رواية نشوة العشق اللاذع الفصل الثاني عشر 12 بقلم سارة علي
الفصل الثاني عشر
+
لا تتحدث مع عاشق بالمنطق ...
+
لا تخبره عن المعقول ..
+
والمستحيل ...
+
الممكن والغير ممكن ...
+
فالعاشق لا يرى أمامه سوى معشوقه ...
+
معشوقه فقط ولا شيء سواه وكأن العالم بأكمله يتمثل بمعشوقه وكأن الحياة تنتهي بفراقه ...
+
لذا فالمنطق والعشق لا يمكن أن يلتقيان ...
+
فالعشق بلا منطق والعاشق لا يعترف بأي منطق لا يلائم عشقه ...
+
العشق في نظر العالم حوّلنا مجرد شعور مرتبط بشخص بات يحتل قلبك .. شعور اعتيادي يشبه الكثير من المشاعر التي نحياها ونشعر بها على مدار الأعوام .. لكن العشق في نظر العشاق هو العالم بأكمله ..!
+
كانت توليب تجلس أمام مرآتها تضع اللمسات الأخيرة من زينة وجهها ...
+
ستخرج الليلة معه ...
+
سيكونان سويا لأول مرة بعد خطبتهما وعقد قرانهما مساء البارحة ...
+
مشاعرها متضاربة بين حماس وتوتر وخجل فطري ...
+
تشعر إنها سعيدة ...
+
سعادة لم تتوقعها يوما ...!
+
سعادة لا تفهم سببها ولا تحاول أن تفهم ...
+
هي بطبيعتها أنثى بسيطة للغاية ...
+
أنثى عفوية تماما ..
+
تصرفاتها عفوية ..
+
أنثى تلقائية في حديثها وتصرفاتها ...
+
أنثى لا تجيد المراوغة ولا تحب اللف والدوران ولا تميل إلى التعقيدات والمبالغة في أي شيء ...
+
أنثى ترى الحياة أبسط من أن تحمل هذا الكم من التعقيد والتصعيب ...
+
دائما ما تسعى لتبسيط الأمور ...
+
تحب أن ترى الحياة بنظرة تفاؤل لا تتخلى عنها مهما حدث ...
+
وهاهي تنظر بتفاؤل شديد لمستقبلها القادم مع رجل باتت تحمل إسمه وتنتمي إليه ..
+
رجل عرفته منذ فترة قصيرة ولكنه يؤثر بها بطريقة تمنحها سعادة عفوية وتوتر طبيعي وخجل لا نهاية له ...
+
نهضت من مكانها تلقي نظرة أخيرة على هيئتها الأنيقة بفستانها السمائي الرقيق بتصميمه البسيط حيث جزئه العلوي يلتصق بجسدها النحيل مظهرا رشاقة خصرها بينما حمالاته الرفيعة مصنوع من الشيفون المربوط على شكل عقدة رقيقة ...!
+
تتسع تنورة الفستان تدريجيا بدءا من الخصر حتى منتصف ساقيها بينما ارتدت في قدميها حذاء شفاف اللون ذو كعب متوسط الارتفاع ...
+
ابتسمت بإعجاب لهيئتها الجميلة قبل أن تحمل حقيبتها الصغيرة وتتحرك خارج المكان متجهة إلى والدتها التي استقبلتها وهي تحاوطها بعينين مبهورتين تبعهما حنو طل من نظراتها وهي تهمس :-
+
" ماشاءالله ... حفظك الله يا صغيرتي ... "
+
ثم أخذت تقرأ المعوذات داخلها خوفا على صغيرتها التي بدت رائعة الجمال كالبارحة تماما حيث كانت الأنظار متجهة اليها هي وعريسها والحديث شديد الإعجاب بهما وعن حظ كلا منهما بالآخر ...
+
تسائلت توليب وهي تدور بفستانها أمامها فأعادت لوالدتها ذكرياتها عندما كانت طفلة صغيرة تفعل نفس الحركة حيث تدور بفستانها القصير تسألها نفس السؤال :-
+
" كيف أبدو ..؟! هل أبدو جميلة ..؟!"
+
تمتمت زهرة بإبتسامة حانية :-
+
" كالبدر في تمامه ..."
+
ضحكت توليب برقة بينما تشكلت الدموع في عيني زهرة وهي تهمس :-
+
" كبرتِ يا توليب ... ستتزوجين وتغادريني ..."
+
هتفت توليب بسرعة وهي تعانق والدتها :-
+
" لا تقولي هذا .. لن أغادركم ..."
+
قالت زهرة مبتسمة رغم حزنها وهي تنظر إلى ملامح ابنتها بحنو يشوبه حزن :-
+
" سيصبح لديك منزلك ... عائلتك التي تخصك ..."
+
" لكنني لن أبتعد ..."
+
قالتها بسرعة وهي تضيف بجدية :-
+
" سآتي يوميا إلى هنا ..."
+
شاغبتها زهرة وهي تسألها :-
+
" وهل سيقبل زوجك بذلك ..؟!"
+
هتفت توليب وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها بهدوء :-
+
" يجب أن يقبل ... أنتم عائلتي ولكم حقوق عليّ مثله تماما .."
+
ربتت زهرة على وجنتيها وهي تخبرها بصدق :-
+
" معك حق ... ولكن عائلتك بإذن الله لها الحق الأول فيك مثلما أنتِ لكِ الحق الأول في عائلتك ... زوجك وأطفالك بإذن الله ..."
+
اومأت توليب برأسها دون رد بينما قالت زهرة وهي تتجه نحو خزانتها :-
+
" انتظري سأعطيكِ شيئا ..."
+
" ماذا ..؟!"
+
سألتها توليب بفضول لتتابع والدتها وهي تخرج أحد صناديقها الفضية ثم تتجه به نحو سريرها فتتبعها هي بفضول وتجلس جانبها عندما وجدتها تفتح الصندوق وتخرج منه سوارا أنيقا للغاية من الماس مطعم بورود صغيرة ..
+
قالت زهرة بجدية :-
+
" هذا السوار كانت هدية والدك لي يوم عقد قراننا..."
+
نظرت لها توليب بحيرة فأكملت زهرة مبتسمة :-
+
" سأعطيكِ إياه ... هل تعرفين لماذا ..؟!"
+
هزت توليب رأسها نفيا فقالت زهرة مبتسمة :-
+
" عسى أن يكون تميمة حظ لك فتعيشين حياة رائعة مع زوج مثالي كوالدك ...."
+
همست توليب بصوت متحشرج :-
+
" أتمنى ذلك ولكن لا يوجد رجل مثل بابا ... ولا امرأة مثلك .."
+
قاطعتها زهرة بجدية :-
+
" بلى يوجد .. أنتِ مثلي ...لا تشبهينني في الشكل ولكنك تشبهينني في الطباع ... كثيرا ..."
+
" حقا ..؟!"
+
سألتها توليب وقد إنفرجت إبتسامة واسعة فوق شفتيها فقالت زهرة بسرعة :-
+
" نعم ، دائما ما كنتِ كذلك ..."
+
أكملت وهي تقبض على كفي ابنتها بحزم :-
+
" لا أحد يعلم طباع الأبناء بقدر أمهاتهم ... وأنا أعرف إبنتي جيدا ... "
+
تنهدت ثم أضافت :-
+
" وأثق بها جيدا ..."
+
ابتسمت توليب بصمت ثم قالت :-
+
" ولكن ألن يغضب بابا لإنك أعطيتني هديته ..؟!"
+
قالت زهرة بصدق :-
+
" بل سيفرح عندما يعلم سبب ذلك ... هل تعتقدين إنه سيغضب عندما يعلم إنني منحت ابنتنا الوحيدة هدية خاصة جمعت بيننا وتوجت من خلالها حبنا وحياتنا كلها ... ؟! أنت صغيرته المميزة والتي يريد سعادتها بأي ثمن ..."
+
أضافت بحزم كسا ملامحها :-
+
" أنت لديك أب رائع لا يريد شيئا غير راحتك وسعادتك ولديك أشقاء يفعلون المستحيل لأجلك ... تذكري دائما ذلك ... حتى لو تزوجت وبات لديك زوج مسؤولة منه وحتى لو أنجبت أولادا ستبقين بحاجة لأبيك وأشقاؤك ... هم عزوتك وسندك في هذه الحياة ..."
+
" بالطبع ..."
+
قالتها توليب بسرعة عندما شعرت باهتزاز هاتفها فهتفت زهرة وهي تجذب كفها لتلبسها السوار :-
+
" هيا تحركي بسرعة ولا تدعي خطيبك ينتظر .."
+
نهضت من مكانها بعدما إرتدت السوار ونهضت زهرة بدورها فسارعت توليب تعانقها بخفة قبل أن تتحرك مغادرة المكان متجهة إلى الطابق السفلي ومنه إلى الخارج عندما قابلت مهند في وجهها فتجهمت ملامحها وهي تراه يتأملها بعدم رضا قبل أن يهمس من بين أسنانه :-
+
" خطيب السعد والهناء في الخارج ..."
+
" حسنا ..."
+
قالتها وهي تشمخ برأسها عاليا وتهم بتجاوزه عندما شعرت به يقبض على ذراعها يهمس لها بتحذير :-
+
" لا تدعيه يتجاوز حدوده أبدا... كونه عقد قرانه عليك فهذا لا يعطيه الحق بذلك ... والأهم لا تذهبي معه لغير الأماكن العامة ولا تتأخري كثيرا .."
+
" هل هناك أوامر أخرى ...؟!"
+
سألته بضيق ليتأملها مجددا بنفس الضيق وهو يضيق :-
+
" حاليا لا .. بلى تذكرت ... كوني حازمة معه... دائما وفي كل شيء ..."
+
" تأخرت يا مهند .."
+
قالتها بوجوم ليهتف مهند ببساطة :-
+
" ما المشكلة ..؟! دعيه ينتظر .. عسى أن ينتظرك عشرة ساعات .. هل كان يطول إبن الصواف أن يتزوج وحيدتنا ...؟!"
+
زفرت أنفاسها ثم قالت بضيق خفي :-
+
" حسنا يا مهند ... توقف عن التحدث وكأننا في حرب وليست خطبة ..."
+
ثم تحركت مبتدعة عنه يراقبها هو بعينيه بضيق وغيرة تمكنت منه قبل أن يتنهد بضجر وهو يتحرك إلى الداخل مرتقيا درجات السلم حيث الطابق العلوي ومنه إلى جناحه ... !
+
***
+
غادرت بوابة القصر لتجده في إنتظارها متكئا على سيارته مرتديا بذلة سواء أنيقة مع قميص من نفس اللون وقد ترك أزرار القميص العلوي مفتوحة ولم يرتدِ ربطة عنق ...
+
كان وسيما وشديد الجاذبية كعادته ...
+
رفع عينيه أخيرا ليتأملها بتأني ...
+
بدءا من شعرها المسترسل على جانبي وجهها بنعومة ثم ملامح وجهها الجميلة بزينتها الخفيفة ثم فستانها بلون السماء وعلى ما يبدو إنها تفضل هذا اللون عامة ثم ساقيها النحيلين انتهاءا بحذائها الشفاف الرقيق والذي ذكره بحذاء سندريلا ...!
+
ابتسامة بطيئة ارتسمت على شفتيه وهو يراها تتقدم نحوه بملامح خجلة كعادتها ولم يغب عنها تأمله الصريح لها ...
+
ما إن وصلت عنده حتى سارع يقبض على كفها ويجذبه نحو شفتيه يقبله ببطأ بينما قد وصلت نبضات قلبها أوجها ...
+
مال بعدها نحوها يهمس بخفوت :-
+
" تبدين ..."
+
توقف لوهلة يلاحظ إشتعال وجنتيها بحمرة آخاذة ولمعة عينيها فيضيف بتروي :-
+
" جميلة بل مذهلة ..."
+
حمحمت بإرتباك قبل أن تهمس بصوت خرج مبحوحا :-
+
" شكرا ...."
+
مال قليلا نحو وجنتها يطبع قبلة بطيئة دافئة عليها جعلتها على وشك الذوبان في مكانها من شدة الخجل ...
+
ابتعد عنها قليلا يتأملها مجددا برضا تام وقد أعجبه مذاق قبلة وجنتها وجعله يتوق لتجربة مذاق قبلة شفتيها ...!
+
قبض على كفها هامسا :-
+
" هل نغادر ...؟!"
+
اومأت برأسها دون رد وملامحها محتقنة تماما عندما فتح لها باب سيارته فركبت السيارة بينما اتجه هو نحو مقعد السائق ...
+
أغلق باب السيارة ثم شغلها وهو يهتف بها :-
+
" سنذهب أولا لتناول العشاء ... "
+
هزت رأسها وهي تجيبه متجنبة النظر إليه :-
+
" حسنا ..."
+
ابتسم مجددا دون تعقيب عندما حرك مقود سيارته متجها بها نحو المطعم الذي حجز لهما فيه طاولة خاصة معزولة قليلا وطلب تجهيزها بشكل مميز يليق بأول دعوة عشاء تجمعهما سويا بعد خطبتهما وعقد قرانهما ..
+
في الطريق سألها وهو منتبه على الطريق أمامه :-
+
" هل تحبين سماع شيء ما ...؟!"
+
" بالطبع ..."
+
قالتها بسرعة وهي تضيف :-
+
" الطريق ممل دون سماع الأغاني ..."
+
مط شفتيه مرددا عن قصد :-
+
" او دون تبادل الحديث ..."
+
ابتسمت وهي تهمس بخفوت :-
+
" معك حق ..."
+
مال قليلا نحوها فإنكمشت في جلستها لا إراديا ..
+
ابتسم داخله ولم يغب عنه تصرفها الحالي بل جميع تصرفاتها التي توشي ببرائتها ونقائها الذي لم يلوثه رجلا قبله ...
+
كل شيء بها يشي بإنها لم تدخل عالم الرجال من قبل ولا تدرك دروب الهوى بعد ..
+
خجلها من أبسط المواقف ...
+
عفويتها في الحديث والتعامل ..
+
كل شيء بها يدل على ذلك ...
+
هي وردة نقية لم يمسها أي شيء قد يعكر نقائها وصفائها ولو قليلا ...
+
وردة كانت من نصيبه ...
+
وردة ما زالت صغيرة تحتاج لمن يعتني بها ويسقيها ويراعيها جيدا حتى تنمو وتكبر وتزدهر أكثر وهو من سيفعل ذلك ويجعلها تزدهر تماما وتزداد جمالا بين ذراعيه ...!
+
همس وهو ما زال مائلا نحوها قائلا :-
+
" تحبين سماع من ..؟!"
+
نظرت له بتفكير قبل أن تهتف :-
+
" وائل كفوري .. نانسي عجرم أو إليسا .. وغيرهم الكثير ... "
+
" وائل كفوري جيد ... "
+
قالها بجدية وهو يفتح هاتفه بينما وقف بسيارته عند إشارة المرور ليفتح إحدى أغانيه التي ظهرت أمامه فيجدها تهتف بحماس بعد لحظات :-
+
" ارفع الصوت ... أحب هذه الأغنية كثيرا ..."
+
ابتسم بخفة وهو يرفع الصوت لأعلى شيء قبل أن يتحرك بسيارته متجاوزا إشارة المرور بعد تبدل لونها الأحمر للأخضر ...
+
***
+
في أحد أشهر المطاعم في البلاد ...
+
جلس كلاهما على طاولة أنيقة تم إعدادها خصيصا لهما ...
+
يغطي سطح الطاولة شرشف ذهبي اللون مزخرف عند أطرافه بزهور التوليب الناعمة ...
+
باقة ورد ضخمة من زهور التوليب البيضاء اللون على وجه التحديد ...
+
وعلى جانبي الطاولة أمام كليهما كؤوس كريستالية بجانبها صحن دائري وأدوات الطعام على جانبي الصحن ...
+
بينما وُضِع حول باقة الورد شمعات صغيرة تضيء الطاولة بشكل جذاب ...
+
تأملت توليب الطاولة المعدة بطريقة ساحرة بسعادة وانبهار عندما هتف إياس وهو يتأمل فرحتها برضا :-
+
" هل أعجبتك الطاولة والمكان ...؟!"
+
تحركت ببصرها في ركن المطعم الأنيق ثم أجابت بصدق :-
+
" جدا ... كل شيء رائع ..."
+
أشار إلى النادل الذي تقدم سريعا يسأل عما يحبان تناوله لتخبره توليب عن طبقها المفضل ويخبره بدوره عما يحب تناوله وقد اختارت توليب تناول عصير البرتقال مع الطعام بينما اختار هو عصير التفاح كعادته ...
+
سألته بعدما إبتعد النادل :-
+
" أنت تحب عصير التفاح كثيرا ..؟!! "
+
هتف بجدية :-
+
" نادرا ما أتناول عصيرا غيره ..."
+
" لكنه ليس لذيذ ..."
+
قالتها بجدية وهي تضيف :-
+
" لا أحب تناوله ..."
+
ابتسم مرددا :-
+
" أنا عكسك تماما ... أحبه كثيرا ..."
+
أكمل يسألها بإهتمام :-
+
" إذا ، ماذا تحبين أيضا ..؟!"
+
أجابت بعد تفكير امتد لثواني :-
+
" أحب الشوكولاتة ... كثيرا ..."
+
" هذا شيء متوقع .. وماذا غير الشوكولاتة ..؟! "
+
أضاف مسترسلا بإبتسامة أنيقة :-
+
" والورد بالطبع ... تحبين الورد والشوكولاتة و ..."
+
قاطعته تخبره بسلاسة :-
+
" الموسيقى .. الطبخ ...والرقص ..."
+
قالت الأخيرة بعفوية عندما ارتفع حاجبه لوهلة قبل أن يسألها بمكر :-
+
" هل تجيدين الرقص ..؟!"
+
أجابته بعفوية دون أن تفطن لمغزى سؤاله والمكر الذي يلمع في عينيه :-
+
" كثيرا ... "
+
مال اتجاهها يهمس بعينين متقدتين وقد أعجبته للغاية فكرة رقصها له :-
+
" هذا رائع ... سترقصين لي عندما نتزوج إذا ..."
+
تراجعت إلى الخلف لا اراديا تكتم شهقة كادت أن تفلت منها وقد فهمت مقصده لتهتف بعد لحظات بسرعة :-
+
" أنا لا أقصد ذلك ..."
+
ابتسم وهو يتراجع في جلسته مرددا :-
+
" حقا ..؟! بكل الأحوال سترقصين لي ..."
+
هتفت بسرعة وتلقائية :-
+
" أنا لا أتحدث عما تفكر به ..."
+
" ومالذي أفكر به ..؟!"
+
سألها وهو يناظرها بتركيز بينما سيطر عليها الإحراج وهي تخبره بصوت خفت تدريجيا :-
+
" أنا لا أجيد الرقص الشرقي أساسا .. أنا كنت أتحدث عن الرقص بشكل عفوي ... أحب أن أفتح الأغاني وأرقص عليها ولكن ليس بهذه الطريقة ..."
+
قال مضيقا عينيه :-
+
" لا توجد فتاة لا تجيد الرقص الشرقي يا توليب ..."
+
حركت خصلة من شعرها خلف أذنها كعادة ملازمة لها عندما تتوتر وأخبرته :-
+
" أنا فقط أشرح لك مقصدي مما قلته ... أنا تحدثت عن الرقص ولكنني لم أقصد .."
+
بدت محرجة للغاية .. متوترة وتبحث عن تبرير لإندفاعها في الحديث ...
+
هتف بسرعة يمنعها من إكمال مبررات لا داعي :-
+
" حسنا لا داعي لكل هذا .. فهمت مقصدك ... لا تشعري بالإحراج ..."
+
ابتسمت بصمت وإحراج خفي عندما أضاف وهو يغمز لها :-
+
" ولكنك سترقصين لي بكل الأحوال .."
+
منحته نظرة حانقة جعلته يهتف بنبرة مشاكسة :-
+
" تليق بك هذه النظرات كثيرا ..."
+
همست وهي تشيح بوجهها جانبا :-
+
" توقف عن ذلك ..."
+
" عم أتوقف ..؟!"
+
سألها بمكر لتهمس وهي تنظر له مجددا بتأنيب :-
+
" أنت تحرجني ..."
+
" أنت من تخجلين بسرعة وتشعرين بالإحراج طوال الوقت ..."
+
احتقنت ملامحها وهي تسأله بوجوم :-
+
" ماذا تقصد ..؟!"
+
ابتسم مرغما على منظرها وهي غاضبة ممتعضة وقد منحها الحنق المناقض لطلتها اللطيفة المعتدة مظهرا بدا له لذيذا وممتعا ...
+
قال محتفظا بذات الإبتسامة التي باتت رفيقته وهي تصاحبه :-
+
" لا أقصد سوى كل خير ..."
+
ثم انتبه إلى النادل الذي تقدم وهو يحمل الطعام لهما ...
+
وضع النادل الطعام ثم الشراب وسألهما إذا ما يريدان شيئا آخر فشكرته توليب بصمت وبعدها إياس قبل أن يشير لها الأخير بعدما تحرك النادل مبتعدا عنهما :-
+
" تناولي طعامك كي نغادر .. سآخذك لمكان مختلف بعد الطعام ..."
+
" لا يمكنني التأخر كثيرا ..."
+
قالتها بجدية فهتف يطمأنها :-
+
" لا تقلقي ... لن نتأخر ..."
+
منحته ابتسامة هادئة وهي تهمس :-
+
" حسنا ..."
+
ثم بدأت تتناول طعامها وهو يتابعها بعينيه وقد بدأ بدوره يتناول طعامه ...!
+
***
+
غادرت المطعم معه حيث ركبت جانبه في سيارته بينما تحرك هو بالسيارة ذاهبا إلى وجهته عندما سألته بتردد لا يخلو من قلق :-
+
" إلى أين سنذهب ..؟!"
+
مال ببصره نحوها يخبرها بإبتسامة ماكرة :-
+
" سأخطفك ... هل لديك مانع ..؟!"
+
ابتسمت ببطأ ثم هزت رأسها نفيا لتتسع عيناه بدهشة مفتعلة قبل أن يسألها مراوغا :-
+
" ألا تخافينني ..؟!"
+
استدارت نحوه بكامل جسدها تخبره ببساطة :-
+
" كلا ، لا أخافك ... "
+
عاد ينظر إلى الأمام وجوابها الذي شعر بصدقه مس قلبه لا إراديا ...
+
سمع صوت تنهيدة خافتة صدرت منها فإلتفت مجددا يناظرها للحظات قبل أن يعود بتركيزه نحو الطريق أمامه ولكن عقله كان منشغلا بها رغم وجودها جانبه ...
+
وصل أخيرا إلى وجهته حيث الساحل والقارب الذي يمتلكه هناك ...
+
هبط من سيارته واتجه نحوها يفتح الباب لها لتهبط من السيارة وهي تطالع القارب الفخم بتردد لاحظه فقال مبتسما بهدوء :-
+
" هذا القارب لي ... أردت أن نقضي القليل من الوقت هنا .. على إنفراد ..."
+
لم يغب عنه بعد جملته ذلك الخوف والحذر الذي شع من عينيها ...
+
بينما كانت تنظر هي إلى القارب بتردد شديد وخوف أشد ...
+
قارب معزول على البحر ...
+
هو وهي ولا ثالث غيرهما ...
+
أزاحت أفكارها جانبا وأجبرت نفسها على تجاهل مخاوفها وهي تخبر نفسها إنه لا يمكنه أن يفعل شيئا دون إرادتها ...
+
تنحنت مرددة بخفوت :-
+
" القارب يبدو جميلا من الخارج ..."
+
هتف وهو يحاوطها بذراعيه بشكل أرسل القشعريرة في جسدها :-
+
" سيعجبك من الداخل أكثر ..."
+
أضاف ورائحة عطرها الناعمة تغلغلت داخله وأعجبته :-
+
" هل نصعد إليه ..؟!"
+
هزت رأسها دون رد ليبتعد قليلا عنها ويقبض على كفها هاتفا :-
+
" تعالي ..."
+
تبعته رغم القلق الذي ساورها والذي شعر هو به فأراد طمأنتها عندما صعدا إلى القارب وسألها بحرص :-
+
" هل نجلس هنا أم في الداخل ..؟!"
+
أجابت بسرعة دون تفكير :-
+
" هنا ..."
+
أكملت مبررة :-
+
" قرب البحر .."
+
ابتسم دون رد عندما سارت هي أمامه وجلست في احد المقاعد تنظر إلى أمواج البحر قبل أن تلتفت نحوه تسأله بتأهب :-
+
" أنت لن تتحرك به ، سنبقى مكاننا عند الساحل .. أليس كذلك ..؟!"
+
أجابها وهو يتقدم نحوها يجاورها :-
+
" بالطبع لا ..."
+
أضاف وهو يتأملها :-
+
" إلا إذا كنت ترغبين بجولة سريعة ..."
+
قالت بسرعة :-
+
" لا أريد ..."
+
ضحك بخفة لتبتلع ريقها بتوتر وحرج ...
+
سألها بجدية :-
+
" هل تخافين وجودنا هنا حقا يا توليب ..؟!"
+
هزت رأسها نفيا ثم عادت تومأ به بإيجاب ليضحك مرغما وهو يتسائل :-
+
" ماذا أفهم الآن ..؟!"
+
أجابت بصدق يلازمها :-
+
" نعم أخاف .. يعني لم يكن هناك داعي لنأتي هنا ... الأفضل أن نتواجد في أماكن عامة ..."
+
تنهد ثم قال :-
+
" أحب صراحتك .. صدقك .. وعفويتك ..."
+
أضاف وهو يتأمل تورد وجنتيها :-
+
" وخجلك البديهي ما إن أمدحك أو أتغزل بك ..."
+
أزاحت خصلات شعرها خلف أذنها مجددا لتتفاجئ به يخبرها بصوت جاد صادق ورغبته في طمأنتها فاقت كل شيء :-
+
" لا تقلقي أبدا يا توليب .. لا يمكنني أن أتسبب بأي شيء مؤذي لك ... فقط أردت الإنفراد معك قليلا .. نجلس سويا لوحدنا ونتبادل الأحاديث ... لا نية لدي لأي مما يدور في ذهنك ..."
+
احتقنت ملامحها بحرج لتجده يقبض على ذقنها مرددا وهو يتأمل ملامحها بتمعن :-
+
" أنت بريئة للغاية .. بريئة ونقية لدرجة تجعلني أفكر كيف يمكنك أن تحيي بآمان في حياتنا هذه .. حياتنا التي لا تناسب الأبرياء أمثالك ..."
+
عقدت حاجبيها تتسائل بحيرة :-
+
" لماذا تتحدث هكذا ..؟!"
+
تجاهل سؤالها وهو يسترسل :-
+
" ولكن لا بأس ... معي ستكونين في آمان .. سأحميك من هذا العالم القاسي ... سأكون حصنك الآمن ... سأكون حريصا ألا تعايشي مرارة الحياة ولا تجربي قسوتها ... سأحرص دائما وأبدا أن تري الحياة بجانبها اللطيف المشرق .. ذلك الجانب الدافئ والآمن ... الجانب الذي يشبهك ويليق بك ...."
+
" إياس ..."
+
قالتها بخفوت والتساؤلات تشع من عينيها عندما وجدته يبتسم بتروي قبل أن ينحني نحوها بنية تقبليها ...
+
تجمدت مكانها وهي تشعر بشفتيه تقتربان من شفتيها وقبل أن يمس شفتيها بشفتيه أطلقت صيحة محتجة جعلته يتراجع إلى الخلف بسرعة بينما تصيح هي بحنق :-
+
" ماذا تفعل ..؟!"
+
أجابها ببساطة بعدما استوعب أخيرا ردة فعلها :-
+
" أقبلك ..."
+
اتسعت عيناها بهلع جعله يرغب بالضحك بينما همست هي بحزم :-
+
" لا يجوز ..."
+
ثم تجمدت مجددا عندما وجدته يميل نحوها تدريجيا فيلامس بأنامله خصلات شعرها وهو يخبرها ببرود :-
+
" بل يجوز .. ويجوز كثيرا أيضا .. ويجوز ما هو أكثر من القبلة .. أنا زوجك يا توليب ..."
+
ابتعدت بجسدها قليلا وهي تخبره بتحدي :-
+
" حتى لو .. ما بيننا عقد قران فقط وأنا ما زلت في منزل والدي ..."
+
رفع حاجبه مرددا :-
+
" هل تتحدينني إذا ..؟!"
+
نظرت له بتردد سرعان ما ألجمته وهي تخبره بثقة أعجبته :-
+
" نعم ..."
+
وجدته يميل بجسده نحوه فإرتسم الهلع في عينيها ...
+
لم تعرف ماذا تفعل فوجدت نفسها تهم بالنهوض بسرعة من جانبه لكنه سبقها وهو يقبض على خصرها يثبتها مكانها وهو يهتف بضحكات مكتومة :-
+
" إلى أين ستذهبين ..؟! لا يمكنك الهرب مني ..."
+
لم تستوعب مزاحه حيث ظنته جادا فهمست بسرعة والعبرات تشكلت في عينيها :-
+
" إياس من فضلك اتركني ..."
+
تأمل عبرات عينيها بصدمة قبل أن يهمس :-
+
" توليب أنا أمزح ..."
+
نظرت له بعينين دامعتين غير مصدقتين ليحيط وجهها بكفيه وهو يهتف بصدق :-
+
" والله أمزح .. هل يمكن أن أجبرك على شيء لا تريدنه ..؟! كما إنني بالطبع لا أنوي فعل ما تفكرين به ... كنت أمزح فقط وأشاكسك .."
+
" مزاحك غليظ ..."
+
قالتها وهي تشيح وجهها بعيدا ليهتف مبتسما :-
+
" مقبولة منك يا زوجتي العزيزة .."
+
ثم مال نحوها يهمس مجددا :-
+
" ولن أتنازل عن القبلة .. فلا ضير من تقبيلك فقط حتى يوم الزفاف حيث سأفعل بعدها كل ما هو ممنوع حاليا ..."
+
" لن تفعل ... "
+
قالتها وهي تلتفت نحوه ليسألها بإستمتاع :-
+
" كيف ستمنعيني ..؟!"
+
رمقته بوجوم امتد للحظات فوجدته يميل مجددا نحو فمها يخبرها بهمس بطيء :-
+
" لا يمكنكِ منعي من تقبيلك يا توليب .. يمكنني تقبيلك متى ما أردت ..."
+
" سأقفز بالبحر حينها ..."
+
قالتها وهي تدعي النهوض ليجذبها نحوه ضاحكا فتضربه على صدره بغضب وهي تحاول إبعاده عنها ...
+
ضحك وهو يجذبها نحو صدره بعفوية قائلا بسرعة :-
+
" حسنا اهدئي ..."
+
أكمل مشاكسا وهو يميل بعينيه الخضراوين متأملا تورد ملامحها المحبب لروحه :-
+
" لن أفعل ..."
+
مال قليلا نحو ثغرها يضيف بأنفاس حارة :-
+
" لن أقبلك مع إنني أتوق لذلك ...."
+
احتقنت ملامحها بخجل يكاد يذيبها عندما ابتعدت من داخل أحضانه ببطأ وهي تمتم بخفوت :-
+
" جيد ... "
+
ثم أضافت وهي ترفع إصبعها في وجهه تخبره بتحذير وملامح واجمة :-
+
" لا تكررها مجددا ... كن مؤدبا يا إياس وإلا ..."
+
" وإلا ..."
+
قالها وهو يرفع حاجبه لتهمس بهدوء والجدية تكسو ملامحها :-
+
" وإلا سأغادر المكان ..."
+
ابتسم ببطأ وهو يخبرها بتروي :-
+
" لست هينة يا فتاة ..."
+
رفعت خصلة من شعرها تضعها خلف أذنها وهي تهتف بهدوء :-
+
" هل كنت تعتقد غير ذلك ...؟!"
+
" ربما ..."
+
قالها بجدية لتتجهم ملامحها وهي تخبره :-
+
" لم يعجبك هذا على ما يبدو ..."
+
تأملها بتروي ...
+
صمت مدروس قبل أن يهتف بصدق :-
+
" على العكس .. يعجبني تماما ... "
+
أضاف والمكر يلمع في عينيه :-
+
" يعجبني كل شيء منك يا تولاي ... ينادونك كذلك ..صحيح ..؟!"
+
اومأت برأسها وهي تخبره :-
+
" نعم تولاي .. وأنت أيضا ناديني مثلهم ..."
+
" أنا لست مثلهم ..."
+
قالها بجدية وهو يضيف :-
+
" ولن أناديك مثلهم ... "
+
عقدت حاجبيها تسأله باهتمام :-
+
" ناديني توليب إذا .."
+
هز رأسه نفيا قبل أن يهمس :-
+
" أريد إسما خاص بي .. لا يناديكِ به أحد سواي ..."
+
عقدت حاجبيها بحيرة بينما مال هو نحوها مجددا يهمس بتفكير :-
+
" توليب .. تولاي ... توليبي ... توليبتي ..."
+
توقف لوهلة بينما مطت هي شفتيها مرددة :-
+
" توليبتي ثقيل ... "
+
ضحك مرغما ثم قال متذكرا :-
+
" التوليب هو نوع من الزهور ، إذا لتكوني زهرتي .. وردتي ... "
+
قاطعته تسأله بجدية :-
+
" ما قصتك مع ياء التملك ... ؟!"
+
ابتسم مرددا وعيناه تلمعان بقوة :-
+
" يجب أن يقترن اسمك بياء التملك ... أنت زوجتي .. ملكي ... وردتي الرقيقة .. فتاتي الناعمة .. فتاة الورد ..."
+
ابتسمت بخجل عندما تنهد بصوت مسموع فسألته متجنبة خجلها بسبب كلامه :-
+
" أخبرني عنك يا إياس ..."
+
" ماذا تريدين أن تعرفي ..؟!"
+
سألها بجدية لتهتف بحماس شع من عينيها :-
+
"كل شيء ... أريد معرفة كل شيء من لحظة ولادتك حتى الآن ..."
+
ابتسم مرددا :-
+
" هكذا نحتاج إلى ليالي طويلة ..."
+
" مستعدة ..."
+
قالتها وهي تعتدل في جلستها باهتمام ليتأملها بصمت امتد لوقت ليس بقصير مما جعلها تسأله بتردد :-
+
" ماذا هناك ..؟!"
+
هتف قاطعا صمته :-
+
" هل يمكنني طلب شيء ما منك ..؟!"
+
نظرت له بشك ليهتف بإبتسامة خافتة :-
+
" لن أطلب قبلة هذه المرة ..."
+
" إذا ..."
+
هتفت بتردد ليبتسم لوهلة ثم يتنهد مرددا بإحتياج تمكن منه ورغبة في ضمها لأحضانه سيطرت عليه كليا في هذه اللحظة :-
+
" أريد أن أعانقك ... "
+
ترددت ... توترت ... خجلت ..
+
لكنها في النهاية استلمت لذراعيه اللتين التفتا حول جسدها تعانقانها بتروي وحرص حتى بات جسدها مضموما داخل أحضانه ...
+
***
+
هو يحتاج لعناق ...
+
هو يطلب العناق ...
+
لو أخبره أحدا ذات يوما إنه سيطلب من امرأة ما عناقا لسخر منه وهزأ من الفكرة ...
+
هو نفسه لا يدرك حتى هذه اللحظة كيف طلب منها ذلك ...
+
طلبه خرج تلقائيا دون تخطيط ....
+
وذراعاه تحركتا بسرعة تجذبانها نحوه ...
+
تحاوطانها بتملك ورغبة في إنغماس جسدها بجسده ...
+
لا يعرف مالذي يصيبه بالضبط عندما تكون معه ..
+
كيف تجذبه نحوها دون تكلف ...
+
دون قصد منها ...
+
هي أنثى بريئة ...
+
لطيفة ...
+
نقية ...
+
عفوية ...
+
أنثى تنبض بالدفئ والحياة ...
+
وإن كانت تصرفاتها وتلقائيتها وبساطتها وبرائتها تجذبه كليا نحوها فإن عناقها أغرقه تماما بها ...
+
سلام استوطن صدره بل ملأ كيانه وروحه تماما ما إن عانق جسدها بجسده ...
+
هدوء .. سلام .. آمان ... راحه ...
+
كيف يكون شعور رجل عاش لسنوات بين أحضان الجليد عندما يعانق الدفئ فجأة ...؟!
+
سيذوب جليده حتما فالشمس باتت بين ذراعيه ..!
+
أغمض عينيه يستنشق رائحتها الناعمة بتروي ويتذوق طعم عناقها بتأني مستمتعا بوجودها بين ذراعيه ...
+
التجربة تستحق حقا تنازله وتعبيره لها عن إحتياجه لعناقها ....
+
أما هي فذابت كليا ....
+
ذابت تماما بين ذراعيه وغرقت في أحضانه دون أمل في النجاة ....
+
وهو مجددا يحتلها كليا ...
+
يرسم خارطته على ثنايا روحها ويغرس جذوره في أعماق قلبها ...!
+
استسلمت للحظة ...
+
استسلمت لعناقه .. لذراعيه اللتين تحاوطانها برقة وتملك في آن واحد ...
+
هي معه تستكشف مشاعرا جديدة عليها تماما وتعيش حلما ورديا تمنته كثيرا ....!
+
إبتعد أخيرا يتأمل ملامحها المتوردة ...
+
لمعة عينيها الدافئتين ...
+
قبضة كفيها المضمومتين ...
+
همسها بسرعة :-
+
" هل نغادر ..؟!"
+
لم تعد تريد شيئا سوى المغادرة ...
+
تريد الهرب إلى سريرها وهي تحمل معها هذا الشعور الذي رافقها وهي بين ذراعيه ...
+
هناك حيث تنفرد بنفسها وتستكشف شعورها هذا أكثروتتعرف عليه بشكل أعمق ...
+
تناست رغبتها في السماع عنه وعن حياته قبلها ...
+
أرادت أن تغادر سريعا وهو لم يمانع بدوره فهو أخذ جرعة لطيفة دافئة تكفيه مؤقتا منها حتى يحين الوقت وتصبح له دائما دون فكاك ...
+
***
+
مع قرب منتصف الليل ...
+
وبعد مغادرة أغلب المدعوين ..
+
إنفرد نضال بها ...
+
لأول مرة بعدما ارتدت خاتمه وباتت خطيبته رسميا ...
+
تأملها بتفحص هذه المرة ...
+
ملامحها الهادئة بزينة وجه خفيفة للغاية لا تختلف كثيرا عن زينة وجهها أثناء العمل ...
+
شعرها الأسود الكثيف المسترسل على جانبي وجهها بخصلاته الفاحمة ..
+
فستانها البسيط للغاية وقد بدا لائقا بجسدها الرشيق ولونه يتماشى مع بشرتها السمراء الناعمة ...!
+
كانت في أوج خجلها وهي تنظر إلى الأرض بإرتباك جعله يبتسم بهدوء قبل أن يهتف بصوت رزين :-
+
" إرفعي وجهك ... أريد رؤيتك ..."
+
بتردد رفعت وجهها نحوه والتقت عيناها المترددين بعينيه القويتين الحادتين بزرقتهما الجذابة للغاية ...
+
ومجددا أخذ يتفحص ملامحها بتمعن فهي باتت له ويحق له أن يتأملها بل ويفعل الكثير غير ذلك ...
+
كانت ملامحها حادة قليلا ...
+
وجه بيضوي بذقن طويل قليلا ...
+
بشرة سمراء صافية ...
+
عينان سوداوان واسعان وقد منحهما الكحل جمالا مختلفا فأبرز اتساع عينيها وجاذبية لونهما الأسود ...!
+
رموش سوداء كثيفة ظللت عينيها مع أنف دقيق وشفتان ممتلئتان بإعتدال ...
+
" عيناك جميلة ..."
+
قالها بصدق لتهمس بصوت مبحوح :-
+
" شكرا ..."
+
كانت تدرك ذلك ..
+
كانت تعلم إنها تمتلك عينين جميلتين كما أخبرها الكثير ...
+
وجدته يبتسم بنفس الهدوء وهو يميل نحوها بشكل جعلها تتراجع قليلا لوهلة فيضيف بتروي وكفه تمتد نحو خصلات شعرها فيغرس أنامله بينهم :-
+
" وشعرك جميل أيضا ..."
+
حرك خصلاته ببطأ بين أنامله وقد غزت الذكرى عقله مجددا حيث أخرى بخصلاتها البنية القصيرة التي كان حريصا أن تحتفظ بقصرها الذي عرفها به ..!
+
ما زال يشعر بملمس خصلاتها بين أنامله
+
وفوق صدره ..!
+
ما زال يشعر بنعومتها ورائحتها التي يحفظها عن ظهر قلب ...
+
وجد نفسه ينطق دون تفكير :-
+
" ألا تفكرين بقصه ...؟!"
+
تمتمت باستغراب :-
+
" أقصه ..! "
+
ثم تسائلت بحيرة :-
+
" ألا تحب الشعر الطويل ..؟!"
+
تراجع إلى الخلف وهو يرسم إبتسامة باهتة على وجهه بينما يخبرها ببساطة :-
+
" أميل إلى الشعر القصير أكثر ولكن ..."
+
توقف لوهلة يتأمل الحيرة والتردد المرسومين على ملامحها ليهتف ملغيا تلك الفكرة الحمقاء من رأسه وعقله يلومه على منحنى أفكاره :-
+
" لا بأس .. شعرك جميل ... اتركيه هكذا .."
+
ابتسمت بإرتباك عندما وجدته يتنهد بصوت مسموع قبل أن يهتف بجدية :-
+
" هناك الكثير من الأشياء التي يجب أن نتحدث بها ..."
+
قالت على الفور :-
+
" بالطبع ..."
+
تراجع إلى الخلف يسترخي في مقعده وهو يضيف :-
+
" عندما نلتقي غدا أو بعد الغد ... حيث نخرج سويا .. نتناول الطعام ونتحدث ..."
+
" حسنا ..."
+
همست بها فأضاف وعيناه تهبطان نحو خاتمه الذي يزين بنصرها الأيمن :-
+
" الخاتم مميز جدا ... أعجبني ذوقك للغاية ..."
+
هبطت بعينيها اتجاه الخاتم تتأمله بملامح صامتة دون تعابير محددة عندما وجدته ينهض من مكانه فرفعت وجهها نحوه بتسائل حذر لتجده يخبرها ببساطة :-
+
" لندخل ... لا داعي لبقائنا هنا أكثر ..."
+
" حسنا ..."
+
قالتها بإستسلام وهي تتحرك جانبه عندما دلف إلى الداخل ليجد هايدي تودع عمه وهي تهم بالمغادرة عندما رأته يتقدم اتجاههما وخلفه خطيبته لتبتسم له وهي تسير نحوه بفستانها الأسود القصير فتمد كفها وهي تخبره بإبتسامة صادقة :-
+
" مبارك لك مجددا ..."
+
" شكرا هايدي ..."
+
قالها وهو يمنحها ابتسامة هادئة عندما باركت لأروى بعدها وغادرت تلاحقها عيني والدته والتي أعجبتها هايدي تماما بل شتمت ولدها داخلها لإنه لم يخترها زوجة له بدلا من تلك الفتاة التي لم تعجبها بتاتا ولا تعرف لمَ إختارها ولدها دونا عن كافة الفتيات حوله ...
+
ما إن غادرت هايدي حتى تبعها كلا من نديم وحياة حيث وقف نديم يبارك له بتحفّظه المعتاد بينما حياة قبلت أروى وهي تبارك لها بمودة قبل أن تتجه نحوه تبارك له بنفس الإبتسامة الودودة قابلها هو بتحية متحفظة محاولا قدر المستطاع تحاشي النظر إليها عن قرب وهو يدرك إن وجودها حوله يمنحه ذكريات غير محببة تتمحور حول أنثى تحمل ملامحها وروحها ...
+
أنثى رحلت عن عالمه ولكن روحها ما زالت تحوم حوله دون فكاك ...
+
غادرت حياة مع زوجها بينما أتى دور البقية حيث باركوا لهم وكلا يغادر الحفل حتى أتى دوره عندما إبتسم لوالدتها أولا وهو يودعها وكذلك شقيقها وشقيقتها ثم عاد إليها يتحدث معها بخفوت تاركا والديه يتبادلان التحية مع العائلة قبل مغادرتهما معه ...
+
" سنتحدث غدا ..."
+
قالها بجدية لتهز رأسها وهي تمنحه إبتسامة مصطنعة لم تصل إلى عينيها عندما بادلها إبتسامتها بأخرى هادئة وهو يتحرك مغادرا المكان ليجد والديه يسبقانه قبل أن تلتفت والدته نحوه تخبره بصوت جاد :-
+
" سأركب معك ... لنذهب أولا إلى الفيلا .. نتحدث قليلا ..."
+
أومأ برأسه مضطرا قبل أن يتبادل النظرات مع والده الذي تقدم نحوه يحتضنه بأبوة وهو يبارك له :-
+
" مبارك عزيزي ... أتمنى الموفقية لك ..."
+
" شكرا .."
+
قالها نضال بهدوء قبل أن يستدير نحو والدته هامسا على مضض :-
+
" تفضلي ..."
+
تحركت والدته أمامه بملامح جامدة ونضال يسير خلفها تراقبهم أروى من النافذة قبل أن تستدير نحو عائلتها حيث نهض شقيقها منسحبا نحو غرفته لأجل النوم لتقول هي بدورها :-
+
" وأنا سأصعد إلى غرفتي ... أحتاج إلى النوم .."
+
" معك حق .. تعبت اليوم كثيرا ..."
+
قالتها والدتها بنبرة حانية بينما هتفت نرمين بتساؤل :-
+
" غدا لديك إجازة ..."
+
" نعم ..."
+
قالتها كاذبة فهي لم تأخذ إجازة ليوم الغد حيث قررت أن تذهب إلى دوامها كالعادة وهي تدرك حاجتها الماسة للإنشغال بالعمل ولكنها لن تخبرهم بذلك كي لا يعترضوا ويطلبوا منها الراحة قليلا خاصة وكلتاهما متحمستان لزواجها الذي سيكون قريبا وتريدان منها التفرغ الفترة القادمة لتجهيز نفسها لأجل زيجتها وشراء جميع ما تحتاجه والتجهيز لحفل الزفاف الذي تحرصان على أن يكون حفلا فخما تماما لائقا بها ..!
+
تحركت مستأذنة بدورها صاعدة إلى الطابق العلوي حيث غرفتها ..
+
خلعت فستانها وسارعت ترتدي بيجامة خفيفة مريحة ثم اتجهت نحو سريرها تندس فيه مقررة الخلود إلى النوم فورا متجاهلة أي أفكار قد تزورها وتؤرق نومها ...
+
تمددت على السرير وجذبت غطائها فوقها قبل أن تتوقف لوهلة وهي تنظر إلى الخاتم الماسي الذي يزين بنصرها فعاد شعور الخوف يقتحم قلبها مجددا ...
+
خوف غريب ..
+
خوف غير مفهوم ...
+
خوف من المجهول ...
+
إبتلعها شعور الخوف مجددا وتمكن منها وعلى ما يبدو سينجح في أن يؤرق نومها كعادته في الآونة الأخيرة ...
+
***
+
في طريقه إلى فيلا والده ...
+
التزم نضال الصمت وكذلك والدته التي بقيت صامتة واجمة كما كانت طوال الحفل ..
+
هو بدوره لاحظ ذلك منذ البداية ولم يهتم ولكنه يدرك إن لديها ما ستقوله حالما يصلان وجهتهما والغريب إنه غير مستعد لسماع حديثها الذي سيتسبب حتما بضيقه ...
+
هو يعلم جيدا إنها ليست راضية عن هذه الزيجة منذ البداية فقد صدمها بخبر ارتباطه المفاجئ والسريع وما شاهده اليوم منذ البداية يؤكد ضيقها من عدم علمها بالتفاصيل إضافة إلى عروسه التي يجزم إنها لم تنل إعجابها ..'
+
ركن سيارته في كراج الفيلا وفتح بابه يهبط من السيارة وفعلت هي المثل عندما تقدمت بذقن شامخ إلى الأمام يتبعها هو بملامح جامدة ...
+
فتحت الخادمة لهما الباب ليتجاهل كلاهما تحيتها ويدلفان إلى الداخل وتحديدا في صالة الجلوس عندما رمت إنتصار حقيبتها على الكنبة بإهمال واتخذت موقعها فوق نفس الكنبة واضعة قدما فوق الأخرى بترفع معتاد وملامحها بل ولغة جسدها تنطق بما تحمله داخلها من رفض واستياء ...
+
فك نضال ربطة عنق ثم تحرك جالسا على الكرسي المقابل لوالدته عندما هتفت الأخيرة :-
+
" من أين عرفت تلك الفتاة ...؟!"
+
أجاب بجدية :-
+
" رأيتها في إحدى المناسبات ونالت إعجابي ..."
+
تهكمت ملامحها وهي تردد :-
+
" حقا ...؟! يا لها من قصة مثيرة ..."
+
ثم أضافت والتجهم يحل محل التهكم :-
+
" لم تعجبني ..."
+
هتف ببرود :-
+
" تعجبني وهذا يكفي ..."
+
" أكاد أجزم إنها ليست كذلك ..."
+
قالتها بوجوم وهي تضيف بتعمد وعيناها تتابعان وجوم ملامحه باهتمام :-
+
" الأمر لا يتعلق بالإعجاب .... "
+
هتف ببرود هازئ :-
+
" لا يهمني ما تفكرين به وتعتقدينه ... أساسا الأمر لا يخصك ... "
+
أضاف بثبات :-
+
" أروى فتاة جميلة .. طبيبة ... ذات خلق رفيع ومستوى إجتماعي جيد جدا ... مناسبة من جميع النواحي ..."
+
" هناك الكثيرات غيرها من نفس المستوى الاجتماعي والثقافي لكنهن أفضل منها ..."
+
قالتها بجدية ليهتف باستخفاف متعمد :-
+
" حقا ..؟!"
+
" لا تليق بك ..."
+
قالتها بصوت حازم وهي تضيف :-
+
" تستحق من هي أفضل منها ..."
+
" ألا ترين إن الوقت تأخر على حديثك هذا ...؟! أنا خطبت الفتاة .."
+
قاطعته بضيق :-
+
" على أساس إنه كان لدي علم برغبتك بخطبتها .. أنت لم تخبرني إلا بعدما أخذت قرارك وخطبتها فعليا ..."
+
" وهذا لا يوحي لك بشيء ما ..."
+
قالها ببرود ليظهر الضيق على ملامحها بينما يضيف هو بنفس البرود :-
+
" إنني لا أنتظر رأيك ولا أهتم به ...."
+
أطلقت تنهيدة طويلة محاولة قدر المستطاع السيطرة على غضبها الذي يثيره ولدها بحديثه المستفز ...
+
تحدثت بعدها بهدوء مصطنع :-
+
" أنا أريد سعادتك يا نضال ..."
+
قاطعها بصوت حاد :-
+
" أنا أدرك أين سعادتي وكيف أحصل عليها ...."
+
" ربما لو رأيت الحب في عينيك اتجاهها لتفهمت قرارك ولكنك لا تحبها ..."
+
قالتها بنفس الجدية ليطلق ضحكة هازئة سريعة قبل أن يهتف بجمود عاد يكسر ملامحه :-
+
" كيف تتحدثين بكل هذه الثقة وكأنك تفهمين بسهولة حبي لها من عدمه ورغبتي بها من عدمها ..."
+
نهضت من مكانها وتقدمت نحوه بخطواتها الواثقة ...
+
هبطت بجسدها قليلا نحوه وكفها تمتد نحو وجهه تلمس جانبه لكنه سرعان ما أبعد وجهه عن ملمس يدها ...
+
قبضت على ذقنه تدير وجهه نحوها مجددا تهتف وهي تنظر إلى عينيه بثبات وثقة :-
+
" مهما حدث .. مهما رفضتني .. مهما ابتعدت عني .. مهما غضبت مني .. ستبقى ولدي وأبقى أنا أمك التي تعرفك جيدا وتحفظك عن ظهر قلب .. أمك التي عاشرتك لأعوام طويلة وتوليت تربيتك منذ أن كنت طفلا صغيرا حتى أصبحت شابا يافعا ..."
+
نهض من مكانه مبتعدا عنها مرددا وعيناه تظلمان تماما :-
+
" أنت مخطئة إذا ... لإنك بالفعل لا تعرفينني .. أو بشكل دقيق أنتِ كنت تعرفيني .. مسبقا .. عندما كنت معكِ .. أحيا معك ..."
+
استدار قليلا ينظر لها من الجانب مضيفا بكره :-
+
" أنت تعرفين نضال القديم ... أما نضال الجديد فلا تعرفينه إطلاقا ..."
+
عاد ينظر أمامه يوليها ظهره وهو يضيف بسخرية قاتمة :-
+
" مع إن نضال الجديد هو من صنع يديك .. والقديم كذلك ...."
+
" إلى متى ستبقى غاضبا مني ...؟!"
+
سألته بغضب مكتوم ليستدير نحوها يتأمل حدة ملامحها بصمت قطعه بعد ثواني وهو يجيب :-
+
" غضبي منك غير قابل للانتهاء .. هو حتى لا يتناقص ... لا يهدأ قليلا ... على العكس يتزايد ... "
+
أخذ نفسا ثم أضاف وغضبه يشتعل من جديد :-
+
" يتفاقم أكثر كلما تذكرت أفعالك .. كلما تذكرت السنوات التي قضيتها مخدوعا .. السنوات التي خسرتها من عمري وأنا معك ... بسببك نبذت والدي ... وبسببك خسرت حبيبتي ... بسببك حدث الكثير ... الكثير مما لا يمكنني تجاوزه ولا حتى تجاهله ..."
+
أخذ نفسا طويلا هذه المرة ثم قال :-
+
" غادري يا هانم .. فوجودك هنا غير مرحب به ... "
+
ثم هم بالتحرك عندما فوجئ بها تقبض على ذراعه تنظر له بتحفز وهي تهمس من بين أسنانه :-
+
" ماذا يحدث ...؟! متى أصبحت تكرهني إلى هذا الحد ..؟! هل هذا تأثير والدك عليك .. ؟!"
+
ضحك بخفة ثم قال :-
+
" حقا ..؟! وليكن كذلك .. ماذا ستفعلين ..؟! كيف ستبعدينني عنه هذه المرة ..؟! بم سوف تتهمينه ..؟! كيف ستخدعيني بل وتضلليني هذه المرة ...؟!"
+
دفع كفها بعيدا وهو يهمس بنبرة قاسية وملامح قاتمة :-
+
" أفيقي يا هانم .. ألاعيبك جميعا باتت مكشوفة .. أنا كشفتك منذ أعوام .. كشفت حقيقتك وأدركت معها كم إنني كنت أحمقا ومغيبا بسببك وبسبب كذبك وخداعك ..."
+
" تحملني مسؤولية كل شيء حدث في الماضي وتتصرف وكأنك لا دخل لك بما حدث ..."
+
هتفت بها بنبرة ساخرة وهي تضيف :-
+
" وكأنني أنا من تسببت بموت تلك الفتاة .."
+
صاح بغضب مكتوم :-
+
" لا تتحدثي عنها ... "
+
" أنت لم تتحرر منها بعد ... "
+
قالتها وعيناها تلمعان بغضب بينما تضيف :-
+
" ما زال الماضي يسيطر عليك ويتحكم بك ... انظر إلى نفسك ... كيف تحولت ما إن جلبت سيرتها ..؟!"
+
" هل يعجبك ذلك ..؟!"
+
سألها بعينين متقدتين غضبا لتعقد ذراعيها أمام صدرها وهي تهتف بثبات :-
+
" إطلاقا .. أنا أريد أن تفيق وتستوعب إن ما حدث كان مجرد حادث ... أنت لا دخل لك به ..."
+
" أنت تخدعين نفسك .. كلانا يعرف الحقيقة ... كلانا قتلها .. كلانا يتحمل مسؤولية موتها ..."
+
أنهى حديثه وهم بالتحرك متجها إلى السلم ومنه إلى الطابق العلوي عندما سمعها تهتف بصوت عالي قاسي :-
+
" رويدا ماتت .. لم تعد موجودة .. مرت سنوات على موتها .. إنساها يا نضال ...توقف عن محاكمة نفسك ومحاكمتي معك بسبب حادثة مرت عليها سنوات ... "
+
التفت نحوها يرمقها بنظرات كارهة وهو يهتف :-
+
" هذه الحادثة ستبقى حاجزا بيني وبينك حتى آخر العمر ..."
+
ثم اندفع بعدها مرتقيا درجات السلم بسرعة متجها إلى غرفته هناك حيث اندفع إلى الداخل مغلقا الباب خلفه ثم متحركا إلى داخل الغرفة محاولا تهدئة أنفاسه الثائرة ...
+
لحظات واتجه نحو الشرفة حيث فتح الباب وخرج إلى سطحها يستنشق الهواء قبل أن يشاهد والده يتقدم إلى الداخل وعلى ما يبدو إنه تعمد الوصول متأخرا قليل كي يترك الفرصة له بالإنفراد مع والدته ...
+
وفي نفس اللحظة وجد والدته تغادر متقدمه اتجاه والده قبل أن تقف قباله تتبادل حديثا ما معه ..
+
تجاهل ما يحدث وهو يعود إلى الداخل متجها نحو سريره راميا بجسده فوقه مغمضا عينيه بقوة فتظهر صورتها أمامه ...
+
فتح عينيه بعد لحظات وطيفها ما زال يلاحقه عندما إعتدل في جلسته وهو يأخذ نفسا عميقا ...
+
فتح بعدها الدرج جانبه وأخرجت علبة سجائره ليسحب سيجارة ويدخنها بصمت ...
+
سيجارة تليها أخيرا حتى أنهى نصف العلبة فقرر الخلود للنوم ولم يكن يعلم إنها ستزور أحلامه كما كانت حوله منذ بداية اليوم يشعر بطيفها يلاحقه منذ الصباح وصوتها يرن في أذنيه يؤنبه على هذه الخطوة التي سيخطوها حيث يرتبط بأخرى غيرها ...
+
أخرى أقسم لها داخله مرارا إنه لا يشعر إتجاهها بأي شيء وإنها لا تهمه ولا تعنيه وإن إرتباطه بها مجرد رغبة منه في إكمال صورة حياته المثالية المتكاملة والتي تختلف تماما في الحقيقة عما تظهر عليه ...!
+
" لا أحبها ... لا أميل لها .. لا تعجبني حتى ... هي مجرد واحدة عادية للغاية ... مثلها مثل أي أنثى مرت في حياتي ... الفرق إنها لن تكون عابرة .. ستكون دائمة في حياتي ... حياتي فقط يا رويدا .. أما قلبي ومشاعري وروحي وكياني فكله لك ... كان ولا زال وسيبقى لك وحدك ..."
+
***
+
كادت أن تفقد حياتها ..
+
وربما هو بدوره سيفقد حياته في لحظة واحدة ...
+
لحظة كادت أن تنهي حياة كليهما لولا تدخله في اللحظة الأخيرة ...
+
أنقذ كليهما من الموت ...
+
إلا إنه نال نصيبه عندما اصطدم جبينه بزجاج السيارة الأمامي مسببا ذلك الإصطدام جرحا عميقا فيه ...
+
لم ينتبه لما أصابه وعقله توقف في تلك اللحظة وأنفاسه ما زالت محتبسة داخل صدره ..
+
وهي كانت نفس الشيء ..
+
لا تستوعب ما حدث خلال لحظات ..
+
كيف ساقت بتلك السرعة وكيف أتت تلك السيارة وكادت أن تصطدم بسيارتها لولا تدخله في اللحظة الأخيرة ....
+
بالكاد إستوعبت ما حدث فخرج صوتها مبحوحا خافتا :-
+
" نحن بخير ..."
+
ثم استدارت نحوه تتأمل جموده في تلك اللحظة لتسأله مجددا وقد كان بدوره ما زال يستوعب كل شيء ...
+
لا يستوعب الحادث الذي كان سيحدث منذ لحظات فقط وإنما لا يستوعب مجددا ما سمعه منها وما عرفه من حقائق ..
+
" أثير ... أنت بخير ... أليس كذلك ..؟!"
+
سألته بصوت مرتبك والقلق تمكن منها ليستدير نحوها بدوره مواجها وجهها فيظهر الجانب الآخر من جبينه والذي انفجرت منه الدماء لتشهق بهلع وهي تمد كفها بعفوية نحو مكان الإصابة تهمس بخوف بديهي :-
+
" جبينك ينزف .. تعرض لإصابة ..."
+
وقبل أن تلمس أناملها جبينه كان يبتعد إلى الوراء وهو يردد بحزم :-
+
" أنا بخير ....!"
+
" يجب أن نذهب إلى المشفى ..."
+
قالتها بنفس الخوف ليتجاهل حديثها وهو يفتح باب السيارة ويتحرك مغادرا إياها تتابعه هي بدهشة سرعان ما أزاحتها سريعا وهي تفتح الباب بدورها وتهبط من السيارة متجهة نحوه تهتف بضيق وقلق :-
+
" ماذا تفعل أنت ..؟! يجب أن تذهب إلى المشفى ... نقوم ببعض الفحوصات ونعالج الجرح أيضا ..."
+
ارتكن بجسده على الحائط خلفه متجاهلا حديثها وعقله غارقا في الماضي يراجع ما حدث ...
+
كيف بدأت علاقتهما تتدمر تدريجيا ..
+
كيف بدأت المشاكل بينهما تكبر يوم بعد يوم ...
+
كيف أرادت الإنفصال أكثر من مرة وكل مرة كان لها سببا مختلفا ..
+
وكيف إنفصلا في النهاية ...؟!
+
كل شيء كان منظم من قبلها وقبل والديه ..!
+
كل شيء كان خطة وهو كان الأحمق الذي لا يدرك ما يفعلونه به ...!
+
" ما بالك لا تجيب ..؟!"
+
سألته بضيق وهي تتقدم نحوه لتشهق بفزع وهو يقبض على ذراعها بقسوة هامسا من بين أسنانه :-
+
" ستخبريني بكل شيء ... "
+
ارتجفت ملامحها بل ارتجف جسدها كليا وهي ترى نظراته المخيفة بل المرعبة في تلك اللحظة فهمست دون وعي :-
+
" أنت تؤذيني ..."
+
" تستحقين ..."
+
قالها بإنفعال حاد وهو يضيف وعيناه تلتمعان بتوعد أهابها تماما :-
+
" تستحقين كل الأذى ..."
+
" ماذا جرى لك ... اتركني ..."
+
قالتها وهي تدفعه بعيدا ليرتطم بالحائط خلفه لا إراديا بينما تمكن الدوار منه ...
+
دوار حاول أن يتجاهله وهو يغمض عينيه بتعب ويضغط بجسده على الحائط خلفه مستخدمه وسيلة لدعمه وإسناده ...
+
تأملت شحوب وجهه وما يحدث وقد أدركت بحدسها كطبيبة إنه يعاني من الدوار فتدخلت على الفور وهي تتقدم نحوه مجددا متجاهلة ما فعله قبل ثواني تخبره بسرعة وهي تقبض على ساعده :-
+
" تعال واجلس في السيارة ... يجب أن نذهب إلى المشفى .. إذا بقيت هكذا ستفقد وعيك بعد قليل ... لا تعاند .."
+
" اتركيني .."
+
قالها وهو يحاول دفعها برفض صريح لكنها تمسكت به وهي تهتف بصلابة متجاهلة كل ما حدث قبل قليل وتفكيرها ينصب على حالته الصحية :-
+
" لن أتركك .. سآخذك إلى المشفى .. غصبا عنك ..."
+
أضافت وكفها يمتد نحو جبينه تلمس جرحه مضيفة برجاء :-
+
" ارجوك لا تعاند ..."
+
أغمض عينيه بإرهاق شديد تمكن منه ورغبته بالإختفاء من أمامها في تلك اللحظة تملكت منه تماما ...
+
أراد أن يبعدها .. أن يجعلها تغادر وتتركه وشأنه ولكنه كان متعبا وتعبه يزداد والدوار سيطر عليه كليا ...
+
ودون وعي منه استسلم لها فقادته هي إلى سيارتها وأجلسته فيها ثم تحركت وقادتها متجهة إلى أقرب مشفى بينما استند هو بجبينه على النافذة جواره بعينين مغمضتين مستسلما تماما لذلك الألم وحالة اللا وعي التي تمكنت منه ...
+
وصلت به إلى المشفى بعدها عندما هبطت من السيارة واتجهت نحوه تفتح الباب وتهتف وهي تمد كفها نحوه :-
+
" تعال معي .. هيا ..."
+
تجاهل كفها الممدودة وهو يتحرك خارج سيارتها ..
+
وما إن انتصب في وقفته حتى تخلخل توازنه فسارعت تمسكه من ساعده وهي تهتف بنبرة مؤنبة :-
+
" نزفت الكثير من الدماء ..."
+
ثم أشارت إلى أحد حراس المشفى ليأتي ويساعدها وهو يتقدم به إلى داخل المشفى هناك حيث دخلوا به إلى قسم الطوارئ ليأتي أحد الأطباء حديثي التخرج ويسارع بفحصه فيبدأ بتنظيف الجرح وتعقيمه ثم خياطته ...
+
وقفت هالة تتابع عمل الطبيب بينما بقي أثير مستسلما له ....
+
أنهى الطبيب عمله دون أن يظهر عليه أي تعبير معين ...
+
كان جامدا فاقدا للإحساس في تلك اللحظة ...
+
ابتعد الطبيب عنه وهو يخبرها عن حالته وطمأنها بأن ما أصابه مجرد جرح كان عميق قليلا وتسبب بنزيف له ...
+
اتجهت نحوه بعدها تهتف بجدية :-
+
" يجب أن تتصل بأحدهم ليأتي ويأخذك إلى القصر ..."
+
" سأغادر بنفسي ..."
+
قالها بلا مبالاة وهو يهم بالنهوض فمنعته على الفور وهي تخبره بحزم :-
+
" لا يمكن ذلك ..."
+
زفر أنفاسه بتعب عندما سألته :-
+
" أين هاتفك ...؟!"
+
لم يجبها فمدت كفّها نحو جيب سترته تسحب الهاتف منه لتسأله مجددا :-
+
" ما هو رمز الهاتف ...؟!"
+
توقفت لوهلة وهي تتأمل نظرات عينيه التي تأملتها في تلك اللحظة بنظرات مزيج من تأنيب ورفض وعتاب ووعيد ...
+
كل هذه المشاعر المختلطة رأتها في نظراته عندما ابتلعت ريقها وهي تكتب الرمز السري الذي تحفظه جيدا والذي وضعته هي بنفسه لهاتفه ...
+
تجاهلت أنين روحها في تلك اللحظة ...
+
تجاهلت تأنيب ولوم نفسها ..
+
تجاهلت الوجع الذي أصاب قلبها وهي تبحث عن إسم محدد تتصل به ...
+
الشخص الوحيد الذي يجيد التصرف في هذه الحالة ...
+
صديقه المقرب ... عادل الوكيل ...
+
***
+
وصل عادل إلى المشفى سريعا عندما أشارت له هالة بكفها فتقدم نحوهما قبل أن يقف قبال صديقه يتأمل وجهه الشاحب وذلك الرباط فوق جبينه وعينيه اللتين تنظران له بنظرات جامدة لا حياة فيها فخرج سؤاله قلقا :-
+
" ماذا حدث يا هالة ..؟!"
+
أجابت بصوت متردد :-
+
" أثير سيخبرك ... "
+
أضافت بجدية :-
+
"" يجب أن أغادر ... لا يمكنني التأخر أكثر ..."
+
هز عادل رأسه بتفهم بينما اتجهت هي ببصرها نحوه لتراه يطالعها بنفس الجمود المهيب فتمنحه نظرات تحمل إعتذارا صريحا فهمه بدوره ...
+
إبتسامة ساخرة مقتضبة تشكلك فوق شفتيه قبل أن يعاود الجمود ويكسو ملامحه وروحه لتهز رأسها بخيبة وهي تتحرك خارج المكان وقد ملأت العبرات عينيها ...!
+
اما عادل فهتف بجدية :-
+
" لنغادر يا أثير ..."
+
نهض أثير من مكانه متحركا جانب صديقه بإستسلام تام ليغادر كلاهما المشفى بصمت عندما أخذ أثير مكانه في سيارة عادل فهتف له :-
+
" خذني إلى شقتي يا عادل ..."
+
لم يسأل عادل عن أي شيء وهو يدرك جيدا إن حالة صديقه لا تسمح بأي تسائل فقاد سيارته متجها إلى شقة أثير هناك حيث اتجه أثير نحو غرفته ورمى بجسده فوق السرير ليغرق في نومه بعد لحظات بينما قرر عادل المبيت معه فهو بحاجة لأن يتحدث معه صباحا ويفهم ما يحدث وأيضا كي يطمئن عليه أكثر فإتخذ من إحدى الغرف في الشقة مبيتا له ...
+
***
+
اندفع صلاح إلى غرفته بملامح غاضبة بينما القلق بل الذعر على والدته ينهش روحه تماما ...
+
وجدها في وجهه ممددة فوق السرير فاشتعلت عيناه وهو يسألها :-
+
" ماذا تفعلين هنا ..؟!"
+
وكأن هذا ما ينقصه ...
+
أن يراها أمامه ...
+
نهضت من مكانها تجيب ببساطة جعلته يرغب في صفعها عدة مرات على وجهها :-
+
" سألت الخادمة عن مكان غرفتك ودلّتني عليها .. ما كنت أستطيع البقاء في الأسفل بعد كل ما حدث ..."
+
" ما حدث بسببك أنت .. بسببك سأخسر والدتي ... وشقيقي كذلك ..."
+
قالها بإنفعال شديد لتهتف بصوت مرتفع :-
+
" هل تحاسبني الآن ...؟! يجب أن تحاسب نفسك أولا ..."
+
" عفوا ... "
+
قالها بسخرية لتهتف بتهكم وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :-
+
" متزوج ولديك أطفال .. لا أصدق حتى الآن ما سمعته .."
+
أكملت بإتهام :-
+
" كان عليك أن تخبرني ... ليس من حقك أن تجعلني أبدو كالبلهاء أمامهم وأنا لا أدرك ذلك والأسوأ إنني اعتقدت زوجتك شقيقتك .. "
+
هتف بعدم تصديق :-
+
" هل هذا ما يهمك ..؟!"
+
مطت شفتيها ببرود ليهتف بعصبية :-
+
" نعم أنا متزوج .. ولدي طفلين .. وأنت بات لديك علم .. "
+
أضاف بسخرية متعمدة :-
+
" يمكنك المغادرة حالا إذا لم يعجبكِ الوضع ..."
+
هتفت ببرود :-
+
" لن أغادر .."
+
أضافت غير مبالية بالتهكم المرتسم على ملامحه :-
+
" زواجك من عدمه لا يهمني ولكنني لا أحب أن أكون كالحمقاء لا أعرف أي شيء عمن يكون زوجي ..."
+
" هل صدقتي إنك زوجتي حقا ..؟!"
+
سألها بعدم استيعاب ورغبته في خنقها حتى الموت تزداد مع كل كلمة جديدة تتفوه بها لتجيب بلا مبالاة مغيظة :-
+
" شرعا وقانونا أنا كذلك ... زوجتك .. لم لا تصدق إذا ..؟!"
+
" إنظري إلي .. أنا لدي ما يكفيني .. والدتي ليست بخير بسببي ... ناهيك عن وضع شقيقي بعد معرفته بتصرفي هذا .."
+
تأملته بسخرية قبل أن تهتف بتعمد :-
+
" وكأنك تهتم ..."
+
" ماذا تقولين أنت ..؟!"
+
صاح بها بنفاذ صبر لتهتف بتحدي :-
+
" شخص مثلك .. ترك زوجته وأطفاله وغادر البلاد يتسكع بين النوادي الليلة وينتقل بين أحضان العاهرات ..."
+
استرسلت وهي تتابع وجوم ملامحه :-
+
" لا تنتظر مني تصديق إنك تهتم بكل هذا حقا .. يا رجل .. أنا أكاد أجزم إنك لا تعرف شيئا عن طفليك ولا تسأل عنهما حتى فكيف تطلب مني تصديق إهتمامك وخوفك على والدتك .. لا ينقص سوى أن تطلب تعاطفي أيضا ...!"
+
قالت جملتها الأخيرة بسخرية وهي تضيف ببرود مستفز:-
+
" إذا كنت تنتظر مني تعاطفا مع وضعك وربما إعتذارا ومغادرة هذه الفيلا الرائعة فستكون أكبر أحمق .. كلانا يعرف الحقيقة يا صلاح ... أنت تستحق ما تمر به ... وأنا لست تلك الفتاة المراعية أبدا ..."
+
" أعلم ..."
+
قالها بصوت محتقن لتعاود الجلوس فوق سريره وهي تضع قدما فوق الآخرى مضيفة ببساطة :-
+
" جيد .. على العموم أنا سأبقى هنا لفترة محددة وبعدها سأغادر حياتك دون رجعة ... "
+
تنهدت ثم أضافت :-
+
" يمكنني أن أتحدث مع والدتك وشقيقك وحتى زوجتك ... أخبرهم بكذبة ما بخصوص زيجتنا ..."
+
" لا تفعلي .. أساسا لا أريدك أن تظهري أمامهم الآن .. ستبقين هنا في غرفتي حتى أقرر أنا خروجك ..."
+
" عفوا .."
+
قالتها وهي تنهض من مكانها ثم تضيف وهي تحيط خصرها بذراعيها :-
+
" من هذا الذي يقرر ..؟! لا تتفوه بأشياء أكبر منك .."
+
صرخ بصوت جهوري محمل بالغضب والكره والوعيد :-
+
" ماذي ...!!! إخرسي ...."
+
ثم تحرك يهم بالمغادرة قائلا :-
+
" سأتركك هنا لوحدك فلا ينقصني أن أشاركك غرفة واحدة ..."
+
ثم رفع إصبعه نحوها يخبرها بتهديد :-
+
" إياك ثم إياك أن تغادري هذه الغرفة دون إذن مني ..."
+
وتحرك بعدها مندفعا تاركا إياها تتابعه بملامح ساخرة وهي تهمس باستخفاف :-
+
" لم يتبقَ سواك ليهددني ...!"
+
***
+
يقف مهند في شرفته يدخن السيجارة بشرود تام ...
+
ما زال حائرا ...
+
لا يعرف ما يجب أن يفعله ..
+
أي قرار سيتخذه ...؟!
+
منذ حديثه مع والده وهو عاجز عن إتخاذ قرار ...
+
القرار ليس سهلا ...
+
زواج مجددا ...
+
زواج يدرك جيدا إنه لا يريده ..
+
لا يرغبه ..
+
وإن وافق عليه سيكون بدافع المساعدة وإراحة ضميره قليلا ليس إلا ...
+
هل يوافق ويتزوج منها لأجل إرضاء ضميره ...
+
عسى ولعل يساعده ذلك في التخفيف من ذنبه ...
+
وحتى لو تزوجها ...
+
هل سينجح في مساعدتها ...؟!
+
هل سينجح في تهدئته غضبها بل ثورانها ..؟!
+
هل سينجح في منح روحها السلام والسكينة ..؟!
+
شرد مجددا في حديثه السابق مع والده وهو يخبره بكل جدية إن ذهابه معها إلى الخارج لن يحدث حتى يتزوج منها ...
+
وقتها استنكر ذلك بشدة ودار بينهما حديث ما زال يشغل باله ...
+
تنهد بصوت مسموع وهو يتذكر ما دار بينهما عندما أخبره والده بجدية :-
+
" أنت تعلم إنها تريد الإنتقام منك ... أليس كذلك ..؟!"
+
" ليس منك فقط .. بل مني ... من راغب .. ومن نفسها قبلنا ... "
+
" جيلان إذا بقيت هكذا ستضيع يا مهند ... هي تدمر نفسا والمشكلة إنها تدرك هذا وراضية به ... تعاقب نفسها وتنتقم منها ... وتعتقد إنها في نفس الوقت تعاقبنا وتنتقم منا جميعا ... وحتى من أخيها في سجنه ولكن ..."
+
" في النهاية هي وحدها من ستخسر ... هي من ستتدمر ولكنها لا تفهم هذا ولا تستوعبه ولا تقبل أن تفهمه ...."
+
" جيلان تحتاج طبيب نفسي بالفعل ...متخصص يتولى مسؤولية علاجها ولكن .. قبل كل ذلك هي تحتاج لمن يرشدها الى ذلك الطريق وتتقبل منه إرشاده ... وهذه مهمة صعبة للغاية يا مهند .. أصعب مما تتخيل .. "
+
" سأمنحك فرصة للتفكير ... خذ وقتك كاملا ... ولكن لا تمنح قرارا متسرعا يا مهند .. لإنك ستجني تماما عليها هذه المرة إذا إتخدت قرارا غير واثقا منه .."
+
تذكر أيضا حديثه معه بعدها وهو يخبره عن حيرته وتردده وخوفه من الفشل :
+
" ربما لن أستطيع ... ربما أتورط معها ... وتتورط هي معي .. ربما أفشل معها ... بل غالبا سأفشل ... "
+
يومها قال والده بحكمته المعتادة :-
+
" هل تعلم ..؟! إقناع جيلان نفسها بهذه الزيجة شيئا صعبا للغاية ويكاد يكون مستحيلا ..."
+
أضاف مبتسما برزانة :-
+
" إذا نجحت في إقناعها ووافقت أن تتزوجك بملئ إرادتها فهذا يعني إنك ستنجح في مهمتك معها .. هذا سيثبت لي ويثبت لك إنك أكثر من يستطيع مساعدتها ..."
+
تنهد مضيفا بصدق :-
+
" أعلم إن الأمر صعب للغاية لذا أنا أمنحك الفرصة الكاملة لتفكر مرارا وتتخذ قرارك بعد تفكير طويل وعن قناعة تامة ... "
+
أضاف بجدية :-
+
" لن أكذب عليك .. أنا نفسي لست واثقا منك ... ليس لإنني أراك سيئا .. على العكس تماما .. أنا أعرفك جيدا بل أكثر من يعرفك ... أنت تمتلك جوهرا نظيفا رغم كل الصفات السيئة والمزعجة التي تظهر بها .. داخلك نظيفا ولكن هذا ليس كافيا ... جوهرك لا يجعلك آهلا لهذه المهمة .. جيلان كما قلت أنت تحتاج إلى معاملة خاصة .. وأنا لست واثقا من قدرتك على التعامل معها بالطريقة التي تناسبها ..."
+
أنهى حديثه بصوت جاد حازم وتحذير صارم :-
+
" فكر جيدا ولا تتخذ قرارا سريعا فقط بدافع إسكات ضميرك .. لا تترك القرار لضميرك فقط ... وحذاري يا مهند أن تتخذ قرارا لست آهلا له ... إذا تزوجتها فعليك أن تكون قادرا على ذلك لإنني لن أسمح لك بتدميرها مجددا حتى لو دون قصد .. ولا تنسى إن الزيجة لن تتم حتى توافق هي وبكامل إرادتها وهذه مهمتك أيضا .. إذا وافقت على قراري فعليك أن تستخدم الطريقة المناسبة لإقناعها وجعلها توافق على هذه الزيجة دون إجبار ...!"
+
تنهد بضجر وهو يفيق من ذلك الحديث مجددا ...
+
ويتسائل بنفس الحيرة مجددا ..
+
القرار لن يكون سهلا ...
+
مهمته معها ستكون صعبة ...
+
مسؤولية ثقيلة ستلقى فوق عاتقه إذا ما تزوج منها ...
+
انتبه على صوت طرقات على باب جناحه ...
+
ألقى سيجارته أرضا وهو يدعسها بحذائه قبل أن يتحرك عائدا إلى داخل جناحه متجها نحو الباب وهو يردد بضجر:-
+
" أتيت ..."
+
ثم فتح الباب ليتجمد مكانه وهو يجدها أمامه تقف ببيجامة حريرية مكونة من شورت قصير بالكاد يغطي بداية فخذيها وتيشرت ذو أكمام مربعة قصيرة تغطي كتفيها وبداية ذراعيها ...
+
أفاق من دهشته وهو يتسائل بحيرة :-
+
" ماذا هناك يا جيلان ...؟!"
+
" أريد التحدث معك ..."
+
قالتها بصوت جاد ليتحرك قليلا فاسحا المجال لها :-
+
" تفضلي ..."
+
هتفت بسرعة رافضة الدخول :-
+
" لا أريد الدخول .."
+
تنهد مرددا :-
+
" لا تقلقي ... سأبقي الباب مفتوحا و ..."
+
قاطعته بسرعة :-
+
" الأمر ليس كذلك ..."
+
ثم شحبت ملامحها وهي تهمس مرغمة :-
+
" لا أحب هذا الجناح..."
+
كان هذا الجناح مثله مثل أغلب الأماكن التي عاشت بها يحمل لها ذكريات سيئة ما زالت تحرص على الهروب منها...
+
هز رأسه بتفهم ثم قال :-
+
" حسنا تحدثي ... أسمعك ..."
+
" لا يمكن أن نتحدث وأنا واقفة على الباب ..."
+
قالتها بجدية ليرفع حاجبه متسائلا :-
+
" أين نتحدث إذا ...؟!"
+
أجابت بسرعة :-
+
" تعال إلى جناحي ..."
+
توقف لوهلة يتأملها بوجوم قبل أن يهتف بمراوغة مفكرا إنه لا يمكنه الوثوق بها والذهاب إلى جناحها فهذه المجنونة يمكنها أن تفتعل فضيحة جديدة له :-
+
" دعينا ننزل إلى ألأسفل ... أفضل من جناحك ..."
+
أكمل مبررا :-
+
" من غير اللائق أن أتواجد في جناحك خاصة في هذا الوقت المتأخر ..."
+
لوت ثغرها مرددة بتهكم :-
+
" وتفهم بالأصول أيضا ...!"
+
غمز لها مشاكسا بتعمد :-
+
" لم ترِ شيئا بعد ..."
+
منحته نظرات مليئة بالقرف قبل أن تهتف مضطرة :-
+
" حسنا .. نتحدث بالحديقة ..."
+
ثم أضافت بمكر مقصود :-
+
" ولكنني لا يمكنني الخروج إلى الحديقة بهذه البيجامة .. هل تمنحني سترة منك أرتديها فوقها ...؟!"
+
قال ببرود :-
+
" ارتدي أي شيء من ملابسك ... "
+
" هل سأعود إلى جناحي مجددا ثم أبحث عن شيء أرتديه ..؟!"
+
هتفت بها بتذمر ليهتف بسخرية :-
+
" تتحدثين وكأن جناحك يقع في محافظة أخرى وليس في الطابق ألأسفل ...."
+
أضاف بعدها بثبات :-
+
" أنا لا أحب أن يرتدي أحدهم ملابسي ..."
+
" لماذا إن شاءالله ...؟!"
+
سألته بسخرية ليهتف ببرود :-
+
" أقرف ..."
+
اشتعلت عيناها بقوة ليضيف وهو يبتسم بوداعة مصطنعة :-
+
" هذا الشعور نفسه مع الجميع ولا يخصك وحدك .. لا أطيق أن يرتدي أي شخص أيا كان ملابسي ..."
+
منحته نظرات حانقة ثم تحركت بإعتداد نحو السلم لتسمعه يخبرها :-
+
" سأنتظرك في ألأسفل ..."
+
ثم سارع يغلق باب الجناح مرددا بينه وبين نفسه :-
+
" تظنني أحمقا لكي أدخلها جناحي أو أمنحها سترتي ... الله وحده يعلم ما يمكنها أن تفعل تلك الماكرة وكيف تستغل ذلك ...!"
+
***
+
في الحديقة ...
+
وقف مهند بنفاذ صبر ينتظر قدوم جيلان الذي لا يعرف لمَ تأخرت حتى الآن ...!
+
زفر أنفاسه بملل وهو يعبث بهاتفه منشغلا به قليلا حتى تأتي جيلان ..
+
بعد لحظات سمع صوت خطواتها تتقدم نحوه فرفع بصره بسرعة من فوق هاتفها ليجدها تتقدم اتجاهها وقد ارتدت تيشرت عريض طويل فوق بيجامتها يتخطى شورت البيجامة القصير بقليل مما منحها منظرا مثيرا خاصة وهي تبدو وكأنها ترتدي التيشرت وحده ولا شيء فوقه ..
+
تغصن جبينه برفض لما ترتديه بينما هتفت وهي تقف قباله وقد رفعت خصلات شعرها الطويلة بكعكة فوضوية :-
+
" أنت قلت إنك ستساعدني ..."
+
قالتها دون مقدمات وهي تضيف بوجوم :-
+
" ولم تفعل شيئا حتى الآن ..."
+
تنهد ثم قال :-
+
" الأمر ليس بهذه السهولة .. "
+
أضاف بجدية :-
+
" سأتحدث مع والدي ... "
+
" متى ..؟!"
+
سألته بسرعة ليجيب بصراحة :-
+
" حتى يهدأ قليلا من ناحيتك بعد تصرفك الأحمق يوم المطعم ..."
+
عقدت ذراعيها أمام صدرها تهتف بجمود :-
+
" أنت تخدعني ... لا تنوي مساعدتي ...."
+
قال بهدوء :-
+
" أنا حقا أريد مساعدتك ..."
+
قالت بسرعة ونفاذ صبر :-
+
" ماذا تنتظر إذا ..؟! تحدث مع والدك وأخبره أن يتركني أعود إلى أمريكا .. بالكاد أستطيع تجهيز ورق الجامعة وما هو مطلوب مني قبل بدء الدراسة خلال شهرين ... "
+
تنهد بصمت ثم قال بتأني :-
+
" أخبرتك إن الموضوع ليس بهذه السهولة ... والدي لن يقبل بذلك ببساطة ... عليّ إيجاد طريقة لإقناعه ..."
+
سألته بتجهم :-
+
" وما هي تلك الطريقة ..؟!"
+
هتف بتروي :-
+
" ما زلت أفكر ..."
+
" أنت تمزح ، أليس كذلك ...؟!"
+
أضافت بغضب :-
+
" لماذا قلت إنك ستساعدني طالما واقعيا لا تعرف كيف تساعدني حتى ..؟!"
+
" أخبرتك إنني سأحاول ..."
+
قالها بجدية لتهتف بسخط :-
+
" ما كان علي تصديقك ... ما كان علي الوثوق بك ... "
+
أضافت بسخرية مريرة :-
+
" لا أصدق أساسا إنني وثقت بك أنت تحديدا وأنا أعرفك جيدا ..."
+
" عدنا إلى نفس الموال .."
+
قالها بضجر لتهتف بتحدي :-
+
" كلا ، لم نعد .. وأنا لن أنتظر مساعدتك بعد الآن .. سأتصرف بنفسي ..."
+
همت بالتحرك عائدة إلى داخل القصر لتجده يقبض على ذراعها يهدر بها :-
+
" ماذا ستفعلين مثلا ..؟! كيف ستتصرفين بنفسك.."
+
هتفت بحدة :-
+
" ليس من شأنك ..."
+
كز على أسنانه ثم قال :-
+
" لا تجني يا جيلان .. لا تتصرفي تصرفا تندمين عليه فيما بعد ..."
+
" طالما لا يستطيع أحدكم مساعدتي فسوف أساعد نفسي بنفسي ..."
+
قالتها بنفس التحدي وهي تضيف بعصبية :-
+
" أنا أساسا توقفت منذ زمن عن إنتظار المساعدة من أي أحد ... أيا كان ..."
+
زفر أنفاسه ببطأ ثم قال محاولا تهدئتها:-
+
" جيلان ، أنا فقط أريد القليل من الوقت ... "
+
" لا يمكنني الإنتظار أكثر .. خاصة وأنا أدرك إنك تخدعني ..تحاول تخديري بوعودك الكاذبة ..."
+
قالتها وهي تتحرك مبتعدة عنه بينما تسترسل بنفس الغضب :-
+
" أنت لا يمكنك أن تفعل أي شيء ولا يمكنك أن تقنع والدك بعودتي إلى الخارج ..."
+
" يمكنني ذلك بشرط أن أتزوجك ..."
+
لا يعرف كيف خرجت منه بتلك الحماقة ..
+
لعن نفسه مجددا ...
+
لعن اندفاعه ...
+
مهما حاول أن يسيطر على نفسه وإنفعالاته يفشل ويعود للتصرف بنفس الحماقة
+
و الاندفاع ..
+
أما هي فتجمدت مكانها تحاول استيعاب ما تفوه به ...
+
زواج مجددا ...
+
هذه بالتأكيد محاولة جديدة من عمها لإعادتها تحت سيطرته وتحكمه ...
+
التفتت نحوه تتأمل وجوم ملامحه بصمت امتد لوهلة قبل أن تنطق :-
+
" ماذا قلت ..؟! نتزوج ...؟! "
+
أومأ برأسه مفكرا إنه أمام خيارين لا ثالث لهما .
+
إما أن يخبرها بالحقيقة كاملة ورغبة والده في إرسالها إلى الخارج بشرط أن يكون هو معها بصفته زوجها أو يكذب عليها كما فكر مسبقا ويدعي إنه صاحب هذه الفكرة والتي وجدها طريقة مناسبة لمساعدتها وتحمل مسؤوليتها نيابة عن والده ...
+
" هذا طلب والدك ، أليس كذلك ..؟!"
+
سألته بنفس الجمود ليتأملها بصمت امتد للحظات قبل أن يجيب بهدوء وثبات مقصود :-
+
" كلا ، أنا من فكرت بذلك ... طوال الأيام السابقة وأنا أفكر في كيفية إقناع والدي بعودتك إلى الخارج ووجدت إنه لن يقبل مهما حدث
+
.. والدي لا يثق بك وبما ستفعلينه خارجا ولكن ..."
+
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
+
" فكرت لو نتزوج مجددا وتصبحين حينها مسؤوليتي .. حينها لا يمكنه منعك بالتأكيد ... "
+
أكمل عن قصد :-
+
" طبعا مجرد فكرة خطرت على بالي ولكن لا أعتقد إنها تناسبك أو حتى تناسبني ..."
+
" هل تقول الشيء وتتراجع عنه ..؟!"
+
سألته بتهكم ليهتف بحيرة :-
+
" ماذا تعنين ..؟!"
+
أجابت بصراحة :-
+
" قبل قليل قلت إن زواجنا هو الحل وبعد ثواني قلت إنك لا تعتقد إن هذه الخطوة تناسبك ... لماذا تتحدث عن شيء لست واثقا من قدرتك على فعله ...؟!"
+
" على أساس إنني إذا أردت ذلك وسعيت إليه ستوافقين ببساطة ..."
+
قالها بجدية لتتأمله بصمت امتد لوهلة قبل أن تهز كتفيها وهي تجيب ببساطة :-
+
" تأكد من نفسك أولا ومن قدرتك على فعل ذلك وبعدها يمكنني أن أمنحك جوابي ... لكن ليس قبل أن تكون واثقا متأكد من رغبتك بإتخاذ خطوة مهمة كهذه ...."
+
تحركت بعدها عائدة إلى الداخل يتابعها هو بعدم تصديق ويتسائل داخله عن اللعبة الجديدة التي ستلعبها جيلان معه فهو لم يعد يثق بها أبدا والأسوء إنه لم يعد يفهم عليها إطلاقا ..
+
***
+
في اليوم التالي ...
+
فتح أثير عينيه بصعوبة على صوت عادل الذي يهتف به :-
+
" نمت طويلا ... إستيقظ هيا ..."
+
اعتدل في جلسته بصعوبة مرددا :-
+
" ما بالك ..؟! كم الساعة ..؟!"
+
ثم لمس مكان إصابته لا إراديا حيث كانت تؤلمه قليلا ليجيب عادل بجدية :-
+
" السابعة صباحا .. لدي عمل وأنت كذلك ..."
+
أضاف وهو يتأمل صديقه باهتمام :-
+
" أعددت الفطور أيضا .. أنت تعرف إننا نحتاج إلى التحدث ..."
+
نظر له أثير بصمت دون رد ليضيف عادل :-
+
" أنتظر خارجا .. لا تتأخر كي لا يبرد الشاي ..."
+
ثم تحرك مغادرا الغرفة تاركا أثير يحدق في آثره بصمت امتد لثواني استعاد فيها عقله ما حدث البارحة وما علمه ليشعر بذات المرارة تحتل روحه ..
+
تحرك ناهضا من فوق سريره متجها إلى الحمام الملحقه بالغرفة ليقف أمام المرآة متأملا وجهه الشاحب وتلك الضمادة السميكة فوق جبينه ...
+
الخيبة تملأ روحه ...
+
القهر تمكن منه ..
+
يجاهد فعليا كي لا ينهار ..
+
الطعنة مؤلمة ..
+
مؤلمة للغاية حينما تأتي من أقرب الناس إليك وأحبهم لقلبك ...!
+
فتح صنبور المياه متجاهلا أفكاره ومشاعره الثائرة ...
+
غسل كفيه بالمياه الباردة ثم تحرك بعدها نحو المنشفة يجفف كفيه سريعا قبل أن يغادر الحمام ثم الغرفة متجها إلى المطبخ ليجد صديقه يجلس على المائدة يرتشف الشاي بهدوء وهو يكتب شيئا ما على جهازه اللوحي الضخم ...
+
جلس أثير قباله وسحب كوبه يتناول الشاي بدوره بديناميكية ....
+
عقله يشرد مجددا بكل ما عرفه البارحة منها ...
+
وكلما تذكر حديثها كلما ازداد غضبه أضعافا وكم يخشى تلك اللحظة التي سيحرر فيها غضبه من مكمنه ...!
+
أفاق من شروده على صوت عادل وهو يخبره :-
+
" كل شيئا يا رجل ... فقدت الكثير من الدماء البارحة .."
+
" لا تتعامل معي معاملة الطبيب لمريضه الآن ..."
+
قالها بملل وهو ينهض من مكانه متجها إلى صالة الجلوس يتابعه عادل بعينيه حتى نهض هو الآخر من مكانه مغلقا جهازه يتبعه حيث ذهب ليأخذ مكانه قباله فيسأله دون مواربة :-
+
" ماذا حدث يا أثير ...؟! مالذي كنت تفعله البارحة مع هالة ..؟! مالذي حدث بينكما مجددا وأوصلك لهذه الحالة ..؟!"
+
أضاف بتأنيب خفي :-
+
" ألم تخبرني إنك تجاوزتها وإنها لم تعد تشكل أي أهمية لك ..؟!"
+
" كنت أكذب عليك ..."
+
قالها بجدية وهو يضيف بحسرة خفية :-
+
" لم أتجاوزها يوما ... وما زالت بنفس الأهمية لي ... "
+
زفر عادل أنفاسه ببطأ بينما استرسل أثير بأسف :-
+
" ربما كان علي سماع حديثك ... كان علي فعل أي شيء لنسيانها ولكن ..."
+
توقف لوهلة يبتلع غصة تشكلت في حلقه فيضيف وطعام خسارتها يحرق روحه :-
+
" لم أستطع .. فشلت في ذلك ... رغم محاولاتي ... "
+
رفع بصره نحو السقف يتأمله بشرود وهو يضيف :-
+
" أم ربما أنا لم أحاول بشكل كافي أو لم أحاول بشكل فعلي .. ربما كنت أخدع نفسي وأنا أدعي إنني أحاول نسيانها .. إنني أحاول تجاوزها وتجاوز مشاعري اللعينة نحوها .."
+
أخفض بصره مجددا نحوه يضيف بإبتسامة يائسة :-
+
" لا أعرف الحقيقة ولكن ما أعرفه إنها المرة الأولى التي أشعر بها هكذا شعور ... شعور لم أشعر به مسبقا في أسوء أيام حياتي ...."
+
" ماذا حدث بالضبط...؟!"
+
سأله عادل بحذر ليتنهد أثير ثم يبوح بما يحمله داخله لصديق عمره :-
+
" ما يحدث إنني اكتشفت بعد كل هذه الأعوام إنني مجرد شخص أحمق غبي يتلاعب به الجميع ويسيرونه كيفما يشاؤون ..."
+
أضاف والقهر يظهر في نبرته :-
+
" أنا ... أثير الذي كان يتباهي بقوته واستقلاله وهيمنته وتفرده وعدم خضوعه لأي شخص ولا إنصياعه لأوامر أو قرارات أي أحد مهما كان ... بعد كل هذا اكتشفت العكس ... إنني كنت لعبة في يد والديّ وهالة ... "
+
" ماذا تعني بكلامك هذا ..؟!"
+
سأله عادل مجددا بحيرة وقلق ليخبره أثير بكل شيء ...
+
بما أخبرته به هالة ...
+
بتلك الحقيقة التي اكتشفها وليته لم يفعل ...
+
أنهى حديثه بجملة أخيرة تشرح جزءا من صراع روحه وآلمها :-
+
" ليتني لم أبحث خلفها ... ليتني أخرجتها من قلبي وعقلي كما فعلت هي .. هذا أهون بكثير مما عرفته ..."
+
" بالتأكيد هناك خطأ ..."
+
قالها عادل دون تفكير ليهتف أثير وهو يرمقه بإبتسامة ساخرة :-
+
" هل تعتقد ذلك يا دكتور ..؟!"
+
تنهد عادل بصمت ثم اتجه يأخذ مكانه جواره يهتف بجدية :-
+
" حسنا ، ما قالته هالة صادما ... ولكن ربما هناك أشياء خفية لا تعلمها .. في النهاية هي لم تخبرك بالتفاصيل .. "
+
" الأمر لا يحتاج الى تفاصيل أساسا ..."
+
قالها أثير بجمود وهو يضيف بسخرية :-
+
" زمرد هانم وسيادة الوزير عرفوا كيف يديرون اللعبة .. لم يخبروني عن معرفتهم بعلاقتي بها ... دبروا كل شيء من تحت الطاولة ونفذوه وحصلوا على ما أرادوه والهانم التي أحببتها بكل ذرة من كياني اتفقت معهم وشاركتهم في لعبتهما القذرة ..."
+
تأمله عادل بخيبة قبل أن يقول :-
+
" كان لديها أسبابها وربما هما أيضا لهما أسبابهما ... لذا أطلب منك أن تهدأ وتتحدث معهم جميعا وتفهم منهم كل شيء ..."
+
انتفض أثير من مكانها يصيح :-
+
" عم سأتحدث معهم ..؟! عن إتفاق ثلاثتهم ضدي..؟! عن خداع ثلاثتهم لي ...؟! عن جعلي في موضع الأبله ..؟! الأمر لا يحتاج إلى توضيح ولا يمكنهم إقناعي بآية مبررات مهما كانت .. "
+
أضاف وعيناه تتقدان بشرار مخيف :-
+
" دمروا حياتي ...ثلاثتهم فعلوا ذلك ... دمروني .. بسببهم عانيت لسنوات ... "
+
" أنت لا يمكنك لوم هالة ..."
+
قالها عادل بنبرة جادة لينظر أثير نحوه بحدة تجاهلها عادل وهو ينهض من مكانه مضيفا بنفس الجدية :-
+
" أي واحدة مكانها كانت ستفعل ذلك ... أنت نفسك لو كنت مكانها لفعلت .. هي تعرضت للإهانة ... كان لابد أن تنحسب من حياتك ... منطقيا لا حل آخر أمامها ..."
+
" نصرت كبريائها عليّ ..."
+
خرجت منه مريرة بائسة ليهتف عادل بحذر :-
+
" يحق لها ذلك يا أثير .... "
+
أغمض أثير عينيه بقهر ثم فتحها وهو ينظر إلى صديقه بصمت يحمل خلفه إعصار قادر على تدمير جميع من حوله ...!
+
" أنت ما زلت تحبها ..."
+
قالها عادل بإحباط خفي ليهتف أثير دون أن يحيد بعينيه عنه :-
+
" نعم ، ما زلت أحبها ..."
+
تنهد عادل بصمت قبل أن يهتف بجدية :-
+
" بات مستحيلا يا أثير ..."
+
تشكلت إبتسامة هازئة فوق ثغره تخفي خلفها مرارة وخيبة لا حدود لهما عندما نطق واليأس تملك منه لوهلة:-
+
" وما الجديد يا عادل ..؟! منذ البداية كان مستحيلا ولكنني لم أكن أعلم ..."
+
أضاف وعيناه تلمعان بقهر وطعنة الغدر تمزق روحه :-
+
" كنت المغفل الوحيد في هذه القصة ..."
+
وفي لحظة قرر أن يلجم يأسه ويطلق لنفسه العنان ليهتف بتوعد ويقين وعينين مظلمتين كليل معتم لا قمر يضيئه ولا حتى بضعة نجوم ، ظلام دامس يبتلعه كليا والفضل يعود لأقرب الناس إليه :-
+
" لكن لا بأس ... الجميع سيدفع الثمن غاليا .. الجميع سيندم .. زمرد هانم .. سيادة الوزير ... وهالة .. حتى هالة ستدفع الثمن مثلهم تماما ..."
+
" لا تجن ... "
+
قالها عادل بجدية وهو يضيف :-
+
" ما زلت غاضبا .. لم تمر سوى ساعات على إدراكك الحقيقة ... "
+
أضاف بتروي :-
+
" اهدأ قليلا وراجع نفسك ... "
+
" الأمر لا يحتاج إلى تفكير حتى ..."
+
قالها أثير بثبات وهو يضيف :-
+
" سأحاسب الجميع يا عادل ... ولن أرحم أحدا ..."
+
" أنت تتحدث بغضب وعدم استيعاب لما تقوله .. اهدأ أولا ..."
+
" أنا هادئ تماما ..،"
+
قالها ببرود وهو يضيف :-
+
" حتى إنني سأخذ حماما سريعا وأرتدي ملابس العمل وأغادر إلى شركتي ..."
+
نظر له عادل بوجوم عندما تحرك أثير متجها إلى غرفته متجاهلا نظرات عادل القلقة اتجاهه ...
+
***
+
أمام مقر الشركة أوقف عادل سيارته وإستدار نحو صديقه يخبره بحرص :-
+
" مرة ثانية سأقولها .. لا تقم بأي تصرف ربما تندم عليه فيما بعد ..."
+
هتف أثير دون أن ينظر نحوه :-
+
" لا تقلق .. كل شيء بآوانه ..."
+
" كان عليك أن ترتاح اليوم ... "
+
قالها عادل مؤنبا ليخبره أثير :-
+
" سأنهي بعض الأعمال المهمة وأعود إلى الشقة ..."
+
" ألن تعود إلى القصر ..؟!"
+
سأله عادل بحذر ليهتف أثير :-
+
" لا يمكن .. أحتاج أن أنفرد بنفسي قليلا ... "
+
أضاف وهو يلوي فمه بمرارة :-
+
" كما إنني لا أطيق رؤيتهما حاليا ..."
+
تنهد عادل بتعب قبل أن يهتف بجدية :-
+
" سأبيت الليلة معك ..."
+
أضاف بتردد :-
+
" كنت سأطلب من مهند المجيء أيضا لكن .."
+
أوقفه أثير بجدية :-
+
" لا تخبره بأي شيء يا عادل .. مهند يجب أن يكون بعيدا تماما عن كل هذا ... أنت تعلم صلة قرابته بهالة والتي تجعلني مجبر على إقصاءه تماما من هذا الوضع بأكمله ناهيك عن كونه ابن خالي أيضا ..."
+
" جيد إنك تدرك ذلك كي تضع مهند وخالك
+
وعائلته بإعتبارك قبل أن تتصرف بأي تصرف قد يسيء لها ..."
+
منحه أثير نظرات قاتمة وهو يخبره :-
+
" هي ستنال فقط جزاء ما فعلته بي .. جزاء عبثها معي ... "
+
" أثير .. لا تفعل أي شيء على الأقل حاليا ... أنت غاضب الآن وأي تصرف منك سيكون غير واعيا ولا محسوبا وربما تندم عليه لاحقا ..."
+
قالها عادل برجاء ليهتف أثير بإبتسامة باردة :-
+
" لا تقلق يا عادل ..."
+
ثم تحرك هابطا من السيارة يتابعها عادل بعينيه حتى دلف إلى بوابة الشركة متجاهلا تحية أي موظف يمر جانبه راكبا المصعد ومتجها إلى مكتبه ...
+
هناك أنهى أعماله سريعا وقد نالت سكرتيرته من نوبات غضبة الغير معتادة وكذلك بعض موظفي الشركة ...
+
ساعتان أنهى فيها أعماله الضرورية وتحرك مغادرا مكتبه وقد تنفست سكرتيرته الصعداء فمديرها غريبا للغاية يوم ...
+
غاضب جدا وعصبي بشكل جعلها تخشاه لأول مرة بهذه الطريقة ...
+
لطالما كان أثير مهيبا لجميع الموظفين رغم صغر سنه ولكنه يمتلك هيمنة خاصة وهيبة تفرض على الموظفين مهابته ولكن رغم ذلك كان رزينا محترما مع الجميع رغم سطوته الشديدة ولكن اليوم بدا فاقدا لهدوءه ورزانته وقد تحول لوحش غاضب لا يتوقف عن الصراخ وتأنيبها هي وكل من التقى به على أتفه الأشياء ...
+
في طريقه وهو يغادر وجد هايدي في وجهه تتقدم نحوه بإبتسامتها الواسعة قبل أن تشهق وهي تنتبه لذلك الضماد فتسأله بقلق :-
+
" ماذا أصابك ..؟! هل تعرضت لحادث ..؟!"
+
" ليس مهما ..."
+
قالها وهو يهم بالتحرك عندما قبضت على ذراعه توقفه وهي تهتف برجاء :-
+
" انتظر لحظة ..."
+
اتجه ببصرها نحو كفها القابض على ذراعه فهتف من بين أسنانه :-
+
" ماذا تفعلين ..؟!"
+
نطقت بدلال متعمد :-
+
" أريد الإطمئنان عليك ..."
+
قاطعها بجمود :-
+
" يجب أن أغادر ..."
+
لكنها بدت مصرة على التحدث معه فسألت بقلق :-
+
" فقط أريد أن أفهم .. تبدو لست بخير ..."
+
" ليس من شأنك ..."
+
قالها بصوت حاد لتتراجع إلى الخلف مندهشة وكفها ما زالت تقبض على ذراعه ليدفعها بعيدا عنه وهو يضيف بغضب مكتوم :-
+
" ولا تلمسيني بهذه الطريقة مجددا ... "
+
" ماذا جرى لك يا أثير ..؟!"
+
سألته بعدم استيعاب ليهمس من بين أسنانه :-
+
" أثير بك ... لا يحق لك أن تناديني بإسمي هكذا دون ألقاب ..."
+
أضاف بسخرية قاسية :-
+
" لا تنسي إنك مجرد موظفة هنا وأنا مديرك ... "
+
" أنت ماذا تقول .. "
+
نطقت بها بعدم استيعاب ليهتف ببرود :-
+
" أقول الواقع .. لا تنسي نفسك ولا تتجاوزي مكانتك يا هايدي ... "
+
أكمل وكلماته تخرج كالفحيح من شفتيه :-
+
" من الواضح إنني تعاملت معك بشكل خاطئ .. جعلتك تتجاوزين حدود مكانتك .. لكن لا بأس .. "
+
" كيف تجرؤ على التحدث معي هكذا ..؟!"
+
سألته بغضب تمكن منها ليتأملها بتمهل ساخر ثم يقول :-
+
" عفوا ..؟! من تكونين أساسا ...؟! مجرد فتاة تحاول الإيقاع بي مثل الكثير من الفتيات حوّلها .."
+
تشكلت العبرات في عينيها بسبب الإحراج الذي تعرضت له بينما أضاف هو بقسوة :-
+
" فتاة مغرورة حمقاء تظن إنها تستطيع الإيقاع بي حقا ..."
+
" يكفي ..."
+
صاحت به بحدة متجاهلة نظرات بعض الموظفين التي اتجهت نحوهم ليهمس بتحذير صارم :-
+
" أخفضي صوتك .. نحن في شركة..."
+
" لن أخفض صوتي ... ماذا تظن نفسك..؟! أنت لا شيء .. "
+
قالتها من بين أسنانها ليضحك باستخفاف على حديثها فتضيف هي بقوة :-
+
" وشركتك هذه سأتركها حالا ... "
+
" يكون أفضل ..."
+
قالها ببرود ساخر جعلها ترغب في البكاء حالا فتأمل هو ملامحها التي تدل على وشك إنهيارها بتهكم مقصود ثم تحرك مكملا طريقه نحو المصعد تاركا إياها تطالعه بقهر مكتوم وعقلها لا يستوعب حتى الآن ما فعله معها ...!
2
***
+
تأملت نانسي حماتها وهي تتناول الدواء من ولدها ...
+
جلست جانبها على سريرها وهي تسألها باهتمام صادق :-
+
" كيف تشعرين اليوم ...؟!"
+
" أنا أفضل بكثير ..."
+
قالتها نجاة مبتسمة ثم أضافت متنهدة :-
+
" الحمد لله على كل شيء ...."
+
ابتسمت نانسي بصمت عندما استأذن شريف خارجا ليجري اتصالا يخبر المشفى عن عدم قدرته على المجيء اليوم بينما هتفت نجاة وهي تنظر إلى نانسي بجدية :-
+
" أشكرك على بقائك جانبي ليلة البارحة ... كنت أعتقد إنك ستغادرين بعدما فعله صلاح بنا مجددا ..."
+
هتفت نانسي بصدق :-
+
" لا يمكن أن أغادر وأتركك وأنت بهذه الحالة ..."
+
ربتت نجاة على كفيها وهي تخبرها بصدق :-
+
" أنت إبنة أصول يا نانسي ..."
+
شكرتها نانسي بخفوت عندما أضافت نجاة بجدية :-
+
" ولكنني لا أريد أن تظلمي نفسك لأجلي ..."
+
نظرت نانسي لها بتأهب فأكملت نجاة بحرص :-
+
" أتمنى بقائك جانبي مع الأولاد إلى الأبد ولكنني لست أنانية لكي أرغمك على ذلك ..."
+
غامت عيناها بنظرة بعيدة وهي تضيف :-
+
" خاصة بعدما فعله صلاح ... كان لدي أمل صغير قتله صلاح تماما في فعلته الأخيرة ..."
+
" لا تحزني ... أرجوك ..."
+
قالتها نانسي برجاء لتهتف نجاة بجدية :-
+
" لا يمكنني ...إنه ولدي ... ولدي الذي أراه على هذه الحالة ... "
+
تنهدت بصمت ثم أضافت بقهر :-
+
" لم أقصر معه يوما ... ربيته كشقيقه تماما ... كل شيء كان بالمعقول .. نعم فقد والده منذ طفولته ولكن شريف كان بمحل والده وهو الآخر لم يبخل عليه بشيء ... كان حانيا معه مراعيا له دائما وصارما وقت اللزوم ... لم نقم بتدليله بشكل مبالغ فيه ولم نقسُ عليه في ذات الوقت .. لا أفهم كيف أصبح هكذا ..؟! فيمَ أخطأت أنا ليصبح على هذا النحو ..."
+
" أنتِ لا ذنب لك .. توقفي عن لوم نفسك ..."
+
قالتها نانسي برجاء وداخلها مشفق على حال المرآة عندما دلف شريف اليهما بإبتسامته الهادئة مرددا :-
1
" طلبت من الخادمة أن تجلب كريم وكاميليا لك ... أعلم جيدا إن رؤيتك لهما ستحسن من صحتك كثيرا ..."
+
" كثيرا يا بني ..."
+
قالتها نجاة بصدق بينما أشار شريف لنانسي بعينيه عندما نهضت مرددة بسرعة :-
+
" اسمحي لي يا خالتي ... سأغادر لدقائق ... "
+
" خذي راحتك ابنتي ..."
+
ابتسمت نانسي بينما دخلت المربية وهي تحمل كريم خلفها احدى خادمات الفيلا وهي تحمل كاميليا لتقول نانسي مبتسمة :-
+
" وها قد أتى حفيديك ... لنتركك تقضين القليل من الوقت معهما ..."
+
ثم تحرك خارجا بعدما منحت كليهما قبلة سريعة يتبعها شريف الذي هتف ما إن أصبحا خارج غرفة والدته :-
+
" صلاح يريد التحدث معنا ..."
+
" لا أريد سماعه ولا رؤية وجهه حتى ..."
+
قالتها برفض ليقول شريف بهدوء :-
+
" لنسمعه يا نانسي .. لن نخسر شيء ... لنفهم على الأقل ما يحدث ...أخشى أن تكون هناك مصيبة خلف تلك الفتاة ونتورط نحن أيضا معهما ..."
+
" حسنا ..."
+
قالتها باستسلام عندما أخبرها إنه ينتظرهما في صالة الجلوس فسارت أمامه مرغمة ...!
+
***
+
كان صلاح يتحرك في صالة الجلوس باضطراب منتظرا قدوم شقيقه مع نانسي ليخبرهما بتلك القصة التي إخترعها ليبرر من خلالها زيجته الصادمة ...
+
تأمل نانسي التي دلفت إلى المكان بملامح واجمة يتبعها شريف لتجلس نانسي على أول كرسي وجدته أمامها بنفس الملامح المتجهة بينما وقف شريف جانبها عاقدا ذراعيه أمام صدره يخبره بجمود :-
+
" نسمعك يا صلاح .. عسى ولعل أن تقول شيئا مفيدا على غير العادة ..."
+
تنهد بصمت ثم قال بتردد :-
+
" أنا أشكركما حقا على هذه الفرصة .."
+
قاطعه شريف ببرود :-
+
" لا داعي لهذه الديباجات المصطنعة والتي لا تليق بك أبدا.."
+
تنهد مجددا بسأم ثم قال بعد ثواني :-
+
" تلك الفتاة .. اسمها ماذي ..."
+
تابع وهو ينظر نحو ملامح نانسي الباردة :-
+
" فتاة مسكينة وقعت في ورطة وكانت تحتاج لمن يساعدها ... "
+
" وأنت كنت البطل الهمام الذي قرر أن يساعدها ..."
+
قالتها نانسي بتهكم ليهتف مرغما :-
+
" كنت مضطرا يا نانسي ... كانوا سيجبرونها على الزواج من رجل يكبرها سنا ..."
+
" ماذا تقول أنت ..؟! ما هذا الهراء ...؟! "
+
هتف بها شريف بعدم تصديق ليهتف صلاح بسرعة :-
+
" هذا ما حدث ... يمكنك سؤالها ... "
+
" أنا لا أرغب برؤيتها أساسا ... وليكن بعلمك لا أنا ولا والدتي نقبل بوجودها هنا ..."
+
قالها شريف بحزم ليهتف صلاح بصدق :-
+
" أين أذهب بها يا شريف .... ؟! لا يوجد لدي مكان أذهب بها إليه ..؟!"
+
أضاف بأسف مصطنع :-
+
" الفتاة مسكينة حقا .. لو تسمع قصتها لتعاطفت معها ..."
+
"صلاح .. إنظر إليّ جيدا ..."
+
قالها شريف وهو يضيف بحزم :
+
" أنا شقيقك الأكبر والذي يعرفك جيدا ... هذا الكلام يمكنك أن تضحك به على أي أحد غيري ..."
+
" ولكن هذا ما حدث ..."
+
قالها صلاح وهو لا يعرف كيف ينفع شقيقه عندما صدح صوتها وهي تدلف الى الداخل مرددة :-
+
" ما يقوله صلاح هو الحقيقة .."
+
اتسعت عينا صلاح وهو يصيح بها :-
+
" ماذا تفعلين هنا ..؟! ألم أطلب منك عدم مغادرة الغرفة ..؟!"
+
" أتيت لتوضيح الحقيقة لهما ... لتبرئتك أمامها ..."
+
قالتها بوداعة متقنة لتنهض نانسي من مكانها مرددة بصوت بارد :-
+
" أنا لا يمكنني البقاء هنا أكثر .. عن إذنك يا شريف ..."
+
" من فضلك انتظري ..."
+
قالتها ماذي وهي تقف في وجهها مضيفة بتوسل مصطنع :-
+
" اسمعيني أولا قبل أن تغضبي وتظلمي زوجك ..."
+
سألتها نانسي وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :-
+
" ماذا سأسمع ...؟!"
+
" القصة بكل ما فيها .."
+
أجابتها ماذي وهي تضيف :-
+
" أنا كنت أحتاج لمن يساعدني وينقذني ... شقيقتي الكبرى تريد تزويجي لرجل سيء ويكبرني سنا ... توسلت بصلاح أن يساعدني .. يتزوجني على الورق فقط ويأتي بي إلى هنا ... زواج لمدة قصيرة حتى أستقر هنا وأرتب أموري جيدا وبعدها سننفصل بهدوء وكلا يذهب في طريقه ..."
+
أضافت وهي تنظر نحو شريف :-
+
" صلاح أنقذني من زيجة كانت ستنهي حياتي ... تعاطف معي بعدما ترجيته أن يساعدني وينقذني من شقيقتي التي قررت بيعي لرجل في سن والدي ..."
+
" كان بإمكانه أن يأتي بك إلى هنا دون زواج .. "
+
قالتها نانسي بجدية لتلتفت ماذي نحوها تهتف :-
+
" معك حق ولكنني كنت أحتاج الزواج كي أمنع شقيقتي من إجباري على تلك الزيجة ..."
+
أضافت وهي تتقدم نحوها أكثر تضيف :-
+
" انظري الي .. لا يوجد شيء بيني وبين صلاح ... هو فقط ساعدني ... وحتى زواجنا ... كان لغرض محدد وسينتهي قريبا جدا ..."
+
" صلاح لا يستطيع أن يساعد نفسه كي يساعدك ..."
+
قالتها نانسي بتهكم لتتجهم ملامح صلاح كليا فهتفت نانسي مشيرة إليه بسخرية باردة :-
+
" آسفة لكنك تعلم إنها الحقيقة ..."
+
أضافت وهي تتحرك بعيدا عنهم :-
+
" كنت أعلم إنني سأسمع مهزلة جديدة من مهازلك المعتادة .. مسرحية حمقاء لا تدخل عقل طفل صغير ..."
+
غادرت المكان يتابعا صلاح بعينيه بضجر عندما قال شريف بحزم :-
+
" خذها وغادر الفيلا يا صلاح ... لا أنت ولا هي مرحب بكما هنا ..."
+
ثم تحرك مغادرا المكان يتابعه صلاح بعينيه غير مصدقا لما يسمعه عندما صاح بها :-
+
" هل إرتحت الآن .. بسببك تم طردي من الفيلا أيضا ..."
+
التفتت نحوه تهتف ببرود :-
+
" لا يمكنهم طردك .. أنت لك حق في هذه الفيلا مثله ..."
+
" ماذا تقولين أنت ..؟!"
+
هتفت ببساطة :-
+
"ماذا أقول ..؟! أقول إنك تتشارك ملكية هذه الفيلا مع شقيقك ووالدتك ..."
+
" يؤسفني أن أخيب آمالك وأخبرك إن هذه الفيلا ملك لوالدتي يا ماذي ..."
+
اتسعت عيناها وهي تردد بعدم استيعاب :-
+
" المعنى .."
+
هتف بسخرية :-
+
" المعنى إننا يجب أن نغادر الفيلا ونبحث عن مكان نستقر به أو تتكرمين أنتِ وتغادرين حياتي حالا وتتركيني أحاول إصلاح ما فعلته مع عائلتي ..."
+
" بهذه البساطة ..."
+
قالتها وهي ترفع حاجبها ببرود ليتسائل بوجوم :-
+
" ما المقابل الذي تريدنه ..؟!"
+
أجابت مبتسمة :-
+
" شقة أنيقة للسكن ومبلغ مالي بقدر مليون دولار ..!"
+
***
+
تأملت زهرة كنتها التي عادت من التسوق متأخرة قليلا وهي تحمل معها الكثير من الأكياس والخادمة خلفها تحمل بقية الأكياس ..،
+
ابتسمت همسة وهي تقترب منها وتقبلها وهي تتسائل :-
+
" كيف كانوا الأولاد معك ..؟! هل أتعبوكِ ...؟!"
+
ابتسمت زهرة مرددة :-
+
" حتى لو فعلوا ... على قلبي أحلى من العسل ..."
+
ابتسمت همسة بإمتنان ثم قالت بحماس :-
+
" اشتريت الكثير من الأشياء ..."
+
" ماذا إشتريت لأجل الغد ..؟! أريني ..."
+
قالتها زهرة بحماس لتهتف همسة :-
+
" تعالي معي إلى الجناح لأريك الفستان الذي إشتريته لأجل خطبة راجي غدا والفستان الخاص بسهرة الليلة ..."
+
سارت زهرة معها مبتسمة عندما وصلتا إلى الجناح فشكرت همسة الخادمة التي وضعت الأغراض على السرير ثم اتجهت نحو خالتها وأخرجت الفستان الذي إشترته لأجل خطبة راجي غدا والفستان الذي إخترته لأجل سهرة الليلة مع زوجها فقد قررت للمرة الأولى أن تشاركه في دعوة العشاء التي ستجمعه مع مجموعة جديدة من شركاؤه ...
+
أثنت زهرة على ذوقها كعادتها ثم أخبرتها بصدق :-
+
" من الجيد إنك ستذهبين مع راغب لعشاء اليوم ... كوني دائما معه .. تواجدي جانبه حتى في سفراته الى الخارج ..."
+
ابتسمت همسة وهي تجلس جانب خالتها تخبرها بتردد :-
+
" أحاول إصلاح الوضع بيننا ..."
+
" أحسنت ... "
+
قالتها زهرة داعمة وهي تضيف بصدق :-
+
" استمري على هذا المنوال وسوف تختفي جميع الحواجز والمشاكل بينكما .. ستقتربان من بعضكما تدريجيا حتى يصبح كلا منكما للآخر العالم بأكمله ...."
+
صمتت همسة ولم تعلق وقد بدا ما تقوله خالتها محض خيال فهذا لن يحدث وهي بدورها لا تطمح لهذا ..
+
هي لا تطمح سوى للحفاظ على زوجها وكيان عائلتها حتى لو اضطرت أن تفعل ما لا يناسب قناعتها لأجل ذلك ..
+
حتى لو تصرفت عكس إرادتها ..
+
وهاهي تتصرف كذلك بالفعل ..
+
تتصرف بشكل ليست راضية عنه فعليا لكنها مضطرة أن تفعل ذلك لأجل إصلاح الوضع بينهما وضمان استقرار زواجها وبالتالي استقرار أولادها أيضا ..
+
هاهي تسعى للإهتمام به ...
+
تسعى للتقرب منه ..
+
تتعمد الإعتناء به ...
+
تجهز له حمامه يوميا قبل عودته ...
+
تعد القهوة وتأخذها بنفسها له في مكتبه ...
+
تتعمد النوم بين ذراعيه حتى لو لم يقرّبها ليلتها فقط تكتفي بنومها بين ذراعيه بتعمد تخبره من خلال ذلك إنه لها ولن يكون لغيرها ....
+
حتى باتت تتعمد أن تهتم بنفسها ...
+
وهاهي ذهبت للتسوق ...
+
ولم يكن تسوقا عاديا ...
+
فهي ذهبت لشراء قمصان نوم ..
+
للمرة الأولى في حياتها ...!
+
فهي لا ترتدي عادة قمصان النوم ... حتى قمصان النوم التي جهزتها خالتها قبل زفافها تجاهلت وجودها تماما ...!
+
ولكن كل شيء يتغير ...
+
هي نفسها تتغير ...
+
نظرتها للأمور تغيرت ...
+
باتت تفهم الحياة ...
+
تستوعبها جيدا ..
+
بكل ما فيها ...
+
فهمت إن طريقة تفكيرها لا تناسب الحياة التي تعيشها ...
+
أحلامها لا يمكن أن تتحقق ....
+
هذه الحياة مختلفة ..
+
وهي كانت تحتاج لصفعة تجعلها تفيق من غيبوبتها وتستوعب حقيقة الوضع الذي تعيشه ...
+
أحيانا تشعر إن عودة يسرا ساعدتها رغم كل شيء ...
+
على الأقل فتحت عينيها على الواقع الذي هربت منه لسنوات ..
+
غادرت خالتها الجناح وقررت هي تجهيز نفسها ...
+
أخذت حماما طويلا دافئا ثم اتجهت لإعداد نفسها بعدما جهزت الحمام مجددا لزوجها كي يجده جاهزا للاستخدام حالما يعود ولم تنس أن تجهز له ملابسا ليرتديها ...
+
ارتدت فستانها الأحمر الطويل بقصته الناعمة الجذابة والذي لاق بجسدها النحيف كثيرا ....
+
تركت خصلات شعرها المموجة على جانب وجهها بعدما صففتها بعناية ....
+
ثم وضعت مكياجا خفيفا كعادتها بإستثناء طلاء شفتيها واللذي إختارته بلون أحمر صارخ لا يشبهها على الإطلاق ...
+
رشت الكثير من العطر على جسدها ثم إنتهت من تعديل هندامها وارتدت حذائها بكعبه المرتفع وجهزت حقيبتها عندما وجدت زوجها يدلف إلى الجناح ليتصنم مكانه منبهرا بجمالها لتتقدم نحوه وهي ترى الإنبهار في عينيه ...
+
إنبهار ضاعف من ثقتها بنفسها وجمالها فمدت كفيها نحو ياقة قميصه تلمسهما وهي تسأله مبتسمة برقة :-
+
" هل أبدو جميلة ...؟!"
+
أجاب بصوت مبحوح :-
+
" جميلة .. جدا ..."
+
" أعددت الحمام لك ..."
+
قالتها بنفس الإبتسامة ثم أشارت إلى ملابسه الموضوعة على السرير بعناية :-
+
" ملابسك جاهزة أيضا ..."
+
" شكرا ..."
+
قالها بهدوء وهو يتحرك نحو حمامه وتلك التغييرات ما زالت جديدة عليه وغريبة بالنسبة له ...
+
تغييرات ما زال يتعامل معها ببرود متعمد ولكن داخله يعلم جيدا إنها تؤثر به ... كثيرا ...
+
وأكثر ما يخشاه أن يعتاد على هذا التغيير ثم يتفاجئ بعودتها إلى حالها السابق وحينها سينتهي كل شيء بحق ...
+
هو لا يريد أن يعتاد على حلاوة قربها واهتمامها ومراعاتها ...
+
لا يريد أن يفعل فهو لا يثق بها ولا يثق بإستمرار هذا الوضع ..!
+
أخذ حماما سريعا ثم ارتدي ملابسه بعدها ووقف أمام المرآة يمشط شعره ويكمل تجهيز نفسه عندما إنتهى بالفعل من ذلك ليسمعها تخبره :-
+
" سأطمئن على الأولاد ثم نغادر ..."
+
" سأسبقك إلى الخارج ... أنتظرك في الكراج ..."
+
اومأت برأسها متفهمة وغادرت عندما تحرك هو بعدها خارج الجناح هاما بالتوجه إلى الخارج ليتوقف وهو يسمع مناداة والدته باسمه ..
+
استدار نحوها لتشير له أن يتقدم فابتسمت وهي تخبره :-
+
" انتظر لحظة ..."
+
ثم تحركت إلى داخل جناحها وعادت بعد لحظات وهي تحمل قطيفة زرقاء تقدمها له ليعقد حاجبيه متسائلا :-
+
" ما هذه الآن ..."
+
" هدية لزوجتك ..."
+
تغضن جبينه مرددا :-
+
" ماذا أفعل بها ..؟!"
+
هتفت بجدية :-
+
" ما المشكلة أن تهديها سوارا رقيقا .. المرأة تحب أن يهديها زوجها بشيء ما بين الحين والآخر .."
+
" سأفعل ذلك بنفسي في وقت آخر .."
+
قالها وهو يهم بالتحرك لتوقفه والدته بسرعة :-
+
" ولماذا لا تفعله الآن ..؟!"
+
" ماما من فضلك ..."
+
قالها راغب بضيق لتهتف به بحزم :-
+
" لا تعاندني يا راغب .. خذ السوار وقدمه لها ... اسمع كلامي ولو لمرة .."
+
رأى الإصرار والحزم في عيني والدته فعلم إنه لا فائدة له من جداله ليتنهد مستسلما وهو يتناول العلبة من يدها لتخبره بجدية :-
+
" بني ، لا تكن جامدا معها ..."
+
تجهمت ملامح لتربت على لحيته الخفيفة تخبره برجاء :-
+
" المرأة تحتاج لزوج يدللها ويعتني بها ويتغزل بها ويمدحها .. اسمع كلامي يا راغب ... "
+
هز رأسه مرغما ثم تحرك بعدها متجها إلى الكراج ليجد همسة أمامه فتبتسم وهي تخبره بلطف :-
+
" أنا مستعدة ..."
+
ابتسم بهدوء وهو يشير لها لتتقدمه فسارت أمامه يتبعها هو حتى غادرا القصر متجهين إلى الكراج عندما أوقفها مناديا بإسمها لتستدير له تنظر له باهتمام فمد يده بالقطيفة نحوها ...
+
سألته بدهشة :-
+
" ما هذه ...؟!"
+
هتف بإبتسامة صغيرة :-
+
" هدية .. لك ..."
+
تناولت العلبة وفتحتها لتهتف بصدق :-
+
" إنه رائع ..."
+
ثم رفعت عينيها الخضراوين اللامعتين نحوه تخبره بإبتسامة ناعمة :-
+
" شكرا يا راغب .. "
+
حافظ على نفس إبتسامته عندما هتفت بحماس :-
+
" سأرتديها ..."
+
ثم سألته باهتمام :-
+
" تليق بالفستان ، أليس كذلك ...؟!"
+
نطق بهدوء :-
+
" بالطبع ... "
+
ثم قال بتردد :-
+
" سألبسها لكِ ..."
+
ابتسمت وهي تمد كفها نحوه ليفتح السوار ويضعه على معصمها ثم يغلقه فتتأمله مبتسمة بينما سأل هو بجدية :-
+
" هل نغادر ...؟!"
+
اومأت برأسها وهي تتحرك أمامه ليفتح لها باب السيارة فتجلس في مكانها ويجلس هو في المقعد جانبها متجها بها إلى المطعم الذي ستتم به الدعوة ...
+
ما زال مستغربا بل غير مصدقا إنها ستحضر دعوة العشاء هذه معه خاصة إنها من أرادت ذلك من تلقاء نفسها فهو توقف عن سؤالها إذا ما كانت تريد مشاركته في أي دعوة أو إحتفال منذ سنوات وهي بدورها لم تكن تهتم بل ارتاحت من تلك الدعوات التي لم تكن تحبها إطلاقا لذا عندما تحدث صباح اليوم أمامها يخبرها بعفوية تامة كعادته عن عدم تناوله العشاء معهم الليلة بسبب دعوة عشاء له مع شركائه الجدد فوجئ بها تتصل به بعد أقل من ساعتين تخبره إنها ستذهب معه ليلا إذا لم يكن هناك مانع ...!
+
ألقى نظرة سريعة عليها وهو يعاود النظر أمامها مفكرا إن حمرة شفتيها تلك قاتلة بالنسبة له ...
+
منذ متى وهي تضع هذا اللون الصارخ على شفتيها ..؟!
+
لطالما كانت تكتفي بوضع حمرة شفاه فاتحة للغاية تقارب لون شفتيها الطبيعي ..
+
من أين أتى اللون الأحمر الآن ...؟!
+
تجاهل أفكاره وهو يركن سيارته في كراج المطعم ثم يهبط من سيارته ويتجه نحو جانبها يفتح لها باب السيارة لتهبط منها بدورها وهي تبتسم له برقة ...
+
تأبطت ذراعه وهي تتقدم جانبه إلى الداخل عندما وجدت الجميع وصل قبلهما حتى مهند الذي أتى بسبب دوره المهم في هذه الصفقة ...
+
عرفها على شركاؤه الجدد اللذين رحبوا بها ثم بعض موظفين شركته عندما اتخذت مكانها بعدها جانبه وعلى جانبها الآخر كان يجلس مهند ...
+
كانوا عشرة أفراد عداهما ..
+
ستة منهم يمثلون أعضاء المجموعة التي تعاونت معهم في شراكة للمرة الأولى ..
+
أربعة شبان مكونين من رئيس الشركة ومساعده واثنان من موظفيه وإمرأتين إحداهما زوجة رئيس الشركة والأخرى مديرة أعماله ...
+
أما من شركتهم فكان هناك مهند ومعه موظفين آخرين وسكرتيرة راغب التي رحبت بها بشدة ...
+
أخذوا يتبادلون الأحاديث ورئيس الشركة الخمسيني يعبر عن سعادته مجددا بهذه الشركة ...
+
زوجته كانت حسناء أربعينية جميلة للغاية ذات وجه بشوش ...!
+
في الحقيقة الجميع كانوا لطيفين بإستثناء تلك الشقراء التي لا تعرف إذا ما كان شقار شعرها طبيعيا أم مصبوغا ...
+
شقراء فاتنة تعمل كمديرة أعمال لرئيس الشركة الخمسيني ..
+
لا تكف عن توجيه الأحاديث لزوجها دونا عن الجميع ونظراتها تلاحقه بإستمرار حتى لاحظت همسة ذلك ...
+
جاء الطعام وبدأ الجميع يتناول طعامهم عندما سألها مهند الجالس جانبها بينما زوجها يجلس على الجانب الآخر :-
+
" كيف تبدو السهرة ..؟! هل مستمعة بها ..؟!"
+
ابتسمت مجيبة :-
+
" كثيرا ..."
+
أومأ برأسه مبتسما عندما تحدثت مادلين الشقراء موجهة حديثها لراغب :-
+
" زوجتك جميلة للغاية راغب بك .. لكنها قليلة الظهور على ما يبدو .. لا أتذكر إنني سبق ورأيتها جانبك على الإطلاق ..."
+
سألت همسة بإبتسامة باردة :-
+
" على ما يبدو إنك تتابعين راغب بإهتمام دائم كي تلاحظي عدم تواجدي جانبه ..."
+
كح راغب بخفة بينما قالت مادلين ضاحكة :-
+
" ومن لا يهتم بمتابعة أخبار شخص مثل راغب بك ..؟!"
+
" حقا ..؟! وأي نوع من الآخبار تتابعين ..؟! الاقتصادية أم الشخصية ... ؟!"
+
التفت راغب نحوها يناظرها بوجوم عندما أضافت وهي تقطع اللحم أمامها بتروي :-
+
" بالنسبة لأخبار العمل والإقتصاد فهي تتغير باستمرار عنده ... وضعه المهني والإقتصادي في تقدم دائم أما أخباره الشخصية ..."
+
توقفت لوهلة تناظرها بعينين باردتين وإبتسامة لا تقل برودا :-
+
" فهي ثابتة منذ أكثر من عشرة أعوام .. منذ زواجنا ..."
+
" رائع .. "
+
قالتها مادلين مبتسمة وهي تضيف ببطأ :-
+
" هذا يعني إنك محظوظة للغاية ... "
+
أضافت بعدما ارتشفت القليل من مشروبها :-
+
" في الحقيقة كان لدي فضول لرؤية تلك المحظوظة التي تزوج بها راغب بك ..."
+
بهتت ملامح راغب غير مستوعبا ما يحدث ولم تقل دهشة ملامح البقية عندما أضافت متجاهلة دهشة وجوههم من حديثها الجريء وجمود ملامح همسة :-
+
" ولكن عليّ الإعتراف إنك جميلة للغاية ... وذكية أيضا ..."
+
" قيمتي ذكائي بهذه السرعة ..؟!!!"
+
هتفت بها همسة ضاحكة بتهكم مقصود لترفع مادلين حاجبها مرددة ببرود :-
+
" من تتزوج بشخص مثل راغب بك وتحافظ عليه طوال عشرة أعوام يعني إنها امرأة شديدة الذكاء ...."
+
" أشكرك على هذا الإطراء ..."
+
قالتها همسة من بين أسنانها لترد مادلين ببرود :-
+
" العفو ..."
+
بينما تبادل راغب النظرات مع شقيقه الذي سرعان ما أخذ يفتح موضوعا مختلفة يتحدث به مع رئيس الشركة الأخرى متمنيا ألا تتحدث مادلين مجددا ...
+
انتهى العشاء بعدها وقد قرر راغب أن يغادر المطعم بسرعة متحججا بأولاده وقد وافقته همسة عندما نهض يحيي البقية حتى وصل إلى مادلين التي بادرت وقبضت على كفه تخبره بصوت مبحوح وعيناها مرتكزتان فوق عينيه :-
+
" لا تعلم مدى سعادتي بهذه الشراكة التي منحتني الفرصة للتعرف على شخص عظيم مثلك .. سعدت بمعرفتك راغب بك ..."
+
ثم اتجهت تحيي همسة التي كانت تنظر نحوها بعينين مظلمتين تخبرها بمرونة :-
+
" وتشرفت بمعرفتك أنت أيضا يا هانم ..."
+
بالكاد صافحتها همسة وهي تتحرك تغادر المكان بجانب زوجها يتابعهما مهند بعينيه وكذلك مادلين قبل أن يلتفت مهند نحوها فتغمز له بعينيها ليرسل لها تحية سريعة لم ينتبه إليها الموجودين قبل أن ينفرد بها وهما يغادران المطعم لتخبره ضاحكة :-
+
"زوجة شقيقك ستقتله اليوم لا محالة ..."
+
هتف مهند ضاحكا :-
+
" المسكين .. لا ذنب له بما حدث ..."
+
أضاف بعدها بجدية :-
+
" أشكرك على مساعدتك يا مادلين ..."
+
" أسعدتني مساعدتك حقا مع إنني لا أفهم لم فعلت كل هذا ..."
+
قالتها بمكر ليبتسم مرددا :-
+
" أحاول تحريك القليل من المياه الراكدة بينهما هذه الفترة ..."
+
" تقصد إشعالها ..."
+
قالتها ضاحكة ليبتسم بخفة ويقول :
+
" إياك أن يعلم راغب يوما بهذا .. سيقتلني لا محالة ..."
+
" اطمئن .. سرك في بير كما يقولون ..."
+
صافحته بعدها وودعته يتبعه هو بعينيها حتى اختفت ليتنهد داخله داعيا أن يكون ما فعله مفيدا لشقيقه وهمسة التي رأى في عينيها غيرة لم يخطئها أبدا ...
+
***
+
اندفعت همسة إلى الجناح يتبعها راغب الذي سارع يخلع سترته ويهم بفك ربطة عنقه عندما وجدها تلفت نحوه تخبره وهي تقلد مادلين :-
+
" من تتزوج بشخص مثل راغب بك وتحافظ عليه طوال عشرة أعوام يعني إنها امرأة شديدة الذكاء ..."
+
" أو شديدة البرود ..."
+
قالها بتهكم وهو يخلع ربطة عنقه لتشتعل عينيها بغضب جعله يبتسم مرغما فتسأله بشفتين مزموتين :-
+
" لماذا تبتسم ..؟!"
+
" منظرك وأنت حانقة جعلني أبتسم لا إراديا ..."
+
قالها ببساطة لترفع حاجبها وهي تسأله بتحفز :-
+
" هل أبدو لك مضحكة ...؟!"
+
هز رأسه نفيا ثم أجاب بصدق :-
+
" بل تبدين لذيذة .. "
+
أكمل وعيناه تتأملان ملامحها التي بدت فاتنة تماما :-
+
" تشعين بالحياة ...."
+
تقدمت نحوه أكثر حتى وقفت أمامه مباشرة تسأله بجدية :-
+
" ما قصة مادلين تلك ..؟!"
+
أجاب بصدق :-
+
" حقا لا أعلم ..."
+
" كانت تتحدث بجرأة غير معقولة ..."
+
قالتها بضيق ثم أضافت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :-
+
" دون مراعاة لك أو لي .. دون مراعاة للموجودين معنا حتى وأولهم مديرها وزوجته ..."
+
" أنا إندهشت أساسا .. في المرات القليلة التي رأيتها بها كانت فتاة ذكية وعملية للغاية ..."
+
رفعت حاجبها تسأله :-
+
" رأيتها عدة مرات .. وقيمتها أيضا ..."
+
" بالطبع سأراها ..."
+
قالها ببساطة وهو يبدأ بفك أزرار قميصه مضيفا :-
+
" إنها مديرة أعمال عصام بك ... رأيتها وتعاملت معها ولكنها لم تكن هكذا حقا ...."
+
تأمل وجوم وجهها الصريح فسألها بعد ثواني :-
+
" أم إنك تشكين بشيء ما مجددا ...؟! مالذي يدورك في بالك حاليا ... ؟! أريد أن أعرف لإنني لا أثق بخيالك الواسع والذي يذهب لأماكن بعيدة لا وجود لها ..."
+
" لا تسخر مني ..."
+
قالتها بضيق وهي تهم بالابتعاد عنه ليقبض على ذراعها ويجذبها نحوه مرددا وعيناه تنحدران نحو طلاء شفتيها :-
+
" منذ متى وأنتِ تضعين هذه الألوان الصارخة ...؟!"
+
أجابت ببرود :-
+
" منذ الليلة فصاعدا ..."
+
قال بحزم :-
+
" لن تضعي ألوانا صارخة كهذه مجددا خارج جناحنا .. "
+
تغضن جبينها وهمت بالرفض ليسبقها مضيفا :-
+
" ولن ترتدي فساتينا مغرية كفستانك هذا خارج جناحنا ..."
+
" أنت تمزح بالطبع ..."
+
قالتها وهي تبتعد عنها ثم تدور بفستانها أمامه متسائلة بعدم فهم :-
+
" ما به الفستان .. ؟!"
+
أجاب بجدية وهو يتأمل فستانها القصير والذي يظهر ساقيها النحيلتين ببشرتها الثلجية وحمالاته الرفيعة:-
+
" قصير .... وعاري الذراعين ...لم تكونِ ترتدي هكذا من قبل ...."
+
هتفت ببرود لا يخلو من التحدي :-
+
" أتغير ..."
+
" ولماذا تتغيرين ...؟!"
+
سألها باستخفاف لتجيب بثبات :-
+
" لأليق بك ...."
+
توقف لوهلة يتأمل جوابها الذي بدا صادقا لأبعد حد عندما سار نحوها بخطوات متمهلة فبقيت هي مكانها ثابتة تتابعه بعينين ثابتتين حتى وجدته يحتجزها بين ذراعيه مرددا بهدوء :-
+
" هل تعتقدين إن هذا ما يجعلك لائقة بي ...؟!"
+
" نعم .. "
+
أجابته بنفس الصدق ليهتف ببطأ :-
+
" لإنك حمقاء ..."
+
احتقنت ملامحها كليا عندما مال نحو شفتيها يخبرها وأنفاسه الحارة تضرب وجهها :-
+
" عزيزتي همسة .. أنا عندما إخترتك زوجة لي إخترتك عن اقتناع تام ولم أكن أريد أي تغيير أن يطرأ عليك ... كنت أجدك لائقة بي تماما ... تليقين به كما أنت دون تعديل أو تغيير ... دون أي إضافة ... وإذا كنت تشعرين بغير ذلك فهذا بالتأكيد إحساس نابع من وحي خيالك ليس إلا ..."
+
إرتجف جسدها وهي تهمس بخفوت :-
+
" راغب أنا ..."
+
صمتت ولم تضيف ليهتف بدوره :-
+
" لو فقط أفهم مالذي يحدث معك ... "
+
أدمعت عيناها بعد ثواني وهي تخبره :-
+
" حتى أنا لا أفهم ..."
+
زفر أنفاسه متسائلا بتعب :-
+
" والحل ..؟!"
+
مسحت دموعها بسرعة قبل أن تأخذ طريقها فوق وجنتيها ثم رسمت إبتسامة على شفتيها وهي تخبره :-
+
" الحل أن نساعد بعضنا ... ربما نفهم بعضنا يوما ما .. ربما نصل إلى حل وسط يصلح ما بيننا ... !"
+
تنهد ثم هتف مبتسما ببطأ :-
+
" ربما ..."
+
ثم ربت على شعرها لتمد أناملها تلمس لحيت قبل أن تخبره :-
+
" سأغير ملابسي ..."
+
" حسنا ..."
+
قالها بجدية لتتحرك نحو خزانتها تفتحها وتخرج قميص نوم جديد اشترته صباح اليوم وتتجه به نحو الحمام ...
+
ارتدت قميص النوم ثم سارعت تعدل أحمر شفاهها قبل أن تتجه نحو مخبئها السري فتخرج شريط الحبوب من مكانه وتتناول حبة منه سريعا مع القليل من المياه في الكأس الموضوع جانبه قبل أن تغادر الحمام بعدها لتجده يبحث عن شيء ما ..
4
تقدمت نحوه وهي تسأله :-
+
" عم تبحث ..؟!"
+
الفت نحوها وهو يهم بإجابتها ليتجمد مكانه وهو يراها ترتدي قميص نوم خفيف يبرز الكثير من جسدها بسخاء ...
+
تقدم نحوها بلا وعي لتكرر سؤالها وهي تبتلع ريقها :-
+
" عم كنت تبحث يا راغب ...؟!"
+
" ليس مهما...."
+
قالها مبتسما قبل أن يجذبها نحو صدره بعناق جارف إستلمت له بأريحية كعادتها وغرقت معه في دوامة عاطفته التي لا نهاية لها ..
1
***
+
في اليوم التالي ...
+
في المطار ....
+
وقفت هالة تنتظر وصول كرم بلهفة ...
+
وجدته يتقدم وهو يسحب حقيبته خلفه ليلتقطها بعينيه فيبتسم على الفور وهو يرفع كفه نحوها لتبتسم وهي ترفع كفها بدوره حتى تخطى الحاجز بينهما فسارع يتلقفها بين أحضانه بينما تهمس وهي تشدد من عناقه :-
+
" إشتقت لك كثيرا .. كثيرا يا كرم ..."
+
" وأنا أكثر يا روح كرم ..."
+
ابتعدت عنه بعد لحظات ليقبض على كفها يقبله ثم يخبرها :-
+
" من الجيد إنك أتيت لاستقبالي ... "
+
هتفت بسرعة :-
+
" كنت سأغضب منك حقا لو لم تخبرني بموعد وصول طائرتك ..."
+
" وأنا لا أستطيع إغضابك أبدا يا هالة ..."
+
قالها بصدق لتبتسم ثم تخبره بجدية :-
+
" أريد أن نتحدث يا كرم .. إذا لم تكن متعبا دعنا نذهب إلى أحد المقاهي القريبة قبل أن تعود إلى منزلك ..."
+
سألها بقلق :-
+
" هل هناك مشكلة ما يا هالة ...؟!"
+
ابتسمت وهي تخبره بسرعة :-
+
" على العكس ... هناك أخبار سعيدة ... ستعجبك لا محالة ..."
+
" أخبار ماذا ..؟!"
+
سألها بلهفة لتهتف بجدية وهي تقبض على كفه :-
+
" سنتحدث عندما نجلس في أحد الأماكن الهادئة ..."
+
ولم يكن بوسعه سوى الإذعان لطلبها حيث اتجه معها خارج المطار حيث ركنت سيارتها ليتجهان إلى أحد المقاهي القريبة حيث يتحدثان قليلا وتخبره هي عن قرارها الجديد والمهم لكليهما ..!
+
***
+
وضع كرم قدح عصيره على الطاولة وسأل :-
+
" إذا أخبريني ...؟! ما تلك الأخبار السعيدة التي تريدين إخباري بها ...؟!"
+
ابتسمت وهي تفتح حقيبتها ثم تخرج منها أوراقا وتضعها أمامه لتخبره بينما ينظر إليها :-
+
" سأقدم على الدراسات العليا الشهر القادم ..."
+
"حقا...؟!"
+
هتف بها بدهشة لتهز رأسها وهي تضيف بإبتسامة واسعة :-
+
" سنتزوج بعد شهر ... ما رأيك ...؟!"
+
" أنت تمزحين ..."
+
قالها غير مصدقا لتهز رأسها نفيا فيتسائل بعدم تصديق :-
+
" من المفترض إن هناك حفل خطبة بعد إسبوعين ثم زفاف بعد حوالي أربعة أشهر ... "
+
تذكرت حديثها السابق عن حفل الخطبة بعد أسبوعين ثم البدء بالتجهيز لحفل الزفاف الذي قررت أن يكون بعد أربعة أشهر وتحديدا بعد مرور أكثر من شهر على زواج توليب كي تأخذ الوقت الكافي لتجهيز نفسها خاصة إن الفترة القادمة سينشغل الجميع في التحضيرات لزفاف توليب ولكن بعدما حدث تغيرت مخططاتها كلها ...
+
هتفت تخبره بجدية :-
+
" لقد بحثت طويلا ووجدت إنه من الأفضل ألا نؤخر زواجنا أكثر ..."
+
أضاف تقنعه :-
+
" كلانا يريد البدء في الدراسات العليا بأسرع وقت .. ماذا ننتظر ..؟! نتزوج بسرعة ونسافر مباشرة للبدء في الدراسة ..."
+
أضافت تشرح له ما خططت له مسبقا :-
+
" نقيم خطوبة عائلية الأسبوع القادم ثم حفل زفاف بعد ثلاثة أسابيع ... خلال هذا الشهر نكون انتهينا من إجرائات التقديم ثم نسافر مباشرة إلى الخارج ... نستقر في شقتك هناك ونبدأ دراسة مباشرة ... "
+
أكملت تحاول إقناعه :-
+
" مالذي ننتظره ...؟! نحن نعرف بعضنا بما يكفي لنتزوج حالا حتى ... والبدء في الدراسة فورا سيكون أفضل كي لا نتكاسل .... "
+
" أنا لا مانع لدي يا هالة ..."
+
قالها بجدية وهو يضيف بصدق :-
+
" لو الأمر بيدي لتزوجتك اليوم قبل الغد ..."
+
أكمل بحيرة :-
+
" أنا مستغرب فقط من سببب تغييرك المفاجئ ورغبتك بتقديم الزواج ..."
+
مدن كفها تضغط على كفه وهي تخبره :-
+
" أريد أن أكون معك ..."
+
أضافت وهي تبتسم بحب :-
+
" لمَ سننتظر أربعة أشهر كي نكون سويا بينما يمكننا الزواج خلال شهر ... ؟!"
+
أضافت برجاء :-
+
" لنتزوج بسرعة يا كرم .. نتزوج ونسافر سويا .. هناك لوحدنا بعيدا عن الجميع ..."
+
سألها بشك :-
+
" هل هناك مشكلة يا هالة ..؟!"
+
" كلا ، لماذا تسأل ..؟!"
+
سألها موضحا :-
+
" لإنني أشعر إنك تريدين الإبتعاد عن هنا بأي شكل ..."
+
توترت ملامحها كليا فإزدادت شكوكه أكثر لتخبره وهي ترسم إبتسامة مفتعلة فوق شفتيها :-
+
" الأمر ليس كذلك .. أنا فقط أريد أن نكون سويا وأريد البدء في الدراسة سريعا ..."
+
أكملت مبررة :-
+
" أنت تعلم رغبتي في دراسة تخصص جراحة الدماغ والأعصاب وكم ستحتاج مني لجهد وسنوات طويلة ... أريد أن أبدأ بسرعة قبل أن أتكاسل وأعتاد على الإجازة ...."
+
ابتسمت واضعا شكوكه جانبا :-
+
" فهمت ..."
+
قالت بسرعة :-
+
" إذا كنت لا ترغب بذلك فلا مشكلة ..."
+
ثم أكملت بعبوس مصطنع :-
+
" لا نستعجل .. ربما ما زلت غير واثقا من رغبتك بالزواج مني ..."
+
" توقفي عن حماقتك ..."
+
قالها بتجهم قبل أن يقبض على كفيها يخبرها بصدق :-
+
" أنت تعلمين إنني كنت أريد الزواج منك منذ مدة طويلة .. من قبل تخرجنا حتى ... "
+
" أعلم ..."
+
قالتها وهي تبتسم له ليهتف بحماس شع من عينيه :-
+
" إذا لنتحدث عن الزفاف ..."
+
هتفت بدهشة :-
+
" ألن تذهب إلى المنزل وترتاح أولا ..."
+
رفع حاجبه مرددا بمرح :-
+
" أي راحة تلك ونحن سنتزوج بعد شهر ... ؟! "
+
أضاف يغمز لها :-
+
" لنتحدث عن تفاصيل الزفاف ..."
+
هتفت بحماس تمكن منها :-
+
" بدأت البحث عن فساتين زفاف ... وجدت فستانا رائعا يا كرم .. سأريك إياه ..."
+
همت بفتح هاتفها عندما توقفت لوهلة وهي تقول :-
+
" كلا ، لا يجب أن تراه .. ذلك سيجلب الشؤم لنا وربما لن يتم الزفاف ..."
+
هتف ضاحكا :-
+
" لا أصدق إنكِ تؤمنين بهذه الخرافات ..."
+
ثم سحب الهاتف منها وهو يخبرها :-
+
" سأرى بنفسي ..."
+
ابتسمت مرغمة على حماسه وداخلها يتمنى أن يتم كل شيء على خير وكما تتمنى ...
+
***
+
في المساء ...
+
وقف راجي أمام مرآته ينظر إلى نفسه بشرود ...
+
اليوم سيخطب نغم ..
+
خطبة كانت من المفترض أن تحدث قبل سنوات طويلة لولا تدخل القدر الذي حال بينهما ...
+
القدر الذي حال بينهما سابقا ليجمع بينهما مجددا بعدما أدرك مرضها وسوء وضعها الصحي ...
+
والغريب إنه في هذه اللحظة ما زال عاجزا عن تحديد شعوره ...
+
هل هو سعيد لإنه سيتزوج بنغم التي أحبها سابقا وتمناها زوجة له ..؟!
+
أم تعيس لإدراكه ما ينتظرها ..؟!
+
أم متوتر من تلك اللحظة التي سيضطر بها أن يواجهها بمرضها ..؟!
+
بل ومذعور مما سينتظرها بسبب ذلك المرض وما سيعايشه هو معها من ألم عليها وعلى خسارتها المحتملة ...؟!
+
أغمض عينيه بتعب مفكرا إنه عجز عن النوم طوال الليلة الماضية ...
+
الغريب إن كل شيء مر بسلاسة غريبة ...
+
تحدث مع والدها ووافق مباشرة بعدما وافقت هي قبله بسعادة..
+
ووالديه كما توقع رحبا بالأمر ولم يعلقان على أمر زواجها السابق ولم يكن هذا غريبا عن والديه المتفهمين على الدوام ...
+
تم الاتفاق على خطبة عائلية بسيطة تم التجهيز لها بسرعة قياسية وهاهو تجهز فعليا للخطبة التي ستكون بعد ساعة في منزلها ...
+
تحرك متجها نحو سترته يسحبها ثم يرتديها ويغلق أزرارها قبل أن يتجه نحو علبة الخاتم ويحملها ثم يفتحها متأملا الخاتم الذي انتقته نغم بنفسه البارحة والذي سيضعه في بنصرها الليلة ..
+
خاتم ماسي فخم يليق بها ...!
+
تنهد وهو يتحرك خارج الجناح بعدما وضع العلبة في جيب سترته مجبرا نفسه على الإبتسامة وتجاهل ما يحيط به ...
+
قابل والدته التي احتضنته بسعادة وكذلك والده ثم أشقاؤه وإياس الذي كان مدعوا إلى الحفل كونه أصبح من أفراد العائلة ..
+
تحرك والديه أولا ثم البقية تباعا وقد أتت جيلان أيضا والغريب إنها وافقت على الذهاب إلى الحفل ما إن دعاها عمها مباشرة ...
+
وصلوا جميعا إلى منزل نغم ليجدوا زوج عمتهم قد وصل في نفس التوقيت ومعه كلا من زمرد وسولاف ...
+
سارعت زمرد تبارك له رغم عدم اقتناعها بهذه الزيجة وقد غضبت بشدة عندما علمت برغبته في الزواج من مطلقة سبق لها الزواج قبله ثم تحركت بجانب زوجها بتذمر بسبب غياب ولدها الذي لم يكتفِ بغيابه عن القصر ليومين بل تجاهل خطبة إبن خاله أيضا ...
+
استقبلهم والدي نغم وشقيقتيها مرحبين بهم فإتخذ الجميع أماكنهم ....
+
جلست هالة بجانب فيصل بقلق خفي وتتمنى داخلها عدم قدوم أثير إلى الخطبة فهي غير مستعدة لمواجهته بينما انشغلت توليب بالحديث مع إياس أما جيلان فكانت تجلس بجانب مهند بملامح واجمة ليهمس لها مهند :-
+
" توقفي عن العبوس ... نحن في خطبة وليس في عزاء ..."
+
هتفت من بين أسنانها :-
+
" ما شأنك أنت ...؟!"
+
هتف وهو يرسم ابتسامة مصطنعة على وجهه :-
+
" ستفضحيننا بسبب وجهك العابس هذا .. سيعتقدون إنك مغرمة بالعريس ومتحسفة على خسارته ..."
+
" أنت تهذي ..."
+
قالتها بضيق وهي تنهض من مكانها وتتجه لتجلس بجانب سولاف التي ابتسمت لها مرحبة فبادلتها جيلان ابتسامتها عندما سألتها سولاف مشاكسة :-
+
" كيف هو شعورك وأنت تعيشين في نفس المكان مع زوجك السابق ...؟!"
+
" شعور قبيح لا أتمنى أن تجربينه ..."
+
ضحكت سولاف بخفة بينما هتف مهند ببرود:-
+
" سمعتك ..."
+
" على أساس إنني سأهتم .."
+
قالتها جيلان وهي تمد وجهها نحوه عندما توجهت أنظار زمرد المحذرة بصرامة نحوهم فتوقف الجميع عن التحدث والتزم الصمت حتى مهند بينما همست زمرد لزوجها بضجر :-
+
" هل يعجبك ما يفعله ولدك ..؟! يحرجني أمام عائلتي ... "
+
" ربما يأتي بعد قليل ..."
+
قالها حاتم بملل لتهتف متذمرة :-
+
" متى ..؟! العروس ستأتي بعد لحظات ..."
+
زفر حاتم أنفاسه بملل ثم انشغل بالحديث مع عابد عندما تقدم أثير إلى الداخل ملقيا التحية لتتجهم ملامح هالة بينما تنهض زمرد من مكانها مرددة بسعادة :-
+
" كنت أعلم إنك ستأتي ..."
+
تقدم نحوها مرغما وبالكاد سمح لها بتقبيل وجنته سريعا عندما ابتعد عنها بطريقة أدهشتها بينما عيني هالة تراقب ما يحدث بوجوم حيث اتجه يحيي خاله ويبارك له ثم زوجة خاله وبعدهما راجي قبل أن يأخذ مكانه بجوار مهند يتبادل الأحاديث معه ...
+
لحظات وهبطت نغم بفستانها الأرجواني الأنيق لينهض راجي من مكانه يستقبلها وعيناه مبهورتان بجمالها الخاطف للأنفاس ..
+
كانت جميلة بل أجمل ما رأت عيناه ...
+
وضع خاتمه في بنصرها ثم سارع يقبل جبينها ببطأ لتتنهد هي بسعادة غير مصدقة إن حلمها تحقق أخيرا ونالت ما تمنته وإرتدت خاتمه ...
+
بدأ كلاهما يلتقى التهاني بعدها حتى جلست نغم جواره تتأمل خاتم خطبتها بسعادة سرعان ما إضطربت وهي تتذكر حقيقة مرضها ...
+
أما هو فما إن رأى تلك السعادة التي شعت من عينيها وهو يلبسها خاتمه أدرك مدى صحة قراره ...
+
هي تستحق أن تحيا تلك السعادة ...
+
تستحق أن يمنحها هذا الشعور ...
+
تأملها مجددا وجمالها يبهره ككل مرة ...
+
جمال فاتن يضج بالحيوية ...
+
جمال سيكون له وحده ....!
+
تلاقت عيناها الزرقاوان بعينيه فإبتسم لها بدفئ وهو يقبض على كفها لتبادله إبتسامته وعادت مجددا تلك الأفكار تحتلها وذلك الشعور المؤلم يسطير عليها ..
+
في الآونة الأخيرة بات هذا الشعور يلح عليها ..
+
شعور إنها أنانية ...
+
لم يكن عليها العودة ..
+
ما كان يجب أن تظهر أمامه مجددا وهي تدرك وضعها الصحي ...
+
ليس من حقها أن تجبره على الدخول في دوامة كهذه ...
+
هي تستغله ...
+
وهذا الشعور يؤرقها ...
+
تكرهه .. تكره هذا الشعور ...
+
مهما حاولت أن تجد مبررات تبقى جميعها مبررات واهية تماما ..
+
راجي لا يستحق أن يحيا تجربة كهذه ...
+
مهما كان دافعها ..!
+
أفاقت من أفكارها على صوته وهو يسألها :
+
" هل نرقص ...؟!"
+
اومأت برأسها موافقة لينهض من مكانه مادا كفه نحوها فتضع كفها في كفه وتنهض معه ..
+
احتضنها بين ذراعيه وبدأ يراقصها عندما أخذت هي تتأمله بتمعن حريص ليبتسم وهو يخبرها :-
+
" هل أنا وسيم لدرجة إنك لا تحيدين بصرك عني ...؟!"
+
" أنت أوسم ما رأت عيناي يا راجي ...."
+
قالتها بصدق مس قلبه لتضيف والعبرات تملأ عينيها :-
+
" وأجمل ما حصلت عليه في حياتي ..."
+
" لماذا تبكين الآن ..؟!"
+
سألها معاتبا لتهمس ودموعها شقت طريقها فوق وجنتيها :-
+
" أبكي من فرط سعادتي ... إنها دموع الفرح ..."
+
إسترسلت بصوت متحشرج :-
+
" لو تعلم كم تمنيت هذه اللحظة وحلمت بها طويلا ..."
+
هتف بصدق :-
+
" منذ هذه اللحظة وجميع أحلامك ستكون حقيقة ..."
+
" أحبك راجي ..."
+
قالتها بنبرة عميقة قبل أن تستند بوجهها على صدره تضيف بصوت مبحوح مليء بالعاطفة :-
+
" أحبك كثيرا ..."
+
انتهى الفصل
+
+