اخر الروايات

رواية جمر الجليد الجزء الثاني الفصل الخامس عشر 15 بقلم شروق مصطفي

رواية جمر الجليد الجزء الثاني الفصل الخامس عشر 15 بقلم شروق مصطفي


الفصل الخامس عشر🌹
_ مالك؟... أنتي كويسة؟ 
انتبهت سيلا إليه، وحاولت رسم ابتسامة متوهة وهي تجيب:
ها؟! آه، أنا كويسة... مبروك مجالكُم، بعد إذنكم.

+


همّت بالتحرك، لكن باغتها عاصم بسؤال:

+


مقولتيش... حلمتي بإيه ليا؟
تدخلت آسيا، زوجته، بغيرة واضحة:
إيه ده يا حبيبي؟! مين دي اللي حلمت بيك؟ وتعرفك منين أصلاً عشان تحلم بيه؟!

+


ضحك عاصم، واحتضنها من خصرها قائلاً:
"وأنا أول مرة أشوفها يا حبيبتي، عشان كده مستغرب وبسألها!"

+


وجّه الجميع أنظارهم إلى سيلا، التي تماسكت وأجابت ببرود:
"حلم تافه... ونسيته أول ما صحيت. متشغلوش بالكم."

+


ثم تحركت من أمامهم، وجلست مع البقية، لكنها لم تستطع منع نفسها من النظر إليه بين الحين والآخر، فتجده يضحك معها، يتغزل بها...

+


فتحت عينيها أكثر، تحاول تصديق ما يحدث أمامها. شعرت بأن قلبها ينكمش أكثر وأكثر، بينما هو... سعيد بغيرها.

+


و انتهت احتفالية المولد وغادروا، و قام هيثم بتوصيلهم. 

+


ارتمت على فراشها بتعب، و انهمرت دموعها التي أبت أن تسقط سابقًا. انهارت حصونها، وتلاشى تماسكها.

+


لم تستوعب بعد فقدانها له، ظلت صامتة تحدق في اللا شيء حتى غفت في سبات عميق.

+


بعد مرور بعض الوقت، تعرّق جبينها، وبدأت تهذي وتحرك رأسها لا إراديًا يمينًا ويسارًا، تئنّ بصوت مكتوم وتنادي باسمه:

+


– عاصم، ليه ما استنتنيش؟ لا... أنت ليا أنا! أنا بحبك... أمم... عاصم، ما تسبنيش! لا... لا، آسيا، لا! أنا اللي بحبك... ماما، بابا، ماما، انتو فين؟

+


ثم انتفض جسدها فجأة من شدّة بكائها المكتوم، إلى أن استمعت إلى صوت رخيم بجانبها يهمس لها برقة:

+


– هشششش... أنا جنبك، معاكِ... اهدي، حبيبتي.

+


أحست بدفء يغمرها، وذراعين تحيطانها، وأنفاس حارة تحوم حول عنقها. كانت الهمسات تلامس قلبها، فهدأ انتفاض جسدها قليلًا. فتحت عينيها بصعوبة بعدما غرق جسدها في العرق، ثم التفتت لترى من يهمس بأذنيها، ففوجئت بهِ أمامها. أخيرًا، نطقت اسمه بذهول:

+


– ع... عاصم! أنت هنا بجد؟

+


ابتسم لها بحب، وهو لا يزال قريبًا منها، لم يتركها. نظر داخل عينيها وقال:

+


– آه، هنا... عاوزاني أبعد؟

+


وفجأة، دون تفكير، التفت ذراعاها حول عنقه، تضمه أكثر إليها بشوق ولهفة، وكأنها تخشى أن يضيع منها مجددًا:

+


– أوعى تفكر تبعد عني! لو عملتها، أنا ممكن أموت فيها... أنت ليا أنا بس، فاهم؟

+


نظر إليها عاصم بحب وهمس:

+
            
– وأنا عمري ما هبعد عنك، ولا حتى في تفكيري الصغير... بس...

+


لكنه لم يُكمل جملته، فقد ابتعدت عنه فجأة، وأدارت وجهها بعيدًا بغضب. انكمشت ملامحها، ونطقت بضيق:

+


– لا! أنت بعت عني واتجوزت كمان! وقعدت تسرّح لها شعرها وتضحكوا مع بعض قدامي! ابعد بقى! ما تكلمنيش... أنا زعلانة منك.

+


اتسعت عيناه بدهشة، لم يستوعب بعد أي "تخريف" هذا! لكنه سرعان ما أدرك أنه كان حلمًا، فضحك بصوت عالٍ وقال بمزاح:

+


– اتجوزت مرة واحدة؟! طيب يا ريت! هو أنا عارف أتجوز أول مرة، لما أفكر في التانية؟

+


نظرت إليه بغضب وردّت:

+


– ويا ريت ليه؟! لا، روحلها بقى وكمل تسريح شعرها الأصفر... ولا عشان أنا معنديش شعر؟

+


لكن فجأة، ترقرقت عيناها بالدموع، عندما جاء ذكر شعرها الذي فقدته بسبب جلسات العلاج الكيماوي. رفعت يديها وأدارت وجهها في الاتجاه الآخر، محاولة كبح دموعها.

+


رفع حاجبه وابتسم بخفة، ثم قال بمزاح:

+


– لا، احنا بنغير بقى ولا إيه؟ طب بتغيري من حلم كمان؟! أنا فكرتك أعقل من كده... يا بنتي، مش لما نتمم جوازنا الأول، أبقى أفكر في التانية؟

+


وجدها صامتة، فاجتذبها إليه، وأحاطها بذراعيه، ثم همس:

+


– طيب، هششش، اهدي بقى، وبطلي الجنان ده! أنا بحبك... كلك على بعضك، مش بحب جزء وجزء لا! أنا وأنتِ روح واحدة، ومفيش قوة ممكن تفرقنا إلا الموت.

+


ابتسمت له بحب، ثم روت له ما رأته في منامها.

+


نظر إليها عاصم ورد مفسرًا بعض الرؤيا:
بقلم شروق مصظفى وانصهر الجليد قصص الحياة
– طيب، انتي عارفة إن عطية الميت للحي في المنام حلوة أوي؟ وكمان حملك لمولودة بنت يعني "دنيا"... وأنا بقى نفسي في بنوتة، وأسميها "نور"، قمر زيك كده، عشان هي هتبقى نورنا.

+


ضحكت سيلا بسعادة:

+


– أنا أول مرة أشوفهم... محدش زارني من يوم فراقهم. بس كانوا وشهم منور، وبيضحكوا، وحضنوا همسة وأنا، وعطونا هدايا وسلسلة فضة! كان حلم جميل أوي لحد ما...

+


توقفت فجأة، ثم نظرت له وقالت بتردد:

+


– ولا بلاش...

+


حاول عاصم كتم ضحكته، لكنه لم يستطع، فتحدث بمزاح:

+


– لا، قولي بقى كملي.

+


أشاحت وجهها بعناد وقالت:

+


– بايخ، مش مكملة.

+


لكنها صمتت، ثم نظرت إليه نظرة مختلفة... نظرة تفيض بمشاعر لا تُحكى بالكلمات.

+


– عارف؟ مش متخيلة حياتي من غيرك، كانت هتبقى عاملة إزاي؟! أنت ربنا عوضني بيك بجد... السند، والأمان. معاك بنسى نفسي وروحي... حضنك ده...

+


أشارت بأناملها إلى صدره، ثم تابعت:

+


– بحس إني ملكت العالم كله! نفسي بجد أسعدك وأعوضك عن كل اللي اتحرمت منه.

+


صمتت قليلًا، ثم تابعت بصوت خافت:
بقلم شروق مصطفى
– عاصم، ممكن في يوم تفكر تبعد عني؟

+


صمتت للحظة تستجمع شجاعتها، ثم تابعت بينما كان ينظر إليها بصمت:

+


– يعني... لو المرض رجعلي تاني، أو لو الخلفه اتأخرت بسببي؟ مقدرش أحققلك أقل أمنية ليك إنك تبقى أب... ساعتها، مش هظلمك معايا؟

+


لم تكمل، فانهمرت دموعها، لكنها سارعت بمسحها سريعًا، وهي تنظر له بترقب، تحاول قراءة ملامحه. لكنه ظل صامتًا، وكأنه يحاول السيطرة على غضبه.

+


كيف تفكر أنها قد تظلمه يومًا ما، وهي السبب في عودته للحياة؟

+


مسح بأنامله دموعها وهمس بحنان:

+


– ممكن ما تبكيش؟ لأن لما بشوف دموعك بتنزل، جوّايا حاجة بتتعذب... يرضيكي أتعذب كتير؟

+


لم ترد، فأصدر تنهيدة حارة وتابع:

+


– طيب، هسألك سؤال... لو جاوبتي عليه بصراحة، هسمع كلامك، وهبعد عنك، وهشوف حياتي.

+


تجمدت نظراتها على وجهه، فقال بصوت جاد:
– لو جرالي حاجة بعد جوازنا… أي حاجة، مرض، أو تأخر في الخلفة، ممكن تسيبيني وقتها؟ وتقولي "نصيبي" وتبعدي عني؟ ممكن تعملي كده فعلًا؟

+


لم تتردد لحظة في الرد:
– لا طبعًا، عمري ما أبعد عنك، الموت هو الوحيد اللي ممكن يفرقنا، غير كده مقدرش أبعد عن حضنك…

+


نطقت بها، ثم دفنت رأسها في صدره، كأنها تختبئ في أمانه، مستمتعة بأجمل إحساس؛ الطمأنينة.

+


ربت على ظهرها بحنان، ثم قال:
– يبقى أنا عمري ما أفكر أبعد عنك يا سيلا… أنتِ مش بس مراتي، وقلتلك ده قبل كده، أنتِ بنتي وهتفضلي بنوتي طول العمر.

+


تنهد ثم أضاف بمرح:
– كنت جاي أصحيك ومحضرلك مفاجأة حلوة، بس خلاص بقى…

+


بدون تفكير، اقتربت منه وأحاطت عنقه بذراعيها، ثم طبعت قبلة على وجنتيه بامتلاك:
– آسفة حبيبي لو ضايقتك بكلامي، غصب عني… بس آه، لو كنت شفت البنت اللي اتجوزتها وهي بتضحك وماسكة فيك بامتلاك، وأنا كنت مقهورة ببص عليك… كان هاين عليّا أجيبها من شعرها!

+


ضحك عاصم بقوة وقال بمزاح:
– ومعملتيش كده ليه؟!

+


أجابت بخفوت وهي تخفض عينيها:
– اممم… كان في ناس وكده، محبتش أعمل مشكلة… المهم، إيه المفاجأة بقى؟ قولي قولي، عشان خاطري!

+


نظر إليها عاصم بتفكير، ثم قال بابتسامة خفيفة:
– ممم… ماشي، مع إن تصالحك ناشف شوية، بس ملحوقة… المهم، كنت عند الدكتور، وبلغني إننا مش هنقعد أكتر من شهر… وفي كمان مفاجأة تانية!
يتبع


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close