رواية خيوط القدر الفصل الثاني عشر 12 بقلم سارة المصري
لفصل الثانى عشر
انطلق ادهم بكل غضبه يقود سيارته ، وكأن نيران غضبه وثورته هما وقودها الذى وصل بها الى اقصى سرعة ، لم يحتمل ان يرى حبيبته على هذا الضعف والخوف ابدا ، لم يحتمل ان يرى اى انسان على وجه الارض يؤذيها ، لم يحتمل رؤيه دموعها ، هى نداه بكل نقائها وبرائتها التى يريد ان يحتويها عن اى شىء بامكانه ان يعكر صفائها ، وصل الى الفيلا ووقف امامها وترجل من سيارته واتصل برنا لتأتى اليه وماهى الا لحظات حتى كانت تتحرك للقائه فى سعادة بالغة ، كان ادهم يقف امام سيارته يقبض كفه الايمن بالايسر محاولا السيطرة على غضبه بكل طريقة وما ان رأى رنا حتى اقترب منها وامسك ذراعها فى قوة فتأوهت فى الم وقالت ” ادهم سيبنى ..فى ايه ؟؟“
لم يعبأ ادهم بها وقال ووجهه قد احمر من الغضب ” انا كام مرة حذرتك وقولتلك الا ندى ..كام مرة ؟“
أفلتت رنا ذراعها من ادهم الذى تركه حتى لا يعتصره بين قبضته الحديدية وقالت بلهجة باكية ” وانا بقا عملتلها ايه ”
ابتسم فى سخرية وغضب مخيف يطل من عينيه ” مين اكتر حد بيكرهها ؟؟...مين اكتر حد بيتمنى انى اسيبها غيرك ..ردى ؟؟“
لم ترد رنا بل تركت لدموعها الفرصة فى الرد فواصل ادهم فى حدة وهو ينحنى تجاهها ” اسمعينى بقا ..عشان تريحى نفسك خالص ..انتى آخر حد فى الدنيا ممكن افكر فيه ..حتى لو انا وندى مكملناش مع بعض ..فمتحاوليش وتتعبى نفسك ..انا بحب ندى ومش هحب غيرها فى عمرى كله ومش حتة عيلة زيك بحركة عبيطة وتافهة زيها هتبعدنى عنها ”
واصلت رنا البكاء فقال ادهم وهو يضع يديه فى جيبه متابعا لها ” اتمنى تكون دموع ندم ع الللى عمبلتيه ؟؟“
هزت رنا رأسها وهى تقول ” انا معملتش حاجة تصدق او ما تصدقش دى مشكلتك ..بس انا فعلا معملتش حاجة ”
واقتربت منه خطوتين وهى تقول فى ثقة ” اما من جهة اقدر اعمل فانا اقدر اعمل كتير ..النار اللى جوايا بتخلينى عاوزة احرقها واحرق الدنيا كلها ..بس عمرى ما أذيتها مش عشانها ..عشان مش عاوزة اوجعك انت عليها وانا بحبك ومقدرش اوجعك ”
نظر لها ادهم وقال فى تهديد ” جربى كدة اذيها او ضايقيها تانى وشوفى انا هعمل فيكى ايه انتى وابوكى ..اللى مانعنى عنكو انه هوا خال ندى وعمر مش اكتر ”
دفعته فى صدره وهى تقول ” كفاية بقا ..انت ايه ..مش فارق معاك اى حاجة ..حبك ليها عماك للدرجادى ..مفكرتش انه...“ قاطعها وهو يمسك كفيها التى تدفعهما به من على صدره مع كل كلمة قائلا ” انت اتجننتى ؟؟“
تركت كفيها بين يديه وهى تقول فى خفوت ” مصدر ثقتك فيها ايه ؟؟...هيا بتحبك ؟؟..عشان قلبها ميكونش مع غيرك لازم تكون بتحبك انت الاول ..هيا بتحبك يا ادهم ..رد..عمرها قالتهالك ؟؟...ولا ثقتك اتبنت على مشاعرك انت وبس ..سلمتلها عقلك مع قلبك ومبقتش قادر تفكر ”
ترك ادهم كفيها فى عنف قائلا ” عارفة بنتها على ايه ..على اخلاقها اللى معندكيش انتى حتى ربعها ”
اغمضت رنا عينيها فى الم وهى تتلقى اهانتها من اكثر شخص تحبه وقالت وهى تضغط على شفتها السفلى ” متشكرة جدا يا سيادة الرائد ..لو معندكش تهديد او اهانة تانية ..اسمحلى ان امشى ”
تركته رنا وركضت الى الداخل وصوت بكائها يصله ، وأثر كلماتها لا زالت بداخله ، بالفعل ندى لم تخبره حتى الآن انها تحبه ، ولكنه تعاهد معها من البداية ان تنهى كل شىء حالة وجود اى مشاعر تجاه آخر ، لقد مرت الفترة التى اتفقا عليه دون ان تفتح معه الامر مطلقا ، فهل تكون احبته حقا ؟؟، وتحتاج وقتا لتخبره بهذا ؟؟، لام نفسه ان كلمات رنا قد أثرت به لهذه الدرجة ، وقرر ان يعطى الفرصة كاملة لندى وان يثق بها حتى النهاية .
******************************************************************************
فتحت ندى عينيها وهى تشعر بصداع بشع ، نظرت حولها لترى نفسها فى غرفة غير غرفتها ، عرفت على الفور انها غرفة اخيها فى شقته وتذكرت أيضا كل ما حدث بالامس ، فوضعت يدها على وجنتها تتحسس الم اللطمات وسؤال طرأ على بالها فجاة ” متجوز ؟؟“ ، ارادت ان تتاكد ، بحثت عن هاتفها الى جوارها فلم تجده ، وجدت حقيبة ملابسها التى احضرها عمر ، فتحتها وهى تلقى بالملابس فى كل اتجاه حتى عثرت على هاتفها ، ادارت رقمه فجائها صوته ” ندى مش مصدق ..أخيرا رديتى عليا ” ، كان صوت انفاسها المتلاحقة يصل اليه ويمنعها من الكلام فقال ” ندى ..انتى كويسة ؟؟“
استجمعت كلماتها اخيرا وقالت ” انت متجوز ؟؟“ صمت ولم يرد ، فواصلت ندى بصوت حاد ” انت متجوز ..رد عليا ؟؟“
ـ ندى اسمعينى الاول ارجوكى
قالت فى الم وصدمة ” انا مش عاوزة اسمع حاجة ..وكلمة واحدة انت متجوز ولا لا ”
صمت من جديد فصرخت فيه ” رد عليا ”
ـ اه يا ندى متجوز ..بس ادينى فرصة افهم...“
لم تمهله ندى اى فرصة للكلام اذ صرخت فيه ” حقير ..سافل ..واطى ..انت احقر انسان شوفته فى حياتى ”
والقت بالهاتف فى الحائط حطمته ووضعت وجهها بين كفيها تبكى فى حرقة ، هنا دخل عمر على صوت بكائها وانار الغرفة وهرع اليها يحتضنها وهو يقول فى فزع ” ندى ..اهدى يا حبيبتى ..مالك ..كنتى بتحلمى ؟؟“
احتضنت ندى اخيها كأنه طوق نجاة القى لها وهى تلفظ آخر انفاسها وواصت بكائها فى مرارة ، لم تكن سوى مجرد نزوة فى حياة رجل متزوج ، للمرة الثانية يخدعها ، ليس صديقا لادهم فقط ، بل متزوج ايضا ، كانت حمقاء بلا عقل فمن ياتى الى حبيبة صديقه ليخبرها بحبه لا يمكنه امتلاك اى اخلاق ، من يخون صديقه يخون زوجته ، تذكرت كلمات ادهم وهو يدافع عنها وتالمت ، هى لا تستحق هذا منه ، لا تستحق معشار رجل كادهم ، لا تستحق ذرة واحدة من مشاعره ، لقد خانته وخانت ثقته بينما هو وقف يدافع عنها امام الجميع ، وقف ليحميها كما تعود ان يفعل ، عذاب الضمير قد بدأ مشواره معها ، ظلت تبكى وعمر الى جوارها يربت على كتفها حتى هدأت ونامت .
*************************************************
فى الصباح اتجه ادهم الى شقة عمر وهو يحمل معه افطارا ليتاولونه سويا ، فتح له عمر الباب فدخل وهو يضع الطعام على المائدة وسأل مباشرة دون حتى ان يلقى التحية ” اخبار ندى ايه ؟؟“
فرك عمر عينيه قائلا ” طول اليل كوابيس وعياط ”
زفر ادهم فى الم قائلا ” طب هيا صاحية ولا لا عشان تفطر معانا ..عايزة اطمن عليها قبل ما امشى ”
نظر عمر الى غرفتها وذهب ليتفقدها بينما بدأ ادهم فى رصف الطعام على المائدة حتى جاء عمر وهو يحيط ندى بذراعه فابتسم ادهم مخفيا الما فى قلبه لرؤية وجهها الذابل ومقلتيها المتورمتين من البكاء ، كان يعرف انها ارق بكثير من كل مامرت به ، اما هى فكادت ان تهرب منه بمجرد رؤيته فهى تشعر بذنبها الذى لايغتفر فى حقه ، قادها عمر الى المائدة فجلست وجلس ادهم فى المقابل وهو يقول ” اخبارك ايه النهاردة ”
هزت ندى رأسها فى استسلام قائلة ” كويسة ”
نهض عمر وهو يقول ” بقولكو ايه انا هعمل قهوة مش قادر الصداع هيفرتك دماغى اعملكو ايه معايا ”
نظر ادهم الى ندى فى حنان وهو يقول ” ندى بتحب النيسكافيه يا عمر ..اعملنا احنا الاتنين نيسكافيه ”
مسح عمر على شعرها وهو يقول ” ماشى يا عم نعملكو نيسكافيه ”
نظر ادهم الى وجه ندى المرهق والى آثار صفعات خالها فشعر برغبته فى قتله ، مد انامله فى تردد الى وجهها قائلا فى الم ” حقك عليا انا يا حبيتى ...اوعدك محدش يأذيكى كدة تانى ”
كلماته كانت تقتلها ، اه لو يعلم ذلك ، سالت دمعة على وجنتها فمسحها بابهامه وهو يقول ” بلاش عشان خاطرى ...دموعك دى بتحرقنى ”
انزل يده وقال محاولا تغيير مجرى الامور قائلا وهو يشير الى الطعام ” بقولك ايه بقا ..انا مفطرتش وحالف ما احط لقمة فى بقى قبل ما تاكلى انتى ”
ومد يده اليها بالطعام قائلا ”عارف بتحبى باتيه الجبنة الرومى قد ايه ” قالها وهو يقربها من فمها فرفضت فواصل بصوت جنون ” عشان خاطرى ” ، كم يعذبها هذا ولكنها فتحت فمها امام اصراره وقضمت قضمةصغيرة منه ، جاء عمر وهو يحمل القهوة قائلا فى غضب مصتنع ” ايه ده ان شاء الله انت وهيا ..اعملو حساب لوجودى طيب ”
ضحك ادهم قائلا ” وانت مالك انت عاوز ايه انت دلوقتى ”
جلس عمر على طرف احدى الكراسى قائلا ” ايه اللى عايز ايه دى ...اختى دى اللى انت بتاكلها وبعدين من امتى الحنية دى ..ده انا لما كنت عامل حادثة وايدى متجبسة من اربع سنين مهانش عليك تاكلنى كدة زيها ”
نهض ادهم وهو يعقد ذراعيه قائلا بضحك ” وانا اكلك فى بقك ليه ..ده اللى كان ناقص داهيه تقرفك ”
كانا يتبادلان الحوار بهذه الطريقة وهما ينظران الى ندى بين الحين الآخر فى انتظار ان تشاركهم الضحك او الكلام ولكنها لم تفعل ، بل لم يعد بمقدورها تحمل رؤيته اكثر من هذا ، حنانه معها التى تشعر انها لا تستحقه يؤلمها ، نهضت بسرعة واتجهت الى غرفتها ، نظر ادهم الى عمر وقال فى حزن لوضعها ” مش حاسس انها كويسة ابدا ” واضاف فى غيظ ومن بين اسنانه ” عارف انا نفسى فى ايه دلوقتى ..نفسى اروح لخالك ده مسيبوش غير لما روحه تطلع فى ايدى ”
نهض عمر قائلا ” خلاص يا ادهم ..متكبرش الدنيا ..اهو عدى وخلاص ”
اشار ادهم الى غرفة ندى قائلا ” انت مش شايف حالتها عاملة ازاى ”
رد عمر فى اهتمام ” ده لان ندى طول عمرها حساسة زيادة عن اللزوم وبقت حساسة اكتر بعد موت بابا ..انت عارف كان مدلعها وبيحبها قد ايه ..تدخل خالى طول الوقت فى حياتها واللى حصل امبارح ..خلى نفسها تصعب عليها لان دى اول مرة حد يمد ايده عليها ..وخالى معملهاش الاوباباا مش موجود ..فهمتنى ؟؟“
تعلق ادهم وعينيه معلقة بباب غرفتها ” فهمت وطول ما انا عايش مش هخليها تحس بده تانى ”
كلماته كانت تصل اليها من خلف الباب ، وضعت يدها على أذنيها حتى لا تسمع وكانها تريد ان تصرخ وتطلب من الرحمة ، كفاه جلدا لها بكلماته هذه ، الايكفيها صدمتها حتى يزيد عليها عذاب الضمير ، انها لا تستحقه ، لا تستحقه وستبتعد عنه هذه المرة ليس لانها لاتحمل تجاهه مشاعر بل لانها لا تستحقه ، وجوده فى حياتها قد اصبح اكبر عذاب وعقاب .
..........................................................................................
وقفت ياسمين تراقب احدى الاطفال فى الحضانة بعد ان انهت عملها معها ، نظرت الى ملامحها الهادئة وابتسامة ارتسمت على ثغرها دون وعى ، ربما تمنت ان يكون لها طفلة مثلها ، تمنت بغريزة الام التى زرعها الخالق فى كل انثى حتى لو شعرت انه من المحال ان يحدث ”حلوة اوى مش كدة ” انتفضت وهى تشعر به الى جوارها فنظرت اليه فوجدته ،واصل وهو يراقب الطفلة ” اكيد دلوقتى واقفة تتمنى يكون عندك واحدة زيها ” ، قراءة افكارها بهذه الطريقة اصبحت تخيفها منه قالت وهى تنظر حولها ” انت بتعمل ايه هنا ”
ضحك عمر قائلا ” حلوة اوى بتعمل ايه هنا دى ؟؟؟..شغلى يا دكتورة زى ماهو شغلك ”
تنحنحت ياسمين فى حرج وقالت فى عصبيتها التى اعتادت استخدامها لاخفاء توترها دوما ” طيب مادام شغلك يبقا اتفضل شوف وراك ايه ..بدل ما انت واقف كدة ”
كان عمر يدقق النظر فيها محافظا على ابتسامته وقد استمتع بارتباكها فقالت فى تأفف ” انت فعلا انسان مستفز ”
وضع عمر يده فى جيب معطفه قائلا ” امم انا عارف ”
هزت ياسمين رأسها فى غيظ فواصل عمر ” على فكرة وانتى متعصبة كدة ببقى شكلك زى القمر ..فبلاش تتعصبى عشان متحلويش ”
احمر وجه ياسمين خجلا للمرة الاولى يغازلها احد دون ان تشعر بحاجتها لصفعه ولكنها دفنت كل هذا بداخلها ورفعت رأسها اليه قائلة فى غضب ” انت مش بس مستفز ..انت قليل الادب ووقح كمان ”
أغاظها حقا استمراره فى الابتسام وقال وهو يخرج من جيبه شيئا وضعه فى جيب معطفها قائلا ” طب انا هقولك على حاجة ..دى شوكولاته بتزود السيروتينين ..هرمون السعادة عارفاه ..يمكن لما تتبسطى متبقيش حلوة اوى كدة ..بعد اذنك ”
نظرت اليه فى دهشة والتقطت الشوكوالا من جيبها ونظرت اليها بابتسامة ، مشاعر متناقضة تسيطر عليها ، تشعر انها تريد ان تدفعه بعيدا وانها تريد ان تلقى نفسها بن ذراعيه ، تفتقده ان غاب وتفر منه فى وجوده ، تشعر بامان غريب يحيطها كلما اقترب منها ، شعور بالامان افتقدته فى حياتها باكملها لم تشعر به الامعه ، هو اول شخص فى هذه الدنيا تحدثت معه دون قناعها الذى ترتديه مع كل البشر ، لا تجد لكل ماتشعر به تفسير ، ولكن الخوف الذى لازمها طيلة عمرها لازال يقف بينها وبينه ، تخشى منه وتخشى عليه ، وستزيحه عن طريقها بكل الطرق فربما ما تشعر تجاهه هو الحب الذى يتحدثون عنه وهى تجربه معه للمرة الاولى ، نظرت الى الجرح الذى فى يدها والذى قام بمداوته وتساءلت هل بامكانها اخباره كيف جرحت ، هل تملك الشجاعة لاخباره بقصتها كاملة ، هل بامكانها تحمل عذابات الحب فوق ما تعانيه من عذاب والاجابة كانت واضحة لا والف لا ، لن تتحمل ستواصل حياتها كما بداتها لا تعلم اى معلم من ملامح الحياة تحمل وهى تتمنى الموت مع كل يوم يبدا فيها .
.............................................................................
مر أسبوعان وندى تحاول تجاوز الصدمة بكل مامنحت من قوة ، تحاول ان ترهق نفسها فى العمل لتتوقف عن التفكير فى كل شىء ، قرارها بالابتعاد عن ادهم لم يتغير ولكنها فى حاجة لبعض التوازن مما مرت به حتى تستطيع ان تواجهه ، انهت عملها فى ذلك اليوم ونظرت الى هاتفها الذى احضره ادهم لها عوضا عن هاتفها الذى حطمته ، وتذكرت انها لم تضع به الشريحة بعد ، وضعتها وفتحته وبمجرد ان اضاء وجدت العديد من الرسائل بمكالمات لم تصلها ، تجاهلته وهى لا تريد ان تعرف من حاول الاتصال بها فهى تعرف انه سيطاردها بكل طريقة ، ولذك لم تمانع ادهم حين طلب منها ان ياخذها من العمل ليوصلها للمنزل يوميا ، لم تكن لتدع له اى فرصة للاقتراب منها وتحامت بادهم كعادتها رغم انه يعذبها بقربه هذا الا انه وضع مؤقت حتى تستطيع المواجهة .
نسخت الاسماء من الشريحة الى الهاتف ووضعته فى حقيبتها وقبل ان تصل الى باب الشركة كان هاتفها يرن ، ابتسمت وهى تنظر الى المتصل فقد كانت مرام ، اشتاقت اليها حقا فتحت المكالمة فجاءها صوتها العاتب ”“لا لا لا انا زعلانة منك ..كدة تختفى الفترة دى كلها ولا حس ولا خبر ”
ابتسمت ندى قائلة ” كنت تعبانة شوية معلش ...طمنينى انتى عليكى ”
ـانا كويسة بقولك اه انتى فين دلوقتى ؟؟
ـ انا لسة خارجة من الشغل
ـ طب ايه رأيك تعدى عليا ؟؟
قالت ندى فى دهشة ”اعدى عليكى فين ؟؟“
ـ فى البيت انا قاعدة لوحدى ..وانتى عمرك ما جتيلى قبل كدة ..تعالى نتغدى سوا ونرغى شوية
صمتت ندى ربما كانت فى حاجة لهذا حقا وبحاجة للعودة الى حياتها بالتدريج ، جاءها صوت مرام ” قولتى ايه يا ندى ”
قالت ندى وهى تتنهد ” ماشى يا مرام ادينى العنوان وانا هجيلك ”
أعطتها مرام العنوان وهى تتجه الى الخارج حيث كان ادهم فى انتظارها امام سيارته ، ابتسم وهو يفتح لها الباب كعادته ، جلست الى جواره فسألها فى اهتمام محب واضح ” ها ايه الاخبار النهاردة ”
ردت فى ملل ” عادى زى كل يوم ”
أدار ادهم السيارة قائلا ” على فكرة انا معنديش شغل النهاردة لو تحبى نخرج فى حتة قبل ما تروحى
قالت وهى تنظر الى هاتفها ” لا ما هوانا مش هروح دلوقتى ..فيه واحدة صاحبتى كلمتنى وانا هروح اشوفها ”
عقد حاجبيه فى اهتمام قائلا ” صاحبتك مين دى ؟؟“
ـ دى واحدة متعرفهاش ..انا ممكن اخد تاكسى على فكرة المشوار بعيد عليك
رفع حاجبيه فى تذمر ” انتى اتجننتى ..تاكسى ايه اللى تاخديه ..هوصلك طبعا وبعدين انا سبق وجبتلك عربية فى عيد ميلادك وانتى اللى رفضتى تاخديها ”
حنان ادهم المبالغ فيه يصبها بالاختناق فقالت ” انا مش عاوزة حاجة يا ادهم ..ولو سمحت اطلع لوهتوصلنى ..عشان متاخرش عليها ”
بدأ ادهم القيادة قائلا ” خلاص يا ستى ..طلعنا اهو ..قوليلى بقا ساكنة فين صاحبتك الىى معرفهاش ”
اعطته ندى العنوان وبعد نصف ساعة كانت عند مرام التى قابلتها بحفاوة ” واخيرا نورتينى ونورتى بيتى المتواضع ”
فتحت ندى ذراعيها وهى تنظر الى الاثاث الفخم قائلة ” ده متواضع ...احب اهنيكى على ذوقك الهايل ”
ضحكت مرام قائلة ” من جهة الذوق فده ذوق سليم مش ذوقى خالص ” وجذبتها من يدها وهى تقول ” تعالى جوة فى الصالون ” ، جلست ندى الى جوار مرام يتبادلان الحديث الذى كانت ندى تشرد عند منتصفه فقالت مرام فى اهتمام ” مالك يا ندى ..سرحانة فى ايه ” ، تظاهرت ندى بشرب العصير وقالت ” لا ابدا معاكى اهو ”
وضعت مرام يدها على كتفها قائلة ” انتى مش سرحانة بس انتى شكلك مطفية ودبلانة كدة ..انتى تعبانة ”
حاولت ندى ان تخفى توترها خلف ابتسامتها قائلة ” لا خالص ..هوا جوزك فين صحيح ..طفشتيه من البيت ولا ايه ”
تراجعت مرام على كرسيها وهى تقول ” امم شكلك بتهربى من سؤالى ..ماشى مسيرك هتقرى لوحدك ”
شعرت ندى بضيق مفاجىء وبحاجتها للعودة الى المنزل لتنال قسطا من الراحة ، حاولت مرام ان تبقيها اكثر ولكنها اصرت ، وبينما تحمل هاتفها لتضعه فى الحقيبة ، سمعت مرام صوت باب الفيلا يغلق ، فابتسمت قائلة ” ده اكيد سليم ..كويس اوى هعرفكو على بعض ”
لم تكن ندى غى حالة تسمح لها بالتعارف او غيره ولكنها ستفعل من اجل مرام ، انتظرته حتى وصل الى غرفة الصالون ، كانت تنظر الى هاتفها تطالع الوقت حين نادتها مرام ” ندى ..اقدملك سليم جوزى ” ، رفعت ندى وجهها بابتسامة تعارف روتينية الا انها كادت ان تصعق مما رأت ، وبالكاد استندت على الكرسى المجاور لها حتى لا تسقط ولا تعلم مالذى يحدث حولها ، هى ليست بالطبع داخل رواية بوليسية سخيفة ، الصدمات تتوالى وتتوالى والذى يقف امامها الآن لم يكن سوى أحمد
انطلق ادهم بكل غضبه يقود سيارته ، وكأن نيران غضبه وثورته هما وقودها الذى وصل بها الى اقصى سرعة ، لم يحتمل ان يرى حبيبته على هذا الضعف والخوف ابدا ، لم يحتمل ان يرى اى انسان على وجه الارض يؤذيها ، لم يحتمل رؤيه دموعها ، هى نداه بكل نقائها وبرائتها التى يريد ان يحتويها عن اى شىء بامكانه ان يعكر صفائها ، وصل الى الفيلا ووقف امامها وترجل من سيارته واتصل برنا لتأتى اليه وماهى الا لحظات حتى كانت تتحرك للقائه فى سعادة بالغة ، كان ادهم يقف امام سيارته يقبض كفه الايمن بالايسر محاولا السيطرة على غضبه بكل طريقة وما ان رأى رنا حتى اقترب منها وامسك ذراعها فى قوة فتأوهت فى الم وقالت ” ادهم سيبنى ..فى ايه ؟؟“
لم يعبأ ادهم بها وقال ووجهه قد احمر من الغضب ” انا كام مرة حذرتك وقولتلك الا ندى ..كام مرة ؟“
أفلتت رنا ذراعها من ادهم الذى تركه حتى لا يعتصره بين قبضته الحديدية وقالت بلهجة باكية ” وانا بقا عملتلها ايه ”
ابتسم فى سخرية وغضب مخيف يطل من عينيه ” مين اكتر حد بيكرهها ؟؟...مين اكتر حد بيتمنى انى اسيبها غيرك ..ردى ؟؟“
لم ترد رنا بل تركت لدموعها الفرصة فى الرد فواصل ادهم فى حدة وهو ينحنى تجاهها ” اسمعينى بقا ..عشان تريحى نفسك خالص ..انتى آخر حد فى الدنيا ممكن افكر فيه ..حتى لو انا وندى مكملناش مع بعض ..فمتحاوليش وتتعبى نفسك ..انا بحب ندى ومش هحب غيرها فى عمرى كله ومش حتة عيلة زيك بحركة عبيطة وتافهة زيها هتبعدنى عنها ”
واصلت رنا البكاء فقال ادهم وهو يضع يديه فى جيبه متابعا لها ” اتمنى تكون دموع ندم ع الللى عمبلتيه ؟؟“
هزت رنا رأسها وهى تقول ” انا معملتش حاجة تصدق او ما تصدقش دى مشكلتك ..بس انا فعلا معملتش حاجة ”
واقتربت منه خطوتين وهى تقول فى ثقة ” اما من جهة اقدر اعمل فانا اقدر اعمل كتير ..النار اللى جوايا بتخلينى عاوزة احرقها واحرق الدنيا كلها ..بس عمرى ما أذيتها مش عشانها ..عشان مش عاوزة اوجعك انت عليها وانا بحبك ومقدرش اوجعك ”
نظر لها ادهم وقال فى تهديد ” جربى كدة اذيها او ضايقيها تانى وشوفى انا هعمل فيكى ايه انتى وابوكى ..اللى مانعنى عنكو انه هوا خال ندى وعمر مش اكتر ”
دفعته فى صدره وهى تقول ” كفاية بقا ..انت ايه ..مش فارق معاك اى حاجة ..حبك ليها عماك للدرجادى ..مفكرتش انه...“ قاطعها وهو يمسك كفيها التى تدفعهما به من على صدره مع كل كلمة قائلا ” انت اتجننتى ؟؟“
تركت كفيها بين يديه وهى تقول فى خفوت ” مصدر ثقتك فيها ايه ؟؟...هيا بتحبك ؟؟..عشان قلبها ميكونش مع غيرك لازم تكون بتحبك انت الاول ..هيا بتحبك يا ادهم ..رد..عمرها قالتهالك ؟؟...ولا ثقتك اتبنت على مشاعرك انت وبس ..سلمتلها عقلك مع قلبك ومبقتش قادر تفكر ”
ترك ادهم كفيها فى عنف قائلا ” عارفة بنتها على ايه ..على اخلاقها اللى معندكيش انتى حتى ربعها ”
اغمضت رنا عينيها فى الم وهى تتلقى اهانتها من اكثر شخص تحبه وقالت وهى تضغط على شفتها السفلى ” متشكرة جدا يا سيادة الرائد ..لو معندكش تهديد او اهانة تانية ..اسمحلى ان امشى ”
تركته رنا وركضت الى الداخل وصوت بكائها يصله ، وأثر كلماتها لا زالت بداخله ، بالفعل ندى لم تخبره حتى الآن انها تحبه ، ولكنه تعاهد معها من البداية ان تنهى كل شىء حالة وجود اى مشاعر تجاه آخر ، لقد مرت الفترة التى اتفقا عليه دون ان تفتح معه الامر مطلقا ، فهل تكون احبته حقا ؟؟، وتحتاج وقتا لتخبره بهذا ؟؟، لام نفسه ان كلمات رنا قد أثرت به لهذه الدرجة ، وقرر ان يعطى الفرصة كاملة لندى وان يثق بها حتى النهاية .
******************************************************************************
فتحت ندى عينيها وهى تشعر بصداع بشع ، نظرت حولها لترى نفسها فى غرفة غير غرفتها ، عرفت على الفور انها غرفة اخيها فى شقته وتذكرت أيضا كل ما حدث بالامس ، فوضعت يدها على وجنتها تتحسس الم اللطمات وسؤال طرأ على بالها فجاة ” متجوز ؟؟“ ، ارادت ان تتاكد ، بحثت عن هاتفها الى جوارها فلم تجده ، وجدت حقيبة ملابسها التى احضرها عمر ، فتحتها وهى تلقى بالملابس فى كل اتجاه حتى عثرت على هاتفها ، ادارت رقمه فجائها صوته ” ندى مش مصدق ..أخيرا رديتى عليا ” ، كان صوت انفاسها المتلاحقة يصل اليه ويمنعها من الكلام فقال ” ندى ..انتى كويسة ؟؟“
استجمعت كلماتها اخيرا وقالت ” انت متجوز ؟؟“ صمت ولم يرد ، فواصلت ندى بصوت حاد ” انت متجوز ..رد عليا ؟؟“
ـ ندى اسمعينى الاول ارجوكى
قالت فى الم وصدمة ” انا مش عاوزة اسمع حاجة ..وكلمة واحدة انت متجوز ولا لا ”
صمت من جديد فصرخت فيه ” رد عليا ”
ـ اه يا ندى متجوز ..بس ادينى فرصة افهم...“
لم تمهله ندى اى فرصة للكلام اذ صرخت فيه ” حقير ..سافل ..واطى ..انت احقر انسان شوفته فى حياتى ”
والقت بالهاتف فى الحائط حطمته ووضعت وجهها بين كفيها تبكى فى حرقة ، هنا دخل عمر على صوت بكائها وانار الغرفة وهرع اليها يحتضنها وهو يقول فى فزع ” ندى ..اهدى يا حبيبتى ..مالك ..كنتى بتحلمى ؟؟“
احتضنت ندى اخيها كأنه طوق نجاة القى لها وهى تلفظ آخر انفاسها وواصت بكائها فى مرارة ، لم تكن سوى مجرد نزوة فى حياة رجل متزوج ، للمرة الثانية يخدعها ، ليس صديقا لادهم فقط ، بل متزوج ايضا ، كانت حمقاء بلا عقل فمن ياتى الى حبيبة صديقه ليخبرها بحبه لا يمكنه امتلاك اى اخلاق ، من يخون صديقه يخون زوجته ، تذكرت كلمات ادهم وهو يدافع عنها وتالمت ، هى لا تستحق هذا منه ، لا تستحق معشار رجل كادهم ، لا تستحق ذرة واحدة من مشاعره ، لقد خانته وخانت ثقته بينما هو وقف يدافع عنها امام الجميع ، وقف ليحميها كما تعود ان يفعل ، عذاب الضمير قد بدأ مشواره معها ، ظلت تبكى وعمر الى جوارها يربت على كتفها حتى هدأت ونامت .
*************************************************
فى الصباح اتجه ادهم الى شقة عمر وهو يحمل معه افطارا ليتاولونه سويا ، فتح له عمر الباب فدخل وهو يضع الطعام على المائدة وسأل مباشرة دون حتى ان يلقى التحية ” اخبار ندى ايه ؟؟“
فرك عمر عينيه قائلا ” طول اليل كوابيس وعياط ”
زفر ادهم فى الم قائلا ” طب هيا صاحية ولا لا عشان تفطر معانا ..عايزة اطمن عليها قبل ما امشى ”
نظر عمر الى غرفتها وذهب ليتفقدها بينما بدأ ادهم فى رصف الطعام على المائدة حتى جاء عمر وهو يحيط ندى بذراعه فابتسم ادهم مخفيا الما فى قلبه لرؤية وجهها الذابل ومقلتيها المتورمتين من البكاء ، كان يعرف انها ارق بكثير من كل مامرت به ، اما هى فكادت ان تهرب منه بمجرد رؤيته فهى تشعر بذنبها الذى لايغتفر فى حقه ، قادها عمر الى المائدة فجلست وجلس ادهم فى المقابل وهو يقول ” اخبارك ايه النهاردة ”
هزت ندى رأسها فى استسلام قائلة ” كويسة ”
نهض عمر وهو يقول ” بقولكو ايه انا هعمل قهوة مش قادر الصداع هيفرتك دماغى اعملكو ايه معايا ”
نظر ادهم الى ندى فى حنان وهو يقول ” ندى بتحب النيسكافيه يا عمر ..اعملنا احنا الاتنين نيسكافيه ”
مسح عمر على شعرها وهو يقول ” ماشى يا عم نعملكو نيسكافيه ”
نظر ادهم الى وجه ندى المرهق والى آثار صفعات خالها فشعر برغبته فى قتله ، مد انامله فى تردد الى وجهها قائلا فى الم ” حقك عليا انا يا حبيتى ...اوعدك محدش يأذيكى كدة تانى ”
كلماته كانت تقتلها ، اه لو يعلم ذلك ، سالت دمعة على وجنتها فمسحها بابهامه وهو يقول ” بلاش عشان خاطرى ...دموعك دى بتحرقنى ”
انزل يده وقال محاولا تغيير مجرى الامور قائلا وهو يشير الى الطعام ” بقولك ايه بقا ..انا مفطرتش وحالف ما احط لقمة فى بقى قبل ما تاكلى انتى ”
ومد يده اليها بالطعام قائلا ”عارف بتحبى باتيه الجبنة الرومى قد ايه ” قالها وهو يقربها من فمها فرفضت فواصل بصوت جنون ” عشان خاطرى ” ، كم يعذبها هذا ولكنها فتحت فمها امام اصراره وقضمت قضمةصغيرة منه ، جاء عمر وهو يحمل القهوة قائلا فى غضب مصتنع ” ايه ده ان شاء الله انت وهيا ..اعملو حساب لوجودى طيب ”
ضحك ادهم قائلا ” وانت مالك انت عاوز ايه انت دلوقتى ”
جلس عمر على طرف احدى الكراسى قائلا ” ايه اللى عايز ايه دى ...اختى دى اللى انت بتاكلها وبعدين من امتى الحنية دى ..ده انا لما كنت عامل حادثة وايدى متجبسة من اربع سنين مهانش عليك تاكلنى كدة زيها ”
نهض ادهم وهو يعقد ذراعيه قائلا بضحك ” وانا اكلك فى بقك ليه ..ده اللى كان ناقص داهيه تقرفك ”
كانا يتبادلان الحوار بهذه الطريقة وهما ينظران الى ندى بين الحين الآخر فى انتظار ان تشاركهم الضحك او الكلام ولكنها لم تفعل ، بل لم يعد بمقدورها تحمل رؤيته اكثر من هذا ، حنانه معها التى تشعر انها لا تستحقه يؤلمها ، نهضت بسرعة واتجهت الى غرفتها ، نظر ادهم الى عمر وقال فى حزن لوضعها ” مش حاسس انها كويسة ابدا ” واضاف فى غيظ ومن بين اسنانه ” عارف انا نفسى فى ايه دلوقتى ..نفسى اروح لخالك ده مسيبوش غير لما روحه تطلع فى ايدى ”
نهض عمر قائلا ” خلاص يا ادهم ..متكبرش الدنيا ..اهو عدى وخلاص ”
اشار ادهم الى غرفة ندى قائلا ” انت مش شايف حالتها عاملة ازاى ”
رد عمر فى اهتمام ” ده لان ندى طول عمرها حساسة زيادة عن اللزوم وبقت حساسة اكتر بعد موت بابا ..انت عارف كان مدلعها وبيحبها قد ايه ..تدخل خالى طول الوقت فى حياتها واللى حصل امبارح ..خلى نفسها تصعب عليها لان دى اول مرة حد يمد ايده عليها ..وخالى معملهاش الاوباباا مش موجود ..فهمتنى ؟؟“
تعلق ادهم وعينيه معلقة بباب غرفتها ” فهمت وطول ما انا عايش مش هخليها تحس بده تانى ”
كلماته كانت تصل اليها من خلف الباب ، وضعت يدها على أذنيها حتى لا تسمع وكانها تريد ان تصرخ وتطلب من الرحمة ، كفاه جلدا لها بكلماته هذه ، الايكفيها صدمتها حتى يزيد عليها عذاب الضمير ، انها لا تستحقه ، لا تستحقه وستبتعد عنه هذه المرة ليس لانها لاتحمل تجاهه مشاعر بل لانها لا تستحقه ، وجوده فى حياتها قد اصبح اكبر عذاب وعقاب .
..........................................................................................
وقفت ياسمين تراقب احدى الاطفال فى الحضانة بعد ان انهت عملها معها ، نظرت الى ملامحها الهادئة وابتسامة ارتسمت على ثغرها دون وعى ، ربما تمنت ان يكون لها طفلة مثلها ، تمنت بغريزة الام التى زرعها الخالق فى كل انثى حتى لو شعرت انه من المحال ان يحدث ”حلوة اوى مش كدة ” انتفضت وهى تشعر به الى جوارها فنظرت اليه فوجدته ،واصل وهو يراقب الطفلة ” اكيد دلوقتى واقفة تتمنى يكون عندك واحدة زيها ” ، قراءة افكارها بهذه الطريقة اصبحت تخيفها منه قالت وهى تنظر حولها ” انت بتعمل ايه هنا ”
ضحك عمر قائلا ” حلوة اوى بتعمل ايه هنا دى ؟؟؟..شغلى يا دكتورة زى ماهو شغلك ”
تنحنحت ياسمين فى حرج وقالت فى عصبيتها التى اعتادت استخدامها لاخفاء توترها دوما ” طيب مادام شغلك يبقا اتفضل شوف وراك ايه ..بدل ما انت واقف كدة ”
كان عمر يدقق النظر فيها محافظا على ابتسامته وقد استمتع بارتباكها فقالت فى تأفف ” انت فعلا انسان مستفز ”
وضع عمر يده فى جيب معطفه قائلا ” امم انا عارف ”
هزت ياسمين رأسها فى غيظ فواصل عمر ” على فكرة وانتى متعصبة كدة ببقى شكلك زى القمر ..فبلاش تتعصبى عشان متحلويش ”
احمر وجه ياسمين خجلا للمرة الاولى يغازلها احد دون ان تشعر بحاجتها لصفعه ولكنها دفنت كل هذا بداخلها ورفعت رأسها اليه قائلة فى غضب ” انت مش بس مستفز ..انت قليل الادب ووقح كمان ”
أغاظها حقا استمراره فى الابتسام وقال وهو يخرج من جيبه شيئا وضعه فى جيب معطفها قائلا ” طب انا هقولك على حاجة ..دى شوكولاته بتزود السيروتينين ..هرمون السعادة عارفاه ..يمكن لما تتبسطى متبقيش حلوة اوى كدة ..بعد اذنك ”
نظرت اليه فى دهشة والتقطت الشوكوالا من جيبها ونظرت اليها بابتسامة ، مشاعر متناقضة تسيطر عليها ، تشعر انها تريد ان تدفعه بعيدا وانها تريد ان تلقى نفسها بن ذراعيه ، تفتقده ان غاب وتفر منه فى وجوده ، تشعر بامان غريب يحيطها كلما اقترب منها ، شعور بالامان افتقدته فى حياتها باكملها لم تشعر به الامعه ، هو اول شخص فى هذه الدنيا تحدثت معه دون قناعها الذى ترتديه مع كل البشر ، لا تجد لكل ماتشعر به تفسير ، ولكن الخوف الذى لازمها طيلة عمرها لازال يقف بينها وبينه ، تخشى منه وتخشى عليه ، وستزيحه عن طريقها بكل الطرق فربما ما تشعر تجاهه هو الحب الذى يتحدثون عنه وهى تجربه معه للمرة الاولى ، نظرت الى الجرح الذى فى يدها والذى قام بمداوته وتساءلت هل بامكانها اخباره كيف جرحت ، هل تملك الشجاعة لاخباره بقصتها كاملة ، هل بامكانها تحمل عذابات الحب فوق ما تعانيه من عذاب والاجابة كانت واضحة لا والف لا ، لن تتحمل ستواصل حياتها كما بداتها لا تعلم اى معلم من ملامح الحياة تحمل وهى تتمنى الموت مع كل يوم يبدا فيها .
.............................................................................
مر أسبوعان وندى تحاول تجاوز الصدمة بكل مامنحت من قوة ، تحاول ان ترهق نفسها فى العمل لتتوقف عن التفكير فى كل شىء ، قرارها بالابتعاد عن ادهم لم يتغير ولكنها فى حاجة لبعض التوازن مما مرت به حتى تستطيع ان تواجهه ، انهت عملها فى ذلك اليوم ونظرت الى هاتفها الذى احضره ادهم لها عوضا عن هاتفها الذى حطمته ، وتذكرت انها لم تضع به الشريحة بعد ، وضعتها وفتحته وبمجرد ان اضاء وجدت العديد من الرسائل بمكالمات لم تصلها ، تجاهلته وهى لا تريد ان تعرف من حاول الاتصال بها فهى تعرف انه سيطاردها بكل طريقة ، ولذك لم تمانع ادهم حين طلب منها ان ياخذها من العمل ليوصلها للمنزل يوميا ، لم تكن لتدع له اى فرصة للاقتراب منها وتحامت بادهم كعادتها رغم انه يعذبها بقربه هذا الا انه وضع مؤقت حتى تستطيع المواجهة .
نسخت الاسماء من الشريحة الى الهاتف ووضعته فى حقيبتها وقبل ان تصل الى باب الشركة كان هاتفها يرن ، ابتسمت وهى تنظر الى المتصل فقد كانت مرام ، اشتاقت اليها حقا فتحت المكالمة فجاءها صوتها العاتب ”“لا لا لا انا زعلانة منك ..كدة تختفى الفترة دى كلها ولا حس ولا خبر ”
ابتسمت ندى قائلة ” كنت تعبانة شوية معلش ...طمنينى انتى عليكى ”
ـانا كويسة بقولك اه انتى فين دلوقتى ؟؟
ـ انا لسة خارجة من الشغل
ـ طب ايه رأيك تعدى عليا ؟؟
قالت ندى فى دهشة ”اعدى عليكى فين ؟؟“
ـ فى البيت انا قاعدة لوحدى ..وانتى عمرك ما جتيلى قبل كدة ..تعالى نتغدى سوا ونرغى شوية
صمتت ندى ربما كانت فى حاجة لهذا حقا وبحاجة للعودة الى حياتها بالتدريج ، جاءها صوت مرام ” قولتى ايه يا ندى ”
قالت ندى وهى تتنهد ” ماشى يا مرام ادينى العنوان وانا هجيلك ”
أعطتها مرام العنوان وهى تتجه الى الخارج حيث كان ادهم فى انتظارها امام سيارته ، ابتسم وهو يفتح لها الباب كعادته ، جلست الى جواره فسألها فى اهتمام محب واضح ” ها ايه الاخبار النهاردة ”
ردت فى ملل ” عادى زى كل يوم ”
أدار ادهم السيارة قائلا ” على فكرة انا معنديش شغل النهاردة لو تحبى نخرج فى حتة قبل ما تروحى
قالت وهى تنظر الى هاتفها ” لا ما هوانا مش هروح دلوقتى ..فيه واحدة صاحبتى كلمتنى وانا هروح اشوفها ”
عقد حاجبيه فى اهتمام قائلا ” صاحبتك مين دى ؟؟“
ـ دى واحدة متعرفهاش ..انا ممكن اخد تاكسى على فكرة المشوار بعيد عليك
رفع حاجبيه فى تذمر ” انتى اتجننتى ..تاكسى ايه اللى تاخديه ..هوصلك طبعا وبعدين انا سبق وجبتلك عربية فى عيد ميلادك وانتى اللى رفضتى تاخديها ”
حنان ادهم المبالغ فيه يصبها بالاختناق فقالت ” انا مش عاوزة حاجة يا ادهم ..ولو سمحت اطلع لوهتوصلنى ..عشان متاخرش عليها ”
بدأ ادهم القيادة قائلا ” خلاص يا ستى ..طلعنا اهو ..قوليلى بقا ساكنة فين صاحبتك الىى معرفهاش ”
اعطته ندى العنوان وبعد نصف ساعة كانت عند مرام التى قابلتها بحفاوة ” واخيرا نورتينى ونورتى بيتى المتواضع ”
فتحت ندى ذراعيها وهى تنظر الى الاثاث الفخم قائلة ” ده متواضع ...احب اهنيكى على ذوقك الهايل ”
ضحكت مرام قائلة ” من جهة الذوق فده ذوق سليم مش ذوقى خالص ” وجذبتها من يدها وهى تقول ” تعالى جوة فى الصالون ” ، جلست ندى الى جوار مرام يتبادلان الحديث الذى كانت ندى تشرد عند منتصفه فقالت مرام فى اهتمام ” مالك يا ندى ..سرحانة فى ايه ” ، تظاهرت ندى بشرب العصير وقالت ” لا ابدا معاكى اهو ”
وضعت مرام يدها على كتفها قائلة ” انتى مش سرحانة بس انتى شكلك مطفية ودبلانة كدة ..انتى تعبانة ”
حاولت ندى ان تخفى توترها خلف ابتسامتها قائلة ” لا خالص ..هوا جوزك فين صحيح ..طفشتيه من البيت ولا ايه ”
تراجعت مرام على كرسيها وهى تقول ” امم شكلك بتهربى من سؤالى ..ماشى مسيرك هتقرى لوحدك ”
شعرت ندى بضيق مفاجىء وبحاجتها للعودة الى المنزل لتنال قسطا من الراحة ، حاولت مرام ان تبقيها اكثر ولكنها اصرت ، وبينما تحمل هاتفها لتضعه فى الحقيبة ، سمعت مرام صوت باب الفيلا يغلق ، فابتسمت قائلة ” ده اكيد سليم ..كويس اوى هعرفكو على بعض ”
لم تكن ندى غى حالة تسمح لها بالتعارف او غيره ولكنها ستفعل من اجل مرام ، انتظرته حتى وصل الى غرفة الصالون ، كانت تنظر الى هاتفها تطالع الوقت حين نادتها مرام ” ندى ..اقدملك سليم جوزى ” ، رفعت ندى وجهها بابتسامة تعارف روتينية الا انها كادت ان تصعق مما رأت ، وبالكاد استندت على الكرسى المجاور لها حتى لا تسقط ولا تعلم مالذى يحدث حولها ، هى ليست بالطبع داخل رواية بوليسية سخيفة ، الصدمات تتوالى وتتوالى والذى يقف امامها الآن لم يكن سوى أحمد