اخر الروايات

رواية عزف السواقي الفصل الخامس عشر 15 بقلم عائشة حسين

رواية عزف السواقي الفصل الخامس عشر 15 بقلم عائشة حسين 



                                    
الـــخـــامــس عــشــــر

+


مرّت آيات من أمام المسجد فلمحها رجلًا من بعيد ومال على أذن والدها الجالس جواره هامسًا بنظرة يعتليها الشماتة «عرفت إن نسيبك اشترى فدان» 
انتفض والد آيات مستفسرًا منه «واه متى؟  » 
قال الرجل بحسد لمع بمقلتيه «السبوع الي فات» 
صمت والد آيات بحقدٍ وغيظ بينما تابع الرجل متشفيًا في والد آيات «بيجولو كتبه باسم واد عمته» 
همس والد آيات بحرقة شديدة وهو يطرق الأرض بعصاه «كمان واد عمته» 
ضحك الرجل مستفزًا له «فلوس كتيرة يا أبوي بيبعزق فيها يمين وشمال.. إيه منابكش من الحب جانب؟» 
قال والد آيات بسخطٍ شديد وكراهية تشتعل في حطب صبره «فينه عاد؟  واد الحفناوي كل ما يملك لخواته» 
قطب الرجل موضحًا بهمس «خواته مش أغلى من عياله بتك لو جابتلها حتة عيل الدنيا وما فيها، ولا ناويين تسيبو ماله وحاله ياخدوه خواته؟» 
انتفض والد آيات يكتم قهره، لا يجد ما يرد به على هذا المتطفل الثقيل الذي يضغط على جرحه بالملح «ماله وهو حر فيه» 
رمقه الرجل بنظرة خبيثة متشفية وقال يستدرجه للحديث  «يبجى الي داير في البلد صُح؟» 
التفت إليه والد آيات وسأله في تحفز وكربٍ عظيم على من هو مثله كان يطوف البلد متباهيًا بالنسب «إيه بيجولو؟» 
قال الرجل وهو يتأمل غضبه برضا 
«واد الحفناوي طلجها ورماها عشان الخلفة وهيتجوز تاني» 
دافع  والد آيات عن ابنته بحدّة وعداء شديد لرؤوف «أنا بتي سليمة هو المعيوب وبيتدارى فيها زي الحريم» 
لم يصدقه الرجل ونظر إليه بإستخفاف وشماتة قبل أن يقول بهدوء «كله هيبان يا أبو حسين» جز والد آيات على أسنانه وهو يزجر صديقه بنظرة غاضبة ثم رحل بعدها متوعدًا ابنته، سار للمنزل بخطوات واسعة شاهرًا العصا عالسيف يرتب في ذهنه ما سيفعله وكيف سيثأر لكرامته المهدرة منها ويرتشف من دمائها عقابًا على أفعالها المشينة ومصائبها.. سيصب غضبه فوق رأسها ويؤدبها على خداعها ألف مرة، سيمزقها ويمضغ لحمها بعدما ناله من كلمات وشماتة النظرات فيه 
دخل المنزل فوجدها تستريح من الطريق فوق الأريكة ممسكةً بهاتفها تقلب فيه بهدوء وصمت ولا مبالاة أغاظته  فصرخ فيها بنبرة أنبأتها بحضوره وغضبه الذي تجرعت كؤوسه من نظراته المتوعدة الآن
************** 
بالأعلى وقفت هدى مكانها مبهوتة لايمكن أن تصنف مشاعرها الآن لكن نظراته أرعدتها، الخوف سيطر فصاحت تمزقه بسكين قوتها «أنت جيت هنا كيف وليه؟» 
قال بهدوء ونظراته تنزلق على جسدها ببطء مغتنم  «ناديت ومحدش رد فطلعت» 
اندفعت راكضة تسحب خمارها وتلقيه فوق رأسها ليسترها من نظراته التي ما ابتعدت لحظة ولا انخفضت بل ركضت خلفها وتابعتها بجرأة والتهام مقزز لنفسها وقفت أمامه غاضبة تصرفه بإشارة « يلا امشي » 
ضيّق عينيه فوق ملامحها وسألها ببرود كأن ما قالته لا يعنيه ولا يؤجج من انفعاله الخامد ذره «قوليلي الأول بتعملي إيه؟» خطا خطوة يتأمل المخبوزات الساخنة من خلفها فصرخت فيه غير مصدقةً بروده وهدوئه وهي التي تقف على عتبات الانهيار ممزقة بسكين الندم والحسرة «أنت مبتحسش ولا إيه؟» 
شملها بنظرة جريئة قبل أن يقول بنبرة كلها عاطفة «اتغيرتي» 
كادت أن تجن من فرط وقاحته وبروده، دفعته من أمامها وخرجت تحاول النجاة بعقلها من تلك المهزلة... توقفت مكانها على صرخات آيات القادمة من الأسفل وصوت والدها العالي، اقترب علاء ومال ناحيتها هامسًا «انزلي يلا وهنزل معاكي» 
حملقت فيه مرتجفة تستوعب هذره قبل أن تدفعه بعيدًا قائلة «أنت مش طبيعي» 
تحركت لتهبط فاستوقفها «سيبي خالي يضربها شوية لمصلحتها» 
استنكرت قوله وقالت حانقة «متدخلش» 
هبطت بسرعة مستغلة انشغال والدها بضرب آيات، محتمية بتلك الضوضاء وإن كان صوت قلبها أعلى اللحظة وأفكارها تتشعب.. وقفت أمام والدها مانعة له «كفاية يا أبوي» 
رفع الرجل عصاه صارخًا في غضب «سبيني اكسرلها رجليها» 
سألته هدى وهي تضم آيات المنتحبة «ليه بس يا أبوي حصل إيه؟» 
أجابها وهو يقفز مطالبًا بجسدها طعمًا لغضبه «قايلها متطلعش من البيت وطلعت» 
صاحت آيات من بين شهقاتها وآنات ألمها «روحت شغلي» 
رفع عصاه ومدها ناحيتها ضاربًا لها فوق رأسها يصرخ فيها «مفيش شغل تاني ولا هتطلعي من البيت يا إما أجوزك واخلص منك أو تتلجحي جار أمك لغاية ما تموتي» 
توقف بكاؤها في حنجرتها وحملقت فيه مستفسرة «أتجوز» 
صرخ فيها متهكمًا «أمال هسيبك جصادي تموتيني ولا تجبيلي علّة، أول واحد يخبط هديكي له يا بت الناقصة» 
رفضت مزمجرة وهي تضرب وجهها «لاه رؤوف مطلجنيش عشان تجوزني» 
دفع الرجل هدى وهجم على آيات يضربها بعصاه بوابل من الشتائم واللوم « كلمنى ورمى اليمين واد المحروق لما بعتله ناس، وأنت ِمعيزاش تخلفي ها؟ ماشي أنا هجوزك لواحد معايزش عيال تخدمي عياله» انهال عليها ضربًا وركلًا بغيظ وحرقة شديدة، بينما تململت هدى الواقعة أرضًا بألم مكتوم، تعض شفتيها حابسة تأوهاتها من شدة السقطة التي جعلت ظهرها يضرب حافة الدرج بقوة 
هبط علاء بهدوء بعدما رحل خاله  ، لكنه ما إن رأى هدى بحالتها تلك حتى اندفع راكضًا للأسفل غير مهتم بآيات وما حصدته من ضرب وتجرعته من إهانة «هدى مالك» 
أمسك كتفيها فدفعته بعيدًا عنها ببغض وتعكزت على الحائط حتى نهضت قائلة «ابعد عني» 
عاد ليمسك بها في قلق «استني هو ضربك ولا إيه؟  قولتلك متدّخليش» 
دفعته منتفضة من لمساته تود البكاء من تلك المحاصرة فهي ليست بحال جيدة تسمح لها بتعنيفه ولا قوة لديها تستنزفها في دفعه بعيدًا ، كل قوتها ضعفت من هذا الألم الشديد.. رحلت لمنزلها تستند على الحوائط في الشارع الطويل حتى وصلت لمنزلها وهو خلفها، اطمئن لدخولها فعاد من حيث أتى.. جلس جوار آيات التي تتألم ضامةً ذراعها لصدرها، التقط لها عدة صور بهدوء فنهرته بغضب «بتصور إيه؟» 
هز كتفه وعاد ليجلس جوارها قائلًا «هينفعونا صدقيني، بس الأول قوليلي مين من أخوات رؤوف ليكي كلام معاه وممكن يساعدك؟» 
صمتت مفكرة متمسكة بفرصتها الوحيدة والأخيرة بعد ما سمعته من والدها وقالت «يونس مش بيطيجني بس طاهر....» 
توقفت عن الحديث قليلًا ثم قالت بلهفة «طاهر هو طاهر ممكن يساعدني ويقف جنبي ورؤوف بيحبه جوي» 
قال علاء بحماس شارطًا عليها بمكر «بس يا آيات لو رجعتك توعديني تساعديني زي ما ساعدتك» 
قطبت مستفسرة وهي تتحسس كدمات وجهها «أوعدك بس بايه؟» 
نهض من جوارها وغادر للمندرة الي يقيم فيها قائلًا «بعدين نخلص بس من موضوعك وأقولك» 
دخل وأغلق خلفه بينما سارت هي حتى الدرج متألمة، صعدت للأعلى داعية بحرقة «منك لله يا رؤوف» 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فركت أناملها في قلق لا يستره رداء التماسك بل يعريه ويفضحه لسانها «فين قاسم يا خالة هو اتأخر ليه؟» 
ابتسمت العجوز برضا مستشعرة القلق والحب في نبضات غزل، تتلذذ به فتنطق على مهل كأنها تريد المزيد ليرتوي رضاها ويسكن قلقها تجاه الصغير وأبوه«دلوك يجي» 
نهضت متعكزة لا يسعها مكان ولا تواسيها جدران بل تراها قبيحة غليظة « أول مرة يتأخر بره» ابتسمت العجوز قائلة مُرحّبة بهذه العاطفة وتلك المحبة التي تُعْقد أواصرها في الروح «عشان موسم بس، وتلاجيه بيلعب مع العيال»
بررت بأسى بعدما استخلصت الملل من بقائها دونه «الجو برّد بره خالص» 
طمأنتها العجوز بحنوٍ غير مصدقة تلك العاطفة التي نمت وترعرعت بسرعة مذهلة «هيجي مش هيعوّق أبوه منبّه عليه» 
تحركت تجاه الحجرة تأملتها لأول مرة بدقة، فقاسم وحضوره الطاغي شغلاها عن تأملها كانت واسعة جدًا بخزانة عتيقة وسراحة مثلها وسرير ذو أعمدة وستائر يئن كلما اعتلاه أحد، سجادة بسيطة وكومود عتيق وستائر هفهافة أمام النافذة 
حجرة دافئة وجميلة وساحرة تشعر داخلها بالطمأنينة والراحة بصحبة قاسم تنسى فيها العالم وكأنها خارج حدود الزمن، لا تعرف لما أتت؟و ماهي خطوتها القادمة؟  لا تقلق بشأن شيء؟ ولا يشغلها أمر صفوة ولا ما جاءت لأجله،ولا حتى والدها المقيّد بأصفاده المسجون دون سبب تعرفه. راحة غريبة تتسرب داخل أوردتها فتمنحها السكينة والرضا ، لا تكترث سوى بالدفء والمحبة واختزان أكبر قدر منهما كزادًا لراحلة عمرها ورحلتها.. تذكرت حامد فابتسمت تستأنس كثيرًا بحكاياته الليلية الشهية التي يحكيها لعبود وقاسم، يقدمها كطبق حساء دافئ يشبع العقول ويدفىء القلب بالحب، مناسبة جدًا لهذا البرد وتلك الأجواء... طُرق الباب فانتفضت تتأكد من وضع حجابها على رأسها وستائر وجهها التي تخفي تشوهاته وتصدعات جمالها، هتف حامد بلهفة من خلف باب المنزل دون أن يدخل «قاسم جه يا خاله؟» 
أجابته تماضر «لاه يا ولدي» 
توعده في غيظٍ وحنق «ماشي قاسم» 
مغادرًا وبقيت هي منتظرة مجيئهما  بعد قليل دخل قاسم المنزل بصمت بينما وقف بالخارج هاتفًا بغضب «مش جولتلك متتأخرش؟» 
أجاب قاسم بحزن يخفض رأسه في ندم « لعبت مع أصحابي ومحسيتش بالوجت» 
هتف حامد بنبرة جامدة خدشت جدار روحها هي التي تستمع مشفقة على الصغير «ادخل يلا ومتطلعش تاني، وإياك أعرف هوّبت ناحيته تاني» 
تحرك الصغير وجلس جوار جدته بصمتٍ وطاعة بينما خرج حامد وأغلق الباب خلفه، فتحت غزل باب الحجرة وخرجت بلهفة مناديةً برقة «قاسم» 
ابتسم لها قاسم ابتسامة مجاملة وأجاب وهو ينهض متجهًا نحوها «أيوة يا غزل محتاجة حاجة»
سألته بلهفة وهي تحاوط وجهه بكفيها «كنت فين و اتأخرت عليا ليه؟» 
أنار وجهه وأشرق محياه حين دثرته بدفء محبتها فقال بحماس «كنت في الليلة» 
قطبت مستفسرة «يعني إيه؟» 
همس لها بحذر طفولي جلب لقلبها الابتسام  « هحكيلك » 
ضم كفها وسحبها خلفه ببطء ومراعاة حتى دخل الحجرة وجلس أرضًا متربعًا، هتفت هي بما شغلها اللحظة وأفسد خطط استمتاعها بكلماته «قاسم أنت ساقع ليه كده» 
أجاب بابتسامة «عشان البرد» 
سألته مرة أخرى وهي تجاوره «هو باباك ضربك؟» 
ضحك من سذاجة السؤال وضرب كفيه ببعضهما مستنكرًا قولها «لاه أبوي عمره ما ضربني هو بيزعقلي شوية أو ميكلمنيش» 
تنهدت براحة ثم قالت بلهفة «طيب، احكيلي اتأخرت ليه وسبتني لوحدي كل ده » 
شعر بالندم والأسى لأجلها فقال معتذرًا «متزعليش مني» 
ابتسمت قائلة وهي تقرص خده مقلدة له «لاه مش زعلانة جولي يلا يا صعيدي يا صغنن كنت فين بسرعة بدل ما أنا أضربك» ختمت قولها بدغدغات رقيقة لجسده فضحك قائلًا «كنت فليلة أبو عامر» 
توقفت مستفسرة«دا فرح؟» أجابها بنظرة لامعة «لاه دي ليلة بيبجى فيها ألعاب وسباجات خيل  وأكل وكل حاجة حلوة» هتفت بإعجاب وشغف «واوو» 
ضحك قاسم على طريقتها وقال وهو ينظر لقدمها بإحباط «لولا رجلك كنت خدتك وروحنا» 
لمعت عيناها وقالت متحمسة لخوض التجربة «بجد ياريت» 
وعدها قاسم بجدية شديدة «لما تخفي هاخدك لسه مش هيخلص دلوك» 
سألته بمرح «وعد يا صاحبي ؟» 
هتف بجدية «وعد يا غريبة» 
سألته وهي تفرك فروة رأسه «بتجولولي غريبة ليه؟» 
أجابها قاسم ببساطة وهو ينهض من مكانه «عشان أنتِ مش مننا وغريبة عننا» 
صمتت شاعرة بالحزن الذي لم تقف على تفسير لسببه حين فسّر لها الصغير الأمر، ناداه والده فقال وهو يركض مُلبيًا نداء والده «هروح أصلي جومي يلا صلي عشان لما أرجع نجعد ونتكلم كتير» 
أومأت برأسها في حماس وُصِلَ بينهما وبعدها نهضت عازمة على أداء صلاتها  . 
*************
بعد أداء الصلاة دخل قاسم إليها وقال «غزل أبوي بيجولك محتاجة حاجة؟» 
هزت رأسها وحنانهما يدغدغ مشاعرها، فناولها قاسم هاتف كان بيده قائلًا «أبوي بيجولك خدي لو عايزة تكلمي حد» 
أجابت بحسرة استوطنت القلب وطفت مرارتها في الحلق «مفيش حد أكلمه ولو في مش هينفع أقلقهم عليا كفاية الي هما فيه » قطب قاسم بعدم فِهم قبل أن يعود أدراجه لوالده يخبره بما قالت له ويعيد إليه الهاتف، وجم حامد حين سمع قولها على لسان ولده وصرفه قائلًا «خلاص روح أجعد معاها ومتطلعش تاني» 
عاد قاسم إليها بعدما منح والده وعدًا  قائلًا بعدما جاورها «معندكيش أهل خالص؟» 
هزت رأسها برفض تريد بذلك أن يدرّ عليها من عاطفته ومحبته الجميلة  وأن تأخذ الكثير من الحب منه وإن كانت لا تكذب فقلبها يشعر دائمًا بالوحدة ضمها قائلًا «خلاص خليكي معانا ومتمشيش» 
أدمعت قائلة وهي تبادله ضمته الحنون ممازحة له «ماشي هفضل هِنا» لم تلقي وعدًا جزافًا بل سيبقى قلبها هنا وإن رحلت، سيرحل الجسد وستبقى الروح أسيرة لهذا الحب. 
ابتعد قاسم عنها فسألته باهتمام «قاسم أنت بتروح المدرسة؟» 
أجابها قائلًا بفخر «أيوة أنا في المدرسة وشاطر بس أنا مبروحش» 
سألته بدهشة «ليه؟» 
أجابها وهو ينهض من جوارها ويغادر للخزانة «أبوي خايف عليا عشان المدرسة بعيدة بيجولي لما أكبر شوية» 
هزت رأسها بغير اقتناع وصمتت تراقبه وهو يسحب حقيبته من الخزانة ويأتي لها بها، وضعها أمامها مُقترحًا «تيجي نذاكر؟» 
قالت بحماس شديد «يلا نذاكر» 
اعتلى قاسم الفِراش وفتح حقيبته مُخرجًا كتبه يريها دفاتره.. انزاح الحجاب عن وجهها فسارعت بجذبه مما دعاه ليهتف مُعلقًا على فعلتها وهو يفتح دفتره «أنا مش بخاف منك يا غزل» 
ابتسمت بصمت فرفع نظراته من فوق الدفتر واقترب منها في عزمٍ وجرأة، مال ناحيتها وطبع قبلة فوق خدها المغطى بحجابها وقال وهو ينظر لعينيها بعطف ويمسح على رأسها بحنان«متضايجيش ولا تتكسفي أنا مش بخاف» 
تعثر صمودها في شهقة توقفت في حلقها، أخرجتها وهي تجذبه لأحضانها باكية مما أثار حزنه وفزعه فابتعد عنها يتوسلها «بتبكي ليه متبكيش كلامي زعلك؟» هزت رأسها برفض
فرفع أنامله في تردد ومسح دموعها متابعًا توسله لها بأن تكفّ عن البكاء معتذرًا عن تطرقه لهذا الأمر توقفت عن البكاء فسألها ببراءة «مين حرقك وأنا أبعت أبوي يضربه» 
رفعت له نظراتها وابتسمت موضحة بحشرجة «محدش دا نصيب» 
تأملت فيه مستمعًا جيدًا عطوفًا حنانه يفيض من عينيه ويغرقها ويربت على خافقها المعذب فحكت له ما حدث وسبب إصابتها.. 
فغر قاسم فمه محملقًا فيها قبل أن يقف ويصفر عاليًا مُعجبًا يثني على فعلتها ويشيد ببطولتها «أنتِ بطلة يا غريبة أنتِ سوبر وومن» 
ضحكت من أعماق قلبها وهي تراه يقفز بحماس ويصفق لها بحرارة تعجبت كيف تربى هذا وأي حب تم سقي نبتته به؟ من  يكون أبيه الذي ربى طفلًا هكذا..؟ فإن كان الابن بهذا الحنان والاحتواء كيف يكون الأب المربي...؟ أسبلت جفنيها بخجل كأن نظراتها ستفضح ما يُسطر داخلها وتفكر فيه، كما خجلت من نفسها لأنها تفكر في رجل غريب لا تعرف عنه شيئًا ولا يربطها به إلا معروفًا أسداه لها، فضولها ناحيته ينمو كثيرًا ويدفعها لأن تسأل قاسم عن حياتهما في مكر لم تعرف أنها تمتلك هذا القدر منه إلا الآن. 
عاد قاسم للمذاكرة وعادت هي تساعده حتى نام جوارها فدثرته وتمددت بعدما أغلقت الباب عليهما ظلت مستيقظة تفكر حتى غلبها النعاس.. 
*************
في الصباح الباكر استيقظت من النوم فوجدت قاسم نزل أرضًا لينام مكانه، ابتسمت له كإشراقة الشمس وسكنت تتأمله بحب أمومي لا تعرف كيف نبت له داخلها، تقلّب الصغير فاعتدلت ترتب حجابها فوق رأسها، استيقظ فاركًا عينيه قبل أن يفتحهما ويوجههما لغزل بلهفة كأنه يتأكد من أنها مازالت موجودة «صباح الخير يا غزل» 
ابتسمت قائلة «صباح الياسمين» 
نهض واقفًا في استعداد يملأ نظراته وسألها «صليتي؟» 
أجابت وهي تفرك فروته «لا مستنياك تصحى» 
أوضح لها «أنا صليت الفجر مع أبوي ورجعت نمت»
قطبت مستفسرة بقلق «وصحيت إزاي؟» 
رفع معصمه مُشيرًا لساعته «الساعة فيها منبه رنّ وصحيت شكلك محستيش بيه؟»
مازحته قائلة وهي تترك الفِراش مستندةً على أعمدته «ياابني أنا من ساعة ما جيت مش حاسة بأي حاجة أصلًا» 
أمسكت بكفه وخرجت معه، ألقت التحية على تماضر وأم جمال التي هبّت تساعدها وصرفت قاسم للخارج. 
صلّت ووقفت أمام النافذة تستنسق الهواء الطازج بمتعة لا تضاهى، جاء قاسم ووقف جوارها فوق وسادة عالية ونظر إلى حيث تنظر إليه وسألها «بتحبي الزرع» 
أجابته بسعادة «أكتر حاجة بحبها يا قاسم وعندي مشتل كبير»ختمت قولها بعبوس وحزن رافق نظراتها فسألها «زعلانه ليه» 
أجابته بحسرة «تلاقي الورد دبل والزرع مات» 
رفع قاسم كفه وربت فوق كتفها مواسيًا «إن شاء الله لما ترجعي يفتّح تاني» 
استنشقت رائحة طعام اختلطت بالهواء فسألته «قاسم دي ريحة إيه؟» 
أجابها ضاحكًا «أبوي بيشوي ذرة وبطاطا بره»سألته بخجل «ممكن أطلع بره شوية أشوف الزرع» 
فكّر قاسم قليلًا ثم أجابها بهمس «استني لما يمشي أبوي وهطلّعك» 
توهجت نظراتها وقالت بحماس «ماشي» 
 نادتهما أم جمال ليتناولا الفطور فخرج قاسم ممسكًا بكفها  جلس أرضًا أمام طبلية صغيرة مرصوص فوقها أصناف كثيرة ومتنوعة، قطبت في ضيق و بحنق لشعورها أنها المقصودة بتلك الفعلة، تركت الطعام في زهدٍ وامتعاض وهتفت من بين أسنانها «قاسم قول لبابا عايزة أكلمه بسرعة» 
نهض الصغير مندهشًا لبى دون فِهم، خرج وأخبر والده برغبتها فاقترب من باب المنزل ووقف مصفقًا بكفه ينبهها لحضوره، سألته بحدة «أنتم بتفطروا كده هنا؟» 
قطب لا يفهم سؤالها ولا سر ضيقها، فقال  «مش فاهم السؤال يا غريبة» 
قالت بنفس الحدّة وهي تنظر للأطباق «دا مش الأكل بتاعكم أنتم بتفطروا كده هنا؟» 
قال مشاكسًا لها وابتسامة رائقة تتسلل لشفتيه «أيوة» 
قالت بعناد «لا دا مش فطاركم أنت غيرته عشاني» 
اتسعت ابتسامته وأجاب مجاريًا لها بمرح «مغيرتش حاجة ما يمكن أم جمال» 
قالت من بين أسنانها بغيظ «لا أنت، أنت فطرت زيه أنت والخالة؟فطرت لانشون وبيض وعسل وجبنة وفطير» 
سيطر على نبرته المعتنقة لضحكة خافتة وقال بجدية مزيفة «لاه» 
قالت بعبوس «عايزة أكل زيكم متتكلفوش عشاني» 
قال ببعض الضيق «متكلفناش حاجة أنتِ مستجلة بينا ولا إيه؟» 
قالت بسرعة موضحةً قولها معتذرة بلين نبرتها «لا أبدًا والله بس أنا بحب أكل الي بتاكلوا منه بيعجبني جدًا» 
قال مبتسمًا «طيب افطري المرة دي اهو عشان يبجى مجصرناش» 
شهقت رافضة قوله «يا خبر قصرتوا كمان؟  هو أنا اتكلمت ولا أنت اتضايقت من وجودي؟» 
زفر قائلًا بضيق «ليه الكلام الي مالوش عازه دِه» 
اعتذرت في صراحة لشعورها أنها ضايقته بكلماتها «أسفة بس أنتم أحسن ناس أنا قابلتهم في حياتي ومش هاكل يا أبو قاسم غير من أكلكم أرجوك» 
رجف القلب فقال بابتسامة عادت لموطنها فوق ملامحه «ماشي يا غريبة كُلي الي تحبيه عن إذنك» 
رحل فنهضت عائدة لحجرتها، بعد قليل أحضر لها قاسم وعمته الفطور الذي تحبه وترتضيه وأكل جميعهم منه. 
****************
بعد مرور أسبوع 
من خلف الباب وضع طبق التمر ونادي وهو يصفق بكفيه منتظرًا إجابتها«يا خالة» 
انتفضت لسماع صوته الرخيم، وضعت وشاحًا مما أحضره لها وتحركت بلهفة لا تعرفها إلا حين يأتي ويقف على بابها،لهفة تقودها ناحيته بلا حول ولاقوة 
 أجابت برقة تزيّن كلماتها دائمًا «الخالة نايمة» ابتسم لسماع صوتها الرقيق وقال بأدب «حطيلها صحن البلح دِه جنبها » 
نظرت أسفل للطبق وسألت بشهية، تمازحه بلطف ليطول الحديث ويبقى «ينفع أكل منه أنا؟ شكله حلو» 
ابتسم قائلًا برحابة صدر ودقات قلبه تهمس بما لا يفهمه «وماله بالهنا والشفا، أنا جاعد جاركم لغاية ما الخالة تصحى لو عوزتوا حاجة نادي» 
سألته بلهفة للمعرفة وكشف هويته «أقول يا مين؟» 
ضحكة خافتة قصيرة صدرت منه قبل أن يسألها بحنو «ما أنتِ سألتي الخالة » توردت بخجل من مصارحته لها بمعرفته سؤالها عنه، توترت وارتبكت، فسألها بجدية «مش مصدجة؟» 
همست بحياء شديد «لا الصدق فكلامك» 
قطع كلماتها وأكدّ بما لم تفهمه«وف فعلي خليكي فاكرة، وكيف ما أنتِ غريبة أنا غريب ولما تردي من غربتك هرد أنا من غربتي» 
أجابت ببلاهة وتشتت لا تفهم ولا تعي المغزى«ها» 
ضحك قائلًا وهو يتحرك مبتعدًا «خدي البلح ومتنسيش لما تجوم الخالة جوليلها حامد مستني» 
عادت بطبق التمر ولم تمسه جلست مُفكرةً في كلماته تحاول فكّ رموز شفرتها لتفهم ما يقصده لكن هيهات 
عشرة أيام لم ترى فيهم وجهه وإن حدث والتقيا لأي سببٍ كان، أو صدفة لاترى وجهه دائمًا ما يلف الشال حول رأسه، حين مكرت وسألت قاسم  أخبرها أنها عادته وعادة جميع الرجال في الشتاء، وليقيه البرد وهو يتنقل كثيرًا بين القرى ويسافر لبيع حصاده من الأرض. 
استيقظت العجوز فأخبرتها عن وجوده فخرجت العجوز متعكزةً على عصاها تذكر الله في كل خطوة حتى وصلت إليه وجاورته متسائلة بابتسامتها الحنون «عشمان إنت يا حامد» 
تنهد مؤكدًا بشجن ونظراته تعلو للسماء تطارد الغيوم وترسم الأحلام  «عشمان فربنا يا خالة» 
أجابته بصدق وحكمة عتقتها السنون بعقلها «العشمان فربنا مجبور يا ولدي، الحصى يدله والسما تنورله وكلام الناس له دليل »
*****************
بعد العصر من بعيد رأت غريبين بملابس مهندمة كلاهما يضع حزامًا لسلاح، يقفان جوار شجرة تين عتيقة يتحدثان باهتمام، سألت قاسم الذي جاورها أمام النافذة «مين دول يا قاسم؟»
أجابها باندهاش شديد وضحكة متعجبة «ده أبوي وصاحبه يا غزل» 
سألته ببعض الخجل والإعجاب فهي لأول مرة تراه بهيئة مختلفة «مين فيهم بابا؟» 
ضحك قاسم وأجابها «الي لابس أسود» 
دققت النظر لتتبين ملامحه التي لم تراها قط وقد جاءتها الفرصة أخيرًا لتراه بعد أن سئم فضولها الطلب ويأس من تلبية إلحاحه عليها لتكتشفه، لكن نظراتها تكاسلت بتعب فهو يعطيها ظهره وإن استدار بُعد المسافة والشمس تموّجان ملامحه كما أن نظارة الشمس التي يضعها تخفي ملامحه. 
هتف زين وهو يرمي نظراته للنافذة بعدما أسقط نظارة الشمس قليلًا «غزالك الي شاغلك يا باشا بيتأمل» 
ابتسم حامد وصمت فقال زين يحثه بحماس«إيه مش هتصطاده بقا» 
أجابه حامد مجاريًا مزاحه «مش لما تتشطر وتجبلي أولها وأخرها إلا ما نافع فحاجة» 
تأفف زين من قوله وأجابه «جبلي خيط بس واحد، وبعدين ما تسأل عنها أخواتك مش سألتها وقالت جاية لبيت الحفناوي وطاهر» 
هرش فروته قائلًا «لاه مش هسأل حد لما أبعتهالهم» 
سأله زين باهتمام «مقالتش جايه لطاهر ليه؟  » 
أجابه حامد ببعض الضيق «لاه بس قالت جاية لبيت الحفناوي عايزة طاهر بالتحديد» 
سأله زين بنظرة متلاعبة وابتسامة ماكرة تخبيء المكر «يكونش بتحبه؟» 
عبس حامد بضيق شديد وقال بغير رضا خالط مشاعره «هيبان.. شوفلي بس حاجتها الي راحت في الحادث» 
قال زين وهو ينظر لما خلف حامد «لقينا شنطة كبيرة إنما الصغيرة الي فيها المتعلقات الشخصية زي ما قالت  لا، بس متقلقش هتصرف» 
سحبه حامد من ذراعه وسار به من الخلف فامتعض زين وسأله «ما نمشي من هِنا» 
قال حامد بحزم «لاه» 
قال زين بدهشة يطلب بها تفسيرًا «مش فاهمك ولا فاهم دماغك» 
ابتسم حامد قائلًا وهو يحك ذقنه «مش لازم دلوك تفهم بعدين» 
بعد قليل كان حامد يطرق باب المنزل قائلًا من خلفه «قاسم» 
ركض قاسم بعدما أغلق الحجرة على غزل وركض يفتح الباب لوالده مُجيبًا فقال حامد  «حد في الطريق؟» 
هز قاسم رأسه برفض فدخل حامد حامًلا الحقيبة وضعها قريبا وغادر قائلًا « خلي بالك من نفسك يا قاسم ومن جدتك ومتنساش تجيب عبود بالليل» 
سأله قاسم بحزن «هتغيب كتير يا أبوي؟» 
ضمه حامد قائلًا «لاه هبيع المحصول وأرجع متخافش» 
ابتسم قاسم وطلب منه ببراءة «متنساش تجبلي الي جولتلك عليه» 
ضمه حامد مُقبلًا رأسه قائلا «حاضر مع السلامة أول ما أطلع خبط على غزل وجولها دي شنطتها ولا لاه لو هي تعالى جولي هستناك فعربية عمك زين» 
أومأ قاسم فخرج حامد وعاد قاسم لباب الحجرة مناديًا فخرجت مُلبية بنظرة بتساؤل زالت حين رأت حقيبتها «شنطتي» 
أجاب قاسم فرحًا لأجلها «عم زين لقاها وأبوي جابها و جالي أسالك لو هي بتاعتك» 
سحبتها غزل للداخل ولم تستفسر كثيرًا، وضعتها أرضًا وفتحتها تطمئن على أغراضها ومقتنياتها «بتاعتي يا قاسم» 
خرج قاسم راكضًا؛ ليخبر والده الجالس بسيارة زين أن الحقيبة لها، ودّعه حامد ورحل فعاد قاسم للمنزل دخله وأغلق خلفه جيدًا كما أوصاه والده
.................. 
بعد مرور يومين عصرًا تسللت للخارج بحذر وقد شفيت قدمها وأصبحت تسير عليها ليس جيدًا لكنها لا تعتمد على أحد، تعرج قليلًا بألم خفيف لكنها تسير دون مساعدة، جلست تحت تعريشة العنب على ركبتيها مفتشةً بنظراتها، لمحها من بعيد فوقف مكانه يراقبها حتى أنهت ما تفعل وخرجت خصيصًا لأجله، نفضت كفيها من التراب وبعدها نهضت ورفعت الدلو الموضوع جوارها وصبّت الماء فوق الأرض، ثم مالت وأغمضت عينيها وهمست ببعض الكلمات.. حمحم يجذبها للواقع خشية عليها من عيون الناس «السلام عليكم» 
أعطاها جنبه كما يفعل دائمًا وسأل «كيفك يا غريبة؟  بتعملي إيه؟  » 
نهضت واقفة متفاجئة بظهوره لكنها ابتسمت وهي تنفض كفيها موضحة ببساطة «بزرع شجرة» 
تعجب قائلا «هنا؟  » 
قالت وهي تنظر للمكان وتستنشق الهواء النقي بمتعة«كل مكان بحبه بزرع فيه، وأنا حبيت المكان وأهله» 
ابتلع ريقه الذي جف من اعترافها، سيطر على توتره وأجاب بصدق «والمكان حبك يا غريبة» 
اتسعت ابتسامتها وتحدثت بعفوية«هخلي صاحبي ياخد باله منها علشان لو حصل وجيت هنا تاني أشوفها» 
سألها بحنو «ينفع أزرع أنا كمان جنبها يا غريبة؟» 
قالت ببهجة شديدة «أيوة طبعًا بس هتزرع إيه؟» 
أجابها «هتديني أنتِ من بذورك» 
وافقت بترحاب شديد «موافقة مع إن ليا رأي تاني؟» 
سألها مستمتعًا بالحوار معها «إيه هو؟» 
قالت وهي تنظر حولها «ازرع نخل بيشبهك» 
ضحك بخفوت قبل أن يُجيبها وهو ينظر حوله «كل الشجر والنخل الي حواليكي أنا زارعه»صمت قليلًا وأردف بعدها بنبرة عميقة « أنا عايز بذورك أنتِ فأرضي» 
قالت بحماس شديد غير واعية لكلماته«خلاص ازرع المرة دي حاجة مختلفة تفكرك بالغريبة لما تشوفها، حاجة متشبهش المكان زي صاحبتها» 
قال بمكر «مين جال متشبهيش المكان؟  أنتِ جيتي لأكتر مكان يشبهك جيتي لأرضك الي مستنيه زرعك» 
قالت وهي تعود للمنزل؛ لتأتي له بالبذور التي طلبها «أنا كل الزرع يشبهني» 
قال بصرامة غريبة «لاه، الزرع الي عندنا بس هو الي يشبهك» 
تجاهلت كلماته ودخلت، فتشت في جيب حقيبتها حيث تحتفظ بالبذور تناولتها وخرجت وقفت خلفه قائلة «خد قبل ما تزرعها سمي وقولها سر محدش يعرفه عشان تآمن لأرضك »
قال بمغزى «بهمس كتير فكل وجت عشان لما أزرع بذورك أرضي تأمنلها يا غريبة»كانت كلماته غريبة عليها مثله لا تفهمها لكنها أحبتها ككل شيء هنا  
مدّ ذراعه من خلف ظهره دون أن يعطيها وجهه الملثم كالعادة، أسقطت البذور من بين أناملها فوق كفه المفرود حتى لا تلمسه، فسقطت واحدة جعلتها تنحني مفتشة عنها باستياء «وقعت اهو» 
استدار يبحث عنها معها فالتقت الأعين في حديث صامت أطاله هو وقصرته هي بخفضها بصرها سريعًا في خجل رغم رغبتها في رؤيته أكثر وإحباطها طوال تلك الفترة الماضية من عدم رؤيته ومعرفة ملامحه
همس وهو يتأملها رغمًا عنه «سبحان الله» 
توردت بخجل لشعورها بأن القول يعنيها به، ابتعدت معتدلة فقبض على البذرة واستقام مرتبكًا، غادرت للداخل فسار تجاه زرعتها وحفر جوارها ثم فعل كما قالت وهي تراقبه متمنية لو تسمع سره وتعرف ما همس به لها، غطاها ورشّ المياه ثم استقام يعطيها إشارة التمام قبل أن يغادر ويتركها لحيرتها والمشاعر الجديدة التي تتفجر بداخلها. 
**************
جلس طاهر جوار رؤوف الصامت مُلقيًا السلام عليه ببشاشة، انتبه له رؤوف وقال بمودة «يا مرحب جايلي الخلوة خير ان شاء الله؟» 
ضحك طاهر قائلًا «وحشتني فجيت أشوفك» 
ابتسم رؤوف مشاكسًا له بمرح «يبجى واعر الي جابك على كِده يا طاهر!؟» 
مال طاهر ناحيته وقبّل رأسه مؤكدًا على شعوره «لا والله يا أخوي أنت عارفني مكدبش» 
ربت رؤوف على ظهر طاهر قائلًا بمحبة «عارف يا طاهر» سأله طاهر وهو يقرّب موقد الفحم ليصنع لهما الشاي «طمني عنك وعن صحتك يا أخوي» 
قال رؤوف ومازالت نظراته معلقةً بالسماء ونجومها «بخير الحمدلله» 
نهض طاهر وجلب أدوات صنع الشاي وبدأ في صنعه فوق الفحم المشتعل أمام رؤوف.. انتهى من صنعه فصبه في أكواب زجاجية، منح واحدًا لرؤوف وأخذ الأخر بين أنامله وهو يعود ليجلس جواره قائلًا «عايز أكلمك فموضوع يا أخوي وبالله عليك ما تكسفني ولا تردني» 
ابتسم له رؤوف وانتبه له قائلًا «جول، خير إن شاء الله» 
هتف طاهر مترددًا نظراته تتوسل الآخر الهدوء حين يسمع ما سيقوله «آيات» 
وضع رؤوف الكوب جانبه قائلًا باستياء واضح ونفور «وليه السيرة الزفت دي يا طاهر على المسا» 
رجاه طاهر بهدوء «سامحها ورجعها يا أخوي بلاش تخرب بيتك» 
قال رؤوف بحزنٍ معتق داخل قلبه من سواد أيام عاشها معها « ولو رجعت برضو مخروب» ارتشف من كوبه وقال بزفرة خرجت ملتهبة من النيران التي أشعلتها آيات بقلبه «هو معمرش خالص يا طاهر دا بُعدها هيعمره» 
لم يفهم طاهر مقصده لكن الحزن بنبرة رؤوف أوجعه، حروفه تمتليء بالكثير وتخرج من فمه مكدسة بالألم فقال يرجوه إعطائها فرصة ثانية «ندمت وعرفت غلطها» 
أجاب رؤوف بابتسامة ملوثة بالوجع «متصدجهاش يا طاهر آيات معجونة بمية كدب..هي كلمتك؟» 
أجابه طاهر دون تردد «أيوة وجالتلي أتوسطلها عندك ترجعها وهتعمل الي يريحك» 
ابتسم رؤوف مُفسرًا له «آيات بتستغلك هي عارفة غلاوتك عندي وعارفة إنك هتحاول وهتساعدها» 
ابتسم طاهر قائلًا بنقاء «وماله يا أخوي بتفكر عشان عيزاك وعايزة تراضيك»
ضرب رؤوف فوق كتف طاهر قائلًا وهو ينظر لعينيه بعمق «ربنا يديمها عليك نعمة يا طاهر» 
ترك رؤوف كوبه من جديد وشرد بنظراته في السماء قائلا «سيبك من آيات مش هرجعها برضك وجولي فين البشمهندسة؟» 
ارتبك طاهر وتوتر من سؤاله المفاجيء صمت قليلًا ثم تنهد وأجاب «مش عارف» 
أخفض رؤوف نظراته ناحيته مستفسرًا بلهفة أجاد تخبأتها «رجعت ولا لاه؟  الحديقة عايزها تجهز عشان هنجيب ألعاب للولاد فيها» 
بدا تبرير رؤوف مُقنعًا له، فابتسم وأوضح بصدق «مش عارف يا أخوي مبتواصلش معاها ولما حاولت تليفونها مغلق» 
عادت نظرات رؤوف للسماء قائلًا بزفرة إحباط « تمام خير بإذن الله» 
رفع طاهر رأسه للسماء وصمت متأملًا مثله لكن أفكاره كانت تتجه للغائبة، المختفية دون توضيح أو تبرير. 
************
في بداية المساء
تسلل قاسم ممسكًا بكفها، سار بها حيث يقام الاحتفال الذي وعدها بحضوره وها هو يوفي بوعده بعدما أصبحت بصحة جيدة ويمكنها السير على قدمها.. لمحهما من بعيد فلفّ شاله واستعد لمرافقتهما دون علمها وبالتدبير المحكم مع قاسم «حبيبي يارب» همسها وهو يسير خلفهما متخفيًا لا يشعرهما بشيء، يتابع بعينيه ويحيطهما بعنايته في تحفز لأي مضايقات أو إزعاج متطفلين يعكر عليهما صفو ليلتهما أو يطفيء من توهج روحيهما،يمنح قاسم رحلة قصيرة ممتعة بصحبة من يحب ويمنحها هي ليلة لن تنساها وتظل خيطًا رفيعًا يذكرها بهما ويشدها ناحيتهما.. 
تابعهما كحارس شخصي لهما، بينما هي تظن نفسها نجحت في التسلل والهرب والمغامرة وقاسم يضحك من فرط حماسها ونشوتها ويقينها أنها في مغامرة لا يعرف والده عنها شيئًا 
غير مدركة أنها خرجت من المنزل بتدبيره هو ومساعدته الخفية لها،وأن قاسم لن يخرج دون إذن والده ولن يعرضها للخطر إلا بمشورته، سارت بين الحشود ممسكةً بكف قاسم الذي يشرح لها بصوتٍ عالٍ حتى وقفت في  حلقة واسعة تنظر للخيول وفارسيها بمتعة وشغف، تتابع بفرحة واستمتاع حقيقي السباق ومن بعده رقص الفوارس بخيولهم 
فجأة اقتحم السباق ملثم الرأس مُغطى الوجه، شعرت من نظراته الموجهة بين الحين والآخر لهما أنه يعرفهما ،شيء مبهم يجذبها لهذا الفارس الذي جذب الانتباه والنظرات واستحق الإعجاب، قلبها تتبعثر دقاته وتتقافز ببهجة لم تختبرها من قبل  لمجرد ظن لا يرقى ليقين أنه قد يكون هو وهي المقصودة بذلك الاهتمام، حين انتصر وفاز صفقت وأطلقت بفمها صفيرًا عاليًا جعل الشباب يطالعونها  بإندهاش وانتباه.. 
فطن الصغير لما يحدث فجذبها من كفها وركض وهي خلفه تسأل «في إيه؟» 
لكنه واصل حتى توقف لاهثًا أمام منزل بعيد عن الأعين المتلصصة المراقبة، فسألته «ايه بتجري ليه؟» 
أجاب بتأفف من فعلتها الجريئة «هتودينا فداهية»
سألته ببراءة «ليه عملت إيه؟» 
أجابها بغيظ «بتصفري زي الرجالة ليه؟» ضحكت قائلة «هو عندكم غلط؟» أجابها بحزم رقيق«أيوة وعيب الرجالة كانت كلها بتبصلك» 
قالها بضيق وعبوس جعلها تضحك وتقرص خده قائلة في إعجاب «يا روحي على جمالك يا صعيدي يا صغنن» 
أشار لها بحزم «يلا بجى نكمل» 
سارت جواره بصمت تتأمل ما حولها بانبهار، تتلفت بسرعة في كل ركن  خشيةً أن يفوتها شيء من هذا الحدث
وقفت أمام طاولة واسعة مصفوف عليها الكثير من الألعاب والأكسسوارات رخيصة الثمن، وضعت فوق رأسها طربوشًا ورقيًا مزخرف وضحكت ضحكة ناعمة ، فغمغم حامد المتابع لها كظلها «استر يارب» 
جاورها فتى رفيع، التصق بها وسأل بسماجة «المُزة مش من هِنا» 
نظرت إليه بحدة لشعورها بالخطر،زجرته فلم يرتعد أو يبتعد بل ابتسم وزاد من اقترابه، ابتعدت عنه وتابعت التقليب في محتويات البائع، فاقترب الفتى وسأل بسماجة «أجبلك عروسة ولا عريس» 
دفعته بغضب بعيدًا عنها في استياء وشراسة فقال الشاب «واه شديدة كمان وواعرة» 
قبل أن يقترب منها مرة أخرى في إصرار كان حامد يسحبه للخلف من ملابسه حتى اختفى به عن نظراتهما ،
لم يمهله الاستفسار عن سبب سحبه له كالماشية، لكمه ساخرًا «عايز تبوّظ السياحة وتطفش السياح يا فجري» 
 ضربه ولم يمهله الحديث حتى وقع أرضًا متألمًا، بصق فوقه ثم عاد يتابعها مغمغمًا «جوينا يارب» 
ابتاعت العديد من الأشياء والحلوى ولم تنسَ الصغير الذي رفض لكنها أصرّت وانتقت له الأشياء ،تحركت ناحية الألعاب سألت قاسم الذي وقف يتأمل الأطفال التي تلعب « تركب يا قاسم» 
هز رأسه بحماس وضحكة طفولية مستمتعة فليس هناك أجمل من أن يلعب وتتابعه هي وتشير إليه كما يفعل أصدقاؤه مع والداتهم  «أيوة» 
دفعت له الأموال وساعدته في الركوب متجاهلة التعليقات خلفها «ما تركبي معاه يا جمر» 
نظر حامد المتابع لساعة معصمه قائلا باستياء «الوجت اتأخر» 
هبط الصغير على إشارة من الكبير وتحرك تجاهها قائلًا «تعالي يلا أعشيكي عند عمتي طبخت النهاردة» 
غردت ضحكاتها على تعبير الصغير وفرحته، من خلفها حامد كان يلعن تأثير ضحكاتها عليه وجمالها. 
«مش عايزة أكل» 
عارض قولها «لاه لازم تتعشي هو كِده الي بيجي الليلة يدخل أي بيت ويتعشى وإحنا هندخل بيت عمتي» 
دخل بها الصغير مُرحبًا،و فعلت أم جمال  مثله وأكثر بل طارت فرحًا بمجيئها ضمتها وقبلتها ثم أجلستها وجلس الصغير جوارها قائلًا بفخر «وكل عمتي مش هتنسيه» 
ابتسمت قائلة له بعاطفة صادقة«كل حاجة مش هنساها يا صاحبي» استأذنت أم جمال؛ لتحضر العشاء، كانت تعرف غزل أنها قليلة الكلام كوالدتها دائمًا ما تكتفي بضمة حانية وابتسامة بمثابة تعليق على القول وتصمت. 
تأثر الواقف بالخارج في انتظارهما من قولها الذي وصله وابتسم فتابعت هي بحماس وفرحة «المولد طلع جميل وممتع خالص» 
حملق فيها الصغير قليلًا ثم عدّل لها بشقاوة «جولي ليلة أبو عامر جميلة جوي» 
قالت خلفة مُقلدة له، فضحك الصغير على تعثرها مستمتعًا بطريقتها، يملي عليها بعض الكلمات فترددها خلفه جاهدة حتى تخرج بنفس الطريقة لكنها تفشل فيضحك الصغير منها ساخرًا حتى جاء الطعام وتسابقا في تناوله، أثنت على طعمه «البطاطس حلوة أوي» 
ضحك قاسم مؤكدًا «بحب الطبيخ الأُحمر بتاع عمتي» 
زوت ما بين حاجبيها مستفهمة «يعني إيه يا صاحبي» 
أشار الصغير بفطنة وطريقة طريفة «مش البطاطس غرجانه في الطماطم الحمرة، فهي اسمها طبيخ أحمر» 
ضحكت برقة وشاركها الذي يقف بالخارج الضحكات أيضًا على تفسير الصغير. 
بعدما أنهت طعامها سحبها لتغسل كفيها وبعدها عادت لتجلس قائلة «اشكرلي أم جمال يا قاسم» سحبت من الأكياس بعض الحلوى وقالت «مفيش حاجة غيرها أديهالها هدية» 
أخذها منها قاسم ودخل ليعطيها لعمته التي خرجت لها فشكرتها غزل واستأذنتها الرحيل ،رفضت أم جمال أن تتركها تغادر لكنها أصرّت شاكرة  «يادوب نرجع قبل ما أبو قاسم ييجي يسأل عنه ويعرف إنه خرج معايا» هزت أم جمال رأسها دون تعليق وتركتهما متفهمة، خرج قاسم ممسكًا بكفها فسألته مستفسرة «يعني إيه ملكوم؟» 
حك الصغير فروة رأسه وقال بحيرة «مش عارف اسألي جدتي أو أبوي» 
قالت بإحباط وهي تسير معه للمنزل كأنه لم ينطق سوى اسمه «مش بشوفه كتير » 
قال قاسم ببعض الندم لإخلافه وعده معها «أجولك حاجة ومتزعليش مني» 
هزت رأسها بالموافقة، أشار لها قاسم فتوقفت عن السير وانحنت تسمع لسره الصغير« أبوي عارف إني هطلعك وماشي ورانا من زمان وبيحرسنا » 
شهقت بنعومة مندهشة مما قاله لكن عيونها امتلأت إعجابًا بهذا الصغير الصادق ، أردف قاسم «أوعي تبصي ولا تجولي إنك عرفتي» 
لكنها رغمًا عنها أخلفت واستدارت فوجدته خلفهما يسير حاميًا على بعد مسافة، صممت على شكره، توقفت تسلّط نظراتها عليه فتأكد حامد أن الصغير فضح أمره،تحركت أنامله تلقائيًا لشاله الذي يلف رأسه ويخفي ملامحه وأشاح بعيدًا بنظراته حتى اقترب فقالت معتذرة «أسفة إني طلعت» 
أجابها بحنو وهو يسير بقربهما تاركًا مسافة «مش مهم؟  المهم تكوني انبسطتي» 
قالت بعفوية شديدة ورقة بالغة «جدًا جدًا هفتكر اليوم دا دايمًا وأتمنى أكرره» غمغم بغيظ لنفسه «تكرري إيه دا أنا ضاربلي تلاته جصادك النهارده يدي وجعتني» 
حمحم قائلًا بصوت مسموع«بإذن الله» 
قالت بخجل «كان نفسي أركب الحصان» 
سخر منها بغيظ لم يستطع السيطرة عليه «كمان عشان تبجى ناجصة» على ذكر تلك النقطة لمعت عيناها لصدق شعورها بأنه هو من كان يركب الحصان ويسابق، ارتجفت لأن إحساسها أصاب هدفه ولبصيرة قلبها المدهشة تجاهه انشغلت بما توصلت إليه وأربكها فقال بجدية كاذبة وسخرية لم تتبينها «وماله المرة الجاية يا غريبة نركبك الحصان » 
وصل للمنزل فغادرت للداخل ورحل هو مفتش عن عبود الغائب «يا واكل ناسك يا عبود دا أنت كنك دعيت عليا بيها دي مش دعيتلي» 
*******
رن جرس الباب فنهضت فيروز متلحفة بشالها تمسح دموعها التي تتساقط بغزارة، لم تمنحها والدتها الإذن لتحرر من قيدها بل حذرتها أن تفعل وعواقب ما تنتويه وما ستحصده.. أمرتها أن تصبر فزوجها والده يعالجه وضعه في مصحة لمعالجة الإدمان وقد يشفى ويعود لطبيعته وتمرّ الأيام العجاف وتهنأ في حياة زوجية سعيدة، والدتها لا تقتنع بقولها ولا أنها كرهته ولم يعد له شبرًا من مودة في قلبها بل تمتلئ نفسها نفورًا حين تراه وتتمنى قتله... فتحت الباب فوجدته أمامها بهيئته المُخيفة مؤخرًا كأنه خرج من أفكارها أو تجسد منها أمامها.. شهقت قائلة «إيه جابك هنا ومين قالك مكاني» 
توسلها وهو يمرر أنامله على أنفه مستنشقًا بصوت يثير القرف والفزع في نفسها «جيت عشان وحشتيني» 
حاولت إغلاق الباب لكنه دفعه بقوته واقتحم الشقة مُغلقًا خلفه ينهشها بنظراته قائلًا «مش قادر على بعدك ارجعي وهعملك الي عيزاه؟» 
جرت ناحية هاتفها أمسكت به قبل أن يأخذه فلا تنال إنقاذًا لها، قالت بتوتر شديد ونظراتها تتابع تحركاته وأفعاله «مش عايزة خلاص الي بينا انتهى طلقني وريحني» 
تقدم قائلًا بندم وانكسار «سامحيني عشان خاطري أنا معرفش بعمل كِده إزاي أنا بحبك يا فيروز» 
صرخت بكل القهر المكتوم داخلها وقالت وهي تبتعد كلما اقترب منها «وأنا مش عيزاك ولا بحبك خلاص» 
طاردها متوسلًا «اديني فرصة طيب وهرجع أخليكي تحبيني من تاني» 
تعثرت في السجادة فسقطت أرضًا مُفلتة الهاتف من بين أناملها متأوهة بألم ، وجدها فرصة فاندفع ناحيتها يتابع التوسل والرجاء «عشان خاطري» 
حاولت النهوض متوجعة عينيها منشغلة بالبحث عن هاتفها الذي سقط فجذبها بعنف قائلًا «بكلمك» 
دفعته بعيدًا عنها صارخةً بخوف وفزع «ابعد عني مش طيقاك» 
اقترب منها وجذبها ناحيته عنوة وهو يقول ما لا يسمعه سواه «وحشتيني يا فيرو» 
أبعدته عنها لاعنة فجذبها وحاوطها محاولًا تقبيلها غصبًا لا يهتم لنفورها ولا ضربات قبضتيهاعلى كتفيه «اهدي عشان خاطري» 
نظرت للهاتف تحت الطاولة بعجز،متمنية الصراخ ولا تقدر يكفيها فضائح، حاولت دفعه بعيدًا عنها والهرب من قبضته لكنه صفعها عدة مرات وهو يصرخ فيها «اهدي» 
كتم أنينها بشفتيه مقبلًا لها قبلة عذاب جعلتها تتململ كما لو أنها على جمر، وحين رحمها ورفع شفتيه كتم فمها بكفه وأكمل ما جاء لأجله وصمتت هي مستسلمة عاجزة عن الصراخ والاستنجاد بعد أن مزق ملابسها وعرى جسدها . 
#انتهى


8


 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close