اخر الروايات

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الرابع عشر 14 بقلم نرمين نحمد الله

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الرابع عشر 14 بقلم نرمين نحمد الله


                                    


********


+



توجه بدر لغرفة آسيا وهو يكاد يغلي غضباً...

دون أن يدري،ما السبب...

لعله لا يطمئن لمصطفي هذا...

شئ ما في نظراته لا يوحي له بخير...!!!!

أو لعله يخشي فكرة زواج آسيا نفسها...

لأنه يعني أنها ستتركهم هنا وهذا سيؤثر سلباً علي ياسين الصغير...

ألا يكفيه فراق أمه؟!

فتفارقه آسيا أيضاً التي تعلق بها حد الجنون؟!!!

لا يهم الآن سبب غضبه...

المهم أنه يسيطر عليه في هذه اللحظة بجنون!!!


1



دق باب غرفة آسيا بقوة...

فخرجت له مبتسمة لتقول برقة:

_ماذا تريد يا بدر؟!

أخذ نفساً عميقاً ليتمالك غضبه ثم قال بتحفظ:

_تعالي نتحدث في الحديقة الخارجية...


+



سارت معه حتي الحديقة الصغيرة وهي تشعر بالاندهاش من تعابيره الصارمة...

حتي جلس فجلست جواره لتسأله ببراءة:

_ما الأمر يا بدر؟!


+



نظر لبراءتها الساطعة علي وجهها لحظات...

فأنبه ضميره...

كيف يسمح لأنانيته أن تحكم تصرفه معها...

كيف يمنعها عن فرصتها وحقها الطبيعي في الحياة فقط من أجل مصلحته ؟!!


+



جعله هذا يصمت قليلاً ثم قال بحسم:

_الدكتور مصطفي يرغب في خطبتك...


+



عقدت حاجبيها بشدة ثم أشاحت بوجهها ...

لا تدري خجلاً أم ضيقاً...

لا لم تشعر بالدهشة عندما سمعت عرضه...

لقد كانت نظرات مصطفي وتلميحاته أكثر من كافية لتفهم...!!!

لكنها تتعجب من عرض بدر للأمر عليها...

زواجها يعني أن ترحل من هنا....

هل هو حقاً يريدها أن ترحل؟!!


+



قطع بدر أفكارها وهو يسألها:

_ما رأيك يا آسيا؟!

نظرت إليه بتشتت ثم همست بضعف:

_لا أريد...

تنهد قائلاً:

_لماذا ؟!

نظرت إليه بتضرع وهي تهمس:

_لا أريد أن أترككم وأترك المزرعة.

نظر للسماء بعجز ثم قال بمرارة:

_هذا سيحدث يوماً ما يا آسيا...لا يمكن أن تبقي هنا إلي الأبد...


+



همست بجزع:

_لماذا؟!

قام من مكانه وهو يشرف عليها بطوله المهيب ليهتف بغضب:

_حتي تعيشي حياتكِ التي حُرمتِ منها...حتي تدركي عمركِ الذي يضيع...حتي تتخلصي من عقدة خوفك وضعفك !!


+



دمعت عيناها وهي تهمس بصوت مس قلبه:

_أنت وعدتني أن تحميني...أنت قلت أنك لن تتخلي عني...

تنهد في حرارة وهو يشيح بوجهه قائلاً:

_ولازلت علي وعدي يا آسيا...وحتي آخر لحظة في عمري...أنتِ وصية سمية الأخيرة التي لن أفرط فيها أبداً...لكن هذا لا يعني أن أدفنك هنا حية...واجبي نحوك أن أوقظكِ من غفلتك...


+



ثم التفت إليها ليقول بحزن:

_إلا العمر يا آسيا...إلا العمر لا يشتري ولا يعوّض!!

قامت من مكانها لتقول وسط دموعها:

_إذا كنت تريدني أن أرحل من هنا فسأرحل دون زواج...

قالتها وهي تعود بخطوات سريعة نحو غرفتها فجري وراءها هاتفاً:

_آسيا...انتظري...


+



وقفت مكانها وهي تشعر بجرح عميق في قلبها...

يا إلهي...ألن تنتهي غربتي هذه؟!!!

حتي بعدما رضيتُ بقدري كهاربة شريدة تأبي الظروف إلا أن تحرمني وطني الجديد؟!!!

سالت دموعها علي وجهها غزيرة وهي تشعر بالقهر...

فوقف قبالتها بدر وهو يشعر بالعجز ليهمس بحنانه الفياض:

_لا تبكي هكذا يا آسيا...يشهد الله أني لا أريد لكِ سوي الخير...


1




                  

نظرت إليه طويلاً بعينيها الممتلئتين بحديث لا يفهمه...

ثم همست بضعف:

_ماذا تريدني أن أفعل؟!سأطيعك في أي شئ...

أشاح بوجهه عنها في ضيق وهو يقول بصوت متعب:

_أنتِ تزيدين همي بكِ يا صغيرة!

عادت تنتحب بقوة فزفر زفرة قصيرة ثم هتف بحدة:

_انفضي عنكِ ضعفكِ هذا...قوتكِ ليست مستمدة مني ولا من أي أحد....اختاري واحتملي نتيجة اختيارك ...


+



أشعرتها كلماته بالإهانة...

أشعرتها أنها مجرد عبء ثقيل علي كاهله...

أشعرتها كم هي صغيرة هينة في عينه...

فمسحت دموعها لتقول أول ما جاء بخاطرها:

_حسناً...أنا أوافق علي خطبتي لمصطفي...أبلغه هذا...لكن أخبره أولاً عن ظروفي كلها...


1



عقد حاجبيه بشدة وقد انعقد لسانه تماماً...

لم يتوقع أن يكون هذا ردها ...

لقد أرادها أن تكون قوية تفكر في قرارها وتتحمل عواقبه...

لكن الصغيرة البائسة لم تفهم...

ظنته يريد التخلص منها...

ألا تدرك تلك الغافلة أنه يحتاجها أكثر مما تحتاجه هي؟!!!


+



راقب انصرافها الحزين لغرفتها مغلقة بابها خلفها دون حتي أن تنظر إليه...

جلس علي كرسيه في الحديقة يراقب نور غرفتها الذي ظل مفتوحاً طويلاً...

وعاهد نفسه ألا يعود لمنزله حتي تغلقه...

ساعتها فقط يمكنه الاطمىنان أنها خلدت للنوم علي الأقل...

ظل جالساً طويلاًمغمضاً عينيه في ألم...

تري...هل ضيع وصية سمية؟ !!!


+



وفي غرفتها المضيئة جلست آسيا علي الأرض كعادتها كلما شعرت بالحزن...

أسندت ظهرها علي الباب المغلق وهي تبكي...

حاولت استحضار صورة ياسين الحبيب تخفف عنها بعضاً من عذابها لكنها للأسف فقدت مفعولها السحري!!!!

ياسين الحبيب لم يعد دواءً بقدر ما صار جرحاً قديماً...


+



حاولت استحضار صورة سمية الرفيقة المخلصة الحنون لكنها أيضاً خذلتها بذكري مرضها الأخير ووفاتها الصادمة فازداد جرحها غوراً...


+



استحضرت صورة بدر الشهم الذي طالما ساندها ودعمها بعطفه وحنانه لكنها تراجعت أمام قسوة رده عليها في اللحظات السابقة...


+



لم تجد سوي صورة واحدة علمت أنها أبداً لن تخذلها...

صورة حنون صابرة عطوف...

تعرف أنها تتألم لفقدها الآن أكثر من الجميع...

تعرف أنها مهما بعدت المسافات بينهما ستشعر بها لأنها قطعة منها....

نعم...

إنها صورة فريدة!!!


+



ازداد نحيبها في هذه اللحظة وهي تهتف بصوت مسموع :

_افتقدتك يا أمي...أحتاجك حقاً...أحتاجك....

احتضنت جسدها بذراعيها وهي تنهنه في ألم...

أي ضياع وأي غربة شعرت بها منذ غادرت حضن فريدة الحنون؟ !!

لم تشعر يوماً بالندم علي فعلتها بالهرب قدر ما شعرت به الآن...

لكنها للأسف لن تستطيع الرجوع!!!


+



ظل بدر بالخارج جالساً لأكثر من ثلاث ساعات حتي شعر بالقلق يخنقه...

قدم إليه العم كساب يسأله بقلق:

_ما الذي تفعله هنا يا بدر؟! لقد اقترب آذان الفجر...

هز رأسه بإرهاق وهو يقول بتعب:

_آسيا غضبت مني عندما طلبت منها التفكير في أمر الخطبة...ظنتني أريد التخلص منها...

عقد كساب حاجبيه وهو ينظر لغرفتها المضاءة قائلا:

_يبدو أنها لازالت مستيقظة كذلك.

أومأ بدر برأسه إيجاباً وهو،يقول بضيق:

_أبلغ مصطفي أنها وافقت علي الخطبة...دعنا ننتهِ من هذا الأمر...

نظر إليه كساب طويلاً ثم سأله بتفحص:

_هل أخبرتك أنها موافقة؟!

أومأ بدر برأسه إيجاباً فتنهد العم كساب قائلاً:

_حسناً...الخيرة فيما اختاره الله...سأبلغه بموافقتها...

==========================================================================


+




        


          


                

طرقت فريدة باب غرفة الحاج قاسم بهدوء بعدما استدعاها لغرفته فهتف بصوته القوي:

_ادخلي يا فريدة.

دخلت بوجل وهي تتساءل عن سبب استدعائه لها...

لعله خير!!!

تفحصها قاسم بنظراته الخبيرة ثم قال لها برفق:

_اجلسي يابنتي...

جلست أمامه في خشية وترقب...

فقال بشرود:

_كيف حال جويرية مع عمار؟!لقد علمت أنها سافرت معه.

أومأت برأسها إيجاباً وهي تقول:

_لقد طلبت هي ذلك...لم تعد تخاف منه كالسابق...وحالتها النفسية تتحسن كل يوم عن سابقه...

أومأ برأسه في رضا...

فقالت بتردد:

_ألا زلت تصر علي أن يطلقها عندما تتعافي؟! عمار طيب القلب يا عمي...صحيح أنني كنت حانقة عليه بعد فعلته المشئومة لكنه فاجأني بحنانه الغريب معها بعدما حدث...لقد أخطأ وندم يا عمي.

قست لهجته وهو يقول بحدة:

_من أخطأ يتحمل عقابه!

ازدردت ريقها ببطء وهي تقول بتردد:

_لكن يا عمي...

قاطعها وهو يهتف بحدة:

_أنا حذرته قبل أن يتزوجها من أن يؤذيها...أخبرته أنني سأكون خصيمه لو مسها بسوء...لكنه لم يستمع لكلامي...لم يستمع سوي لصوت غضبه حتي فعل بها ما فعل...سيطلقها حتي يجرب معني أن يفقدها...حتي يدرك قيمتها الحقيقية...أنا أعرف أنه متعلق بها من صغره...وحرمانه منها أكبر عقاب له علي ذلك حتي لا يعيد إيذاءها....

اتسعت عيناها في دهشة وهي تهمس:

_هل تعني أنك...

قاطعها قائلاً بصرامة:

_سيطلقها أولاً حتي يتعلم الدرس...وبعدها لو رغبت هي في العودة إليه فلن أمانع...


2



دمعت عيناها وهي تشعر بأحاسيس غريبة...

قاسم النجدي ليس قاسياً تماماً كما يظنون...

فعلته هذه توحي أنه -برغم كل شئ-يقدر جويرية ويحبها...


+



وكأنه قرأ أفكارها...

فقال بشرود وهو يتطلع لصورة سعد التي غطاها بعباءته منذ خبر وفاة آسيا:

_لقد ضاعت مني أمانة من أمانات سعد...ولن أضيع واحدة جديدة...


1



أغمضت عينيها بقوة وهي تفهم ما يتحدث عنه...

ثم قالت بصبر تحسد عليه:

_لا تحمل نفسك ما لا تطيق يا عمي...قدر الله وما شاء فعل.


2



دق بعصاه علي الأرض بضع مرات وهو شارد في الفراغ...

ثم قال لها برفق:

_يمكنك الانصراف يابنتي...كنت أريد فقط الاطمئنان علي جويرية...


+



هزت رأسها وهي تغادر غرفته بخطوات متثاقلة...

لتغلق الباب خلفها وهي تفكر...

إلي أي مدي أنت مصيبٌ في قراراتك أيها النجدي؟!!!

==========================================================================


+



خرجت ساري من لجنة الامتحان لتجده ينتظرها...

تقدم نحوها ليسألها بلهفة:

_كيف كان الاختبار؟!

ابتسمت وهي تهز رأسها هامسة:

_لا بأس.

أمسك كفها وهو يهمس جوار أذنها:

_دعكِ من الاختبارات وهذا الهراء...لدي لكِ نزهة رائعة بمناسبة حصولك علي الإجازة...

اتسعت ابتسامتها وهي تسير جواره حتي ركبت السيارة جواره...

ثم سألته بفضول:

_إلي أين سنذهب؟!

أمسك كفها وهو ينظر لعينيها هامساً :

_ششششششش....لا تسألي اليوم عن شئ...سلمي لي نفسك وقلبك وأعدكِ أن يكون اليوم رائعاً...


1




        

          


                

أخذت نفساً عميقاً وهي تستند برأسها علي ظهر مقعدها....

ستستمع لكلامه هذه المرة فقط...

ستأخذ هدنة قصيرة هذا اليوم بين صراع قلبها وعقلها عليه...!!!

لقد تعبت حقا...

وستستريح اليوم من هذا كله!!!


+



ابتسمت وهي تسترجع كنزها من ذكرياتها الطويلة معه...

متجاهلة بقوة جانبها المظلم...

حتي سمعته يناديها فالتفتت إليه وابتسامتها تنير وجهها...

ابتسم بدوره وهو يقول:

_هيا ...لقد وصلنا لأول محطة...

نظرت حولها لتجد نفسها أمام أحد المولات الكبيرة...

سألته بصدمة :

_ماذا سنفعل هنا؟!

وضع سبابته علي شفتيها وهو،يقول بحزم:

_اتفقنا ألا تسألي...

هزت رأسها وهي تفتح بابها لتترجل من السيارة...

فترجل بدوره وهو يلحق بها ليمسك كفها ويسيرا متجاورين...


+



سار بها حتي وصلا لأحد محلات الملابس الشهيرة...

تلفتت حولها في دهشة عندما رأته يمسك ثوباً وردياً محتشماً ليعطيه لها مع وشاح بدرجات الوردي مع الأبيض...ثم قال بإعجاب:

_سيبدو هذا رائعاً عليكِ.

احمرت وجنتاها وهي تهمس حتي لا يسمعها أحد:

_أنا لا أرتدي هذه الأشياء...سأبدو حمقاء لو ارتديته.

ضحك بخفة ثم همس في أذنها:

_اذن كوني حمقاء اليوم لأجلي.


2



ضربته بكفها علي كتفه بخفة ثم تلفتت حولها لتهمس في ارتباك:

_لا أريد يا حذيفة...

اقترب بوجهه من وجهها وهو يهمس:

_لأجل خاطري أنا يا سوسو.


+



أشاحت بوجهها في خجل ...

ثم تناولته منه بحركة عنيفة وهي تدخل لغرفة قياس الملابس بخطوات عصبية...

انتظرها لدقائق قبل أن تخرج إليه بطلتها الجديدة...


+



تأملها في افتتان وهو يتفحص وجهها الذي ينافس ثوبها في لونه الوردي الآن...


+



تحرك نحوها ثم أمسك كفيها بكفيه وهو ينظر لعينيها هامساً:

_لقد غيرت رأيي...لن تخرجي بهذا الثوب أبداً...

اختفت ابتسامتها الخجول لتسأله بصدمة:

_هل يبدو سيئاً إلي هذا الحد؟!

همس في أذنها بحرارة:

_بل أنتِ الآن أجمل امرأة رأيتها في حياتي...ولا أريد أن يري جمالك هذا غيري أنا.


1



أطرقت برأسها في خجل...

فرفع ذقنها وهو يسافر في بحر عينيها شرقاً وغرباً هامساً:

_لكن لا بأس... اليوم فقط لتكتمل روعة اليوم بثوبك المميز...

تلفتت حولها في ارتباك ...

ثم قالت بخجل:

_كفاك هذا يا حذيفة...الناس يتغامزون علينا..


+



تنهد في حرارة ثم توجه معها لخزينة المحل ليدفع ثمنه...

خرجت معه بثوبها الجديد وهي تشعر لأول مرة أنها امرأة كاملة الأنوثة...

أنوثتها التي طالما جرحها تجاهله لها وتحقيره من شأنها...

تشعر اليوم أنه يذوب اشتياقاً ليسترضيها!!!

عادت تركب معه السيارة لتجلس صامتة في ترقب...

تنتظر مفاجأة يومه التي أعدها لها...

أمسك كفها طوال الطريق لم يفلته...

حتي توقف في مكان منعزل نوعاً...

ثم همس بشرود:

_هل من الممكن أن يظل المرء طوال عمره يبحث عن شئ غافلاً عن وجوده تحت عينيه؟!


+




        

          


                

فطنت لما يقصده فهمست بدورها:

_المهم هو ما سيفعله عندما يعثر عليه...أخشي أن يزهده عندما يصير بين يديه ليعود ويبحث عن شئ جديد...

ضغط كفها بقوة بكفه وهو يهمس:

_هل يزهد المرء الهواء الذي يتنفسه مهما اعتاده؟!أم هل يزهد الماء مهما توفر؟! أنتِ هوائي ومائي...سأبقي عمري كله محتاجاً لوجودك...


1



أغمضت عينيها بقوة ...

فهمس برجاء:

_افتحي عينيكِ يا ساري...لا تهربي من الشعور بحبي...أنت تخافين أن تصدقي رغم أن قلبك يخبركِ أنني لست كاذباً..


+



فتحت عينيها ثم ابتسمت في ضعف لتهمس بشرود:

_في قضية حبك...قلبي أبداً ليس بشاهد عدل!

قبل كفها وهو يهمس:

_لأنه دوماً يصدقني؟!

همست دون وعي:

_بل لأنه ملكك.


+



ارتفع حاجباه في حنان وهو يسمعها منها لأول مرة...

فيما أشاحت هي بوجهها وهي تشعر بالغضب من نفسها...

كيف خانها لسانها لتهمس بها بهذه السهولة...

وبهذه الحرارة...؟!!!

غبية يا ساري...غبية!!!

هكذا حدثت نفسها وهي حانقة!!

أليس هذا حذيفة الذي توعدته أن تكرهها عمرها كله؟!!!

هل خدر عقلها بكلماته المعسولة كما يفعل مع غيرها؟!!

هل غيبها عن وعيها ببضع كلمات وقبلة علي كفها وثوب وردي؟!!!!!


+



أدار وجهها نحوه وهو يهمس في حنان:

_الآن أصدق أنه ملكي...لقد عاندكِ وأنصفني ليجعلكِ تقولينها دون وعي...


+



عضت علي شفتيها بقوة وهي تقاوم رغبتها في البكاء...

جوارحها كلها تدعوها للاستسلام لفيض،مشاعره هذا...

لكن عقلها وكبرياءها يحذرانها منه...

حذيفة لن يكون خالصاً لها كما تظن دوماً!!!

اقترب بشفتيه من شفتيها يطبع عليها قبلات خفيفة ثم همس بعاطفة صادقة:

_كوني لي اليوم فقط عاشقة كما ينبغي ثم عودي لعنادك من جديد...حتي أجاهد نفسي كل يوم لأستعيد رضاكِ...

أومأت برأسها إيجاباً...

فنظر لعينيها هامساً:

_لا قيود اليوم علي قلبك العاشق يا ملاكي...دعيه ينطلق حراً...وأذيبيني في لهيب عشقه...


+



ابتسمت في رقة وهي تسبل جفنيها بخجل...

فابتسم بدوره وهو،يعيد تشغيل السيارة ،لينطلق بها نحو وجهتهما...


+



فوجئت به يتوقف بالسيارة عند أحد المطاعم الفاخرة...

نزل من السيارة ثم فتح لها بابها ليهمس بحنان:

_تفضلي يا مليكتي...


+



ترجلت من السيارة فأمسك كفها ليصعد بها درج المطعم...

فتح الباب لتفاجأ بظلمة المكان إلا من شموع صغيرة تصنع ممراً نحو مائدة وحيدة في نهاية القاعة...

تلفتت حولها في انبهار وهي تلتصق به تلقائياً...

لتسير معه حتي تلك المائدة...

سحب لها كرسياً لتجلس ...

ثم جلس أمامها ليبدأ عزف موسيقا هادئة...

نظرت حولها لا تصدق شاعرية المكان...

ثم نظرت لعينيه اللتين كانتا ترقبانها بتفحص لتهمس بامتنان:

_رائع يا حذيفة!


+



أمسك كفها يقبله هامساً:

_كنت أعلم أنه سيعجبك...

سألته بدهشة:

_هل حجزت القاعة كلها لنا؟!

همس بعاطفة:

_لكِ وحدكِ !

ثم قلب كفها ليدور بإبهامه علي راحتها ببطء هامساً :

_أريدك اليوم أن تطيري فوق السحاب...ليس لدينا اليوم سوي حب وحب...وحب!!!


+




        

          


                

خفق قلبها بجنون وهي تهمس بدفء:

_تكلم يا حذيفة...تكلم طويلاً...أريد أن أسمعك...كلماتك اليوم تبدو مختلفة...


1



تنهد في حرارة ثم بدأ حديثاً طويلاً لم تقاطعه هي أبداً...

لم يتصور يوماً أنه جائع للكلام كهذه اللحظة...

لا لم تكن مجرد كلمات...

لكنها كانت زفرات روحه المكلومة...

نزيف أفكاره المشوشة...

آهات حيرته وتخبطه...

لم يشعر يوماً براحة كراحته في الحديث معها الآن...

وكأن روحه التائهة وجدت فيها توأمها الذي يكملها!!!


+



فيما كانت هي تستمع إليه بكيانها كله!!

هذا هو حذيفة الذي عشقته منذ سنوات...

بعيداً عن هذا المسخ الذي شوهته الخطايا...

هذا هو...

ببراءة روحه النقية...

وصفاء نظراته الحانية...

وحنان لمساته التي احتوتها بعطف!!!


+



مر بهما الوقت يجري دون تمهل....


+



حتي انتبهت للوقت فقامت من مكانها لتهتف بجزع:

_لقد تأخر الوقت جداً يا حذيفة...لابد أن نعود.

قام بدوره ليقول بأسف:

_وددت البقاء أطول.

ابتسمت لتهمس بسعادة:

_وأنا أيضاً...


+



خفق قلبه للسعادة التي غلفت عينيها بغلالة رائقة من المشاعر الصادقة...

أخيراً تمكن من رسم ابتسامة فرح علي شفتيها...

تشابك كفاهما بحب وهما يغادران المكان بهناء...

عندما سمعا صوتاً خلفهما :

_حذيفة...أخيراً ظهرت أيها الهارب.


1



التفتت ساري بعنف لهذا الصوت الأنثوي لتصطدم بفتاة صارخة الجمال ترتدي ملابس ملفتة...

اقتربت الفتاة من حذيفة بجرأة مقبلة وجنتيه لتقول بمرح:

_عندما اختفيت طوال الفترة السابقة ظننتك تزوجت ابنة عمك المسترجلة...

ثم نظرت لساري لتغمزها هاتفة:

_لكنك تبدو غارقاً في جو جديد!!


+



ود حذيفة في هذه اللحظة لو تنشق الأرض وتبتلعه...

كان اليوم سيمر بمنتهي الروعة لولا تلك الحمقاء!!!

نظر بقلق إلي ساري وهو مصدوم...

لكن  ساري ابتلعت صدمتها بسرعة كعادتها ثم قالت له ببرود:

_ابق أنت مع صديقتك ...يبدو أنها افتقدتك كثيراً...سأعود في سيارة أجرة.


+



لم تمنحه فرصة الاعتراض وهي تبتعد عنه بخطوات سريعة لتشير لأقرب سيارة ....

ثم ركبتها في عجل...

كان الطريق مزدحماً تماماً كأفكارها في هذه اللحظة...

رن هاتفها باسمه فأغلقته بعنف...

لقد وعدها بيوم رائع...

لكن منذ متي يفي حذيفة بوعده؟!!


+



أغمضت عينيها في ألم وهي تتذكر قول الفتاة أنه سيتزوج ابنة عمه المسترجلة!!!

هل هذا ما يقوله عنها أمام رفيقاته؟!!!

لهذا اشتري لها هذا الثوب اليوم؟!!

لأنه يخجل من مظهرها!!!

امتلأت عيناها بدموع القهر وهي تشعر بالإهانة!!!

لقد رفعها فوق السحاب ليهوي بها في قاع الخذلان!!!

تباً لك يا حذيفة...

بل تباً لي أنا ...

أخطأت عندما صدقتك...

حمقاء بحبك وسأبقي كذلك!!!


2



وصلت منزلها متأخرة بفضل زحام الطريق...

فتحت باب المدخل لتجده أمامها!!!

كيف وصل هذا قبلها؟!!!


+




        

          


                

اندفع نحوها ليهتف بعنف:

_لماذا كنت تغلقين هاتفك؟!


+



أشاحت بوجهها ولم ترد...

فأمسك ذراعيها  يهزها قائلاً:

_كيف تتركينني هكذا وترحلين دون أن تسمعي مني؟!

أخذت نفساً عميقاً ثم نظرت لساعتها لتقول ببرود:

_لقد تعدت الساعة الثانية عشرة...انتهي اليوم يا حذيفة...شكراً علي اليوم الرائع.

عقد حاجبيه بغضب وهو يهتف بحدة:

_لا تحدثيني بهذا الأسلوب.

أطرقت برأسها وهي تهمس:

_لن أحدثك أصلاً...

زفر بقوة وهو يقول بانفعال ظاهر:

_هذه مجرد فتاة حثالة ...لا تعني لي شيئاً


+



ابتسمت في سخرية مريرة وهي تهمس بألم:

_فتاة حثالة لا تعني لك شيئاً تعرف أنك ستتزوج من ابنة عمك المسترجلة...فماذا إذن تعرف بقية فتياتك؟!

تألم لألمها فهتف برجاء:

_افهميني يا ساري...الأمر ليس كما تظنين.


+



هزت رأسها وهي تهمس في سخرية مريرة:

_لم أعد أظن شيئاً...لقد اكتفيت من الظنون...


+



نظر إليها بيأس وهو يدرك حالتها الآن...

سخرية ساري الباردة  هذه الآن تعني أن روحها تنزف ببطء...

تعني أن ألمها يعتصرها اعتصاراً...

ليتها تبكي...

ليتها تصرخ في وجهه...

بل ليتها حتي تصفعه كذلك اليوم!!!

لكن أن تواجهه بكل هذا البرود وبكل هذه السخرية فهذا يعني أن الأمر تجاوز الحد!!


+



تجاوزته لتصعد نحو شقتها فأمسك ذراعها لينظر لعينيها هامساً في ألم:

_أقسم لكِ أنني تغيرت...

أطرقت برأسها ثم حررت ذراعها منه لتهمس ببرود يخفي جرحها الملتهب:

_تصبح علي خير.


2



تركته لتصعد لشقتها تاركة إياه خلفها يختنق ألماً...

ماضيه التعس يلاحقه بسواده فلا يدع له فرصة للراحة معها....

حتي اليوم الذي وعدها فيه بالسعادة...

أخلف وعده لينتهي بها في هذه الحالة!!!

هل يعني هذا أن حياتهما لن تستقيم أبداً...؟!!


+



لا...سيثبت لها أنه تغير...

ليس بقوله فقط لكن بفعله...

سيخفف حصار عاطفته حولها ليرضي عقلها أولاً !!!

سيجاهد ماضيه الأسود بل سيطمسه!!!

ساري لا تستحق أقل من ذلك!!

====================================

جلست جويرية في شرفة الشاليه تفكر في شرود...

صحيح أن حالتها النفسية تحسنت كثيراً...

لكنها لم تستعد بعد قدرتها علي النطق...

كما أنها لا تذكر شيئاً من أحداث ليلة زفافها الرهيبة...

يبدو أن صدمتها النفسية بما حدث ليلتها أفقدتها الذاكرة نسبياً لهذه الليلة...

كما أفقدتها القدرة علي الكلام...


+



بل إنها عندما تفكر في عمار الآن...

تشعر أنه ليس هو عمار الذي عرفته طوال عمرها...

تنهدت في حرارة وهي تفكر أنها افتقدته...

منذ استيقظت ولم تجده وهي تشعر بضيق خفي...

رغم أنها خمنت أنه ذهب يشتري بعض الحاجيات لهم من مكان قريب...

لكنها تشعر نحوه بشوق غريب!!!


+



لا...لم تعد مشاعرها نحوه تدهشها...!!!

لقد تعلقت به كثيراً...

وكيف لا تفعل؟!!

من هي المرأة التي يمكنها مقاومة همساته الصادقة ومناجاته الحارة لها كل ليلة؟!!

كل هذا وهو يعلم أنها لا تسمعه!!!

فكيف لو أراد أن يُسمعها ؟!!!!


+




        

          


                

شعرت بيد علي كتفها فالتفتت بذعر بدا واضحاً علي ملامحها....

عقد حاجبيه وهو يقول بضيق:

_لازلتِ تخافين مني يا جوري؟!

هزت رأسها نفياً وهي تبتسم في اعتذار...

ثم مدت يديها في جيب قميصه لتستخرج قلمه وتكتب علي كفه:

_لم أكن أعلم أنك أتيت ...لهذا خفت...


+



ثم نظرت إليه نظرة طويلة لم يفهمها...

لتكتب من جديد:

_لم أعد أخافك يا عمار...صدقني...


+



ابتسم بضعف ثم أظهرلها لفافة كان يخفيها خلف ظهره...

ابتسمت في مرح وهي تشير بكفها بمعني:

_ما هذا؟!


+



جذبها من كفها ...

ثم دخل معها ليغلق أنوار الشاليه حتي ساد الظلام تماماً...

التصقت به فضمها إليه هامساً:

_لا تخافي يا جوري...

فض اللفافة سريعاً فترقبت بلهفة ماذا ستكون...

برقت عيناها بمرح وهي تتبينه أخيراً بعدما سطع نوره حولها مع تلك الموسيقا المميزة...

إنه فانوس رمضان!!!


+



صفقت بكفيها في مرح ...

وهي تمسكه من طرفه وتلوح به كالأطفال ...

وأنغام الأغنية الشهيرة تنساب حولهما لتعيد لهما ذكرياتهما مع هذا الشهر الفضيل...

لم تشعر بنفسها وهي تتطاول علي أطراف أصابعها لتضمه ببراءة وهي تطبع قبلة علي وجنته!!!


+



كز علي أسنانه وهو يضم كفيه بقوة مانعاً نفسه بأعجوبة من أن يضمها إليه هو الآخر...

أغمض عينيه للحظات ...

يحاول استيعاب مشاعره العاصفة في هذه اللحظة!!!!


+



ثم قال لها بخشونة:

_سأستريح في غرفتي قليلاً...


+



نظرت إلي ظهره المنصرف في خجل يمتزج بالشفقة...

ما كان عليها أن تندفع هكذا...

عمار يعاني كثيراً في منع نفسه عنها كما تشعر...

ولم يكن تنقصه حركتها الحمقاء تلك!!!


+



جلست مكانها في شرود تتأمل الأنوار المتقطعة المنبعثة من فانوسها الجديد...

ما أروعك يا عمار!!

لقد أسعدتني هديتك بشدة...

ربما لهذا لم أفكر وأنا أضمك وأقبلك...

لقد كان شعوري بك وقتها خارجاً عن حدود الزمان والمكان...

خارجاً عن سيطرة عقلي وإرادتي...

شعور لن أحاول وصفه ولا تسميته...

ببساطة لأنني لا أجد له صفة ولا مسمي!!!


+



قامت من مكانها وتوجهت لزر الإضاءة لتعيد الأنوار للمكان...

ثم أغلقت زر تشغيل الفانوس...

ضمته لصدرها في حنان...

ثم عادت تنظر للغرفة حيث اختفي ذاك الرجل العجيب هناك!!


+



ذاك الرجل الذي كرهته لسنوات وتعاطفت معه في أيام...

لا ...ليس مجرد تعاطف ...

لكنه تعلُق...!!

تعلقٌ  شديد بحنانه الذي لا يظهر في كلمات لكن تفضحه المواقف...

تعلقٌ بمناجاته الساحرة التي لا يقصد بها إغواءها ولا حتي التأثير عليها فهو موقن أنها لن تسمعها...

لكنه مع ذلك يداوم عليها وكأنه هو الذي يحتاجها ...

وكأنه ما عاد يقوي علي كتمان حبه أكثر!!!

تعلقٌ بوجوده وحضوره القوي الذي يشعرها بالأمان!!!


+



ابتسمت في سخرية وهي تفكر...

لو كان أحد ما أخبرها أنها ستشعر،مع عمار بالأمان لاتهمته بالجنون!!!

وها هي الآن تشعر بالقلق لمجرد أنه تركها لدقائق!!!


1




        

          


                

انقبض قلبها وهي تفكر...

هل سينفذ قاسم النجدي تهديده؟!!

هل سيطلقها من عمار حقا عندما تتعافي من هذه الحالة المؤقتة؟!!

بالتأكيد سيفعل!

قاسم النجدي لا ترد له كلمة!!!

ماذا عساها ستفعل وقتها؟!!!


+



تنهدت في حرارة وهي تجلس علي كرسي المائدة مسندة رأسها علي كفها في شرود....

هل ستقف في وجه النجدي الكبير من جديد لتطلب منه ألا يطلقها من عمار....

كما وقفت في وجهه من قبل تطلب ألا يزوجها له؟!!!!

يالسخرية الظروف!!!!!


1



وعلي فراشهما تمدد عمار متدثراً بألمه قبل غطائه!!

أي عذاب هذا الذي يحياه وهي جواره ...؟!!!!

زوجته وحبيبته ولا يستطيع حتي احتضانها لتستشعر قوة عاطفته نحوها....

لو كان ما يحدث له الآن عقاب له علي ذنبه معها....

فهو وفّي عقابه بل زاد!!!


+



مهما حكي...

لن يستطيع وصف شعوره بها عندما احتضنته وقبلت وجنته...

تلك الطفولية البريئة الشهية...

المتألقة بنضارة زهر الجوري...

هي فعلاً جوريته الجميلة...

معذبته وقاتلته !!!

==========================================================================

وقفت مارية في شرفة منزل رياض تعلق زينة رمضان المميزة علي الحائط...

ابتسمت بسعادة وهي تشعر بحلاوة طقوس رمضان هنا في مصر...

لم يتبق علي الشهر  الفضيل سوي بضعة أيام...

وهي تنتوي أن تصومه هذا العام كاملاً....


+



انتهت من تعليق الزينة فنفضت كفيها وهي تقول لمروة التي وقفت تساعدها:

_ما رأيك الآن؟!

صفرت مروة في مرح شقي وهي تهتف:

_رائع يا مارية...ستكون شرفتنا الأكثر تميزاً في البناية كلها.

ضحكت مارية ثم قالت بحزن:

_كنت أتمني لو يبقي زياد حتي يقضي معنا رمضان...لكنه سافر للأسف...

همست مروة بتأثر:

_إنها المرة الأولي التي سنصوم فيها دون أن يشاركنا الإفطار...


+



ربتت مارية علي كتفها بحرارة.في مواساة...

ثم اصطحبتها لغرفتهما....

جلست مارية علي حاسوبها تتابع بريدها الاليكتروني....

لتجد عشرات الرسائل من آندي كالعادة....

ابتسمت في حنين وهي تفكر...

آندي العزيز هو الذي ساعدها علي الحصول علي كتب في اللغة العربية ودراسة القرآن...

وهو الذي حجز لها تذاكر السفر بنفسه...

لقد ساعدها حقاً لتختار علي اقتناع أي الطريقين ستسلكه...

لقد قال لها يومها بالحرف أنها تحتاج لأن تختار وتدافع عن اختيارها بقوة تليق بها وهو يثق بذلك...

آندي العزيز يدعمها دوماً بثقته فيها...

لهذا ستبقي ممتنة له طوال عمرها!!!


+



تنهدت في حرارة وهي تتابع البحث في رسائلها لتجدها...

نعم...

رسالة من حمزة النجدي!!!!


+



خفق قلبها بقوة وهي تفتحها لتقرأ:


+



_عزيزتي مارية...

لقد وعدتني أن تصومي رمضان هذا العام كاملاً لكنك لم تخبريني وقتها أنكِ لن تكوني معي...افتقدتك يا مارية...لا أبالغ لو أخبرتكِ أن كل الأشياء هنا تفتقدكِ معي...كل شئ فقد معناه منذ رحلتِ  ...لكنني أتمني أن تكوني سعيدة...كم اشتقت لمصر...والآن أشتاقها أكثر...لأنها الآن موطن محاربة شجاعة أسعدني القدر بمعرفتها...محاربة هي أنتِ يا مارية....انتبهي لمعركتكِ جيداً...وسلاحكِ فيها بصيرتك...فطرتك النقية سترشدكِ للطريق...ربما لا أكون معكِ بجسدي...لكنني أدعو لك دوماً من كل قلبي...


+




        

          


                

انتهت رسالته التي قرأتها مراراً لا تدري عددها...

لكن إحساسها بها لم ينتهِ...

لقد قرأت بين كلماتها همسات صادقة من  شوقه إليها...

من ندمه علي تركه لها...

من إعجابه بها...!!!


+



تنهدت في حرارة وهي تتمني لو ترد علي رسالته...

لو تخبره كم تشتاقه هي الأخري...

لو تخبره أنها لو تركت العنان لقلبها لاستقلت أول طائرة وعادت بها إلي لندن...

لكنها ....لم تفعل!!!


+



أغلقت حاسوبها ببطء وكأنها تغلق معه أبواب ترددها كلها...

لن تسمح لحمزة النجدي بالعودة إلي حياتها إلا عندما ترسو علي قرار...

عندما تختار طريقها باقتناع....

ساعتها يمكنها أن تسمح له أن يعيد المحاولة...

أن يسترضيها ويشبع كبرياءها قبل قلبها....

أن تؤلمه يده من قوة طرقه علي الباب الذي سبق وأغلقه في وجهها!!!!!

==========================================================================


+



جلس ياسين في شركته ينقر بقلمه علي المكتب في شرود...

ابتسم في حنان وهو يتذكر غاليته رقية...

تلك التي هبطت من علياء جنان الحب لتسقط حورية علي عالمه...

منذ تلك الليلة التي أخبرها بعلمه عن حبها له...

وهو يشعر بتغير في معاملتها معه...

صارت أكثر شروداً وتحفظاً...

وكأنها تخجل من مشاعرها نحوه...

وكم يحزنه هذا!!!


+



هو لم يشأ أن يحرجها يوم قال لها هذا...

بل علي العكس...

لقد أراد أن يكسر حاجز الكلفة بينهما...

أن يكسب ثقتها وصداقتها...

لكنه للأسف...

زاد الحواجز بينهما أكثر...!!!


+



تناول هاتفه من جواره...

ثم اتصل برقمها...

ليصله صوتها قائلة بهدوء:

_كيف حالك يا ياسين؟!هل تريد شيئاً؟ 

ابتسم وهو يقول بحنان:

_افتقدتك يا غاليتي.


+



لم يصله صوتها للحظات...

لتقول بعدها في تماسك:

_هل تريد شيئاً آخر؟ !

مط شفتيه في أسف وهو يلاحظ تهربها من جملته...

ثم همس بهدوء:

_لا يا رقية...كنت أريد فقط الاطمئنان عليك...

صمتت للحظات ثم سألته:

_هل يمكنني الذهاب لأبي الآن؟!

نظر لساعته ثم قال لها برفق:

_انتظري ساعتين وسآتي معك...فلدي اجتماع هام بعد دقائق.

قالت بهدوء:

_لا تتعب نفسك...والدي سيرسل لي سائقاً يصطحبني.

عقد حاجبيه وهو يقول بضيق:

_لا يا رقية...لا أحب أن تركبي وحدك مع السائق...اصبري ساعتين فقط وسآتي أنا.

لم يصله ردها للحظات فهمس بحذر:

_رقية.

جاءه صوتها مختنقاً وهي تهمس:

_حسناً يا ياسين...كما تشاء.


+



قالتها وأغلقت الخط بسرعة...

زفر في ضيق وهو يستشعر أنها كانت تبكي...

يبدو أنها ضائقة من شئ ما ولهذا تريد الذهاب إلي والدها...

تناول مفاتيحه وغادر مكتبه بسرعة...

ثم قال لمساعدته في حزم:

_أجلي الاجتماع لغد!


2



وبعد عشر دقائق كان يفتح باب شقتهما ليجدها كما توقعها...

تبكي وحدها علي الأريكة...

رفعت رأسها بسرعة عندما لمحته...

ثم مسحت دموعها لتسأله بثبات:

_لماذا عدت مبكراً؟!

جلس جوارها ثم ضمها إليه ليهمس في أذنها بحنان:

_لقد ألغيت الاجتماع.

لم تستطع رفع عينيها إليه وهي تسأله:

_لماذا؟!

رفع ذقنها إليه وهو ينظر لعينيها هامساً:

_أنتِ أهم!

هربت بعينيها من عينيه فسألها :

_ماذا يبكيكِ يا غاليتي؟!

تنهدت في حرارة وهي تهمس:

_دعنا نذهب لأبي...

همس بحنان:

_رقية...صارحيني بما يزعجكِ...ألست صديقكِ الآن؟!


+




        

          


                

ترددت لحظات ثم  همست بألم:

_أنا أكاد أختنق هنا...هذا المنزل يكاد يطبق علي أنفاسي...في البداية حادث آسيا...ثم حكاية جوري البائسة وما حدث لها...وساري التي فقدت مرحها وصارت عابسة دوماً...العمة فريدة وشفقتي عليها...والدتك التي ...


+



قطعت عبارتها وهي تطبق شفتيها بقوة مانعة نفسها من البوح أكثر...

فعقد حاجبيه وهو يسألها بحذر:

_ماذا عن والدتي؟ !


+



هزت رأسها لتهمس باقتضاب:

_لا شئ...مجرد زلة لسان.


+



ظل عاقداً حاجبيه للحظات وكأنه يفكر في شئ ما...

ثم ضم رأسها لصدره وهو يهمس بصوته المداوي لكل الجروح:

_كل هذا كثير علي قلب رقيق كقلبك...لكن ما حيلتي يا رقية؟! إنها عائلتي...

رفعت رأسها إليه لتقول بحزن:

_لا أريد أن أثقل عليك يا ياسين...أنا أعرف نفسي جيداً عندما يصيبني هذا الاكتئاب...دعني أبق مع والدي ليومين  وسأكون بخير...

هز رأسه نفياً وهو يهمس بحنان:

_لن أتركك تذهبين وحدك...سأبقي معكِ هناك...

أشرق وجهها وهي تهتف بفرح:

_حقاً؟!

أومأ برأسه إيجاباً وهو يقول بأسف:

_لو لم أكن مرتبطاً بأعمال ضرورية لأخذتك في إجازة لمنزلنا في الساحل...

همست برقة:

_لا عليك...كفي أن أكون جوار أبي...أنا أحتاجه هذه الأيام.


+



عقد حاجبيه وهو يشعر بضيق خفي...

لا يدري لماذا يشعر دوماً بالغيرة من علاقتها بوالدها...

ربما لأنه يريد أن تكون له نفس المكانة عندها...

مجرد شعوره أنها تحتاج لغيره -ولو كان والدها- يقدح في رجولته!!


+



أبعدها عنه برفق ثم قام ليستكشف شيئاً ما...قائلاً لها بهدوء:

_بدلي ملابسك حتي أدبر أمراً ما بالخارج...


+



هزت رأسها بموافقة...

فغادر شقتهما ليتوجه نحو شقة والدته بالأسفل...

نعم...هو لم يغفل عن إشارة رقية إليها في حديثها...

لكنه يعلم أن رقية لن تفصح عن شئ...

ستكتم ألمها في صدرها كما تفعل دوماً...

لكنه سيعرف...

يجب أن يعرف ما الذي يدور هنا؟!! 


+



فتحت له راجية الباب لتبتسم هاتفة بحنان:

_أهلا يا بني...تفضل...

قبل رأسها باحترام وهو يقول:

_كيف حالكِ يا أمي؟!

ربتت علي كتفه وهي تقول :

_بخير يا بني.


+



سار معها حتي جلسا علي الأريكة ...

وبعد أحاديث متفرقة بينهما أثارها حتي لا يبدو سؤاله القادم متعمداً...

سألها:

_كيف حال رقية معكِ؟!


+



تغير وجهها وهي تمط شفتيها في استياء فتحقق من ظنونه...

بينما هتفت راجية بسخط:

_عندما حظينا بهذا النسب كدت أطير من الفرح لكن يبدو أن هذه الفتاة تتكبر عليك بنفوذ والدها...


+



عقد حاجبيه وهو يحاول تمالك نفسه ليسألها :

_لماذا تقولين ذلك؟!

هتفت راجية بحنق:

_لماذا لم تحمل طفلاً منك إلي الآن؟! 

اتسعت عيناه في ارتياع وهو يسألها:

_هل تكلمتِ معها في هذا الأمر؟ !

هتفت بغضب:

_عشرات المرات...وكل مرة تقول لي أنه لم يحن الأوان لذلك...حتي فاض بي الكيل وواجهتها بما في قلبي...أنت تعلم أنني لا أستطيع منافقة أحد...

ازدرد ريقه ببطء وهو،يسألها بحذر:

_ماذا قلتِ لها بالضبط؟!

لوحت بكفها وهي تهتف:

_الحقيقة! من الواضح أن ابنة عاصم الهاشمي تتكبر علينا...

خبط بقبضته علي مسند مقعده وهو يقول بضيق:

_لماذا قلتِ لها هذا يا أمي؟! رقية ليست أبداً كما تظنين.


+




        

          


                

هزت رأسها وهي تكاد تبكي هاتفة:

_هذا البيت يحتاج لفرحة يا ياسين...نحن لا نكاد نفيق من مصيبة حتي تتلوها أخري...في البداية كانت آسيا...ثم جوري...عمار يوجع قلبي بشدة...يتألم ويخفي في نفسه...ويعرف أن جده سيجبره علي طلاقها ويبعده عن بيت العائلة عقاباً له ومع هذا يتصنع الصبر ولا يشكو حتي...أنا واثقة من أنه لم يقصد إيذاءها وكيف يفعل؟! وروحه معلقة بها؟ !! وحذيفة حبيس غرفته منذ يومين لا يخرج مع رفقائه كعادته ويبدو عليه الاكتئاب...كل أملي كان فيك يا ياسين...أن تحمل لي الفرحة التي أشتاقها وتشتاقها العائلة كلها....


+



ابتلع ياسين غصته وهو لا يدري ماذا سيقول...

والدته محقة فيما قالته عن التعاسة التي صارت تخيم علي هذا البيت...

لكن ما ذنبها رقية في كل هذا...؟!!!

بل إن المسكينة تحملت إلحاحها في موضوع الإنجاب هذا طوال الفترة السابقة ولم تشكُ له حتي!!!


+



قبل رأس والدته بحنان ثم قال لها برجاء:

_لو كنتِ تريدين سعادتي حقاً...فلا تؤذيني في رقية يا أمي...أنا أقدرها كثيراً واعلمي أن قلبها الطيب لا يحمل مثقال ذرة من غرور...علي العكس...هي تحبني...تحبني جداً...


+



تهدج صوته في عبارته الأخيرة وهو يستشعر صدقها....

رقية لازالت تصبر علي ما لا تصبر عليه امرأة مكانها دون شكوي...

حتي عندما فاض بها الكيل اختارت أن تبتعد لمنزل عائلتها حتي لا تحمله همها....

أي مخلوقة رائعة هذه؟!

بل أي ملاك؟!!!


+



ربتت راجية علي رأسه وهي تقول بحنان:

_أنا لا يهمني سوي سعادتك يابني...مادمت راضياً عنها فهذا يكفيني.


+



ابتسم بضعف وهو يكرر عبارتها في نفسه...

راض عنها؟! !

من هو كي يرضي أو لا يرضي؟!!

إنها رقية الهاشمي!!!

كنزه الذي جاءه متأخراً للأسف...

لكنه لن يضيعه أبداً!!!


1



قام من جوار والدته ليقول بهدوء:

_أنا أعرف أنني لن أحتاج للحديث معكِ في هذا الأمر ثانية...أنتِ ستعتنين برقية كما تعتنين بي تماماً...أليس كذلك؟!


+



ابتسمت في حنان وهي تسأله:

_تحبها يا ياسين؟!


+



أغمض عينيه بقوة...

وقلبه يفرض عليه الإجابة الوحيدة المنطقية...

من الذي لا يحب رقية الهاشمي؟!!

من يمكنه ألا يحبها؟!!!!


+



لكن صورة باهتة من الماضي لازالت تؤرق كوابيسه...

كيف تسمح لنفسك بالعشق والحياة بعدي يا ياسين...

وأنا التي مت لأجلك؟!!!!

أنا آسيا...

هل نسيتني يا ياسين؟!!!


2



قطعت والدته الصراع المحتدم بداخله وهي تهمس بقلق:

_ألا تحبها يا ياسين؟!


+



ابتسم بشحوب وهو يأخذ نفساً عميقاً ثم قال بمواربة:

_رقية تستحق الحب كله يا أمي.

تنهدت في ارتياح وهي تقول:

_أسعدكما الله يا بني...ورزقكما الذرية الصالحة....


+



ابتلع غصته وهو يغادر شقة والدته...

ليعود لتلك الصابرة هناك...

وجدها قد بدلت ملابسها تنتظره بترقب...

فاقترب منها ليطبع علي جبينها قبلة اعتذار عميقة...

ثم سألها بعتاب:

_لماذا لم تخبريني عن مضايقة أمي لكِ بشأن موضوع الإنجاب هذا؟!

اتسعت عيناها وهي تهمس في خجل:

_هي من أخبرتك؟!


+



أومأ برأسه إيجاباً ...

فأشاحت بوجهها وهي تهمس:

_لا عليك يا ياسين...الأمر بسيط.

أحاط وجهها بكفيه وهو يتطلع لعينيها هامساً:

_ليس بسيطاً يا رقية...لكنكِ أنتِ العظيمة التي تهون أمامها الأشياء...صدقيني لو أخبرتك أن عمري كله لن يكفي لتعويضك عن كل هذا الذي تحملتِه صابرة معي...

دمعت عيناها وهي تهمس:

_يكفيني تقديرك هذا...

ابتسم لها في حنان عندما رن هاتفها برقم والدتها...

تناولته ببساطة لتجيبها...

ثم صمتت للحظات تستمع...

اتسعت عيناها في صدمة...

وصدرها يعلو ويهبط في انفعال هادر...

سقط الهاتف من يدها وهي تصرخ بحرقة:

_قتلوا أبي يا ياسين!

==================================

انتهى الفصل الرابع عشر


2




الخامس عشر من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close