت لمرحلة لا يهمني فيها أي شيء ... أيا كان ما ستفعله فأنا لا أهتم .. سأنال حقي منك حتى لو كلفني هذا حياتي ...."
+
تأملها بوجوم ..
+
بدت جادة في حديثها ....
+
لم تكن تهدد فقط ...
+
" ولكن قبل موتي سأهدم المعبد فوق رأسك ورأسها كما يقولون ..."
+
أنهت حديثها بثبات وقوة ...
+
هي لا تهاب شيئا ...
+
ستفعل ما بوسعها لاستعادته أو ستدمر حياته كما دمر هو حياتها وقلبها ...!
+
تنهد بصمت ثم سأل بهدوء :-
+
" ومن قال لك إن توليب ستتركني إذا ما عرفت الحقيقة ..؟! علاقتنا انتهت قبل خطبتنا ... "
+
" ومن قال إنها ستتقبل علاقتك السابقة معي ..؟!"
+
سألته بدورها بينما تضيف وهي تراقب امتعاض وجهه :-
+
" لو كنت واثقا من تجاوزها هذا ومسامحتك عليه ما كنت لتقف أمامي الآن تطلب مني التراجع عن ذلك ... ما كنت لتخشاني ..."
+
صاح بحدة :-
+
" أنت تعلمين إنني يمكنني إخراسك بأكثر من طريقة..."
+
وضعت قدما فوق الأخرى تسأله بتحدي :-
+
" ماذا تنتظر ...؟! "
+
أجاب ببرود :-
+
" لا أريد إيذائك .. أمنحك فرصة جديدة قبل أن أتصرف بشكل سيؤلمك .. "
+
انتفضت من مكانها تصيح به :-
+
" جرب أن تؤذيني وستتفاجئ حينها بما يحدث ... لا تستهين بي يا إياس ... في النهاية أنت لا تعرف كل شيء عني ... بل ربما لا تعرف أي شيء ..."
+
***
+
في المشفى ...
+
كانت تسير بجانبه تتبادل الأحاديث معه بينما يخبرها :-
+
" هالة ستتزوج بعد يومين تليها تولاي بعد شهرين ... "
+
ابتسم مضيفا :-
+
" لا أستوعب متى كبرتا هاتين الفتاتين ووصلتا لسن الزواج ..."
+
قالت مبتسمة بدورها :-
+
" أنت حزين لإنها سيبتعدان عنكم .. أليس كذلك ..؟!"
+
" للأسف هذا صحيح .."
+
أضاف بصدق :-
+
" سنفتقدهما كثيرا ... "
+
تنهدت ثم قالت :-
+
" صحيح ، خاصة إنها سيغادران خلال نفس الفترة ..."
+
أومأ برأسه بصمت بينما أكملت هي :-
+
" وفقهما الله في حياتهما القادمة ..."
+
" آمين .."
+
قالها وهو يضيف :-
+
" ووفقنا أيضا ..."
+
ابتسمت بتوتر قبل أن تخبره مغيرة الموضوع :-
+
" يجب أن أغادر اليوم لأبحث عن فستان مناسب لأجل الحفل ..."
+
قال بجدية :-
+
" صحيح ، هل ستأتين إلى حفل الحناء غدا ..؟!"
+
أومأت برأسها وهي تجيبه :-
+
" سآتي .. لا يمكن ألا أفعل خاصة بعدما اتصلت والدتك ودعتني إلى الحفل أنا و ووالدتي وشقيقاتي ... "
+
ابتسم قائلا :-
+
" ستنيرين المكان بحضورك ... "
+
ثم أضاف بحذر :-
+
" علينا أن نحدد موعد زفافنا بعد زفاف هالة يا نغم .. لا داعي للانتظار أكثر ..."
+
لم تجبه ولم ينتظر هو جوابا حيث إتخذ قراره وانتهى ..
+
قال بعدها بجدية :-
+
" لدي عملية بعد قليل .. يجب أن أتجهز .."
+
" وفقك الله .."
+
قالتها وهي تبتسم برقة ليبادلها ابتسامتها وهو يتحرك متجها إلى مكان عمله بينما سارت هي بشرود حتى وجدت أروى تتبادل الأحاديث مع احدى الطبيبات الشابات والتي أتت قبل يومين لتباشر عملها في المشفى ..
+
تبادلت الابتسامة مع أروى التي أنهت كلامها مع الفتاة وتقدمت نحوها تسألها باهتمام لا يخلو من القلق :-
+
" كيف حالك ...؟! "
+
ابتسمت نغم بشحوب لاحظته اروى وهي تجيب :-
+
" بخير ..."
+
منحتها أروى نظرات قلقة تحمل تساؤلاً خفيا شعرت به نغم التي مدت كفّها بتلقائية نحو كفّها تقبض عليه وهي تخبرها :-
+
" هل تعلمين إنك الوحيدة التي تعرفين بشأن مرضي إلى جانب مؤيد ..؟! "
+
تأملت نغم الدهشة في عينيها فأومأت برأسها وهي تضيف بإبتسامة متعبة :-
+
" نعم يا اروى ... حتى عائلتي لا تعلم ..."
+
أخذت نفسا عميقا ثم قالت بصدق :-
+
" أنا حتى لا أعلم لماذا أخبرتك ... أعتقد إنني كنت أحتاج لمن أحكي له ما يحدث معي .."
+
سارعت أروى تضع كفّها الأخر فوق كفيهما وهي تهتف بصدق :-
+
" أنا معك .. "
+
أضافت وهي تتأمل الوهن الذي يملأ روحها :-
+
" أنت متعبة .. ومهمومة ... هل بسبب المرض فقط أم ..."
+
قاطعتها نغم بخفوت :-
+
" ليس بسبب المرض ..."
+
" إذا ...؟!!"
+
قالتها أروى بتردد لتجد نغم تهمس بعد ثواني :-
+
" سأخبرك لإنني أحتاج لمن أخبره بما يحدث .. أحتاج لمن يساعدني في ايجاد حل ... "
+
قالت أروى بجدية وهي تشير نحو آخر الممر حيث غرفتها :-
+
" تعالي لنتحدث في غرفتي ..."
+
وافقتها نغم وهي تسير جانبها حيث غرفتها عندما جلست كلتاهما بجانب بعض على الكنبة بينما قالت نغم دون مقدمات :-
+
" أنا أريد ترك راجي ... لا أريد الاستمرار معه ..."
+
***
+
تابعت نغم الدهشة التي ارتسمت على ملامح اروى بصمت قبل أن تهمس :-
+
" لا تنظري إليّ هكذا .. هذا ما يجب يحدث ..."
+
" كيف يعني ..؟! مستحيل يا نغم ..."
+
نطقت بها أروى بسرعة وهي تضيف :-
+
" أنت تحبينه وهو يحبك ... "
+
" أنا استغليته ... "
+
قالتها نغم فجأة فأجفلت أروى لا اراديا بينما نغم تومأ برأسها مؤكدة حديثها والدموع تشكلت في مقلتيها ...
+
لحظات وسارعت أروى تسأل بحذر :-
+
" إذا هو يعرف بمرضك ..."
+
هزت نغم رأسها مؤكدة حديثها قبل أن تضيف بصوت مبحوح :-
+
" بل أنا من تعمدت إيصال هذا الخبر له ... أردته أن يعرف بمرضي ويعود لي فأنا أعرف راجي جيدا وأعلم إنه لن يتردد لحظة واحدة في العودة إلي عندما يدرك مرضي ... "
+
تساقطت عبراتها فوق وجنتيها وهي تضيف :-
+
" لكنني ندمت ... ندمت على ذلك ... لم يكن علي فعل ذلك .. هو لا يستحق ذلك ... لا يستحق أن يتعذب معي ... لا يستحق أن يعاني بهذا الشكل ... "
+
" لكنه يحبك ... "
+
قالتها أروى بنبرة رقيقة لتهتف نغم :-
+
" أعلم يا أروى وهذا ما يؤلمني أكثر.."
+
أضافت بحشرجة :-
+
" سابقا تركته لأجل والدي .. تخليت عنه وعن حبنا ... وبعد مرور سنوات وبعدما نساني عدت مجددا ... عدت وأنا أحمل مرضي معي وكل ما أفكر به هو قضاء أيامي الأخيرة بجواره متناسية مشاعره .. متجاهلة شعوره وهو سيعاني مجددا بسبب رحيلي عنه للمرة الثانية ... "
+
تلألأت العبرات في عيني أروى ولم تعرف ماذا تقول ..
+
ورغم إن نغم مخطئة في تصرفها لكنها لم تستطع سوى أن تشعر بالشفقة والأسى عليها ...
+
قالت بنبرة حانية :-
+
" اسمعيني يا نغم .. أنت اتخذت قرارا بالعودة إلى هنا لقضاء ما تبقى من عمرك معه ... ربما قرارك به أنانية ولكن الحب يشفع لك ..."
+
أكملت بتروي :-
+
" لا يمكن أن تتراجعي الآن خاصة إنه يعلم بمرضك ... يدركه جيدا حتى لو لا يعلم بما فعلته ... "
+
أكملت بحذر :-
+
" انسي الأمر .. أكملي ما بدأته .. "
+
توقفت لوهلة ثم قالت بتردد :-
+
" وحاولي أن تمنحي نفسك فرصة جديدة لأجل العلاج .... ربما ..."
+
قاطعتها نغم :-
+
" لن أخدع نفسي يا أروى .. العلاج لا يمثل سوى عذاب جديد ..."
+
أضافت بصوت مبحوح :-
+
" ما أفكر به حاليا هو كيف أنقذ راجي من هذا الوضع ... كيف أنقذه من الألم الذي سيحيا به بعد رحيلي ..."
+
" ارجوك لا تقولي هذا يا نغم .. وفكرة ترك راجي مجددا عليك أن تحذفيها من عقلك ... اتركي الأمر لله ... بإذن الله كل شيء سيكون أفضل ... لكن أرجوكِ لا تخطئي وتتركيه ... أبدا ...""
+
ناظرتها نغم بصمت وداخلها فكرة واحدة فقط تتردد في عقلها ...
+
هي نفس الفكرة التي تراودها بكثرة في الأيام السابقة ...
+
راجي لا يستحق أن يجرب مرارة الفقدان بهذه الطريقة وهي عليها أن تعالج هذا الموقف الذي تسببت به بسبب أنانيتها حتى لو على حساب نفسها وسعادتها الوقتية ...!
+
***
+
في اليوم التالي ..
+
الفوضى تعم في قصر آل هاشمي ..
+
هذا ما فكر به مهند وهو يغادر جناحه بتجهم ...
+
اليوم حفل حناء هالة ...
+
الجميع يعمل على قدم وساق ...
+
واقعيا والدته وهمسه وحتى توليب انشغلن بالتجهيز لحفل الحناء ثم الزفاف منذ أيام ...
+
حتى بات بالكاد يراهن وقت الطعام ..
+
أما خطيبته الصغيرة فهي اندمجت معهن أيضا..
+
حتى إنه لم يرها بعد حديثهما الأخير قبل بضعة أيام ...
+
وعليه أن يعترف إن هذا من حسن حظه ...
+
فهو لا ينقصه سواها ...!
+
كان حديثهما الأخير حاسما لكل شيء ...
+
بعد مناورات لا بأس بها وبعدما عصر على نفسه ألف ليمونة وهو يسمع متطلباتها متجاهلا ذلك الجرح الذي تسببت به في رأسه والذي جعل شقيقه الأصغر يدمع من كثير الضحك وراجي المعروف برزانه وهدوءه يضحك بعدم تصديق لما فعلته الصغيرة به بل حتى راغب نفسه شاركهم الضحك وقتها ...
+
وبالطبع لم يفلت من النساء أيضا وخاصة هالة التي أخبرته بشماتة :-
+
" وأخيرا أتت من سوف تعيد تربيتك من جديد يا ابن الخالة ..."
+
بينما هو يبادلها الحديث بعناد وتحدي :-
+
" خسئتِ أنت وهي .. امنحيني ثلاثة شهور لا غير وستجدينها طوع يدي لا تتحرك خطوة واحدة دون أمر مني ..."
+
أما والدته فكانت لها نظرة مختلفة ..
+
والدته المسكينة تتجاهل كل هذا ... تتجاهل النيران المتقاذفة بينه وبين جيلان ولا تهتم سوى بفرحتها بزواجه أخيرا وهي تؤكد للجميع إن هذه الزيجة ستنجح وإنهما سيغدوان عاشقين متيمين فيما بعد ...
+
تجاهل أفكاره وهو يهبط درجات السلم متقدما نحو صالة الجلوس ...
+
هناك حيث وجد فيصل يلعب على هاتفه لعبة الببجي الشهيرة مع اصدقائه بحماس ...
+
على جانبه تجلس جيلان التي تبحث عن شيء ما يجهله في هاتفها بينما تتحرك توليب داخل المكان بعشوائية وهي تجري اتصالا مع شركة التزيين وقد بدت عصبية قليلا على غير العادة ...
+
" ماذا يحدث هنا ..؟!"
+
تسائل بحيرة فلم يتلقَ إجابة ليربت على كتف فيصل قائلا :-
+
" أنا أتحدث يا هذا ..."
+
رفع فيصل وجهه نحوه مرددا بنزق :-
+
" وأنا ألعب يا هذا ..."
+
بينما رفعت جيلان وجهها نحوه أخيرا لتتأمل بذلته العملية باهتمام قبل أن تسأل :-
+
" أين ستذهب ..؟!"
+
" ما شأنك ..؟!"
+
رمقته باستهجان ثم قالت :-
+
" ألست خطيبتك ...؟! من حقي أن أعرف أين ستذهب منذ الصباح الباكر وفي يوم حفلة حناء ابنة خالتك ..."
+
رفع حاجبه مرددا :-
+
" أين سأذهب منذ الصباح الباكر مثلا ..؟! إلى البار ..."
+
ضحك فيصل مرغما وهو يستمع لحديثهما بينما رفعت جيلان حاجبها قائلة ببرود :-
+
" ستذهب إلى العمل في يوم حناء ابنة خالتك ..."
+
" وما شأني أنا ..؟! إنها حفلة حناء للسيدات ... هل أنا من سيضع الحناء لها مثلا ..؟!"
+
انطلقت ضحكة فيصل عاليا فمنحه مهند نظرة غاضبة بينما التفت نحو جيلان يردد بخفة :-
+
" معه حق .. والله معه حق .. "
+
أضاف بمكر :-
+
" اتركيه يذهب إلى العمل .. الحزم مطلوب معه ولكن ليس إلى هذه الدرجة ..."
+
تجهمت ملامح مهند وهم بالرد على شقيقه بينما هتفت
+
وهي تتأمله بملابسه الرسمية بتهكم :-
+
" أنت تعمل حقا إذا .. وملتزم في عملك ... أتذكر إنك كنت فاشلا مستهترا لا تفعل شيئا سوى ايذاء من حولك ..."
+
مط شفتيه مرددا :-
+
" أخبرتك إنني تغيرت ..."
+
ثم أضاف :-
+
" أنا بالفعل كنت مستهترا للغاية وفاشلا في كل شيء .. كنت مثلك يعني ...! في نفس فشلك و استهتارك الحالي .."
+
" أووه .. في منتصف الجبهة ..."
+
قالها فيصل وهو يضحك مجددا ليغمز له مهند وهو يخبره بمكر :-
+
" أنت لم ترَ شيئا بعد ..."
+
منحتهما جيلان نظرة حارقة قبل أن تشيح بوجهها بعيدا وتفتح هاتفها مجددا تنشغل به بينما الغيظ يأكلها ليغمز له فيصل بمشاكسة فيتقدم مهند نحوها يهمس لها بخفوت :-
+
" هل تريدين مني شيئا عندما أعود ..؟!"
+
مالت بوجهها نحوه بعينين محتدتين فيضيف بسخافة :-
+
" شوكولاتة وشيبس مثلا ..."
+
ضربته على كتفه وهي تهمس من بين أسنانه :-
+
" نعم أريد ،، أريدك ميتا ..."
+
ضحك مجددا باستخفاف بينما يغمز لها مضيفا :-
+
" استدعي يا صغيرة .. غدا عقد قراننا .... "
+
ثم عبث بشعرها بشكل جعلها تزمجر بشراسة ليعتدل هو في وقفته متحركا بعدها مغادرا المكان تاركا إياها تتابعه بوجه واجم تتذكر إنها ستغدو زوجته غدا بعقد قران فقط كي يمكنهما السفر سويا حيث ستبدأ دراستها بعد أيام قليلة وهو سيبدأ عمله هناك ...
+
ورغم إن مهند كان يفضل أن يغادران مبكرا عن الغد ولكن خوفه من غضب هالة وحزنها إذا ما حضرا حفل زفافها جعله مجبرا على تأجيل الموعد القران ولم تكن تعلم إنه كان يتعمد أن يعقد قرانه عليها ويأخذها ويسافران مبكرا قبل زفاف هالة فهو لا يريد حضور زفافها على ذلك الأشقر الباهت كما يصفه ...
+
تنهدت مفكرة إن ما يحدث هو الصحيح ...
+
فالزفاف يحتاج إلى تجهيزات ستأخذ وقتا طويلا خاصة وهي تريد حفل زفاف ملكي فخم لذا كان الاتفاق أن يكتفيان بعقد القران فقط حتى نهاية العام الدراسي ثم يعودان لإقامة حفل الزفاف الذي تتمناه ..
+
في البداية رفضت ولكنها سرعان ما تراجعت وهي تفكر إنها تريد مغادرة البلاد بسرعة ..
+
لا تريد البقاء هنا أكثر ..
+
مثلما لا تريد التأخر عن دراستها التي أهملتها كثيرا ...
+
لذا فالقرار كان سليما ولصالحها هي قبل أي أحد ..
+
وربما مع مرور الوقت تستطيع أن تتخلص من مهند وتتطلق منه وتبقى هناك بينما يعود هو إلى هنا مجددا لكن لوحده ...
+
ليت هذا يحدث بالفعل وتستطيع التخلص منه ...!
+
هكذا فكرت وداخلها أمل كبير أن تنتهي هذه الزيجة قبل أن تبدأ ..!
+
***
+
في مساء نفس اليوم ...
+
أخذت نفسا عميقا قبل أن تطرق على باب غرفته ...
+
لم تكن تريد التواصل معه مطلقا وقد حرصت على ذلك منذ عودته لكنها مضطرة لذلك ...
+
غدا زفاف شقيقها وعليه أن يذهب معها إلى حفل الزفاف ...
+
المنطق يقول هذا ..
+
وبكل أسف هي مجبرة على مسايرة المنطق حتى لو على حساب نفسها وراحتها ..
+
لحظات وفُتح الباب ليخرج لها عاريا الصدر مكتفيا بإرتداء بنطال بيجامته ...
+
حملقت به مصدومة لوهلة قبل أن تخفض بصرها سريعا بينما عيناه بدئتا تتفحصانها بتمهل ...
+
بدءا من خصلاتها الشقراء المصففة بعناية ...
+
فستانها الأحمر الجذاب الملتصق بجسدها كجلد ثاني يبرز قدها النحيل منتهيا أسفل ركبتيها بينما طرفه العلوي ينتهي بشريطين من الستان الأحمر تحيطان رقبتها بشكل مثلث معكوس ...!
+
أطلق صفيرا قبل أن يهمس بمشاغبة :-
+
" ما هذا الجمال يا زوجتي العزيزة ...؟!"
+
كحت بخفة ثم رفعت عينيها نحوه مجددا فظهرت جاذبيتهما بلونيهما الأخضر الجذاب ورموشهما الكثيفة عندما قالت بخفوت :-
+
" أنت تعلم إن غدا زفاف شقيقي كرم ..."
+
أومأ برأسه بينما يستند بظهره العاري على الباب خلفه لتضيف هي بنفس الخفوت :-
+
" لم أكن أريد ذلك وأنا مضطرة ..."
+
تسائل بمكر :-
+
" مالذي تريدينه ..؟!"
+
رمقته بنظراتها مليا قبل أن تهتف بجدية :-
+
" يجب أن نذهب سويا ... لإننا ما زلنا زوجين .. أمام الناس ..."
+
ثم توقفت تنتظر جوابه ...
+
قلقة أن يرفض ..
+
ليست مستعدة لتحمل نظرات الناس حولها أكثر خاصة إنه عاد إلى البلاد منذ فترة ...
+
لا ينقصها تقريع والدتها لها ...!
+
نطقت بجمود عندما لاحظت صمته :-
+
" لو بيدي ما طلبت ذلك ولكنني مضطرة ..."
+
قاطعها على الفور :-
+
" سآتي معك يا نانسي ..."
+
علت الدهشة ملامحها ليهتف بهدوء :-
+
" أساسا لا مشكلة لدي في ذلك ... "
+
تنهدت براحة قبل أن تقول مرغمة :-
+
" شكرا ..."
+
ابتسم ببساطة وهو يخبرها :-
+
" على الرحب والسعة ..."
+
ثم توقف لوهلة يتأملها بنظرات غير مريحة قبل أن يكمل بأنفاس حارة :-
+
" يا زوجتي العزيزة .."
+
همت بالتحرك عندما أوقفها مناديا عليها فالتفتت نحوه بتساؤل قطعه وهو يسأل :-
+
" كيف ستذهبين إلى حفل الحناء ...؟! "
+
أجابته ببساطة :-
+
" هناك سائق ينتظرني .. "
+
هز رأسه بصمت بينما عادت عينيه تتأملان تفاصيلها باعجاب ...
+
بشرتها البيضاء الجذابة ...
+
كتفيها الهشين ...
+
ساقيها الناعمتين ...
+
تابعها وهو يغادر بينما ضحك بخفة رغما عنه ..
+
هي زوجته وأم طفليه ولكنه لأول مرة يدقق في تفاصيلها بهذا الشكل فحتى تلك العلاقة العابرة التي جمعت بينهما لا يتذكر منها سوى لمحات ...
+
لمحات لا تفي بشيء ...
+
هم بالعودة إلى الداخل قبل أن يتوقف مكانه ...
+
لقد غادرت هي ولن تعود قبل ساعات ...
+
لا يعلم لماذا وجدها فرصة في الذهاب ورؤية طفليه ...
+
طفلاه اللذان لم يتعرف عليهما حتى الآن فنانسي تحاصرهما كظلهما ترفض اقترابه منهما ...
+
تخشى عليهما منه ولا تتواني عن الاعتراف بذلك ...
+
ولم يكن يعلم إنها تخشى من تعلقهما به ...
+
من إدراكهما إنه الأب الغائب والذي سيغيب مجددا بالطبع وحينها سينكسر قلبيهما ... !
+
اتجه يحمل التيشرت خاصته ويرتديه بحذر قبل أن يتجه نحو غرفتهما ...
+
فتح الباب ودخل بحذر ليجد المربية خاصتهما تعدل اغراضهما قبل أن تلتفت نحوه بدهشة فتسير نحوه قائلة بسرعة :-
+
" لقد ناما ..."
+
عقد حاجبيه مرددا بعدم استيعاب :-
+
" ناما ... في هذا الوقت ..."
+
اومأت المربية برأسها وهي تخبره :
+
" انها السابعة مساءا ... في العادة موعد نومهما في الثامنة ولكن نانسي هانم حرصت ألا تغادر إلى الحفل قبل أن ينامان وتطمئن بنفسها عليهما ..."
+
هز رأسه بتفهم قبل أن يخبرها بخفوت :-
+
" سألقي عليهما نظرة ثم أغادر .."
+
تنهدت المربية باستسلام بينما سار هو على أطراف أصابعه نحويهما ليتوقف عندهما يتأملهما ...
+
الصغير الذي يشبهه بخصلات شعره الكثيفة المجعدة ...
+
يحمل نفس لون خصلاته الأسود وحتى نفس لون بشرته البرونزية ...
+
أنفه الدقيق وفمه المكور بشكل لذيذ ...
+
أما الصغيرة فكانت تمتلك ملامحا ملائكية ..
+
خصلات سوداء ناعمة ...
+
بشرة بيضاء ...
+
وجنتين ممتئلتين كشقيقها ...
+
تدفقت نبضات قلبه بقوة وهو يتأملهما نائمين بكل هذا السلام ببراءة سلبت ليه ...
+
ابتسم مرغما وأنامله تمتد نحو وجنة كاميليا تلمسها برقة لا تخلو من التردد ثم تأخذ طريقها نحو وجنة كريم الذي تغضن جبينه ما إن شعر بتلك اللمسة فوق وجنته فسارع يبعد إصبعه عن ملمس بشرته ثم يلقي نظرة أخيرة ويتحرك بعدها مغادرا بمشاعر متخبطة ...!
+
***
+
وقف راغب مستندا على الجدار خلفه واضعا كفيه في جيبي بنطالها يتأمل إطلالتها المهلكة بينما هي تضع اللمسات الأخيرة عليها ...
+
ترتدي فستانا مكشوفا بشكل يثير حواسه كلها إتجاهها بل يأسره بأكمله مقيدا بأنوثتها المهلكة ...
+
التفتت نحوه تهمس وهي تحيط خصرها بكفيها :-
+
" كيف أبدو ...؟! "
+
تأملها ببطأ ...
+
فستانها القصير للغاية حيث بالكاد يصل لمنتصف فخديها بلون أسود لامع يشكل تضادا مذهلا مع بشرتها الثلجية ...
+
فستان أنيق شديد الإثارة خاصة مع فتحة عنقه التي تمتد لمسافة لا بأس ...
+
توقفت عيناه هناك حيث ما بين نهديها الذي يظهر بوضوح أسفل الفستان ...
+
ابتلعت ريقها بتوتر وخجل وهي ترى نظراته تثبت هناك ...
+
لحظات وتقدم نحوها بخطوات بطيئة جعلت نبضات قلبها تتقافز ..
+
مال بأنفه يشم رائحة عطرها الهادئة والتي لا تناسب تلك الإثارة التي تضج بها إطلالتها ...
+
ابتسم وهو يلاحظها ارتباكها عندما تحرك بطرف سبابته فوق بشرتها ما بين نهديها لتشعر بالسخونة تحتل جسدها ...
+
مال يهمس بجانب أذنها وأنفاسه الحارقة تحطم ثباتها الواهي :-
+
" هل كنت بكامل وعيك وأنت تختارين هذا الفستان لإرتدائه ..؟!"
+
التقت عيناها بعينيها وهي تغمغم بتوتر :-
+
" لماذا ..؟! هل فيه مشكلة ..؟!"
+
ابتسم مجيبا بمكر :-
+
" ألم تخشِ أن أحتجزك بين ذراعي وأنا أراك بهذه الطلة الكارثية المثيرة فلا أتركك تغادرين الجناح من الأساس ....؟!"
+
هزت رأسها نفيا فضحك مرغما قبل أن يميل نحو شفتيها المطليتين باللون الأحمر فيهمس بخفة :-
+
" كأنكِ اعتدت على هذا اللون المثير أيضا ..."
+
" أعجبني .."
+
قالتها ببساطة وهي التي اعتادت على وضع الألوان الهادئة الرقيقة فوق شفتيها ..
+
سمعت صوت تنهيدته الحارة وهو يتسائل باهتمام بعدما ابتعد عنها بتماسك يحسد عليه :-
+
" مالذي سترتدينه فوق الفستان ..؟؟"
+
اتجهت تسحب بشتا نسائيا أنيقا بنفس لون الفستان تضعه فوق جسدها فيغطيه بدءا من كتفيها العاريين وصولا إلى منتصف ساقيها ...
+
سألته باهتمام :-
+
" هكذا جيد .."
+
قال بتلقائية :-
+
" ممتاز ..."
+
ابتسمت وهي تهم بالتحرك قبل أن تلتفت نحوه وهي تخبره :-
+
" لدي مفاجئة لك الليلة ..."
+
عقد حاجبيه بحيرة فابتسمت بمراوغة قبل أن تهم بالتحرك لكنه أوقفها مناديا اسمها فالتفتت له ليردد بنظرة خبيثة :-
+
" لا ترهقني نفسك كثيرا فأنا أحتاجك لوقت طويل الليلة ... "
+
توردت وجنتاها بخجل بديهي لتتحرك بسرعة تاركة اياه يتابعها باستمتاع قبل أن يتحرك مغادرا خلفها بعد دقائق متجها لجناح أولاده حيث سيقضي القليل من الوقت معهم فالطابق السفلي محجوز للنساء بالكامل وهو سيبقى محتجزا هنا مع بقية أشقاؤه لحين انتهاء حفل الحناء ...!
+
***
+
بدأ الحفل وطلت هالة بفستان طويل أنيق اختارته بلون أحمر ناري يتماشى مع بشرتها البيضاء الثلجية وشعرها الغامق ...
+
بدت مبهرة ...
+
فتنتها كانت حديث الجميع من الضيوف ...
+
كان حفل الحناء ضخما حيث حضر الكثير من أقارب العروس وصديقاتها ومعارف العائلة وبالطبع عائلة كرم حيث والدته وشقيقته وبعض المقربين له ...
+
كانت زهرة تستقبل المعازيم وجانبها همسة ..
+
تم اعداد الصالة الواسعة بشكل أنيق للغاية ...
+
وصل المعازيم تدريجيا ...
+
ثم بدأ الحفل رسميا ما إن هبطت هالة من جناحها حيث تم تشغيل الأغاني وبدأن الفتيات بالرقص وهالة تشاركهن رقصهن بفرحة طاغية ...
+
كانت نانسي تجاور شقيقتها وهي تراقب رقص الفتيات بسعادة قبل أن تهمس مندهشة من وجوم ملامح هايدي :-
+
" هل أنت بخير ..؟!"
+
ردت هايدي باقتضاب :-
+
" بخير ..."
+
همت بقول شيء ما عندما تقدمت نحويهما إحدى قريباتهما تخبرهما بحماس :-
+
" شاركا بالرقص ... أنتما شقيقتا العريس ..."
+
ثم سحبت نانسي من يدها بينما رفضت هايدي النهوض لتبدأ نانسي الرقص مع الفتيات قبل أن تتجه نحو هالة وتقبلها من وجنتيها مباركة لها بسعادة ولم تنسَ أن تثني على جمالها ...
+
بعدها وصلت نغم إلى الحفل برفقة والدتها فسارعت زهرة تستقبلهما تتبعها همسة قبل أن تجلس جانبهما وتتبادل الأحاديث معها بينما أشارت همسة لتوليب كي تتقدم وتلقي التحية على خطيبة شقيقها ووالدتها ...
+
ألقت توليب التحية عليهما وتبادلت الأحاديث مع نغم بينما أخذت والدتها تعرف الأقارب على كنتها المستقبلية فيثني الجميع على ذوق ابنها وجمال عروسه الشديد ...
+
انتبهت بعدها زهرة على قدوم ألفت الصواف فسارعت تشير نحو ابنتها التي كانت منشغلة بالرقص مع العروس التي لم تتوقف بدورها عن الرقص لحظة واحدة ...
+
اتجهت توليب مع والدتها ترحبان بألفت والتي باركت لهما ثم تحركت بجانب زهرة تتبادل الأحاديث معها ...
+
وقبل نهاية النصف الأول من الحفل تم تجهيز صينية الحناء بينما سارعت نانسي تتصل بكرم ليأتي كي يشارك خطيبته وضع الحناء ...
+
جلست هالة على المقعد المخصص لها تنتظر دخول كرم بينما تم وضع الصينية على الطاولة المقابلة لهما والمزينة بشكل أنيق ...
+
دقائق وتقدم كرم إلى الداخل بعدما تم إخبار النساء بقدوم عريس حيث سارعن البعض يرتدين الحجاب بينما وضعت همسة البشت فوق فستانها وكذلك توليب التي كانت ترتدي فستانها لا يختلف كثيرا عن فستان همسة ...
1
***
+
دلف كرم بخطوات آلية إلى الداخل وملامح جامدة كالصخر عندنا تلاقت عينيه بعيني شقيقته فرأها تومأ برأسها بحركة فهمها ...
+
تنفس بجهد وهو يسير نحو عروسه راسما ابتسامة مزيفة فوق ثغره ...
+
ما إن وقع بصره عليها حتى شعر بنفس الطعنة في قلبه ...
+
كانت جميلة بشكل مرهق ...
+
مثالية إلى حد خادع ...
+
غرق في تفاصيل جمالها لوهلة ثم نهر نفسه متذكرا ما فعلته ...!
+
أفاق من شروده على صوت توليب وهي تطلب منه أن يجاورها كي يتم وضع الحناء لهما ليفعل ما قالته وهو يجلس جانبها ...
+
نظرت له تبتسم بعذوبة وهي تسأل :-
+
" كيف أبدو ..؟!"
+
تأملها بتحفز لم تنتبه له قبل أن يجيب ببطأ :-
+
" مدمرة ... قاتلة ..."
+
ابتسمت بفرحة ولم تكن تعلم إنه كان يعني ما يقوله ..
+
هي مدمرة .. دمرت حبهما ... دمرته ..
+
هي قاتلة .. قتلت روحه بخداعها ...
+
تقدمت احدى السيدات من عائلة العروس لتضع الحناء لكلا منهما بينما وقفت توليب تصور ما يحدث وكذلك نانسي ...
+
انتهت السيدة من وضع الحناء لهما لتنطلق زغاريد النساء بينما تقدمت همسة نحو هالة تعانقها بفرحة وحب تتبعها زهرة وعلى الجانب الآخر عانقت تهاني ولدها الوحيد بفرحة تتبعها نانسي التي باركت لها بسعادة حقيقية شعت من عينيها ...
+
***
+
في جناح راغب وهمسة ...
+
دلفت إلى الداخل بملامح مرهقة ...
+
كانت الليلة طويلة وبذلت بها مجهودا خرافيا ...
+
وغدا هناك حفل أضخم يحتاج مجهودا أكبر...
+
وجدته جالسا على الكنبة يقرأ في كتاب ما عندما رفع وجهه نحوها ما إن دلفت إلى الداخل ليبتسم مرددا :-
+
" أهلا ..."
+
سارعت تخلع البشت وهي تخبره بعدما جلست فوق السرير بتعب وخلعت حذائيها :-
+
" تعبت حقا ..."
+
ابتسم بمكر وهو يخبرها :-
+
" رغم إنني أوصيتك بعدم بذل مجهود كبير ..."
+
احتقنت ملامحها بقوة بينما تخبره وهي تنهض من مكانها مجددا :-
+
" سأغير فستاني ثم أخبرك بمفاجئتي ..."
+
" انتظري ..."
+
قالها وهو ينهض من مكانه متقدما نحوه متسائلا :-
+
" إلى أين ..؟!"
+
رفعت حاجبها تخبره :-
+
" سأغير فستاني ..."
+
تقدم نحوها أكثر ثم مال يقبض على خصرها بكفيه وهو يهتف بثبات :-
+
" لن تغيريه ..."
+
رفعت حاجبها بحيرة قبل أن يهمس أمام شفتيها :-
+
" عندما رأيته عليك وعدت نفسي ألا ينزل من فوق جسدك إلا بيدي أنا ..."
+
وقبل أن تتحدث كان يلتهم شفتيها بقبلة مفاجئة شرسة متمكنة بينما يده تتحرك نحو الفستان تهم بخلعه عن جسدها ...
+
***
+
فتحت عينيها ببطأ وهي تبتسم بإتساع تدريجي ...
+
ترفع عينيها نحوه تتأمل ملامحه الساكنة بمشاعر مختلطة بين الفرح والخجل ...
+
تتذكر همساته لها وهو يعبر لها عن شوقه وشغفه ...
+
غزله الذي دغدغ أنوثتها ...
+
داعب مشاعرها ...
+
فتجاوبت معه بطريقة لم تعهدها من قبل ..
+
برغبة تذهلها ولا تعرف متى باتت تمتلكها ...
+
هل رغبتها تلك وليدة اللحظة أم كانت موجودة من البداية وهي من طمرتها أسفل رداء البرود ...؟!
+
تنهدت بحسرة ... باتت تلوم نفسها في كثير من الأحيان على سنوات أضاعتها بالبعد والجفاء ...
+
تتجاهل أفكار أخرى مختلفة تماما تذكرها بخيانته ملقية كامل الذنب عليه ثم تعود وتتراجع وهي تخبر نفسها إن الذنب مشترك بينهما ...!
1
أفاقت من شرودها على صوت حركة أنفاسه وهو يستيقظ من نومه ...
+
ما إن فتح عيناه حتى وجدها تنظر نحوه بعينيها الخضراوين الناعستين بجاذبية تخصها وحدها بينما ابتسامة ناعمة مرتسمة فوق ثغرها ..
+
" صباح الخير ..."
+
تمتم بها بصوت مبحوح لتجيبه بخفوت :-
+
" صباح النور ..."
+
ابتسم لها فمالت نحوه تمد أناملها بين خصلاته وهي تخبره بدلال مقصود :
+
" ألن تسأل عن مفاجئة البارحة ...؟!"
+
ابتسم وعيناه تنحدران صوب شفتيها برغبة لا تنضب ..
+
وكأنه كلما نالها أكثر كلما رغب بها أكثر ...
+
كلما غرق فيها أكثر ...
+
رغبته بها كعشقه لها ...
+
لا تقل ..
+
لا تنقص مهما مرت السنوات ومهما ذاق وصالها ...
+
" أخبريني هيا ..."
+
قالها بعينين تناظرانها باهتمام لتعتدل في جلستها فيظهر قميصها الوردي الرقيق بينما تخبره :-
+
" حجزت تذكرتي سفر لنا ... "
+
اندهشت ملامحه بينما تخبره بسلاسة :-
+
" إلى اليونان ... بعد زفاف هالة بيومين ..."
+
ابتسم بخفة ثم قال :-
+
" لم اليونان ..؟!"
+
هزت كتفيها تخبره ببساطة :-
+
" أريد رؤيتها .."
+
وفي الحقيقة هي تعلقت بها بعدما قرأت الكثير من الروايات التي تدور أحداثها هناك حيث البطل اليوناني الجذاب بكل رجولته وسطوته والبطلة الأجنبية الرقيقة ..!
+
" ألم تنزعج لإنني قررت ذلك دون إخبارك ..؟!"
+
سألته بحذر قبل أن تضيف :-
+
" أردت مفاجئتك ..."
+
اعتدل في جلسته وهو يخبرها :-
+
" بالطبع لا ... "
+
ثم توقف لوهلة قبل أن يقول بجدية :-
+
" فقط أحتاج لترتيب أمور العمل .. أنت تعرفين إن مهند سيسافر .. "
+
وجمت ملامحها فلاحظ هو ذلك على الفور ..
+
قال بسرعة وهو يجذبها نحو صدره يخبرها :-
+
" لكن ليس مهما .. سأتدبر الأمر .."
+
ابتعدت قليلا بوجهها عنه تسأله بحذر :-
+
" حقا ..؟؟ يمكنني إلغاؤها .."
+
قاطعها بسرعة :-
+
" لا تفعلي أي شيء .. الرحلة ستبقى في موعدها وأنا سأتدبر الأمر ..."
+
أضاف وهو يميل نحوها بنظرة ماكرة :-
+
" وأنا أيضا أحتاج لوقت خاص مع زوجتي ..."
+
أخبرته بصدق :-
+
" نعم خاصة إن دراسة الأولاد ستبدأ قريبا ... لذا لا وقت أمامنا غير الأيام القادمة ..."
+
هز رأسه بتفهم قبل أن يقول بعدها :-
+
" هناك شيء هام أريدك أن تعرفينه ..."
+
تطلعت له بتوجس فأضاف بحذر :-
+
" يسرا عرضت عليّ عملا مهما ..."
+
تأهبت ملامحها بينما يضيف :-
+
" أتت منذ فترة للشركة وأخبرتني عن المشروع وأهميته ..."
+
قاطعته تسأله :-
+
" وأنت ..؟! ماذا فعلت ..؟؟"
+
أجاب بهدوء :-
+
" أخبرتها إنني سأدرس المشروع ... وأقرر بناء على ذلك ..."
+
" ودرسته ..؟!"
+
سألته بحاجب مرفوع عندما نهض من مكانه مجيبا ؛-
+
" نعم ، المشروع جيد للغاية ...."
+
راقب وجوم ملامحها وهي تسأله :-
+
" طالما إنك قررت .. لماذا تتحدث بشأن هذا الموضوع معي ..؟!"
+
هتف بصدق :-
+
" لم أقرر بعد .. "
+
أضاف بجدية :-
+
" أنا فقط أردت إخبارك بما يحدث والأهم إنني أهتم جدا برأيك ... "
+
تنهد ثم قال :-
+
" لا أريد إفساد علاقتنا بسبب هذا المشروع ..."
+
تأملته بصمت قبل أن تخبره :-
+
" لماذا تأخذ رأيي هذه المرة على غير عادتك ..؟!"
+
أجابها بصدق :-
+
" كما أخبرتك قبل لحظات .. لا أريد إفساد علاقتنا مجددا ..."
+
أكمل وهو يحاوطها بعينيه :-
+
" أنا أرى محاولاتك الصادقة لإصلاح الشرخ الذي بيننا وسأسعى بدوري معك لإصلاحه ... لذا قرار كهذا يجب أن يكون مشتركا .. لست مستعدا لمزيد من الحساسيات بيننا ..."
+
تأملته بنظرة غريبة ...
+
نظرة غير مفهومة ...
+
لم يكن يعلم إن بما يفعله يكشف عن وجه جديد له ..
+
وجه لم تعتقد إنه يمتلكه ..
+
وجه مراعي ..
+
هو يراعي مشاعرها ...
+
يهتم برأيها ...
+
يفكر بموقفها ...!
+
كانت تراه بشكل مختلف وآخر ما توقعته أن يفعل ذلك ..
+
يسألها عن رأيها ويشاركها قرارها في شيء يخصه والأدهى إن هذا الشيء يخص عمله ..
+
عمله الذي يمثل خط أحمر له حيث غير مسموح لأي شخص بالتدخل بشؤون عمله ...
+
لم يكن يعلم بما يفعله إنه يمنحها قيمة لم تكن تعتقد إنها تملكها عنده ...
+
هذا الرجل يفاجئها كل يوم ..
+
ومجددا تتسائل .. هل كان هكذا من الأول وهي من لم تفهمه أم هو أيضا يتغير لأجلها كما تفعل هي ...؟!
+
في النهاية منحته ابتسامة هادئة وهي تخبره بصدق :-
+
" القرار لك ... أيا كان قرارك فأنا معك ... أثق بحكمتك واتخاذك القرار الصحيح ..."
+
***
+
أغلق أثير باب شقته وتحرك يغادرها ...
+
موعد طائرته بعد أقل من ثلاث ساعات ...
+
أتى والده البارحة مع شقيقته لتوديعه ...
+
سولاف التي بكت بين ذراعيه لأول مرة وهي ترجوه أن يبقى ...
+
تخبره إنها ملت سفره الدائم ..
+
تعبت من غيابه المستمر ...
+
كان يعلم إن بكائها وإنهيارها بهذا الشكل ليس بسبب سفره فقط بل بسبب ما حدث معه ...
+
هي تتألم لأجله وليس هذا بأمر غريب عنها ...!
+
كانت سولاف رغم قوتها وصلابتها التي لا تشبه سنها تملك عاطفة قوية اتجاهه ...
+
تراه بطلها الأوحد ...
+
تقول دائما إن العالم في كفة وهو في كفة لوحده ...
+
تنهد بحزن عليها مفكرا إنه سيتواصل معها يوميا وربما يأخذها عنده حيث تدرس الجامعة في البلاد التي يستقر فيها ...
+
والدته لا علم لديها بسفره ..
+
هو يقاطعها منذ تلك المواجهة ...
+
يستخدم أسوء طريقة للانتقام منها ...
+
مقاطعتها ...!
+
كان يعلم إنها لن تتحمل ذلك وإن مقاطعته لها ستؤلمها كثيرا ...
+
أصر على والده ألا يخبرها بشيء وعندما لاحظ تردده ورغبته في البوح لها بسفره فوجئ بسولاف تخبره بصلابة إنها لن تعرف أي شيء حتى يستقر خارجا ...
+
ورغم قلقه من قسوة سولاف تجاه والدته إلا إنه كان ممتنا لها ...
+
خذلان والدته لم يكن سهلا ...
+
تحرك نحو المصعد يرتقيه حيث هبط به إلى الطابق الأرضي قبل أن يتحرك خارج العمارة ليتفاجئ بعادل أمامه يقف جانب سيارته يخبره مبتسما :-
+
" سأوصلك بنفسي إلى المطار.."
+
تبادل التحية معه وهو يخبره :-
+
" ما كان عليك أن تتعب نفسك ... "
+
" أردت مرافقتك إلى هناك ..."
+
قالها عادل ببديهية عندما هتف أثير مبتسما بخفة :-
+
" تتصرف وكأنها المرة الأولى التي أسافر بها ..."
+
تنهد عادل ثم قال :-
+
" ستغيب لمدة أطول هذه المرة ..."
+
ثم أضاف بجدية :-
+
" سأزورك بعد أقل من شهر ..."
+
" حقا ...؟!"
+
قالها أثير مندهشا ليومأ عادل برأسه وهو يتجه نحو السيارة الأخرى مخرجا منها الحقيبة بينما يحمل أثير الحقيبة الأخرى :-
+
" نعم ، لدي مؤتمر طبي هناك ..."
+
" هذا جيد ..."
+
ابتسم عادل وهو يتحرك نحو سيارته ...
+
وضعا الحقيبتين في السيارة من الخلف ثم حمل أثير حاسوبه وأغراضه الألكترونية الأخرى يضعها في المقعد الخلفي قبل أن يأخذ مكانه بجانب عادل في الأمام ...
+
تحرك عادل بسيارته متجها إلى المطار حيث وصلا بعد حوالي نصف ساعة سارع بها أثير يتمم إجرائاته سريعا قبل أن يجلس مع عادل في أحد المقاهى هناك يتبادل الحديث معه ...
+
قال عادل بجدية :-
+
" مهند سيعقد قرانه بعد قليل ..."
+
ابتسم أثير وهو يخبره :-
+
" لقد وقع في الفخ ..."
+
هتف عادل بسخرية :-
+
" أراد الهرب كثيرا لكنه استسلم في النهاية .."
+
" هكذا أفضل ..."
+
قالها أثير وهو يضيف بحكمة :-
+
" كان لا بد أن يعود إلى جيلان بعد طلاقهما .. صلة القرابة تحتم ذلك وإلا عدم عودتهما سيسبب شرخا في العلاقة بين جيلان وعائلة خالي ... "
+
تنهد عادل ثم قال :-
+
" لكنه ليس سعيدا ..."
+
هتف أثير بجدية :-
+
" لم يجبره أحد على ذلك ..."
+
هز عادل رأسه موافقا قبل أن يشرد بصديقه الآخر وهو يتذكر ضيقه من هذه الزيجة بينما يخبره ببساطة إنه مضطر أن يفعل ذلك ...
+
وقتها سأله بعدما صدمه بقرار زواجه عن سبب زيجته ليصدمه بصراحته وهو يخبره عن اسبابه ..
+
" لماذا تريد أن تتزوجها وأنت لا تحبها ...؟!"
+
لم يبدُ سؤاله غريبا ...
+
سؤال منطقي ..
+
هو لا يحبها والجميع يعلم بهذا ...
+
أجاب بصدق ظهر في نظرات عينيه وغلف نبرته الهادئة:-
+
" لإنها تحتاجني ... "
+
أضاف وعيناه تغيمان في نظرة بعيدة المدى :-
+
"أريد أن أكون جوارها ... أريد دعمها وحمايتها ... "
+
حينها لم يستطع قول شيء ...
+
اكتفى بكلمة واحدة :-
+
" المهم أن تدرك تبعات قرارك يا مهند ... هذا زواج وليس لعبة ... "
+
أكمل محذرا :-
+
" زواج ربما يستمر للأبد ... "
+
والغريب إن مهند لم يرفض الفكرة ...
+
اكتفى بإيماءة من رأسه وهو يشرد في حالتها المستعصية قبل أن يهتف به :-
+
" أنا أحتاج لطبيبة نفسية جيدة للغاية ... تعيش في أمريكا .. أريد أن تبدأ جيلان علاجها معها حالما نصل إلى هناك ..."
+
أفاق عادل من شروده على صوت أثير وهو يخبره :-
+
" لم يتبق سوى القليل على موعد إقلاع الطائرة ..."
+
ثم نهض من مكانه ليفعل عادل المثل عندما تقدم نحوه يعانقه مودعا إياه يخبره بمؤازرة :-
+
"اهتم بنفسك جيدا .. حسنا ..."
+
ابتسم أثير وهو يربت على كتفه بمحبة قبل أن يتحرك بعدها مغادرا متجها إلى صالة المغادرة بقلب مرهق ...
+
أخذ بعدها مقعده في الطائرة في خانة الدرجة الأولى كالعادة ...
+
تراجع بمقعده إلى الخلف بشرود وعقله مجددا يسبح بأفكاره معها فينهر نفسه بشدة وهو يذكرها مجددا إنها ليست له ولن تكون ...
+
لحظات وتقدمت إحداهن وأخذت مكانه جانبه ...
+
جذبه عطرها القوي الذي تغلغل إليه بقوة ...
+
مال نحوها بفضول فوجد خصلات كستنائيّة طويلة مموجة بشكل ساحر ...
+
لحظات والتفتت بدورها نحوه فتجمد مكانه من فتنتها الظاهرة ...
+
ملامح لا مثيل ... جمال لم ير له مثيل من قبل ...
+
علت إبتسامة باردة شفتيها بينما هز هو رأسه بعدم اهتمام وعاود الشرود بأفكاره والتي تمحورت حوّلها من جديد ...
+
مالكة القلب والروح ...
+
معذبته ..
+
هالة ...!
+
***
+
بشكل آلي للغاية تم عقد قرانه عليها ...
+
كتب لها مهرا خياليا أخبرها والده إنه سيضعها في حسابها بالبنك ...
+
وكتب لها مؤخر يساري ضعف المهر وهاهو منذ الآن يفكر كيف سيدفع هذا المبلغ الخيالي عندما يطلقها بإذن الله ...
+
لم تغب عنه نظراتها المتحدية وإبتسامتها الماكرة بعدما أعلنهما الشيخ زوجا وزوجة وكأنها تخبره إن جحيمه سيبدأ اليوم معها ...
+
قابل تلك النظرات بأخرى لا مبالية وهو يبتسم لها باستفزاز ...
+
تنهد بسأم وهو يعدل ربطة عنقه ...
+
كم يكره ربطات العنق التي تشعره بقيد لا يطيقه ...
+
تحرك بعدها يغادر الجناح متوجها اليها حيث يجب أن يذهبا إلى قاعة الحفل سويا ويظهران سويا كإعلان رسمي لعقد قرانهما ...
+
وقف أمام باب الجناح ينتظرها بملل بينما أخبرته من خلف الباب إنها ستغادر حالا ..
+
بعد حوالي خمس دقائق غادرت باب الجناح ليلتفت نحوها فيتغضن جبينه برفض وهو يخبرها :-
+
" ما هذا الذي ترتديه ..؟؟"
+
رفعت حاجبها تسأله ببساطة :-
+
" ما باله ..؟! أليس جميلا ...؟!"
+
هتف بصوت آمر :-
+
" إما أن تغيريه أو ترتدي شيئا يخفي ثدييك البارزين ..."
+
شهقت بخجل لحظي قبل أن تحتد ملامحها وهي تخبره :-
+
" ليس من شأنك ..."
+
صاح بثبات :-
+
" بل من شأني .."
+
أكمل رافعا ذقنه بتشدق مقصود :-
+
" أنا زوجك يا هانم ..."
+
تشنجت ملامحها وهي تصيح به بعد لحظات :-
+
" ها قد بدأنا التحكمات من الآن .. لهذا لم أكن أريد الزواج منك ..."
+
نطق ببرود :-
+
" يمكنني تطليقك ... وحالا أيضا ..."
+
تابع دهشة ملامحها وهو يضيف بنفس البرود :-
+
" ولكن ستنسين حينها طائرتنا التي ستقلع بعد ساعات قليلة وتعودين بعد الزفاف مجددا إلى هذا الجناح وتبقين به ولن يهتم لأمرك أحد لإنك ستكونين تجاوزت كل الخطوط الحمراء بالنسبة لهم..."
+
راقب امتعاق ملامحها اللحظي قبل أن ترفع عينيها بنظرات صلبة قاسية وهي تخبره :-
+
" تذكر فقط إنك من بدأت ..."
+
تابعها باستهانة وهي تدلف إلى الداخل تبحث عن شالا مناسبا مع الفستان ترتديه وداخلها تتوعد له ...
+
ليسافرا إلى الخارج وتنفرد به وحينها ستتصرف معه بالشكل الذي يستحقه ..!
+
***
+
في الغرفة المخصصة لها بالفندق كانت هالة تجلس فوق كرسيها كملكة متوجة ...
+
ترتدي فستانا رائع حرصت على إختيار تفاصيله كاملة بعناية شديدة كما اختارت تفاصيل تسريحة شعرها وزينة وجهها ...
+
بدت مثال للفتنة ...
+
ملكة بحق ...
+
فستانها الفخم ينساب فوق جسدها بجاذبية خطيرة ...
+
تسريحة شعرها المرفوع عاليا مبرزا ملامح وجهها المنحوتة المثالية للنظر ...
+
تبتسم بصفاء وهي تنتظر قدوم كرم ...
+
تجلس جانبها توليب وهي تحتضن كفها بتماسك مصطنع ...
+
لا تريدها أن ترحل ...
+
كيف ستتخيل حياتها القادمة دونها ..؟!
+
كيف ستحيا في القصر دون هالة ...؟!
+
خلفها تقف همسة التي تربت على كتفها ببطأ وفي عينيها الأخرى عبرات مكتومة ....
+
لم يكن وداعها للقصر الذي ربيت فيه سهلا ...
+
خالتها بكت كثيرا بل كانت تبكي طوال الليل على كتف زوجها ..
+
تبكي على شقيقتها التي رحلت قبل أن ترى طفلتها عروس بل لم ترها أبدا ...
+
كانت تبكي شقيقتها في كل حدث يخص طفلتيها ....
+
خمسة وعشرون عاما مرت على وفاتها ولم تتخطَ رحيلها .. رحيلها بقي غصة في قلبها سترافقها حتى مماتها ...
+
كانت تبكي على شقيقتها الراحلة وتبكي على ابنتها التي ستفارقها هي الأخرى ...
+
هالة التي كانت ابنة حقا لها ...
+
هي أول من حملها عند ولادتها بل أرضعتها حليبها ...
+
أما عابد فتحدث معها قبل مغادرتها القصر ...
+
ابتسامتهه الحانية وهو يراها بفستان الزفاف قبل أن يعانقها وهو يخبرها بجدية إنها ابنته التي لم ينجبها ... يطمأنها إنه دائما معها وألا تتردد باللجوء اليه إذا ما إحتاجت أي شيء منه ..
+
أكد عليها ثلاث مرات متتالية إن هذا القصر منزلا لها كبقية أبنائه وإنها ابنته كتوليب تماما ...
+
أودعها بقبلة دافئة فوق جبينها وهو يتمنى لها حياة سعيدة تستحقها ...
+
أفاقت من شرودها على صوت همسة وهي تخبرها :-
+
" راغب يريد رؤيتك قبل وصول كرم ..."
+
ابتسمت وهي تومأ برأسها عندما تحركت توليب فسألتها هالة :-
+
" إلى أين ..؟!"
+
ابتسمت توليب بحنو وهي تربت فوق وجنتيها تخبره :-
+
" كرم سيأتي بعد قليل .. يجب أن أغادر ..."
+
وقف راغب يتأمل الفتاتين عندما همست هالة بدموع :-
+
" سأشتاق لك كثيرا يا تولاي ..."
+
مالت توليب نحوها تعانقها برقة ...
+
لم تكن توليب وحدها من تتألم لابتعاد هالة عنها ...
+
هالة كانت تتألم بقدرها وربما أكثر ..
+
فتوليب لسنوات كانت توأمها التي لا تتوقف عن دعمها وإسنادها ...
+
توليب التي رغم رقتها ونعومتها تمتلك جانبا حكيما داعما وحانيا في نفس الوقت يجعلها في كثير من الاوقات تتصرف كأم لها ...
+
ابتعدت توليب بعد لحظات تخبرها بينما تجاهد لكتم دموعها :-
+
" يجب أن أغادر ... أحتاج إلى تعديل زينة وجهي ...."
+
تابعها راغب وهي تغادر الغرفة بملامح محتقنة ورغبة عارمة في البكاء تسيطر عليها فقبض على ساعدها يربت فوق كتفها بحنو لتبتسم بدموع خفية وهي تعانقه لثواني ثم تبتعد عنه بينما نهضت هالة من مكانها تبتسم له بتوتر ودموع عادت تملأ مقلتيها ...
+
ابتسم متقدما نحوها مرددا بصدق بينما تتابعهما همسة من الخلف بشرود حزين :-
+
" ماشاءالله .. كالقمر .. "
+
ثم جذبها من كفها يطبع قبلة دافئة فوق جبينها قبل أن يخبرها بصوته الرخيم :-
+
" لن أقول تلك الديباجات المعتادة ... لكنك تعرفين إنك كنت دائما بمثابة ابنتي وليس فقط شقيقتي الصغرى ..."
+
اومأت برأسها بعينين محتقنتين ليكمل بهدوء :-
+
" اليوم ستبدئين حياة جديدة مع زوجك ولكن ..."
+
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
+
" نحن سنبقى عائلتك الأولى ... عائلتك التي ستكون دائما معك وفي ظهرك ..."
+
تنهد ثم قال :-
+
" وأنا تحديدا سأبقى ورائكِ .. ستجديني جانبك دائما وأبداً يا هالة .. لذا أريدك أن تعديني .. أن تتذكري هذا دائما وألا تترددي أبدا في اللجوء إلي مهما حدث ولأي سبب كان .... "
+
اومأت هالة برأسها بينما رسم هو ابتسامة طفيفة على شفتيه مضيفا :-
+
" اليوم أنا سأسلمك لكرم .. هذا قرار لم يكن سهلا أبدا .. أنا لم أكن لأسلمك لأي شخص بسهولة أبدا ... لكنه شاب جيد ... ومع هذا تذكري جيدا إنني موجود دائما وأبدا ... وإذا ما أزعجك كرم أو ضايقك فستجديني في وجهه أقلع رأسه من فوق عنقه إذا لزم الأمر ..."
+
ضحكت برقة قبل أن تقول بإبتسامة واثقة :-
+
" لا تقلق ... كرم يحبني ... لا يمكن أن يؤذيني مهما حدث ..."
+
عاد يقبل جبينها مجددا وهو يهمس :-
+
" وفقك الله يا حبيبتي في حياتك الجديدة ... "
+
ابتعد بعدها عنها لتتقدم همسة نحوها تعانقها بعينين باكيتين فتشبثت بها هالة بقوة وهي تكابح دموع عينيها بقوة ..
+
البارحة بكت في سريرها طويلا ..
+
ستشتاق الجميع ...
+
ستشتاقهم بحق ...
+
لحظات وسمعا طرقات على باب الغرفة يتبعها دخول فيصل وهو يخبرهم :-
+
" كرم وصل يا راغب وهو ينتظركم في الأسفل لبدء مراسيم الزفاف ...!"
+
***
+
ابتسمت وهي تتقدم نحو خطيبها ووالدته اللذان يجلسان على طاولة العائلة ...
+
انتبه إياس لقدومها أخيرا فأخذ يتأمل طلتها الجميلة بإعجاب سرعان ما تبخر وهو يلاحظ إن فستانها الطويل عاري الكتفين ...
+
تقدمت نحو والدته ترحب بها بإبتسامتها الودودة المعتادة بينما أثنت هي عليها قبل أن تتجه نحوه وتحييه ليرد تحيتها بهدوء ثم تأخذ مكانها جانبه قبال كلا من مهند وجيلان التي تجلس جانبه بملامح واجمة ...
+
وعلى جانبها راجي وخطيبته نغم ...
+
بينما والدتها تتحرك بين الطاولات ترحب بالموجودين ووالدها يتبادل الحديث مع خالها الذي جاء مع عائلته إلى الحفل ...
+
وفيصل يتحدث ويتبادل الضحكات مع احدى فاتنات الحفل ..!
+
" كيف حالك ..؟!"
+
سألته وهي تجلس جانبه ليرد ببرود :-
+
" بخير ..."
+
همست بسرعة :-
+
" هل غضبت مني لإنني رفضت أن آتي معك إلى الحفل ..؟!"
+
أضافت وهي تلمس ذراعه بعفوية :-
+
" هالة كانت تريدني معها بكل خطوة .. لم أكن أستطيع تركها أبدا ..."
+
نطق بخفوت جاد :-
+
" بالطبع لم أغضب لسبب تافه كهذا ..."
+
سألته مدهوشة غير منتبهة لملامح مهند المتجهة وهو يراقب كفها الموضوع على ذراعه :-
+
" لماذا غضبت إذا ..؟!"
+
أشار نحو كتفيها العاريين :-
+
" فستانك ..."
+
سارعت ترفع قماش فستانها عاليا وهي تهمس متوترة بينما عينا مهند اشتعلتا بقوة وهم أن ينهض من مكانه متحفزا قبل أن يسبقه راجي وهو يقبض على كفه بنظرات محذرة ...
+
" مفتوح للغاية .. "
+
قالها بنزق وهو يضيف :-
+
" يظهر كتفيك ونحرك و ..."
+
توقف عن الحديث بينما نطقت بعفوية :-
+
" ما به الفستان ..؟! إنه عادي ... أنا أرتدي هكذا عادة و ..."
+
قاطعها بصرامة كست ملامحه :-
+
" هذا كان سابقا ... قبل أن تتزوجي بي ..."
+
وجمت ملامحها لتشيح بوجها نحو الجانب الآخر..
+
لم تكن هذا ما تنتظره مني ...
+
بدلا من أن يمدح ذوقها وجمالها هاهو يستنكر الفستان الذي تراه عاديا للغاية ...
+
هز رأسه هو الآخر بعدم اهتمام لضيقها مفكرا إن عليها أن تستوعب طريقته وتتفهم ما يحب ويكره قبل أن تلتقي عيناه بعيني مهند الذي ينظر نحوه بعدائية غير مفهومة تجاهلها بدوره ...
+
***
+
كانت أروى تجاور نضال في جلسته ...
+
تتأمل الحفل بملامح صامتة ...
+
لم تكن تريد القدوم ...
+
كانت مضطرة لذلك ...
+
خشيت أن ترفض فيغضب منها ...
+
ثم عادت ولامت نفسها على مجيئها ...
+
لماذا وافقت أن تذهب معه لحفل زفاف ابن عمه وهي باتت تفكر جديا في انهاء هذه العلاقة ...؟!
+
إلى متى ستستمر بإتخاذ قرارات خاطئة ...؟!
+
اتجهت ببصرها نحو ابن عمها الذي يجاور زوجته ...
+
خشيت أن يأتي شريف هو الآخر لكنه لم يفعل وحمدت ربها على ذلك فهي ليست مستعدة بعد لمواجهته ...
+
انتبهت على صلاح الذي يهتف بمزاح :-
+
" أخبريني عن حالك يا دكتورة ... كيف يسير العمل معك ..."
+
ابتسمت بتصنع وهي تخبره :-
+
" لا جديد ... يعني مرضى وعمليات ... "
+
قال ممازحا :-
+
" لم نعد ابني عم فقط بل بتنا صهر وكنة لنفس العائلة ..."
+
ابتسمت بهدوء دون رد بينما تجهمت ملامح نانسي وتمنت لو تخرسه وهي تخبره إنه سيغدو طليقها قريبا ...!
+
اما نضال فكان يتابع ما يحدث بجمود وعدم رضا ...
+
هذا الشاب لا يعجبه أبدا ولا يفهم كيف ابنة عمه تحيا معه ...
+
التفتت نانسي نحو هايدي تلاحظ جمودها فسألتها بحذر :-
+
" ماذا يحدث يا هايدي ..؟! تبدين غاضبة ..."
+
ردت عايدي ببرود :-
+
" لا يوجد شيء ... لا يوجد أي شيء ..."
+
ثم التقت عينيها بعيني أروى لثواني قبل أن تحرك بصرها بعيدا تراقبها أروى بحيرة فهي من المفترض شقيقة العريس ويجب أن تكون سعيدة بزفاف شقيقها الأوحد ...
+
لا تعرف لماذا لاحت منها التفاتة نحو خطيبها لتجده ملامحه تحمل نفس الجمود المغلف بالضيق ..
+
ورغما عنها تسائلت ، لمَ لم يفكر نضال بخطبة ابنة عمه ...؟!
+
الفتاة تناسبه حقا وتليق به ...
+
غريب إنه لم يفكر بها كزوجة له خاصة إنها الأخرى ليست مرتبطة ...
+
كان ستليق به كثيرا وتناسبه للغاية ...
+
فهي تشبهه ..
+
مثله تماما ...
+
مغرورة بالفطرة ..
+
باردة ..
+
وجامدة وتمتلك ذات النظرة المترفعة والإسلوب المتعجرف مع الناس ...
+
***
+
في مقدمة القاعة وقف كرم ينتظر دخول هالة إلى الحفل ...
+
دلفت هالة بعد لحظات متأبطة ذراع راغب فاتجهت أنظار الجميع نحوها ...
+
اتجه كرم بوجه جامد تماما يحيي راغب الذي همس له بتحذير صارم قليلا :-
+
" انتبه عليها ... أنا أسلمك ابنتي الليلة ... اعتني بها جيدا وإياك أن تحزنها ..."
+
ابتسم ببرود مقتضب قبل أن يتجه نحوها يرفع طرحتها من فوق وجهها فيجد عينيها الرماديتين تتطلعان له بحب ...
+
تلمعان بسعادة ...
+
لم تلن ملامحه ولم تتخلَ عن جمودها ..
+
مال يطبع قبلة باردة فوق جبينها قبل أن يمد ذراعه لها لتتأبطها فيتقدم كليهما إلى الأمام وتبدأ مراسيم الحفل ....
+
***
+
كانت أروى تتابع الحفل بصمت ...
+
بدأ العروستان رقصتهما ...
+
كانت العروس مثالية إلى حد جعل الجميع يتهامس عن جمالها ...
+
شعرت بكف نضال تقبض على كفها بينما يهمس لها متسائلا :-
+
" هل تفكرين في زفافنا عزيزتي ..،؟!"
+
التفتت نحوه بملامح بهتت لا اراديا ..
+
هي لم تفكر بهذا الأمر بتاتا ...
+
مع إنها كان من المفترض أن تفكر لذلك كونها مخطوبة ...!
+
لكنها في الواقع تفكر في إلغاء الخطبة برمتها ..!
+
لم يغب عنه ترددها وارتباكها فابتسم يخبرها بإقرار :-
+
" ليكن بعلمك سنحدد موعد الزفاف قريبا جدا ..."
+
همت بقول شيء ما عندما سمعت والده يخبره مبتسما :-
+
" لماذا لا ترقص مع خطيبتك ...؟! "
+
انتبه نضال إلى الثنائيات اللذين بدئوا يشاركون العريس وعروسه الرقص ...
+
رفض مبتسما بلباقة :-
+
" أنت تعلم إنني لا أحب الرقص ..."
+
ثم انتبه لتلك الفتاة الجميلة التي تقدمت نحو طاولتهم بينما نهضت خطيبته بسرعة ترحب بها حيث عانقتها الأخيرة بفرحة لرؤيتها ...
+
تابعهما نضال بصمت عندما سألت نغم باهتمام :-
+
" لم أكن أعلم إنك قريبة أحد العروسين ..؟!"
+
قالت اروى بسرعة :-
+
" خطيبي ولست أنا .. العريس ابن عمه ..."
+
ثم اتجهت ببصرها نحو نضال وهي تخبر :-
+
" دكتورة نغم .. صديقتي ... تعمل في نفس المشفى معي ..."
+
حياها نضال باقتضاب بينما تأملته نغم لوهلة ولم يغب عنها تحفظه بل بروده ...
+
عادت تتحدث مع أروى قبل أن تشعر بدوار يسيطر عليها فسارعت تمسك بيد أروى التي تسائلت بقلق :-
+
" هل أنت بخير ..."
+
" أحتاج أن أذهب إلى دورة المياه ..."
+
" سآتي معك ..."
+
قالتها أروى وهي تسحب حقيبتها بينما تخبر نضال سريعا :-
+
" سأرافق نغم إلى دورة المياه ..."
+
ثم تحركت دون أن تنتظر جوابه مما جعل غضبه يتصاعد منها أكثر ...
1
***
+
بعد حوالي عشرة دقائق سألت أروى باهتمام :-
+
" هل أصبحت أفضل الآن ..؟!"
+
اومأت نغم برأسها وهي تخبرها :-
+
" لا تقلقي ، أنا بخير ..."
+
ثم أغلقت صنبور المياه وقالت :-
+
" سأذهب لأرتاح قليلا في الحديقة الخارجية ... أحتاج أن أبتعد عن ضوضاء الحفل و أتنفس القليل من الهواء النقي ..."
+
" سآتي معك ..."
+
قالتها اروى بجدية لتمنعها نغم على الفور وهي تخبرها :-
+
" عودي الى الحفل ... لا يمكن أن تتركي خطيبك لوحده اكثر ..."
+
ثم منحتها ابتسامة هادئة وهي تخبرها :-
+
" أنا بخير .. اطمئني ..."
+
اومأت أروى برأسها موافقة لتتحرك كلتاهما خارج المكان حيث اتجهت نغم نحو الحديقة الخارجية بينما ذهبت اروى باتجاه القاعة لتجد راجي في وجهها يهتف مندهشا من وجودها :-
+
" دكتورة أروى ..."
+
" دكتور راجي ..."
+
سرعان ما سألها :-
+
" هل رأيت نغم ..؟!"
+
أجابت بسرعة :-
+
" خرجت إلى الحديقة ..."
+
قالتها بتوتر وهي تضيف :-
+
" كانت متعبة قليلا ..."
+
تسائل بفزع :-
+
" هل هي بخير ...؟!"
+
قالت بسرعة :-
+
" نعم هي بخير ولكن ..."
+
توقفت تطالعه بقلق فوجدته ينطق بعد لحظات باقرار :-
+
" أنت تعرفين ، أليس كذلك ..؟!"
+
بهتت ملامحها كليا فسألها مجددا بوجوم :-
+
" كيف عرفت ..؟!"
+
" لا تقلق .. لا أحد سيعرف .. اطمئن ..."
+
أكملت تبتسم له :-
+
" نغم صديقتي وأنا أخشى عليها مثلك تماما ... "
+
أضافت بتردد :-
+
" وأريدها أن تخضع للعلاج ..."
+
نطق بتروي :-
+
" وهذا ما أريده أنا أيضا ..."
+
أضاف بجدية :-
+
" كيف عرفت ..؟!"
+
نطقت بتوتر فشلت أن تخفيه :-
+
" من دكتور مؤيد ... تعبت قبل يومين وشعرت بوجود خطب ما خلف ملامحه فسألته وأخبرني بتردد ... "
+
لم يبتلع كذبتها ..
+
الشكوك ساورته نحوها ...
+
نحو مصدر معرفتها ..
+
شعرت هي بذلك فمنحته إبتسامة لطيفة وهي تخبره :-
+
" لا تقلق حقا ... لن أخبرها بشيء حتى تقرر أنت ..."
+
أومأ برأسه دون رد عندما نطقت :-
+
" عن أذنك الآن ..."
+
ثم تحركت قليلا لتتوقف على صوت ندائه بإسمها فالتفتت نحوه بنظرات متسائلاً ليخبرها بجدية بينما عيناه تبحثان في ملامحها عن كذبة يشعر بوجودها :-
+
" لا أحد يعلم بمرض نغم عداي أنا ومؤيد ... حتى عائلتها لا تعلم بذلك ..."
+
" اطمئن ..."
+
قالتها وهي تمنحه نفس الإبتسامة المطمئنة للمرة الثالثة قبل أن تتحرك بعدها عائدة إلى القاعة غافلة عن ذلك الذي اقتنصها وهي تتحدث معه ولم يغب عنه ما يحدث ...
+
كانت تتحدث بخجل وارتباك معه ... ابتسمت له ثلاث مرات ...
+
مالذي يحدث ...؟!
+
تصلبت ملامح بقسوة وعقله يتسائل عن علاقتها براجي الهاشمي الذي يعرف اسمه فقط لا غير ....
+
***
+
بدت مراسيم الحفل باردة قليلا ...
+
كرم كان هادئا بشكل لا يشبهه وهالة بدورها شعرت بالحذر ...
+
هناك شيء ما يحدث ...
+
شيء ما متغير فيه ...
+
أرادت أن تسأله عما يحدث ..
+
عن سبّب برودة ...
+
كان متحمسا للغاية للزفاف ..
+
كان يتحدث عنه بحماس ...
+
عن تفاصيل ليلة لن تنسى ...
+
عن رقصهما سويا حتى ساعات الصباح الاولى ...
+
عن حفل سيغدو كالحلم..
+
مالذي أصابه بالضبط ...؟!
+
لم هو هادئا هكذا ..؟!
+
حتى ابتساماته وأحاديثه القليلة تشعر بها مصطنعة لغرض المجاملة ليس إلا ..
+
ومن بعيد كانت هايدي تراقب ما يحدث ...
+
بعينين حادتين كالصقر تلعن شقيقها الذي لم ينفذ لها ما أرادت ..
+
شقيقها الذي فكر بسمعة الفتاة ...
+
كانت تعلم إنه رقيق القلب وسيخذلها ...
+
ليته كان مثلها ...
+
لكن كرم مختلف ...
+
عاطفي ..
+
رقيق القلب والمشاعر وأكبر دليل ما فعله حيث أتم زيجته منها بعدما ما عرفه وبعد كل محاولاتها معه ليتركها قبل الزفاف ...!
+
أتى موعد العشاء فسألتها نانسي إذا ما تريد تناول شيء لترفض ببرود ...
+
تحركت نانسي بعدها متجهة إلى بوفيه الطعام يتبعها زوجها والذي كان يلاحقها بنظرات معجبة منذ بداية الحفلة ويتعامل معها بطريقة أقلقتها ...
+
وقفت تضع القليل من الطعام لها بجانبها صلاح عندما لفت انتباهها أحدهم يقف على مسافة منهما يضع الطعام له هو الآخر ..
+
هتفت دون وعي :-
+
" براء بك ..."
+
التفت براء ليندهش من وجودها أمامه لكن سرعان ما ابتسم وهو يهتف بانشراح :-
+
" نانسي ... كيف حالك ..؟!"
+
ثم أكمل متسائلا :-
+
" أنت قريبة العريس ..؟!"
+
ابتسمت مجيبة :-
+
" شقيقته ..."
+
انتبه لصلاح لذلك الذي وقف جانبها يتابع ما يحدث بملامح باردة فقال بهدوء :-
+
" وأنا ابن خال العروس ..."
+
صدح صوت صلاح يتسائل بخبث :-
+
" ألن تعرفيني عن السيد حبيبتي ...؟!"
+
هتفت نانسي بسرعة وتوتر :-
+
" صحيح ، إنه صلاح .. زوجي ..."
+
بهتت ملامح براء بل إنطفأت كليا بينما صلاح يمد يده نحو براء يعرفه بإبتسامة هازئة :-
+
" صلاح الخولي ..."
+
" أهلا ..."
+
قالها براء وهو بالكاد يرد تحيته قبل أن يهتف معتذرا :-
+
" عن إذنكما ..."
+
ثم تحرك بعدها والخيبة ظاهرة على ملامحه بوضوح ...
+
خيبة لم تنتبه هي لها لكن زوجها لاحظها على الفور ...!
+
***
+
انتهى الحفل سريعا بل أسرع مما توقعت ...
+
ودعت عائلتها ...
+
تشبثت بأحضان شقيقتها بخوف مبهم ...
+
بكت بين أحضانها فشاركتها هي البكاء ...
+
لولا تدخل راغب لكانت بقيت داخل أحضانها ...
+
أوصته همسة مرارا عليها وبدت وكأنها ترجوه أن يعتني بها وألا يحزنها ...
+
كانت الكآبة تسيطر على ملامحها تماما بينما غادرت هي معه في سيارته التي قرر أن يقودها بنفسه متجها إلى فندق آخر حجز لهما فيه جناحا ...!
+
كانت تجاوره في جلسته وشعور الإختناق يسيطر عليها ...
+
باتت متأكدة من وجود شيء ...
+
هل فعلها أثير وتحدث معه....؟!
+
هل قرر أن ينتقم منها للمرة الأخيرة قبل سفره ..؟!
+
شعرت بالرعب يكسوها وشعور الاختناق داخلها يزداد عندما همست :-
+
" افتح النافذة ..."
+
لم يهتم لطلبها فكررت مجددا :-
+
" افتح النافذة يا كرم فأنا أختنق .."
+
تجاهلها وكأنها ليست هنا فصاحت به بإنفعال :-
+
" افتح النافذة .. لماذا لا تفعل ..؟!"
+
ثم شهقت وهي تجده يوقف السيارة مرة واحدة حتى كاد أن يصطدم رأسها بالنافذة أمامها ...
+
" ماذا حدث ..؟! هل جننت ...؟!"
+
التفت نحوها أخيرا فرأت بعينيه نظرة أخافتها بحق بل أرعبتها ...
+
نظرة لم ترها منه طوال سنوات معرفتها به ولم تتوقعها يوما أن ترها منه ...
+
" ماذا هناك يا كرم ..؟!"
+
أكملت بجسد مرتجف :-
+
" أنت تخيفني ..."
+
" لماذا ...؟!"
+
خرجت منه أخير لتهمس بعدم فهم :-
+
" ماذا ..؟! أنا حقا لا أفهم ما بك ..."
+
صاح بغضب :-
+
" توقفي عن ادعاء الغباء ... أنا أصبحت أعرف كل شيء ..."
+
تجمدت تماما وعقلها لا يستوعب ما يتفوه به ...
+
عرف كل شيء ...
+
" ماذا تقول أنت..؟؟"
+
خرجت منها ضعيفة مهزومة ليضحك مرغما ثم قالت :-
+
" عرفت كل شيء يا هانم .. عنك وعن الباشا .. أثير بك ..."
+
" كرم أنت فهمت الأمر بشكل خاطئ ..."
+
" اخرسي ..."
+
قالها وهو يقبض على تسريحة شعرها بقسوة جعلت الدموع تنتفض من عينيها بينما تهمس بعدم تصديق :-
+
" كرم أنت تؤلمني ..."
+
" تتألمين ..؟! حقا تتألمين ..؟!"
+
اومأت برأسها وعينيها تدمعان ليضحك مرغما ثم يقول بعدها :-
+
" أنت لم تجربيِ الألم بعد يا عزيزتي ... لم تجربيه بحق ..."
+
ثم حرر خصلاتها لتهمس بصعوبة :-
+
" ماذا تقول أنت ..؟!"
+
مالت شفتاه بقسوة وهو يخبرها :-
+
" في البداية فكرت أن ألغي الزفاف ..."
+
شاهد الصعقة فوق ملامحها فأكمل :-
+
" ولكنني بعد تفكير وجدت إن هذا لن يفيدني بشيء ... على العكس تماما بل سوف يسهل عودتك اليه مجددا ..."
+
" أي عودة اليه .. هو يكذب عليك ..."
+
أوقفها صائحا بحدة :-
+
" اخرسي ..."
+
ثم مال نحوها يهمس بقسوة لم تعتقد يوما إنه يمتلكها :-
+
" عندما أتحدث أنا تخرسين أنت ..."
+
أضاف متجاهلا دموعها التي أخذت مجراها فوق وجنتيها :-
+
" لذا قررت أن أتمم الزيجة ... ثم أحاسبك بطريقتي الخاصة ... قسما بربي يا هالة سترين مني وجها لم ترينه طوال حياتك من قبل ... ستدفعين ثمن استغفالك لي وغدرك بي وبشقيقتي كاملا ... ستندمين يا هالة ..."
+
احتقنت ملامحه وهو يهمس بوعيد طل من عينيه فأرهب قلبها :-
+
" ستحيين معي في جحيم يماثل الجحيم الذي عشته عندما أدركت إنني كنت المغفل بينكما ... أنا الذي وثقت بك حد العمى فطعنتني بظهري دون تردد ... "
+
" أنت جننت ... افهمني على الاقل ..."
+
" لن أسمع شيئا ..."
+
قالها وهو يدير النقود مجددا مضيفا :-
+
" لنذهب إلى منزلنا ... "
+
" منزلنا .."
+
نطقت بها بعدم فهم فهتف بتهكم :-
+
" نعم ، استأجرت منزلا لنا سنبقى فيه لمدة غير معلومة فأنا لغيت مشروع السفر تماما ..."
+
" أنت حقا جننت .."
+
ثم صاحت وهي تقبض على ساعده :-
+
" أوقف السيارة ودعنا نتحدث .. يجب أن تسمعني ..."
+
" سمعت ما يكفي ..."
+
" بلى ستسمعني .. من أبسط حقوقي أن تسمعني ..."
+
قالتها بغضب بينما تصيح بعصبية :-
+
" لن أذهب معك .. سأعود إلى عائلتي .. لن أذهب معك إلى أي مكان .. أوقف السيارة .."
+
" اخرسي ..."
+
صاح بها وكفه تهبط فوق وجنتها بصفعة قوية أفرغ بها كل غضبه منها لتنظر له بعدم استيعاب غير مصدقة ما فعله ببنما تأملها هو بأنفاس لاهثة منتبها إلى ذلك الخيط الرفيع الذي نزف من جانب شفتيها ...
+
لم يستغرق الأمر برمته ثواني حتى سمع صوت تزمير قوي فسارع يحاول أن يدير المقود غير مستوعبا ما يحدث لكنه لم يلحق حيث اصطدمت شاحنة ضخمة بسيارته لتنقلب الأخيرة بقوة مخيفة وآخر شيء سمعه كلاهما صوت صرخة الآخر ...
+
انتهى الفصل
+