اخر الروايات

رواية خارج اسوار القلب الفصل السابع والعشرين 27 بقلم صابرين الديب

رواية خارج اسوار القلب الفصل السابع والعشرين 27 بقلم صابرين الديب 

الفصل السابع والعشرون
___________________

جلس (كمال) مع رجل خشن الشعر مجعده, أسمر البشرة تبدو على ملامحه الشراسة خاصة مع شاربه الضخم, كان يلف بيده سيجارة ناولها إياه ثم سأله :
- ها يا أبو كمال, ايه المصلحة اللي عايزني فيها.

دخن (كمال) السيجارة ثم نفث دخانها في الهواء بتفكير أجاب بعده :
- مرات أخويا حسام وبنته .

لم يفهم الرجل شيئا فعاد يسأل :
- ايه مالهم ؟

رد :
- هأقولك عشان تفهم أني عايز ايه .

وقص عليه جانبه من الرواية حتى وصل لنهايتها وزواجها وإجبارهم على شراء الأرض بأسعار السوق, كان الرجل يستمع إليه في دهشة ثم هتف بعد أن أنهى كلامه :
- كل ده حصل, وإزاي ترفضك وترفص النعيم ؟ الولية دي مش بتقدر النعمة ؟

ظهرت العصبية على وجه (كمال) وهو يرد :
- ماهو ده اللي مجنني يافتحي, وكل ماافتكر أتجنن أكتر, لولاها كان زمان حسام اتجوز صفية وخلصت أني منها بدل ما أني مدبس فيها بقى لي 6 سنين مش عارف أفلفص, إنما البيه عجبته بتاعة مصر وصمم يتجوزها, وأبويا اللي مدلعه مارفضلوش طلب أبدا, وفي الآخر تيجي فوق دماغي وأتحرم من الذرية.

سحب نفسا آخر من سيجارته وقال بعصبيته :
- بس واللي خلقهم وخلقني ما هيتهنوا, هاحرمها بنت الـ ******* من كل حاجة عشان تحرم وتعرف مقامها.

نظر إليه (فتحي) في صمت ثم سأله :
- وعايز تعمل ايه ؟ أني تحت أمرك يا أبو كمال وإنت عارف .

فكر لثوان ثم قال بلهجة مخيفة :
- هتخطف وتقتل .

عقد الرجل حاجبيه في تفكير وقال باهتمام :
- لا اشرح لي بقى بالظبط هتعمل ايه ؟

شرح له فكرته سريعا وهو يستمع إليه باهتمام حتى انتهى, بعدها قال :
- يعني هتخطف البت وتقتلها ؟

نهره في غيظ :
- هاقتل بنت اخويا يا فتحي ماتصحصح معايا .

قال بسرعة :
- مش بتقول هتجيب البت وتدفعهم تمن الارض اللي خدوه وبعدين نموتها .

ازدادت عصبيه وهو يهتف :
- ماقلتش نموتها, قلت نموته .

سأله في حيرة :
- تموت مين ؟

كاد يشد شعره من غياب عقله لكنه قال وهو يضغط على كلماته في صبر :
- افهمني يافتحي, هنخطف البت, ناخد فلوسنا, نقتل جوزها فهمت ؟

هز (فتحي) رأسه في فهم وقال :
- آآآآه فهمت, طيب هتقتله ليه مادام هتاخد فلوسك ؟

قال في حقد :
- عشان بنت ال ****** تترمل تاني وتعرف إن الله حق, بنتها هتروح منها وجوزها يموت بسببها وتعيش أرملة لحد ماتموت .

برقت عينا (فتحي) في جشع وقال :
- يادماغك العالية با أبو كمال, وليا كام في العملية دي ؟

أجابه (كمال) بسرعة :
- ميتين ألف جنيه, قلت ايه ؟

قهقه الرجل بفظاظة وهتف :
- يادين النبي ! هأقول ايه دايس معاك يامعلم .

برقت عيناه هو الآخر وقال :
- حلو أوي, ارسم خطتك بقى ونورني لما تيجي تنفذ .

سأله :
- عايز التنفيذ إمتى ؟

فكر قليلا ثم أجاب :
- الحكاية مابقى لهاش يومين, هنستنى لما الموضوع يهدى والعين تبقى بعيد عننا ونهجم, يعني خدلك أسبوعين كمان كده تكون ظبطت أمورك .

ابتسم الرجل في وحشية و رد :
- ماتقلقش خالص, حقك هيرجعلك يا أبو كمال, تالت ومتلت .

بادله ابتسامته وهو يشعر بالظفر .
________________________________

كان والد (أدهم) جالسا في حديقة منزله يقرأ جريدة ما, وعلى مسافة منه تجلس زوجته والحزن باد على وجهها, اتجهت إليهما (سارة) وقالت في تردد :
- بابا, ماما, عاوزة أروح أزور أدهم وجمانة, أدهم وحشني أوي .

ابتسم الأب في حنان وقبل أن يجيب جاء رد زوجته غاضبا :
- سارة اطلعي اوضتك مفيش خروج وانسي إنك تدخلي بيته أبدا .

عقد (جلال) حاجبيه في غضب والتفت إليها بنظرة أرهبتها, قال في صرامة :
- ايه يافريدة ؟ عاوزة بنتك تقاطع أخوها ؟ زي ما إنت مقاطعاه ؟ طيب هو هان عليكي, إنما أخته بتحبه هي حرة .

ضايقها كلامه, فمنذ زواج (أدهم) وهو جاف قاس لا يدخر كلماته الجارحة أو يراعي خاطرها كما كان يفعل, أتراها أخطأت ؟ هي تحب ابنها وحيدها, أول من رأت عيناها وأول من كان قلبه بجوار قلبها, كانت تريد فرحة أكبر له, لكن من أدراها أنه غير سعيد, لما تفكر أن اختيارها كان الأصوب ؟ ازدادت حيرتها وابنته تتطلع إليها في صمت, كانت تشعر بمعاناة والدتها وقسوة والدها مؤخرا لكنها لم تكن تملك من الأمر شيء, كان فضولها يقتلها لمعرفة موضوع السرقة التي تتهم أمها أخيها بها, والوحيد الذي ستجرؤ على سؤاله ويجيبها هو (أدهم), خاطبت والدتها برفق :
- ماما, أدهم بجد وحشني, طيب مش وحشك إنت كمان ؟

تطلعت إليها والدتها وتلألأت دمعة في عينيها منعها كبرياؤها من السماح لها بالمرور عبر جفنيها, عادت تخفض رأسها وتقول في استسلام :
- بعدين انا يا سارة, روحي زي ما إنت عاوزة .

شعر الأب بالدهشة, فالتفت يتطلع إليها بذهول, أما (سارة) فقد ابتسمت في حنان ثم طبعت قبلة على رأس والدتها وانطلقت خارجة من البيت, ظل (جلال) يتطلع إلى زوجته في دهشة لم تلحظها, فقط وقفت وهمست :
- انا تعبانة, هاطلع استريح شوية .

تابعها بعينيه وهي تدخل إلى الفيلا والتساؤل والدهشة يمنعانه من النطق .
________________________________

وصلت (سارة) لبيت شقيقها, كانت تعلم أنه في عمله لكنه سيعود قبل رحيلها وهي تريد الانفراد بـ (جمانة) قليلا والتعرف عليها واكتشاف ماجذب أبا الهول أخيها لها, وصلت للمنزل ورحبت بها (جمانة) للغاية, كانت سعيدة بزيارتها والود الواضح على ملامحها, جلستا تتسامران سويا و(سارة) تلاعب (ملك) وتقبلها, قالت لوالدتها :
- ملوكة عسولة اوي, ربنا يخليهالك .

ابتسمت (جمانة) وردت :
- ربنا يخليكي ياسارة .

ترددت (سارة) قليلا ثم حسمت ترددها وقالت في خجل :
- تعرفي ! كنت دايما نفسي أعرف اللي أدهم هيختارها هتكون عاملة إزاي ؟

صمتت (جمانة) وهي تتطلع إليها في فضول ولهفة, كانت تريد أن تعرف عن ماضيه أكثر, تابعت (سارة) :
- أدهم طول عمره مافكر يحب, يمكن حتى كانت البنات بتخاف منه, ولما يكون في بارتي ولا حاجة عندنا كان دايما تلاقيه مع أصحابه الشباب ومفيش في وسطهم ولا بنت, مفيش غير دينا هي اللي كانت بتتجرأ عليه على الرغم من إنه كان دايما بيعاملها بطريقة مش ظريفة بس هي كانت باردة جدا, انا كمان ماكنتش باستظرفها .

صمتت لحظة ثم ابتسمت وهي تتأمل (جمانة) ثم اكملت :
- إنت مختلفة تماما عن أي صورة جت في بالي, بس الحقيقة له حق أدهم يحبك, إنت رقيقة أوي وطيوبة وروحك حلوة.

ابتسمت (جمانة) وعلا وجهها بعض الخجل جعل ابتسامة (سارة) تتسع فقد شعرت أنها تغازلها, قالت (جمانة) بهدوء :
- ربنا يخليكي ياسارة, بجد إنت كمان زي العسل وحبوبة, إنت عارفة, خلاص إنت بقيتي أختي, قلتِ ايه ؟

احتفظت (سارة) بابتسامتها وقالت :
- ياريت والله يا جوجو, لو ممكن أقولك جوجو, إنت عارفة ماليش إخوات بنات كله من الصنف الخشن .

ضحكت (جمانة) ثم ردت :
- قولي جوجو قولي جومي قولي جمان, أي حاجة, وبعدين ماله الصنف الخشن بقى ؟

ضحكت هي الأخرى وفهمت ماتقصده فداعبتها :
- زي العسل طبعا هو انا أقدر أقول حاجة .

كانت (جمانة) سعيدة للغاية , ترددت قليلا ولاحظت (سارة) ترددها فصمتت حتى تحسم أمرها, بعد تفكير قالت (جمانة) :
- سارو بصي عاوزة أقولك على حاجة, بس مش عاوزاكي تفهميني غلط, إنت دلوقتي زي مااتفقنا أختي وكمان أخت أدهم وتهميني أوي .

صمتت لترى رد فعل (سارة) فوجدت منها الإنصات والابتسامة المشجعة, استطردت :
- ممكن أسألك سؤال ؟

اومأت (سارة) برأسها ووجهها يبعث على الراحة والود فعادت (جمانة) تكمل :
- إنت ماشاء الله عسولة وزي القمر, واضح إن ده عندكم في جينات العيلة .

ضحكت (سارة) فبادلتها ضحكتها بابتسامة وتابعت :
- مش بتفكري تلبسي حجاب ؟

اندهشت (سارة) من سؤالها وشعرت بالخجل فجأة, لكن (جمانة) عاجلتها قائلة :
- أنا مش عاوزة اتدخل في خصوصياتك بس إنت أخت أدهم ومصلحتك تهمني طبعا, انا شايفة إن إنت لبسك بشكل عام مش زي مابنشوف اليومين دول, اللي لاحظته موضوع الحجاب, طبعا لو اتحجبتي هتغيري ستايلك شوية, بس حاسة هتبقي أحلى وكفاية إنه طاعة لربنا .

ابتسمت (سارة) ثم فكرت قليلا وأجابت :
- عارفة يا جوجو ! أول مرة حد يقوللي الكلام ده, على الرغم من إن صاحباتي كلهم محجبات تقريبا, وعلى الرغم من إن أدهم نوعا ما ملتزم بفروضه وبحاجات تانية كتير بس عمره ما قال لي اتحجبي, كمان بابا عمره ما قال حاجة عن الموضوع ده وطبعا ماما مستحيل تفكر فيه, يمكن بابا وأدهم مش بيقولوا حاجة لأن الوسط اللي احنا فيه عادي الكلام ده على الرغم من إن أدهم كتير كان بيزعق لي لو لبست حاجة ماعجبتوش .

ردت (جمانة) بتفهم :
- أيوة أنا فاهمة, بس يا سارو ربنا سبحانه وهبنا نعم كتير منها عقلنا, اللي بيخلينا نميز إيه صح وفطري وإيه بيخالف فطرتنا, ليه تستني حد يدفعك ويقولك اعملي ؟ ليه مش من نفسك تفكري وتبحثي وتعرفي الصح ايه والغلط فين ؟

كان ردها :
- أحيانا ياجمانة الواحد بيكون محتاج حاجة تشده للطريق الصح على الرغم من إنه بيكون شايفه وعارفه, بس يمكن بيكون في حاجة تخليه مش قادر يمشي فيه لحد ماييجي الوقت المناسب .

ابتسمت (جمانة) وقالت :
- ده نوع من التواكل يا سارة, العبادة مش لازم حد يقولك اعمليها وقت ماعرفتي إنها مفروضة عليكي بتعملي من نفسك, أنا مش هانكر إن الدنيا الفتن فيها كتير, وأحيانا بنكون محتاجين حد ياخد بإيدنا بس الأهم يكون عندنا إحنا كمان استعداد نمسك في ايده كويس ونمشي معاه .

شعرت (سارة) براحة غريبة وهي تتحدث معها فقالت :
- وأهو ربنا بعتك ليا عشان تشديني اهو, بأقولك أوقات بتبقي محتاجة حاجة تتعلقي بيها وتطلعي معاها لفوق .

قامت (جمانة) من مكانها وجلست بجوراها ثم قبلت رأسها وقالت :
- وانا مبسوطة اوي إنك اعتبرتيني كده يا سارو .

ثم وقفت فجأة وهتفت في مرح :
- تعالي بقى نروح المطبخ اعلمك حاجة لدنيتك عشان أدهم زمانه جاي وعاوزين نعمل أكل جديد النهاردة بمناسبة تشريف معاليكي يا أميرة لينا .

ضحكت (سارة) ثم وقفت بجوراها و هي تقول :
- احم احم, أخجلتم تواضعنا, سيري وأنا خلفك .

اتجهتا سويا للمطبخ تتبعهما (ملك) والتي جلست تلعب كما اعتادت أثناء انشغال والدتها, وساعدتها (سارة) في القليل من الأشياء والتي خربت معظمها بالفعل مما جعل (جمانة) تبعدها عن العمل تماما وهما تتضاحكان في مرح, بعد مدة قصيرة عاد (أدهم) للمنزل, دخل بهدوء كأنه يتسلل محاولا عدم إحداث جلبة ثم توجه للمطبخ على أطراف أصابعه, رأته (ملك) فابتسم لها ثم وضع إصبعه على شفتيه مشيرا لها بالصمت, بادلته ابتسامته وصمتت كما طلب منها, رأي (جمانة) واقفة تقطع بعض الخضروات فتوجه إليها بهدوء, ثم فجأة طوقها من الخلف بقوة جعلتها تصرخ رعبا, أما هو فضحك بشدة, وخرجت على صوت صراخها (سارة) التي كانت في حجرة المعيشة, وجدت شقيقها هناك يحتضن زوجته بين ذراعيه وهي تهتف في حنق :
- ادهم بجد إنت بتستهبل, ينفع كده يعني ؟

رد بمرح وهو يداعب ذقنها بأصابعه :
- عسل وإنت خايف وزعلان كده, سي أدهم النهاردة عاوز بيتزا سي فوود, إنت عاملة ايه ع الغدا .

شعرت بالحرج فشقيقته هنا وهو لا يعلم وربما يصلها صوته, دفعته برفق وهي تقول بخفوت :
- أدهم بس, سارة هنا .

ابتعد عنها في دهشة وتساءل :
- ايه سارة مين ؟

سمعا حركة عند باب المطبخ فالتفتا سويا ليجدا الهواء في مقابلهما, عقدت (جمانة) حاجبيها وهتفت في استياء :
- عاجبك كده اهي شافتنا, زمانها انكسفت يارخم.

عاد يسأل في عدم فهم :
- سارة مين ؟

تطلعت إليه في دهشة وأجابت :
- هو ايه اللي سارة مين ؟ سارة اختك .

انتقلت دهشتها إليه وهتف :
- بجد ؟ سارة هنا ؟

شعرت بالغيظ ولم تجب, أما هو فشعر ببعض الحرج وقال :
- طيب مش تديني كلاكس طيب ؟

ردت وهي مغتاظة :
- كلاكس ايه في وش القطر اللي كان داخل عليا .

عقد حاجبيه ونظر إليها بنظرة فهمتها جيدا وهو يقول :
- قطر ؟ ماشي استني بس لما سارة تمشي وانا هاوريك يعني ايه قطر بجد .

ابتسمت في خجل وعادت تلتفت لما كانت تقوم وهي تقول :
- روح شوفها بقى, شكلنا بقى وحش أوي .

دغدغها أسفل ذراعها فانتفضت بقوة فهتف :
- اجمد ياحلو .

ضحكت والتفتت تتابعه بعينين ملؤهما الحب وهو يغادر متجها لغرفة المعيشة, ثم قالت لـ (ملك) :
- ملوكة مش تقولي لي أي حاجة .

ابتسمت الصغيرة في عدم فهم وعادت تنشغل بلعبها, أما (أدهم) فقد اتجه لغرفة المعيشة وهو يشعر بالحرج, مهما كان يمازح شقيقته أو يداعبها فلازالت هناك درجة معينة يتوقف عندها الأمر, أما أن تراه مع زوجته فذلك أثار خجله وبشدة, تنحنح ثم دخل الغرفة, وجدها جالسة تتابع التلفاز باهتمام كأنه يشغلها بالفعل, لاحظ حمرة وجنتيها فعلم أنها رأتهما, قال في مرح :
- سارو عندنا ! يامرحبا يامرحبا .

ابتسمت ووقفت متجهة إليه, احتضنها وقبل رأسها في حنان وقال :
- منورانا والله يا سارة, بس ماقلتليش إنك جاية يعني ؟

قالت في خجل :
- انا كلمت جمانة وقلت لها إني جاية, وقلت أعمل لك مفاجأة .

شعر بخجلها فداعبها :
- وأحلى مفاجأة والله ياقمر, وحشاني, إزي بابا و .. ماما ؟

تطلعت إليه, بدا على وجهه مسحة من الحزن عند ذكر والدته, لكنها ردت بعفوية وبساطة حتى لا تشعره بشيء :
- كويسين الحمد لله, بيسلموا عليك وماما قلت لها تيجي معايا قالت لي المرة الجاية .

ابتسم في حزن, لكنها أكدت :
- بجد يا أدهم, إنت عارف إن ماما بتحبك ويهمها سعادتك, وحتى لو دلوقتي رافضة وزعلانة مصيرها تسامحك لأن مالهاش غيرك .

ابتسم في حنان وقال :
- طيب ابقي سلمي لي عليها هي و بابا وبوسيهم لي, وأنا هاحاول آجي زيارة في أقرب وقت بإذن الله .

شعرت بالسعادة فهتفت :
- اوك هاقولهم ونستناك .

أومأ برأسه إيجابا ثم جلس وجذبها لتجلس بجوراه متسائلا :
- طمنيني بقى عاملة ايه في الكلية ؟

أجابت :
- الحمد لله كله تمام لسه في أول الدراسة وبنستكشف السنة الجديدة .

قال :
- كويس عاوزك بقى التزام من أول السنة عشان التقدير يفضل زي ماهو .

ابتسمت و ردت :
- ده أكيد مش محتاجة وصاية .

ترددت لحظة فلاحظ ترددها, سألها :
- خير يا سارو ؟ عاوزة تقولي حاجة ؟

ترددت لثوان أخرى ثم قالت بسرعة :
- عاوزة أعرف ايه موضوع السرقة اللي ماما دايما بتتكلم عليه مع آدم ده ؟

ظهرت الدهشة على وجهه, نعم كانت صغيرة وقتها لكنها الآن تعلم, ماذا لو ظنت بأخيها سوءا ؟ قرر أن يحكي لها باختصار فقال :
- شوفي يا سارة انا مش عاوزك تفتكري إن آدم ممكن يعمل حاجة زي دي, ماما أوك ضاع منها حاجة بس اتهامها لآدم طبعا مش في محله, مش عارف أقول ايه, أنا مش باقولك إن ماما بتكدب بس هي لقت شماعة تعلق عليها الموضوع وتضايق آدم في نفس الوقت, أيامها ماما ضاع منها كوليه ماس كان بابا لسه جايبه لها هدية, دورنا كتير وحتى الشغالين اللي في الفيلا وكله ملقيناش حاجة, ماما فجأة قررت إن آدم أخده وباعه عشان ياخد فلوسه وخلاص, أيامها آدم انفعل وهدد إنه يسيب البيت لكن ماما مارجعتش عن كلامها وللأسف بابا كمان ماوقفش جنبه وفعلا ساب البيت, بعدها عرفنا إنه سافركندا وفقدنا اتصالنا بيه لحد مارجع الفترة اللي فاتت .

صمتت تفكر لدقيقة كاملة ثم هتفت فجأة :
- تفتكر شكله إيه الكوليه ده ؟

اندهش من تفكيرها, هل هذا هو السؤال او الرد المناسب على ماحكاه لها ؟, رد في دهشة :
- مش فاكر بالظبط, بس كان أعتقد في ياقوتة وعريض شوية .

انتفضت في مكانها فجأة وهتفت :
- مش ممكن الكوليه ده كان معايا .

اتسعت عيناه في ذهول وهتف :
- معاكي ؟ إنت بتهرجي ؟ معاكي إزاي ؟

أجابت بسرعة وهي تنتفض واقفة لتلتقط حقيبتها :
- انا لازم امشي, الكوليه ده أكيد في وسط لعبي القديمة, أيامها أخدته ألعب بيه والبسه للعروسة بتاعتي من علبة المجوهرات بتاعة ماما وانا مش فاهمة طبعا, ياخبر أبيض , سلام بقى .

وقف وجرى خلفها وهو يهتف :
- يامجنونة استني عاوز أفهم .

صاحت وهي تفتح الباب :
- هابقى اكلمك أفهمك المهم اروح ادور عليه واديه لماما .

أغلقت الباب خلفها وظل هو يتطلع إليه في ذهول في حين أتت (جمانة) مسرعة على صوت رحيل (سارة) وهتفت :
- ايه ده ؟ هي مشيت ؟ ليه ؟ مش معقول تكون انكسفت للدرجة دي ؟

التفت إليها في عدم فهم, ثم قال :
- لا دي افتكرت حاجة وضروري تمشي تعملها .

ثم مط شفتيه وهو يشعر بالغباء, هزت كتفيها في استسلام وصمتت, نظر لزوجته مرة أخرى فوجدها تحمل (ملك) على كتفها وهي نائمة, ثم اتجهت لغرفة الصغيرة لتضعها في الفراش, خرجت من الغرفة فلم تجده, اتجهت لغرفة النوم وجدته هناك مستلقيا على الفراش ويتنفس بعمق, شعرت بالشفقة فقد بدا متعبا للغاية حتى أنه نام بقميصه وبنطاله, ابتسمت في حنان ثم توجهت إليه, دثرته بغطاء رقيق وربتت على شعره بحنو ثم انحنت تطبع قبلة على رأسه, لكنه جذبها بقوة فسقطت على الفراش في فزع وهو يهتف بلهجة بدت جنونية :
- مش بتقولي قطر ؟ طيب هاوريكي القطر بيعمل ايه ؟

لم تدر ما تفعل سوى الاستسلام لحبه الذي يذيب خلاياها ويقتلها عشقا .

____________________________

عندما أفاق والد (دينا) من إغماءته المفاجئة كان الصمت هو مسلكه, شعور بالذهول يكتنفه ولسانه عاجز عن النطق, كانت زوجته تبكيه وتبكي ابنتها وحيرتها بينهما انقسمت, أخذته وعادت به للمنزل وهو يترك لها قيادته كطفل صغير, بعد وصولهما أدخلته سريره وغطته وقبل أن تخرج من الغرفة كان سؤاله المفاجئ ليصدمها :
- هي بنتي مدام يا ناريمان ؟

التفتت إليه في ذهول, ماذا تقول أو تفعل ؟ هو مريض ضعيف وابنتها ضاعت منها وهي انكسرت, تألمت, خافت, فصمتت, عاد يسأل بضعف :
- ارحمي ضعفي يا ناريمان, يعني ايه الدكتور يقول مدام ؟

رفعت عينيها إليه في صمت ففهم, كل شيء مرسوم على وجهها, قصة حياة كاملة تُحكَى هناك, نعم هو خطؤه منذ البدء, أهملها, دللها, ترك زمامها, ووالدتها كأن لم توجد, ضاعت صغيرته الوحيدة, ضاعت عدة مرات, ضاعت حتى أسدل الستار وكتبت كلمة النهاية بدمائها, غمغم :
- سيبيني أنام يا ناريمان .

عادت تلتفت بانكسار وتغادر الغرفة في هدوء شديد, وفي الصباح التالي كانت الأحزان قد زادت حزنا آخر, مات الأب كمدا على ابنته التي ضاعت منه, وزاد حمل ثقيل على كاهل الأم حتى انكسر .
__________________________________

مرت الأيام سريعا وفي نفس اليوم الذي قرر (أدهم) زيارة والديه فيه أعطى (كمال) الضوء الأخضر لـ (فتحي) لينفذ مهمته .
كانت (جمانة) في منزلها تتابع أعمالها اليومية, وبعد أن انتهت وجدت بضعة مظاريف بريدية موضوعة على طاولة بجوار الباب بإهمال, قررت أن تتسلى فيهم, فتحت البعض وكان في الغالب إعلانات, وجدت في وسطها جواب الإخطار البنكي الدوري الذي يأي للمودعين بانتظام, كان باسمها فابتسمت, ما الجديد ؟ لما يصرون على إرسال هذه الخطابات على الرغم من أنها لا تفعل بها شيئا, فتحته من باب الفضول لتجد مفاجأة بانتظارها, حسابها متضخم بشدة, فعلى الرغم من بيعها للأرض إلا أنها تعلم ثمنها جيدا وتعلم أنه مودع في حسابها, أما الآن فالحساب مضاعف كأن الأرض بيعت مرتين, اندهشت بشدة وخطرت في بالها فكرة لم تعلم كيف تتأكد منها, قررت الاتصال بخدمة عملاء البنك لتسأل عن المودعين إن كان ذلك ممكنا, وجاءها الرد أنه من حوالي أسبوعين تم إيداع مبلغ مليون جنيه في رصيدها وقبلها بما يقرب من شهر تم تحويل مبلغ مليون جنيه آخر لنفس الحساب, كان الذهول قد بلغ منها مبلغه فاستفسرت عن الحساب الذي تم التحويل منه لتجده باسم زوجها (أدهم جلال الحسيني), أغلقت الخط وبقيت تفكر وهي لا تعلم ما الذي يمكن أن تفعله, إذن فبعد رفضها الشيك الذي حرره لها عندما وقعوا أوراق الأرض قام بتحويل المال لحسابها بدون سؤالها, لكن كيف أتى برقم حسابها او علم أي معلومات عنه, عقدت حاجبيها بشدة ثم هتفت فجأة :
- لميا !!

قامت مسرعة لتتصل بشقيقتها ووما إن سمعت صوتها حتى بادرتها في لهفة :
- لميا هو أدهم جاب حساب البنك بتاعي منك ؟

ضحكت شقيقتها وهتفت :
- لسه واخدة بالك يامجنونة, أيوة وخلاني وعدته ماأقولش .

سألتها :
- امتى بقى ؟

ردت بابتسامة :
- يوم ماكنت عندكم بنعمل العقود لما صمم ينزل يوصلني .

فكرت وهي تقول ببطء :
- يعني يوم مارفضت الشيك .

(لمياء) باقتضاب :
- أيوة .

ابتسمت فجأة في حب وشعرت بنفسها تحلق عاليا في سعادة, من أين أتى هذا الرجل ؟ هل هو كائن أرضي بالفعل ؟ وكيف يحبها لهذه الدرجة وتعشقه هي بجنون ؟ طال صمتها لتنتبه على صوت (لمياء) تقول في مرح :
- ياعيني ع الناس السرحانة .

ضحكت وقال بسرعة :
- لومي عاوزة منك خدمة .

تنهدت (لمياء) في رومانسية وردت :
- اؤمريني .

قالت في مرح :
- ماشي يا حونينة, تعالي خدي ملك بقى النهاردة .

كانت ضحكة (لمياء) هذه المرة طويلة ولم تتمالك نفسها إلا بصعوبة, ثم هتفت في مرح :
- لا مش جاية .

جارتها (جمانة) هي الأخرى فقالت مصطنعة الحزن :
- كده يالومي, أهون عليكي.

ردت بغرور :
- اممممممم طيب قولي لي هتعملي ايه وأنا آجي آخدها .

تنهدت (جمانة) في حب وقالت بدلال :
- هاعمل ايه يعني ! ركزي معايا بقى .

ضحكت (لمياء) وهتفت :
- بتقوليها في وشي ببجاحة كده ؟ هيه فاكرة يومها كنتي عاملة ازاي ؟ خلاص هآجي آخدها, بس كله بتمنه .

ضحكت هي الأخرى وسألتها :
- أي تمن المهم تيجي , عاوزة ايه بقى ؟

همست في خبث :
- التفاصيل لاحقا .

ضحكت (جمانة) بشدة وهتفت :
- مش بأقولك لسعتي, تعالي بقى بسرعة.

قالت بسرعة :
- طيب طيب, افتحي الباب انا جيت اهو .

ظلت تضحك معها قليلا ثم أنهت المكالمة وانتظرتها حتى أتت لتأخذ الصغيرة, وبعد انطلاقهما تحولت لنحلة نشيطة تنثر رحيق أزهارها في كل ركن حتى أتمت تحضير كل شيء وجلست في انتظاره .

____________________________________

في نفس اليوم قرر (أدهم) أن ينهي عمله ويتوجه لفيلا والده, لقد أوحشه كثيرا وكذلك والدته على الرغم مما حدث بينهما , ما إن دخل حتى وجد والدته جالسة تقرأ في أحد الكتب, نعم والدته كانت تعشق القراءة وورث هو عنها تلك الهواية على الرغم من قلة ممارسته لها, شعر بالحنين لذراعيها وبالشوق ليملأ عينيه من رؤيتها, وقف في صمت للحظات يتأملها, ثم توجه نحوها ببطء, سمعت صوت خطواته فرفعت عينيها لتجد صغيرها المدلل أمامها, كانت نظراته تمتلئ بالحنين ونظراتها بالحزن والعتاب, اقترب أكثر ووقف أمامها قائلا في هدوء :
- إزيك يا أمي ؟

ارتجفت شفتاها قليلا ثم ردت بخفوت :
- الحمد لله يا ادهم, إزيك إنت ؟

جلس أمامها على الأرض وهو يثني ركبتيه و قال :
- الحمد لله .

ثم داعبها قائلا بمرح :
- وحشتيني يا فيري .

كانت ابتسامتها كسيرة وهي تقول :
- بجد يا ادهم ؟ لو كنت وحشتك كنت سألت عليا من زمان, بقى لي قد ايه ما شفتكش ؟

شعر بالحزن وهو يجيب :
- يا أمي, إنت مقاطعاني من وقت مااتجوزت, أنا مش عاوز أعاتب او أقول كلام كتير, بس .... أنا يهمني رضاكي وجمانة كمان يهمها رضاكي وبتسأل عليكي يوميا وعاوزة تيجي تشوفك وتقعد معاكي بس أنا اللي رافض لأني خايف تجرحيها .

تضاعف الحزن الظاهر على وجهها وانخفض صوتها أكثر وهي تقول :
- خايف عليها مني ؟ للدرجة دي يا أدهم ؟

لم يجد مايقوله, نعم هو يخاف جرحها, لن تتحمل قسوتك أمي أو تكبرك ولا يمكنني التسبب لها في أي أذى, غير الموضوع وسألها في مرح :
- امال فين سارة ؟

هزت رأسها بلا اهتمام وردت :
- برا بتعمل شوبينج, واضح إن مراتك مش عاوزة تاخدك إنت بس في صفها .

عقد حاجبيه ولم يفهم فسألها :
- قصدك ايه يا أمي ؟

أجابت في ضيق :
- يعني الأول إنت تصمم تتجوزها بعدين أبوك يوافق ويدافع عنها وكمان أختك استنى لما تشوفها عشان تعرف زيارة واحدة لمراتك عملت فيها ايه ؟

ظل على عدم فهمه, لكنه تخطى الأمر وأراد سؤالها عن موضوع العقد الضائع, بادرته قائلة :
- أدهم تقدر تخلي أخوك آدم ييجي البيت هنا ؟

تطلع إليها في دهشة ونبض قلبه بقوة, هل يمكن ... ؟ سألها بسرعة :
- ليه يا امي ؟

ترددت وبدا عليها نوع من الخجل والاستياء وهي تجيب :
- لقيت الكوليه اللي كان ضايع .

ابتسم وتنهد في ارتياح, وقال :
- سارة ؟

تطلعت إليه في دهشة وهتفت :
- إنت عرفت إزاي ؟

رد :
- كانت عندي يومها عاوزة تعرف اللي حصل وفجأة لقيتها نطت من مكانها وبتقولي الكوليه ده كان معايا .

شعرت بالخجل أكثر وقالت بخفوت :
- أنا مش عارفة أقوله ايه ولا أبرر الموقف إزاي .

شعر بالسعادة تغزوه, وفي نفس الوقت كانت الدهشة تملؤه, ليست هذا والدته أبدا, بها نوع من الخنوع والتواضع الذي لم يكن أبدا سمتا لها, ابتسم وقال قي هدوء :
- انا هاتصرف يا أمي, آدم طيب جدا لدرجة ماتتخيليهاش, عارفة لو كان العكس وانا مكانه كان التصرف هيبقى مختلف, بس لأنه آدم انا عارف هو رد فعله هيبقى إيه .

رفعت عينيها إليه وسألته في أمل :
- تفتكر؟

اتسعت ابتسامته وهو يجيب :
- أنا متأكد مش بس أفتكر .

سمعا صوتا عند بوابة المنزل, التفتا إلى المدخل ليجدا (سارة) , تطلعت إليها الأم في صمت وإن كان به لمحة استياء, أما (أدهم) فقد ابتسم ابتسامة واسعة وامتلأت عيناه بمزيج رائع من الحنان والفرح, ما إن رأته حتى هتفت في مرح وهي تقبل عليه :
- أدهم, أخيرا جيت, وحشتني .

تطلع إليها بسعادة وقال :
- سارو تصدقي ماعرفتكيش ؟ اتحجبتي من إمتى ؟

ابتسمت هي الأخرى في سعادة :
- من ساعة مازرتكم ؟ جمانة .

ظهر الحنان في عينيه لدى سماعه اسمها ونبض قلبه بقوة, هاهي حبيبتي تستحق ذلك العشق الذي يصول ويجول بداخلي, وللمرة المليون أعلم أن اختياري كان موفقا, جذب شقيقته إليه وقبل رأسها في حنان وهو يقول :
- مبروك يا سارو, بجد فرحان أوي إنك اخدتي القرار ونفذتيه, ربنا يثبتك ياحبيبتي .

صعد بعدها (أدهم) لوالده الذي شاركه دهشته بسبب تغير أحوال والدته لكنه كان أيضا سعيدا بها, قص عليه ماحدث لـ (دينا) والذي كان سببا في موت والدها المفاجئ للجميع, شعر بالشفقة, فبالرغم من كونها هي هي وفعلت الكثير لتؤذيه وتؤذي حبيبته لكن تلك النهاية مفجعة حقا, ووالدها الذي كان يحترمه راح هو أيضا ضحية, قضى معهم بعض الوقت ثم عاد لمنزله ليجد مفاجأة حبيبته من أجله.



الثامن والعشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close