رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الثالث عشر 13 بقلم نرمين نحمد الله
*********
+
جلست جويرية علي سريرها تفكر في شرود...
وجوارها كانت فريدة الصابرة ترقيها بخشوع....
ما هذا الذي أوشكت علي فعله؟!!!
هل كانت حقاً علي وشك الهروب مع زياد؟!!!
أخيراً تنبه عقلها لفداحة ما كادت تقدم عليه!!!
كانت ستكون فضيحة لو لم يتمكن عمار من منعها!!!!
+
كما أن جدها كان سيتمكن من منعها من السفر لو استعان بنفوذ عاصم الهاشمي...
ولو كان هذا حدث لكانت الآن في عداد الأموات...
حانت منها التفاتة لفريدة التي كانت تتمتم في خشوع...
فشعرت بوخز ضميرها...
فريدة العزيزة لم تكن لتحتمل صدمة كهذه!!!
+
رن جرس الباب فارتجفت بذعر...
رغم أن عمار يعاملها بلطف شديد هذه الأيام...
لكنها لا تستطيع منع ارتجافة جسدها عندما تشعر باقتراب مجيئه...
صحيح أنها لم تعد تخاف منه كالسابق...
لكن شيئاً ما يبقي!!!
+
قامت فريدة من جوارها لتفتح الباب....
غابت لبضع دقائق...
ثم فوجئت جويرية بهذه الشقراء الغريبة تدخل لتقول بلهجة غريبة:
_مرحباً يا جوري...
+
نظرت إليها جويرية بدهشة فغمزتها مارية وهي تشير لها لكتاب "الحب من أول نظرة" الذي تحمله إشارة ذات مغزي...
فابتسمت جويرية وهي تومئ برأسها إيجاباً....
+
قالت فريدة بطيبتها الفطرية:
_ابقي معها قليلاً يابنتي حتي أعد لها الطعام...فهي لم تأكل منذ الصباح...
+
غادرتهما فريدة بسرعة فقالت لها مارية بحنان:
_أنا أخبرت والدتك أنني صديقتك وكنت أتردد عليكِ أيام كنتِ تفتحين المكتبة...وأخبرتني آسفة عما حدث لكِ...أتمني لك الشفاء العاجل يا جوري...
ثم تلفتت حولها بحذر لتهمس بتحفظ:
_لاريب أنكِ استنتجتِ أن زياد هو من أرسلني ليطمئن عليك....
+
نزعت جويرية ورقة من الكتاب ثم تناولت قلماً بجوارها لتكتب:
_لا تخبريه عن حالتي أرجوكِ...دعيه ينسي ما كان بيننا...أنا الآن امرأة متزوجة...
+
أعطت الورقة لمارية التي قرأتها بسرعة ثم أومأت برأسها في تفهم....
مزقت جويرية الورقة إلي قطع صغيرة جداً من باب الاحتياط ثم ألقتها جوارها في سلة المهملات الصغيرة...
فربتت مارية علي كفها وهي تقول بحنان:
_أنا أحببتكِ حقاً يا جوري...أنا مارية ابنة عم زياد وطبيبة مثله...هل يمكنني متابعة حالتك مع طبيبك حتي أطمئن عليكِ...
+
ابتسمت لها جويرية وهي تومئ برأسها إيجاباً ثم كتبت لها من جديد:
_لكن لا تخبريه أي شئ....
ربتت مارية علي كفها من جديد وهي تقول:
_لا تقلقي يا جوري...سأخبره أنك راضية بزواجك ...هل يناسبكِ هذا؟!
أومأت جويرية برأسها إيجاباً...
فقامت مارية لتقول بلطف:
_لن أطيل بقائي هنا كي لا أزعجكِ...لكن هل تسمحين لي باسم طبيبك المتابع لأتعاون معه في علاجك...
+
تناولت جويرية الورقة بتردد...
وهي تفكر..
هل من الصواب أن تثق في هذه الفتاة؟!!
هي تعرف مارية من كلام زياد السابق عنها...
فهو أخبرها سابقاً عن أفراد عائلته كلها...
لكنها تريد أن تغلق الباب مع زياد للأبد...
لا تريد أن يبقي بينهما أي اتصال...
+
لاحظت مارية ترددها وفهمت ما يدور بخلدها فقالت بهدوء:
_ما تفكرين به هو الصواب يا جوري...
+
نظرت إليها جويرية بتساؤل فأردفت مارية بتعقل:
_إذا كنتِ تريدين حقاً غلق هذا الباب فأغلقيه للأبد...
نظرت إليها جويرية في إحراج فقالت مارية بابتسامة:
_لا بأس يا جوري...أنا أقدر موقفك...لن أزعجكِ ثانية...
+
قالتها مارية ثم صافحتها بمودة...
لتغادر المنزل بهدوء...
بعدما أدت مهمتها كما يجب...
لقد أغلقت جويرية بابها مع زياد...
ورغم ما تعانيه حالياً من فقدها القدرة علي الكلام...
لكنها تثق أنها حالة مؤقتة...
+
للأسف...هناك قصص حب لا يكتب لها النجاح...
كقصة زياد وجويرية...
وكقصتها مع حمزة النجدي !!!!
==========================================================================
عادت مارية لمنزل عمها فاستقبلها زياد بلهفة...
تأملته بإشفاق للحظات...
ثم قالت بحسم:
_لقد تزوجت يا زياد...
ظهرت الصدمة علي وجهه للحظات...
ثم سألها بألم:
_هل هي بخير؟!
+
تمالكت نفسها لتكذب قائلة:
_نعم...
هز رأسه بلا معني ...
ثم قال لها بشرود:
_شكراً يا مارية...لقد أتعبتك معي...
+
تركها بخطوات بطيئة ليتوجه لغرفته مغلقاً إياها خلفه...
فنظرت نحو غرفته بإشفاق...
ورغماً عنها تذكرت حمزة ...
فابتسمت في حنين...
طافت بذاكرتها كل أيامها معه...
حتي ذلك اليوم الذي اعترفت له بحبها فخذلها...
انقبض قلبها عندما تذكرت ألمها يومها...
فعادت تنظر لغرفة زياد في يأس..
إنها تقدر ألمه ولوعته ...
+
دخلت غرفتها التي تتشارك فيها مع مروة لتتطلع لصورتها بالحجاب...
ذاك الذي اضطرت لارتدائه حتي لا ينكشف أمرها مع جويرية...
لا تنكر أنه جعلها تشعر بالحر أكثر...
لكنها شعرت براحة أخري وهي ترتديه...
شعرت به خطوة تقربها اكثر من عالمها هنا...
ظلت تنظر لنفسها لحظات ...
ثم أخذت قراراً حاسماً...
لن تخلعه بعد!!!
===================================
+
سمعت صوت مفتاحه في الباب الخارجي للشقة فتدثرت بغطائها متظاهرة بالنوم...
ابتسمت بخجل وهي تتذكر حيلتها الجديدة التي تمارسها عليه...
عمار الغليظ الخشن الذي يعرفه الناس جميعاً اتضح أنه يملك قلباً رقيقاً كالطير...
وصوتاً أعذب من هديل الحمام في همسه الصادق!!!
+
بدأت حيلتها هذه صدفة عندما سمعته ذات ليلة بين يقظتها ومنامها يناجيها بكلام لم تتخيل سماعه منه يوماً...
لم يكن يظنها تسمعه!!
ومن يومها وهي تتظاهر بالنوم عندما يجئ من عمله عصراً لتسمع ما سيناجيها به وهو يتصورها نائمة!!!
كلمات لم تتخيل روعتها ولا صدقها...!!!
أجمل بكثير من تلك التي كانت تقرؤها في الكتب...
أين كنت تخفي فيض حبك هذا يا عمار...؟!!
وكيف استطعت طمسه بقناع غلظتك المدّعاة؟!!!
ولماذا لا تسمعني إياها إلا وأنت تظنني نائمة لا أسمعك؟!!
+
فتح باب الغرفة بهدوء ليجدها نائمة كعادتها في هذا الوقت...
ابتسم في حنان وهو يقترب منها ليتمدد جوارها علي السرير...
أشرف بجسده علي وجهها الملائكي النائم في سكينة...
ليجد نفسه يقترب من شفتيها دون وعي...
حتي كاد يلامسها...
لتصفعه فجأة ذكري ليلة زفافهما البغيضة علي نفسه عندما كان يمسح بمنديله أثر الدم النازف من جرح شفتيها...!!!
+
تراجع عنها فجأة وهو يغمض عينيه في ألم...
يخاف أن يؤذيها من جديد...
لم يعد يأتمن نفسه عليها!!!
زفر بخفوت...
ثم عاد ينظر إليها طويلاً ...
+
أمسك كفها وهو يهمس في أذنيها بكلام يثق أنها لن تسمعه:
_سامحيني يا جوريتي...لكنني أنا لن أسامح نفسي أبداً علي ما فعلته بكِ...أنتِ التي لم أعشق يوماً سواها...أنتِ التي أخاف عليها حتي مني أنا....أنتِ التي كبرت بقلبي منذ الصغر ساعة بساعة فاختلط حبها بدمي...أنتِ التي أدرك أنها لن تكون لي لكنني أنا ...أنا كلي لكِ...
+
كادت تذوب هذه المرة وهي تسمع كلماته بهذه الحرارة...
هل كان يجب أن تمر هي بكل هذا العذاب والألم حتي تتنعم في النهاية بهذه الجنة من مشاعره الخالصة...؟!!!
العجيب أنها في هذه اللحظة بالذات كادت تقسم أنها لم تحب زياد...
لم تعد حتي تتذكره...
كلما حاولت استدعاء صورته لذهنها كانت صورة عمار تشوش عليها حتي تحل محلها بثقة...
كيف تبدل حالها هكذا في أيام؟!!!
هل هو مرضها الذي يجعلها تهذي هكذا؟!!!
أم هل أصيبت بالجنون؟!!!
+
كيف يمكن أن تتحول مشاعرها نحو عمار هكذا في هذه الفترة القصيرة...؟!!
صحيح أنه أذاقها من حنانه في هذه الأيام ما لا يوصف...
لكن هل يعني هذا أنها سامحته علي ما فعله بها؟!
هل يعني هذا أن تشعر نحوه بهذا التعاطف العجيب؟!
+
شردت وهي تتذكر كيف يمد لها كفه كل مرة تريد فيها التعبير عن شئ لتكتب عليه...
وعندما كتبت له ذات مرة أن يحضر لها ورقاً بدلاً من هذا....
أخبرها بحنان أنه يحب أن تكتب علي كفه !!!
1
لم يخبرها-بالطبع- أنه يحب دغدغة القلم لباطن كفه برقة تشبهها...
لم يخبرها أنه يحب الاحتفاظ بكلماتها علي جلده...
لم يخبرها أنه يود لو لا يمسحها لتبقي تذكره بها وهو بعيد عنها...
لم يخبرها....وكيف يخبرها وهو عمار الغليظ خشن الطباع الذي لا يجيد التعبير أمامها ؟!!!
+
هي أيضاً لم تخبره أنها صارت تحب هذا مثله...
عندما يبسط لها راحة يده...
فتبدو خطوطها لها كخيوط من نور تحتضن عجزها برفق حليم...
عندما تمسك كفه بتملك وهي تعلم أنه سينفذ لها كل ما ستطلبه....
فيشعرها وكأنها ملكة علي عرش قلبه...!!!
عندما تتحسس أناملها كفه الخشن الذي يناقض لين قلبه الرقيق!!!
+
قطعت أفكارها عندما شعرت بهدوء أنفاسه المنتظمة جوارها...
لقد نام!!
لقد نام وكفها علي صدره!!!
فتحت عينيها ببطء ثم قامت بحذر محاولة ألا تحرك كفها الذي يمسكه كي لا يقلق...
ابتسمت في حنان وهي تتطلع لملامحه التي يبدو عليها الإرهاق التام...
أمالت رأسها تتفحص وجهه النائم بعمق...
ليبدو لها ساعتها أكثر رجال الأرض وسامة وسحرا!!!
+
عقدت حاجبيها بشدة عندما جاءها هذا الخاطر!!!
عمار ؟!!!!
لا لا لا!!!!
لابد أن الدواء الذي تأخذه هذا فاسد!!!!
لقد أثر علي عقلها كما يبدو!!!
+
رن هاتفه الموضوع جواره علي الكومود فخشيت أن يقلقه!!
المسكين لم يكد ينام بضع دقائق!!!
تحركت ببطء محاولة التقاط هاتفه بكفها الحر دون أن تقلقه كي توقف صوت رنينه...
فاستيقظ فجأة ليجدها فوقه...
تشرف عليه من علوّ ....
وجهها يعلو وجهه كالقمر عندما تهفو إليه عيون المحبين!!!
+
التقت عيناهما للحظة خاطفة...
+
قبل أن ينتفض من نومه ليقول بلهفة:
_جوري...أنتِ بخير؟!
أومأت برأسها إيجاباً فشعر بالحرج من كفها الذي يحتضنه علي صدره...!!!
+
حرره من يده ببطء...
ثم التفت لها في ترقب...
فدفعته برفق إلي الوسادة وهي تضم كفيها علي إحدي وجنتيها في إشارة واضحة له أن ينام...
ابتسم قائلاً بإرهاق:
_لن أستطيع النوم طالما قلقت هكذا...
+
نظرت إليه بإشفاق...فمنحها ابتسامة شاحبة ....ثم تناول هاتفه ليجده اتصالاً من أحد الموظفين بشركته...
هاتفه بسرعة فطلب منه الحضور لأمر هام...
أغلق معه الاتصال ثم قال لها بهدوء:
_يطلبونني في العمل...
+
مطت شفتيها في استياء...
فجاءه خاطر جعله يسألها في اهتمام:
_هل تريدين الخروج للتنزه يا جوري؟!
التمعت عيناها بلهفة وهي تومئ برأسها إيجاباً...
ابتسم للهفتها وهو يسألها برفق :
_أين تريدين الذهاب؟!
+
فتحت شفتيها ثم عجزت عن الكلام فأطبقتهما في عجز....
ازداد شعوره بالشفقة نحوها وهو يراها هكذا...
ربت علي كفها وهو يقول بحنان:
_لا بأس...دعيني أقترح عليكِ أنا....
أومأت برأسها إيجاباً فسألها بحيرة:
_تريدين التسوق؟!
هزت رأسها نفياً...
فعاد يسألها بتفكر:
_تريدين الذهاب للسينما ؟!
عادت تهز رأسها نفياً...فزادت حيرته وهو يعاود سؤالها:
_نتناول عشاءنا في أحد المطاعم علي النيل؟!
عادت تهز رأسها نفياً...
صمت للحظات يفكرثم سألها بتردد:
_ما رأيك لو نذهب لشاليه العائلة في الاسكندرية ونقضي هناك بضعة أيام؟!
+
صدمها اقتراحه للحظة ثم أومأت برأسها إيجاباً ببطء...
عاد يسألها بتردد:
_هل ستتمكن العمة فريدة من الحضور معنا؟! ساري تؤدي اختباراتها الأخيرة هذه الأيام ...لن تستطيع تركها وحدها...هذا يعني أننا سنذهب وحدنا...
عادت تومئ برأسها إيجاباً...
فسألها بحذر:
_ألا تمانعين في بقائنا وحدنا هناك؟!ألا تخافين من وجودك معي بمفردك؟!
+
هزت رأسها نفياً فزفر بقوة وهو،ينتفض من السرير ليحضر قلماً ثم قال لها برفق:
_اكتبي ما تريدينه يا جوري...حتي لا أسيئ فهمك...
أمسكت كفه الذي بسطه أمام وجهها بتردد ثم كتبت عليه:
_لنبقَ وحدنا...لم أعد أخاف...
+
رفع كفه أمام وجهه ببطء لا يكاد يصدق ما كتبته....
ثم عاد ينظر إليها نظرة عميقة...
أغمض عينيه بعدها بقوة وكأنه يقاوم شيئاً عظيماً بداخله!!!!
+
ليفتحهما بعدها قائلاً برفق:
_إذن هيا نعد الحقائب معاً لنسافر حالاً ....
+
تطلعت إليه بترقب ففهم نظرتها ليسألها بحنان:
_هل تريدين شيئاً آخر؟!
أومأت برأسها إيجاباً فقال بابتسامة عطوف:
_اطلبي ما تشائين يا جوري !
أمسكت كفه برفق لتكتب :
_أريد بعض الكتب من المكتبة...
قرأ عبارتها ثم قال بهدوء:
_حسناً...سنذهب سوياً لنحضرها في طريقنا...
ثم اقترب من وجهها ليقول بمشاكسة:
_أنا لا أقرأ ولا أحب الكتب...إياكِ أن تفكري أن تجعليني أقرأ معك...
أومأت برأسها إيجاباً وهي تبتسم برقة فقال بحزم:
_إذن ...هيا بنا بسرعة...
+
أشارت بعينيها إلي هاتفه تقصد عمله الذي ينتظر...
فابتسم بحنان وهو،يقول :
_لا شئ أهم من سعادتك يا جوري...حتي تتعافي بسرعة...
+
قال عبارته الأخيرة بصوت متهدج أدركت هي مغزاه...
عمار يتمني شفاءها لكنه يعلم أنه نهاية حياتهما معاً...
قاسم النجدي قضي بهذا عقاباً له علي ما فعل...
ولن ترد كلمته!!!
قاسم النجدي زوجها له بكلمة...
وسيطلقها منه بكلمة!!!!
==========================================================================
جلست آسيا أمام غرفتها الخارجية المخصصة لها تحكي قصة لياسين الصغير وهي تضمه لصدرها...
اقترب منها مصطفي بخطوات بطيئة حتي جلس جوارها ليقول بلطف:
_صباح الخير يا آسيا.
ابتسمت له آسيا وهي تحاول جاهدة تذكر اسمه لكنها فشلت...
فابتسم بلطف وهو يقول:
_أنا دكتور مصطفي...الطبيب البيطري الجديد...
هزت له رأسها برقة فسأله ياسين الصغير بقلق:
_الحصان نوار مريض ...هل سيموت؟!
ضمته آسيا لصدرها برفق وهي تقول :
_لا تخف يا حبيبي...سنعالجه وسيكون علي ما يرام...
هتف الصغير بحزن:
_العلاج لم يمنع والدتي من الموت!
+
ربتت آسيا علي رأسه في حنان...
فقال مصطفي برفق:
_لا تخشَ شيئاً علي نوار يا ياسين...أعدك أن أعالجه بسرعة لتعود وتركبه كالسابق...
+
ابتسم الصغير وهو،يقول ببراءة:
_سأحبك مثل آسيا لو فعلتها...
+
نظر مصطفي لآسيا نظرة عميقة وهو يقول بخبث:
_وهل تحب آسيا كثيراً؟!
ارتبكت آسيا من نظراته القوية فأطرقت برأسها في خجل...
فيما قال الصغير ببراءة:
_كلنا نحب آسيا.
ابتسم مصطفي وهو يغلفها بنظراته المتفحصة ليقول بلهجة ذات مغزي:
_إنها تستحق الحب!
+
وصل بدر في هذه اللحظة ليستمع للجزء الأخير من الحوار...
عقد حاجبيه بضيق وهو يسمع هذا الرجل يغازلها صراحة...
وهذه الحمقاء غارقة في خجلها لا ترد عليه...
هو لا يشك في أخلاقها...
لكنه غير راضٍ عن ضعفها هذا...!!
+
لهذا وجد نفسه يهتف بضيق:
_كيف حالك يا دكتور مصطفي؟! ما الذي تفعله هنا؟!
قام مصطفي من مكانه وهو يقول بحرج:
_كنت فقط ألقي السلام علي الصغير...وأطمئنه علي نوار....
رمقه بدر بنظرة حادة...
فعدل مصطفي نظارته علي وجهه وهو،يقول بارتباك:
_عذراً...سأعود لعملي....
+
قالها وغادرهم مسرعاً فجلس بدر جوار آسيا....
ثم صرف ياسين الصغير آمراً إياه بالعودة لغرفته....
تأمل إطراقها الخجول وهو يقول بلهجة لائمة:
_لا يعجبني تساهلك مع الناس يا آسيا...
دمعت عيناها وهي تقول بضعف:
_أنا لم أعتد المواجهة...أعرف أن ضعفي يجعلني مطمعاً لكن هذه طبيعتي للأسف...
أشفق علي ضعفها وقلة حيلتها الواضحة في كلامها فتنهد في حرارة...
ثم قال بحزم:
_تغيري...قاومي...تعلمي كيف تكونين قوية...
هزت رأسها في عجز وهي تقول:
_الكلام سهل ورائع لكنه يبقي مجرد كلام...
ثم قامت من مكانها وهي تقول بحزن:
_سأعود لغرفتي...
نظر إليها طويلاً...
ثم قال لها بحزم:
_اجلسي يا آسيا...
+
نظرت إليه كطفلة بائسة وجدت نفسها فجأة معرضة للعقاب...
فابتسم بحنان وهو يقول:
_اجلسي وسأوصي بكً جسار خيراً في نزهة اليوم.
ابتسمت بخجل وهي تعاود الجلوس...
فنظر إليها للحظات ثم قال برفق:
_فتاة مثلك ...جميلة..صغيرة...وحيدة...لابد أن تكون مطمعاً للكثيرين...ضعفكِ هذا قد يُساء فهمه ...قد يظنونه تشجيعاً لهم علي التمادي...
+
لم تلتقط من كلماته سوي وصفه لها بأنها جميلة!!!!
ضاعت منها كلماته التالية وقلبها يخفق لثنائه ...
لأول مرة تشعر بهذا الشعور الغريب نحو بدر...
شعور يتجاوز إحساسها القديم به ليدخله وحده في خانة بلا مسمي...
لا...ليس حباً كحب ياسين...
لكنه شعور خاص يتملكها يوماً بعد يوم خلسة دون وعي منها...
لتشعر به اليوم بعد ثنائه الذي-ربما لم يقصده حتي-عاصفاً قوياً مسيطراً....
+
أفاقت من شرودها عندما ناداها بقلق:
_آسيا...هل سمعتِ ما كنت أقوله؟!
عضت علي شفتيها وهي لا تعرف كيف ترد عليه...
فهز رأسه وهو يقول بضيق خفي:
_ترويض ضعفك هذا سيكون أشد علي من ترويض شراسة أي فرس جامحة....
+
ابتسمت في ارتباك فتنهد قائلاً:
_كم أخاف عليكِ يا آسيا.
صدمتها عبارته للحظات التقت فيها عيناهما بحديث غريب...
هي التي هزتها كلماته هزاً...
ولم تدر لماذا؟!
للصدق الذي نطقها به...؟!!
للحنان الذي فاض فيها...؟!!
أم لأنها شعرت -بحق-أنها تنتمي إليه؟!!!!
أن لها مكاناً خاصاً عنده؟!!
+
أما هو فكان غارقاً في وادٍ آخر...
آسيا الصغيرة الضعيفة قليلة الخبرة في الحياة...
والتي يعتبرها أمانته التي سيحافظ عليها بحياته...
كفي أنها كانت وصية سمية الأخيرة...
+
لم تكد سمية تخطر بباله حتي طغت صورتها علي كل الأفكار...
لتحتل وحدها عقله وذاكرته كما سبق واحتلت قلبه كله...!!
+
ومن بعيد كان مصطفي يراقبهما في ضيق خفي...
وقد اعتزم تنفيذ ما ينتويه هذه الليلة!!!!
==========================================================================
جلست فريدة في صالة شقتها الواسعة تحدق للسقف في شرود...
وضعت كفها علي صدرها وهي تفكر في حال بناتها الثلاثة...
آسيا...همها الأكبر التي لا تدري إلي الآن هل ماتت حقاً كما يدعون؟!!!!
أم أن قلبها يصدقها في إحساسه أنها لازالت علي قيد الحياة...
جوري...العروس التي لم تكد تقضي ليلة واحدة مع زوجها حتي أصابها ما أصابها!!!!
وأخيراً ساري ...
رغم أنها الوحيدة التي تمكنت من الاختيار...
لكنها تعيش حالة اكتئاب مزمنة منذ عقد قرانها علي حذيفة هذا!!!!
+
تنهدت في حرارة وهي تبث شكواها إلي ربها بدعائها المعتاد:
_لا تسؤني في بناتي يارب...هن حصاد صبري فلا تخذلني فيهن!!
+
قطع جرس الباب دعاءها فتوجهت إليه لتفتحه...
ليطالعها وجه حذيفة المبتسم هاتفاً:
_كيف حالك يا عمتي؟!
ابتسمت بحنانها المعهود وهي تقول:
_بخير يابني....تفضل...
دخل بخطوات سريعة وهو يتلفت حوله...
ثم سألها بصوت منخفض:
_أين ساري؟!
+
اتسعت ابتسامتها وهي تقول بحنان:
_في غرفتها ...لم تخرج منها منذ يومين ...اكتئاب الامتحانات المعتاد...
نظر إليها بتردد يمتزج بالرجاء وهو يقول:
_هل تسمحين لي أن أخرج معها للتسرية عنها قليلا؟!
+
ترددت لحظة ثم قالت بهدوء:
_لا بأس يابني...هي زوجتك الآن علي أي حال...
+
أمسك يدها يقبلها وهو،يقول بحنان:
_وأنتِ أمي الثانية يا عمتي...
ربتت علي رأسه وهي تقول له برجاء:
_لو كنتَ حقاً تعتبرني كذلك...فاعتنِ بساري...ساري يابني ليست كشقيقتيها...ساري تكتم حزنها عن الجميع...تخفي جروحها كي لا تؤذي بها غيرها...قلبها الطيب لا يعرف سوي أن يعطي دون مقابل...لهذا أخاف عليها نفسها...اكتئابها الزائد هذه الأيام يعني أن جرحها أكبر من أن تتحمله ...
+
تنهد في حرارة وهو،يقول :
_أعدكِ يا عمتي أن أبذل جهدي لأسعدها...
عادت تربت علي رأسه وهي تقول :
_هذا ظني فيك يا بني....
+
نظر لباب غرفة ساري المغلق ثم قال لها بتردد:
_سأدخل لها الآن لأخبرها عن خروجنا سوياً...
هزت فريدة رأسها في موافقة ...
ثم عادت لتجلس بعيداً علي أريكتها تعاود التحديق بشرود للسقف...
+
فتح حذيفة باب الغرفة برفق بعد أن طرق الباب ...
ليجدها جالسة علي مكتبها تعطيه ظهرها وهي تسند رأسها علي طاولة المكتب...
+
اقترب منها ببطء لينظر لشاشة حاسوبها أمامها...
والتي قرأ عليها رسالة الكترونية من بلال الهاشمي ...
يبارك لها زواجها ويتمني لها السعادة...
+
قبض كفه بقوة وهو يشعر بالغيرة تخنقه...
هل هذا هو،سبب اكتئابها؟!!!
+
كاد يعنفها بما يدور في رأسه من أفكار...
لكن نظرة واحدة لرأسها -الذي لم ترفعه حتي من علي الطاولة ولو من باب الفضول- جعلته يدرك مدي سوء حالتها ...
فقرر تأجيل النقاش في الأمر حتي وقت لاحق...
لكن بعدما يطمئن أولاً علي هذه البائسة!!
+
قبض بكفيه علي كتفيها من الخلف وهو يقبل رأسها هامساً:
_كيف حالكِ يا حبيبتي؟!
+
رفعت رأسها ببطء وهي تستدير بجسدها نحوه ...
لو يعلم ما الذي فعلته بها كلمة "حبيبتي" التي نطقها هكذا بسهولة!!!!
لو يعلم أنها أماتتها وأحيتها آلاف المرات في لحظة واحدة!!!
لو يعلم كم تجاهد قلبها كي لا يصدقها...
وكم تجاهد عقلها كي يصدقه...!!!!!
نعم...نقيضان يتناحران في نفسها وهي بينهما عالقة...
حتي تستقر علي حال في معركتهما الحامية بشأنه...!!!
لم تكذب يوماً حين قالت أنه وجع قلبها الأزلي...
ليتها أدركت حينها أنه سيوجع عقلها أكثر!!!
+
أخذت نفساً عميقاً ثم قالت بهدوء يناقض الصراع الدائر داخلها:
_الحمد لله.
رفعها إليه لتقف وهو،يتأمل ملامحها بتفحص...
ثم همس بحنان:
_وجهك الحبيب يبدو مرهقاً...ألا تنامين جيداً...
+
أطرقت برأسها وهي تتمني لو تخبره...
وهل تنام امرأة عشقت مثلك يا حذيفة؟!!!!
رفع ذقنها إليه وهو يهمس بصوته الذي يدك حصونها:
_أنا السبب؟!
+
أشاحت بوجهها بعيداً وهي تدعي البرود لتقول بهدوء مصطنع:
_ماذا تريد الآن يا حذيفة؟!
ابتسم وهو يتفهم برودها الذي يعلم الآن بركان المشاعر الذي يخفيه وهو يهمس:
_أخبريني أولاً...لماذا لم تتفاجئي بوجودي الآن؟!
تنهدت في حرارة وهي تهمس دون أن تنظر لعينيه:
_عطرك يا حذيفة...عطرك الذي لم تغيره منذ سنوات...
أزاح خصلة من شعرها من علي عينيها ليعيدها خلف أذنها وهو يهمس في هيام:
_تميزين عطري منذ سنوات ؟!
أغمضت عينيها بقوة وهي تقول بصوت متعب:
_دعني وحدي يا حذيفة ...أرجوك...ضغط الامتحانات يوترني...ولا تنقصني مهاتراتك هذه...
+
ضم رأسها لصدره وهو يهمس في أذنها:
_سأختار لكِ أنا أيضاً عطراً يناسب شعوري بكِ ...لن تغيريه أبداً...ولو أنني لا أحتاج لعطر حتي أميز وجودك فقلبي يغنيني عن عطور الدنيا كلها!!!
رفعت رأسها إليه لتهمس بعتاب:
_كم مرة قلت هذه الجملة لامرأة غيري...؟!
قبل جبينها بقوة ثم همس أمام عينيها بصدق:
_ولا واحدة!!!
ثم أردف بحرارة:
_أنا أشد حرصاً منكِ علي أن تكون كلماتي لكِ كشعوري بكِ تماماً ...خاصة بكِ وحدك.
+
تأوه قلبها بقوة ولو كانت دقاته تنطق لصرخت فرحاً...
لكن عقلها دفعها لأن تقول ببرود:
_لم تخبرني عن سبب مجيئك اليوم.
لامس وجنتيها بأنامله في رقة وهو يهمس:
_أولاً لأنني افتقدتك جداً...جداً...جداً...
قالها وهو يميل علي شفتيها بقبلة عميقة جاهدت نفسها كي لا تستجيب لها...
فرفع رأسه إليها في عتاب خفي تجاهلته وهي تقول بنفس البرود:
_وثانيا؟!
+
أغمض عينيه بقوة يداري ضيقه من خذلانها المستمر له...
والذي يعذرها فيه بعد كل ما صنعه بها ...
لكن ...ماذا يفعل وبرودها هذا يحرق صدره حرقاً...؟!!!!
كم يتمني لو يأتِ هذا اليوم الذي تكسر فيه هذه الحواجز بينهما...
لتعود تعبر عن حبها له حراً جامحاً دون قيود!!!!!
+
احترمت صمته للحظات...
قبل أن يفتح عينيه ليقول بهدوء يناقض انفعالاته:
_جئت أصطحبكِ لنخرج سوياً.
هزت رأسها نفياً وهي تقول:
_لا وقت لدي...ولا مزاج أيضاً...
داعب أنفها بسبابته وهو يهمس بمرح:
_الوقت عليكِ...والمزاج عليّ أنا!!!
نظرت إليه في تساؤل فأردف بمشاكسة:
_امنحيني ساعة من وقتك...وسأحسن لكِ مزاجكِ الكئيب هذا..!!!
أطرقت برأسها فقال بحزم:
_سأنتظرك بالخارج...لا تتأخري...
+
وبعدها بساعة كانت تركب معه سيارته ....
سألها باهتمام:
_من هو مطربك المفضل؟!
ابتسمت وهي تقول:
_يسعدني سماع تخمينك.
شرد ببصره قليلاً ثم قال:
_أعتقد أنك ستحبين القصائد أكثر...يمكنني أن أجزم أنه القيصر!
اتسعت ابتسامتها وهي تقول:
_لا بأس...بداية موفقة...
عبث ببعض الأزرار لتنطلق الأنغام المميزة لهذه القصيدة...
+
أشهد أن لا امرأة
اتقنت اللعبة إلا أنت
واحتملت حماقتي عشرة أعوام
كما احتملت
+
ورتبت دفاتري
وقلمت اظافري
وأدخلتني روضة الأطفال
إلا أنت
+
أشهد أن لا امرأة تجتاحني
فى لحظات العشق كالزلزال
تحرقني
تغرقني
تشعلني
تطفئني
تكسرني نصفين كالهلال
وتحتل نفسي أطول احتلال
واجمل احتلال
إلا أنت
+
يا امرأة أعطتني الحب
بمنتهى الحضارة
وحاورتني مثلما تحاور القيثارة
تطير كالحمامة البيضاء فى فكري
إذا فكرت
تخرج كالعصفور من حقيبتي
إذا أنا سافرت
تلبسني كمعطف عليها
فى الصيف والشتاء
+
أيتها الشفافة اللماحة
العادلة الجميلة
أيتها الشهية البهية
الدائمة الطفولة
+
أشهد أن لا امرأة
على محيط خصرها
تجتمع العصور
وألف ألف كوكب يدور
+
أشهد أن لا امرأة غيرك يا حبيبتي
على ذراعيها تربى
أول الذكور
وآخر الذكور
إلا أنت
+
ابتسمت في شرود مغمضة عينيها تستمع للكلمات بنهم ...
قلبها العاشق يتراقص علي الألحان منتشياً...
وعقلها يتواري تدريجياً خلف حُجُب من العاطفة ...
فيهدأ الصراع بينهما نوعاً...
+
لتشعر بالسكينة تغلف روحها ...
وكأنما شعر بها هو فالتقط كفها يرفعه لفمه مقبلاً ثم همس بحرارة:
_من سواكِ تليق بها هذه الكلمات يا أجمل من تغنّي لها عاشق؟!!!
1
التفتت إليه من شرودها تنظر إليه بدهشة...
لا تصدق أن حذيفة يقول لها هذا...
ليست الكلمات فحسب!!
لكن حرارتها وصدقها!!!
+
نظر لدهشتها في حسرة وهو يهمس:
_لا تصدقينني؟!
+
دمعت عيناها فأغمضتهما تخفي عنه حديثهما وهي تهمس:
_اسكت يا حذيفة...أرجوك...
+
نظر إليها بتفحص وهو،يشعر بجسدها يرتعش...
وصدرها يعلو ويهبط فاضحاً انفعالها...
هز رأسه في يأس وهو،يفكر...
كيف يمكنه زرع الثقة فيها نحوه...؟!!!
كيف يمكنه أن يجعلها تتجاوز ماضيه الكريه...؟!!
كيف يمكن أن يقنعها أنه يحاول تطهير قلبه من وحل آثامه حتي يقدمه لها نقياً طاهراً كقلبها؟!!!
كيف ؟!!
كيف؟!!
==========================================================================
_ ألم يحن الوقت للنسيان يا بدر؟!!
+
هتف بها كساب بقوة وهو يدخل عليه منزله ليجده شارداً كعادته...
بدر لم ينس سمية...
ولا يبدو أنه سيفعل!!
التفت إليه بدر بشدة من شروده ثم قال بضيق:
_لا تتحدث معي عن هذا الأمر يا عمي...أنت نفسك لم تتمكن من النسيان طيلة هذه السنوات...
1
جلس كساب جواره وهو يربت علي ركبته قائلاً بحنان:
_وضعك أنت يختلف...أنت لديك طفل يحتاج لرعاية...
زفر بدر بقوة وهو يقول بحدة:
_ماذا تريدني أن أفعل يا عمي؟!
+
نظر إليه كساب طويلاً ثم قال بوضوح:
_آسيا يا بدر.
+
أشاح بدر بوجهه وهو يفهم تلميح عمه ثم قال بتعقل:
_لا يمكنني أن أظلمها معي يا عمي...آسيا فتاة جميلة صغيرة السن ...ما ذنبها أن تتزوج رجلا لا يحبها لمجرد أن يستغل رعايتها لابنه...
تنهد كساب في ضيق ثم سأله بحدة:
_هل هذا آخر ما لديك؟!
أومأ بدر برأسه فقال كساب باستسلام:
_لله الأمر من قبل ومن بعد...اذن اسمع ما لدي....
ضيق بدر عينيه وهو يشعر بأنه سيسمع ما يسؤوه...
+
فقال كساب بضيق:
_دكتور مصطفي كلمني الليلة...إنه يريد خطبة آسيا...
اتسعت عينا بدر في ارتياع...
ثم كز علي أسنانه وهو يقول بغضب:
_كيف يتجرأ؟!
هتف كساب بغضب:
_الرجل لم يخطئ...الرجل يريدها لنفسه في الحلال...ماذا في هذا؟!!!
+
قبض بدر كفه بغضب وهو يشعر ببركان في صدره...
لا يتصور أن مصطفي هذا يفكر في الزواج من آسيا...
هو يعرف أن غضبه هذا ليس منطقياً...
لكنه لا يملك إيقافه...
إنه يشعر الآن برغبة في قتل مصطفي هذا...
وكأنه تجرأ علي عرضه!!!!
لا يدري لماذا تملكته هذه الانتفاضة عندما فكر مجرد تفكير أن تكون آسيا لرجل آخر...
هل يمكن أن يكون قد ....؟؟؟!!!!
2
عقد حاجبيه بشدة عندما راوده هذا الخاطر...
معقول؟!!!
لا لا لا....
آسيا بالنسبة إليه ليست سوي فتاة مسكينة يراعيها...
ويمتنّ لها لوقوفها جواره وجوار ابنه...
صورة من سمية في الماضي عندما هربت من عالمها لتكون معه...
لماذا إذن يشعر بكل هذا الاختناق الآن؟!!!
+
قطع كساب أفكاره وهو يقوم من مكانه ليقول بتعقل:
_فكر في الأمر يابني...وخذ رأي الفتاة...
التفت إليه بدر بحدة وهو يقول:
_رأيها؟!
ابتسم كساب في سخرية وهو يقول:
_نعم...رأيها...ألا يحتمل أن توافق علي الزواج منه...
هب بدر من مكانه بغضب متجهاً لغرفة آسيا الخارجية وشياطين الغضب علي وجهه...
فتمتم كساب بيأس:
_ياللخسارة!!
=================================
1
سارت جواره علي شاطئ البحر الذي خلا تقريباً إلا منهما في هذا الوقت من العام...
فسألها بقلق:
_هل تشعرين بالبرد؟!
هزت رأسها نفيا وهي تبتسم في امتنان...
فابتسم بدوره وهو يقول :
_حسناً...لكن دعينا نعد للشاليه...فقد مت جوعاً!!
+
اتسعت ابتسامتها وهي تفكر...
عمار،يشتهر في العائلة بنهمه للطعام...
رغم أنه لا يمتلك جسداً ممتلئاً...
لهذا طالما شعرت بالحقد عليه...
فهو مع ما يتناوله من كميات طعام رهيبة يمتلك جسداً رياضياً...
بينما هي تشعر أنها لو اشتمت رائحة الشيكولاتة فحسب فسيزداد وزنها بضعة كيلوجرامات!!!
1
عادت معه للشاليه فساعدها في إعداد الطعام وهو يقول بمرح:
_لو تأخر الطعام أكثر...أنا غير مسئول عن ذراعك!!
+
ضحكت ضحكة طويلة فتسمر مكانه للحظات...
ثم قال بشرود:
_هل تعلمين كم مر عليّ من وقت لم أسمع فيه ضحكتك هذه؟!
+
فتحت شفتيها ثم أغلقتهما في عجز وهي تهز رأسها...
فعلم أنها تريد قول شئ ما...
اقترب منها وهو يبسط لها كفه كعادته مخرجاً لها قلمه من قميصه...
فكتبت:
_كفاك تعذيباً لنفسك بذنبي...لا تقسُ عليها أكثر...
+
نظر لما كتبته ثم أطرق برأسه...
وهو لا يدري بم يرد عليها....
فضغطت علي كفه أكثر ليرفع رأسه إليها....
ثم عادت تكتب:
_أنا سامحتك يا عمار...
+
تنهد في حرارة وهو يشيح بوجهه عنها...
حتي لو سامحته ...
هو لن يسامح نفسه علي ما فعل...
ربما لو عادت تتكلم من جديد...
ربما لو أعاد إليها حريتها وأطلق سراحها من زواجهما الذي يدرك أنه ليس لها سوي قيد ثقيل بالنسبة إليها...
ربما لو محا من ذاكرتها كل أحداث تلك الليلة ...
ليلة زفافهما البغيضة علي نفسه!!!
ربما ساعتها يمكنه أن يسامح نفسه!!!
+
أخذ نفساً عميقاً ثم ربت علي كتفها وهو يقول:
_دعينا نتناول الطعام...
+
جلست جواره علي المائدة يتناولان الطعام بشرود....
هي غارقة في شفقتها علي حاله....
من كان يخبرها أنه سيأتي يوم تشفق فيه علي عمار الغليظ ؟!!
لكن...كيف لا تفعل؟!!
وهي تشعر به يحترق بذنبها...
تشعر بلوعته لأجلها تكوي قلبه...
ربما لا يستطيع التعبير كعادته...
لكنه يسمعها نجواه عندما يظنها نائمة...
فتشعر بكلماته الصادقة تحفر أخاديد الحنان عميقة في روحها...!!!!
1
كيف لا تسامحه من كل قلبها؟!!
وهو الذي عوضها بحنانه واهتمامه في هذه الأيام القصيرة ما افتقدته طوال عمرها من حنان الأب والأخ والصديق....؟!!!
ليتها فهمته هكذا من البداية...!!!
ليتها منحته الفرصة ليعبر عن حبه...!!!!
ليتها لم تغلق في وجهه كل أبواب قلبها...!!!!
ليتها!!!!!
+
أنهيا طعامهما وكلاهما غارق في صمته وشروده....
حتي قطعه هو بقوله :
_هل ستنامين الآن؟!
+
تحركت نحو المائدة الصغيرة لتحمل كتاباً رفعته إليه ...
تناوله منها ليقرأ عنوانه :
_خاتم في إصبع القلب....
ثم التفت لها متسائلاً:
_ما الذي يعنيه هذا؟!
+
جذبته من ذراعه وهي تجلس جواره علي الأريكة...
ثم أمسكت كفه لتكتب:
_اقرأه معي لو أردت.
هز رأسه قائلاً:
_لم أقرأ كتاباً في حياتي غير كتب الدراسة...حتي هذه فشلت فيها...
+
نظرت إليه بتوسل فابتسم قائلاً:
_حسناً...دعينا نقرأ سوياً...
مد ذراعه ليضمها إليه في تردد متسائلاً:
_هل تسمحين لي؟!
+
أومأت برأسها في خجل...
فضمها إليه بأحد ذراعيه ليمسك الكتاب بكفيه حتي يتمكنا من القراءة سوياً...
أراحت رأسها علي صدره وهي تجرب لأول مرة لذة القراءة المشتركة في هذا الوضع...
+
أغمض عينيه بقوة يقاوم أن يقبل رأسها المستريح علي صدره...
يشعر بقلبه يكاد يتوقف من قربها المهلك هذا...
جاهد مشاعره جهاداً وهو يمر بعينيه علي السطور...
لتأخذه أفكار الكتاب بعيداً...
ظلا علي هذا الوضع يقرآن لما يقارب الساعة...
حتي تناولت كفه لتكتب:
_يكفي هذا اليوم حتي لا تمل...
+
ابتسم لها هامساً:
_علي العكس...أنتِ أجدتِ الاختيار...الكتاب ممتع فعلاً...
+
ابتسمت في سعادة وهي تنزع ذراعها من حول كتفها برفق لتقوم ...
فقام بدوره ليسألها في حنان:
_تريدين النوم؟!
أومأت برأسها إيجاباً في كذب بيّن!!!!
هي لا تريد النوم قطعاً!!!
هي فقط تريد التظاهر بالنوم حتي تسمع ما سيقوله لها هذه الليلة أيضاً....
+
سار بها حتي وصلا للسرير...
تمددت عليه للحظات مغمضة عينيها...
مرت عليها دقائق طويلة ...
طويلة جداً كأنها شهور....
حتي سمعته يهمس جوار أذنها:
_هل نمتِ يا جوري؟
1
بالطبع لم ترد عليه وهي تتظاهر بالنوم...
فانتظر لبضع دقائق أخري وكأنه يتعمد أن يزيد عذابها...!!!
+
لكنه في الواقع كان يريد التأكد من أنها نامت حقاً ولن تسمع شيئاً...
عمار الغليظ الطبع لم يستوعب بعد فكرة أن يناجيها بحبه...
خاصة بعد كل ما حدث!!!
ربما يعاملها بحنان بل ويدللها كثيراً...
لكن يبقي التعبير عن مشاعره بالكلمات صعباً جداً علي نفسه!!!!
يبدو أن تظاهرها بالنوم كان ناجحاً فقد اقترب من أذنها ليهمس في حرارة:
_كيف سأقوي علي فراقك يا جوري...وكل يوم يمر علينا معاً يتعلق قلبي بكِ أكثر...ماذا أقول لكِ عن إحساسي وأنتِ بين ذراعي كما كنا الليلة...ماذا أقول لكِ عن قلبي الذي يحترق في قربكِ أكثر مما يحترق في غيابك...ماذا أقول لكِ عن روحي التي لا تجد سكينتها إلا معك...كم قلتِ لي أنني غليظ بلا قلب...وكم كنت أتشوق لأثبت لكِ عكس ذلك...لكنني اليوم أتمني لو أكون حقاً كما تقولين...لو أسحق قلبي تحت قدمي لعلي أُرحَم من عذابي بكِ...أنتِ قاتلتي يا جوري...أنتِ حبيبتي وقاتلتي!!!
2
غابت عن الوعي حقاً هذه المرة وهي تشعر بكلماته تدوّخها ....
تدور بها في فضاء كبير بسرعة كطفل صغير...
لتتعالي ضحكات روحها الصاخبة فرحة بكل هذه المشاعر التي لم تتخيلها يوماً....
سعيدة هي بحبه الكبير الذي يغرقها بفيضه...
لكنها لازالت حائرة بشأنه...
لماذا يعجز عن التعبير عن مشاعره هكذا؟!!!
لماذا لا يخبرها بكل هذا إلا وهو يظنها نائمة؟!!!
لماذا لا يترك نفسه علي طبيعتها لتبدو لها روحه الجذابة الآسرة؟!!!
لماذا؟!!
=====================================
انتهى الفصل
1