اخر الروايات

رواية خيوط القدر الفصل العاشر 10 بقلم سارة المصري

رواية خيوط القدر الفصل العاشر 10 بقلم سارة المصري



الفصل العاشر
فتحت لبنى باب غرفة ندى لتجدها مستغرقة فى النوم وهى تضم احدى الوسائد الى صدرها ، هزتها امها بقوة وهى تقول ” اصحى يا بنتى بقا ” ، فتحت ندى عين واحدة وقالت فى ارهاق واضح ” ايه يا ماما ..فى ايه كدة ع الصبح ؟؟“
رفعتها امها من على الفراش قائلة ” اصحى كدة وفوقى ..ام ادهم تعيشى انتى ” ، شهقت ندى ووضعت كلتا يديها على ثغرها وهى تقول ” امتى حصل الكلام ده ؟؟“
أغمضت امها عينيها فى حزن قائلة ” امبارح باليل ..انتى مبترديش على تليفونك ليه ؟؟..اخوكى كلمك ميت مرة وادهم كمان قبله ”
اتجهت ندى الى حقيبتها وفتحت هاتفها وضربت على جهبتها فى حزن حين وجدت عشرات المكالمات الفائتة من ادهم وعمر فقد نسيت الهاتف على وضعية الصامت ، لامت نفسها بشدة انها لم تكن الى جواره ،دائما مايزيد شعورها بالانانية فقد أخذت منه الكثير دون مقابل ،اختطفت امها الهاتف منها وهى تقول ” يلا يا بنتى غيرى هدومك بسرعة ” ، نهضت ندى بسرعة وتركتها امها لتبدل ثيابها ، وضعت يدها على صدرها تقاوم انقباضه وحزنه فعى تعلم كيف يحب ادهم والدته ويتعلق بها ، تذكرت يوم وفاة والدها وكيف لم يفارقها لحظة ابدا رغم رفضها له ، تناست تماما ما حدث بالامس وما عزمت عليه من قرارات ، كل ما فكرت فيه ان تكون الى جوار ادهم فقط ويحدث بعد ذلك ما يحدث .
ذهبت اليه فوجدت عمر قد سبقها الى هناك ، الحزن كان باديا على كل قسمة من قسمات وجهه ، الدموع كعادته محبوسة فى جفونه لايراها مخلوق ، ولكن حين اقتربت لتصافحه مواسية شعرت لاول مرة ببرودة انامله وارتعادها ، احتوت كفه بين راحتيها فى عطف تحدثت كثيرا ولكنه كان لا يسمعها حتى وان تظاهر بالعكس ، تألمت من اجله وودت لو كان بامكانها ان تضمه اليها ولا تتركه فى حزنه هذا ابدا ، لم تكن تعرف انها تكن له كل هذه المعزة فى قلبها .
أيام مرت وهى تحاول بكل طريقة ان تخرجه مما هو فيه ، لم تفارقه لحظة فاما معه او تحادثه هاتفيا ، اهملت مكالمات احمد ولم ترد عليها ، فقرارها قد اتخذته بالابتعاد عن كليهما ولكن لا يمكنها الابتعاد عن ادهم فى ظروفه الحالية ابدا ، فلن تحتمل ان تضيف وجعا جديدا الى قلبه وجرح وفاة امه لم يبرأ بعد ، كل ما فكرت فيه هو كيف تخرجه من تلك الحالة التى يعيش فيها .
***************************************************************************
اما الوضع بين ياسمين وعمر فلم يطرأ عليه اى تغيير ، كل منهما يتجنب الآخر ولا يتحدث اليه الا فى أضيق الحدود ، وفى يوم جاءت ياسمين الى عملها وببعد ان القت التحية ببرود كعادتهاوبعد ان منع عمر نفسه بصعوبة من الالتفات اليها وملىء عينيه من ملامحها التى اشتاقها ، جلست لتباشر عملها وحين عم الهدوء المكان ، سمع عمر اسماء الممرضة تقول ” دكتورة يا سمين ..ايدك بتنزف ” ، ودون وعى وبقلق التفت عمر اليها ونظر الى يدها التى لفتها بقطعة من الشاش وبدات الدماء تبلله ، ، نظرت ياسمين الى يدها وهى تجفف وجهها المتعرق الذى لاحظ عمر شحوبه قائلة ” معلش يا اسماء ..ممكن تجيبيلى شاش وبيتادين بس عشان اربطها تانى ”
قالت اسماء وهى تنهض بسرعة ” حاضر يا دكتورة ....بس حضرتك متاكدة انها مش هتحتاج خياطة ..كميه الدم دى بتقول انه شكله جرح مش عادى ”
قالت ياسمين وهى تضغط على جبهتها فى ارهاق ” روحى يا اسماء هاتى اللى قولتلك عليه ..انا مش قادرة اجادل ولا اناقش ”
كان عمر يراقب انفعالاتها وحديثها مع اسماء التى تعجبت من صمته ولكنه لم يطق صبرا اكثر من هذا فقال وهو يقترب منها ” استنى يا اسماء ” ، رفعت ياسمين نظرها اليه فى دهشة فواصل غير مباليا بها ” هنشوف جرح الدكتورة الاول يمكن يكون محتاج خياطة ” قالت ياسمين فى غضب ” انا قولت ...“ ، ولكن عمر لم يمهلها فرصة للكلام فقد التقط يدها بالفعل ولم يعطها فرصة للفكاك منه وبدأ فى فك الرباط من عليها ، دهشت لدرجة اعجزتها عن النطق ، وظلت تتابعه فى صمت ، قال بعد ان رفع نظره اليها وهو يهز رأسه فى سخرية ” انتى ازاى دكتورة وسايبة الجرح بالمنظر ده ..ده محتاج ست غرز على الاقل ” وقبل ان تفتح ثغرها لتنطق نظر الى اسماء قائلا ” معلش يا اسماء هنخيط الجرح هاتى اللى هنحتاجه هنا ” ، قالت ياسمين فى انفعال ” انا مش ه...“ ، قاطعها عمر بلهجة قاطعة ” يلا يا اسماء ”
خرجت اسماء سريعا لتحضر ما طلبه منها ، بينما القى عمر الشاش فى القمامة واحضر منديلا ليكتم به لياسمين الدم وهو يضع يدها بين كفيه ويضغطها بقوة ، سحبت ياسمين يدها بسرعة وقالت ” انت فاكر نفسك ايه ؟؟...انت مالك ..اعالج جرحى ولا معالجوش ولا اولع بجاز ..انت مالك ؟؟؟“
ابتسم عمر فى هدوء أغاظها ووترها فى الوقت ذاته فقالت وهى تتلاشى النظر فى عينيه ” انت ليه مصر تتدخل فى اللى ملكش فيه ؟؟“
قال عمر وكانه لايسمعها ” انتى ايه اللى عورك كدة ”
نهضت ياسمين وقالت فى حنق ” وانت مالك ”
يبدو انه كان مستمتعا بتوترها وارتباكها هذا فقال ليوترها اكثر ” كنتى بتتخانقى مع قريبك ده ولا ايه ”
لاحظ عمر دمعة بعينيها تمنى لو مد انامله ومسحها ، نظرت اليه نظرة طويلة لم تنظرها له من قبل ، لم تهرب من عينيه ولا من نظراته بل اطالت التمعن فيهما وهو قرأ فى نظراتها رجاءا لا يفهمه ، رجاءا بالايطيعها ويبتعد ، راى حزنا مزق فؤاده ، رأى نظراتها تتشبث به وتطلب منه النجاة من كل شىء ، اقترب منها اكثر ليقول شيئا فدخلت اسماء فجاة تدفع منضدة متحركة عليها اللازم لرتق الجرح ، ارتدى عمر قفازه سريعا ومد يده الى ياسمين فاعطته كفها فى استسلام وعيناها شاردة فى اتجاه وعالم آخر تمنى لو شاركها فيه ، لم يستغرق وقتا طويلا فى رتق جرحها وبعد ان انتهى احتوى كفها لا اراديا بين كفيه قائلا فى حنان ” سلامتك ” ، وأشار لاسماء لتخرج تلك الاشياء ثانية ، اما ياسمين فكانت على شرودها حين قطعه عمر قائلا ” انا آسف لو ضايقتك ” ، التفتت له ياسمين وسحبت يدها من يده وهى تقول بنظرة دامعة وبضعف ” ارجوك ..ابعد عنى ”
نظر عمر الى عينيها التى بزغ فيهما حديثا غير هذا وحزن لا يحتمل وقال فى صوت حنون ” ياسمين ” ، سمحت لدمعتها ان تفر من عينها وفرت معها تاركة المكان وتاركة عمر الذى ظل فى مكانه على صدمته ، لقد طلبت منه الابتعاد وعينيها تترجاه ان يبقى ويقترب اكثر ، شىء ما شعر به بداخلها تجاهه ولكنها ترفضه ولا تسمح بوجوده ، مالذى يخيفها منه ومالذى تخفيه خلف تلك الدمعة التى سقطت ، لقد ادرك فى هذه اللحظة ان ياسمين تحمل له مشاعر مثلما يحمل لها تماما ولكنها ترفض وجودها ولا يعلم السبب ، وهو اصر ان يعرف فلم يعد لديه ذرة شك واحدة ان ياسمين هى حبه الحقيقى التى لن يستطع ان يتخطاه ابدا .
كان يعرف الى أين ستفر ، الى اين ستهرب بدموعها من العالم كله ، وقف من بعيد يراقبها وهى تجلس تحت احدى الاشجار فى مكانها المميز وتدفن وجهها بين كفيها وتبكى فى حرارة ، تمنى لو ضمها الى صدره واحتوى خوفها وربت على كتقها حتى تهدأ ، بكائها بهذه الطريقة الموجعة كان يدمى قلبه ، تردد كثيرا فى التقدم اليها ولكن حينما واصلت بكائها على هذا النحو فقد السيطرة على نفسه .
كانت ياسمين تخفى وجهها بكلتا يديها وحين شعرت بخطوات تقترب منها رفعت رأسها لتجده امامها ، انتفضت ياسمين فى فزع واخذت تمسح دموعها فى توتر وقالت فى صوت حاولت جعله متمساسكا ” انت بتعمل ايه هنا ؟؟“ ..وعرفت المكان ازاى ”
حاولت الوقوف فى مواجهته قائلة ” انا مش قلتلك ابعد عنى ..عاوز منى ايه ؟؟“
رد وهو يعقد ذراعيه امامه ” عاوزانى ابعد عنك فعلا ؟؟؟...وانا بس ولا كل النا س..وعايزة تبعدى ليه ؟؟“
لم تجد ياسمين ردا واستمرت دموعها فى الانحدار دون سيطرة منها فواصل عمر ” القناع اللى انت على طول لابساه مش لايقلك ابدا ..القسوة والجبروت اللى بتحاولى ترسميهم طول الوقت مش طبعك ...انتى ارق من كدة ...مقدرتش اصدقك ابدا ”
صرخت ياسمين وكانه قرأ ما بداخلها فحاولت نفيه قائلة ” بس انا كدة ..لو مش قادر تصدق اللى انت شايفه دى مشكلتك ”
اقترب منها خطوتين وهو يدقق النظر فى عينيها قائلا ” لا انتى مش كدة ...لما قربت منك كنتى انسانة تانية خالص ..كنتى على طبيعتك وفجأة اتبدلتى وحاولتى بكل الطرق تبعدينى عنك ” اخفض رأسه وهو يتنهد مواصلا ” بس مهما تعملى يا ياسمين انا مش هبعد ”
جلست ياسمين بعد ان شعرت بقواها تتلاشى وهى تقول بصوت ممزق ”انت عاوز منى ايه ...سيبنى فى حالى ..ليه عاوز تفتح صندوق مقفول وتنبش فيه ...دموعى دى ياما حبستها عن الدنيا كلها واديك جيت وشوفتها ..عاوز توصل لايه ها ..انى مش قوية ..اديك عرفت ..انا مش قوية ..انا اضعف من اضعف حد ..انا لابحب الحياة ولا عايزة اعيشها وكل يوم بعيشه بتمنى يكون آخر يوم فى عمرى ..ده اللى انت كنت عايز تعرفه ...ده اللى يرضى فضولك ويخليك مرتاح ”
كان طيلة حديثها مصدوما مما تقوله ومن يأسها من الحياة ولكن حين اتهمته بالفضول قال مدافعا وهو يرفع كفه ” مش فضول ابدا ..مش فضول ”
قالت من بين اسنانها فى الم ” اومال ايه ”
عض على شفته السفلى وزفر طويلا قبل ان ينظر لها ويقول بكل صدق ” عشان حبيتك يا ياسمين ..ايوة حبيتك ومش عارف ازاى ولا ليه ”
قاطعته ياسمين بصوت خفيض وهى تشير الى صدرها ” انت بتقول ايه ؟؟؟...بتحبنى انا ؟؟“
وقبل ان يرد واصلت فى لهجة يائسة ” لو اللى بتقوله ده فعلا حقيقى فريح نفسك انا مبقاش عندى قلب من اصله ولا قادرة حتى احب نفسى عشان اقدر احب حد تانى ” واشارت بسبباتها اليه قائلة ” انت حابب تتوجع ..حابب تدخل دايرة مقفولة مش معروفلها اول من آخر ...تعرف عنى ايه عشان تقول انك بتحبنى ”
رد عمر فى حزن ” لو لقيت لحبى سبب يبقا ما حبتكيش ”
ابتسمت فى وجع وقالت ” لو الحب ملوش سبب فالكره ليه اسباب كتيرة ”
هز رأسه قائلا ” قصدك ايه ”““
رفعت كفها بينها وبينه قائلة ” قولتلك خليك بعيد ..خليك بعيد احسن ..دور على حد تانى حبه واديله مشاعرك ...حد يكون لسة جواه مشاعر ..حد مش منتهى ”
تراجعت خطوتين للخلف وقالت ” انا هنسى كل اللى انت قولته وانت كمان هتنساه واعتبر ان احنا متقابلناش هنا ولا شوفتنى ”
وقبل ان تذهب ناداها عمر فنظرت له فقال ” ياسمين ..انا مش عايزك تنسى اى كلمة قولتها ..وانا كمان مش هنسى حرف واحد نطقته ”
أعطته ياسمين ظهرها وسارت بخطا اقرب الى الركض ولاول مرة تشعر بسعادة داخلها وتشعر بقلبها يدق فى عنف ولكنها ستقطع دابر كل ذلك بعد لحظات فهى ليست على استعداد لمواجهة ماضيها من جديد بعد ان اغلقته ، لقد فقدت الامل فى الحياة بأسرها حتى ظهر لها عمر فعلقها به، وحين أدركت وشعرت بقلبها يخفق له حاولت ابعاده بكل الطرق ولكنه لم يبتعد ، وها هو يخبرها بانه لن يذهب ،جزء بداخلها سعيد ولا تستطيع مقاومته ، لا يستطيع كل هذا الحزن والخوف واشباح الماضى التى طالما طاردتها ان تسيطر عليه ، ولكن الخوف الذى لا زال متعلقا بكل ذرة من كيانها والذى تحاول اخفاءه خلف كل تلك الاقنعة يرفض الاعتراف بانها احبته ، تخشى على نفسها من فتح جراح الماضى من جديد ليست على استعداد لمواجهته مرة اخرى ، عمر هو من جاء بكل بساطة وسلب قناعها التى تخفى به حقيقتها ، كان هو اول من رأى دموعها ، اول من تحدثت له من قلبها ، اول من ابتسمت له ، ورغم انكارها هو اول من خفق قلبها بحبه ، هى حقيقة لا مناص منها ، وهى لاتفر منه بل تفر كل ما يجرحها او بامكانه ان يجرحها ، تفر من كل شىء


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close