اخر الروايات

رواية خارج اسوار القلب الفصل التاسع والعشرين 29 بقلم صابرين الديب

رواية خارج اسوار القلب الفصل التاسع والعشرين 29 بقلم صابرين الديب 

الفصل التاسع والعشرون
_________________

نعود للخلف قليلا, في منزل عائلة (زيدان) , كان (كمال) يذرع المكان ذهابا وإيابا في انتظار مكالمة (فتحي), رن هاتفه فرد بسرعة :
- أيوة يافتحي عملت ايه ؟ ... جبتها من مطرح ماسبتها إمبارح؟ ... في الجرن الغربي زي ماقلتلك ؟ ..... طيب حلو أوي .... لا أني هاكلمه مالكش إنت دعوة .... باقولك ايه خلي بالك دي بت أخويا ماحدش ييجي جنبها ... طيب خلي عويس معاها وهات لها اللي تحتاجه وتعالى لي عشان ميعادنا معاه ... عايزين نخلص من الموضوع ده بقى وتبقى توريني هتعمل ايه ... يلا بالسلامة .

أنهى المكالمة ثم زفر بعمق, اتجه لطابقه العلوي ثم لغرفته ليجد زوجته لاتزال نائمة, فاتجه للحمام ليستحم ويحضر نفسه للقاء اليوم, لم ينتبه لزوجته التي كانت تتنصت على مكالمته, انتظرت حتى خرج من المنزل والتقطت هاتفها وظلت تبحث فيه عن رقم (جمانة), لقد اختطف ابنتها أي رجل هذا ؟ حتى الحيوانات لا تفترس بعضها أو تتعامل فيما بينها بهذا الشكل, لم تجد الرقم فكادت تجن, توجهت لزوجة الحاج (عبد الرحمن) وجلست تتسامر معها لبعض الوقت حتى عاد زوجها, وجدها هناك فألقى سلاما مقتضبا وألقى مايحمله ودخل لغرفة نومه, ورأت (صفية) هدفها الذي جاءت من أجله, قامت زوجة الرجل خلفه, فانتظرت هي لثوان ثم اختطفت هاتفه الجوال وبحثت فيه بسرعة, وجدت اسم (أدهم الحسيني) فسجلته لديها سريعا, ووجدت أيضا اسم (أم لمياء) فأخذته, تركت الهاتف سريعا وقامت من فورها متجهة لطابقها, كان الوقت يسرقها ويمر سريعا, دخلت غرفتها وأغلقتها عليها بسرعة وأمسكت هاتفها لتتصل بالسيدة والدة (جمانة) أولا, وهي على أمل أن تصل إليهم في الوقت المناسب .

___________________________________

في المنزل عند (جمانة) ووالدتها وشقيقتها كن جميعا يجلسن وكأن على رؤوسهن الطير, الصمت يخيم على المكان إلا من صوت نهنهات متباعدة تصدر من (جمانة) ودموعها لا تتوقف عن الانهمار أو قلبها عن القلق, رفعت رأسها لشقيقتها وقالت بضعف :
- لمياء أنا خايفة على أدهم, قلبي مقبوض أوي .

ربتت شقيقتها على كفها في حنان وواستها :
- معلش, يارب خير بإذن الله وإن شاء الله يرجع ومعاه ملك .

عادت تبكي بصوت مسموع وهي تهتف :
- أنا زعلته قبل مايمشي, جرحته ووجعته, أنا .. أنا ....

ولم تجد ماتكمل به جملتها فصمتت وشقيقتها تضمها بين ذراعيها في حين قالت الأم في شفقة :
- معلش ياجمانة هو عارف اللي إنت فيه ومقدر ماتخافيش, ربنا يرجعهم بالسلامة يارب .

ظلت تبكي لثوان أخرى حتى قطع نحيبها صوت هاتف والدتها, انتفضن جميعا في أماكنهن, والتقطت الأم هاتفها بسرعة لتجد رقما لا تعرفه, ترددت لثانية فهتفت (جمانة) :
- هاتي ياماما, أنا هارد .

وانتزعت الهاتف من يد والدتها لترد بسرعة :
- السلام عليكم ؟!!

أتاها الصوت الأنثوي المرتبك :
- وعليكم السلام ورحمة الله, أني صفية مرات كمال اخو حسام الله يرحمه .

نبض قلب (جمانة) بعنف وهي تهتف :
- أيوة ياصفية إزيك, في حاجة ؟

ترددت لثوان كاد قلب (جمانة) يتوقف خلالها, ثم قالت في خفوت :
- بنتك عند كمال.

توقف قلبها بالفعل ولم تستطع النطق, انتفضت فجأة وهي تصرخ :
- بجد يا صفية ؟ عرفتي إزاي وعنده فين ؟

حكت لها صفية سريعا المكالمة التي سمعتها من زوجها وصديقه, فهتفت :
- صفية أنا جايالك بسرعة لازم تدليني ع المكان اللي بيقولوا عليه ده .

ردت صفية بحسم :
- ماتجيش لوحدك يا جمانة, لازم يكون معاكي البوليس, أني مااضمنش مين هناك او ممكن يعمل ايه .

هتفت بسرعة :
- طيب خليكي على اتصال بيا أرجوكي .

أغلقت الخط ثم التفتت لوالدتها وشقيقتها واللهفة ترتسم على وجهيهما وقالت :
- دي صفية مرات كمال بتقول إن ملك معاه, لازم اكلم أدهم يرجع وناخد البوليس ونروح نشوفها .

كادت الأم تصرخ من الفرحة في حين انتفضت (لمياء) واقفة في مكانها وصاحت :
- بجد يا جمانة ! طيب يلا كلميه بسرعة عشان نلحقهم .

التقطت هاتفها واتصلت به, أتتها الرسالة المسجلة تخبرها أن الهاتف مغلق, حاولت عدة مرات ولا فائدة, نهش القلق قلبها ورفعت عينيها إليهما في جزع وهتفت :
- تليفونه مغلق, أدهم حصل له حاجة .

طمأنتها (لمياء) وقلبها هي يمتلئ بالقلق :
- لا لا ماتخافيش أكيد فصل شحن ولا حاجة انتو هنا من امبارح وماشحنش أكيد .

تساءلت في توتر :
- طيب هنعمل ايه ؟ لازم نروح هناك حالا .

ردت (لمياء) بسرعة :
- هنتصل بالبوليس ودكتور آدم تحت هيتصرف ونسافر بلدهم فورا .

ثم التفتت لوالدتها قائلة :
- خليكي إنت هنا يا ماما عشان لو أدهم اتصل أو جه .

هبطتا سويا لـ (آدم) الجالس في سيارته يتحدث في الهاتف باهتمام, وعندما لمحهما أنهى مكالمته وهبط من السيارة في اتجاههما بسرعة وهو يهتف :
- خير في حاجة ؟

عاجلته (جمانة) بالرد :
- أيوة يادكتور آدم, مرات أخو حسام كلمتني وقالت لي إن ملك عند جوزها, عاوزين نتصل بالبوليس ونروح بسرعة .

برقت عيناه وقال :
- بجد, طيب يلا بسرعة.

اتجهوا جميعا للسيارة وانطلقوا بها و (جمانة) لا تزال تحاول الاتصال بزوجها ولا يقابلها سوى رسالة باردة بأن هاتفه مغلق .

________________________________

تطلع (كمال) لجسد (أدهم) الساكن أمامه ودماؤه التي تسيل بسرعة وعنف, وكزه بقدمه فلم يصدر عنه صوت وزاد نزيف الدم الخارج من فمه, سمع صوت (فتحي) خلفه يقول في عجلة :
- أبو كمال يلا بينا مش هنقف كتير, ماتنساش إننا على طريق .

التفت إليه (كمال) بسرعة وسأله :
- تفتكر مات ؟

رد (فتحي) بسرعة :
- ما إنت شايفه قدامك اهو, يلا بينا بس .

اتجها سويا نحو سيارة (أدهم) والتقطا منها حقيبتين كبيرتين ثقيليتن وضعاها في السيارة الحمراء, سأله (فتحي) :
- هناخد عربيته ولا ايه ؟

نهره (كمال) :
- ناخدها نعمل بيها ايه إنت كمان, هو احنا هنشتغل حرامية عربيات ؟

ظهر ضوء سيارة من بعيد فتطلعا لبعضهما البعض لثانية ثم ركبا السيارة وانطلقا بها بسرعة تاركين (أدهم) خلفهما يلفظ أنفاسه الأخيرة في بطء .
بعد سيرهما بالسيارة قليلا قال (فتحي) في جشع :
- بس ماقلتليش إنك هتطلع من العملية بأرنبين ؟

نظر إليه (كمال) في استخفاف وقال :
- وإنت يهمك ايه يافتحي ؟ إنت ناسي بتاخد كام على خدماتك من أي حد ؟ ولا هو طمع وخلاص ؟

قال (فتحي) في عصبية :
- بس عملية زي دي لها مكسبها لازم تشوفني صح, ده أني خطفت وقتلت وكمان كنت حمايتك, ما اني شفته لما كان هيمسك في خناقك, واحد زيه كده كان هيعصرك قبل ما تتنفس ويطلع منك القديم والجديد, كش منك لما هددته إنك مش لوحدك ولا نسيت ؟

زفر (كمال) في غضب وسأله حانقا :
- عاوز كام يا فتحي اخلص .

رد في جشع :
- ربع الأرنبين ونبقى صحاب .

شهق (كمال) في ذهول وهتف :
- إنت اتجننت يا فتحي, اطلب على قدك عشان تلاقي.

قال (فتحي) بلهجة ذات مغزى :
- هالاقي ياكبير, بس إنت شوفني عشان ابقى ستر وغطا عليك .

عماه الغضب للحظة لكنه سيطر عليه وقال في حنق :
- ماشي يافتحي, ماشي .

رد (فتحي) في جشع :
- وممكن كمان هدية مني فوق البيعة أجيبلك المزة اللي الهلمة دي كلها عشانها .

نظر إليه (كمال) في اشمئزاز وقال :
- لا مش عايزها, بعد اللي حصل دِه ماهيبقاش فيها نفس .

قهقه (فتحي) ثم مسح فمه بكمه بطريقة مقززة في حين عقد (كمال) حاجبيه في غيظ وقاد السيارة عائدا لبلدته في صمت وهو يفكر ما الذي سيفعله بالصغيرة بعد ذلك .

_________________________________

امتلأ ليل القرية بالأضواء والسيارات والبشر فأصبح كنهارها وتجمع الكثير من سكانها يتابعون ما يحدث, كان الحاج (عبد الرحمن) واقفا أمام (جمانة) وشقيقتها و(آدم) يلوح بيده في غضب ويصيح :
- ايه اللي بتقوليه دِه يا أم ملك ؟ هو احنا مجرمين عشان نخطف بنت أخونا ؟ عاجبك الفضيحة اللي عملتيهالنا في البلد دي ؟ جاية وجايبة البوليس كأننا قتالين قتلة ؟

قالت في صرامة :
- أنا ماجبتش حاجة من عندي ياحاج, أخوك خطف بنتي وآخرته إعدام إن شاء الله .

أما (لمياء) فقالت في حزم هي الأخرى :
- كل ده عشان الفلوس ياحاج ؟ تبيعوا الدم والقرابة اللي بيننا وتقلبوا بلطجية عشان فلوس مش من حقكم أصلا ؟

كاد الرجل ينفجر في وجهها وهو يهتف :
- يا أستاذة عيب اللي بتقوليه دِه, احنا خلاص نهينا الموضوع وكل واحد خد حقه لا بتوع خطف ولا غيره, هنخطف بنت أخونا ياناس .

قبل أن ترد كان أحد الضباط يأتي من خلفها وهو يحمل الصغيرة على كتفه برفق وهي تبكي بشدة, سمعتها (جمانة) فالتفتت إليها وكادت تسقط أرضا وهي تجري نحوه لتلتقطها منه, انهالت على وجهها بالقبلات وهي تنهار بجوارها أرضا, تتابعها عيني شقيقتها و(آدم) في سعادة في حين كان الذهول يرتسم على وجه (عبد الرحمن) وهتف في رهبة :
- البنت كانت هنا ؟

وقف أمامه الضابط الذي أتى بها وقال في صرامة :
- حاج عبد الرحمن إنت هتيجي معانا وهنسيب قوة هنا عشان لما كمال يظهر, والراجل اللي كان مع البنت اتصاب وهيطلع ع المستشفى لحد مانحقق معاه .

لم يستطع الرجل النطق بكلمة, عندما ظهرت سيارة أخيه وهو بداخلها, ترجل منها وهو يتطلع لما حوله بقلق ثم وقعت عيناه على (جمانة) وهي تحمل ابنتها, سقط قلبه بين قدميه, واتجه إليه أحد الجنود هاتفا :
- ممنوع ياحضرت .

دفعه في عنف واتجه نحوها فلمحته, تراجعت للخلف وهي تهتف :
- إنت عاوز ايه ؟

وقف (آدم) أمامها كأنه يحميها في حين قالت (لمياء) في حزم :
- حضرت الظابط ده الشخص اللي خطف البنت.

التفت إليه الضابط وقال في صرامة :
- إنت كمال زيدان ؟

التفت للضابط و رد بتبجح :
- أيوة أني كمال زيدان خير يا حضرت الظابط والناس دي كلها بتعمل ايه هنا ؟

صرخت (جمانة) في وجهه :
- يابجاحتك, بتخطف بنتي وتطلب فلوس وتقول خير ؟ أنا مش كفاية عندي إعدامك .

قبل أن يرد كان شقيقه يصيح فيه بغضب :
- هو ده اللي اتربيت عليه يا كمال ياابن أمي وأبويا, تخطف بنت اخوك عشان تاخد فلوس, بقينا بلطجية يا كمال ؟

صاح أمامه :
- أخطف مين يا عبد الرحمن, أخطفها بتاع ايه يعني .....

قاطعه بعنف :
- ماتنكرش يا كمال, البت كانت هنا ومراتك هي اللي بلغت عنك, حسبي الله ونعم الوكيل ضيعتنا وخليت سمعتنا في الأرض .

رن هاتف (جمانة) في هذه اللحظة لتجد رقما غريبا لا تعرفه, شعرت بالقلق وانقبض قلبها في صدرها, فتحت الخط لترد :
- السلام عليكم ... أيوة انا جمانة أبو الفتوح ... مستشفى ؟؟

ثم اتسعت عيناها في ذعر وهي تصرخ :
- إيــــــــه !!!!

وتهاوت أرضا لتلتقطها يدي شقيقتها قبل أن تصطدم بالأرض في عنف وهي تصرخ باسمها في لوعة, تطلع إليها (آدم) في جزع والتقط الهاتف الذي سقط من يدها أرضا ووضعه على أذنه في تردد وقال :
- أيوة مين معايا ؟

اتسعت عيناه في ذعر هو الآخر وهو يستمع لمحدثه, ثم هتف :
- مستشفى ايه ؟ ... طيب طيب .

أغلق الخط والتفت للضابط خلفه وصاح :
- حضرة الظابط أنا باتهم كمال زيدان بمحاولة قتل أخويا أدهم الحسيني .

اتسعت عينا (كمال) في رعب, وصرخت (لمياء) :
- مستحيييييل .

قال الضابط في تساؤل صارم :
- حصل ايه يادكتور آدم ؟

أجاب في غضب وهو يكاد يبكي :
- طلبوا مننا فدية عشان يرجعوا البنت واشترطوا أدهم يروح لوحده وفعلا راح, كان غلط مننا نسيبه يخاطر لوحده, لقوه ع الصحرواي مضروب بالرصاص وبين الحيا والموت , اكيد هو اللي عملها مادام هو اللي خطف ملك وكان طالب الفدية .

التفت إليه الضابط ثم هتف في بعض الجنود من حوله :
- فتشوا العربية اللي هناك دي .

اتسعت عينا (كمال) فصرخ :
- أني ماقتلتش حد, إنتوا جايين تقولوا خطفت وقتلت, إحنا مش بتوع الكلام دِه يا حضرت الظابط .

قبل أن ينطق أحد كانت يد أخيه (عبد الرحمن) تهوي على وجهه في لطمة قوية جعلته يتطلع إليه في صدمة وهو يصيح فيه :
- خطف وقتل ياكمال, بنت اخوك وجوز أمها يا كمال ؟ هي دي آخرتها وديتنا ورا الشمس .

عاد ينفي في غضب :
- إنت بتقول ايه يا حاج أني مااعملش كده .

كانت (لمياء) تحاول عبثا وعيناها دامعتان إيقاظ شقيقتها التي تعاقبت الصدمات فوق رأسها في يومين, أما (آدم) فقد أمسك بـ (كمال) من ياقته ودفعه أمامه في عنف وهو يضربه في وجهه وما أمكنه الوصول إليه من جسده بكل ما أوتي من قوة, كان يكيل له اللكمات فقط في صمت والغضب مرتسم على ملامحه ولم تتح لـ (كمال) فرصة للدفاع عن نفسه, أمسك الضابط وأحد الجنود بـ (آدم) فالتفت إليهم في عنف وكاد يضرب الجندي هو الآخر فهتف به الضابط في صرامة :
- دكتور آدم من فضلك امسك نفسك أحنا لسه مانعرفش حاجة .

قبل أن يصرخ في وجهه عاد الجنود الذي قاموا بتفتيش السيارة وهم يحملون حقيبتين كبيرتين مملوءتين بالنقود وعلي أحدهما آثار دماء طازجة, نظر إليه الضابط وقال في صرامة :
- ايه رأيك في دول ياكمال ؟ وعليهم دم كمان ؟

ثم التفت للجنود من حوله هاتفا في حزم :
- اقبضوا عليه .

تراجع للخلف بسرعة وصرخ :
- اني ماعملتش حاجة .

ثم أخرج مسدسا أطلق منه رصاصة على أقرب الجنود إليه وهو يعدو هاربا, ثم كانت الرصاصة التالية في ركبته ليسقط أرضا في عنف وهو يصرخ في ألم, أعاد الضابط مسدسه لحزامه وهو يهتف بجنوده :
- هاتوه .

أسنده الجنود حتى أتوا به أمام الضابط الذي وضع الأصفاد في معصميه وهو يصرخ في ألم, في هذه الأثناء كانت (جمانة) قد استعادت وعيها لتقف بمعاونة شقيقتها و(آدم) يتطلع إليها في قلق, كان يبدو عليها الإعياء الشديد وكأنها تنتظر لحظة أخرى لتغيب عن الوعي ثانية, كانت دموعها تنهمر باستمرار وفي صمت, وبدت وكأن قلبها قد اكتفى وبدأ ينزف داخلها حتى الاحتضار, استقلت السيارة مع صغيرتها التي كانت بين ذراعيها وهي بين ذراعي شقيقتها, كان (آدم) يقود السيارة وهو يشعر بالغضب والحزن والجزع, وبين كل فينة وأخرى يتطلع إليها في مرآة السيارة ليطمئن ثم يعود لينتبه للطريق, قالت فجأة وهي تبتعد عن حضن (لمياء) :
- أنا جرحته .

تطلعت إليها شقيقتها في قلق وألقى (آدم) عليها نظرة مرة أخرى, لم تعطي فرصة لأحد لينطق بل عادت تهتف وهي تبكي :
- أنا وجعته وقلت له إنه السبب في اللي حصل .

التفتت لشقيقتها واستمرت تقول :
- مش هو السبب, أنا السبب في اللي حصل له, أدهم هيضيع مني يا لميا وانا السبب .

كانت على شفا انهيار عصبي جعل شقيقتها تتطلع إليها في قلق وهي تحاول ضمها لصدرها ثانية قائلة في حنان :
- لا طبعا يا جمانة مش انت ولا هو , دي إرادة ربنا ماحدش عارف الخير فين واللي حصل ده حصل ليه, بس أكيد خير .

نظرت إليها وبدت وكأنها لم تسمع حرفا من كلام أختها ثم صرخت بطريقة أفزعت ابنتها :
- انا السبب يا لميا, أنا السبب, لو حصل له حاجة مش هاسامح نفسي أبدا.

لم تجد شقيقتها ما تقوله سوى أن تجذبها لحضنها محاولة تهدئتها, ظلت تنتحب وهي تقول :
- أنا بحبه أوي يا لميا, مش هاستحمل يجراله حاجة, مش هاقدر.

ثم استمرت في النحيب, تشاركها شقيقتها دموعها في صمت, أما (أدم) فغافلته دمعة اجتمعت فيها مشاعر الحزن والقلق على أخيه بالشفقة على (جمانة), وظل على صمته حتى وصلوا للمستشفى, كانت (جمانة) تسير وهي تحمل (ملك) وكلما حاولت شقيقتها حملها عنها رفضت تركها, شعرت بالشفقة تجاهها فاكتفت بالسير إلى جوارها لتستند إليها, وأمام غرفة العمليات وجدوا والدا (أدهم) وشقيقته, عندما رأتها (فريدة) صاحت بها في غضب ممتزج بانكسار بشكل غريب :
- رجعتي بنتك وضيعتي لي ابني ؟

عادت الدموع تنهمر من عيني (جمانة) في حين هتف فيها (آدم) :
- طنط فريدة من فضلك, كفاية اللي هي فيه .

نظرت إليه بحزن وبدأت دموعها تنهمر هي الأخرى وغمغمت :
- لسه بتدافع عنها يا آدم ؟ مش دي اللي أخوك كان هيضيع بسببها ؟

كان الصوت هذا المرة صادرا من زوجها, قال في صرامة وصوته لا يكاد يخرج من بين شفتيه :
- فريدة, اسكتي خلينا نطمن على أدهم, مالكيش دعوة .

كانت (لمياء) تتابع الموقف في صمت, وكم آلمها أن تتلقى شقيقتها وهي في هذه الحالة اللوم من والدة زوجها, لم تكن تملك ما تقوله فالسيدة مكلومة لكنها حزنت و(جمانة) تزداد دموعها انهمارا في صمت, انتظروا لوقت بدا لهم كدهر, كان (آدم) يذرع المكان جيئة وإيابا وهو يشعر بتوتر لاحد له, في حين جلست (جمانة) على أحد الكراسي وطفلتها بين ذراعيها وإلى جوارها شقيقتها, وعلى الجانب الآخر (سارة) ووالديها, فتح باب غرفة العمليات لتخرج منه ممرضة متوترة وهي تسأل :
- محتاجين نقل دم ضروري وفصيلته نادرة عاوزين متبرعين .

هتف (آدم) بسرعة :
- انا نفس الفصيلة .

أما (جمانة) فهبت واقفة وهي تقول :
- انا مش عارفة فصيلته بس لو ممكن تشوفوا انا أنفع ولا لا .

هتف بها (آدم) :
- لا يا جمانة مش هينفع, إنت ماتنفعيش تتبرعي بحالتك دي خالص .

صرخت في انهيار :
- لا ممكن هيحصل ايه يعني هادوخ, المهم هو يبقى كويس .

قاطعتها (لمياء) بحسم :
- خلاص ياجمانة إنت مش هتنفعي انا هاروح مع دكتور آدم وأشوف لو فصيلتي تنفع وربنا يسهل .

تطلع إليها (آدم) للحظة, وشعر بالاحترام والتقدير تجاهها, أما (جمانة) فهتفت في أمل وبدت ضعيفة مستكينة :
- بجد يا لميا هتروحي .

ربتت على كتفها بحنان وقالت :
- أيوة ياحبيبتي ماتخافيش, إن شاء الله هيقوم بالسلامة .

وبالفعل توافقت فصيلتها معه وتم سحب لتر من الدم منها وآخر من (آدم), بعدها بدا عليها الإعياء فقال لها (آدم) :
- مدام لميا, اتفضلي ماتقفيش كتير, حضرتك شكلك مش متعودة على كده .

نظرت إليه بامتنان وجلست قليلا شاعرة ببعض التعب عندما وجدت يد تمتد لها بعلبة عصير وقطعة حلوى مغلفة, تطلعت لصاحب اليد فوجدته (آدم) يتطلع إليها بحنان غريب ويقول :
- اتفضلي عشان ماتتعبيش .

هزت رأسها شاكرة وقالت :
- لا معلش مش هأقدر, شكرا يا دكتور آدم .

سمعته يقول في حزم :
- مدام لميا لو سمحتي بلاش عناد, ده ضروري على فكرة .

رفعت عينيها إليه مرة لتجد نظرة الحنان تلك مرة أخرى فشعرت بالخجل هذه المرة وتقبلتهم منه شاكرة, جلسوا في صمت لدقائق أخرى بعدها فتح باب غرفة العمليات ليخرج الطبيب منه وهو ينزع كمامته ويتطلع إليهم بصمت, سقطت قلوبهم بلا استثناء بين أقدامهم وهرع إليه (آدم) مع والده, قال الطبيب بلهجة عملية :
- إحنا طلعنا الرصاصة الحمد لله, بس الحالة لسه مش مستقرة, هيفضل في العناية ع الأقل أسبوع بعدها ممكن ننقله غرفة عادية, لو اليومين الجايين مروا بسلام نقدر نطمن بإذن الله .

سأله (آدم) في لهفة :
- هو حصل ايه يادكتور؟

أجابه الطبيب بنفس اللهجة :
- رصاصة من مسافة مش قريبة أوي, دخلت جسمه بزاوية غريبة كأنه كان بيتحرك وقتها يمكن لو كان ثابت كانت اخترقت القلب فورا, الرصاصة مرت جنب القلب واصطدمت بضلع كسرت جزء منه واستقرت بعد مااخترقت الرئة , للأسف نقله للمستشفى كان اتأخر ونزف كتير بس الحمد لله, ربنا يطمنكم عليه .

قالها ثم تركهم, كان قلب (جمانة) ينبض بعنف, يا إلهي, كاد يموت بسببي, كان يمكن ان تكون في قلبه, قلبه الذي احتواني وسكنته, قلبه الذي هو بيتي ومستقري, (آدم) تنهد في ارتياح وإن كان صعبا عليه أن يسمع ذلك عن أخيه, لازال القلق ينهشه لكنه حمد الله ودعا أن يتمم الله شفاؤه على خير, أما أمه فكانت لا تزال تبكي في صمت, وقلبها يبكي صغيرها الذي كان سيضيع منها في ثوان, كل منهم كان قلبه في ناحية وإن توحدت القلوب على الدعاء .



الثلاثون من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close