رواية حصنك الغائب الفصل الثاني عشر 12 بقلم دفنا عمر
الفصل الثاني عشر
**********
في القاهرة!
+
تستعرض أمامه الرداء ربما يكون السادس حقًا لا يتذكر!
+
_ها يا آبيه ظافر.. أنهي طقم فيهم حلو للفرح والحنة؟
+
تنهد وهز رأسه بضجر: يابنتي بقالك ساعة بتوريني هدوم أشكال والوان.. كلهم حـلوين عليكي وبجد مش عارف اختار!
+
تذمرت بطفولة: كده بردو يا آبيه مش عايز تساعدني؟ أمال انا لبستهم قصادك ليه.. أكيد في طقم أحلى من التاني!
+
ضحكت والدتهما " هالة" وأردفت: سيبك منها ياظافر
وقوم جهز نفسك انت.. حتى لو قولتلها هتختار حاجة تانية.. أنت مش عارف اختك " إيلاف" وجنانها..!
+
دبت الأخيرة قدميها بالأرض اعتراضًا:أنا مجنونة يا ماما؟ طب شكرا أنا هريحكم مني خالص واروح أوضتي واختار لوحدي!
+
والتقطها قبل أن تغادرهما ضاحكًا:
خلاص يا إيلي هقولك والله.. الطقم الأخضر البسيه في الحنة.. والوردي والأكسسوار بتاعه ده هيبقي تحفة للفرح.. إيه رأيك في ذوقي؟
+
عانقته برضا لنيلها مساعدته: حبيبي يا آبيه ظافر.. خلاص هلبس اللي قولته .. وواصلت تحدثهما بغرور محبب: وليكم حق تحتاروا يا جماعة.. أي حاجة أصلا بتليق عليا وبتبقى حلوة.
+
قهقه مردفًا: طب لما هو كده عاملالي صداع من الصبح ليه يا مورستان انتي.. يلا طيب على أوضتك جهزي بقيت حاجتك بعيد عني عشان ساعة بالكتير وهنمشي!
+
هتفت وهي تشاكسه: بتطردني يا آبيه! مااااشي خليك فاكر! وذهبت على الفور لتُعد باقي أشيائها، بينما هدأت ضحكات ظافر وهتفت والدته بجدية:
أنت هتفضل معانا كام يوم في المنصورة ياحبيبي!؟
+
تمتم: يومين والتالت همشي يا أمي عشان شغلي، بس حضرتك وإيلي كملوا الأسبوع عادي.. اهو تغير جو وعشان تشوفي خالتي وتطمني عليها!
+
_ أه والله عايزة اشوفها هي والولاد.. فرصة واحنا هناك نطمن على الكل!
واستأنفت: بس هسيبك لوحدك..أنا هرجع معاك وخلاص، وهحاول انجز في زياراتي كلها!
+
هز رأسه معترضًا: لا طبعا ياماما.. ده أول يومين. يدوب هيعدو عند خالي عشان الفرح.. أمتى بقى هتلحقي تروحي عندها.. وبعدين أنا برجع البيت على النوم وبكون أكلت بره..ماتقلقيش يا لولو!
+
ربتت على كفه متمتمة بحنان: مش هطمن عليك إلا اما تحققلي أملي وتريحني يا ظافر.. ثم حدجته بعتاب: لو سمعت كلامي، كان. زمان الفرح ده فرحك انت مش فرح ابن خالك!
+
هتفت بهدوء: ماما كل حاجة نصيب.."سهى" من نصيب أيمن ابن خالي.. أنا مش عايز اتجوز دلوقت خالص.. شغلي وانتم اهم حاجة عندي.. وكمان إيلي لازم اطمن عليها احد ماتدخل جامعتها وتتخرج كمان.. أنا مش مستعجل علي جواز..!
+
أعترضت مستنكرة: نعم؟ عايز تفضل مشحتفني كده لحد ماتتخرج اختك من جامعتها اللي لسه في ثانوية عامة؟! لا ده انت كده هتزودها أوي.. هو انت ناقصك إيه؟ الحمد لله ولا عندنا مشاكل مادية ولا حاجة تعطلك.. وانا نفسي اشوف عيالك يا ظافر.. يا ابني انت دلوقت 28 سنة.. يدوب تتجوز وتعمل عيلة
+
ثم هتفت بحماس: طب إيه رأيك في "صبا" بنت عمك؟جمال وثقافة وأصل.. هتكون ونعم الزوجة ليك، ولعلمك البنت دي بتميل ليك أسألني أنا..!
+
نهض ليضع نهاية لحديثها الذي لا تمله بهذا الشأن:
+
ولا هسأل ولا عايز اعرف حاجة، صبا بنت عمي واختي وبسسس! وعن إذنك بقى يا ماما اعمل تليفون مهم اظبط فيه الشغل في غيابي!
+
وقبل أن تتفوه بحرف أخر. كان خارج الغرفة، تاركًا إياها تغمغم بضيق: أنت كده دايما معرفش اخد معاك حق ولا باطل.. نسخة من ابوك الله يرحمه، نفس دماغه الناشفة ولا الصعايدة!
+
ثم تنهدت مستسلمة لعزوفه: ربنا يهديك يا ظافر ويطمني عليك أنت واختك.. وربنا يطول في عمري لحد ما اشوفكم في بيوتكم متهنين حواليكم ولادكم!
________________________
في شركة عاصم!
+
صباح الخير يا عمي.. عامل أيه واخبار بلقيس أيه؟
+
_ صباح الفل يا يزيد، بخير الحمد لله على كل حال
أهي بقيت تطمن طول ماهي في البيت، المهم مابقاش في حد غريب حواليها للأسف مش بتتقبل حد حواليها غيري انا ودُرة.. وبقينا نفرجها على أفلام أجنبي من اللي كانت بتحبها وهي بتتابع طبعا بدون كلام، بس اهو بحس انها رجعت تمارس حاجة من عادتها، وربنا كريم يا ابني!
+
_ الحمد لله ياعمي ولسه هتكون أفضل بإذن الله الأمراض النفسية مالهاش وقت محدد للشفا، في لحظة هيتبدل حالها..!
+
أومأ برأسه: وده عشمنا في ربنا ، وواصل: طمني على شغلك يا يزيد!
_ الحمد لله ماشي كويس جدا، وابتديت اتعاقد مع شركات معروفة. وكسبت ثقة. معقولة في الفترة دي، وكله بعد ربنا بدعمك ليا ياعمي!
_ ماتقولش كده، كله بجهدك، أنا مهما شكرت ولا انحازت ليك، لو انت مش شاطر وطموح وزكي، عمر ما حاجة هتثبتك مكانك ابدا.. وعارف ان على أيدك، اسم عيلة ابو المجد هيكون علامة في عالم الإنشاءات..!
+
_ بأذن الله ياعمي هرفع راسك واشرفك دايما..!
وواصل: طيب انا هستأذن حضرتك أرجع شركتي.. مش عايز مني أي حاجة؟
_ لا ياحبيبي عايز سلامتك! وسلم على ياسين ابن خالتك واحمد صاحبك!
+
ما ان لفظ العم اسم صديقه، حتي تمتم: ياه كنت هنسى.. في موصوع سريع كده كنت عايز حضرتك فيه، ووصاني بيه أحمد..!
ثم أردف بشيء من المزاح: مش حضرتك بس اللي بتجيبلي شغل، هو صحيح حاجة. بسيطة، بس بردو أهو اسمه عميل!
+
ضحك عاصم برزانة وقال: عميل أيه ده بقى اللي جايبه يا بشمهندس؟
+
_صاحب كافيه ومطعم كبير، عايز يستورد منك منتجات غذائية وفوكهه أروجنك ومعلبات .. تقريبا سمع عن جودة منتجاتك وحابب يكون في تعامل مشترك!
+
_ ولو اني بصدر للخارج بس وطلبيات ضخمة.. بس معنديش مانع.. خليه يتصل بعلي وهو هيرتب معاه معاد الأسبوع الجاي.. لأن مش هاجي بقيت الأسبوع عشان جلسات بلقيس مع الطبيب بتاعها..!
+
_ماشي ياعمي وربنا يشفيها في أقرب وقت، ومتشكر إنك وافقت علي طلب أحمد، يلا أسيبك على خير.. وسلامي لمرات عمي ولبلقيس!
+
_ عيب يا ولد انت تطلب وتتمنى من عمك.. يلا في رعاية الله، وربنا يوفقك!
_____________________
+
بعد يومان!
+
زكية خليكي مع بلقيس، هي بتتفرج على الفيلم، هعملها شوربة بتحبها وهاجي بسرع!
الخادمة: حاضر ياست دُرة!
+
جلست جوارها الخادمة. وراحت تطالعها بشفقة مردفة بعطف: ربنا يشفيكي يا ست بلقيس.. أنا زعلانة عشانك أوي.. ومقهورة على ست دُرة وسي عاصم.. هيتجننوا عليكي ياكبدي.. وليهم حق ده انتي الحيلة اللي طلعوا بيها من الدنيا.. ثم مصمصت شفتيها مغمغمة: إلهي ما يوجع حد على ضناه.. ويشفيكي بابلقيس يابنت دُرة!
+
تقلصت ملامح العجوز ألما ممسكة معدتها، وقالت:
آه.. أنا شكلي أخدت برد ولا إيه؟ ثم وقفت تمتم: معلش ياست بلقيس هروح بسرعة لا مؤاخذة " الحمام" ومش هغيب دقايق واجيلك.. أوعي تقومي الله لا يسيئك..أحسن ست دُرة تبهدلني، وانا مش هتأخر، ثم وضعت أمامها كاسة العصير: أشربي العصير ده على ما ارجعلك!
+
ظلت ساكنة بجلستها الصامتة تتابع عيناها مشاهد تمثيلية لإحدى الأفلام التي كانت تفضلها، فتصاعدت الأحداث لترى بغتة مشهد قريب لما عانته، رجل يختطف فتاة ويكبلها وأخذها عَلَى حِينِ غِرة حاجزًا صراخها قبل أن ينطلق من حلقها.. وبلمح البصر.. هاجت الذكرى كما يحدث دائما كلما طرأ ما يُحيها داخلها، لتتجسد بنفس قساوتها ومشاعرها ترتجف والأصوت تمتزج بمشاهد افتراضية.. ووجدت نفسها تجري لتعبر للخارج بثواني خاطفة حتى أبتعدت بعض الشيء، هاربة من شيء غير مرئي يطاردها
+
تشابكت خطواتها المرتبكة فوقعت، فساعدها شابًا لم يقصد سوى خيرا حين رآي ذعرها ووقوعها، لكنها لم تراه سوى إحداهم، فهرولت بعيدًا بالطرقات تبحث عنه هو منقذها.. حتمًا سيأتي.. .. هكذا ظنها.. لن يتركها لأذى يصيبها..وليتها عَلِمت كم كان قريبًا..!
_____________________
+
على الجهة الأخرى بزاوية بعيدة عنها نوعا ما .. واقفا ظافر مستمعا لصديقه عبر الهاتف:
وبعدين بقى.. مش هعرف اتريض بروقان.. رغي رغي كده على الصبح..!
+
عامر بحنق: طبعا.. ناس تسافر لأهلها وتحضر أفراح بالليل..والصبح تتمشي وتعمل رياضة.. وناس تشتغل ويطلع عينها..!
+
ظافر ببرود: بطل قر احسن البلد تولع من نبرك..مش عايزني احضر فرح ابن خالي؟! ثم استطرد ليستفزه:
+
بس الطبيعة في المنصورة هنا تجنن.. طول الوقت بتمشى بين الخضرة واستجم..! بفكر أكمل الأسبوع هنا..!
+
هتف بتهكم: ومالوا يا اخويا استجم واستمتع وكمل الأسبوع، مش الخدام الفلبيني شغال مكانك.. عيش يامان!
+
ضحك :
_خلاص ياعم بهزر، أنت عارف ماليش في أجازات طويلة.. بكرة بإذن الله هارجع..! واقفل بقى وجعت دماغي خليني اكمل تريض وهكلمك بالليل.. سلام!
+
أنهي مكالمته مع عامر، وواصل السير وهو يجوب شوارع تلك المدينة، متفحصًا تلك المنشاءات جميلة المظهر، ولا يعرف تحديدًا أين وصلت قدماه، ربما ابتعد قليلا عن بيت الخال، ولكن لا بأس، سيعود بعد أن يكمل تريضه المعتاد..ومن الجيد أنه استطاع ممارسة طقوسه هنا أيضًا..وقف بمحيط زاوية ما اعجبته خلفيتها، ورفع هاتفه ليلتقط صورة سيلفي له، ثم طالع ما التقطه، ففوجيء بظهور فتاة بزاوية الصورة بهيئة عجيبة،ضيق حدقتاه متمعنًا النظر بها، فبدا شعرها غير مهندم، وجهها غير واضح تفاصيله، ترتدى كنزة وبنطال بيتي، التفت ليجدها ابتعدت قليلا وكأنها تهرول، لم يرتاب في الأمر رغم غرابة هيئتها، وأعاد التقاط الصورة من زاوية أخرى، وبعثها لعامر كي يشاكسه مع رسالة يعلم أنها ستشعل حنقه أكثر.. ثم دس هاتفه بجيبه مرة أخرى.. وضع كفيه بتجويف جانبني بنطاله، والتفت لتقع عيناه على نفس الفتاة، واسترعى انتباهه نظراتها الخائفة، وهي توزع أنظارها حولها بضياع وتيه.. وبالقرب منها شاب يرمقها بنظرة لم يستطع بموقعه تبين طبيعتها، هل عابسة؟ أم غير ذلك؟ وجدها تنكفيء على وجهها من الخوف، والشاب يمد يده، فتحفزت خلاياه ونفرت عروقه تحسبًا للتدخل إن ضايقها ذاك الشاب..لكن سرعان ما ابتعد الشاب وهو يشير بكفيه معتذرًا بطريقة واضحة ، فتراجع ظافر عن ذهابه إليها مكتفيًا بمراقبتها وهو يفكر..لما مازالت الفتاة خائفة بشكل مبالغ فيه..وقدماها تتعركل وتتشابك.. هي لم تشاهد " ديناصور" عملاق لكل هذا الفزع، مجرد شخص ومضى في طريقه.. ولم يلحظ ابدا منه أذيه، تحليل المشهد من بعيد يرجح ان الشاب كان يساعدها.. أنبأته فراسته أنها ربما تشكوا من خطبٍ ما.. هَمَ بالترجل تجاهها مرة أخرى ليساعدها ويوصلها لمنزلها بأمان، فوجد إمرأة مسنة بملابس بسيطة تقترب منها وتضمها جاذبة إياها برفق لتختفي بعدها داخل بوابة كبيرة لإحدي الڤيلات الجانبية بهذا الشارع! فتنفس الصعداء لعودة تلك المسكينة لمسكنها، وعاد أدراجه حيث منزل الخال!
_________________________
+
حمدت الله أنها أدركت سيدتها الصغيرة وأعادتها إلى البيت قبل أن تنتبه سيدتها دُرة لإهمالها.. وإلا ما كانت نفذت من توبيخ تستحقه.. الفتاة غير واعية وربما كانت تبتعد أكثر وأصابها مكروه!، هتفت:
كده يا ست بلقيس تخرجي من ورايا، لو أمك أخدت بالها كانت بقيت حكاية، وماكنتش هسامح نفسي لو جرالك حاجة.. ولو عايزة تتمشي.. تعالي نتمشى في الجنينة.. ودفعت ظهرها برفق لتحثها على السير: يلا ياقلبي نتمشى على ما والدتك تيجي!
+
أما هي فرسخ لها عقلها الباطن أن أي محاولة للخروج من شرنقة عزلتها وخارج حدود مسكنها وأسرتها، ستجد إحدى الغربان تحوطها.. فلتظل بعالمها المسيج الآمن.. لن تخرج مفردها.. لن تتحدث.. لن تستجيب لأحد..عداه هو..!
_________________________
+
صباح الخير ياطنط.. أخبارك إيه ورائد عامل إيه دلوقت؟
+
تلحف صوتها بالحزن وكسى ملامحها بؤس شديد:
_ مافيش جديد يا رودي.. قلبي مفطور على ابني واللي جراله..وياريتني عارفة أصلا إيه وصله لحالته دي.. العجز هيقتلني لأني مش عارفة اساعده.. أسوأ حاجة على الأم إنها ماتقدرش تساعد ابنها في محنته وتخفف وجعه!
+
ربتت الفتاة على كفها بتعاطف: معلش ياطنط احمدي ربنا انه معاكي حتى لو مش فاكر حاجة.. تخيلي كده لو الراجل اللي انقذه في وقت مناسب كان مش انقذه؟! أو كان مش قدر يوصل ليكم مثلا وكنتي معرفتيش طريقه ولا عرفتي انه عايش؟! كنتي هتحسي بأيه؟ طب قارني بين افتراضي ده وبين الوضع الحالي..ع الأقل رائد قصاد عنيكي بتراعيه وتهتمي بيه وتعالجيه.. وأكيد في يوم من الأيام هيخف ويرجع احسن ما كان زي ما قال الدكتور.. يبقي ليه بقى الحزن والتشاؤم ده؟
+
ومضت عيناها بإعجاب وتلك الصغيرة تبثها كل هذا الكم من التفاؤل والأمل بكلماتها البسيطة العقلانية.. فتمتمت وهي تمسح بحنان على شعرها:
+
ماشاء الله يارودي.. كلامك زي السحر خفف وجعي وريح قلبي.. ربنا مايحرمني منك يابنتي..!
+
هتفت الأخيرة: ماتقوليش كده ياطنط.. أنا ورائد جيران من طفولتنا.. وانتي عارفة إني بعتبركم أهلي!
واستأنفت ببعض المرح: تسمحيلي بقى اروح اعمل عصير فريش لرائد واطمن عليه بنفسي؟
+
ابتسمت لها: طبعا ياحبيبتي اتفضلي.. بس خلي" هنية" تعمله بدالك هي في المطبخ!
_لأ يا طنط أنا هعمله بنفسي .. هو قاعد فين؟!
_ هتلاقيه قاعد في "الڤرندة" برة!
_ خلاص هروحله بالعصير وارغي معاه شويه! قبل ما ارجع البيت!
+
تابعتها أم رائد بنظرات غامضة.. وداخلها ينمو شعور مبهم أن تلك الفتاة ربما تكون عونًا لولدها بمحنته.. خاصتًا إن لم تعد هي بهذا العالم، فثَمة قبضة تعتصر قلبها أن أجله! كيف ستتركه بمفرده وهي ضائع لا يتذكر شيء عن حياته السابقة طمست كل ذكرياته حتى أنه لا يتذكرها هي وشقيقه الأكبر " أيهم" الذي اضطر للعودة لمتابعة أعماله في "سويسرا" حيث أسس مستقبله وعائلته هناك.. فلا تستطيع أن تطلب منه التضحية بكل ما شيده هو زوجته من حياة لأولادهما ووظائف وممتلكات معقولة.. وتجبره أن يعود إلى هنا.. ربما كانت تنتظر منه هو قرار العودة بإرادته.. لكن لن تنكر تلك الغصة بأن الغربة أكسبت " أيهم" بعض الجفا.. وبعده عنهما أصبح عادة..هو لم يبخل بمالًا قط.. ترك مايكفيهما وأكثر.. غير ورثها هي الذي تدخره.. هي لا تفتقد المال، بل تفتقد وجوده بينهما..!
+
تنهدت بحزن وزفرت ما بصدرها وعادت " رودي" تحتل بؤرة تفكيرها مرة أخرى! هي من تعرف كيف تتعامل معه وتهديء ثوراته حين تصادف اندلاعها وهي برفقتهم! صبورة وحنونة وتهتم به بشكل عجيب.. فماذا لو أصبحت تلك الملاك زوجة رائد؟!!
التوى ثغرها بابتسامة وتمتمت بتروي: ليه لأ؟! حتى لو هكون أنانية في الجوازة دي.. بس ابني محتاجها.. ومش هنحرمها من حاجة.. لو طلبت لبن العصفور هنجيبه.. بس تفضل مع رائد ولو ربنا أخد أمانته هكون مرتاحة ان في واحدة هتسنده وتعينه على وحدته وضياعه.. زفرت تلك المرة براحة شديدة أثلجت صدرها.. ولأول مرة ستخطط لشيء كهذا بعزم غزى كل كيانها وهي تحسم بعقلها هذا القرار.. رودي ستتزوج رائد..... مهما كان الثمن!
_____________________________
+
_ بتقولي إيه يا ماما؟ ازاي عايزة تجوزي رائد وهو في الحالة دي؟!
+
هتفت باعتراض: ومالها الحالة دي؟ أخوك مش مجنون يا " أيهم" ومسيره يبقي زي الفل دي مسألة وقت.. والجواز هينسيه همه، واما يستقر مع واحدة تراعيه وتحبه، نفسيته هتتحسن وهيفتكر كل حاجة ويرجع لطبيعته!
+
أيهم: يعني ده مش ظلم للبنت يا ماما..؟ وبعدين رائد نفسه هيتقبل جواز في ظروفه دي؟!
+
_ مالها ظروفه بعد الشر؟! وبعدين ظلم للبنت في إيه هو انا لا سمح الله هخدعها؟ اللي اختارتها تبقي "رودي" بنت الجيران.. وعارفة كل حاجة عننا ومتربية مع اخوك.. وانا ملاحظة اهتمامها بيه.. وقلبي بيقولي إنها بتحبه رغم حالته وبتخاف عليه أوي، دي كل يوم. تيجي تعمله تطمن عليه بنفسها وتقعد تكلمه وتسليه..!
+
ثم تمتمت بحزن: مش يمكن علاجه يكون معاها يا ابني.. الحب بيعمل المعجزات.. وأنا قلبي بيقولي إنه على أيدها هينصلح حاله ويخف بسرعة.. أصلك لو شوفت ازاي بتتعامل معاه أما بتجيله نوبة العصبية، كنت فهمتني..أكيد البنت دي بتحب اخوك.. ومن مصلحته يتجوزها.. محدش ضامن عمره يا " أيهم" أنت عايش بعيد عننا مع مراتك وعيالك وحياتك مستقرة هناك.. وانا يا ابني لو عايشة انهاردة ياعالم بكرة هكون فين! ( علق سريعًا: بعد الشر عليكي يا ماما. ربنا يطول في عمرك)..أبتسمت بحزن: دي سنة الحياة يا ابني، عشان. كده عايزة اطمن عليه مع بنت حلال قبل ما أمر ربك ينفذ.. أنا مابنامش من خوفي كل اما اتصور انه ممكن في يوم يكون لوحده.. صدقني قرار جوازه ده افضل حاجة دلوقت.. ها.. إيه رأيك؟
+
صمت برهة يحلل ما قالت والدته، وشعر أنها محقة، هو بالفعل لا ينوي ترك حياته واستقراره مع أسرته، خاصتًا بعد أن عرض على والدته أن تأتي هي وشقيقه ليعيشا معه، لكنها رفضت رفض قاطع أن تتغرب عن بلدها.. ربما يكون قرارها حقًا بصالح " رائد" وصالحه هو أيضًا، لينزاح عن كاهله أي عبء تجاهه.. ومن. يدري ربما يأتي الخير بتلك الزيجة"
+
هتف بهدوء: خلاص يا ماما.. أنا موافق.. كلمي البنت وأهلها.. وانا مستعد انزل بمراتي وعيالي.. ونحضر كل حاجة ونرجع بعدها.. وياريت لو تريحيني ساعتها وتيجي تعيشي معايا..!
+
أردفت سريعا: واسيب أخوك؟
_ ماهو هيكون اتجوز واطمنتي عليه يا أمي!
+
_ لا بردو مش هسيبه وهيعيش معايا هو ومراته.. رائد مش هيغيب عن عيني ابدا..!
+
تنهد برضوخ: والله يا أمي انا عملت اللي عليا، كام مرة بطلب منك تعيشي معايا وانتي بترفضي.. عموما ظبطي وأنا تحت أمرك.. وقت ما تعوزي أنزل هاجي فورا مش هتأخر.. ها راضية كده يا يا الكل!
+
ابتسمت براحة: ربنا يرضى عليك يا أيهم.. صحيح كان نفسي انت كمان تكون جمبي بعيالك ومراتك، بس مقدرش اقولك سيب مستقبلك اللي بنيته هناك وتعالي، ربنا يكتبلك أنت واخوك الخير مكان ما تكونوا.. خلاص سلملي انت على الولاد ومراتك وانا هروح اشوف اخوك!
_ تسلمي يا أمي.. خلاص روحي وسلمي عليه وانا هكلمه بعد شوية"
__________________________
+
وجدته جالس بهدوء حزين، متأملا محيطه بشرود، فاقتربت ووضعت كاسة العصير فوق الطاولة القريبة، وهتفت:
_ عملتلك العصير الفريش يا رائد.. اتفضل!
تمتم: شكرا.. تعبني نفسك!
مازحته: إيه الرسمية اللي بتكلمني بيها دي.. أنا رودي جارتك وصديقة طفولتك، مش غريبة عنك.. وواصلت بحماس: أيه رأيك نخرج نتمشى شوية الجو حلو جدا
+
أجاب بدون حماس: لا مش حابب اخرج!
_ليه بس.. الجو فعلا يشجع.. تعالى بس ومش هنتأخر
ماهو مش معقول تفضل حابس نفسك بين اربع جدران كده.. بلاش تعقد الدنيا يا رائد.. انت وسط أهلك ومسيرك هتفتكر وكلنا جمبك وبنساعدك.. ليه مستسلم كده لحزنك ومعيش نفسك في كآبة؟
+
تلون وجهه ببوادر عاصفة وشيكة:
+
أما تبقي مكاني وتاريخ حياتك اللي فات كله اتمسح من دماغك ومش فاكرة حتى اللي بيقولوا انهم أهلك، ولا فاكرة اصحاب ولا مواقف.. ولا شكل علاقتك بالناس كانت ازاي.. وإيه وصلك لحادث يفقدك الذاكرة.. ابقي تعالي ساعتها كلميني عن البساطة!
+
ثم دفع كاسة العصير، لتسقط أرضا بدوي مزعج:
ومش عايز عصير..!
+
تركها مغادرا محيطها بزوبعة، فظلت تتابعه بعيناها التي اغتامت بسحابة دموع..سقط أخيرًا حزنًا على حال رفيق طفولتها.. الذي عادت تراه بعد أن كان بعيد بملكوته العابث.. كانت تدري علاقاته، ملتزمة الصمت تراقبه بحسرة.. ومشاعرها تنمو تجاهه بصمت دون علم أحد.. والآن أتتها الفرصة لتكون جواره مرة أخرى
ولا يعنيها قط فقده لذاكرته.. فقط تريد ملازمته وتخفيف ألمه!
+
جففت دمعتها ونظرت للكأس المهشم.. وشعرت أنها تشاطره نفس حالته.. مهشمة .. ضائعة مثله..!
+
--------------------------------------------------
ليه مش موافق على الجواز ياحبيبي.. هي رودي وحشة؟ دي بتحبك وفرحانة بيك وراضية بظروفك!
+
حدج والدته بضيق وتمتم بغصب: أنا مش فاهمك! أتجوز ازاي وانا في الحالة دي ومش فاكر حاجة ولا حد.. انا حتى مش فاكرك انتي شخصيًا..لولا الأوراق والصور اللي وريتهالي كنت شكيت انكم أهلي.. انا حاسس اني تايه.. مش قادر افتكر أي حاجة حصلتلي ووصلتني لكده.. أنا كنت ازاي.. كنت بعمل إيه.. علاقتي بالناس كان شكلها إيه.. وبعدين افرضي كنت مرتبط بواحدة فعلا من قبل ما افقد الذاكرة وانتي متعرفيش؟! مش ده احتمال وارد؟!
+
هتفت بثبات: وافرض كنت مرتبط وانا معرفش.. اللي ما ماتظهرش في محنتك اللي انت فيها وتقف جمبك وتعلن عن وجودها وعلاقتكم اللي انت بتفترضها.. يبقى كأنها مش موجودة يا ابني.. لكن اللي جمبك من يوم ما رجعت وبتسأل عليك كل يوم وبتهتم لأمرك وحبها ليك باين للأعمى، هي دي اللي تستحقك وهتصونك وتتحملك يا رائد! وأنا في النهاية اختارتلك واحدة عارفاك وعارفة أصلك وعيلتك واحنا كمان عارفينها كويس.. يعني دي أنسب اختيار ليك يا ابني! ثم اقتربت منه تستجديه بنبرة لمست قلبه الذي يعرفها حتى وإن لم يتذكرها عقله:
+
ريح قلب أمك يا رائد.. أنا حاسة يا ابني إن أيامي بقيت معدودة في الدنيا.. خليني اطمن عليك قبل ما اموت!
+
غصة اعتصرت قلبه وهو يتصور فقدانها..ومجرد تخيل أنها غير موجودة بعالمه أرعبه گ طفل مهدد بفقد من سكن حشاها وشعوره الفطري بها فرض سطوته وخدره.. فتمتم بتردد:
+
سيبيني افكر شوية واحاول اتقبل الموضوع.. أنا مش مستعد اتجوز دلوقت، بس ممكن خطوبة لحد ما.......
+
قاطعته بلهفة مستغلة تجاوبه الطفيف: وماله يا حبيبي نعملكم بس خطوبة. كام شهر لحد ما تتقبل الموضوع وتاخد عليها..وفي اجازة اخوك " أيهم " أما ينزل تتجوز على خير.. صدقني ياحبيبي انا حاسة إن جوازتك دي وراها الخير كله.. وهكون مطمنة عليك!
+
رمقها بحيرة وعقل مشوش.. لا يعرف قرارا جازما لأمره.. هل حقًا يكمن في زيجته الخير؟! خاصتًا أن مشاعر الفتاة واضحة لديه.. هي تحبه ربما منذ فترة.. فعيناه لم تخطيء لمعة العشق حين تراه.. لكنه غير مؤهل لتلقي أي مشاعر وهو بتلك الحالة.. تنهد زافرا كل قلقه وحيرته.. تاركًا الأمر برمته الآن.. فلتفعل المقادير به ما تشاء.. هو بالفعل أصبح لا يملك إرادة لشيء.. الجميع حوله هم من يشكلون حاضره.. أما ماضيه.. فلم يعد يذكره.. أصبح صفحة بيضاء لا تحوي حرفًا يشي بكينونته المجهولة!
____________________
+
_ وحشتني يا ناجي.. عامل إيه وولادك ياسين وعطر
_ بخير يامحمد.. وليك وحشة أكبر والله.. مش نازل بقي، طولت الغيبة علينا..!
_ منا متصل عشان ابشرك أني خلاص برتب لنزولي
ناجي بسعادة: بجد يامحمد.. يااااه ده انا عندي كلام كتير أوي محوشه ليك.. إمتي نازل ياغالي؟
_ هتعرف قريب، أحجز بس الطيران وهتصل بيك..انت شغال في إيه دلوقت؟
+
_ أنا زارع أرضي قطن والحمد لله الأمور ماشية معايا ومستورة، ده غير إني شاركت ابن أخوك يزيد في مشروعه بنسبة بسيطة، وياسين ابني شغال معاه!
+
_ ماشاء الله ..ربنا يزيدك .. وواصل: طب انا كنت عايز اعرف منك حاجة ياناجي وبالله عليك ماتخبي عني!
_ خير اسأل ول اعرف مش هتأخر
_ أخويا عاصم.. كويس؟
_ الحمد لله زي الفل!
_ أكيد ياناجي؟
_ أكيد طبعا.. انت وصلك حاجة؟
_ لا.. مجرد إحساس ان أخويا عنده مشكلة ومن فترة بكدب إحساسي! ها يا ناجي في حاجة تعرفها؟
+
الكذب أحيانًا خيار أمثل ورأفة لأحدهم.. لن يوجع قلبه على ابنة أخيه، هو يعلم انها مريضة، لايفهم أسبابا واضحة، لكن أخبرته عطر بحادث اصابها وجعل حالتها النفسية غير مستقرة، وهذا حتما سبب تغير عاصم"
+
_ إيه ياناجي فينك؟
_ ألو.. محمد أنت معايا؟ شكل الشبكة مش مظبوطة.. عموما لو سامعني انا منتظر تبلغني بمعاد وصولك.. وربنا يجمعنا علي خير ياصاحب العمر!
وأغلق بعد أن تظاهر بعدم سماعه.. فلا يقوى هو على ابلاغه شيء يؤلمه.. هو رفيق عزيز لديه، وبينهما صداقة قديمة ستعود ثانيًا بعودته!
____________________
+
بعد خمسة أشهر!
+
_أنا مبسوط أوي ياكريمة.. محمد حجز طيران وجاي بعد أول الشهر هو ومراته وولاده.. أخيرا هتنتهي غربته.. لازم يبقى وسطينا خصوصًا في الظروف دي"
+
ابتسمت لسعادته: ربنا يجيبه بالسلامة ومايحرمكم من بعض.. وانا وصيت على الجناح اللي فوق كله يجهز ليهم زي ما طلبت مني..!
+
تمتم: شكرا يا كريمة.. انا بصراحة اتعمدت اني اقوله فيلته محتاجة وقت تجهز.. عشان يفضل معانا شوية هنا أشبع منه ومن الولاد.. وكمان انتي عارفة ظروف عاصم وبنته، صعب كان هو يستقبله..!
_ انا فهماك ومبسوطة اننا هنستضيفهم.. يمكن وشهم يكون خير علينا وبلقيس تخف ويرجع عاصم ومراته مبسوطين!
_ أنا واثق من كده.. بلقيس وسط اللمة والدفء حواليها لازم هتتحسن ..الحب دايما علاج حاجات كتير..!
+
شاكسته: ياسيدي على الكلام الحلو.. مزاجك عالي يا ابو يزيد انهاردة.. بركاتك يامحمد!
+
قهقة لحديثها ثم ضمها مردفا برضا وامتنان: ربنا مَن عيا بزوجة صالحة عمرها ما زعلتني.. وولاد كويسين ..واخوات الحمد لله ينشد الضهر بيهم.. واخير هنتجمع كلنا وحوالينا ولادنا.. ليه مش هكون رايق.. ربنا يديمها علينا يا كريمة ويبعد عنا كل شر..!
+
ربتت على كفه المبسوطة على كتفها: اللهم أمين ياغالي.. ومايحرمناش منك يا أدهم!
__________________________
عبر الهاتف!
أدهم: صباح الخير يا بشمهندسة يا صغننة!
ضحكت عطر متمتمة: بردو صغننة، ماشي ياعمو.. عموما صباح السكر!
_ طبعا صغننة، مهما كبرتم في نظرنا صغار.. المهم عمك عايز منك خدمة ومحدش هيساعدني غيرك!
_ حضرتك. تؤمر وأنا انفذ ياعمو.. خدمة إيه؟
_ شوفي يا ستي انا عايز منك............... ..
+
واسترسل يقص لها طلبه فهتفت بعدها بحماس:
بس كده.. ده ملعبي يا دومي.. بص بقى أنا هبهرك بالنتيجة.. بس المهم وفرلي كل طلباتي والعمال اللي هحتاجهم وأسبوعين بالكتير وهتشوف النتيجة!
+
_ أيوة كده ورينا الهمة.. عموما عابد هيساعدك في اللي يخصه طبعا.. عايز انبهر بشغلكم!
_ لا ياعمو من جهة الانبهار.. أنا متأكدة وهتشوف.. وحمد لله علي سلامة عمو محمد مقدما..!
_ الله سلمك ياحبيبتي.. يلا هسيبك بقي ومنتظر طلباتي عشان نبتدي!
_ اتفقنا ياعمو.. بكرة هكلمك!
+
_________________________
وحان وقت وصول الغائب!
+
كنت باتذكر .. وأنا فى غاية الأسى
لعبنا الكورة فى حوش المدرسة
والشقاوة وأحنا لسه صغيرين
والبراءة والصحاب الطيبين
+
لما سألتنى اللى جنبى!
أنت مصرى ؟ دق قلبى!
+
أسم زى السحر رفرف علي المكان!
زى نسمة مهفهفة بصوت الآدان!
أيوه مصريين لآخر كل نقطة فى دمنا
+
شوقى زاد للعشرة والناس العزاز..!
وابتديت أكتب وأنا فوق السحاب!
أبتديت يا حبيبي فى أول جواب!
مصر أنتى حته منى!
مش مجرد أسم وطنى
+
قالوا فاضل نص ساعة على الوصول
قولت أية معنى الساعات والا الفصول
+
وأبتدى شئ ينجرح جوه الوجود
وأبتدينا أسئلة مالهاش ردود
ميلنا على الشباك نخبى دمعة فرت مننا"
ميلنا على الشباك نخبى دمعة فرت مننا"
.........
+
تتأمل استرخاءه بحنان جوارها بمقعد الطائرة، عيناه مسدلة، وابتسامة حالمة تشق شفتيه، وصوت اغنيته المفضلة يتدفق عبر سماعات أذنيه.. فنكزته برفق، فانتبه لها وأزال سماعاته ينظر لها، فهتفت:
+
_ أنا كده هغير على فكره.. ابتسامتك واندماجك مع الأغنية دي.. محسسني أنك رجعت مراهق بتسمع صوت حبيبتك في التليفون!
+
اتسعت ابتسامته: بحب الأغنية دي أوي يا عبير..رغم حزنها بس بشم فيها ريحة مصر .. اما سافرت سمعتها وانا حزين.. لكن دلوقت بسمعها وانا فرحان زي العيل الصغير.. بسترجع كل ذكراياتي مع والدي ووالدتي واخواتي، لعبنا وهزارنا وحتى خناقنا على حاجات تافهة.. بفتكر كل حاجة كأني ماغبتش يوم واحد عن بلدي.. الحمد لله إني راجع بعد ما حققت كتير من اللي اتمنيته..راجع اقول لأخواتي اخوكم الصغير درس واتفوق واشتغل واتجوز وعمل عيلة حلوة.. وراجع بيها ليكم!
+
ترقرقت عيناها لمشاعره الجياشة وحديثه لمس قلبها من صدقه، فتمتمت: الحمد لله يامحمد.. ده فضل ربنا علينا.. وبإذن الله الأيام الجاية نعوض اللي ضاع بغربتنا ونشبع من أهلنا وولادنا يعيشوا شعور اللمة الحلوة وسط أعمامهم وولادهم!
+
ثم تغيرت نبرتها وهتفت بتمني: عقبال مايرجع اخويا من غربته هو كمان، عشان تكمل راحتي! أنت عارف ماليش غيره..بعد والدي ووالدتي الله يرحمهم!
+
حدجها بعتاب: مالكيش غيره؟! وأنا روحت فين؟
+
ابتسمت متداركة قولها: قصدي من أهلي يعني!
+
شدد على كفها: أهلي هما أهلك ياعبير.. بكرة تندمجي مع دُرة وكريمة، هتحبيهم جدا..واخواتي اخواتك!
+
" حلو حديث الذكرايات واللمة ده يادكتور"
+
التفت " محمد " ناظرًا خلفه، حيث تجلس زمزم حاملة صغيرها " مهند" ذو العام وأشهر قليلة، وبجوارها "محمود" الذي يضع سماعات الأذن هو الأخر، غارقا بعالمه، فتبسم لها: لسه الأحاديث الحلوة هتسمعيها من عمك عاصم وأدهم..!
ومد يده قائلا: هاتي حبيب جدو على رجلي وحشني
+
ناولته أياه برفق متمتمة: هو نايم خد بالك.. لو صحي السارينة هتتفتح خلينا نوصل من غير فضايح يا بابا.. ضحك هو وعبير التي أردفت وهي تطالع الصغير بحنان: متخافيش، مجرد ما باباكي يحضنه هيسكت.. ماهو حضرته واخد الجو مننا..!
+
داعب محمد فم الصغير برفق شديد وتمعن ملامحه بحنان: روح جدو.. أكيد هيحب عمامه وولادهم كمان.. هنشوف مين فيهم هينافسني!
---------------------------------------
_عابد جهز نفسك عشان نروح نستقبل عمك محمد في المطار!
+
هتف لأبيه: أنا خلاص جاهز يا بابا.. يلا بينا..!
............ ..
أمام بوابة المطار وافقًا عابد وأبيه يمعنون النظر بالوجوه، مترقبين زحام القادمين، وأياديهم تسوقُ عربات حقائبهم يبحثون مثلهم عن زويهم مما يقفون خلف السياج بشوق وحنين مماثل! وأخيرًا ظهر غائبهم " محمد" المحتضن لحفيده " مهند" يجاوره زوجته عبير وبالجهة الأخرى ابنته الكبرى " زمزم" ومحمود الأصغر!
+
هلل أدهم بفرحة وهو يشير بسبابته : عمك أهو ياعابد.. وولاده ومراته.. شوفتهم! واستطرد بنبرة حنين: ياحبيبي يامحمد، ليك وحشة ماتتوصفش!
+
وافقه عابد بإيماءة: شوفتهم يا بابا.. عمي محمد لسه وسيم ورياضي زي ماهو وكأنه ماكبرش..!
_ محمد طول عمره بياخد باله من نفسه، وماتنساش العيشة هناك مختلفة.. المهم انه بخير، أنا مش مصدق اني شايفه ياعابد!
+
بينما أدهم يزرف دمعة شوق لرؤية شقيقه، كان الأخير يلوح له بضحكة امتزجت بدموع حدقتيه وهو يطالع أخيه الأكبر بذات اللهفة مرددًا: عمك اهو يازمزم وعابد معاه! شايفاهم؟
+
هتفت الأخيرة بابتسامة رقيقة: شوفتهم يا بابا.. عمو أدهم زي ما في الصورة وأحلى..!
شاركتهم عبير: وعابد ما شاء الله كبر وبقى طول بعرض ربنا يبارك فيه! ثم التفت لمحمود: شوفت عمك وابن عمك.. اتبسط اديك هتهيص وسطيهم!
+
أومأ برأسه: ده ان هنطلق أنا وعابد.. هزور مصر كلها واعمل فيها سايح أوكراني.
+
نكزته زمزم بجانب رأسه: سايح في عينك، إياك توريهم جنانك من أولها خلينا كيوت وحلوين لحد ما يستوعبوا ان ابن اخوهم دماغه لاسعة!
_ لاسعة؟! ماشي ياعاقلة!
...............
+
مجرد أن تقلصت المسافات بينهم ألتحم جسد الأخوين بعناق حار وكلاهما يستنشق عبق الأخر، متبادلين عبارت شوق وترحيب دافيء!
+
_ يااااه يامحمد.. أخير شوفتك، كل دي غيبة عننا
+
_ غصب عني والله.. الأيام خدتني هناك ومقدرتش انزل غير دلوقت.. بس خلاص أديني جيت وبأذن الله مافيش فراق تاني! طمني عليك يا أدهم وفين عاصم اخويا انتوا وحشتوني أوي!
+
_ كلنا بخير مادام شوفناك، وعاصم مستنيك في البيت مقدرش يجي..!
+
عابد بعد أن تبادل السلام والترحيب بزوجة العم ومحمود وزمزم: إيه يا بابا مش هتخليني اسلم على عمي ولا أيه؟
+
تلقفته ذراع " محمد" وعانفه بحنان: يا حبيب عمك!
وحشتني أوي.. كبرت يا واد وبقيت عضلات أهو!
ضحك عابد: طالع لعمي.. الله أكبر انت صغرت يا راجل.
قهقة محمد: بابكاش صغرت فين، امال الشعر الابيض ده إيه..!
+
أدهم:طب يلا نمشي ونكمل كلام في البيت، عاصم هتلاقيه مستنيك على نار..!
________________________
+
لم يقل استقبال عاصم لأخيه حراره عن أدهم.. وعناقهما يروي ظمأ كليهما للأخر.. وكلمات الشوق المتبادلة بينهما، ثم التفت وفاضت عيناه بمحبة وهو يطالع ذاك الصغير الذي تحمله ابنته زمزم مرددا:
+
هو ده مهند اللي خلانا كلنا "جدود" وكبرنا..!
ضحكت زمزم: أيوة ياعمو.. بس انت وعمو أدهم جدود صغيريين وقمامير أوي!
+
قهقه عاصم والتقط طفلها برفق وهو يداعبه ويقبله، ثم ضم زمزم إليه وهو يغازلها: وادي البكاشة التانية وانتي أم زي السكر، ربنا يباركلك فيه يابنتي! أنا دلوقت مش قادر اوصف فرحتي بيكم.. احنا كنا محتاجينكم اوي!
+
ختم جملته بنبرة بدت حزينة لاحظها محمد، فهتف: واحنا كمان ياعاصم كنا محتاجين لمتكم والدفى وسطيكم بعد سنين الغربة.. خلاص مافيش فراق تاني وهنفضل دايما مع بعض وحوالينا ولادنا..!
+
_ أنتو مش ناسيين حاجة يا جماعة؟! على فكرة أنا محمود ابن اخوكم وطولي 172 ( ثم لوح بيديه بإشارة انتباه مضحكة) يعني المفروض اني اتشاف كويس!
+
ضحك عاصم واعطى الصغير لأخيه الذي تلقفه بسعادة، ثم احتصن " محمود" وهو يشاكسه: وادي البكاش التالت.. ماشاء الله عيالنا كلهم بكاشين!
ازيك ياحودة.. كبرت يا واد انا أخر مرة شوفتك كنت لسه بشورت!
+
مازحه محمود: مافيش حاجة بتفضل على حالها ياعمو والصغير بيكبر..!
+
هتف محمد بفخر: الصغير اللي قصادك ده يا عاصم. عبقري في الحاسبات والبرمجة، لدرجة إنه أنهى كورساته في وقت قياسي أذهل الأساتذة المشرفين عليه.. وبقى أصغر متخصص في المجال رغم انه لسه 18 سنة.. ونهمه في اكتساب الخبرات والمعلومات في المجال ده مش بينتهي!
+
التمعت عينا عاصم وأدهم بفخر حقيقي، مطلقين كلمات المباركة والفخر لابن اخيهم، بينما هتف عابد بمزاحه المعهود: يعني انتي عبقرينوا العيلة الصغير ياحودة"
+
أجابه بنفس المرح: وناوي اسيب بصمة للبشرية باختراعاتي الفذة! يلا اتصور معايا بقى عشان تسجل اللحظات التاريخية مع العالم محمود أبو المجد!
+
ضحكوا حميعهم وهم يراقبون مزاحمها باستمتاع، فتمتم عابد: لا بقولك إيه ياعبقرينوا، إن كنت انت عبقري برمجة.. ابن عمك عبقري نباتات.. ومستقبلا هخلي شجرة التفاح تطرح مانجة بعون الله!
+
علت الضحكات بعد مزحة عابد، فواصل محمود: سبحان الله ..انت نفس تخصص أختي زمزم.. هي كمان درست علوم وتخصصت في علم النباتات..!
+
تدخل محمد مردفا بحب وهو يطالع شقيقه عاصم ضاممًا زمزم إليه:
متأثرة بيك ياعاصم من زمان، رغم انها مش قابلتكم كتير، بس كأن البنت وارثة دماغك وشغفك بنفس العلم! وأكيد عابد كده
+
رمقها عاصم بمحبة حانية: ده يشرفني إن ولادي يتأثروا بيا.. ربنا يبارك لينا فيهم !
+
تمتم أدهم: أنا بقى جوري بنتي طلعت مختلفة!
تدخل عابد مازحًا: دي بإذن الله هتطلع خبيرة في تطوير نكهات الشيبسي!
+
نكزه أبيه بلوم وهو يقاوم ضحكه بينما صدح ضحك أشقاءه بشدة، وعلى ذكر جوري تسائل محمد:
+
هي فين صحيح، وبلقيس ويزيد.. مش شايفهم؟
+
تلون معالم وجه عاصم من فرح لحزن واضح، فتدخل أدهم بقوله:
+
_جوري زمانها جاية من عند خالتها، ويزيد في القاهرة بيتابع شغله، وجاي بعد بكرة عشان يشوفك، و بلقيس عندها حبة برد وعلاجها منيمها.. بكرة تكون اتحسنت وتيجي تسلم عليكم..!
+
رمقه " عاصم" ممتنًا، بينما هتف "محمد" :
ألف سلامة عليها.. خلاص مادام تعبانة خليها ترتاح!
انا واحشني كل ولادكم.. وبعدين امتي هنفرح ببلقيس ويزيد؟.. أنا خلاص جيت ومافيش حاجة هتتأجل.. عايزين نفرح!
+
غزى الحرج كليهما، فتمتم عابد إنقاذًا لهما أمام العم:
+
_ كل حاجة حلوة هتحصل وانت موجود معانا يا عمي.. المهم دلوقت ارتاح من السفر وبعد كده أكيد هتحكوا مع بعض لحد ماتشبعوا..وأنا گشاب جنتل، هظبط للأشقاء الثلاث أحلى سهرة وفي مفاجئة هتعجبكم ان شاء الله!
+
العم العائد: ماشي يابشمهندس منتظر اشوف السهرة دي والمفاجأة شكلها إيه..!
+
أدهم بوجه مشرق: طب تعالوا بقي نطلع الجنينة مع كريمة ومرات محمد نسلم عليها ونكمل قعدتنا برة..!
+
تجمعوا ليكتمل التعارف وتنعم أسرة الغائب بأول تجمع عائلي دافيء أشتاقته كثيرًا..وتحتاج النهل منه حتى ترتوي.. بعد بعدٍ امتد سنوات!
+
_________________________
+

