اخر الروايات

رواية حصنك الغائب الفصل الرابع عشر 14 بقلم دفنا عمر

رواية حصنك الغائب الفصل الرابع عشر 14 بقلم دفنا عمر



                                    
الفصل الرابع عشر
----------
عطر بتحبك! 

+


دهشة جمة طغت  علي  وجهه هو يطالع صديقه بصدمة احتلته،  والكلمة يدوي صداها بتلابيب عقله وگأنها إشارات متتابعة لتصنع ما قاله أحمد الذي استنكره يزيد وهاجمه مستنكرًا:  أنت بتهزر يا أحمد؟! بتحب مين؟! دي بنت خالتي و أختي ،د يا ابني دي نتربية على ايدي! 
احمد ساخرا:  مربي ازاي؟" هو عشان لاعبتها مع جوري خلاص؟ 
بينكم سبع سنين مش عشرين سنة، فرق طبيعي جدا، وصدقني البنت دي بتحبك وكانت غيرانة عليك من خطيبتك الأولى .. واحلفلك إن علاقتها بيها كانت هشة.. صح ولا لأ؟

+


لقطات سريعة مرت بعقل يزيد تؤيد رهان صديقه، وبصمته حصل أحمد على إجابته، فواصل: 

+


شوفت.. ولسه لو فضلت تحلل كلامي هتلاقي ميت إثبات يوصلك نتيجة كلامي! 

+


أصر يزيد بمعاندة افتراضه: أحمد بلاش هبل. وأفرض يا سيدي كلامك صح؟ دي مجرد مشاعر مراهقة مؤقتة وهتنتهي.. ده غير انت عارف كويس قلبي وعقلي فين؟

+


_ قلبك وعقلك ضالين الطريق يا صاحبي،.. عشان كده أنت تايه ومش مرتاح.. الحب مشاعر متبادلة هات وخد.. انت اديت لبلقيس كتير بس عمرك ما أخدت منها مقابل يروي عطش مشاعرك ناحيتها..وتحسسك بالفرحة، بالعكس عمري ماشوفت وشك منور وعنيك بتلمع لمعة العاشق الشبعان..وده مش عيب بلقيس.. بس هي كمان عمرها ماحبيتك! 
صمت يراقب وجهه الشارد فتابع: 

+


مش كل الأماني بتبقى خير لينا ولا كل الطرق اللي مشيناها بتكون صح.. وارد تمشي طريق وتكتشف في أخره انه غلط.. والصح ترجع تاني تدور على اتجاه يوصلك للي تستحقه.. مش تفضل واقف ولا طايل ترجع ولا عارف تكمل، مؤشر بوصلتك في اتجاه تاني وانت عامل نفسك مش شايف! حاول تغير نطرتك الطفولية دي لبنت خالتك يمكن تكتشف اللي بتدور عليه.. بلاش تضيع الحاي في أمل جديد بردو مبني على بلقيس.. أنا عارف كويس تفكيرك واخدك لفين، وفاهم انه غصب عنك..بس لازم تقتنع ان سكتك لازم تتغير.. دور على سعادتك لأنك تستاهل كتير! أنا هسيبك تفتش جواك وتشوف المستخبي! 

+


تركه لزوبعة أفكاره الثائرة والذكريات تهطل گ قطرات المطر الندية التي أحيت وجهها الحليبي من رقاده، لتحتل مرآة خياله متذكرًا مواقفها ودعاباتها وطفولتها، وضيقها الحقيقي من بلقيس والذي لم يبرره حينها سوى بغيرة بنات عادية..لا يصدق حقًا أن عطر كانت تغار منها لأنها… ؟! تغار عليه؟؟؟

+


استنكر وهز رأسه لينسف تلك الافتراضات من مهدها..غيرتها لم تتعدى غيرة الأخت على أخيها..تلك هي الحقيقة الأكيدة وليس العكس، جوري أيضا كانت تغار عليه من بلقيس.. فجمال الأخيرة ربما أثار تلك المشاعر بشكل طبيعي..تنهد براحة خادعة وأرتاح عقله لهذا التفسير..! 
……………… 
هبت نسمات صباح اليوم التالي، فتقلب يزيد بفراشه بكسل والأرق نال منه الكثير ليلة أمس وحديث أحمد يجول صداه بحجرات عقله وتحليله لتصرفات ابنة الخالة.. كيف له ان يصل لهذا الاستنتاج؟ عطر تحبه؟!! لقد شطح خيالك كثيرًا يا صديقي ولن انشغل بهذا الأمر أكثر مما يجب! 
استغفر ربه وتمتم أذكاره ونهض يصلي ويستعد للذهاب للمنصورة! 
________________

+



                
لم يستطع منع نفسه من المرور عليها أولًا، فما أن خطت قدماه المنصورة، حتى توجه كي يرى ابنة العم ويطمئن عليها..!
………… ..

+


_يزيد؟ حمد لله على السلامة ياحبيبي! 
_ الله يسلمك ياطنط.. أخباركم إيه، وأخبار بنت عمي دلوقت! 

+


_  بخير الحمد لله.. فتسائل (ممكن اشوفها ؟)

+


هتفت:  معقول بتسأل.. أكيد ممكن يا يزيد.. لحظة بس! 

+


وتركته لتتفقدها، وبعد برهة، استدعته ليذهب إليهم..ثم تركته معها لتحضر له ضيافته بنفسها.. فولج حيث تجلس بشرفة تُطل على حديقتها.. فوجدها كما تركها.. ساكنة لا تتفاعل مع من يأتيها..تنهد وتجرع ماء حِنجرته كأنه يبتلع غصته ويهديء أنفعالاته، فمازال تأثيرها عليه كما هو ، كلما رآها ينتفض قلبه رغمًا عنه وكأنها مرض يتملكه دون أرادة.. اقترب منها ثم أجلى صوته وهو يسألها بنبرة حانية: إزيك يابلقيس!  
ولم يقاوم رغبته بإطلاق صراح تلك الكلمة بصوت  خافت:  وحشتيني! 

+


لم تستجيب.. أو تلتفت إليه! فظل يحدثها ببضعة كلمات يبثها أمله: مش هيأس إني ادعيلك في كل صلاة إنك ترجعي تاني زي ما كنتي.. حتى لو مبقاش ليه نصيب معاكي بس كفاية عندي إنك تكوني بخير! 

+


تراقبه محتجبة خلف ستار بعيد، رغما عنها استمعت لحديثه.. مازال يزيد يحتفظ بمشاعره الصافية لأبنتها ويتعذب لأجلها..ليت أبنتها أدركت قيمة عشقه، وظلت تحت كنفه وله.. لكنها إرادة الخالق.. هو الأعلم بغيب الأمور..! 

+


تنحنحت لتعلن حضورها، حاملة بيدها ضيافته! 
فتمتم بحرج خوفًا أن تكون أنصتت لحديثه:  

+


تعبتي نفسك يا طنط.. أنا خلاص همشي، بس حبيت اطمن على بنت عمي الأول! 

+


منحته بتسامة حانية وهي تربت على كتفه: 

+


وماله ياحبيبي.. فيك الخير.. ومش غريب عليك الذوق والأصول يايزيد.. وأنا اكيد مش هعطلك انك تروح لأهلك، بس ع الأقل تشرب العصير اللي عملته ليك بأيدي! 

+


أومأ برأسه وهو يمد لها يده:  تسلم. ايدك.. أكيد هشربه.. وارتشف بعضه، ثم تسائل:  هو عمي عاصم مش هنا ولا إيه؟

+


_ هو صحي من بدري أوي، فطر مع بلقيس واطمن عليها.. وبعدين راح  عندكم عشان يشوف عمك محمد
ويتناقشوا في أمور خاصة بيهم! 

+


ابتسم على ذكر العم الغائب:  يااااه.. من إمتى ماشوفتش عمي محمد.. وحشني جدا..ياترى بقى شكله إيه دلوقت! 

+


_ أهو رجع بشكل نهائي الحمد لله.. ربنا مايحرمكم من بعض!..
_ اللهم أمين..( وتمتم بعد إنتهائه من تناول العصير)  طيب هستأذن حضرتك.. وسامحيني لو ماقدرتش اعدي تاني.. انا هقضي معاهم انهاردة وهرجع القاهرة بكرة عشان شغلي! 

+


_ ولايهمك، وكتر خيرك انك عديت علينا الأول.. متعطلش نفسك يا يزيد.. وكفاية تليفوناتك الدايمة وسؤالك عننا..!

+



        
\
          

                
بادل العمة التحية مرة أخرى، وعيناه تُشيع وجهها بنظرة أخيرة دافئة..! وبغتة تعلق بصره بشيء فتسائل: 
ليه بلقيس لابسة الجاكت الجلد ده في البيت؟.. وبعدين شكله مش بتاع عمي..؟

+


_هو فعلا مش بتاع عاصم، ولا نعرف هو بتاع مين.. كل اللي اعرفه ان يوم الحادث كان معاها والمستشفى سلمته لينا..! 

+


أردف بحيرة: غريبة، طيب بردو ليه بتلبسه؟ 
_ مابترضاش حد ياخده منها يا يزيد.. اما حاولت كذا مرة اخليها تقلعه اتمسكت بيه بشدة وفضلت ترتجف وخافت مني وبعدت عني.. تصرفات كتير لبلقيس مش قادر افسر سببها.. منهم ارتباطها بالجاكت ده والبرفان اللي كان جواه، لدرجة ان عاصم جابلها منه تاني لما لقيناها بتبص للإزازة الفاضية بحزن وكأنه زعبانة انها خلصت ..! أنا باخده وهي نايمة اغسله واحط البرفان عليه وارجعه زي ما كان جمبها بدون ما تحس!

+


لفحة  غيرة أحرقته بلهيبها وهو شارد بحديث العمة وعيناه مسلطة على بلقيس.. أو بالأحرى على ردائها الجلدي الغريب الذي تتلمس منه الأمان..وعقله يحاول تفسير تصرفها..ماذا يعني تشبثها الغريب به.. هل تعرف صاحبه.. أيعقل أن تكون مدركة لمن يخصه هو دون غيره؟

+


_ عموما مافيش ضرر انها تفضل لابساه يا يزيد مادام ده مريحها.. يلا انت ياحبيبي متعطلش نفسك عن كده.. عارفة أجازتك قصيرة ويدوب تلحق تشبع من أهلك! 

+


اخرجه صوت العمة من عمق شروده، وتمتم: 
عندك حق يا طنط.. عموما هبقى اتصل اطمن عليكم.. اسيبك في رعاية الله! 

+


_ اتفضل ياحبيبي ربنا يحفظك، وسلم على الجميع! 

+


غادرها ومازال قلبه يكابد لفحة الغيرة التي أحتلته لمجرد لمس جسدها لرداء ينتمي لشخص لا يعرفه! 
--------------------------------------

+


تبادل يزيد مع العم العائد عناق حار متمتمًا بمشاعر جارفة:  أخيرا شوفتك ياعمي.. وحشتني جدا جدا..!

+


اشتد الأخير في ضمه:  مش قدي يا يزيد.. وحشتني ياروح عمك.. طمني عليك وعلى أحوالك.. وأخبار مشروعك إيه؟

+


_ كله تمام الحمد لله.. وهنحكي في كل حاجة للصبح.. أنا محضر نفسي لسهرة طويلة معاك، ومع الكل! ثم حاد بنظرة لزوجة العم فأردف بتهذيب: 
حمد لله على سلامة حضرتك.. نورتي مصر! 

+


هتفت عبير بود:  إيه حضرتك دي.. طب قول ياطنط.. أنا مش غريبة على فكرة..!

+


مازحها " محمود" الذي دلف لتوه:  أصله شايفك صغيرة وحلوة يا ماما.. وكلمة طنط هتكبرك! 

+


نكزه أبيه على رأسه بعبوس:  اتلم يا ولد..!

+


ضحكت عبير وهتفت:  أعرفك يا يزيد بابن عمك العبقري المجنون! 

+


صافحه يزيد ثم اجتذبه لأحضانه هاتفًا من بين ضحكاته:  يا أهلا بعبقرينو.. نورت يا "جينيس"
اتغيرت خالص عن صورك اللي شوفتها..! 

+



        
          

                
تنهد گ رجل عجوز:  إيييه.. الغربة يا ابن عمي! 

+


هز أبيه رأسه بيأس، ثم تسائل:  فين زمزم تسلم على ابن عمها.. ؟
قالت كريمة التي أتت تشاركهم جلستهم:  بتلبس " مهند" وجاية حالًا..انا لسه نازلة من عندها..! 

+


بعد مضي دقائق قصيرة، أتت " زمزم" بطلة جذابة بملامح خالية من أي مساحيق وثوب فضفاض، وجمالها الناعم وهيئتها الملتزمة لفتت نظره.. وتسأل داخله متعجبًا.. رغم مكوثها بمجتمع غربي فترة ليست قليلة.. إلا أن هيئتها لا يوحي بتأثرها بتحررهن گ المعتاد..! 

+


_ حمد لله على السلامة يازمزم! 
أجابت تحيته مبتسمة برصانة:  الله يسلمك يا يزيد.. أخبارك إيه يابشمهندس؟
_ تمام والله الحمد لله.. نورتم مصر.. ثم نظر للصغير الذي تحمله، ومد يده دون أن تحيد عيناه عن محيا مهند:  ممكن نتعرف بالبرنس الصغير؟

+


اتسعت ابتسامتها:  ده مهند.. أربع شهور ويتم سنتين! 
تمتم بدعابة: ده بقى راجل أهو! 

+


" راجل ببرونة"

+


ضحكوا لجملة عابد الذي انضم إليهم، ثم توجه لشقيقه مرحبًا بحفاوة:  حمد لله على السلامة ياكبير وحشتني بغباء! 

+


_ وانت كمان حشني لسانك الطويل يا عبودي.. عامل إيه؟
_ الحمد لله يازيدو كله تمام.. وزي ما قولتلك.. منيمهم من المغرب

+


ضحكوا گعادتهم لمزحات عابد! واكتمل حضور الجميع.. ليمضي الوقت بينهم بأجواء حميمية دافئة يفتقدوها منذ زمن.. خاصتًا بعد أزمة بلقيس التي غيمت على سماءهم بحزن شديد!  
_________________________

+


يزيد:  بنت خالتك فين ياجوري؟ بقالي كتير ماشوفتهاش!  تقريبا من وقت مادخلت هندسة..وحقيقي وحشتني! 

+


تعجبت لسؤاله عنها، وقد ظنته لن يلتفت لغيابها المتعمد..هتفت تبرر ابتعادها: هي انشغلت بس في دراستها شويه، وكمان مش بتيجي هنا كتير عشان محرجة من وقت ما عمو محمد جه..أنا بروح عندها أكتر..!

+


أومأ بتفهم:  عندها حق هو بالنسبالها غريب.. بس أنا عايز اشوفها واسلم عليها.. وعموما كلنا هنتجمع الليلة مع بعض قوليلها تيجي لأن عايز اطمن انها ماشية تمام في كليتها ومش محتاجة حاجة! 

+


لم تستطع كبت فضولها، فتسائلت بحذر:  
ممكن اسأل سؤال يا آبيه؟
_ أسألي! 
_ هو حضرتك أخر مرة شوفت فيها عطر ما سألتش عنها ولا قلت انك عايز تشوفها غير دلوقت؟ إيه السبب؟

+


_ لأني كنت زعلان منها ياجوري، وقت ما روحت اباركلها على نجاحها في ثانوي.. اتصرفت معايا بقلة ذوق  وماكنتش عايز اكلمها لحد ما اهدى من ناحيتها.. بس بعدها انشغلت جدا في مشروعي وتركيزي كله كان فيه وبصراحة نسيتها من كتر ما دماغي زحمة بأمور كتير.. بس ده مايمنعش أنها بردو ماتهونش عليا ووحشتني جدا..ودايما على بالي! 

+


وابتسم بلمحة حنان مواصلا: بس العجيب إن الهانم هي اللي عاملة زعلانة! ومابتسألش عني خالص! الأنسة كبرت وبقيت تاخد مواقف! 

+



        
          

                
جاءتها الفرصة أخيرًا لتوصل إليه ما تريد: 
_ مش يمكن عطر زعلانة عشان بتعاملها على أنها طفلة يا آبيه؟ لحد إمتى هتشوفنا صغيرين.. احنا دخلنا الجامعة وكبرنا..وكل حاجة اتغيرت! عطر بعد فترة بسيطة هتكون زميلة ليك في نفس مهنتك.. ماينفعش تفضل باصصلها إنها صغيرة.. أكيد ده شيء بيستفزها..! 

+


رمقها بصمت متذكرًا حديث أحمد بالأمس ثم تلميحات جوري التي لم يألفها منها سابقًا
فتتسائل بحدة تعجبتها الأولى:  يعني أيه مش فاهم! وافرضي يا ستي كبرتم؟ إيه المفروض يتغير بالنسبالي؟ وليه ده يستفزها أصلا؟.. كبرت ولا صغرت هي بنت خالتي اللي في معزتك وبس! 

+


شعرت بغرابة لغضبه وبخيبة أمل شديدة بذات الوقت لنظرته التي لم تتبدل تجاه عطر..ليته يدرك خبايا الأمور ويعلم حقيقتها.. فمن يظنها طفلة.. هي أنثى كاملة تذوب فيه عشقًا وهو غافل عن  هذا العشق.. وكم يستحق كلًا منهما الأخر!..تنهدت وقررت التراجع عن الخوض بحديث ربما يكشف أشياء لا يحق لها هي كشفها..لكن طرقت عقلها فكرة ماكرة فهتفت: 
_ نسيت أقولك يا آبيه، مش عطر جالها عريس زميلها؟
انقلب وجهه ليرتسم عليه دهشة. ممزوجة بضيق مستنكر:  نعم؟ عريس ده إيه دلوقت؟ دي لسه مخلصتش جامعتها..وبعدين ازاي انا معرفش حاجة زي دي عن عطر؟
تمتمت بمكر: ماهو ما اتكلمش بشكل رسمي، ده وقفها في الجامعة وفضل بقولها ازاي معجب بيها وبأخلاقها وذكائها وجمالها وانه من عيلة كبيرة أوي.. وكمان جابلها هدية و……… .

+


صاح بغضب:  هدية؟؟؟ كمان؟ يعني مش كفاية سابته يكلمها وبتغزل فيها، توصل يهاديها ومافيش بينهم حاجة أصلًا؟! 

+


ابتسامة ماكرة حاولت جوري طمسها وانتعش داخلها الأمل وهي ترى لمحة غيرته: وايش عرفك إن مافيش حاحة يا آبيه؟ وبعدين ده طبيعي يحاول يتودد ليها ويلفت نظرها.. وده مش أول ولا أخر واحد هيحاول يكلم عطر.. ثم أكدت على جملتها التالية: 
لأنها كبرت وبقيت شابة جميلة كله يتمنى وصالها..!
وأنا بصراحة هحاول اقنعها بيه لان شايفاه مناسب، إيه رآيك يا آبيه؟ 

+


نهرها بحدة: رآيي تخليكي في حالك وماتدخليش في حاجة ماتخصكيش  ياجوري، مافيش جواز لحد فيكم من دلوقت! لسه بدري على المواضيع دي! 
هتفت بخبث: هو. حضرتك اضايقت ليه لما قولت ان حد كلم عطر عشان يخطبها؟ مش هي زي اختك وتفرحلها بردو؟

+


المشكلة انه خقًا لا يدري سبب ضيقه، لكنه هتف بكبرياء: ومين قالك اضايقت، بالعكس يوم مايحصل انا اللي هسلمها لعريسها، بس كل الحكاية إن لسه بدري على الجواز.. وبما اني بعتبرها زيك فأنا هخاف على مصلحتها طبعا..! 

+


جزت على أسنانها وهي تغمغم. لنفسها بخفوت(  بردو هيقولي بعتبرها زيك. أنا هتشل منك وربنا يا آبيه)

+


_ بتقولي حاجة ياجوري؟

+


ضحكت ضحكة صفراء:  لا يا آبيه مابقولش.. عموما هتصل بيها واعرفها انك سألت عليها وعايز تشوفها..! 

+



        
          

                
_ لأ.. أوعي تعرفيها إني جيت؟
تعجبت:  ليه يعني؟
_ لأني رايح عندهم دلوقت أسلم على خالتي والكل وأكيد هشوفها، خليها مفاجأة يعني! 
هتفت بمرح:  طب أجي معاك! 
_ لأ ياجوري بعدين روحي انتي، أنا مش هغيب، عايز اجي انام شوية عشان اقدر اسهر معاكم! 

+


ابتسم وجهها ببراءة: ماشي، بس لازم تخصصلي وقت لوحدي، أنا محضرة مواضيع كتير عشان اناقشها معاك يا آبيه! 

+


تمتم بتهكم:  مناقشة؟ ده الموضوع كبير بقى.. خلاص بالليل يا زئردة.. يلا سلام! 
_______________________

+


عبر البوابة فوجد العم ناجي، يساوي بعض الحشائش بمقص كبير فألقى التحية: السلام عليكم يا عمي.. أخبارك إيه؟
تهلل وجه ناجي ما أن رآه وتمتم بحفاوة:  يزيد؟ يا أهلا بالغالي، اتفضل ياحبيبي. عامل إيه طمني عليك
_ بخير الحمد لله.. وحضرتك؟
_ أنا كويس الحمد لله، خالتك هتفرح اما تشوفك
_ هي فين وحشتني فدوتي
جاءت خلفه تضحك:  بلاش فدوتي قدام عمك ماتجبليش الكلام ..فتمتم العم:  قوليله ولاحظوا إن في إيدي سلاح 

+


قهقهه يزيد وهو يعانقها بشوق: الطيب أحسن ياعمي ، وواصل: حبيبتي ياغالية وحشتيني! 
_ وأنت أكتر ياحبيبي، طولت الغيبة المرة دي! 
احاط كتفيها بحنان:  والله بسبب شغلي..أدعيلي ياخالتي بالتوفيق! 

+


_ ربنا يصلح حالك ويحول التراب دهب في إيديك ياحبيب خالتك! 

+


العم ناجي:  اللهم امين واستطرد:  ياسين أخباره إيه معاك؟
_ بصراحة ممتاز وفهم الدنيا بسرعة حتى المهندس احمد مبسوط منه أوي.. واستأنف:  عقبال ما عطر تنضم لينا وتكون إضافة للشركة وواثق إنها هتبقى بردو مميزة! 

+


فدوة بضيق:  لأ، بنتي مش هتشتغل بعيد عني.. إنسى! 
ناجي بمزاح:  بلاش السيرة دي دلوقت يا يزيد، خالتك هتقلب وتشغلها مناحة، لسه شوية على شغل عطر! 
ابتسم وقبل رأس خالته: هتفضلي تخافي عليها من الهوا، طب هي فين عايز اشوفها واسلم عليها

+


هتفت الخالة: هناك في الجنينة في مكانها المفضل ما انت عارف.. هتلاقيها بتذاكر بهدوء.. روحلها على ما اجيبلك حاجة تشربها..! 
…………… .
توجه بالفعل حيث توجد عطر.. أخيرًا سيراها بعد فترة طويلة احتجبت عنه برغبتها..! صار يدرك هذا، لذا لم يشأ أن تخبرها جوري بقدومه حتى لا تتوارى عنه.. فتلك المرة سيراها..ترجل بعض الخطوات  فوجدها  منهمكة برسم مخطط ما على لوح ورقي كبير وشاردة وهي تداعب شيء يتدلى من عنقها بشرود، فعبر لذهنه جملة جوري أن ذاك الشاب أهداها هدية!  هل يعقل انها هدية هذا الغريب؟ إن كان كذلك سيوبخها بشدة.. فاقترب بوجهٍ عابس من مسار أفكاره وبدون إنذار صدح صوته الذي أجفلها:  عطر! 

+


عبرت ذبذبة صوته جوارها گ ماس كهربائي، فارتجفت على أثر مباغتتها بوجوده، ولا تدري كيف فقدت توازنها ومالت للخلف قليلا وكادت أن تقع لولا أن وضع ساعده گ حاجز صد يحيل وقوعها، لكنها تمالكت نفسها واستدارت بوجهها تطالعه ببلاهة وفمٍ منفرج وعين متسعة وهي ترى مظهره الجديد الجذاب وثيابه الأنيقة وأكتافه التي ازدادت عرضًا..لقد أصبح وسيم أكثر في عينيها المسحورة وهي تطالعه..! 

+



        
          

                
أما هو فكانت عيناه مسلطة على سلسالها..! 
ظن أنه هدية من غريب.. لكن ما أن تمعن به حتى أدرك أنه سلساله هو.. وهديته لها يوم نجاحها.. كان يعتقد انها أضاعته بين الحشائش ولم تبحث عنه.. لكنها عثرت عليه واحتفظت بهديته.. بل الأكثر أنها كانت تتأملها بشرود.. تُرى هل كانت تفكر به تلك اللحظة.. غزاه شعور غريب لأول مرة يتذوقه!  لم يعتاد أن يؤثر بأحد بهذا الشكل، عبر بعقله بذات اللحظة رؤيته لبلقيس وهي تتشبث وتحتمي بمعطف ينتمي لغريب، بينما عطر تتلمس ذكراه من سلساله! لن ينكر الآن انتشاءه الرجولي الذي ملأؤه وأرضى غروره! وجدها مازالت مآخوذة بمجيئه المباغت وتتأمله ببلاهة محببة اشتاقها كثيرا.. كل شيء من تلك الصغيرة اشتاقه! 

+


طالعها بدوره متفرسًا بها دون إرادة وكأنها تبدلت لأخرى مغايرة لتلك التي كانت تتسلق الأشجار وتقطف الفواكه.. أما التي أمامه فأضحت تضخ أنوثة كاملة رغم احتفتطها ببراءة ملامحها وبشرتها الحليبية..! لكنها حقًا كَبِرت وأينعت گتلك الأزهار الجميلة خلفها.. 

+


انتبه سريعًا لتفرسه بها وهذا لم يعد يصح ولا يليق، وقد بدأ يرتفع حاجز من المحاذير بينهما لم يكن موجود من قبل.. شيء ما تغير لا يدرك طبيعته.. لكن الأكيد أن التعامل بنفس العفوية لم يعد لائق مع تلك الأنثى الجديدة أمامه.. وضحك داخله وهو يغمغم(  انا لو عاملتها انها لسه طفلة هتتجنن، لازم اسمع نصيحة الزئردة  جوري واغير طريقتي معاها يمكن ده اللي مزعلها فعلا)..!

+


أما هي تذكرت بغتة سلساله فاستدارت ودثرته سريعا داخل كنزتها وحاولت استعادت اتزنها أخيرًا محاولة لملمة شتات روحها التي تبعثرت برؤيته..وهي لأول مرة تراه بهيئته الجديدة، دون نظارته الطبية، وخصلات شعره المتلعبكة والملتوية گ الدوائر الصغيرة، ولحيته التي نمت قليلا وتهندمت.. صار بطلة مهلكة لها..!

+


وصلها تمتمته المرحة:  أخيرًا شوفتك يا قردة! 

+


أعادتها جملته لواقعها وإدراكها بمكانتها لديه.. مازالت تلك الصغيرة بنفس لقبها لديه.. تجرعت ريقها وأخفت غصتها واستدارت تواجهه بنظرة تشع ثقة وقوة مردفة بصوت جامد:  إزيك يا ابن خالتي؟
ابتسم لحديتها الحدي والغير معهودة:  الله يسلمك يا بنت خالتي..  من إمتى كنتي قاسية كده ياعطر؟ نسيتي يزيد؟

+


قابلت عتابه داخلها بألم، وهل يؤرق نومها ويعكر سلامها سوى أنها لا تنساه؟! تمتمت بنفس النبرة: 
أكيد لأ، بس مشغولة في دراستي..وياسين بيقولي انك بخير! 

+


شملها بنظرة تقيمية وكل ما بها بدا مختلفًا..نظرتها، صوتها.. كيف تعلمت ان تتكلم بهذا البرود.. أين الدفى والرقة وهي تحادثه، أين لهفتها حين تراه؟ 

+


تمتم:  ممكن اعرف ليه بتهربي مني ومش حابة تشوفيني؟ إيه مزعلك مني.. انا ماعملتش حاجة تزعلك، إنتي عارفة معزتك عندي كويس! أنا صحيح انشغلت في شغلي وماسألتش عنك فترة كبيرة بعترف، بس بعدها سألت كتير عنك! 

1



        
          

                
رمقته بنظرة شابها العتاب، فازداد حيرة.. لما تعاتبه، فقال: فهميني طيب زعلانة ليه؟
أعطته ظهرها وتظاهرت بعودتها لمخططها على اللوح الورقي:  مين قال زعلانة.. قولتلك مشغولة في دراستي، زي ما انت شغلك مشروعك بالظبط.. كله عنده اللي ياخد وقته.. يبقي ليه العتاب! 

+


مازل جمودها وبرود صوتها يضايقه، لكنه تمالك نفسه وقرر أن يذيب سياج ثلجها الذي لم يعتاده قبلًا، وحاد بنظره لرسمتها وقال:  طب وريني بتعملي إيه! 
وتأمل ما فعلت بإعجاب حقيقي هاتفًا: ما شاء الله.. ممتاز.. هتكون ليكي بصمة مميزة بجد في التصميم.. وواصل: ومنتطرك تنوري الشركة وتملي مكانك فيها..! 

+


_ ومين قالك هشتغل معاك؟

+


حدجها بدهشة حقيقية:  نعم؟ يعني إيه؟! مش عايزة تشتغلي معايا ياعطر؟ أمال جنابك عايزة إيه؟

+


هتفت ببساطة جعلته يستشيط: هشتغل هنا، في ميت  أختيار.. مش لازم معاك.. ماما أصلا مش حابة ابعد عنها؟

+


كتف ذراعيه وهتف متهكمًا: ياسلام.. من إمتى الطاعة العامية دي؟ وليه تشتغلي عند غريب واحنا موجودين.. هو "عند" وخلاص يا بشمهندسة! 

+


_ ولا عند ولا حاجة.. ده قراري في الأخر.. اشتغل معاك.. اشتغل مع غيرك.. أنا حرة! 

+


" اشتغل مع غيرك" 

+


جملة أحنقته وأفقد تهكمه وهدوءه بعض الشيء: 
بصي عشان ما ازعلكيش تاني.. أجلي النقاش في الموضوع ده.. بس مبدئيا شغلك عند الغريب مش مسموح ياعطر! 
ثم تذكر أمر خطبتها فقال: وبعدين إيه حكاية الشابب اللي كلمك عشان يخطبك؟ أظن مايصحش تخلي حد يكلمك يسمعك كلام فارغ! 
سبقها غضبها وهتفت:  يزيد أنا مش محتاحة تعرفني اتصرف ازاي مع زميل بيكلمني، أنا قادرة اوقف أي حد عند حده، بس هو ماحصلش منه تجاوز، هو عرض رغبته وانا رفضت وخلصنا.. واستطردت بنفس الحدة: و مش انت اللي تسمحلي فين اشتغل انا والدي موجود هو بس صاحب الرآي النافذ عليا، انما انت مش مسموحلك بأكتر من نصيحة.. وأنا اقبلها أو ارفضها ده يرجعلي في الأخر! 

+


صمت يطالعها بجمود وداخله يغلي غصبًا لعنادها المستحدث وعدم طاعتها گ السابق.. عطر تغيرت.. لم تعد الصغيرة التي تفعل كل ما يقوله دون نقاش.. ربما لم يعد مهم لديها.. حتى وإن احتفطت بسلساله! 

+


قال ببرود وهو يهم بالمغادرة: 
_ عندك حق يابنت خالتي.. أسف إني نسيت نفسي وعاملتك زي الأول بنفس العشم.. عموما ربنا يوفقك في اللي تختاريه! 

+


خطى سريعا حتى لا يحجم ضيقه، فركضت خطوات سريعة وناداته بصوت لين:  يزيد! 

+


وقف دون أن يستدير وهتف ببرود مقتضب:  نعم..!
شاب صوتها بعض الخجل:  خليك دقايق هجيب حاجة واجي
اختفت دقائق معدودة ثم عادت حاملة حقيبة ملونة وتمتمت بخرج وهي تتجنب النظر له:  كل سنة وانت طيب.. عيد ميلادك الأسبوع الجاي.. وانا قلت اشتري هدية وكنت هسيبهالك مع جوري.. بس مادام جيت خدها بنفسك! واستطردت بعتاب خفي تذكره بموقف مشابه : أو ارميها زي المرة اللي فاتت! 

+



        
          

                
همت بالابتعاد فأوقفها:  استني! 
وشرع بفتح هديتها، فوجد مجموعة من رابطات العنق بألوان جذابة، فتمتم بانبهار: 
بجد ذوقك روعة.. أحسن من ذوق أحمد صاحبي! 

1


دائما ما يتفنن بجمل ذات معاني متضادة.. أولها يصيبها بالسعادة، وأخرها يحبطها.. هل يشبه ذوقها بذوق رفيقه؟ لما لم يترك الجملة لها وحدها.. يكفي ان يمدح ذوقها ويصمت!  لكن لن يكون يزيد إن لم يفعل.. فقالت بتهكم طفيف:  كتر خيرك! أنا كده هتغر والله! 

+


ابتسم رغم فطنته لتهكمها الذي اخرجها من قوقعة برودها لعفويتها المحببة، وقال بمشاعر صادقة: بجد شكرا إنك افتكرتيني ياعطر.. هديتك غالية عندي وأكيد هلبسها وابعتلك صورتي بيها..! 

+


رمشت بتأثر وقلبها يطرق بعنف، لكنها تمالكت زمامها وقالت: العفو يا ابن خالتي! 
_ ماشي ياستي.. ابقي ردي على ابن خالتك اما يتصل بقى.. مش هسامحك لو اتجاهلتي الرد عليا مرة تانية!

+


ومضى في طريقه بعد أن أخبرها أن تأتي تشاركهم سهرة المساء.. ويدري أنها ربما لن تأتي.. ولكن لا يهم.. مادام قد رآها واطمئن عليها..!
______________________

+


مضت سهرتهم العائلية بعد كثير من الثرثرة والأحاديث الودودة.. وصعدا الجميع لينعم بنوم هاديء بعد فراغ تجمعهم المبهج الصاخب بحكاوي ممتعة بينهم..أما يزيد، فأنهي اتصاله الهاتفي مع رفيقه " أحمد" ليطمئن على سير العمل.. فجافاه النوم لبعض الوقت، وقر السير قليلًا بالحديقة حتى يأتيه النعاس.. هبط يخطو بتروي واستمتاع، متلقفًا وجهه نسمات منعشة بهذا التوقيت، وأثناء ترجله البطيء، لمح جوري جالسة بجوار محمود تحدق في شاشة الحاسوب ببلاهة يعرفها عندما يستعصي عليها فهم أمرًا ما.. عادتًا يُضحكه مظهرها بتلك الحالة.. لكن على غرار ذلك عبست ملامحه قليلا، وتلقائيًا أبصر ساعة هاتفه فوجدها تخطت الواحدة بعد منتصف الليل! 

+


خطى إليهما، وألقى التحية:  السلام عليكم.. إيه مصحيكم لدلوقت؟

+


ردد جوري ومحمود التحية ثم  أردف الأخير ببساطة:  جوري طلبت مني افهمها حاجات تخص برامج الكمبيوتر ومش عارفة تتعامل معاها.. مع شوية حاجات كده بعلمهلها..! 

+


جوري ببراءة غير واعية لنظرات " يزيد"  الغير راضية: ده انا طلعت ميح يا آبيه، محمود ابن عمي عبقري فعلا.. وانا ناوية استغله بصراحة! 

+


ابتسم ابن العم: لا براحتك خالص أي سؤال أنا موجود! 

+


تمتم. يزيد برزانة دون كشف حنقه من شقيقته:  شكرا يامحمود.. بس أكيد جوري صدعتك منا عارفه.. عموما الوقت اتأخر اوي.. كفاية كده وبكرة كملوا.. حتى نكون كلنا مع بعض يمكن حد تاني يحب يستفيد منك! 

+


لم يفطن محمود لباطن مايقصده يزيد وهتف مبتسمًا:  مافيش مشكلة، اللي عرفته الليلة دي كافي عشان تستوعب أصلا، وبكرة نكمل!  

+



        
          

                
جوري:  خلاص اتفقنا..يلا تصبحوا على خير! 
………… 
سار يزيد بجوار محمود داسًا كفيه بتجويف بنطاله، متسائلا:  عمي محمد قالي إنك عايز تعمل مكتب محاسبة وبرمجيات خاص بيك!  

+


احابه بحماس: فعلا.. لأن ده المجال اللي بحبه وهسيب فيه بصمة.. أنا ماليش في الزراعة والأراضي.. مش ميولي ابدا..! 

+


وافقه بإماءة ونظرة مفعمة بالإعجاب: هايل يامحمود إنك تحدد بالظبط بتحب إيه وتشتغل فيه، وتُثقل كل ده بدراسة وكورسات.. أكيد النتيجة هتكون ابداع وبصمة وتطوير.. وإن شاء تحقق حلمك وترفع إسم عيلة أبو المجد في العالي أكتر وأكتر ..! 

+


محمود:  إن شاء الله! 

+


ربت على كتفه:  ربنا يوفقك ياعبقري.. هسيبك وتصبح على خير! 
_ وأنت من أهله! 
______________________

+


طرق طرقتين فسمع صوت شقيقته تسمح بالدخول، فولج إليها:  قلت الحقك قبل ما تنامي! 

+


اعتدلت جوري:  لا مش نمت يا آبيه، كنت ببص على الفيس شوية..!

+


هز رأسه قليلا وأردف بعتاب:  على فكرة انا زعلان منك! 
هتفت بإنزعاج حقيقي وهي تشير لصدرها:  زعلان مني؟ ليه؟ أنا عملت إيه طيب؟
_ الساعة كام دلوقت ياجوري؟
هتفت دون انتباه لمقصده:  تقريبا 2 يا آبيه! 

+


أردف مؤنبًا:  وينفع في التوقيت ده تكوني قاعدة مع محمود في الجنينة لوحدكم؟

+


قالت ببراءة:  طب وفيها إيه يا آبيه، أنا كنت بسأله على حاجات مش عارفاها لما لقيته قاعد في الجنينة ومعاه اللاب توب.. ده ابن عمي مش غريب! هو غلط اسأله عن حاجة مش فهماها..! 

+


_ لأ طبعا مش غلط تسأليه لأنه فعلا بارع في الجزئية دي..وتقعدي معاه عادي لأنه ابن عمك.. بس وسط تجمع الكل وفي توقيت معقول والكل حواليكم رايح وجاي، بدون أي خلوة..مش قرب الفجر لوحدكم..والكل تقريبا نايم.. وبعدين لبسك ده لازم يكون مناسب أكتر من كده مادام ابن عمك هنا! 
هتفت:  أنا بلبس حاجات مريحة في البيت، امال اعمل إيه؟

1


_ تلبسي المناسب قصاد أي حد ماينفعش تظهري قدامه بلبس شيء ضيقة.. البسي اسدال مثلا! 
اعترضت: إسدال إيه إيه يا آبيه.. ده انا لو مشيت بيه خطوتين اتكفي على وشي والكل هيضحك عليا..!

+


قاوم ابتسامة داعبت شفتيه لمجرد تخيل بنيتها الهزيلة القصيرة تلك وهي تتعرقل بأطراف أسدالها.. هي بالفعل تحدث معها مثل تلك الأشياء، تقع كثيرًا في المعتاد، فتمتم بجدية زائفة:  خلاص اختاري اي لبس واسع لحد ما محمود يروح بيته مع اسرته.. واياك بعد كده تسهري معاه بالليل لوحدكم.. انا بحذرك يا جوري تخالفي اللي بقوله! 

+


مطت شفتيها بوجه عابس:  حاضر حاضر! 

+


ثم اطلقت اعتراض أخر بشكل طفولي: 
على فكرة.. أنت واخوك عابد بتغيروا بشكل مش طبيعي.. الله يكون في عون اللي هتتاخدوهم يا آبيه.

+



        
          

                
رمقها برهة، ثم ضحك وهو يضعها تحت إبط ذراعه بمزاح:  وانتي مش عاجبك ياقصيرة انتي! 

+


حررت رأسها هاتفة بحنق:  انا مش قصيرة ..انتو اللي طوال زيادة عن اللزوم يا آبيه، ودي مش مشكلتي! 

+


رفع حاجبيه بمشاكسة: يعني العيب فينا يا أوزعة؟

+


عبست مرة أخرى:  الله يسامحك.. بكرة تتجوز واحدة قصيرة بردو..! 
صمت قليلا، فراقبته جوري وعلمت مسار أفكاره، فربتت على كفه بحنان: أنا متأكدة يا آبيه إنك هتاخد نصيبك السعادة اللي تستاهلها.. وواصلت بغموض: بس انت ركز شوية..يمكن سعادتك قدامك وانت مشغول عنها بحاجة تانية.."

+


شعر بعموض جملتها:  مش فاهم..!

+


هتفت:  لا ما تحطش في بالك يا آبيه.. هما القصيرين كده ساعات بيقولوا كلام غريب! 

+


ظل محتفظًا بملامح المتعجبة، ثم انفجر ضاحكًا حين استوعب دعابتها.. وضمها إليه وقبل رأسها: 
والله وحشني كلامك السكر زيك يا جوجو.. ماتيجي تقضي معايا اسبوع في القاهرة وأخرجك كل يوم هناك وابسطك! 

+


هتفت بحماس:  بجد؟ خلاص خليك عند وعدك.. في اجازة الجامعة السنادي هنزل افضل معاك شوية، ويمكن تكون عطر معايا.. قالتلي مرة هتنزل لجدها وجدتها وعمتها في الأجازة بردو..! 
_ ماشي ياستي بس المهم الست عطر ترضى عننا بدال منا حاسسها زعلانة مني كده! 

+


هتفت بغموض خبيث: 
معلش، هي مش طفلة في نظرك.. أتحمل بقى دلال الأطفال يا آبيه! لحد ما تقتنع إنها كبرت.. ساعتها بس المسافات هتقل بينكم وهي هتعاملك بشكل مختلف..! وأنت كمان هتعاملها بشكل تاني! 

+


ارتسم على وجهه معالم الغباء وهو يغمغم: 
نعم؟! هو انا ليه حاسس إني تايه وانا بحاول افسر كلامك الغريب واربطه ببعضه.. مسافات أيه واقتنع بإيه؟.. انتي بتتكلمي كده ليه يا بت انتي ما تخليكي واضحة انا مش فاهم انت عايزة تقولي أيه.. في حاجة معينة مزعلة البرنسيسة بنت خالتك وانا معرفش؟ 

+


هتفت بيأس: ولا حاجة يا آبيه.. أنسى وماتحطش في بالك..وكأني ما قولتش حاجة.. ولا تزعل نفسك يا كبير! 

+


تمتم بعد نهوضه استعداد للذهاب لغرفته: 
ده اللي هعمله انا دماغي مش ناقصة ألغاز..تصبحي على خير بقي، خليني اروح انام، عايز اصحي بدري اقعد معاكم اطول وقت ممكن عشان هرجع القاهرة بالليل بأذن الله! 

+


هتفت برجاء:  ماينفعش تفضل يومين كمان؟ والله ما لحقت اشبع منك!  
داعب شعرها:  صعب حبيبتي، عندي شغل كتير.. هبقي اجي تاني قريب ماتقلقيش.. يلا اسيبك بقى! 

+


شيعته بنظرة محبة متمتمة بخفوت بعد مغادرته: 

+


ربنا يريح قلبك ويرزقك السعادة اللي تستاهلها يا آبيه! 
____________________________
اليوم التالي! 
_ خليك لبكرة ياحبيبي، مالحقتش تشبع منك يا يزيد! 
لثم كفها:  معلش يا أمي عندي شغل والله يدوب اسافر عشان اوصل في وقت مناسب..!

+



        
          

                
ابتسمت برضوخ:  خلاص ياحبيبي ربنا يصلح حالك ويبعد عنك كل سوء..
_ مايحرمنيش من دعواتك يا أمي، افتكريني دايما كده بالدعوات دي
_ مس بنساك، دايما في قلبي وعقلي مكانك محفوظ يا يزيد! 
_ ياسيدي إيه الكلام الجامد ده، ثم غمز بعيناه: 
أمال بتقولي إيه للحج دومي
نكزته على كفه:  أختشي يا واد عيب! 
ضحك وضمها قبل مغادرته:  ماشي ياكيما هختشي! 
وغادر وهي تشيعه بلسان يدعوا وقلب يتمني له الخير والتوفيق!  
_________________________

+


يراقب مراسم زفافه وكأنه لا يخصه.. شارد الذهن مُترع بالهموم مستسلم لقدره..ووالدته التي كانت مريضة منذ أيام، تتحرك گ الفراشة بجميع الزوايا، مستقبلة المدعوين. بابتسامة تملأ ثنايا وجهها الذي أشرق بسعادة لا يخطئها راءي، أما شقيقه " أيهم" فانتقى له بدلة أنيقة وأحضر متخصص لهندمة هيئته فتجلى عليهم بوسامة لفتت الأنظار إليه

+


أختلى بنفسه يطالع وجهه بالمرآه.. ليجد شابًا بقدر هائل من الوسامة حقًا..وتسائل، كيف كانت حياته من قبل؟ هل كان عابثا متعدد العلاقات مع لفتايات.. أم كان خلوقًا لا يقترب من تلك الذنوب..؟ لا يكف عقله عن التسائل عن كيف كان يحيا..ومتى سيتذكر كل شيء.. أخبره الطبيب انه. ربما يظل سنوات لن يتذكر شيء والأفضل له التأقلم على تلك الحياة بدلا من انتظار يأكل حاضره.. على الأقل هناك حقيقة دامغة ولايمكن تجاهلها.. وهو انه الآن بين اهله الحقيقين.. مع من يعرفونه.. وليس مجهولا.. لما لا يترك تساؤلاته ويرضخ لواقعه.. ربما بناء أسرة مع فتاة تحبه، يكون افضل شيء يفعله..!

+


" يلا يا رائد استعد.. هنروح نجيب عروستك"

+


هكذا قطع صوت أخيه وصلة شروده، فهز رأسه:  أنا جاهز يا أيهم! 
………………… ..

+


هل هناك فرحة تضاهي فرحتها الآن؟
أصبحت عروسه.. أضحت زوجته.. وحاضره ومستقبله.. ستشاركه كل شيء.. كما شاركته طفولتها ومراهقتها وحبها الخفي له.. ها هي تشاطره كل شيء
ستكون له السكن والجنة والحنان والآمان ..ستمثل له كل شيء يريده.. ستعرف كيف تخترق حصون قلبه وتتربع على عرشه دون منازع.. هي رودي حبيبة رائد! 
……… ..
_العريس جه يا رودي! 

+


استدارت لوالدتها التي اتسعت عيناها انبهارا بجمال ابنتها وفستناها الأبيض الملائكي وهتفت بعاطفة أمومية جياشة:  بسم الله ما شاء الله يا نور عيني، إنتي بقيتي حميلة أوي.. ربنا يحميكي ويسعدك! 

+


اقتربت رودي منها بعين دامعة وتمتمت بتأثر: 

+


شكراً أنك بعد رحيل بابا عننا. كنتي جمبي رغم رفضك لرائد، أول مرة احس انك محترمة مشاعري!  صدقيني يا ماما انا هكون سعيدة مع رائد..
طالعتها لنظرة أكثر حنان وهتفت: 
_ أنا بحبك اوي يا ماما..!

+


بكت الدة رودي واجتاحتها مشاعر قوية بضم صغيرته التي اضحت أمامها الآن عروس جميلة! وتمتمت:  وانا مش بس بحبك.. أنتي نبض قلبي! 

+



        
          

                
ثم جففت دموعها وهتفت من بين بكائها:  يلا يانور عيني، عريسك مستنيكي برة.. ثم شاكستها:  
وليكي حق تحبيه.. الواد زي القمر! 

+


ضحكت رودي بعين دامعة واحتضنتها مرة أخرى.. وخطت معها خطى خجولة سعيدة متلهفة لرؤيته.. ولعناق عيناه التي ستكتحل بها ما بقي لها من عمر! 
____________

+


أمام مركز التجميل! 

+


لم يغادر السيارة، وظل " أيهم" ملتزما الصمت يراقب أخيه.. ربما الآن أدرك سبب استعجال والدته لزفافه.. شقيقه رائد يبدو كطفل تائهة يقبع وسط عائلة تستضيفه.. لا يشعر بهم.. بل يشعر بالغربة.. حاول محادثته كثيرا ليقتربا لكنه مازال معتكفا على نفسه.. حتما زواجه سيخرجه من قوقعة أفكاره الكئيبة.. ليستقبل عهد جديد بحياته.. مع فتاة تحبه..!

+


_ أنت مش مبسوط إن فرحك الليلة! 

+


استدار رائد يطالع أخيه وهتف باقتضاب: لأ..!
رفع حاجبيه بدهشة مصدوما من صراحته، فتسائل: 
طب ليه؟ وليه أصلا انت كده يا رائد فهمني! 

+


رمقه بنظرة جامدة وتمتم:  يمكن كان لازم تبقى مكاني عشان تعرف الإجابة! 

+


صمت يطالعه هو الأخر بتمعن وأردف بعدها: 
_ طيب خلينا نمشي واحدة واحدة.. أنت فعلا مش فاكر حاجة وكل ماضيك اتمسح في دماغك وحتى مش فاكرنا.. وده طبعا شعور صعب.. بس ليه مش شايف الجانب المشرق في الموضوع! 

+


تسائل ببعض التهكم: اللي هو إيه؟

+


_ إنك بطريقة ربنا وحده رتبها، رجعت لأهلك.. لبيتك وحياتك.. كان ممكن أوي تفضل تايهة ومحدش عارف طريقك وقتها كان هيبقي أحساسك بالغربة اكبر بكتير.. لكن احنا اهو حواليك.. وكل ذكرياتك قريبة منك ومع الوقت هتفتكر.. مسألة وقت مش أكتر.. وحتى البنت اللي اخدتها عارفاك وهتساعدك تفتكر معاها كل حاجة..!

+


_ وافرض فضلت ناسي؟!

+


يبقي ساعتها نصيبك.. وإن كان ماضيك ضاع.. الحاضر لسه معاك.. والمستقبل طبعا بأمر ربنا قصادك.. أرسمهم براحتك يا رائد.. اعتبر نفسك اتولدت من جديد.. مش يمكن في حكمة إنك تبتدي من جديد بشخصية مختلفة؟ يمكن دي فرصة وخير وانت مصمم تتعامل على إنه مأساة.. عيش وانسى

+


ندت منه صخكة ساخرة:  أنسى أكتر من كده! 

+


ابتسم أيهم:  مش قصدي.. اقصد انسى انك فاقد الذاكرة.. ابتدي من اللحظة دي.. ثم التفت حيث تقف عروسة تنتظره بتلك اللحظة:  من لحظة ماهتمسك ايد زوجتك وشريكة حياتك اللي واقفة مستنياك بلهفة تمشي ناحيتها.. اللي هتقدملك الاستقرار والسلام النفسي والسكن والراحة والحنان.. البنت بتحبك يا رائد ساعدها عشان تاخد بإيدك.. هي مش هتقدر لوحدها.. أوعي تخلي عتمة يأسك تطفي نور الأمل اللي جواها..!

+


ثم صمت يطالعه بنظرة حانية استشعرها رائد:  

+


يلا يا رائد.. روح لعروستك.. وافرح.. وارمي وراى ضهرك  كل حاجة تحرمك من السعادة.. في حاجات مش بتتعوض.. خلي ذكراياتكم الحلوة تبدي من دلوقت! 

+


نقل بصره بين أخيه وعروسه الذي انبهر بجمالها ولن ينكرها.. كم بدت رودي بطلة تسرق العقل.. تنهد وتمتم:  أوعدك هحاول! 

+


ربت أيهم على كتفه:  أيوة كده.. ثم غمز له:  ومبروك عليك ياعم عروستك الحلوة!  

+


تقدم رائد لعروسه بخطوات فاقدة للهفة وگأنه لا بملك سوى الانصياع لما تجرفه إليه أمواج الحياة التي تتقاذفه أينما شاءت.. وهو يغوص بها ويعافر فقط كي يبقي حيًا..مستسلمًا خانعًا ينتظر بأي شاطيء سيرسوا قاربه الذي لم يعد هو قبطانه.. بل صار لاجيء غريب يبحث عن وطن يآوي روحه المشردة! 
_________________________

+


أطرقت رأسها بخجل وهو يقترب منها، فتنحت والدتها لتفسح له المجال والحرية، لتنضم جوار أخيه الذي يقف على مسافة هو الأخر! 

+


ما أن صار أمامها حتى رفعت وجهها إليه وعيناها تضوي جمالًا وعشقًا يكحلها، فتمتم:  مبروك! 
___________________

+



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close