رواية خيوط القدر الفصل الرابع عشر 14 بقلم سارة المصري
الفصل الرابع عشر (الجزء اللى فى الاول برضه هنط بالاحداث وهنرجع تانى فلاش باك محدش يتلخبط )
جلس على فراشه بين اوراقها ، تامل رسوماتها الرقيقة ، وخواطرها التى كانت تصوغها فى كلمات احيانا ، شعر برائحتها لازالت عالقة باشيائها كأنها تذكره وتحضه دوما على الوفاء بعهده وبحبه ، هو الوحيد الذى لم يتخلى عن ايمانه بحياتها ، لا يملك دليلا واحدا سوى قلبه الذى يخبره مع كل نبضة ان قلبها بدوره لازال ينبض معه ، هذا هو يقينه الخاص الذى يرفض ان يجادله احد فيه ، شعر بشخص يجلس الى جواره على طرف الفراش فاستدار يلتفت فى ارهاق ومالبث ان زفر فى الم واشاح بوجهه عنه ، نهض ايمن ليقف امام اخيه قائلا ” لحد امتى يا اادهم ...لحد امتى هتفضل رافض تقابلنى او تتكلم معايا ؟؟“ ، اخذ ادهم يطالع ما بيديه دون ان يرد ، فتنفس ايمن فى عمق وهو يضيف ” لحد امتى هتفضل تشيلنى ذنب اللى حصل ”
نظر له ادهم فى يأس ولم يعقب ونهض من امامه ليقف فى شرفة غرفته فتبعه ايمن قائلا ” ادهم انا مليش ذنب فى موت ندى ..صدقنى لو اعرف انها كانت هتوصل ل...“
قاطعه ادهم وهو يلتفت اليه فى حدة ” مكنتش ايه يا ايمن بيه ”
واعطاه ظهره من جديد قائلا ” بلاش احسن نتكلم ..انا اتنازلتلك عن كل حاجة ياريت تشبع وترتاح ”
امسك ايمن بذراعه وقال فى صرامة ” انا مش هلمس ولا مليم من فلوسك ...انا رجعت كل حاجة لحسابك تانى ”
قال ادهم فى الم ” فلوسى ..مش انت اللى قررت انى مبقاش ليا حق فيها ولا فى اى حاجة ”
هز أيمن راسه قائلا ” انا عمرى ما قولت كدة ”
تابع ادهم فى وجع ” طول عمرك يا ايمن مبتفكرش غير فى نفسك واسم المجموعة وبس حتى لوعلى حساب اقرب الناس ليك ..انت خلتنى اعيش نفس وجعك وانت عارف اد ايه هوا صعب وانك لحد دلوقتى مش قادر تفوق منه ...بس انت مفكرتش ولو للحظة انك انت اللى اخترت انك تخسرحبيبتك ..بس انا غيرك يا ايمن انا قولتلك فلوس الدنيا كلها متساويش عندى لحظة اعيشها معاها ..انت قررت تعيشنى اللى انت عيشته وانت عارف وجعه كأنى عدوك مش اخوك...خلاص يا ايمن روح واتمتع بالفلوس والجاه والمال انا قولتلك وخيرتك بينى وبينها وانت كالعادة اخترت ..روح واتمتع بالفلوس يمكن يعوضوك عن اخوك وعن شهد اللى لحد دلوقتى مش قادر تعيش لحظة سعادة واحدة بسببها ”
تراجع ايمن من مكانه وهو يرفع كفه لاخيه قائلا ” كفايه يا ادهم كفايه ”
وتركه وذهب ليختلى بنفسه ويسترجع مشهدا من اقسى مشاهد حياته المشهد الذى حوله الى نسخة اخرى من ابيه ، نسخة انسان بلا مشاعر ، عاد بذاكرته لاكثر من اربعة عشر عاما حين دخلت شهد اليه فى غرفتهما البسيطة التى كان يقطن بها معها فوق اسطح احدى العمارات ، كان شاردا يتاملها وقد وقفت امام المرآة تمشط شعرها وفجاة نهض قائلا ” انا زهقت ”
القت شهد المشط من يده وقالت فى عفوية ” حبيبى زهقت من ايه لو تحب نخرج نغير جو شوية ”
ابتسم فى سخرية وقال ” نغير جو فين ناكل درة على الكورنيش ولا نتمشى فى الشوارع من غير هدف ”
اقتربت منه شهد وقالت فى دلال ” لو مش عايزنا نخرج ممكن نفكر نكسر الزهق ده مع بعض حالا ”
تركها ايمن وخرج من الغرفة ليقف على جدار السور المحيط بالسطح فتبعته شهد واحاطت كتفيه بكفيها وهى تقف خلفه قائلة ” حبيبى بس قولى مالك ”
قال ايمن فى جدية دون ان يلتفت لها ” انا روحت لبابا امبارح ”
تنهدت شهد وهى تنزل كفيها قائلة ” وبعدين ؟؟“
وجه نظره الى الفراغ قائلا ” على رأيه ومغيروش ”
وقفت شهد الى جواره وقالت فى تردد ” وانت كنت متوقع انه ممكن يغير رأيه بعد ما عدينا سنة مثلا ؟؟
نظر لها وتأملها للحظات وقال ” احنا اتسرعنا يا شهد ومفكرناش صح ..مكنش لازم اقف قصاد بابا وانا عارف انه يقدر يستغنى عنى بكل سهولة لو كنت صبرت واستنيت كنت اقدر اثبت نفسى اكتر ومكنش هيقدر وقتها يستغنى عنى كنت هحطه قدام الامر الواقع ”
تراجعت شهد خطوات وحاولت ان تقنع نفسها انه لا يعنى ما تفكر به فقالت فى ترقب وهى تضع يدها على صدرها ” ايمن انت بتفكر تسيبنى ؟؟“
تنهد للحظات دون ان يرد فهتفت فى حنق ” رد عليا يا ايمن ..عاوز تسيبنى ؟؟
اقترب منها وامسك كتفيها قائلا ” شهد انا بحبك ودى حاجة مقدرش انكرها ابدا ..بس انا مش قادر اعيش الحياة دى ..مش قادر اتنازل عن كل الطموحات والاحلام اللى بنيتها ..حاولت كتير ومقدرتش ..كل اللى عاوزه منك انك تدينى وقت اقدر اثبت بيه مكانى فى المجموعة وبعدين هرجعلك تانى ”
انتفضت وقالت فى صوت ممزق ” يعنى انت هتسيبنى فعلا ”
هتف بسرعة ” مؤقتا يا شهد ”
انزلت ذراعيه من على كتفها وهتفت فى الم ” مؤقتا !!!...انت بتكدب على مين يا ايمن ؟؟؟...عليا ولا على نفسك ..ابوك كان معاه حق ..انا كنت مجرد تجربة جديدة نزوة مغامرة اى حاجة ...لكن عمرك ماكنت هتتنازل عن كل حاجة عشانى ..انا اساوى ايه بالنسبالك ..انا مجرد بت غلبانة مكملتش عشرين سنة ..انت دخلت حياتها وملتها بحبك وكنت اول راجل يدخل قلبها وملكته حياتها وروحها وكل حاجة ..بس هيا طلعت بالنسباله متسواش حاجة ابدا ..وقت ما زهق منها هيرميها زى اى لعبة اتعود انه يتسلى بيها لحد ما يزهق ”
ضرب ايمن قبضته بكفه وقال ” شهد افهمى ..كل اللى بتقوليه ده مش صح ..فكرى بعقلك ..نصبر شوية ولا نخسر كل حاجة ”
ابتسمت فى الم وقالت فى هستيريا ” نصبر ؟؟...انت فاكر نفسك هترجع ..انت اخترت خلاص يا ايمن وبتحاول تضحك على نفسك وتلاقى مخرج عشان تريح ضميرك ..انت مش هترجع مش هترجع ”
حاول ايمن ان يقترب منها ليهدئها فتراجعت وهى تبكى بشدة وتقول ” ارجع لحياتك يا ايمن ..انت خلاص جربت وخدت اللى انت عايزه و مبقاش ليا لزمة بالنسبالك ”
تراجع ايمن وهو يقول ” شهد انا هرجعلك وبكرة تشوفى ..ادينى وقت بس واوعدك هرجع ”
لم تعقب شهد على حديثه وبدت كأنها منعزلة عن العالم ، تراجع ايمن وهم ليترك المكان وقبل ان يصل الى اولى درجات السلم سمعها تناديه وحين التفت اليها كاد ان يلقى مصرعه هلعا وصرخ فيها ” انت بتعملى ايه يا شهد ..انزلى ”
ابتسمت فى الم وقالت وهى تقف على حافة السور ” افتكر دايما يا ايمن ان انا كنت التمن اللى انت دفعته قصاد مجموعة الالفى ” ولم يستطع ان يلحق بها ابدا بسطت ذراعيها وتراجعت للخلف لتسقط وتسقط وهو يصرخ بأعلى صوته .
أوقف سيارته فجأة وبكى بصوته كله وهو يتذكر هذا المشهد القاسى ، ما ابهظه من ثمن وما اقساه من عقاب اختارته شهد ليبقى يتالم به ما بقى له من عمر ، لقد عاد الى ابيه بقلب محطم وكلمات شهد لا تفارق أذنيه لقد كانت هى الثمن الذى دفعه من اجل احلامه ، ومع الوقت استبدلت الايام قلبه الجريح الذى لم يعد يحتمل وجوده الى قلب فولاذى قاس ، اصبح نسخة اخرى من ابيه لايضع للمشاعر وزنا ، ومع هذا لم يستطع ان يطرد شهد من احلامه ورؤياه ، كانت تسكن كل مرآة ينظر اليها ، حرمت قلبه على اى امرأة من بعدها . ياله من الم .
**************************************************
جلست ياسمين فى مكانها المعتاد بعيدا عن الجلبة والصياح ، مكانها الذى اختارته لتستطيع ان تتنفس بعيدا عن هواء البشر الملوث بالكذب والرياء كما كانت تراه ، رمقت هاتفها تنظر الى الوقت ، تبقى ساعة على بداية النوبتجية ، خطر عمر على بالها فى هذا اللحظة وقد اصبح مروره امرا عاديا لم تعد قادرة على الفرار او الهروب منه اصبح امرا تحاول هى التعايش مع وجوده ، لم تعرف ياسمين الحب ابدا ولذا فهى لا تستطع ان تترجم ما يدور بداخلها ، لم تستطع ان تخفى غيرتها ، ومع ذلك فهى لا تضيع فرصة الا وتحاول اقصاءه من طريقها على الرغم من انها تحتاجه وبشدة ولا تعرف لماذا ، ولكن حياتها تعودت الايشاركها فيها احد ، هكذا فضلتها وابعدت اى انسان عنها ، تفاجئت به امامها قائلا ” كنت عارف انى هلاقيكى هنا ”
انتفضت ياسمين وقالت محاولة التماسك الذى اصبحت تفقده يوما بعد يوم ” مادام عرفت المكان ده يبقا انا مش هجيه تانى ”
ابتسم عمر قائلا وهو ينظر حوله ” وده بقا عشان المكان ده اللى بتلاقى فيه نفسك وبسترجعى ياسمين الحقيقة اللى مش عاوزة حد يعرفها ..ولا عشان هنا كلمتينى من قلبك اول مرة فى حياتك ”
نهضت لتواجهه مدعية القوة ” هو انت ليه مصر تشوف حد تانى غير اللى واقف قدامك ..ليه عايز تشوفنى زى ماانت عاوز تشوفنى مش زى الحقيقة ..تاعب نفسك ورايا ليه ...عاوز منى ايه اصلا ”
عقد ذراعيه وهو يقول ” لو على اللى عايزه فانا عارف انا عاوز ايه كويس ..بس انتى عارفة عايزة ايه ؟؟“
زفرت فى الم واعطته ظهرها قائلة ” عاوزاك تبعد عنى ”
وقف امامها ليواجهها قائلا ” وانا لو متاكد ان ده اللى انتى عاوزاه كنت بعدت عنك ..وخرجت من حياتك من غير ما افكر لحظة ..بس انتى مش عايزة ده ”
ابتسمت فى سخرية مشوبة بتحدى وهى تقول ” هتعرف انا عاوزة ايه اكتر منى ؟؟؟
قال فى بساطة ” لا طبعا ..انتى عارفة انتى عايزة ايه ..بس انتى بتقولى عكس اللى انتى بتحسيه ..فيه حاجة منعاكى وواقفة بينا ..حاجز مش قادرة تهديه ”
امسكت ياسمين جبهتها فى الم وقد تعبت من قدرته الغريبة فى قراءة ما بداخلها ” انت مش عارف اى حاجة ..خليك بعيد أحسن ”
اقترب وقال فى صوت هادىء كأنه يضمها بنبراته ” وانا عاوز اعرف كل حاجة ..عاوزة اشاركك كل حاجة ..حتى وجعك ..عاوزك تواجهى مشاعرك وتعترفى بيها ..احنا مش مراهقين احنا اتنين ناضجين وعارفين احنا حاسين بايه كويس ...الحياة اقصر بكتير من ان احنا نضيعها فى الكدب على بعض ”
هنا قالت ياسمين فى غضب ” اتكلم عن نفسك انا قولت قبل كدة ان معنديش مشاعر من اصله ” واعطته ظهرها لتتحاشى نظراته ، واجهها من جديد وهو يقول ” طيب واجهينى ..بصى فى عينى ..وقولى اللى انتى قولتيه ده تانى ”
رفعت ياسمين نظرها اليه فى تحدى لتعيد ما قالته ، ظنت انها من السهل ان تعيد ما قالته من جديد ، ولكن حين نظرت الى عينيه فقدت النطق ، كرهت هذا الضعف الذى اصبحت عليه ، او بالاحرى الذى ظهر واضحا ولم يعد بامكانها ان تخفيه ، سالت دموعها رغما عنها وفضحتها اكثر ، آلمته دموعها وتمنى لو مد انامله ومسحها ولكنه قال فى حنان ” انا آسف لو ضغطت عليكى ...بس كل االى انا عاوزه منك مجرد فرصة يا ياسمين ..فرصة اثبتلك فيها انى اقدر اخرجك من كل اللى انتى فيه واخليكى تحبى الدنيا من تانى ..فرصة اخليكى تتغلبى على خوفك ”
قالت من بين دموعها بصوت ممزق ” انا وجع ماشى على الارض ، انا متحاوطة بشوك بجرح اى حد يقرب منه ..وانا مش عاوزة اجرحك انت بالذات ”
قالت جملتها تلك وفرت من امامه بسرعة ، فزاد يقينه بشكل غير قابل للشك انها تحمل وجعا ليس بالهين ، وجعا غير قادرة على تذكره او البوح به ، وجعا تمنى لو شاركها فيه او حتى حمله عنها ، رن جرس هاتفه لينتشله من افكاره ، فجلس فى مكان ياسمين وهو يتنفس فى عمق ” اهلا يا ادهم ازيك ”
ـ حبببى يا عمور ازيك انت ..عندى ليك خبر حلو وانت اول حد تعرفه ..انا اتعينت النهاردة فى ادارة مكافحة المخدرات
ابتسم عمر فى سعادة وهو يعرف ان تلك هى امنية ادهم منذ ان التحق بالشرطة وحققها اخيرا بكفاءته وعمله فهناه فى سعادة لم يخفى منها نبرة الحزن التى لاحظها ادهم فسأله عنها فأنكر ولكن صديقه الذى يعرفه من سنوات ابى عليه والح اكثر من مرة حتى اضطر عمر ان يقص له كل ماحدث بينه وبين ياسمين ، سمعه ادهم فى اهتمام حتى انتهى فقال ” انت ماشى فى السكة الغلط يا صاحبى ”
رد عمر فى غيظ ” اوعى تقولى انت كمان ابعد عنها انساها ”
ـ لا مقصدتش كدة ..انا اقصد ان انت بتحاول تسألها هيا عن كل حاجة وهيا مش عاوزة تنطق ..انت كدة بتضيع وقتك
زفر عمر فى ضيق قائلا ” يعنى مش فاهم برضه عايزنى اعمل ايه ”
ـ مادام مش عايزة تقول حاجة ..اعرف من حد تانى غيرها ..اعرف مين اهلها ..ظروفها وعايشة فين ..اكيد فى الآخر هتقدر توصل لحاجة تحللك اللغز ده ”
رفع عم رحاجبه قائلا ” امم انت مش قادر تنسى انك ظابط خالص ”
ضحك ادهم قائلا ” والله لو عايز مساعدة انا فى الخدمة ..لو عايزنى اجيبلك قرارها من بكرة هيكون تاريخ حياتها عندك ”
رد عمر بسرعة ” قرارا ايه وبتاع ايه ...هيا كانت مسجلة خطر ولا ايه ”
ـ خلاص يا سيدى براحتك ..فكر فى اللى قولتهولك ..وابقى طمنى عملت ايه
كان ادهم سينهى المكالمة لولا ان اوقفه عمر قائلا ” بس انت مقولتليش سر الانشكاح اللى انت فيه ده ايه ؟؟؟...“
تنهد ادهم قائلا ” النهاردة كان يوم ما يتوصفش ..كفاية بس اقولك ان ندى كانت معايا من اول اليوم لاخره ”
قال عمر فى اهتمام ” معاك ازاى يعنى ”
ضحك ادهم قائلا ” هو انت فهمت غلط ولا انا بيتهيألى ”
زفر عمر فى غيظ مفتعل وقال ” مش ملاحظ انك بتتكلم عن اختى يا متخلف انت ”
ـ وانت مش ملاحظ ان اختك دى تبقى اغلى حد عندى فى الدنيا ومحدش ممكن يخاف عليها ويحبها قدى
صمت عمر وسمع ادهم صوت انفاسه من الجهة الاخرى فواصل ” ايه مالك ...متفاجىء ولا ايه ...ايوة بحبها وانت كنت اول واحد اقوله ده ..وانتى عارفنى مبيهمنيش وممكن اقولها قدام الدنيا دى كلها ..بس مستنى بس اسمعها منها وافتكر خلاص قربنا ”
قال عمر فى دهشة ” قربتو !!!“
ـ بقولك ايه انت معندكش شغل ؟؟..ماتروح تشوف عيانينك
نظر عمر الى ساعته وشهق قائلا ” ايد ده انا اتاخرت فعلا ..يلا سلام دلوقتى ”
اغلق عمر الخط وهو يشعر براحة من حديث ادهم عن ندى ، هل بالفعل بدات تشعر به ، ولكن كيف ، وبهذه السرعة ، ابتسم فى نفسه ، هكذا هو الحب ياتى دائما بعكس المنطق فلايعترف بزمان ولا اسباب ، هكذ يداهم المرء فيحتل كل ذرة من كيانه وروحه فى لحظات ويصنع رابطة غريبة يصعب الفكاك منها ، لطالما تمنى ان تحب ندى ادهم ، لطالما كان هو الرجل الذى تمناه زوجا لها ، وتمنى فى تلك اللحظة ان يصدق حدسه وان تكون ندى حقا احبت ادهم .
اتجه الى غرفة الاستقبال وهناك وجد ياسمين وللحظة شعر فابتسم للحظات ، وتساءل هل من المنطق ان ينفذ كل ما قاله ادهم ام ان هذا يعتبر تعديا على حقها فى البوح بما تريد ان تبوح بها وفى اعطاء ثقتها لمن تريد ،لا يعرف ، منذ ان عرفها وهو لا يعرف ماذ يفعل اوماذا يقول ، اصبح يفكر ويفعل عكس ما يفكر فيه ، الشىء الوحيد الذى تيقن منه انه لن يتخلى عنها مهما كان
************************************************************
وقفت ندى امام مديرها فى العمل بعد ان طلبها بدقائق والى جواره وقفت سلوى السكرتيرة الخاصة به ، ترمقها بنظرات حادة ، كانت سلوى لا تطيق ندى مطلقا لاعتبارات انثوية عديدة ، قبل ان تعمل ندى فى المكان كان لا حديث سوى عن جمال سلوى وانوثتها ودلالها وكان ذلك يرضى غرورها ويسعدها ، حتى جاءت ندى وخطفت منها الاضواء دون قصد ، فلم يعد هناك حديث سوى عن جمال ندى الاخاذ ورقتها واخلاقها وموهبتها الحقيقية ونجاحها المتكرر حتى ان مديرها اعتبرها اضافة رائعة للمكتب .
ابتسم المدير قائلا ليحييها ” اهلا ياندى ..ازيك ”
ردت ندى بابتسامة ” اهلا يا فندم ..تحت امرك ”
نظر المدير الى ملف امامه قائلا ” الفيلا اللى المفروص كنتى بتشتغلى فيها وبعد كدة جت منى زميلتك وكملت عشان تعبتى ”
تنهدت ندى لتقاوم اختناقا اعتراها وقالت ” ايوة يا فندم ..مالها ”
ؤفع المدير بصره اليها قائلا ” هتروحى تسلميها بكرة ”
قطبت ندى حاجبيها وقالت فى ضيق ” هيا كانت لسة متسلمتش ..المفروض منى تكون سلمتها من شهر ”
هز المدير كتفيه قائلا ” صاحبها بيقول انه عنده ملحوظات على الشغل ومحتاج اللى بدا معاه عشان يظبطها ”
تمتمت ندى فى نفسها ” حقير ” ، ماذا يريد منها مجددا ، قالت وهى تحاول اخفاء توترها ” وليه انا يافندم انا عندى شغل تانى مرتبطة بيه ..منى تروح تخلص هيا ”
نهض المدير من مكانه قائلا ” ندى ..انتى موهوبة ومحدش يقدر يقول حاجة فى ده ..لكن شغل بالطريقة دى مش نافع ابدا ..العميل ده شغله اتعطل اكتر من مرة بسببك ..ولو هنتكلم فى الصح ..اه انتى اللى المفروض تروحى تسلمى عشان دى كانت مسئوليتك وشغلك انتى من الاول ..وكمان الفيلا لازم تتصور ولا نسيتى الشغل يا باشمهندسة ؟؟
اخذت ندى تعض على شفتيها فى غيظ وهى تحاول الهرب دون جدوى وقالت ” يا فندم بس انا فعلا عندى شغل ومش ...“
قاطعها المدير فى حدة وهو يقول ” انتى ناسية انى انا هنا المدير ولا ايه ..كلامى يتنفذ ومتخلنيش اندم انى لاول مرة شغلت حد بناء على ..“ وقطع حديثه فجاة وهو يزفر فى ندم ، ولكن ندى لا حظت هذا فقالت وهى تحتضن الورق الذى بيدها ” بناء على ايه يافندم ..مش فاهمة ؟؟“
جلس المدير على كرسيه فى توتر وهو يحاول ان يجد مخرجا ، فلاحظت سلوى ذلك وارادت ان تستغل الفرصة لازعاج ندى فقالت ” بناء على توصية يا انسة ندى ” وابتسمت فى خبث وهى ترفع حاجبيها لتغيظها ، ضرب المدير بيده على المكتب وقال ” سلوى ..اتفضلى على مكتبك ”
ابتسمت سلوى فى ظفر ونظرت الى ندى التى كست ملامحها الصدمة وذهبت ، وبمجرد ان اغلقت الباب وجهت ندى سؤالها مباشرة الى مديرها ” توصية ايه يا فندم ...انا قدمت السى فى بتاعى زى اى حد ”
ابتسم المدير محاولا اخفاء توتره وقال ” سيبك منها يا ندى ..المهم دلوقتى هتروحى تشوفى العميل وتخلصينا من القصة دى ”
نظرت له ندى نظرة طويلة متمعنة علمت بها انه ل يخبرها ابدا وهى بطبعها لا تحب المناقشات الطويلة ، حاول المدير التهرب من نظراتها فقال بصوت حاول ان يجعله صارم ” يلا يا ندى ..اتفضلي شوفى شغلك ”
هزت ندى رأسها وتركته وعرفت ان الاجابة ستجدها عند التى تطالعها بنظرات لاتفهم لها معنا هذه ، اقتربت منها وقالت وهى تضع اوراقها على مكتبها بينما تتظاهر الاخرى بالانشغال فى العمل ” توصية ايه بقا اللى بتتكلمى عنها ”
ابتسمت سلوى فى سخرية ودون ان ترفع نظرها من على حاسوبها قالت ” مش قالك مفيش توصية ..صدقيه ..صدقى انك اشتغلتى فى اكبر مكتب لهندسة الديكور فى مصر عشان خاطر موهبتك اللى مكانش شاف منها حاجة ..واترفض ناس اكبر منك واكتر خبرة ”
ووضعت يدها على خدها وهى تزمر شفتيها فى دلال قائلة ” وكل ده من غير توصية ..اصل زاعقلك نبى ” وضحكت فى استفزاز لتغيظ ندى ونجحت بالفعل فقالت ندى فى غيظ ” التوصية دى من مين ”
دققت سلوى النظر فى ملامح ندى لتستمتع بغيظها وقالت ” من ادهم الالفى ..سليل عيلة الالفى واخو ايمن الالفى اكبر رجل اعمال فى مصر ..مكتبنا بيشارك فى ديكورات فنادقهم وشركاتهم وادهم جه هنا للمدير ووصى عليكى واكد عليه انك متعرفيش حاجة عن الموضوع ده ..وعشان كدة لما المدير وقع بلسانه كان شكله زى ما انتى شايفة ..خايف يخلف بوعده معاه ويخسر شغله مع مجموعتهم ..افتكر كدة فهمتى ” ، جلست ندى فى صدمة ، ادهم من جديد ، يساعدها دون ان تدرى ليحقق احلامها ، يفعل ذلك دون ان يهتم ان تعرف او لا ، دون ان يتصيدها فرصة لتعزيز مشاعرها نحوه ، لو لم تخبرها سلوى لما عرفت ابدا ، اى حب هذا ، بل اى رجل هذا ؟؟، هل كل هذا الحب لها وبين يديها ، شعرت بندم على كل لحظة قست عليه فيها وحاولت الابتعاد عنه ، وفجاة ابتسمت ونهضت وهى تجمع اوراقها ولم تِشأ سلوى ان تخرج هكذا دون ان تعطيها باقى نصيبها من الازعاج فقالت ” هتروحى للعميل ...لسة بتشتغلى بقالك كام شهر وبتتطلبى بالاسم ..مواهب فعلا ” قالتها وهى تنظر لندى من اعلى واسفل فعادت ندى اليها واستندت بكفيها على المكتب وهى تقول ” هيا فعلا مواهب والا مكانش زمانك قاعدة لحد دلوقتى هنا ” ونهضت وقبل ان تفتح سلوى ثغرها قالت ندى بلهجة تعرف جيدا طريقها الى عقل مثل عقل سلوى ” اه وبالمناسبة ..الرائد .ادهم الالفى سليل عيلة الالفى ...وصاحب مجموعى الالفى ” واصلت فى نظرة انثوية متحديه ” يبقى خطيبى ” وتنفست بعمق وهى تنظر لها شذرا وذهبت بابتسامة على ثغرها وهى تتعجب من هذا الفخر الذى يعتريها فى كل مرة تخبر احدا ان ادهم خطيبها.
تذكرت احمد وان عليها الذهاب بناء على اوامر مديرها ، لا تريد لشخص ان يظن ان علاقتها بادهم هى سر استمرارها فى العمل ، ولكنها فكرت ولما لا ؟؟؟، هلى لازالت تخشى مواجهته ؟؟، ربما كانت فرصتها لتثبت انه لم يعد شىء بالنسبة اليها ، بامكانها ان تعرف الى اين تتجه مشاعرها الان ، اتخذت قرارها ، ستذهب اليه
جلس على فراشه بين اوراقها ، تامل رسوماتها الرقيقة ، وخواطرها التى كانت تصوغها فى كلمات احيانا ، شعر برائحتها لازالت عالقة باشيائها كأنها تذكره وتحضه دوما على الوفاء بعهده وبحبه ، هو الوحيد الذى لم يتخلى عن ايمانه بحياتها ، لا يملك دليلا واحدا سوى قلبه الذى يخبره مع كل نبضة ان قلبها بدوره لازال ينبض معه ، هذا هو يقينه الخاص الذى يرفض ان يجادله احد فيه ، شعر بشخص يجلس الى جواره على طرف الفراش فاستدار يلتفت فى ارهاق ومالبث ان زفر فى الم واشاح بوجهه عنه ، نهض ايمن ليقف امام اخيه قائلا ” لحد امتى يا اادهم ...لحد امتى هتفضل رافض تقابلنى او تتكلم معايا ؟؟“ ، اخذ ادهم يطالع ما بيديه دون ان يرد ، فتنفس ايمن فى عمق وهو يضيف ” لحد امتى هتفضل تشيلنى ذنب اللى حصل ”
نظر له ادهم فى يأس ولم يعقب ونهض من امامه ليقف فى شرفة غرفته فتبعه ايمن قائلا ” ادهم انا مليش ذنب فى موت ندى ..صدقنى لو اعرف انها كانت هتوصل ل...“
قاطعه ادهم وهو يلتفت اليه فى حدة ” مكنتش ايه يا ايمن بيه ”
واعطاه ظهره من جديد قائلا ” بلاش احسن نتكلم ..انا اتنازلتلك عن كل حاجة ياريت تشبع وترتاح ”
امسك ايمن بذراعه وقال فى صرامة ” انا مش هلمس ولا مليم من فلوسك ...انا رجعت كل حاجة لحسابك تانى ”
قال ادهم فى الم ” فلوسى ..مش انت اللى قررت انى مبقاش ليا حق فيها ولا فى اى حاجة ”
هز أيمن راسه قائلا ” انا عمرى ما قولت كدة ”
تابع ادهم فى وجع ” طول عمرك يا ايمن مبتفكرش غير فى نفسك واسم المجموعة وبس حتى لوعلى حساب اقرب الناس ليك ..انت خلتنى اعيش نفس وجعك وانت عارف اد ايه هوا صعب وانك لحد دلوقتى مش قادر تفوق منه ...بس انت مفكرتش ولو للحظة انك انت اللى اخترت انك تخسرحبيبتك ..بس انا غيرك يا ايمن انا قولتلك فلوس الدنيا كلها متساويش عندى لحظة اعيشها معاها ..انت قررت تعيشنى اللى انت عيشته وانت عارف وجعه كأنى عدوك مش اخوك...خلاص يا ايمن روح واتمتع بالفلوس والجاه والمال انا قولتلك وخيرتك بينى وبينها وانت كالعادة اخترت ..روح واتمتع بالفلوس يمكن يعوضوك عن اخوك وعن شهد اللى لحد دلوقتى مش قادر تعيش لحظة سعادة واحدة بسببها ”
تراجع ايمن من مكانه وهو يرفع كفه لاخيه قائلا ” كفايه يا ادهم كفايه ”
وتركه وذهب ليختلى بنفسه ويسترجع مشهدا من اقسى مشاهد حياته المشهد الذى حوله الى نسخة اخرى من ابيه ، نسخة انسان بلا مشاعر ، عاد بذاكرته لاكثر من اربعة عشر عاما حين دخلت شهد اليه فى غرفتهما البسيطة التى كان يقطن بها معها فوق اسطح احدى العمارات ، كان شاردا يتاملها وقد وقفت امام المرآة تمشط شعرها وفجاة نهض قائلا ” انا زهقت ”
القت شهد المشط من يده وقالت فى عفوية ” حبيبى زهقت من ايه لو تحب نخرج نغير جو شوية ”
ابتسم فى سخرية وقال ” نغير جو فين ناكل درة على الكورنيش ولا نتمشى فى الشوارع من غير هدف ”
اقتربت منه شهد وقالت فى دلال ” لو مش عايزنا نخرج ممكن نفكر نكسر الزهق ده مع بعض حالا ”
تركها ايمن وخرج من الغرفة ليقف على جدار السور المحيط بالسطح فتبعته شهد واحاطت كتفيه بكفيها وهى تقف خلفه قائلة ” حبيبى بس قولى مالك ”
قال ايمن فى جدية دون ان يلتفت لها ” انا روحت لبابا امبارح ”
تنهدت شهد وهى تنزل كفيها قائلة ” وبعدين ؟؟“
وجه نظره الى الفراغ قائلا ” على رأيه ومغيروش ”
وقفت شهد الى جواره وقالت فى تردد ” وانت كنت متوقع انه ممكن يغير رأيه بعد ما عدينا سنة مثلا ؟؟
نظر لها وتأملها للحظات وقال ” احنا اتسرعنا يا شهد ومفكرناش صح ..مكنش لازم اقف قصاد بابا وانا عارف انه يقدر يستغنى عنى بكل سهولة لو كنت صبرت واستنيت كنت اقدر اثبت نفسى اكتر ومكنش هيقدر وقتها يستغنى عنى كنت هحطه قدام الامر الواقع ”
تراجعت شهد خطوات وحاولت ان تقنع نفسها انه لا يعنى ما تفكر به فقالت فى ترقب وهى تضع يدها على صدرها ” ايمن انت بتفكر تسيبنى ؟؟“
تنهد للحظات دون ان يرد فهتفت فى حنق ” رد عليا يا ايمن ..عاوز تسيبنى ؟؟
اقترب منها وامسك كتفيها قائلا ” شهد انا بحبك ودى حاجة مقدرش انكرها ابدا ..بس انا مش قادر اعيش الحياة دى ..مش قادر اتنازل عن كل الطموحات والاحلام اللى بنيتها ..حاولت كتير ومقدرتش ..كل اللى عاوزه منك انك تدينى وقت اقدر اثبت بيه مكانى فى المجموعة وبعدين هرجعلك تانى ”
انتفضت وقالت فى صوت ممزق ” يعنى انت هتسيبنى فعلا ”
هتف بسرعة ” مؤقتا يا شهد ”
انزلت ذراعيه من على كتفها وهتفت فى الم ” مؤقتا !!!...انت بتكدب على مين يا ايمن ؟؟؟...عليا ولا على نفسك ..ابوك كان معاه حق ..انا كنت مجرد تجربة جديدة نزوة مغامرة اى حاجة ...لكن عمرك ماكنت هتتنازل عن كل حاجة عشانى ..انا اساوى ايه بالنسبالك ..انا مجرد بت غلبانة مكملتش عشرين سنة ..انت دخلت حياتها وملتها بحبك وكنت اول راجل يدخل قلبها وملكته حياتها وروحها وكل حاجة ..بس هيا طلعت بالنسباله متسواش حاجة ابدا ..وقت ما زهق منها هيرميها زى اى لعبة اتعود انه يتسلى بيها لحد ما يزهق ”
ضرب ايمن قبضته بكفه وقال ” شهد افهمى ..كل اللى بتقوليه ده مش صح ..فكرى بعقلك ..نصبر شوية ولا نخسر كل حاجة ”
ابتسمت فى الم وقالت فى هستيريا ” نصبر ؟؟...انت فاكر نفسك هترجع ..انت اخترت خلاص يا ايمن وبتحاول تضحك على نفسك وتلاقى مخرج عشان تريح ضميرك ..انت مش هترجع مش هترجع ”
حاول ايمن ان يقترب منها ليهدئها فتراجعت وهى تبكى بشدة وتقول ” ارجع لحياتك يا ايمن ..انت خلاص جربت وخدت اللى انت عايزه و مبقاش ليا لزمة بالنسبالك ”
تراجع ايمن وهو يقول ” شهد انا هرجعلك وبكرة تشوفى ..ادينى وقت بس واوعدك هرجع ”
لم تعقب شهد على حديثه وبدت كأنها منعزلة عن العالم ، تراجع ايمن وهم ليترك المكان وقبل ان يصل الى اولى درجات السلم سمعها تناديه وحين التفت اليها كاد ان يلقى مصرعه هلعا وصرخ فيها ” انت بتعملى ايه يا شهد ..انزلى ”
ابتسمت فى الم وقالت وهى تقف على حافة السور ” افتكر دايما يا ايمن ان انا كنت التمن اللى انت دفعته قصاد مجموعة الالفى ” ولم يستطع ان يلحق بها ابدا بسطت ذراعيها وتراجعت للخلف لتسقط وتسقط وهو يصرخ بأعلى صوته .
أوقف سيارته فجأة وبكى بصوته كله وهو يتذكر هذا المشهد القاسى ، ما ابهظه من ثمن وما اقساه من عقاب اختارته شهد ليبقى يتالم به ما بقى له من عمر ، لقد عاد الى ابيه بقلب محطم وكلمات شهد لا تفارق أذنيه لقد كانت هى الثمن الذى دفعه من اجل احلامه ، ومع الوقت استبدلت الايام قلبه الجريح الذى لم يعد يحتمل وجوده الى قلب فولاذى قاس ، اصبح نسخة اخرى من ابيه لايضع للمشاعر وزنا ، ومع هذا لم يستطع ان يطرد شهد من احلامه ورؤياه ، كانت تسكن كل مرآة ينظر اليها ، حرمت قلبه على اى امرأة من بعدها . ياله من الم .
**************************************************
جلست ياسمين فى مكانها المعتاد بعيدا عن الجلبة والصياح ، مكانها الذى اختارته لتستطيع ان تتنفس بعيدا عن هواء البشر الملوث بالكذب والرياء كما كانت تراه ، رمقت هاتفها تنظر الى الوقت ، تبقى ساعة على بداية النوبتجية ، خطر عمر على بالها فى هذا اللحظة وقد اصبح مروره امرا عاديا لم تعد قادرة على الفرار او الهروب منه اصبح امرا تحاول هى التعايش مع وجوده ، لم تعرف ياسمين الحب ابدا ولذا فهى لا تستطع ان تترجم ما يدور بداخلها ، لم تستطع ان تخفى غيرتها ، ومع ذلك فهى لا تضيع فرصة الا وتحاول اقصاءه من طريقها على الرغم من انها تحتاجه وبشدة ولا تعرف لماذا ، ولكن حياتها تعودت الايشاركها فيها احد ، هكذا فضلتها وابعدت اى انسان عنها ، تفاجئت به امامها قائلا ” كنت عارف انى هلاقيكى هنا ”
انتفضت ياسمين وقالت محاولة التماسك الذى اصبحت تفقده يوما بعد يوم ” مادام عرفت المكان ده يبقا انا مش هجيه تانى ”
ابتسم عمر قائلا وهو ينظر حوله ” وده بقا عشان المكان ده اللى بتلاقى فيه نفسك وبسترجعى ياسمين الحقيقة اللى مش عاوزة حد يعرفها ..ولا عشان هنا كلمتينى من قلبك اول مرة فى حياتك ”
نهضت لتواجهه مدعية القوة ” هو انت ليه مصر تشوف حد تانى غير اللى واقف قدامك ..ليه عايز تشوفنى زى ماانت عاوز تشوفنى مش زى الحقيقة ..تاعب نفسك ورايا ليه ...عاوز منى ايه اصلا ”
عقد ذراعيه وهو يقول ” لو على اللى عايزه فانا عارف انا عاوز ايه كويس ..بس انتى عارفة عايزة ايه ؟؟“
زفرت فى الم واعطته ظهرها قائلة ” عاوزاك تبعد عنى ”
وقف امامها ليواجهها قائلا ” وانا لو متاكد ان ده اللى انتى عاوزاه كنت بعدت عنك ..وخرجت من حياتك من غير ما افكر لحظة ..بس انتى مش عايزة ده ”
ابتسمت فى سخرية مشوبة بتحدى وهى تقول ” هتعرف انا عاوزة ايه اكتر منى ؟؟؟
قال فى بساطة ” لا طبعا ..انتى عارفة انتى عايزة ايه ..بس انتى بتقولى عكس اللى انتى بتحسيه ..فيه حاجة منعاكى وواقفة بينا ..حاجز مش قادرة تهديه ”
امسكت ياسمين جبهتها فى الم وقد تعبت من قدرته الغريبة فى قراءة ما بداخلها ” انت مش عارف اى حاجة ..خليك بعيد أحسن ”
اقترب وقال فى صوت هادىء كأنه يضمها بنبراته ” وانا عاوز اعرف كل حاجة ..عاوزة اشاركك كل حاجة ..حتى وجعك ..عاوزك تواجهى مشاعرك وتعترفى بيها ..احنا مش مراهقين احنا اتنين ناضجين وعارفين احنا حاسين بايه كويس ...الحياة اقصر بكتير من ان احنا نضيعها فى الكدب على بعض ”
هنا قالت ياسمين فى غضب ” اتكلم عن نفسك انا قولت قبل كدة ان معنديش مشاعر من اصله ” واعطته ظهرها لتتحاشى نظراته ، واجهها من جديد وهو يقول ” طيب واجهينى ..بصى فى عينى ..وقولى اللى انتى قولتيه ده تانى ”
رفعت ياسمين نظرها اليه فى تحدى لتعيد ما قالته ، ظنت انها من السهل ان تعيد ما قالته من جديد ، ولكن حين نظرت الى عينيه فقدت النطق ، كرهت هذا الضعف الذى اصبحت عليه ، او بالاحرى الذى ظهر واضحا ولم يعد بامكانها ان تخفيه ، سالت دموعها رغما عنها وفضحتها اكثر ، آلمته دموعها وتمنى لو مد انامله ومسحها ولكنه قال فى حنان ” انا آسف لو ضغطت عليكى ...بس كل االى انا عاوزه منك مجرد فرصة يا ياسمين ..فرصة اثبتلك فيها انى اقدر اخرجك من كل اللى انتى فيه واخليكى تحبى الدنيا من تانى ..فرصة اخليكى تتغلبى على خوفك ”
قالت من بين دموعها بصوت ممزق ” انا وجع ماشى على الارض ، انا متحاوطة بشوك بجرح اى حد يقرب منه ..وانا مش عاوزة اجرحك انت بالذات ”
قالت جملتها تلك وفرت من امامه بسرعة ، فزاد يقينه بشكل غير قابل للشك انها تحمل وجعا ليس بالهين ، وجعا غير قادرة على تذكره او البوح به ، وجعا تمنى لو شاركها فيه او حتى حمله عنها ، رن جرس هاتفه لينتشله من افكاره ، فجلس فى مكان ياسمين وهو يتنفس فى عمق ” اهلا يا ادهم ازيك ”
ـ حبببى يا عمور ازيك انت ..عندى ليك خبر حلو وانت اول حد تعرفه ..انا اتعينت النهاردة فى ادارة مكافحة المخدرات
ابتسم عمر فى سعادة وهو يعرف ان تلك هى امنية ادهم منذ ان التحق بالشرطة وحققها اخيرا بكفاءته وعمله فهناه فى سعادة لم يخفى منها نبرة الحزن التى لاحظها ادهم فسأله عنها فأنكر ولكن صديقه الذى يعرفه من سنوات ابى عليه والح اكثر من مرة حتى اضطر عمر ان يقص له كل ماحدث بينه وبين ياسمين ، سمعه ادهم فى اهتمام حتى انتهى فقال ” انت ماشى فى السكة الغلط يا صاحبى ”
رد عمر فى غيظ ” اوعى تقولى انت كمان ابعد عنها انساها ”
ـ لا مقصدتش كدة ..انا اقصد ان انت بتحاول تسألها هيا عن كل حاجة وهيا مش عاوزة تنطق ..انت كدة بتضيع وقتك
زفر عمر فى ضيق قائلا ” يعنى مش فاهم برضه عايزنى اعمل ايه ”
ـ مادام مش عايزة تقول حاجة ..اعرف من حد تانى غيرها ..اعرف مين اهلها ..ظروفها وعايشة فين ..اكيد فى الآخر هتقدر توصل لحاجة تحللك اللغز ده ”
رفع عم رحاجبه قائلا ” امم انت مش قادر تنسى انك ظابط خالص ”
ضحك ادهم قائلا ” والله لو عايز مساعدة انا فى الخدمة ..لو عايزنى اجيبلك قرارها من بكرة هيكون تاريخ حياتها عندك ”
رد عمر بسرعة ” قرارا ايه وبتاع ايه ...هيا كانت مسجلة خطر ولا ايه ”
ـ خلاص يا سيدى براحتك ..فكر فى اللى قولتهولك ..وابقى طمنى عملت ايه
كان ادهم سينهى المكالمة لولا ان اوقفه عمر قائلا ” بس انت مقولتليش سر الانشكاح اللى انت فيه ده ايه ؟؟؟...“
تنهد ادهم قائلا ” النهاردة كان يوم ما يتوصفش ..كفاية بس اقولك ان ندى كانت معايا من اول اليوم لاخره ”
قال عمر فى اهتمام ” معاك ازاى يعنى ”
ضحك ادهم قائلا ” هو انت فهمت غلط ولا انا بيتهيألى ”
زفر عمر فى غيظ مفتعل وقال ” مش ملاحظ انك بتتكلم عن اختى يا متخلف انت ”
ـ وانت مش ملاحظ ان اختك دى تبقى اغلى حد عندى فى الدنيا ومحدش ممكن يخاف عليها ويحبها قدى
صمت عمر وسمع ادهم صوت انفاسه من الجهة الاخرى فواصل ” ايه مالك ...متفاجىء ولا ايه ...ايوة بحبها وانت كنت اول واحد اقوله ده ..وانتى عارفنى مبيهمنيش وممكن اقولها قدام الدنيا دى كلها ..بس مستنى بس اسمعها منها وافتكر خلاص قربنا ”
قال عمر فى دهشة ” قربتو !!!“
ـ بقولك ايه انت معندكش شغل ؟؟..ماتروح تشوف عيانينك
نظر عمر الى ساعته وشهق قائلا ” ايد ده انا اتاخرت فعلا ..يلا سلام دلوقتى ”
اغلق عمر الخط وهو يشعر براحة من حديث ادهم عن ندى ، هل بالفعل بدات تشعر به ، ولكن كيف ، وبهذه السرعة ، ابتسم فى نفسه ، هكذا هو الحب ياتى دائما بعكس المنطق فلايعترف بزمان ولا اسباب ، هكذ يداهم المرء فيحتل كل ذرة من كيانه وروحه فى لحظات ويصنع رابطة غريبة يصعب الفكاك منها ، لطالما تمنى ان تحب ندى ادهم ، لطالما كان هو الرجل الذى تمناه زوجا لها ، وتمنى فى تلك اللحظة ان يصدق حدسه وان تكون ندى حقا احبت ادهم .
اتجه الى غرفة الاستقبال وهناك وجد ياسمين وللحظة شعر فابتسم للحظات ، وتساءل هل من المنطق ان ينفذ كل ما قاله ادهم ام ان هذا يعتبر تعديا على حقها فى البوح بما تريد ان تبوح بها وفى اعطاء ثقتها لمن تريد ،لا يعرف ، منذ ان عرفها وهو لا يعرف ماذ يفعل اوماذا يقول ، اصبح يفكر ويفعل عكس ما يفكر فيه ، الشىء الوحيد الذى تيقن منه انه لن يتخلى عنها مهما كان
************************************************************
وقفت ندى امام مديرها فى العمل بعد ان طلبها بدقائق والى جواره وقفت سلوى السكرتيرة الخاصة به ، ترمقها بنظرات حادة ، كانت سلوى لا تطيق ندى مطلقا لاعتبارات انثوية عديدة ، قبل ان تعمل ندى فى المكان كان لا حديث سوى عن جمال سلوى وانوثتها ودلالها وكان ذلك يرضى غرورها ويسعدها ، حتى جاءت ندى وخطفت منها الاضواء دون قصد ، فلم يعد هناك حديث سوى عن جمال ندى الاخاذ ورقتها واخلاقها وموهبتها الحقيقية ونجاحها المتكرر حتى ان مديرها اعتبرها اضافة رائعة للمكتب .
ابتسم المدير قائلا ليحييها ” اهلا ياندى ..ازيك ”
ردت ندى بابتسامة ” اهلا يا فندم ..تحت امرك ”
نظر المدير الى ملف امامه قائلا ” الفيلا اللى المفروص كنتى بتشتغلى فيها وبعد كدة جت منى زميلتك وكملت عشان تعبتى ”
تنهدت ندى لتقاوم اختناقا اعتراها وقالت ” ايوة يا فندم ..مالها ”
ؤفع المدير بصره اليها قائلا ” هتروحى تسلميها بكرة ”
قطبت ندى حاجبيها وقالت فى ضيق ” هيا كانت لسة متسلمتش ..المفروض منى تكون سلمتها من شهر ”
هز المدير كتفيه قائلا ” صاحبها بيقول انه عنده ملحوظات على الشغل ومحتاج اللى بدا معاه عشان يظبطها ”
تمتمت ندى فى نفسها ” حقير ” ، ماذا يريد منها مجددا ، قالت وهى تحاول اخفاء توترها ” وليه انا يافندم انا عندى شغل تانى مرتبطة بيه ..منى تروح تخلص هيا ”
نهض المدير من مكانه قائلا ” ندى ..انتى موهوبة ومحدش يقدر يقول حاجة فى ده ..لكن شغل بالطريقة دى مش نافع ابدا ..العميل ده شغله اتعطل اكتر من مرة بسببك ..ولو هنتكلم فى الصح ..اه انتى اللى المفروض تروحى تسلمى عشان دى كانت مسئوليتك وشغلك انتى من الاول ..وكمان الفيلا لازم تتصور ولا نسيتى الشغل يا باشمهندسة ؟؟
اخذت ندى تعض على شفتيها فى غيظ وهى تحاول الهرب دون جدوى وقالت ” يا فندم بس انا فعلا عندى شغل ومش ...“
قاطعها المدير فى حدة وهو يقول ” انتى ناسية انى انا هنا المدير ولا ايه ..كلامى يتنفذ ومتخلنيش اندم انى لاول مرة شغلت حد بناء على ..“ وقطع حديثه فجاة وهو يزفر فى ندم ، ولكن ندى لا حظت هذا فقالت وهى تحتضن الورق الذى بيدها ” بناء على ايه يافندم ..مش فاهمة ؟؟“
جلس المدير على كرسيه فى توتر وهو يحاول ان يجد مخرجا ، فلاحظت سلوى ذلك وارادت ان تستغل الفرصة لازعاج ندى فقالت ” بناء على توصية يا انسة ندى ” وابتسمت فى خبث وهى ترفع حاجبيها لتغيظها ، ضرب المدير بيده على المكتب وقال ” سلوى ..اتفضلى على مكتبك ”
ابتسمت سلوى فى ظفر ونظرت الى ندى التى كست ملامحها الصدمة وذهبت ، وبمجرد ان اغلقت الباب وجهت ندى سؤالها مباشرة الى مديرها ” توصية ايه يا فندم ...انا قدمت السى فى بتاعى زى اى حد ”
ابتسم المدير محاولا اخفاء توتره وقال ” سيبك منها يا ندى ..المهم دلوقتى هتروحى تشوفى العميل وتخلصينا من القصة دى ”
نظرت له ندى نظرة طويلة متمعنة علمت بها انه ل يخبرها ابدا وهى بطبعها لا تحب المناقشات الطويلة ، حاول المدير التهرب من نظراتها فقال بصوت حاول ان يجعله صارم ” يلا يا ندى ..اتفضلي شوفى شغلك ”
هزت ندى رأسها وتركته وعرفت ان الاجابة ستجدها عند التى تطالعها بنظرات لاتفهم لها معنا هذه ، اقتربت منها وقالت وهى تضع اوراقها على مكتبها بينما تتظاهر الاخرى بالانشغال فى العمل ” توصية ايه بقا اللى بتتكلمى عنها ”
ابتسمت سلوى فى سخرية ودون ان ترفع نظرها من على حاسوبها قالت ” مش قالك مفيش توصية ..صدقيه ..صدقى انك اشتغلتى فى اكبر مكتب لهندسة الديكور فى مصر عشان خاطر موهبتك اللى مكانش شاف منها حاجة ..واترفض ناس اكبر منك واكتر خبرة ”
ووضعت يدها على خدها وهى تزمر شفتيها فى دلال قائلة ” وكل ده من غير توصية ..اصل زاعقلك نبى ” وضحكت فى استفزاز لتغيظ ندى ونجحت بالفعل فقالت ندى فى غيظ ” التوصية دى من مين ”
دققت سلوى النظر فى ملامح ندى لتستمتع بغيظها وقالت ” من ادهم الالفى ..سليل عيلة الالفى واخو ايمن الالفى اكبر رجل اعمال فى مصر ..مكتبنا بيشارك فى ديكورات فنادقهم وشركاتهم وادهم جه هنا للمدير ووصى عليكى واكد عليه انك متعرفيش حاجة عن الموضوع ده ..وعشان كدة لما المدير وقع بلسانه كان شكله زى ما انتى شايفة ..خايف يخلف بوعده معاه ويخسر شغله مع مجموعتهم ..افتكر كدة فهمتى ” ، جلست ندى فى صدمة ، ادهم من جديد ، يساعدها دون ان تدرى ليحقق احلامها ، يفعل ذلك دون ان يهتم ان تعرف او لا ، دون ان يتصيدها فرصة لتعزيز مشاعرها نحوه ، لو لم تخبرها سلوى لما عرفت ابدا ، اى حب هذا ، بل اى رجل هذا ؟؟، هل كل هذا الحب لها وبين يديها ، شعرت بندم على كل لحظة قست عليه فيها وحاولت الابتعاد عنه ، وفجاة ابتسمت ونهضت وهى تجمع اوراقها ولم تِشأ سلوى ان تخرج هكذا دون ان تعطيها باقى نصيبها من الازعاج فقالت ” هتروحى للعميل ...لسة بتشتغلى بقالك كام شهر وبتتطلبى بالاسم ..مواهب فعلا ” قالتها وهى تنظر لندى من اعلى واسفل فعادت ندى اليها واستندت بكفيها على المكتب وهى تقول ” هيا فعلا مواهب والا مكانش زمانك قاعدة لحد دلوقتى هنا ” ونهضت وقبل ان تفتح سلوى ثغرها قالت ندى بلهجة تعرف جيدا طريقها الى عقل مثل عقل سلوى ” اه وبالمناسبة ..الرائد .ادهم الالفى سليل عيلة الالفى ...وصاحب مجموعى الالفى ” واصلت فى نظرة انثوية متحديه ” يبقى خطيبى ” وتنفست بعمق وهى تنظر لها شذرا وذهبت بابتسامة على ثغرها وهى تتعجب من هذا الفخر الذى يعتريها فى كل مرة تخبر احدا ان ادهم خطيبها.
تذكرت احمد وان عليها الذهاب بناء على اوامر مديرها ، لا تريد لشخص ان يظن ان علاقتها بادهم هى سر استمرارها فى العمل ، ولكنها فكرت ولما لا ؟؟؟، هلى لازالت تخشى مواجهته ؟؟، ربما كانت فرصتها لتثبت انه لم يعد شىء بالنسبة اليها ، بامكانها ان تعرف الى اين تتجه مشاعرها الان ، اتخذت قرارها ، ستذهب اليه
