رواية خارج اسوار القلب الفصل الثامن والعشرين 28 بقلم صابرين الديب
الفصل الثامن والعشرون
_________________
فتح (أدهم) باب منزله ودخل بهدوء, كان يعلم أنه تأخر ولم يتصل, واستغرب عدم اتصالها به أيضا, قابله الصمت والهدوء وبعض الضوء الخافت, فكر: هل غضبت لتأخري ونامت ؟ اتجه لغرفته بهدوء وفتح بابها ثم أطل منه برأسه, لم يجدها بالداخل فاستغرب, عاد يبحث عنها فلم يجدها, وجد ورقة كبيرة معلقة على باب الشقة من الداخل مكتوب عليها " ابحث داخل قلبك " لم يفهم شيئا, قلب الورقة جيدا ليجد أنها جواب من البنك, علم أن زوجته قد عرفت كل شيء فابتسم, فكر بمكر " إذن هناك مكافأة من نوع ما " شعر باللهفة ليجدها, فانطلق يبحث من جديد, شعر بالحيرة, داخل قلبه ؟ كيف ؟ أين يمكن ان يكون قلبه هنا ؟ عقد حاجبيه في تفكير, أي قلب تقصد ؟ لو رآها الآن فستندم على ما فعلته به في الدقائق القليلة التي تلت دخوله المنزل, مهلا ربما لا تقصد المعنى الحرفي للقلب ؟ أيعني هذا أن يترك قلبه يدله على مكانها, ولكن أين يمكنها الاختباء ؟ بحث في غرفة الصغيرة فلم يجدها أو يجد (ملك), زفر في غضب, "سأوريكِ فقط عندما أجدك" , مهلا لم يبحث بعد في الشرفة ربما تكون هناك, اتجه إلى هناك بسرعة فوجد بابها مواربا, فتحه ليجد الطاولة الصغيرة عليها أطباق وشموع مضاءة وعلى الأرض شموع أخرى موزعة بعناية, حمد الله أن شرفته مقابلة للنيل ولا يوجد من يمكن أن يراهم هناك بالاضافة لستائر الشرفة السميكة التي تحجبها عن الجيران من الجانبين, كانت كأنها غرفة مغلقة فقط نسمات النيل تداعبها بين الحين والآخر , دلف للداخل ليجدها جالسة على الأرجوحة الصغيرة وتهز نفسها برفق, ابتسم, اقترب منها, سمعت صوت خطواته لكنها تجاهلتها, جلس إلى جوارها وأسند ذراعه خلف رأسها وهو يتطلع إليها في حب انعكس على شكل لهفة شديدة, كانت رقيقة للغاية, ترتدي فستانا أنيقا يليق بها, بادلته نظرته, سألها :
- ايه الجو الحلو ده ؟ ده عشاني ؟
أومأت برأسها وهمست له :
- عشان حبيبي اللي من كوكب تاني .
ابتسم وأمسك بكفها يلثمه بشفتيه وهمس :
- من كوكب تاني ليه ؟
كان حديثهما همسا متبادلا, قالت :
- عشان مش بيسمع الكلام وبرده عمل اللي في دماغه, شفت الجواب ؟
أجاب :
- أيوة .
سألته :
- ليه عملت كده ؟
كان رده :
- عشان حقك .
هزت رأسها نفيا وهمست :
- لا, عشان بتحبني .
ابتسم ولمعت عيناه واقترب منها قائلا :
- دي حاجة مفروغ منها .
تدللت هامسة :
- قد ايه ؟
شعر بقلبه يكاد يتوقف فلم يستطع أن يستمر في المزيد من الكلام, وقف وسحبها إليه, حملها بين ذراعيه وقال يشاكسها :
- هأوريلك دلوقتي قد ايه .
هتفت ضاحكة :
- يامجنون, والعشا .
كانت نظرته شغوف وهو يهمس :
- هاتعشى حالا اهو, أمال انا بأقول ايه من الصبح, ركزي ياجوجو .
صمتت واستكانت, وحلقت في سماء الحب مع القلب الذي ينبض لها .
______________________________
في الصباح التالي استيقظت بين ذراعيه, تقلبت في رفق وتطلعت لوجهه النائم في سكون بنظرة حب, فجأة ارتفع رنين الهاتف, فنظرت إليه بقلق, أما هو ففتح عينيه في توتر وتساءل :
- ايه ده ؟ مين بيتصل دلوقتي ؟
هزت كتفيها ونهضت تلتقط هاتفها لتلقي نظرة, وجدت رقم والدتها, شعرت بقلبها ينقبض في صدرها, فتحت الخط بسرعة وهتفت :
- ماما خير ؟
أتاها الصوت الباكي يمزق نياط قلبها :
- الحقيني يا جمانة, ملك خطفوها .
أبعدت الهاتف عن أذنها وتطلعت إليه في صدمة, لم تجد القدرة على النطق, نظر إليها في قلق ثم التقطه منها, قال في لهفة :
- ألو, خير حصل ايه ؟
ازداد نحيب المرأة وهي تهتف :
- خطفوا ملك يا أدهم يابني, خطفوها مني من البيت الحقني يابني .
اتسعت عيناه في ذعر وهو يلتفت لـ (جمانة) التي تسمرت في مكانها بدون حركة أو صوت, هتف بسرعة :
- أنا جاي حالا .
ألقى الهاتف من يده وأمسك زوجته من يدها هاتفا فيها :
- جمانة ؟ جمانة ردي عليا, ماتخافيش يا حبيبتي أرجوكي ردي عليا .
لفت وجهها نحوه بنفس الصمت, ثم انهارت فجأة بين ذراعيه فاقدة الوعي وهو يصرخ باسمها في جزع وقلبه يكاد يتوقف بين جنبيه .
عندما استعادت (جمانة) وعيها كانت تتحرك معه بطريقة آلية, ذهب لمنزل والدتها وهي لا تعي ما يحدث حولها, بعد وصولها إلى هناك وعندما رأت والدتها وشقيقتها وتطلعت إلى أعينهما الدامعتين انهارت مرة أخرى وأخذت تبكي وتصرخ وهم جميعا يحاولون تهدئتها, أخذتها (لمياء) بين ذراعيها وظلت تقرأ القرآن وتدعو حتى استكانت قليلا, كان (أدهم) قلقا للغاية, ولما رآها هدأت اتجه لوالدتها وسألها :
- حصل ايه بالظبط ؟
أجابت من بين دموعها :
- مش عارفة يابني, الصبح لميا نزلت شغلها زي كل يوم وملك كانت نايمة, فجأة لقيت جرس الباب بيضرب رحت أشوف مين قاللي النور, يادوب فتحت الباب وماحسيتش بحاجة, لما فقت لقيت نفسي ع الأرض قدام الباب من جوا وقمت زي المجنونة أدور على ملك مالقيتهاش .
استمعت (جمانة) لما قالته والدته وعادت تبكي من جديد, قالت (لمياء) :
- لازم نبلغ البوليس, هما بس اللي يقدروا يتصرفوا .
هتفت (جمانة) في ذعر :
- لا يا لميا لا, أكيد هما عاوزين فلوس , كل اللي بيخطفوا بيبقوا عاوزين فلوس, لو كلمنا البوليس هيأذوها, لا عشان خاطري .
اقترب منها (أدهم) وضمها إلى صدره محاولا طمأنتها فأخذت تبكي بصمت, قال بحنان :
- ماتخافيش يا جمانة ماحدش هيقدر يأذيها, بلاش بوليس, احنا نستنى شوية ونشوف هيعملوا ايه ؟
فجأة انتزعت نفسها من بين ذراعيه وتطلعت إليه لحظة في وجل, لم يفهم لما فعلت ذلك حتى هتفت :
- إنت السبب .
تراجع للخلف في ذهول وهو يصيح :
- انا !!!
اقتربت منها شقيقتها وحاولت تهدئتها فدفعتها في عنف وأخذت تصيح في وجهه :
- أيوة إنت, قلت لي هتحمينا, وعدتني وقلت لي ماتخافيش, ماتقلقيش وأنا معاكي, عملت ايه عشان تحمينا, خلفت وعدك ليه ؟ بنتي هتضيع مني بسببك إنت وعمري ما هاسامحك أبدا .
تألم من كل كلمة نطقت لتجلده بها, خفض عينيه أرضا في صمت حزين على حين هبت والدتها هاتفة :
- جمانة ماتقوليش كده, جوزك مالوش ذنب .
صرخت في انهيار :
- لا هو السبب, كدب عليا, خلف وعده, خدوها مني يا ماما .
قالت (لمياء) بسرعة :
- جمانة إحنا مش عارفين مين, استني شوية لحد مانشوف .
عادت تصرخ وتبكي من جديد وعندما حاول الاقتراب منها دفعته في عنف وارتمت بين ذراعي شقيقتها التي نظرت إليه في اعتذار, وقالت مهدئة :
- تعالي جوا انت تعبانة اوي, ماتقلقيش إن شاء الله هترجع ماتخافيش .
تابعها بعينيه في حزن شديد يمتزج بالقلق والخوف, اقتربت والدتها منه وقالت وهي تربت على كتفه بحنان :
- معلش يا أدهم ياابني, إنت أكيد مقدر حالتها .
التفت إليها في صمت, وقال بخفوت :
- أكيد, انا خايف عليها أوي .
تنهدت المرأة بحرقة وقالت :
- حسبي الله ونعم الوكيل, بيعملوا فينا كده ليه ؟
تطلع إليها في تساؤل فأكملت :
- انا شاكة إنهم إخوات حسام الله يرحمه .
ظهر الغضب على وجهه وعقد حاجبيه بشدة, فكر لثوان ثم سألها :
- تفتكري فعلا ؟ لو هما والله لأوديهم ورا الشمس.
ترددت الأم ثانية ثم هزت كتفيها في استسلام, خرجت (لمياء) من الغرفة وهي تمسح دموعها فسألها في لهفة :
- عاملة ايه ؟
تنهدت في حزن وأجابت :
- نامت, مش عارفة إزاي بس نامت .
ظلوا هكذا وهي نائمة وبين حين وآخر يطمئن عليها ويهمس في أذنها بأنه أبدا لن يخذلها, أذن المغرب وصاحبه رنين هاتفه, التقطه بسرعة ليجد رقما غريبا, لم يتأخر لثانية بل فتح الخط ليجد الصوت الأجش المخيف يقول :
- الأمانة عندنا, ولو تهمك تجهز اتنين مليون جنيه نضاف في شنطتين كبار وتستنى مكالمة تانية كمان مني, ماتتأخرش عشان التأخير هيكلفك كتير.
هتف في غضب :
- إنت عارف لو حصلها حاجة ..........
فوجئ بالخط ينقطع فجأة, فنظر للهاتف في حنق وألقاه على الأريكة في غضب شديد, سمع صوتها الضعيف تسأل في خفوت :
- قالك ايه ؟
قام إليها مع شقيقتها بسرعة وقف أمامها, أجاب في لهفة :
- هنجيبها ياجمانة ماتخافيش, أقسملك بالله هارجعها لحضنك تاني مهما كان التمن .
تطلعت إليه في صمت وعادت تسأل :
- قالك ايه ؟
رد في استسلام :
- عاوز اتنين مليون جنيه وهيكلمني عشان يقولي امتى وفين بكرة .
اتسعت عينا الأم وهتفت (لمياء) :
- اتنين مليون جنيه ؟
التفت إليهما في صمت فقالت (جمانة) في ضعف :
- هأنزل معاك الصبح نسحبهم من حسابي .
عاد يلتفت إليها وهو يشعر بالغضب, قال في استياء :
- لا ياجمانة خلي حسابك زي ماهو دي فلوس ملك, أنا هاتصرف .
ردت بعنف :
- لا, دي فلوسك إنت وانا مش عاوزاها, انا عاوزة بنتي .
تألم لكلامها لكنه صمت, قالت هي مرة أخرى وهي تبكي :
- انا عاوزة بنتي .
ثم هوت فاقدة الوعي بين ذراعيه مرة أخرى, في تلك الليلة لم يغمض لهم جفن, كانت (لمياء) لازالت تصر على إبلاغ الشرطة لكن (أدهم) رفض رفضا قاطعا, ما إن أشرقت الشمس حتى بدأ يفكر كيف سيجمع مبلغ بهذه الضخامة في هذا الوقت القصير, حتى وإن لجأ لوالده فالسيولة بالتأكيد ليست كافية, وهو وضع في حسابها معظم ما يملك بالفعل, فوجي بها تخرج من غرفة النوم وهي تحمل حقيبة يدها وقالت في حزم :
- يلا عشان نروح نسحب الفلوس .
عاد غضبه, لما تفعلين بي هذا حبيبتي ؟ ربما قصرت ولم أنتبه لها جيدا, لكن لا تقسي علي وعلى نفسك أرجوك, قال هو في حزم أكبر :
- الفلوس دي مش هنقرب منها يا جمانة فاهمة ؟
صرخت في وجهه :
- قلت لك هناخدها انا مش عاوزة فلوس ومش عاوزة منك أي حاجة, عاوزة بنتي وبس, ولو ماجيتش معايا هاروح لوحدي .
كاد ينفجر في وجهها لكنه تماسك وهو يضم قبضتيه بشدة, تدخلت (لمياء) قائلة لتهدئة الموقف :
- خلاص يا أدهم معلش, خليك معاها دلوقتي ونفذ لها اللي هي عايزاه وبعدين لما ملك ترجع بالسلامة نبقى نتصرف .
صمت وطال صمته فتوجهت هي نحو باب الشقة لكنه لحق بها في استسلام, بعد عدة ساعات عادوا بالمبلغ المطلوب محضر كما سبق وأخبره الرجل, ثم جلسوا في انتظار اتصاله, عندما رن هاتف (أدهم) ارتفعت نبضات قلوبهم جميعا لكنه كان (آدم), رد بسرعة :
- أيوة يا آدم, مش هاقدر اشغل التليفون دلوقتي .
قال أخيه بلهفة :
- خير يا أدهم فينك قلقت عليك جدا ماجيتش الشغل ليه لا امبارح ولا النهاردة ؟
بدأ يتضايق وهو يجيب :
- ملك اتخطفت يا آدم, احنا في بيت مامة جمانة مستنين اتصال من اللي خطفوها مش هاقدر اتكلم أكتر من كده .
كان الذهول يملأ صوت (آدم) وهو يهتف به قبل أن يغلق الخط :
- اديني العنوان طيب اجيلكم .
أملاه العنوان سريعا وجلس ينتظر, لم يتأخر الاتصال, قال له صاحب الصوت الأجش :
- ايه ياباشا جهزت المبلغ المطلوب ؟
رد بسرعة :
- أيوة, بس عاوز اكلمها أسمع صوتها اطمن عليها .
أتته ضحكة الرجل الساخرة وهو يقول :
- ليه في فيلم عربي احنا, واثق في كلامنا هات الفلوس و تعالى تاخدها وتمشي, مش واثق خلاص خلي الفلوس وسيبها واحنا هنبيعها حتت ونكسب برده .
شعر بالذعر مما قاله الرجل فهتف :
- إنت أكيد مجنون .
قهقه الرجل مرة أخرى وأجاب :
- وماله مجنون مجنون بس آخد قرشين من واحد زيك مليونير قلبه محروق على بنته الوحيدة , ربع ساعة وهاكلمك تاني .
التفت إليهم ليجد اللهفة تملأ العيون, أجاب لهفتهم بخفوت :
- هيكلمني تاني يقولي اعمل ايه .
هتفت (لمياء) تسأله :
- قالك ايه ؟
رد في حيرة :
- مااعتقدش إن دول أهل ملك , اللي كلمني معتقد إنها بنتي وبيتكلم على أساس كده .
عقدت حاجبيها في تفكير عندما هتفت (جمانة) :
- ليه هو ما يعرفكش ؟, بنتك منين وانت يادوب متجوز من شهرين .
تطلع إليها ولم ينطق, هي تجرحه منذ ضاعت الصغيرة لكنها على حق, صمت في ألم منتظرا اتصاله الثاني ومجيئ أخيه ليسانده, وصل (آدم) أولا ودخل في خجل, جلس مع أخيه وفهم منه الأمر وحاول معه تخمين الفاعل لكنهما لم يتوصلا لشيء, وقبل المغرب بقليل أتاه الاتصال المنشود, رد بسرعة :
- ايوة .
سمع الصوت يقول في خشونة وصرامة :
- أيوة يا أدهم باشا, فلوسك في ايدك, موبايلك في جيبك, تنزل على عربيتك لوحدك وماحدش وراك, انا عارف انك مابلغتش البوليس, عين العقل, الضنا غالي برده, هتاخد عربيتك وتطلع على أول الصحرواي بعد البوابة بخمسة كيلو هتلاقي عربية ربع نقل حمرا, تركن وراها وتستناني, سلام .
تطلع للهاتف في صمت, ثم نهض واقفا و(آدم) يسأله في لهفة :
- ها هتعمل ايه ؟
رد في خفوت :
- عاوزني أروح له أول الصحراوي .
هتفت (جمانة) بسرعة :
- هآجي معاك .
كان رده قاطعا :
- مستحيل .
عقدت حاجبيها في غضب وصرخت :
- لا هآجي .
التفت إليها واتجه نحوها في صمت والصرامة تطل من ملامحه ممتزجة بغضب هائل مما جعلها تتراجع للخلف في خوف, لكنه أمسكها من ذراعيها هاتفا :
- جمانة انا مش مستعد للمخاطرة ومش عارف هما هيعملوا ايه ؟ مستحيل تيجي معايا فاهمة ؟ وماحدش ييجي ورايا, قال لي تعالى لوحدك وإلا هيأذيها, خلاص .
شعرت بالرعب فأومأت برأسها في صمت ودموعها تنهمر من جديد, رق قلبه لها فضمها برفق واستسلمت هي له, تنهد في ارتياح ثم أبعدها ليمسح دموعها بأصابعه قائلا في حنان :
- هأرجع لك بيها إن شاء الله, ماتخافيش .
تطلعت إليه في أمل ثم قالت في خفوت وهي تشعر بالقلق :
- خلي بالك على نفسك .
ابتسم ثم ضمها إليه ثانية غير عابئ بنظرات الدهشة أو الخجل التي ارتسمت على وجوه المحيطين, ثم همس في أذنها لتسمعه هي فقط :
- بحبك .
نظرت إليه مجددا والقلق يملأ قلبها وعقلها ولا تدري له سببا, أما هو فالتفت إليهم, تطلعوا إليه في صمت لكن (آدم) وقف إلى جواره وسأله :
- أدهم ماينفعش تروح لوحدك, أنا مش مطمن .
ابتسم له قائلا :
- ماتقلقش يا آدم, خير إن شاء الله, خلي بالك عليهم لحد ما أجيب ملك وآجي .
شعر أخيه بالحرج, فقال بهدوء :
- انا هاستنى تحت في العربية ماتقلقش .
حافظ على ابتسامته وإن اختلط بها بعض التقدير لأخيه, ثم التفت مغادرا المكان, عند الباب هتفت (جمانة) باسمه فالتفت لها في صمت, قالت مكررة :
- خلي بالك من نفسك.
أعطاها إحدى ابتساماته الحنون ثم غادر المكان في صمت, تبعه (آدم) ليجلس في سيارته أسفل المبنى, انطلق هو بسيارته بسرعة, وبعد مايقرب من عشرين دقيقة ارتفع رنين هاتفه مرة أخرى التقطته بسرعة وأجاب :
- أيوة .
أتاه الصوت يقول في اقتضاب :
- ماتنساش عربية ربع نقل حمرا بعد البوابة بخمسة كيلو, دلوقتي تقفل تليفونك وماتكلمش حد ولا حد يكلمك .
استجاب في صمت وانطلق بالسيارة للمكان المنشود, وجد السيارة الحمراء متوقفة إلى جانب الطريق فوق الرمال فانحرف بسيارته حتى توقف خلفها تماما, هبط من السيارة وتطلع حوله حيث بدأ الظلام يخيم على المكان فأضاء أنوار سيارته وأغلق بابها متجها نحو السيارة المتوقفة أمامه, لم يجد بها أحدا فعقد حاجبيه في عدم فهم, عاد يقف إلى جوار سيارته بهدوء منتظرا في صبر, مرت ربع ساعة بدأ فيها يشعر بالقلق خاصة مع هاتفه المغلق, سمع صوت يأتي من خلفه فالتفت بسرعة ليجد شبحا يقف خلف سيارته في الظلام وفي يده يظهر ضوء سيجارة, تطلع إليه حتى اقترب أكثر فاتجه إليه وهو يدور حول السيارة ووقف أمامه, كانت ملامحه شيطانية على الضوء الجانبي من السيارة, سأله في حزم :
- فين ملك ؟
كان رده غير متوقع :
- إنت بقى اللي رفضتني عشانه ؟
تراجع للخلف في دهشة ثم عقد حاجبيه في غضب هاتفا :
- إنت مين ؟
قهقة الرجل في سخرية وقال وهو ينفث دخان سيجارته :
- كمال زيدان, بيفكرك الاسم بحاجة ؟
تماسك قدر ما أمكنه وهو يتطلع إليه بنظرات لو كانت تقتل لكان الآن جثة هامدة, سأله :
- فين ملك ؟
عاد يضحك ورد بسؤال :
- عايز إيه من ملك ؟ تقرب لك ايه ملك ؟ دي بنت أخويا وأني أولى بيها .
اقترب منه محاولا إمساكه من ملابسه لكنه ابتعد بسرعة فقبضت يد (أدهم) على أطرافها فقط, تراجع أكثر هاتفا :
- بلاش تسرع يا أدهم باشا, أني مش لوحدي إلا لو مستغني .
تراجع ووقف أمامه في صمت فعاد يقول ساخرا :
- أيوة كده, الأدب حلو.
كان (أدهم) يغلي غضبا لكنه صمت, مايهمه الآن هو الصغيرة وعودتها سالمة, سمعه يقول :
- فين الفلوس ؟
أشار لسيارته وأجاب :
- في العربية .
ابتسم في توحش ثم أخذ نفسا آخر من سيجارته وأخرجه وقال بعده :
- حلو, أنا واثق فيك ومش هاقولك أعدّهم, إنما ايه رأيك في أم ملك ؟ حلوة وتستاهل ولا خسارة فيها اللي هتدفعه ؟
ضم (أدهم) قبضتيه في شدة وهو يضغط أسنانه في غضب جعل (كمال) يطلق ضحكة ساخرة ويقول :
- الخوف حلو, يعني أني ممكن أعك براحتي الوقتي وماتقدرش تفتح بقك, عموما مش هتلحق تتهنى, لا بيك ولا ببنتها .
شعر (أدهم) بالقلق فعقد حاجبيه متسائلا في غضب :
- تقصد إيه ؟
رفع (كمال) حاجبيه في سخرية وقال ببرود وهو يلقي السيجارة ويدهسها بقدمه على الرمال :
- ابقى سلم لي على حسام اخويا وقوله بنتك في الحفظ والصون .
تحرك (أدهم) نحوه وفي الثانية التالية كان صاروخ من النار يخترق صدره في موضع القلب تماما, تجمد لحظة في مكانه وهو ينظر لصدره في عدم فهم, وعاد يرفع عينيه لـ (كمال) الذي وقف يتطلع إليه في برود ثم سقط أرضا في عنف ودماؤه تسيل بغزارة من جرح صدره وفمه لتغرق الرمال ومعها تنسحب حياته ببطء .