اخر الروايات

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الحادي عشر 11 بقلم نرمين نحمد الله

رواية جارية في ثياب ملكية الفصل الحادي عشر 11 بقلم نرمين نحمد الله


##########


+



الفصل الحادي عشر:


+



خرجت فريدة من شقتها لتتوجه نحو شقة راجية لتتدبر معها أمر الحفل الصغير الذي سيقام الليلة...

ليلة الحناء...

تركت الباب خلفها مفتوحاً وهي تهتف بصوت عالٍ:

_الحقي بي يا جوري...لا تتأخري....


+



دمعت عينا جويرية وهي تعتصر رسالتها التي ستتركها لفريدة في يدها...

ستدسها لها الآن تحت وسادتها حتي تقرأها بعدما ترحل....

 لعل هذا يخفف من قلقها عليها...

ولو أنها تعلم كم ستكون صدمتها وقتها....

لكن...ليس بيدها...!!!!


+



زياد ينتظرها الآن علي أول الشارع المجاور حيث سيتوجهان لأقرب مأذون...

لتصير زوجته...

لتتحرر الجارية أخيراً من رقّها وتذوق طعم اختيارها أيا ما كان...


+



زياد بالطبع لم يستطع إقناع والديه بفكرة زواجه منها رغماً عن أهلها...

لكنهما رضخا في النهاية بعدما أخبرهما أنه سيتزوجها ويسافر بها علي أي حال....

ولأنهما يعرفان عناده الشديد...

اضطرا للقبول بالأمر علي مضض!!!

وهكذا مهدت الظروف الطريق لجوري لتخرج عن سيطرة قاسم النجدي في سابقة ثانية لهذه العائلة....


+



وعلي باب شقتها كان عمار يهم بالدخول ليطلب شيئاً من فريدة...

لكنه توقف مكانه وهو يراها تبكي في غرفتها...

اختبأ خلف باب الشقة يراقب دموعها بحسرة...

هو يعلم أنها لا تريده...

لكنه لا يريد سواها!!!!


+



كل ما يطلبه هو فرصة...!!!

فرصة واحدة تراه فيها علي حقيقته بعيداً عن غلظة طباعه وخشونتها....

فرصة واحدة تعيش فيها معه ...

تتذوق حبه دون قيود لتعرف قيمتها عنده....

ويقسم بالله...

أنها لو لم تُرِده بعدها فسيطلق سراحها دون تردد...!!!!

لكنه سيكون قد أرضي واجبه نحو،قلبه الذي يعشقها بجنون...

لكن ما حيلته إذا كانت طباعه النارية تخونه!!!!


+



عقد حاجبيه بارتياب وهو يراها تتسحب خلسة من غرفتها ....

لتتوجه نحو غرفة فريدة لتضع ورقة ما تحت وسادتها!!!!

عاد بظهره بسرعة مختبئاً خلف الباب وهو يراها تتجه نحو باب الشقة تتأهب للخروج...

صعد درجات السلم دون صوت تقريباً ليختبئ مراقباً إياها وهي تخرج من شقة فريدة...

ناظرة إليها بيأس ودموعها الغالية تغرق وجنتيها...

ثم نظرت لشقته المقابلة في حذر يمتزج بالخوف....

أخذت نفساً عميقاً تبتلع به توترها....

ثم توجهت للأسفل...

تاركة باب الشقة مفتوحاً حتي تتوهم فريدة أنها لازالت بالداخل وستلحق بها قريباً....


+



انتظر حتي هبطت بضع درجات...

ثم اندفع بخفة لشقة فريدة ليقرأ ما كتبته في رسالتها:


+



أمي الحبيبة...

سامحيني...

لم أتقبل فكرة الزواج من عمار....سأرحل مع رجل يحبني ويحبه...سنتزوج ونسافر بعيداً...لا تقلقي علي...سأكون سعيدة....

سامحيني أرجوكِ...


+



جرت عيناه علي السطور بسرعة ثم قبض علي الورقة بكفه يكاد يسحقها ليعدو علي السلم بأقصي سرعته  لاحقاً بها وهي توشك علي الخروج بعدما فتحت الباب....

صرخ بحدة:

_جوري!


+





                

شهقت في رعب وهي تراه يتقدم نحوها بملامح أقل ما توصف به أنها مخيفة....

حتي اقترب منها كثيراً ليغلق الباب بعنف وهو ينظر إليها نظرات حارقة.....

كادت أنفاسها تختنق في صدرها...

لكنها تمالكت نفسها لتسأله بصوت خانها ليخرج مهزوزاً:

_ماذا تريد يا عمار؟!


+



نظر إليها نظرة طويلة كادت تميتها ذعراً...

ثم بسط كفه لتظهر رسالتها المطوية في كفه...

اتسعت عيناها في رعب وهي تتصور أسوأ ردود فعله....

لم تستطع التفوه بكلمة...

ظلت تنظر لعينيه في خوف وصدرها يعلو ويهبط في انفعال....

لحظات مرت كأنها سنوات....


+



ليجذبها بعدها من ذراعها بعنف ويصعد السلم جارّاً إياها خلفه...

حتي صعدا لشقة فريدة الخالية الآن...

أغلق بابها خلفه بعنف...

وهو يجذبها نحو المطبخ ليحضر سكيناً كبيراً...!!!!!


+



شهقت في رعب وهي تراه يلصق ظهرها بالحائظ...

ويضع السكين علي رقبتها....!!!!!


+



أغمضت عينيها بقوة تنتظر مصيرها المحتوم....


+



وأمامها كان هو واقفاً يكاد يحترق...

ناااااار...!!!!

نار،بصدره تحرق في طريقها كل شئ....

مصدوم تكاد صدمته تطير عقله...

رغم كل ما كانت تبديه نحوه من نفور...

رغم كلماتها الصارخة دوماً بكرهها له...

رغم تجرئها علي رفضه أمام قاسم النجدي...

رغم كل شئ لم يتصور يوماً أن تصل بها الأمور لهذا!!!!!


+



جوري...!!!

جوري كادت تهرب مع رجل غيره...

ليلة زفافهما!!!!!!!

كل كلام الدنيا لن يستطيع وصف تمزقه وغضبه...!!!

لقد بدأت صدمته في التراجع...

ليحل محلها الإدراك...

ثم الفوران!!!!!

براكين صدره تحرق روحه بحمم من لهيب.....

هذه الفاسقة تستحق القتل!!!!!


+



فتحت عينيها عندما طال صمته ليهولها الغضب العاصف في عينيه...

سالت الدموع من عينيها قهراً وهي تشعر بالظلم البين...

هذا الذي يمسك السكين ليقتلها ليس له حق عليها...

هو يعرف أنها لا تريده زوجاً...

هي لم تخدعه...

كلهم يعرفون أنها لا تطيقه...

ومع هذا يرقبون مراسم تزويجها له في هدوء ....

بل بفرح!!!!!!

وكأنهم لا يبالون !!!!


+



يريدونها أن تفرح؟!

أن تستسلم لقدر الجواري؟!

وعندما تجرأت لتطالب بحقها في الاختيار يأتي هذا ليذبحها بسكينه!!!

حسناً...فليفعل...

لم تعد تبالي بحياتها....

فهي حياة ليست كالحياة!!!!


+



همست وسط دموعها في قهر:

_اقتلني يا عمار...هذا أفضل لكلينا...


+



ظل ينظر لعينيها ببركان غضبه الثائر واضعاً سكينه علي رقبتها حتي رن هاتفها الذي كانت تمسكه في يدها...

ارتبكت وهي تفكر...

لاريب أنه زياد يستعجلها...

ألقي السكين من يده وهو يتناول الهاتف من يدها لعله يجد اسماً للمتصل فيعرف هويته...

من هذا الوغد الذي تجرأ علي زوجته؟!!!

أين وكيف ومتي عرفها وعرفته؟!!!!

نظر للشاشة في سخط....

لقد كان رقماً غريبا..

جويرية كانت أكثر حرصا من أن تسجل رقم زياد باسمه....!!


+




        


          


                

فتح الاتصال ليصله صوت رجل غريب يهتف بلهفة:

_لماذا تأخرتِ يا جوري؟! 

أغمض عينيه بقوة وهو يكز علي أسنانه...

هذا السافل يدللها أيضاً...

لكن لم العجب؟!!!

لقد كانت علي وشك الهروب معه لتتزوجه....

ومن يدري ماذا حدث بينهما أيضاً؟!!!

انقبض قلبه عند هذا الخاطر الرهيب الذي راوده...

فقذف الهاتف بعنف ليرتطم بالحائط فيسقط متهشماً...


+



ثم التفت إليها يريد التكلم...

لكنه لم يستطع...

لم يتمكن حتي من النطق بكلمة!!!!

رغم كل الغضب المشتعل علي وجهه...

قلبه يكاد يتوقف ألماً....

وأخيراً بعد لحظات صمت طويلة.....

قبض كفه بقوة وهو يرفعه أمام وجهها ثم قال ببرود تعرفه هي جيداً عندما يداري به شدة غضبه:

_تجرئي واخرجي من باب غرفتك قبل الزفاف...وسأريكِ عذاباً لم تتصوريه حتي في كوابيسك...


+



قالها ثم جذبها من ذراعها ليدخلها غرفتها بعنف..

ثم أغلق بابها خلفه...

ليغادر شقة فريدة...

ثم يجلس علي درجات السلم أمام شقتها  كعادته...


+



أطرق برأسه يخفي الدمع الذي يجاهد للفرار من عينيه...

أخيراً تراجع طوفان الغضب مخلفاً وراءه جديباً مقفراً من الحزن والألم....

أي جرحٍ هذا الذي تركته له تلك الفاسقة؟!!!

لماذا لم يذبحها بالسكين قصاصاً وهي التي ذبحته بفعلتها ذبحا؟!!!!

مع من كانت ستهرب تلك الحقيرة...؟!!!

وإلي أي حد وصلت علاقتها مع ذاك الوغد الذي كانت ستهرب معه؟!!!

أخذ نفساً عميقاً لعله يتمالك مشاعره الهائجة وهو يتوعدها في سره هامساً:

_موعدنا غداً يا فاسقة...أليس الغد بقريب؟!!

==========================================================================

وقفت جويرية أمام مرآتها تتأمل شكلها في ثوب الزفاف...

انطلقت الزغاريد حولها بصوت رنان لكنها لم تكن تسمع شيئاً...

لقد ارتدت الثوب الذي ظنت أنها لن ترتديه أبداً...!!!!

وبعد قليل سيعقد القران لتزف عروساً إلي عمار...

أبغض أهل الأرض إليها!!!


+



لقد قضت أسوأ لياليها البارحة...

رغم أنها تعرف عمار طوال عمرها لكنها لا تستطيع التنبؤ بردة فعله...

ماذا عساه ينتوي لها...؟!!!

إنها تعرف أنه لن يمرر لها فعلتها أبداً...

ليته قتلها وارتاحت من هذا العذاب!!!


+



تذكرت زياد فامتلأت عيناها بالدموع....

هل استنتج ما حدث...

أم أنه يظنها خانت اتفاقهما وستتزوج عمار راضية؟!

لقد فكرت أن تهاتفه باستخدام هاتف ساري أو فريدة...

لكنها لم تجد ما تقوله له...

كما أن وعيد عمار لها كان يخنقها خنقاً.!!!

إنها تخاف عمار بحق!!!!

نظرة واحدة للغضب في عينيه كفيلة بجعلها ترتجف رعباً....

فكيف ستمر الليلة يا تري؟!!!


+



الليلة فقط؟!!!

بل كل الليالي القادمة!!!!

ستعيش معه كابوساً مستمراً....

هي واثقة من هذا!!!!


+



عاد زياد بصورته الوسيمة الباسمة يحتل ذهنها...

فابتسمت وبكت في نفس اللحظة!!

هل سيسافر ويتركها؟!

لاريب أنه سيفعل...

سيتخلي عنها مثل الجميع...

جويرية النجدي ستبقي وحيدة كالقمر في ليلة بلا نجوم....!!!


+




        

          


                

رأت فريدة دموعها فقالت بطيبة :

_ستفرحين معه يابنتي...عمار يحبك وسيسعدك...فقط امنحيه الفرصة...


+



ابتسمت في سخرية..

ثم تنهدت في حرارة ...


+



فاقتربت منها ساري لتحتضنها هامسة بحنان:

_ستحتوينه بقلبك الطيب يا جوري...مهما كانت فظاظته سيلين بين يديكِ قلبه الصلب ...أنا أثق في ذلك...


+



أخفت وجهها في كتف ساري وهي تود لو لا ترفعه أبدا...

هي لا تعرف ما الذي يخططه لها ذاك البغيض...

لكن قلبها يخبرها أن أمانها كله سيتلاشي بمجرد ما تغادر شقة فريدة....!!!


+



عادت الزغاريد للانطلاق...

فالتفتت جويرية بترقب لتري عمار يقترب منها ببرود...

وجهه كأنما قُدّ من صخر...

تأبطت ذراعه مرغمة فسار بها حتي هبطا الدرج...

ليفتح لها باب السيارة التي تنتظرهما ليتوجها للقاعة التي سيقام فيها الزفاف...

ظل صامتاً طوال الطريق ...

لم يكلف نفسه مشقة النظر إليها حتي...

وهو الذي تمني هذه اللحظة طوال عمره...

أن تجلس جواره بثوب الزفاف لتشهد الدنيا كلها أنها صارت ملكه...

ملكه وحده!!!


+



كانت تختلس النظرات إليه في رعب حقيقي...

برود عمار هذا تعرفه جيداً...

يخفي وراءه غضباً هادراً لو أطلقه لأحرق الأخضر واليابس....

انقبض قلبها وهي تفكر...

كيف ستنتهي هذه الليلة...

حدسها ينبئها أنها ستنتهي بكارثة!!!


+



أطرقت برأسها وهي تشعر برأسها يكاد ينفجر من هذا الضغط...

تري كيف سيكون عقاب الجواري في عُرفك يا عمار؟!!

==========================================================================

أغلقت ساري باب شقة فريدة خلفها وهي تهرول للحاق بهم إلي القاعة...

لقد سبقوها إلي هناك بينما تأخرت هي في ارتداء ملابسها...

لم تعتد أن ترتدي هذه الثياب الأنثوية...

كلما نظرت لنفسها في المرآة تعجبت وكأنها تري واحدة أخري!!!

هي اعتادت مظهر "المسترجلة" وألفته فلماذا تغيره؟!!!

لماذا لا يسمحون بارتداء القمصان وال"جينز" في المناسبات؟!!


+



هكذا فكرت وهي تمط شفتيها في استياء ...

همت بنزول الدرج لتفاجأ به أمامها...

أطرقت برأسها وهي تراه يقطع عليها طريقها لهبوط الدرج...

تأمل مظهرها الجديد علي عينيه بافتتان ...


+



ثوبها رغم بساطته كان شديد الأنوثة...

يختلف تماماً عن مظهرها الذي اعتاده...

بدت فيه كأميرة من الأحلام...

لكن للأسف!!!

أميرة تعانده وترفض أن تكون له....!!


+



جذبها من ذراعها فجأة ليدخلها شقة راجية التي كانت خالية الآن بطبيعة الحال...

الجميع الآن في القاعة والبيت خالٍ إلا منهما!!!

سحبت ذراعها منه بقوة وهي تدفعه لتخرج لكنه أغلق الباب ليسده بجسده هاتفاً:

_لن تخرجي من هنا الآن يا ساري...


+



هتفت بحدة:

_ألن تكف عن أفعالك الطائشة هذه ؟! ماذا تريد مني يا ابن النجدي؟!

اقترب منها ببطء وهو يقول بلهجة أخافتها:

_لا تعرفين ماذا أريد منكِ يا ساري؟!

ابتعدت بظهرها حتي التصقت بأحد كراسي المائدة لتهتف بتوتر:

_لا تعاملني كفتياتك العابثات ....لا أحب هذا الأسلوب...


+




        

          


                

اقترب منها حتي لم يعد يفصل بينهما سوي أنفاسهما ليهمس بصوت بدا لها كالفحيح:

_ماذا تحبين إذن؟!

دفعته بكفها بقوة لكنها كانت كمن يدفع جبلا....


+



فهمست بيأس:

_لماذا تفعل هذا؟! 

نظر لعينيها بعمق وهو يهمس بحزم:

_لتكوني لي يا ساري...حتي لو رغماً عنكِ....


+



اتسعت عيناها بارتياع وهي تفهم أخيراً قصده وما ينتويه...

فدفعته بكل قوتها فجأة ثم دارت حول المائدة وهي تهتف بفزع:

_هل جننت؟! ماهذا الذي تفكر فيه؟!


+



دار قبالتها حول المائدة محاولاً إمساكها ليقول بغضب:

_أسترد حقي الذي ستمنحينه لابن الهاشمي!


+



شعرت بالذعر وهي تري بعينها سواد أفكاره!!!!

لكنها لن تجادله الآن...

ستهادنه حتي تجد فرصتها للهرب....

همست بحذر وهي تحاول الاقتراب من باب الشقة ببطء:

_لم أقل كلمتي بعد يا حذيفة...

هتف بقسوة:

_أنا سأعرف كيف أضمن كلمتك هذه!


+



اندفعت تعدو نحو باب الشقة لكنه أمسكها في اللحظة الأخيرة قبل أن تتمكن من فتحه ليلصق ظهرها به هاتفاً في جنون:

_لن تكوني إلا لي أنا....


+



أخذ صدرها يعلو ويهبط في انفعال وهي تشعر بالرعب...

لا نجدة لها هنا...

وحذيفة لن يردعه وازع ولا ضمير...

هل هي النهاية؟!!!


+



سالت دموعها علي وجنتيها وهي تهمس بتوسل:

_اتق الله يا حذيفة...ما تفكر فيه لا يرضي أحداً...

هزها بقوة وهو يهتف بحدة:

_أنتِ زوجتي...سأتزوجك...لكنني سأضمن أولاً ألا تفكري مجرد تفكير في اختيار رجل غيري...

انتفض جسدها بعنف وهي تهمس وسط دموعها:

_أنا ابنة عمك يا حذيفة...كيف تفكر في أن تسلبني شرفي ؟!!

ضغط علي شفتيه بقوة وهو يكاد يعتصر ذراعيها غضباً...

ثم قال بحزم:

_شرفك هو شرفي...وأنا لن أتركك...لكنها وسيلتي الوحيدة لأتأكد من نتيجة اختيارك...


+



أغمضت عينيها بقوة وهي تدعو الله أن يكون هذا كله مجرد كابوس...

لا تريد أن تصدق أن حذيفة يفكر في فعل هذا بها...

حذيفة الذي أحبته بكل ذرة في كيانها...

رغم كل مساوئه وزلاته...

لكنها لم تعرف لقلبها مالكاً غيره...

لكنه يصر في كل يوم أن يشوه صورته التي تملأ كيانها كله...

أن يفسد كل ذكري جميلة ادخرتها له...

ياللخسارة...

ياللخسارة!!!


+



فتحت عينيها لتشير إلي جرح قطعي قديم في ذراعه هامسة بألم:

_هل تذكر متي جُرح ذراعك هذا؟! ومن تسبب لك فيه؟!


+



نظر لجرح ذراعه القديم وهو يتذكر...

لقد كانت لا تزال في مرحلتها الإعدادية عائدة من مدرستها إلي منزلهم...

عندما حاول أحد الشباب الاعتداء عليها ...

لكن تصادف أن رآه حذيفة في الطريق...

اندفع نحوهما ليتشاجر مع ذاك الشاب فجرحه بمُدية في ذراعه وجري...

لتسبب له هذا الجرح الذي ترك أثره في ذراعه إلي الآن...


+



همست والحزن يخنق صوتها وسط دموعها المنهمرة:

_لو كنت أعلم يومها أنك ستنقذني منه لتعتدي أنت عليّ لتمنيت الموت قبل أن أري هذا بعيني...


+




        

          


                

أطرق برأسه وهو يشعر بالخزي...

لكنه لم يفلتها من بين ذراعيه...

شئ أقوي منه يصرخ بداخله أنها ملكه...

ساري النجدي ملكية خاصة له...

سيفعل أي شئ كي لا يخسرها....

لا تهمه الوسيلة لكنه فقط يريدها....

هو حذيفة النجدي الذي لم تستعصِ عليه امرأة يريدها....

وساري لن تكون استثناء!!!


+



قطعت ساري أفكاره وهي تهمس بأسي:

_اتركني يا حذيفة...وأعدك أنني سأختارك أنت....

سألها بخشونة:

_وكيف أضمن أنكِ لن تخلفي وعدكِ هذا؟!


+



نظرت إليه نظرة ذبحته!

بكل ما حملته من عتاب وألم...

ثم همست بين دموعها بصدق مس قلبه:

_لم تكن تحتاح لهذه الحركة الحقيرة...ساري التي أحبتك قبل حتي أن تعرف ما هو الحب ما كانت لتختار رجلاً غيرك...


+



ظل ينظر إليها للحظات...

وكأنه لا يستوعب اعترافها لكنه يستشعر صدقه...

نعم...لازالت ساري لغزاً لا يفهمه...

صنفاً مختلفاً عما اعتاده من النساء...

لكن إحساسها وصله كاملاً ...

واضحاً لا يحتاج تأكيد...!!!


+



 فك حصار ذراعيه حولها ببطء....

ليقول بحزم متحاشياً النظر لملامحها المكسورة:

_ستذهبين معي إلي جدي الآن في القاعة...وتخبرينه أنكِ اخترتني أنا...لنعقد قراننا اليوم مع جوري وعمار...

نكست رأسها وهي تهمس باستسلام:

_سأفعل....سأقبل الزواج منك ...


+



ابتعد عنها ليفتح الباب ...

فقالت بأسف يمتزج بألمها النازف في هذه اللحظة:

_لكنني سأبقي أكرهك طوال عمري....


+



تجمدت ملامح وجهه وهو يستوعب عبارتها التي بدت غريبة علي أذنه....

تكرهه؟!"

ساري...تكرهه هو؟!!!

أردفت هي بعدها بمنتهي الألم:

_لن أنسي لك أبداً أنك كسرتني...سأسمح لك بتملك الدمية التي استعصت عليك فرغبت فيها...سأسمح لك بالفرح بانتصارك الوهمي...حتي تزهدني وترحل عني...ساعتها أعدك أنني سأنهض من جديد ...أنثي قوية شفيت من لعنتك التي أصابتها للأبد...سأكرهك بكل قوتي كما أحببتك من كل قلبي...


+



أسند جبينه علي الباب المفتوح وهو يشعر بكلماتها تخترق قلبه كسهام خبيرة تعرف طريقها...

لم يعد يهتم بانتصاره علي بلال الهاشمي وحصوله عليها...

بقدر ما مهتم بمحو هذا الألم الذي بدا وكأنه يعتصرها اعتصاراً...

لم يعد يراها ساري ...الوزر الثقيل الذي أجبره عليه جده ثم استغفله بلال ليخطفه من وراء ظهره...

لكنه يراها الآن ساري التي تربت معه طفلة...

و شاركته سنوات من عمره نقية مثلها...

طاهرة كالمطر...

قبل أن يتلوث بعدها بخطاياه وزلاته!!!

اعترافها الآن لها بحبه ثم توعدها له بأن تكرهه طوال عمرها كان كضربة علي رأسه...

أفقدته توازن أفكاره كلها!!!


+



تخطته ساري لتخرج ثم همست بضعف فكل انفعالاتها السابقة هدت جسدها وكأنها كانت في سباق طويل:

_هيا...كي لا نتأخر أكثر...


+



نظر إليها نظرة أخيرة...

ثم خرج بدوره ليغلق الباب خلفه وهو يشعر أنه ليس الباب الوحيد الذي أُغلق هذه الليلة!!!!!

==========================================================================

وقف الحاج قاسم بين المدعوين ينظر للعروسين بقلق...

خبرته بعمار تؤكد له أنه ليس بخير...

هو يعرف بروده الصامت هذا والذي يستتر خلفه غضب عنيف...

تري ما الذي يفكر فيه هذا الفتي؟!

هل لازال غاضباً بسبب فعلة جويرية تلك الليلة عندما جاءت إليه لتخبره أنها لا تريده؟!

لاريب أنه كذلك...

خاصة أن الفتاة هي الأخري لا تبدو سعيدة....


+




        

          


                

دق بعصاه علي الأرض وهو يفكر...

هل أخطأ في حق جويرية حين سمح بهذه الزيجة؟!

لا...لم يفعل...

هو يعرف جيداً معدن عمار النجدي...

قد يكون خشناً غليظاً...

لكنه رجل يعتمد عليه...

رجل سيحفظ ابنة عمه اليتيمة التي ليس لها سواه...

ويحميها ولو بعمره كله!!!


+



قطعت أفكاره عندما لمح تقدم حذيفة وساري نحوه...

فعقد حاجبيه في تفحص...

هل اتفق هذان علي شئ؟!


+



بادره حذيفة بالسلام وهو يقبل يده قائلاً:

_مبارك زواجهما يا جدي.

أومأ له برأسه ثم التفت لساري بنظرة متسائلة خبيرة فقالت وكأنها تتخلص من حمل ثقيل:

_أنا حسمت أمري يا جدي....


+



ثم أطرقت برأسها وهي تهمس:

_اخترت حذيفة!


+



نظر لها قاسم بتفحص...

وكأنه يقرأ ما وراء اعترافها هذا...ثم قال ببطء:

_أنتِ واثقة؟!

هزت رأسها إيجاباً فقال حذيفة بتردد:

_لو تسمح لنا يا جدي أن نعقد قراننا الليلة هنا مع عمار وجوري!

نقل قاسم بصره بينهما ...

ثم سألها بلهجة ذات مغزي:

_هل تذكرين جيداً ما قلته لكِ آخر مرة عندما تحدثنا في الأمر...؟!!


+



سرحت ببصرها وهي تتذكر وصفه لحذيفة بالمعدن الصدئ...

لقد كان قاسم النجدي محقاً...

سيتعبها كثيراً حتي تجلوه ليعود براقاً...

لكن من قال أنها لا تزال تهتم...؟!!!

فليبقَ بصدئه!!!!!!


+



لقد خرج حذيفة من خانة الحبيب منذ تجرأ علي فعلته الحقيرة هذه الليلة...

ليصير كما كانت تخبره- كاذبة- من قبل...

فرضاً كريهاً أُجبرت عليه!!!


+



أفاقت من شرودها علي صوت جدها وهو يعاود سؤالها برفق غريب:

_هل تذكرين يابنتي؟!

اغتصبت ابتسامة شاحبة وهي تهمس:

_أذكر يا جدي...أذكر جيداً...ومتأكدة من اختياري...


+



دق قاسم علي الأرض بعصاه بضع مرات...

وبدا علي وجهه التفكير ...

ثم قال بحزم:

_اذن ...هيا لنعقد قرانكما مع عمار وجوري....


+



ابتلعت ساري غصتها فيما نظر إليها حذيفة نظرات عجيبة...

بدت له في هذه اللحظة كما كانت تبدو منذ سنوات...

عندما كان يغضبها وهي طفلة فلا تشكو ولا تتذمر...

بل تتحاشاه وتبتعد في صمت...

حتي يشتاقها فيعود إليها ويصالحها...

العجيب أنها كانت تسامحه ببساطة في كل مرة...

لكنها لم تكن أبداً تبدؤه بالكلام!!!


+



كانت تنتظره حتي يجئ وحده ثم تسامحه مباشرة...

وكأن قلبها الطيب لم يكن يقوي علي خصامه أكثر...

فتعود لتلعب معه وكأن شيئاً لم يكن!!!


+



تري..ألازال قلبها علي عهده من التسامح والنقاء؟!!

هل ستقوي علي الصفح عنه هذه المرة؟!!

أم أن أفعاله السوداء أحرقت كل سفنه لديها...

فنفد رصيده عندها؟!!!


+



قلبه يخبره أنها- وإن كبرت-ستبقي ساري الطفلة البريئة الطيبة التي ستعفو وتصفح دوماً...

لكن عقله يسخر منه هاتفاً بقسوة الحقيقة التي ينكرها:

_لم تعد طفلة يا حذيفة...كما لم تعد أنت طفلاً...

لقد أصبحتَ رجلاً هددها بفقد أغلي ما تملكه ليستغلها في لحظة ضعف...

فكيف ستعفو عن ذلك يا أحمق..؟!!!

صفحها الآن درب من المستحيل!!!

==========================================================================

تعالت الزغاريد في القاعة بعد عقد القران المزدوج...

فابتسمت فريدة في سعادة وهي تحمد الله سراً...

وتدعوه أن يرزق بنتيها الفرحة والبركة...

تذكرت آسيا الغالية فامتلأت عيناها بالدموع...

صغيرتها التي اختطفت من حضنها في عز شبابها لتلاقي مصيراً مجهولاً...

يقولون أنها ماتت..

لكنها لا تريد التصديق...

وكأن قلبها الذي لن يتقبل هذه الصدمة يدفع عنها هذا الإحساس بكل قوته...

أخذت نفساً عميقاً وهي تهمس في خشوع:

_اللهم احفظها والطف بها أينما كانت....


+




        

          


                

وبعيداً عنها قليلاً كان ياسين يجلس مع رقية علي مائدتهما...

كانت رقية ترقب جويرية بشرود...

هذه الأجواء تذكرها بليلة زفافها الكارثية...

أغمضت عينيها بألم وهي تتذكر منظر ياسين محتضناً آسيا بعاطفة...

لا تظنها ستنسي ألم هذه الليلة أبداً...

قد ينسي الناس هذا الأمر ...

بل إنهم بالفعل نسوه وتواري مع الزمن...

لكنها هي لن تنسي حرقة قلبها يومها...


+



تأمل ياسين ملامحها المتألمة وهو يدرك بحدسه ما يدور برأسها...

أمسك كفها يقبله بما يشبه الاعتذار وهو يهمس جوار أذنها:

_لا تفكري بالماضي يا رقية...


+



التفتت إليه لتلتقي عيناهما للحظات....

فابتسم لها بمؤازرة ثم قال بتردد:

_لقد بدأ عزف موسيقا هادئة...كل زوجين يستعدان الآن للرقص...هل تريدين ذلك؟!

هزت رأسها نفياً وهي تهمس بخجل:

_لا أحب أن يراني الناس أرقص هكذا.

اتسعت ابتسامته وهو يهمس برضا:

_أنا أيضاً لم أحب ذلك...لكنني ظننتكِ ترغبين به...خشيتُ أن  أُضيّق عليكِ!

هزت رأسها نفياً وهي تهمس دون أن تنظر إليه:

_أنا أعرف عن طبعك المتحفظ يا ياسين...صحيح أن أبي كان يتهاون معي كثيراً فيما يتعلق بأسلوب حياتي...لكنني لم أخن ثقته يوماً...كما لن أفعل معك...سأحترم ما يثير حفيظتك ...لا تقلق...


+



نظر إليها في إعجاب حقيقي وهو يهمس:

_لن تكفي عن إبهاري يا غاليتي!

أشاحت بوجهها في خجل فاقترب بوجهه من أذنها وهو يهمس:

_لكن لي طلباً...


+



نظرت إليه بتساؤل فقال بحنانه الذي يأسرها:

_عندما نعود لشقتنا...سنعوضها برقصة أخري...

احمرت وجنتاها وهي تطرق برأسها فهمس بابتسامة ساحرة وكأنه يستأذنها:

_رقية...!

أومأت برأسها إيجاباً دون أن تنظر إليه فقبل كفها هامساً:

_أنتِ أجمل امرأة في حفل اليوم.

نظرت إليه بعتاب وهي تهمس:

_هذا يعني أنك نظرت إليهن كلهن؟!

انطلق ضاحكاً في مرح فابتسمت برقة...

قبل أن يقول بصدق وهو ينظر في عينيها:

_لا أحتاج للنظر إليهن يا رقية...يكفيني أن أنظر إليكِ أنتِ لأدرك الفارق الكبير!!!


+



ضحكت برقة وهي تتلفت حولها ثم قالت بمرح:

_أنت تجيد المغازلة يا صديقي...علي عكس ما تبدو...

ضحك بمرح هو الآخر وعيناه تلمعان بسعادة أحس بها قلبها فهمست في شرود:

_ضحكتك هذه تذكرني بأبي...

ابتسم في حنان وهو يربت علي كفها قائلاً:

_أنا أعرف أنكِ تفتقدينه لكنه مرتبط بأعمال كثيرة هذه الأيام ...لولا هذا لكان حاضراً معنا الليلة...

أومأت برأسها إيجاباً وهي تعود لشرودها....


+



فيما كان يتأملها ياسين بدهشة تمتزج بالإعجاب...

هذه المرأة ساحرة!!

لا يدري متي ولا كيف تعلق بها هكذا...

كل يوم له معها يجذبه نحوها أكثر وأكثر...

عقله يخبره أن الأمر لا يعدو نوعاً من الهروب من جرحه القديم...

آسيا وحبها اليائس الذي قتلهما معاً...

وهو يجد سلواه في عالمه مع رقية...

لكنه لا يريد تصوير الأمر هكذا...

كفاه ظلماً لهذا الملاك الذي أعطي بكل سخاء دون أن يطلب أي شئ...

لن يستجيب لفكرة كونها مجرد مسكن لألم جرحه القديم...

بل سيسعي إليها بكل قوته...

رقية الهاشمي تستحق أن يحارب نفسه من أجلها...

تستحقها بجدارة...!!!

==========================================================================

صعد ياسين بها إلي شقتهما بعد أن انتهي حفل الزفاف بسلام...

أغلق الباب خلفه برفق وهو يقول برضا:

_الحمد لله أن تم هذا الزواج علي خير....


1




        

          


                

هزت رأسها في تساؤل فقال موضحاً:

_عمار أخي يعشق جوري بجنون...لكنها لا تفهم طبعه الصعب...

ابتسمت في شرود وهي تقول:

_محظوظة من تجد زوجاً يحبها بجنون...أنا أثق أنها ستتفهمه مع الوقت...


1



أحس بمرارتها في كلماتها...

فشعر بوخز في قلبه...


+



اقترب منها وهو يهمس في حنان:

_قبل أن تبدلي ثوبك الرائع هذا...أريد الرقص معك كما اتفقنا....


+



أطرقت برأسها في خجل...

فتوجه لمشغل الأغاني هناك علي المائدة ليختار لحناً شهيراً هادئاً...


+



ثم توجه إليها ليمسك خصرها بكفيه هامساً:

_هكذا أفضل...أنا وأنتِ فقط...


+



تعلقت بذراعيها في عنقه وهما يتمايلان ببطء علي هذه الأنغام...

لتشرد ببصرها بعيداً...

كم يشبه ياسين الآن تلك الصورة التي رسمها خيالها منذ زمن لفارس أحلامها الرائع...

حنانه وتفهمه ...

عقله الذي يزن الأمور بمثاقيلها...

روحه التي تنافس المطر في نقائه...

نفس الصورة التي طالما حلمت بها...

باستثناء شئ بسيط...

أنه ...لا يحبها...!!!


+



هو فارس لكنه ليس لها...

قلبه معلق بماضٍ ثبت جذوره في قلبه منذ زمن ولن يزول...


+



ضمها إليه أكثر وهو يهمس:

_فيمَ شردتِ يا غاليتي؟!


+



التفتت إليه لتهمس برقة:

_لا عليك...


+



نظر لعينيها طويلاً...

ليري فيهما مشاعر لا تقبل الجدل!!!

حب كهذا الذي يراه في عينيها لا يمكنها إخفاؤه...

حب يخترق صدره بسهام من نور ...

حب نقي سخي ...مثلها تماماً....


+



ظل ينظر لعينيها وكأنه ينهل من بئر عاطفتهما دون ارتواء...

ثم همس بترقب:

_لو أخبرتكِ بما تفكرين الآن فهل أكون ربحت رهاني؟!

ابتسمت برقة وهي تهمس:

_يمكنك المحاولة يا صديقي...


+



اقترب بوجهه من وجهها أكثر لتلتقي عيناهما من جديد...

بحوار أكثر صخباً وحرارة...

ثم همس بتقرير:

_أنتِ تحبينني يا رقية...


+



توقفت مكانها مصدومة...

في نفس التوقيت الذي انتهت فيه الأغنية...

ليتوقف هو الآخر...

بل ليتوقف كل شئ حولهما.....

تسمرت مكانها...

وهي تتطلع إليه في دهشة تمتزج بالألم...

لم تكن تريده أن يدرك هذا الآن...

رغم أنها تمنت لو تهمس له بها منذ زمن بعيد....

تحتاج لأن تقولها له بشدة...

وكأن حبها الذي ملأ قلبها حتي فاض لم يعد قابلاً للإخفاء أكثر...

يريد التحرر من سجنه الضيق لينطلق حراً علي فضاء صدره!!!


+



لكن كيف عرف؟!

هل تفضحها عيناها إلي هذه الدرجة؟!!

أطرقت برأسها في يأس وهي تفكر...

لو لم تفضحها عيناها لفضحها قلبها...

قلبها الذي يفقد السيطرة علي جموح دقاته في وجوده...

فتنطلق هادرة بعنف...


+



صارخة بحبه الذي لم تعد تقوي علي كتمانه!!!


+



رفع ذقنها إليه مشفقاً علي حيرتها وهو يهمس:

_عندما تحب رقية الهاشمي فإنه حتماً لن يكون كأي حب...لا تتعجبي أنني شعرت به فحبك مثلك ....أقوي من أن يُقاوَم!!


+




        

          


                

ابتعدت بعينيها عن عينيه وكبرياؤها يستحلفها أن تنكر...

أن تنفي...

أن تسخر منه!!!

أن تخبره أنها لن تحب رجلاً قبل أن يذوب عشقاً لها!!!

أن تكذب وتقول أنها باقية معه فقط لأنه يحتاجها وسترحل عنه متي يسترد قوته!!!


+



لكنها لم تستطع...

رقية الهاشمي ...خذلتها قوتها في هذا الموقف...

قلبها الذي كان يدرك جيداً عظمة العشق الذي يحمله لم يسمح لها أن تنكره...

كل ما استطاعت فعله هو الصمت...

الصمت سيظل ساتراً لكل ما عجزت عن البوح به...

سيظل يحميها من غدر قلبها لو تاق للاعتراف بما يملؤه...


+



طال صمتها فناداها هامساً:

_رقية...

نظرت إليه بوجل يمتزج بترددها فمنحها درعاً من نظراته الحانية التي تطوقها في احتواء...

ثم ضمها إليه ليهمس في أذنها:

_هل ستنتظرني غاليتي حتي أعترف لها اعترافاً يليق بها؟! اعتراف لا تشوبه رواسب ماضٍ لازال يقيدني بذنب قديم؟!


1



لم يصله ردها فأبعدها عنه قليلاً ليلمح دمعاً غالياً في عينيها....

قبل عينيها بحنان ....

ثم همس في رجاء:

_اصبري معي قليلاً يا رقية...حتي أمنحكِ الحب الذي تستحقينه...حب لا يليق إلا بقلبك الملكيّ...لن أرضي لكِ بأقل من هذا.


1



فتحت عينيها وهي تبتسم ...

رغم أنه لم يصرح لها أنه يحبها...

لكنها تجد وعده أكثر من رائع...

وعد يرفعها ملكة علي جبال الحب لكنها تنتظر مراسم تنصيبها الفاخرة...

وعد حنون متملك كصاحبه يعرف طريقه لمنافذ قلبها...

وعد ستنتظره بشوق ..

لأنه يستحق أن تنتظر...

==========================================================================

استلقت ساري علي سريرها تحدق في السقف بشرود...

منذ عادت من حفل الزفاف وهي عاجزة عن تصديق ما حدث...

لقد تحاشت النظر إليه بعد عقد القران واستغلت انشغال الجميع بتهنئتها لتهرب،منه...

للأسف...

حذيفة الذي كان حب عمرها لم يعد الآن سوي خطيئة!!

خطيئة قلبها الذي أحب الرجل الخطأ!!!


+



أغمضت عينيها في ألم وعقلها يسترجع مشاهد الليلة كلها...

كيف احتجزها في شقته كوغد بلا ضمير...

وما كان ينوي عليه لولا أن الله سلم!!!


+



تقلبت علي أحد جانبيها لتري صفحة السماء صافية بلا نجوم تبدو من زجاج شرفتها ...

ليت قلبها يعود لصفائه كهذي السماء...

بلا حذيفة...

وعشق  حذيفة...

وظلم حذيفة!!!


+



حذيفة؟!!!!

انتفضت من سريرها بعنف وهي تراه واقفاً في شرفتها يطرق علي الزجاج من الخارج...

اتسعت عيناها بذعر وهي تتبين أنه هو حقيقة وليس خيالاً...

كيف جاء إلي هنا؟!

ولماذا؟!


+



عاد يطرق علي الزجاج بعنف...

فقامت لتفتح له باب الشرفة الزجاجي ...

ثم تنهدت وهي تغمض عينيها هامسة:

_ماذا تريد الآن؟!وكيف وصلت إلي هنا؟!

ابتسم بمرح وهو يقول ببساطة:

_شرفتي تكاد تلاصق شرفتك...لم يكن هذا صعباً...


+



أطرقت برأسها وهي تفكر...

كل حياتك قائمة علي الاحتيال يا حذيفة...

كل حياتك!!!!


+



دفعها برفق ليدخل حجرتها متفحصاً إياها بنظراته....

كل ما فيها ورديّ...

يبدو أنه لونها المفضل!!!


+




        

          


                

التفت إليها ليهمس بإعجاب:

_كنت أريد رؤية غرفتك...يبدو أنكِ تحبين اللون الوردي...


+



لم ترد عليه وهي لا تزال علي إطراقها...

فوضع يده في جيب قميصه ليستخرج منه خاتماً من الألماس...

ثم التقط كفها ليلبسها إياه...


+



قبل باطن كفها برقة وهو يقول:

_أردت أن أراه في يدك قبل أن أنام...لم يكن ليغمض لي جفن قبل أن أصالحك...

نزعت كفها من كفه وهي تهمس في برود لم يخلُ من مسحة حزن:

_أهكذا تصالح فتياتك دوماً يا ابن النجدي؟!

أحاط وجهها بكفيه وهو يهمس أمام عينيها مباشرة:

_أولاً لا تناديني بابن النجدي أبداً بعد اليوم...أنا حذيفة...حذيفة الذي أحببتِه قبل أن تعرفي ماهو الحب أليس هذا كلامك؟!

ظلت علي برودها قامعة تمرد قلبها الذي ينتفض الآن بين ضلوعها وهي تهمس بلهجة ثلجية:

_وثانياً؟!

اقترب بوجهه من وجهها ليهمس بصوته المغوي الذي طالما جرب تأثيره علي النساء:

_وثانياً...لا تساوي نفسكِ بأي امرأة...أنتِ مختلفة...مميزة....


+



قالها وهو يتناول شفتيها بشفتيه مستغلاً خبرته المشئومة في هذا الشأن...

لكنها لم تتأثر...

ظلت واقفة مكانها في ثبات...

حتي رفع رأسه إليها في تساؤل يمتزج بالضيق فهمست ببرود :

_هل انتهيت؟!


+



عقد حاجبيه بضيق وهو يستشعر برودها الخانق....

ربما لو كان قبل تمثالاً من الحجر لأبدي استجابة أكبر.....!!!

زفر بقوة وهو يهمس بدوره:

_أنتِ الآن زوجتي يا ساري...لقد عقدنا قراننا بالفعل وحدد جدي زفافنا بعد شهر واحد فلماذا تمنعين نفسك عني؟!


+



أغمضت عينيها وهي تهمس في مرارة:

_قبل هذه الليلة كنت علي استعداد لفعل أي شئ من أجلك...للتضحية بكل شئ في سبيلك...لكن الآن...لم تعد لدي طاقة حتي علي منحك مجرد ابتسامة...حتي مجرد الحديث إليك صار مهمة شاقة...لم يكن أحد بقادر علي أن ينزع حبك من قلبي إلا أنت يا حذيفة...أنت فعلتها للأسف...


+



أمسك كتفيها وهو يهمس في حدة:

_كل هذا لأنني أردت التمسك بكِ وعدم التفريط فيكِ؟!


+



التوت شفتاها بابتسامة ساخرة وهي تزيح ذراعيه من علي كتفيها  لتهمس:

_من تخدع بهذا الكلام؟!!!أنت فقط استكثرت أن يحصل بلال علي دميتك العنيدة التي لم تهاودك كباقي فتياتك...لم أكن بالنسبة إليك أكثر من تحدٍ جديد أردت الحصول عليه بالاحتيال كما تفعل في حياتك كلها


+



نظر إليها مصدوماً عاجزاً عن الرد...

هذا فعلاً ما كان يملأ عقله وقتها...

لكن الآن...

وبالتحديد بعدما اعترفت له أنها كانت تحبه طوال عمرها...

بعد هذه المرارة التي يشعر بها في همسها المتألم...

وبعد هذا الجرح الذي يبدو له جلياً علي صفحة وجهها...

يشعر أن إحساسه بها مختلف...

هو يريد حبها هذا الذي تزعم أنه لم يعد له وجود...

يريده بشدة...

يشعر أنه ترياقه من سموم حياته الماجنة...!!!


+



لكن ...كيف يستعيده؟!

ساري -كما يبدو-لن تسامحه بسهولة...

بل إنه لن يبالغ لو قال أنها لن تسامحه أبداً!!!


+




        

          


                

عاد يمسك كتفيها وهو ينظر لعينيها هامساً بصدق:

_أتمني الآن لو أضمك لصدري فأمحو عنك كل ألم تسببت لكِ به...

سالت دمعة من عينيها وهي تهمس:

_الحضن وطن يا حذيفة...لكن حضنك أنت غربة!!!


+



ضمها إليه وهو يتأوه بضعف هامساً:

_إلي هذه الدرجة يا ساري؟!

بقيت علي جمودها بين ذراعيه وهي تهمس:

_خذ ما يمكنك أخذه مني ...لكن لا تنتظر أن أعطيك أنا شيئاً بعد...


+



أبعدها عنه قليلاً وهو يستشعرها ميتة بين يديه...

برودها وتباعدها يمزقان صدره...

يدفعانه للهرب بعيداً عنها...


+



لكن هذا الحزن المسافر في عينها...

والذي يحمل له رائحة حبها القديم ...

يجعله يتمني لو يبقي ملاصقاً لها للأبد...

لو يصلح صنم حبها له الذي كسره بيده!!


+



ربت علي وجنتها برفق وهو يهمس بأسف:

_أنا أعرف أني خذلتكِ...لكنني....


+



لم يستطع إكمال عبارته التي لم يجد لها بقية!!!

فابتسمت في شحوب وهي تهمس في مرارة مكملة له جملته بنفسها:

_لكنك ...حذيفة!!


+



قالتها وكأنها تسبّه بها!!!

وكأن اسمه صار مرادفاً للخذلان والخيبة!!!

لكن من يلومها بعد كل ما فعله؟!!!

من يلومها؟!!!!


+



ازدرد ريقه ببطء وهو يهمس برجاء:

_علميني كيف أحبكِ يا ساري

أشاحت بوجهها وهي تأخذ نفساً عميقاً ثم احتضنت جسدها بذراعيها لتقول بألم:

_لو علمتني كيف أنسي جرحك...فسأعلمك كيف تحبني...


+



أطرق برأسه للحظات ...

ثم غلبه عناده ليرفع رأسه هامساً بحزم:

_ستسامحينني يا ساري...وسيعود قلبك ينبض بحبي...حذيفة النجدي لم يخسر يوماً شيئاً أراده!

========================================================================

دخلت معه إلي شقتهما الجديدة المقابلة لشقة ياسين في بيت قاسم النجدي الكبير...

أغلق الباب خلفه برفق ...

لكن قلبها انتفض بقوة وهي تراه ينظر إليها بعمق لأول مرة منذ بدأت هذه الليلة ...

طوال الزفاف وهو يتحاشي النظر إليها بتصميم...

وهو ما أثار رعبها بشدة...!!


+



عمار لن يسامحها علي ما فعلته ...

لكنها لا تعلم ما يمكن أن يدور برأسه...

وما ينتويه...

والأهم...

لماذا لم يخبر قاسم النجدي بما كانت ستفعله؟!!

لو أخبره لكان قتلها بيديه دون تردد!!!

لكن هذا يعني أن عمار يدخر لها عقاباً أسوأ من الموت.....


+



اقترب منها ببطء وهو يرمقها بنظراته النارية...

فتراجعت تلقائياً وهي تشعر أنها ستموت فزعاً

حتي قبض بكفه علي رقبتها فشهقت برعب...

سار بها وهو قابض بكفه علي رقبتها حتي وصل بها لغرفة نومهما...

أغلق الباب بالمفتاح ثم ألصق ظهرها به وهي تكاد تختنق من ضغط كفه علي رقبتها...

سالت دموعها رغماً عنها ...

فأرخي قبضته علي رقبتها قليلاً وهو يسألها في جمود:

_من هو؟!


+



أخذ صدرها يعلو ويهبط بسرعة...

تكاد أنفاسها تختنق...

لا تصدق هذا الجحيم الذي دخلته للتو بقدميها...

خبط رأسها بالباب فتأوهت بضعف وهو يعيد سؤاله بنفس الجمود:

_من هو؟!

هزت رأسها نفياً وهي تهمس بخوف:

_لن أخبرك.

أخذ نفساً عميقاً وكأنه يتمالك به غضبه ثم همس باحتقار واضح:

_كنت أعلم أنكِ لن تفعلي!


+



ارتجف جسدها بخوف وهي تشعر أنها ستنهار قريباً...

تمنت لو تحدث معجزة تجعله يتركها الآن ولو لدقائق...

تلملم فيها شتات نفسها المذعورة...

قلبها يكاد يتوقف بحق...


+



لكنه عاد لجموده وهو يسألها:

_ما الذي حدث بينكما بالضبط؟! إلي أي مدي وصلت علاقتكما؟!


+



اتسعت عيناها في ارتياع وهي تري مدي سوء ظنه...

لا تصدق أنه يفكر أنها فرطت في شرفها!!!!

هتفت بانفعال:

_ما هذا الذي تقوله؟!

زاد ضغطه علي رقبتها فتأوهت بقوة وهو يهمس:

_إياكِ أن ترفعي صوتكِ...

أومأت برأسها إيجاباً وهي تهمس في حرارة وسط دموعها التي انهمرت كالسيل:

_لم يحدث بيننا شئ يا عمار....أقسم لك...


+



فك قبضته من علي رقبتها ببطء...

ثم مد كفيه فجأة ليمزق طوق ثوبها قائلاً بنفس البرود:

_هذا ما سنراه الآن!


+



اتسعت عيناها في ارتياع وقد فقد عقلها وعيه اختيارياً...

وكأن عقلها الباطن يحميها من تذكر هذه اللحظات التي تعيشها الآن....

أغمضت عينيها بقوة كي لا تري ما يفعله!!

لم تقاوم ولم تتحرك...


+



فقط...تجمدت في استسلام وعقلها يمدها بالذكريات تؤازرها في هذه اللحظات القاسية...

ذكريات اندفعت كالسيل في رأسها لتشوش علي هذا الذي يحدث...


+



_حضنهن الجماعي...

هي وآسيا وساري...

آسيا التي رحلت لأنها أجمل من أن تعيش في عالم قبيح كهذا...

_عمار وسكينه علي رقبتها!!!!


+



_زياد بوجهه الوسيم المبتسم...

_رواية الحب من أول نظرة...

_أرقام هاتفه الحبيبة التي عشقتها ورأت فيها خلاصها!!

_عمار وسكينه علي رقبتها!!!


+



_كتبها التي عاشت بين سطورها...

_أبطال الروايات الذين عاشت تحلم وسطهم خلف ستائرها الوردية...

_صوت باب المكتبة يفتح ووجه زياد يشرق من خلفه!!!

_عمار وسكينه علي رقبتها!!!!


+



_زياد وهو يعدها بالسفر...

_عالم جديد وحلم جديد...

_صورة طائرة تحلق بهما بعيداً عن كل هذا الظلم!!

_عمار وسكينه علي رقبتها!!!!


+



كل صور ذكرياتها تداخلت...

تقاطعت بقوة مع المشهد الذي كان يتكرر...

عمار بسكينه علي رقبتها...!!!!

حتي انتصر عليها جميعاً...

ليحتل ذاكرتها كلها الآن!!!!!


+



صرخت بقوة رغماً عنها...

وعقلها يعود لوعيه تدريجياً...

لتكون صرختها آخر ما تودع بها هذه الليلة العصيبة!!

********

انتهى الفصل


+




الثاني عشر من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close